الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدولة العاشرة المنتقلة من ملوك العرب المسلمين الى ملوك المغول
(هولاكو بن تولي خان [1]
ولما ملك هولاكو بغداد ورتّب بها الشحاني والولاة انفذ بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل اليه ابنه الملك الصالح اسماعيل ومعه جماعة من عسكره نجدة له. فأظهر له هولاكو عبسة وقال: أنتم بعد في شكّ من أمرنا ومطلتم نفوسكم يوما بعد يوم وقدّمتم رجلا واخّرتم اخرى لتنظروا من الظافر بصاحبه فلو انتصر الخليفة وخذلنا لكان مجيئكم اليه لا إلينا. قل لأبيك: لقد عجبنا منك تعجبا كيف ذهب عليك الصواب وعدل بك ذهنك عن سواء السبيل واتخذت اليقين ظنا وقد لاح لك الصبح فلم تستصبح. فلما عاد الصالح الى الموصل وبلّغ أباه ما حمل من الرسالة الزاجرة أيقن بدر الدين ان المنايا قد كثّرت له عن أنيابها وذلّت نفسه وهلع هلعا شديدا وكاد يخسف بدره ويكسف نوره. فانتبه من غفلته واخرج جميع ما في خزائنه من الأموال واللآلي والجواهر والمحرمات من الثياب وصادر ذوي الثروة من رعاياه وأخذ حتى حليّ حظاياه والدرر من حلق أولاده وسار الى طاعة هولاكو بجبال همذان. فأحسن هولاكو قبوله واحترمه لكبر سنّه ورقّ له وجبر قلبه بالمواعيد
[1-) ] ان هولاكو لم يكن مستقلا بالملك بل كان تحت رئاسة اخية مونككا الخان الأعظم الذي بعثه مع قسم من الجيوش لفتح البلاد التي غربي الفرات. والدليل على ذلك انه لم يكن يضرب اسمه على السكك بل اسم الخان الكبير. وارغون خان هو أول من ابتدأ ان يضرب في السكك اسمه مع اسم الخان العظيم.
(طالع الصفحة 75 من الكتاب المعنون () . والذي حمل أبا الفرج وغيره من مؤرخي العرب ان يذكروا هولاكو كأنه خان عظيم ورأس دولة المغول انما هو لأنه أول من ملك على بلاد المسلمين بعد فتح بغداد وزوال الدولة العباسية.
الجميلة واستأمن اليه وداعبه وقدّمه الى ان أصعده اليه على التخت واذن له ان يضع بيده في أذنيه حلقتين كانتا معه فيهما درّتان يتيمتان [1] . واقام في خدمته أياما ثم عاد الى الموصل مسرورا مبرورا بل مذعورا مما شاهد من عظمة هولاكو وهيبته ودهائه.
وفيها توجه الأشرف بن الملك الغازي بن الملك العادل صاحب ميافارقين الى الملك الناصر صاحب حلب يطلب منه نجدة ليمنع المغول من الدخول الى الشام. فاستخف برأيه ولم يسمع مشورته بل سوّفه بكلام وسرّحه من عنده بالأمان. ولما وصل الى ميافارقين مدينته طرد شحاني المغول منها وصلب رجلا قسيسا كان قد وصل اليه من خدمة قاان باليراليغ والبوايز [2] . وبينما هو كذلك أدركته عساكر المغول وأحاطت بمدينته وفي رأس العسكر يشموت [3] بن هولاكو. وفي يوم وليلة بنى المغول حول مدينته سورا وحفروا خندقا عميقا ثم نصبوا عليها المنجنيقات وابتدأوا بالقتال وقاتلوا قتالا شديدا من الجانبين. ولما رأى المغول ان المدينة لم يمكنهم أخذها بالقتال أبطلوا القتال وحاصروها ومنعوا الناس من الدخول إليها والخروج عنها.
وفي سنة سبع وخمسين وستمائة أرسل هولاكو ايلجية الى الملك الناصر صاحب حلب برسالة يقول فيها: يعلم الملك الناصر اننا نزلنا بغداد في سنة ستّ [4] وخمسين وستمائة وفتحناها بسيف الله تعالى وأحضرنا مالكها وسألناه مسئلتين فلم يجب لسؤالنا فلذلك استوجب منّا العذاب كما قال في قرآنكم إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ. 13: 11 وصان المال. فآل الدهر به الى ما آل. واستبدل النفوس النفيسة.
ينقوش معدنية خسيسة. وكان ذلك ظاهر قوله تعالى: وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً. 18: 49 لاننا قد بلغنا بقوة الله الارادة. ونحن بمعونة الله تعالى في الزيادة. ولا شك ان نحن جند الله في ارضه خلقنا وسلّطنا على من حلّ عليه غضبه. فليكن لكم في ما مضى معتبر.
وبما ذكرناه وقلناه مزدجر. فالحصون بين أيدينا لا تمنع. والعساكر للقائنا لا تضرّ ولا تنفع. ودعاؤكم علينا لا يستجاب ولا يسمع. فاتّعظوا بغيركم. وسلّموا إلينا أموركم.
قبل ان ينكشف الغطا. ويحلّ عليكم الخطا. فنحن لا نرحم من شكا. ولا نرقّ لمن
[1-) ] يتيمتان ر ثمينتان.
[2-) ] ويروى: والبواير.
[3-) ] يشموت س [؟] .- ويروى: بشموت وهو تصحيف.
[4-) ] ست وخمسين (انظر السطر 6 من الصفحة 14 من كتابنا هذا) .- ويروى: خمس. وليس بصواب.
بكا قد اخربنا البلاد. وأفنينا العباد. وايتمنا الأولاد. وتركنا [1] في الأرض الفساد.
فعليكم بالهرب. وعلينا بالطلب. فما لكم من سيوفنا خلاص. ولا من سهامنا مناص.
فخيولنا سوابق. وسهامنا خوارق. وسيوفنا صواعق [2] . وعقولنا كالجبال. وعددنا كالرمال. فمن طلب منّا الامان سلم.. ومن طلب الحرب ندم. فان أنتم أطعتم أمرنا وقبلتم شرطنا كان لكم ما لنا وعليكم ما علينا. وان أنتم خالفتم أمرنا وفي غيكم تماديتم فلا تلومونا ولوموا أنفسكم. فالله عليكم يا ظالمين فهيئوا للبلايا جلبابا. وللرزايا اترابا.
فقد اعذر من انذر. وأنصف من حذّر. لأنكم أكلتم الحرام وخنتم بالايمان. وأظهرتم البدع واستحسنتم الفسق بالصبيان. فابشروا بالذلّ والهوان. فاليوم تجدون ما كنتم تعلمون. سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ. 26: 227 فقد ثبت عندكم اننا كفرة. وثبت عندنا انكم فجرة. وسلّطنا عليكم من بيده الأمور مقدّرة. والأحكام مدبّرة.
فعزيزكم عندنا ذليل. وغنيكم لدينا فقير. ونحن مالكون الأرض شرقا وغربا. واصحاب الأموال نهبا وسلبا. وأخذنا كل سفينة غصبا. فميزوا بعقولكم طرق الصواب قبل ان تضرم الكفرة نارها. وترمي بشرارها. فلا تبقي منكم باقية. وتبقى الأرض منكم خالية.
فقد ايقظناكم. حين راسلناكم. فسارعوا إلينا بردّ الجواب بتّة. قبل ان يأتيكم العذاب بغتة. وأنتم تعلمون. فطلبه ليحضر عنده. ولما شاور الأمراء لم يمكّنوه من المشي الى هولاكو وبقي متحيرا خائفا مذعورا لم يدر ما يصنع. غير انه استجار [3] الله وسيّر ولده الملك العزيز وصحبته الأموال الكثيرة والهدايا والتحف. وبقي هناك من أوائل الشتاء الى الربيع ثم عاد الى أبيه قائلا: قد قال ملك الأرض: نحن للملك الناصر طلبنا لا لولده فالآن ان كان قلبه صحيحا معنا يجيء إلينا والّا فنحن نمشي اليه. فلما سمع الملك الناصر ذلك بقي مترددا في رأيه لان الأمراء لم يمكّنوه من المشي اليه وهو فقد وقع عنده الخوف والجزع ولم يطمئن على القعود. ثم سيّر هولاكو في طلب سلطان الروم عزّ الدين وأخيه ركن الدين فأطاعاه ومشيا اليه واحسن قبولهما والتقاهما مرحّبا بهما فرحانا وتقدّم إليهما بان عزّ الدين يتملّك على قيسارية الى تخوم ارمينية الكبرى وركن الدين يتملّك من اقسرا والى ساحل البحر حدود الافرنج. ثم انه بعد ذلك توجه الى الشام وتوجّها في خدمته الى قريب الفرات وعادا الى بلادهما مسرورين مغبوطين.
[1-) ] وتركنا ر وأوقعنا.
[2-) ] ويروى: مراحق وهي تصحيف مواحق.
[3-) ] استجار الله ر استجار اليه.
وفي هذه السنة توفي السلطان الملك الرحيم بدر الدين ابو الفضائل لؤلؤ صاحب الموصل في عشرين يوما مضت من شهر تموز وتولّى ولده الملك الصالح إسماعيل الموصل وولده علاء الدين سنجار وولده سيف الدين الجزيرة.
وفي سنة ثماني وخمسين وستمائة دخل هولاكو ايلخان الشام ومعه من العساكر اربعمائة ألف ونزل بنفسه على حرّان وتسلمها بالأمان وكذلك الرها ولم يدن لأحد فيهما سوء. واما اهل سروج فإنهم أهملوا امر المغول فقتلوا عن أقصاهم. وتقدم هولاكو فنصب جسرا على الفرات قريبا من مدينة ملطية وآخر عند قلعة الروم وآخر عند قرقيسياء وعبرت العساكر جملتها وقتلوا عند منبج مقتلة عظيمة. ثم تفرّقت العساكر على القلاع والمدن. ونفر قليل من العسكر طلب حلب فخرج إليهم الملك المعظم ابن صلاح الدين الكبير فالتقاهم وانكسر قدّام المغول ودخل المدينة منهزما. وطرف منهم وصل الى المعرّة وخربوها. وتسلّموا حماة بالأمان وحمص ايضا. فلما بلغ ذلك الملك الناصر أخذ أولاده ونساءه وجميع ما يعزّ عليه وتوجه منهزما الى بريّة الكرك والشوبك.
وعند ما وصلت المغول الى دمشق خرج أعيانها إليهم وسلموها لهم بالأمان ولم يلحق بأحد منهم أذى. واما هولاكو فانه بنفسه نزل على حلب وبنى عليها سيبا ونصب المنجنيقات واستضعف في سورها موضعا عند باب العراق واكثر القتال والزحف عليه. وفي ايام قلائل ملكوها ودخلوها يوم الأحد الثالث والعشرين [1] من كانون الثاني من هذه السنة وقتل فيها اكثر من الذي قتل ببغداد. وبعد ذلك أخذوا القلعة في اسرع ما يكون وقتا.
ثم ان هولاكو رحل عنها وأحاط بقلعة الحارم [2] واختار ان يسلموها اليه ويؤمّنهم على أنفسهم فلم يطمئنوا الى قوله وانما طلبوا منه رجلا مسلما يحلف لهم ويكون صاحب شريعة يطمأن اليه حيث يحلف لهم بالطلاق والمصحف ان لا يدنو لأحد منهم سوء وينزلوا ويسلّموا إليهم القلعة. فسألهم هولاكو: من تريدون ان يحلف لكم. قالوا:
فخر الدين الوالي بقلعة حلب فانه رجل صادق مؤمن خيّر. فتقدّم هولاكو اليه فدخل إليهم وحلف لهم على جميع ما يريدون. فحينئذ فتحوا الأبواب ونزل الناس خلائق كثيرة وتسلّم المغول القلعة. ثم ان هولاكو تقدم بقتل فخر الدين الوالي أولا ثم بقتل جميع من كان في القلعة من الصغار والكبار الرجال منهم والنساء حتى الطفل الصغير في المهد. ورحل هولاكو من هناك عائدا الى البلاد الشرقية. ورتّب في الشام أميرا
[1-) ] الثالث والعشرين س الثالث.
[2-) ] ويروى: حازم وهو تصحيف. وحارم حصن وكورة جليلة تجاه انطاكية.
كبيرا يسمّى كتبوغا ومعه عشرة آلاف فارس من العسكر. ولما وصل الى تلّ باشر وصلت العساكر التي حاصرت ميّافارقين ومعهم الأشرف صاحبها وأنهوا انهم أخذوها وقتلوا كل من فيها ولم يتخلّف فيها الّا انفار قليلة لأنهم هلكوا جوعا وماتوا. ولولا ذلك لم يتمكن المغول من أخذها. وقتل الأشرف صاحبها وبعد ذلك ندم هولاكو على قتله.
ثم انه ولّى عليها رجلا أميرا من أمراء الأشرف يسمّى عبد الله. ولما وصل هولاكو قريب ماردين سيّر يطلب صاحب ماردين اليه. فأبى ولم ينزل اليه [1] . بل سيّر ولده مظفّر الدين لأنه كان في خدمة هولاكو هو والملك الصالح ابن السلطان بدر الدين لما كان بالشام. قال له هولاكو: تصعد الى أبيك وتقول له ينزل إلينا ولا يعصي وان عصى لم يصب خيرا. ولما صعد الى أبيه وخاطبه لم يقنع بانه لم يسمع مشورته بل قيّده وحبسه عنده. فعند ذلك أحاطت المغول بماردين وابتدأوا بالقتال ولولا ان وقع فيها الوباء والموت ومات السلطان واكثر أهلها لما أخذوها لا في سنتين ولا في ثلثة. ولما مات السلطان.
نزل ابنه الملك المظفر وسلّم إليهم القلعة والخزائن والأموال. وتحقق عند ملك الأرض هولاكو ما جرى عليه من أبيه فلأجل ذلك أكرمه واحسن اليه وملّكه موضع أبيه.
وكتبوغا كبير عسكر المغول الذي نزل بالشام لم يزل يستفحص عن اخبار الملك الناصر المنهزم في البراري حتى عرف موضعه وسيّر عليه بعض العسكر فلزموه وسيّروه الى هولاكو. ولما مثل بين يديه فرح به ووعده بكل خير وجميل وانه يعيده الى ملكه وهو يومئذ نازل بجبال الطاق. فبينما هم في ذلك وصل خبر ان قوتوز التركماني الذي تولّى مصر لما بلغه ان هولاكو رجع الى المشرق وكتبوغا بعشرة آلاف فارس في الشام استضعفه وجمع عسكرا كثيرا وخرج التقى به وكسره وقتله واستأسر أولاده وكان ذلك في السابع والعشرين من رمضان من سنة ثماني وخمسين وستمائة. فغضب هولاكو لذلك وتقدّم بقتل الملك الناصر وقتل أخيه الملك الظاهر وجميع من معهم. ولم يخلص منهم غير محيي الدين المغربيّ بسبب انه كان يقول انني رجل اعرف بعلم السماء والكواكب والتنجيم ولي كلام أقوله لملك الأرض. قال محيي الدين المذكور لما اجتمعنا به في مدينة مراغة: انني لما قلت لهم هذا الكلام أخذوني وأحضروني بين يدي هولاكو فتقدّم ان يسلّموني الى خواجا نصير الدين. وحكى لنا صورة ما جرى للملك الناصر قال:
كنت في خدمته يوم الأربعاء عشرين شوّال وهو يسألني عن مولده إذ وصل امير
[1-) ] ولم ينزل اليه بل س انما عن هولاكو يقال انه سيّر. وهذه الرواية توافق معنى العبارة.