الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان ذلك دأبهم زمان الصيف والربيع. فإذا جاء الشتاء واقشعرّت الأرض انكمشوا الى أرياف العراق وأطراف الشام. فشتّوا هناك مقاسين جهد الزمان ومصطبرين على بؤس العيش. وكانت أديانهم مختلفة. فكانت حمير تعبد الشمس. وكنانة القمر.
وميسم الدبران. ولخم وجذام المشتري. وطيّء سهيلا. وقيس الشعرى العبور. واسد عطارد. وثقيف بيتا بأعلى نخلة يقال لها اللّات. وكان فيهم من يقول بالمعاد ويعتقد ان من نحرت ناقته على قبره حشر راكبا ومن لم يفعل ذلك حشر ماشيا. فأما علم العرب الذين كانوا يتفاخرون به فعلم لسانهم واحكام لغتهم ونظم الاشعار وتأليف الخطب.
وكان لهم مع هذا معرفة بأوقات مطالع النجوم ومغاربها وعلم بأنواء الكواكب وأمطارها على حسب ما أدركوه بفرط العناية وطول التجربة لاحتياجهم الى معرفة ذلك في اسباب المعيشة لا على طريق تعلّم الحقائق. واما علم الفلسفة فلم يمنحهم الله شيئا منه ولا هيأ طبائعهم للعناية به. فهذه كانت حالهم في الجاهلية. واما حالهم في الإسلام فعلى ما تذكره بأوجز ما يمكننا وأقصر ان شاء الله.
(محمد بن عبد الله عليه السلام
ذكر النسّابون ان نسبته ترتقي الى إسماعيل ابن ابراهيم الخليل الذي ولدت له هاجر امة سارة زوجته. وكان ولاده بمكة سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة للإسكندر [1] . ولما مضى من عمره سنتان بالتقريب مات عبد الله أبوه وكان مع أمّه آمنة بنت وهب ست سنين. فلما توفيت اخذه اليه جدّه عبد المطلب وحنا عليه. فلما حضرته الوفاة اوصى ابنه أبا طالب بحياطته [2] فضمه اليه وكفله. ثم خرج به وهو ابن تسع سنين الى الشام. فلما نزلوا بصرى خرج إليهم راهب عارف اسمه بحيرا من صومعته وجعل بتخلل القوم حتى انتهى اليه فأخذه بيده وقال: سيكون من هذا الصبي أمر عظيم ينتشر ذكره في مشارق الأرض ومغاربها فانه حيث اشرف اقبل وعليه غمامة تظلله. ولما كمل له من العمر خمس وعشرون سنة عرضت عليه امرأة ذات شرف ويسار اسمها خديجة ان يخرج بمالها تاجرا الى الشام وتعطيه أفضل ما تعطي غيره. فأجابها الى ذلك وخرج. ثم رغبت فيه وعرضت نفسها عليه فتزوجها وعمرها يومئذ أربعون سنة.
وأقامت معه الى ان توفيت بمكة اثنتين وعشرين سنة. ولما كمل له أربعون سنة اظهر الدعوة. ولما مات ابو طالب عمّه وماتت ايضا خديجة زوجته اصابته قريش بعظيم أذى.
فهاجر عنهم الى المدينة وهي يثرب. وفي السنة الاولى من هجرته احتفل الناس اليه
[1-) ] والصواب سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة.
[2-) ] بحياطته ر بحفاظته.
ونصروه على المكيين أعداؤه. وفي السنة الثانية من هجرته الى المدينة خرج بنفسه الى غزاة بدر وهي البطشة الكبرى وهزم بثلاثمائة وثلثة عشر رجلا من المسلمين ألفا من اهل مكة المشركين. وفي هذه السنة صرفت القبلة عن [1] جهة البيت المقدس الى جهة الكعبة.
وفيها فرض صيام شهر رمضان. وفي السنة الثالثة خرج الى غزاة أحد. وفيها هزم المشركون المسلمين وشجّ في وجهه وكسرت رباعيته. وفي السنة الرابعة غزا بني النّضير اليهود وأجلاهم الى الشام. وفيها اجتمع احزاب شتى من قبائل العرب مع اهل مكة وساروا جميعا الى المدينة فخرج إليهم. ولأنه هال المسلمين أمرهم أمر بحفر خندق وبقوا بضعة وعشرين يوما لم يكن بينهم حرب. ثم جعل واحد من المشركين يدعو الى البراز.
فسعى نحوه عليّ بن ابي طالب وقتله وقتل بعده صاحبا له. وكان قتلهما سبب هزيمة الأحزاب على كثرة عددهم ووفرة عددهم. وفي السنة الخامسة كانت غزاة دومة الجندل وغزاة بني لحيان. وفي السنة السادسة خرج بنفسه الى غزاة بني المصطلق وأصاب منهم سبيا كثيرا. وفي السنة السابعة خرج الى غزاة خيبر مدينة اليهود. وينقل عن عليّ بن ابي طالب انه عالج باب خيبر واقتلعه وجعله مجنا وقاتلهم. وفي الثامنة كانت غزاة الفتح فتح مكة وعهد الى المسلمين ان لا يقتلوا فيها الا من قاتلهم وأمّن من دخل المسجد ومن أغلق على نفسه بابه وكفّ يده ومن تعلّق بأستار الكعبة سوى قوم كانوا يؤذونه.
ولما أسلم ابو سفيان وهو عظيم مكة من تحت السيف ورأى جيوش المسلمين قال للعبّاس يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما. فقال له: ويحك انها النبوّة. قال نعم اذن. وفي السنة التاسعة خرج الى غزاة تبوك من بلاد الروم ولم يحتج فيها الى حرب وفي السنة العاشرة حجّ حجّة الوداع. وفيها تنبأ باليمامة مسيلمة الكذّاب وجعل يسجع مضاهيا للقرآن فيقول: لقد أنعم الله على الحبلى اخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وحشا. وفي هذه السنة وعك عليه السلام ومرض وتوفي يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر. وكان عمره بجملته ثلاثا وستين سنة منها أربعون سنة قبل دعوة النبوّة ومنها بعدها ثلث عشرة سنة مقيما بمكة ومنها بعد الهجرة عشر سنين مقيما بالمدينة. ولما توفي أراد اهل مكة من المهاجرين ردّه إليها لأنها مسقط رأسه. وأراد أهل المدينة من الأنصار دفنه بالمدينة لأنها دار هجرته ومدار نصرته. وأرادت جماعة نقله الى بيت المقدس لأنه موضع دفن الأنبياء. ثم اتفقوا على دفنه بالمدينة فدفنوه بحجرته حيث قبض. واختلفوا في عدد از واجه. واكثر ما قالوا سبع عشرة امرأة سوى السراري. وولد له سبعة أولاد
[1-) ] عن ر من.
ثلثة بنين واربع بنات كلهم من خديجة الّا ابراهيم ابنه فانه من ماريّة القبطية التي بعث بها المقوقس الى الاسكندرية مع أختها شيرين. ولم يمت من نسائه قبله الّا اثنتان.
ولم يعش من أولاده بعده الّا ابنة واحدة هي فاطمة زوجة عليّ بن ابي طالب وتوفيت بعد أبيها بثلثة أشهر.
وقد وقع في الإسلام اختلافات شتى كما وقع في غيره من الأديان بعضها في الأصول وهي موضوع علم الكلام وبعضها في الفروع وهي موضوع علم الفقه. والخلاف في الأصول فينحصر في اربع قواعد الاولى الصفات والتوحيد. الثانية القضاء والقدر.
الثالثة الوعد والوعيد. الرابعة النبوّة والامامة.
وكبار فرق الاصوليّين ستّ. المعتزلة ثم الصفاتية وهما متقابلتان تقابل التضادّ.
وكذلك القدريّة تضادّ الجبريّة. والمرجئة الوعيديّة. والشيعيّة الخوارج. ويتشعّب عن كل فرقة اصناف فتصل الى ثلث وسبعين فرقة [1] . اما المعتزلة فالذي يعمّهم من الاعتقاد القول بنفي الصفات القديمة عن ذات الباري تعالى هربا من أقانيم النصارى.
فمنهم من قال انه تعالى عالم لذاته لا بعلم وكذلك قادر وحيّ. ومنهم من قال انه عالم بعلم وهو ذاته وكذلك قادر وحيّ. فالأول نفى الصفة رأسا والثاني اثبت صفة هي بعينها ذات. واتّفقوا على انّ كلامه تعالى محدث بخلقه [2] في محلّ وهو حرف وصوت وكتب مثاله [3] في المصاحف. وبالجملة نفي الصفات مقتبس من الفلاسفة الذين اعتقدوا ان ذات الله تعالى واحدة لا كثرة فيها بوجه. وبازاء المعتزلة الصفاتيّة وهم يثبتون لله صفات ازلية من العلم والقدرة والحياة وغيرها. وبلغ بعضهم في اثبات الصفات كالسمع والبصر والكلام الى حدّ التجسيم فقال: لا بدّ من اجراء الآيات الدّالّة عليها كالاستواء على العرش والخلق باليد وغيرهما على ظاهرها من غير تعرّض للتأويل. الّا ان قوما منهم كأبي
[1-) ] دونك ما قاله الشهرستاني في الصفحة 2 و 3 من كتابه الملل والنحل:
[2-) ] بخلقه ر بخلقة.
[3-) ] مثاله ر أمثاله.
الحسن الاشعريّ وغيره لمّا باشروا علم الكلام منعوا التشبيه وصار ذلك مذهبا لأهل السنّة والجماعة وانتقلت سنّة [1] الصفاتيّة الى الاشعريّة.
وامّا القدريّة فهم معتزلة ايضا وانما لقّبوا بالقدريّة لنفيهم القدر لا لاثباتهم ايّاه فإنهم يقولون ان العبد قادر خالق لأفعاله خيرها وشرّها مستحقّ على ما يفعله ثوابا وعقابا.
فالرّب تعالى منزّه عن ان يضاف اليه شرّ وظلم. وسمّوا هذا النمط عدلا. وحدّوه بأنه إصدار الفعل على وجه الصواب والمصلحة لمقتضى [2] العقل من الحكمة. وبازاء القدريّة الجبريّة الذين ينفون الفعل والقدرة على الفعل عن العبد ويقولون ان الله تعالى يخلق الفعل ويخلق في الإنسان قدرة متعلّقة بذلك الفعل ولا تأثير لتلك القدرة على ذلك الفعل.
ومنهم من يثبت للعبد قدرة ذات اثر ما في الفعل ويقولون ان الله مالك في خلقه يفعل فيهم ما يشاء ولا يسأل عمّا يفعل. فلو ادخل الخلائق بأجمعهم الجنّة لم يكن حيفا. ولو أدخلهم بأجمعهم النار لم يكن جورا بل هو في كل ذلك عادل لأنّ العدل على رأيهم هو التصرّف فيما يملكه المتصرّف.
واما المرجئة فهم يقولون بارجاء حكم صاحب الكبيرة من المؤمنين الى القيامة اي بتأخيره إليها. فلا يقضون عليه بحكم ما في الدنيا من كونه ناجيا او هالكا ويقولون ايضا انه لا يضرّ مع الايمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وبازاء المرجئة الوعيدية القائلون بتكفير صاحب الكبيرة وتخليده في النار وان كان مؤمنا لكن يكون عقابه اخف من عقاب الكفّار. واما الشيعة فهم الذين شايعوا عليّ بن ابي طالب وقالوا بإمامته بعد النبيّ. وان الامامة لا تخرج من أولاده الا بظلم. ويجمعهم القول بثبوت عصمة الأيمّة وجوبا عن الكبائر والصغائر. فان الامامة ركن من اركان الدين لا يجوز للنبي اغفاله ولا تفويضه الى العامّة. ومن غلاة الشيعة النصيريّة القائلون بان الله تعالى ظهر بصورة علي ونطق بلسانه مخبرا عمّا يتعلّق بباطن الأسرار. وقوم منهم غلوا في حق أئمّتهم حتى أخرجوهم من حدود الخليقة وحكموا فيهم بأحكام الاهية. وبازاء الشيعة الخوارج فمنهم من خطّأ عليّ بن ابي طالب فيما تصرّف فيه ومنهم من تخطّى عن تخطئته الى تكفيره ومنهم من جوّز ان لا يكون في العالم امام أصلا وان احتيج اليه فيجوز ان يكون عبدا او حرّا او نبطيّا او قرشيّا إذا كان عادلا. فان عدل عن الحق وجب عزله وقتله. فهذا اقتصاص مذهب الأصوليين على سبيل الاختصار.
[1-) ] سنّة ر سمة.
[2-) ] لمقتضى ر يقتضي.
ابن العبري- 7