الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نصفها. وظنّ من جهة التسمية ان الشطر قد ذهب من الحمّى. وما زال يسألهم عمّا كانت فيقولون غبّا. وعمّا هي الآن فيقولون شطرا فيتظلم ويقول: فلم منعتموني نصف القبالة. وحكي ان ابن رضوان هذا كان في أول أمره منجما يقعد على الطريق ويرتزق ثم قرأ شيئا من الطب والمنطق وكان من المفلفلين لا المحققين ولم يكن حسن المنظر ولا الهيئة ومع هذا تتلمذ له جماعة من الطلبة بمصر وأخذوا عنه وسار ذكره وصنّف كتبا مختطفة ملتقطة مستنبطة من غيره وكان تلاميذه ينقلون عنه من التعاليل الطبيّة والألفاظ المنطقيّة ما يضحك منه ان صدق النقلة. ولم يزل ابن رضوان بمصر متصدّرا للافادة الى ان مات في حدود سنة ستين [1] واربعمائة. وكان من مشاهير الأطباء في هذه الأيام طبيب نصراني من اهل بغداد يقال له كتيفات خدم البساسيري معروف بالعمل غير موصوف بعلم ارتفع بصائب معالجته.
(المقتدي بن محمد بن القائم)
لما توفي القائم بأمر الله [2] بويع عبد الله بن محمد ابن القائم بالخلافة ولقّب المقتدي بأمر الله سنة سبع وستين واربعمائة. ولم يكن للقائم من أعقابه ذكر سواه فان الذخيرة أبا العباس محمد بن القائم توفي في ايام أبيه ولم يكن له غيره وكان المقتدي حملا في بطن امّه فولد بعد موت أبيه محمد بستة أشهر. وفي سنة ثماني وستين سار اقسيس الخوارزمي وهو احد الأمراء من عسكر السلطان ملكشاه الى دمشق فحصرها فغلت [3] الأسعار فبيعت الغرارة بأكثر من عشرين دينارا فسلموها اليه بالأمان وخطب بها للمقتدي الخليفة العباسي وكان آخر ما خطب فيها للعلويّين المصريين.
وتغلّب اقسيس على اكثر الشام. وفي سنة اربع وسبعين توفي نور الدولة دبيس الاسدي وكان عمره ثمانين سنة وامارته سبعا وخمسين سنة وكان مذكورا بالفضل والإحسان.
وولي بعده ما كان اليه ابنه منصور ولقّب بهاء الدولة فأحسن السيرة وسار الى السلطان ملكشاه فاستقرّ له الأمر وخلع الخليفة ايضا عليه ثم مات في سنة تسع وسبعين وولي الحلّة والنيل وجميع ما كان له ابنه سيف الدولة صدقة. وفي سنة خمس وثمانين قتل نظام الملك الوزير بالقرب من نهاوند قتله صبي ديلمي من الباطنية أتاه في صورة مستمنح او مستغيث فضربه بسكين كانت معه فقضي عليه. وبقي نظام الملك وزيرا للسلاطين ثلثين سنة سوى ما وزر لالب ارسلان وهو صاحب خراسان ايام عمّه
[1-) ] ستين ر ست وستين.
[2-) ] كان عمره ستا وسبعين سنة وشهورا وخلافته أربعا وأربعين سنة وثمانية أشهر.
[3-) ] فغلت ر فعلت.
طغرلبك قبل ان يتولّى السلطنة. وكان عمره سبعا وسبعين سنة. وكان سبب قتله ان عثمان ابن جمال الملك بن نظام الملك كان قد ولّاه جدّه رئاسة مرو وأرسل السلطان إليها شحنة اسمه قودن وهو من خواصّه فنازع عثمان في شيء فحملت عثمان حدائة سنّه وطمعه بجدّه على ان قبض عليه وأخرق به ثم أطلقه فقصد السلطان مستغيثا شاكيا فأرسل السلطان الى نظام الملك رسالة يقول له: ان كنت شريكي في الملك فلذلك [1] حكم.
وان كنت نائبي فيجب ان تلزم حدّ التبعية والنيابة وهؤلاء أولادك قد جاوزوا حدّ امر السياسة وطمعوا الى ان فعلوا كذا وكذا. فحضر المرسلون عند نظام الملك وأوردوا عليه الرسالة فقال: قولوا للسلطان ان كنت ما علمت اني شريكك في الملك فاعلم.
فإنك ما نلت هذا الأمر الا بتدبيري ورأيي اما تذكر حين قتل أبوك فقمت بتدبير أمرك وقمعت الخوارج عليك من أهلك وغيرهم. وأنت ذلك الوقت كنت تتمسك بي فلما قدت [2] الأمور إليك وأطاعك القاصي والداني أقبلت تتجنى لي الذنوب وتسمع في السعايات. وقولوا له عني ان ثبات تلك القلنسوة معذوق بهذه الدواة وان اتفاقهما سبب كل غنيمة ومتى أطبقت هذه الدواة زالت تلك. وأطال فيما هذا سبيله. ثم قال: قولوا للسلطان عني مهما أردتم فقد أهمّني [3] ما لحقني من توبيخه وفتّ في عضدي. فلما خرجوا من عنده اتفقوا على كتمان ما جرى عن السلطان فقالوا له ما مضمونه العبودية والاعتذار.
ثم ان واحدا منهم اعلم السلطان بما جرى فوقع التدبير عليه حتى قتل ومات السلطان بعده بخمس وثلثين يوما وانحلّت الدولة ووقع السيف وكان قول نظام الملك شبه الكرامة له. وقيل ان ابتداء امر نظام الملك انه كان من أبناء الدهاقين بطوس وتعلّم العربية وكان كاتبا الأمير تاجر [4] صاحب بلخ وكان الأمير يصادره في رأس كل سنة ويأخذ ما معه ويقول له: قد سمنت يا حسن. وهرب الى جغريبك داود وهو بمرو فدخل اليه. فلما رآه أخذ بيده وسلمه الى ولده آلب ارسبلان وقال له: هذا حسن الطوسي فتسلمه واتخذه والدا ولا تخالفه. وكان نظام الملك إذا دخل عليه الائمّة الأكابر يقوم لهم ويجلس في مسنده وكان له شيخ فقير إذا دخل اليه يقوم له ويجلسه في مكانه ويجلس بين يديه. فقيل له في ذلك فقال: ان أولئك إذا دخلوا عليّ يثنون عليّ بما ليس في
[1-) ] فلذلك ر فاقد لك وفامدّ لك.
[2-) ] قدت ر قرّت.
[3-) ] اهمني ر دهمني.
[4-) ] ويروى: باجر. ويروى: باخر.
ابن العبري- 13
فيزيدني كلامهم عجبا وتيها. وهذا يذكرني عيوب نفسي وما انا فيه من الظلم فتنكسر نفسي لذلك فأرجع عن كثير مما انا فيه. وكان مجلسه عامرا بالعلماء واهل الخير والصلاح.
واكثر الشعراء مراثيه فمن جيّد ما قيل قول شبل الدولة:
كان الوزير نظام الملك لؤلؤة
…
يتيمة [1] صاغها الرحمن من شرف
بدت [2] فلم تعرف الأيام قيمتها
…
فردّها غيرة منه الى الصدف
ثم سار السلطان ملكشاه بعد قتل نظام الملك الى بغداد ودخلها في الرابع والعشرين من شهر رمضان. واتفق ان خرج الى الصيد وعاد ثالث شوّال مريضا وكان سبب مرضه انه أكل لحم صيد فحمّ فافتصد ولم يستوف إخراج الدم فثقل في مرضه وكانت حمّى محرقة فتوفي ليلة الجمعة النصف من شوال فسترت زوجته تركان خاتون موته وكتمته وسارت من بغداد والسلطان معها محمولا وبذلت الأموال للامراء واستحلفتهم لابنها محمود وكان تاج الملك وزيرها يتولّى ذلك لها وأرسلت الى الخليفة المقتدي في الخطبة فأجابها وخطب لمحمود وعمره اربع سنين [3] . وسارت تركان خاتون من بغداد الى أصفهان وبها بركيارق [4] وهو اكبر أولاد السلطان فخرج منها هو ومن معه من الأمراء النظامية وساروا نحو الريّ. فسيّرت خاتون العساكر الى قتال بركيارق فانحاز جماعة منهم الى بركيارق فقوي بهم وعاد الى أصفهان وحاصرها. وكان تاج الملك مع عسكر خاتون فأخذ وحمل الى بركيارق فهجم النظامية عليه فقتلوه. وكان كثير الفضائل جمّ المناقب وانما غطّى محاسنه ممالأته على قتل نظام الملك. وفي سنة سبع وثمانين قدم بركيارق بغداد وخطب له بالسلطنة ولقّب ركن الدين. وفي سنة سبع وثمانين واربعمائة خامس عشر محرّم توفي الامام المقتدي بأمر الله فجأة وكان قد احضر عنده تقليد السلطان بركيارق ليعلّم فيه فقرأه وتدبره وعلّم فيه. ثم قدّم اليه طعام فأكل منه وغسل يديه وعنده قهرمانته شمس النهار. فقال لها: ما هذه الأشخاص التي دخلت عليّ بغير اذن.
(قالت) فالتفتّ فلم ار شيئا ورأيته قد تغيّرت حالته وانحلّت قوته وسقط الى الأرض ميتا. وقلت لجارية عندي: ان صحت قتلتك. وأحضرت الوزير فأعلمته الحال.
فشرعوا في البيعة لوليّ العهد وجهّزوا المقتدي ودفنوه وكان عمره ثمانيا وثلثين سنة وثمانية
[1-) ] ويروى: ثمينة. وروى ابن خلكان: نفيسة.
[2-) ] ويروى: عزت.
[3-) ] ولقب ناصر الدنيا والدين.
[4-) ] ويروى: تركيارق س تركيارق وهو تصحيف.