الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلم يزل على ذلك حتى استجاب له جمع كثير واتخذ منهم اثني عشر نقيبا على عدد الحواريين وأمرهم ان يدعوا الناس الى مذهبهم. فبلغ خبره عامل تلك الناحية فأخذه وحبسه وحلف انه يقتله واغلق باب البيت عليه وجعل المفتاح تحت وسادته واشتغل بالشرب. فسمعت جارية له بيمينه فرقّت للرجل. فلما نام العامل أخذت المفتاح وفتحت الباب وأخرجته ثم أعادت المفتاح الى مكانه. فلما أصبح العامل فتح الباب ليقتله فلم يره وشاع ذلك في الناس وافتتن به اهل تلك الناحية وقالوا رفع. ثم ظهر في ناحية اخرى ولقي جماعة من أصحابه وغيرهم وقال لهم: لا يمكن ان ينالني احد بسوء. فعظم في أعينهم.
ثم خاف على نفسه فخرج الى ناحية الشام ولم يوقف له على خبر وسمّي باسم رجل كان ينزل عنده وهو كرمتية [1] ثم خفّف فقيل قرمطة. وكان فيما حكي عن القرامطة من مذهبهم انهم جاءوا بكتاب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. يقول الفرج بن عثمان وهو من قرية يقال لها نصرانة ان المسيح تصوّر له في جسم انسان وقال له: انك الداعية وانك الحجة وانك الناقة وانك الدابة وانك يحيى بن زكريا وانك روح القدس وعرّفه ان الصلاة اربع ركعات ركعتان قبل طلوع الشمس وركعتان قبل [2] غروبها والصوم يومان في السنة وهما المهرجان والنيروز. وان النبيذ حرام والخمر [3] حلال ولا يؤكل كل ذي ناب ولا كل ذي مخلب.
(المعتضد بن الموفق)
بويع في صبيحة الليلة التي مات فيها عمّه المعتمد. ولما ولي المعتضد بعث خمارويه بن اخمد بن طولون له هدايا والطافا شريفة ورسولا وسأله ان يزوج ابنة خمارويه المسماة قطر الندى بعليّ بن المعتضد. فقال المعتضد: انا أتزوجها. فسرّ خمارويه بذلك. وفي سنة احدى وثمانين ومائتين خرج المعتضد الى الموصل قاصدا للأعراب والأكراد فسار إليهم فأوقع بهم وقتل منهم وغرق منهم في الزاب خلق كبير.
وسار المعتضد الى الموصل يريد قلعة ماردين وكانت لحمدان فهرب حمدان منها وخلف ابنه بها فنازلها المعتضد وقاتل من فيها يومه ذلك. فلما كان الغد ركب المعتضد فصعد الى باب القلعة وصاح: يا ابن حمدان. فأجابه. فقال: افتح الباب. ففتحه فقعد المعتضد في الباب وأمر بنقل ما في القلعة وهدمها. ثم ظفر بحمدان بعد عوده الى بغداد جاءه مستأمنا اليه. وفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين جهز خمارويه ابنته احسن جهاز وبعث
[1-) ] كرمتية ر كرمينة.
[2-) ] قبل. روى ابن الأثير «بعد» .
[3-) ] والخمر ر الشراب.
بها الى المعتضد في المحرّم. وفي هذه السنة لثلث خلون من ذي الحجة قتل خمارويه بدمشق ذبحه على فراشه بعض خاصته. ولما قتل اقعدوا مكانه ابنه هرون والتزم انه يحمل من مصر الى خزانة المعتضد في كل سنة ألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار.
وفي سنة ثلث وثمانين ومائتين سارت الصقالبة الى الروم فحاصروا القسطنطينية وقتلوا من أهلها خلقا كثيرا وخربوا البلاد. فلما لم يجد ملك الروم منهم خلاصا جمع من عنده من أسارى المسلمين وأعطاهم السلاح وسألهم معونته على الصقالبة ففعلوا وكشفوهم وازاحوهم عن القسطنطينية. فلما رأى ملك الروم ذلك خاف المسلمين على نفسه فأخذ سلاحهم وفرقهم في البلدان حذرا من جنايتهم عليه. وفي هذه السنة كان الفداء بين المسلمين والروم وكان جملة من فودي به من المسلمين من الرجال والنساء والصبيان الفين وخمسمائة واربعة انفس. وفي هذه السنة وهي سنة اربع وثمانين ومائتين كان المنجمون يوعدون بغرق اكثر الأقاليم الا إقليم بابل فانه يسلم منه اليسير وإذ ذلك يكون بكثرة الأمطار وزيادة المياه في الأنهار والعيون. فقحط الناس وقلت الأمطار وغارت المياه حتى استسقى الناس ببغداد مرات. وفي سنة خمس وثمانين ومائتين ظهر رجل من القرامطة يعرف بأبي سعيد بالبحرين واجتمع اليه جماعته من الاعراب والقرامطة وقوي أمره فقاتل ما حوله من القوى ثم صار الى القطيف واظهر انه يريد البصرة. فأمر المعتضد ببناء سور على البصرة فعمل وكان مبلغ الخرج عليه اربعة عشر ألف دينار. وفي سنة ثماني وثمانين ومائتين وقع الوباء باذربيجان فمات منه خلق كثير الى ان فقد الناس ما يكفنون به الموتى وكانوا يطرحونهم في الطريق. وفيها سارت الروم الى كيسوم فنهبوها وغنموا اموال أهلها وأسروا منها نحو خمسة عشر ألف انسان من رجل وصبي وامرأة. وفي سنة تسع وثمانين ومائتين انتشر القرامطة بسواد الكوفة فأخذ رئيسهم وسيّر الى المعتضد وأحضره وقال له: اخبرني هل تزعمون ان روح الله تحل في أجسادكم. فقال له الرجل:
يا هذا ان حلت روح الله فينا فما يضرك وان حلت روح إبليس فما ينفعك فلا تسأل عمّا لا يعنيك وسلّ عما يخصك. فقال: ما تقول فيما يخصني. فقال: أقول ان النبي عليه السلام مات وأبوكم العباس حيّ فهل طلب الخلافة ام هل بايعه احد من الصحابة على ذلك. ثم مات ابو بكر واستخلف عمر وهو يرى موضع العباس ولم يوص اليه. ثم مات عمر وجعلها شورى في ستة انفس ولم يوص الى العباس ولا ادخله فيهم فبماذا تستحقون أنتم الخلافة وقد اتفق الصحابة على دفع جدك عنها. فأمر به المعتضد فعذب
وخلعت عظامه ثم قطعت يداه ورجلاه ثم قتل. وبعد قليل في هذه السنة في ربيع الآخر لثمان بقين منه توفي المعتضد فاجتمع القواد وجددوا البيعة لابنه المكتفي وكانت خلافة المعتضد تسع [1] سنين وتسعة أشهر وعمره سبع وأربعين سنة. وقيل كان المعتضد أسمر نحيفا شهما شجاعا وكان فيه شحّ وكان عفيفا مهيبا عند أصحابه يتقون سطوته ومع ذلك جاوز الحد في الحلم. قال الوزير عبد الله بن سليمان بن وهب: كنت عند المعتضد يوما وخادم بيده المذبة إذ ضربت [2] قلنسوة المعتضد فسقطت فكدت اختلط إعظاما للحال ولم يتغير المعتضد وقال: هذا الغلام قد نعس. ولم ينكر عليه. فقبّلت الأرض وقلت: والله يا امير المؤمنين ما سمعت بمثل هذا ولا ظننت ان حلما يسعه. قال: وهل يجوز غير هذا انا اعلم انّ هذا الصبي البائس لو دار في خلده ما جرى لذهب عقله وتلف والإنكار لا يكون الا على المعتمد دون الساهي الخاطئ.
وفي ايام المعتضد علت منزلة بني موسى بن شاكر وهم ثلثة محمد واحمد والحسن.
وكان موسى بن شاكر يصحب المأمون ولم يكن موسى من اهل العلم بل كان في حداثته حراميّا يقطع الطريق ثم انه تاب ومات وخلّف هؤلاء الأولاد الثلاثة صغارا فوصى بهم المأمون اسحق بن ابرهيم المصعبي واثبتهم مع يحيى بن ابي منصور في بيت الحكمة وكانت حالهم رثة رقيقة. على ان أرزاق اصحاب المأمون كلهم كانت قليلة. فخرج بنو موسى ابن شاكر نهاية في علومهم وكان أكبرهم واجلّهم ابو جعفر محمد وكان وافر الحظ من الهندسة والنجوم ثم خدم وصار من وجوه القوّاد الى ان غلب الأتراك على الدولة. وكان احمد دونه في العلم الّا صناعة الحيل فانه فتح له فيها ما لم يفتح مثله لأحد. وكان الحسن وهو الثالث منفردا بالهندسة وله طبع عجيب فيها لا يدانيه احد علم كل ما علم بطبعه ولم يقرأ من كتب الهندسة الا ست مقالات من كتاب اوقليذس في الأصول فقط وهي اقل من نصف الكتاب ولكن ذكره كان عجيبا وتخيله كان قويا. وحكي ان المروزي قال عنه يوما للمأمون انه لم يقرأ من كتاب اوقليذس الا ست مقالات. أراد بذلك كسره. فقال الحسن: يا امير المؤمنين لم يكن يسألني عن شكل من أشكال المقالات التي لم اقرأها الا استخرجته بفكري وأتيته به [3] ولم يكن يضرّني انني لم اقرأها
[1-) ] تسع. روى ابن الأثير «سبعا» س تسع سنين وتسعة أشهر.
[2-) ] ضربت ر ضرب.
[3-) ] وأتيته به ر واثبتّه.