المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ‌ ‌(كِتَابُ الْحَجِّ) الْحَجُّ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٢

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْحَجِّ)

- ‌مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ

- ‌(بَابُ الْإِحْرَامِ)

- ‌(فَصْلٌ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ

- ‌(بَابُ الْقِرَانِ)

- ‌[بَابُ التَّمَتُّعِ]

- ‌[ بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ]

- ‌[فَصْلٌ نَظَرَ الْمُحْرِم إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى]

- ‌[فَصْلٌ الصَّيْدَ فِي الحرم]

- ‌{بَابٌ: مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ}

- ‌(بَابٌ: إضَافَةُ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ)

- ‌بَابُ الْإِحْصَارِ

- ‌[بَابُ الْفَوَاتِ]

- ‌[الْعُمْرَة حُكْمهَا وَأَرْكَانهَا]

- ‌(بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ)

- ‌(فَصْلٌ) الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَعْرُوفِ

- ‌(بَابُ الْهَدْيِ)

- ‌[مَسَائِل مَنْثُورَة]

- ‌[نَذْر الْحَجّ ماشيا]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[شُرُوط النِّكَاح وَأَرْكَانه]

- ‌(فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ)

- ‌ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ)

- ‌ النِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ

- ‌(بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا)

- ‌(بَابُ الْمَهْرِ)

- ‌(بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ)

- ‌(بَابُ نِكَاحِ الْكَافِرِ)

- ‌(بَابُ الْقَسْمِ

- ‌(كِتَابُ الرَّضَاعِ)

- ‌(كِتَابُ الطَّلَاقِ)

- ‌[بَابُ الطَّلَاقِ ضَرْبَانِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ)

- ‌(بَابُ الْكِنَايَاتِ)

- ‌[أَقْسَام الْكِنَايَات]

- ‌(بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ)

- ‌(بَابُ التَّعْلِيقِ)

- ‌(بَابُ الْمَرِيضِ)

- ‌(بَابُ الرَّجْعَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ)

- ‌(بَابُ الْإِيلَاءِ)

- ‌(بَابُ الْخُلْعِ)

الفصل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ‌ ‌(كِتَابُ الْحَجِّ) الْحَجُّ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ‌

(كِتَابُ الْحَجِّ)

الْحَجُّ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ وَعَنْ الْخَلِيلِ هُوَ كَثْرَةُ الْقَصْدِ إلَى مَنْ يُعَظِّمُهُ قَالَ الْمُخَبَّلُ:

أَلَمْ تَعْلَمِي يَا أُمَّ أَسْعَدَ أَنَّمَا

تَخَاطَأَنِي رِيَبُ الزَّمَانِ لِأَكْبَرَا

وَأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُلُولًا كَثِيرَةً

يَحُجُّونَ سَبَّ الزِّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَا

قَالَ رحمه الله (هُوَ زِيَارَةُ مَكَان مَخْصُوصٍ فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ) وَهَذَا فِي الشَّرْعِ جُعِلَ لِقَصْدٍ خَاصٍّ مَعَ زِيَادَةِ وَصْفٍ كَالتَّيَمُّمِ اسْمٌ لِمُطْلَقِ الْقَصْدِ فِي اللُّغَةِ ثُمَّ جُعِلَ فِي الشَّرْعِ اسْمًا لِقَصْدٍ خَاصٍّ بِزِيَادَةِ وَصْفٍ.

قَالَ رحمه الله (فُرِضَ مَرَّةً عَلَى الْفَوْرِ بِشَرْطِ حُرِّيَّةٍ وَبُلُوغٍ وَعَقْلٍ وَصِحَّةٍ وَقُدْرَةٍ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ فَضُلَتْ عَنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ كِتَابُ الْحَجِّ]

(كِتَابُ الْحَجِّ) الْعِبَادَاتُ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالصَّلَاةِ وَمَالِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالزَّكَاةِ وَمُرَكَّبَةٌ كَالْحَجِّ فَلَمَّا بَيَّنَ النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ شَرَعَ فِي بَيَانِ النَّوْعِ الْآخَرِ، وَهُوَ الْحَجُّ. الْحَجُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ وَقُرِئَ بِهِمَا قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] وَتَفْسِيرُهُ لُغَةً وَشَرْعًا وَسَبَبُهُ قَدْ ذُكِرَ فِي الشَّرْحِ وَشُرُوطُهُ الْوَقْتُ وَالِاسْتِطَاعَةُ وَرُكْنُهُ الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ وَوَاجِبَاتُهُ سَتَأْتِي نَقْلًا عَنْ الْكَافِي وَمَاهِيَّتُه أُمُورُ الْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالتَّحْلِيلُ وَوَقْتُهُ نَوْعَانِ: مَدِيدٌ وَقَصِيرٌ، فَالْمَدِيدُ مِنْ شَوَّالٍ إلَى عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَالْقَصِيرُ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ فِي الدُّنْيَا وَحُصُولُ الثَّوَابِ فِي الْعُقْبَى وَحِكْمَتُهُ إمَاتَةُ النَّفْسِ بِاخْتِيَارِ مُفَارَقَةِ الْأَوْطَانِ وَالْخِلَّانِ وَالْإِخْوَانِ وَالْأَهْلِ وَالْوِلْدَانِ وَالتَّشَبُّهُ بِالْمَوْتَى فِي اتِّخَاذِ الثَّوْبَيْنِ مِثْلَ الْكَفَنِ وَمَنْعُ إزَالَةِ التَّفَثِ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مُوتُوا قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا» وَفِي هَذِهِ الْأَمَانَةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ حُصُولُ الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ الْأَبَدِيَّةِ السَّرْمَدِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ تَخَاطَأَنِي) أَيْ أَخْطَأَنِي (قَوْلُهُ رِيَبُ الزَّمَانِ) فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ رِيَبُ الْمَنُونِ، وَهُوَ الْمَوْتُ (قَوْلُهُ وَأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ حُلُولًا إلَخْ) عَوْفٌ قَبِيلَةٌ وَالْحُلُولُ الْجَمَاعَاتُ يُقَالُ حُلَّةٌ وَحُلَلٌ وَحُلُولٌ وَقِيلَ، وَهُوَ جَمْعُ حَالٍّ كَمَا يُقَالُ نَازِلٌ وَنُزُولٌ. اهـ. (قَوْلُهُ يَحُجُّونَ سَبَّ الزِّبْرِقَانِ) أَيْ عِمَامَتَهُ، وَهُوَ حِصْنُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِيّ وَالزِّبْرِقَانُ الْقَمَرُ لُقِّبَ بِهِ حِصْنٌ لِجَمَالِهِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الزِّبْرِقَانِ مَا نَصُّهُ قَالَ نَشْوَانُ الْحِمْيَرِيُّ فِي شَمْسِ الْعُلُومِ فِعْلِلَانٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَاللَّامِ الزِّبْرِقَانُ الْقَمَرُ وَالزِّبْرِقَانُ لَقَبٌ لِحِصْنِ بْنِ بَدْرٍ التَّمِيمِيِّ وَيُقَالُ، إنَّمَا سُمِّيَ الزِّبْرِقَانُ لِصُفْرَةِ عِمَامَتِهِ، وَكَانَ تَصْفِيرُ الْعَمَائِمِ لِلسَّادَةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَوْرَاقِ السَّبِّ الْكَثِيرِ السِّبَابُ وَالسَّبُّ الْخِمَارُ وَالسَّبُّ الْعِمَامَةُ فِي قَوْلِهِ وَأَشْهَدُ مِنْ عَوْفٍ. . الْبَيْتَ أَيْ الْمَصْبُوغِ بِالزَّعْفَرَانِ وَكَانَ سَادَتُهُمْ يُصَفِّرُونَ عَمَائِمَهُمْ اهـ يَقُولُ مَا أَخَّرَنِي الدَّهْرُ إلَى حَالِ الْكِبْرِ إلَّا لِأَحْضُرَ الزِّبْرِقَانَ وَقَدْ تَعَالَى وَسَادَ قَوْمَهُ فَالْوُفُودُ يَطُوفُونَ بِبَابِهِ وَكَانَ الرَّئِيسُ مِنْهُمْ يَعْتَمُّ بِعِمَامَةٍ صَفْرَاءَ لِيُعْلَمَ بِهَا يُقَالُ زَبْرَقْت الْعِمَامَةَ إذْ صَفَّرْتهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ:، إنَّ الزِّبْرِقَانَ كَانَتْ لَهُ عِمَامَةٌ وَكَانَ يَحُجُّ فِي كُلِّ عَامٍ وَيَمْسَحُهَا بِخُلُوقِ الْكَعْبَةِ فَتَصْفَرُّ وَكَانَ كُلُّ مَنْ كَسَلَ عَنْ الْحَجِّ مِنْ قَوْمِهِ أَتَاهَا وَتَمَسَّحَ بِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ زِيَارَةُ مَكَان مَخْصُوصٍ) أَيْ، وَهُوَ الْبَيْتُ شَرَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ. (قَوْلُهُ فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ، وَهُوَ أَشْهُرُ الْحَجِّ (قَوْلُهُ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ، وَهُوَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْوُقُوفُ مُحْرِمًا. اهـ. ع.

(قَوْلُهُ وَقُدْرَةٍ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ) أَيْ حَتَّى لَوْ كَانَ عَادَتُهُ سُؤَالَ النَّاسِ وَالْمَشْيَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ زَادٌ وَلَا رَاحِلَةٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ. اهـ. غَايَةٌ

ص: 2

مَسْكَنِهِ وَعَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ وَنَفَقَةِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ وَعِيَالِهِ) أَمَّا وُجُوبُهُ مَرَّةً فِي الْعُمُرِ فَلِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَوْ قُلْتهَا لَوَجَبَتْ وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهَا وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا الْحَجُّ مَرَّةٌ فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ، وَهُوَ لَا يَتَكَرَّرُ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ وَأَمَّا وُجُوبُهُ عَلَى الْفَوْرِ فَلِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ خَاصٍّ وَالْمَوْتُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ فَيَتَضَيَّقُ احْتِيَاطًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ ابْنَ شُجَاعٍ رَوَى عَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا وَجَدَ مَا يَحُجُّ بِهِ وَقَدْ قَصَدَ التَّزَوُّجَ قَالَ يَحُجُّ وَلَا يَتَزَوَّجُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ فَرِيضَةٌ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى هُوَ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْعُمُرِ فَكَأَنَّ الْعُمُرَ فِيهِ كَالْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ وَلِهَذَا يَنْوِي الْأَدَاءَ فَلَا يُتَصَوَّرُ فَوَاتُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام حَجَّ سَنَةَ عَشْرٍ» وَكَانَ فَرْضُ الْحَجِّ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا أَخَّرَهُ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ وَتَضِلُّ الرَّاحِلَةُ وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيهِ وَاَلَّذِي نَزَلَ فِي سَنَةِ سِتٍّ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، وَهُوَ أَمْرٌ بِإِتْمَامِ مَا شَرَعَ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْإِيجَابِ مِنْ غَيْرِ شُرُوعٍ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] الْآيَةَ، وَهِيَ نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ فَتَأْخِيرُهُ إلَى السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ إمَّا؛ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ أَوْ لِلْخَوْفِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ عليه الصلاة والسلام أَوْ كَرِهَ مُخَالَطَةَ الْمُشْرِكِينَ فِي نُسُكِهِمْ إذْ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَأَخَّرَ الْحَجَّ حَتَّى بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيًّا فَنَادَى أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ ثُمَّ حَجَّ وَكَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَيْهِ أَنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْلَا أَنَّ لَهُ عُذْرًا لَمَا أَخَّرَهُ عليه الصلاة والسلام وَنِيَّةُ الْأَدَاءِ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّرَاخِي أَلَا تَرَى أَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عِنْدَهُمَا عَلَى الْفَوْرِ وَمَعَ هَذَا لَوْ أَخَّرَهَا يَنْوِي الْأَدَاءَ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَأْثَمِ حَتَّى يَفْسُقَ وَتُرَدَّ شَهَادَتُهُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ وَلَوْ حَجَّ فِي آخِرِ عُمُرِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ الْإِثْمُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَثِمَ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ فَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ فَإِنْ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَأَيُّمَا رَجُلٍ مَمْلُوكٍ حَجَّ بِأَهْلِهِ فَمَاتَ فَأَجْزَأَتْ عَنْهُ فَإِنْ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ» ذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ؛ وَلِأَنَّ الْحَجَّ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْمَالِيِّ وَالْبَدَنِيِّ وَفِي نِيَّةِ الصَّبِيِّ قُصُورٌ؛ وَلِهَذَا سَقَطَ عَنْهُ الْفَرَائِضُ كُلُّهَا وَلَا مَالَ لِلْعَبْدِ؛ وَلِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ الْمُولَى فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ لَبَطَلَ حَقُّ الْمَوْلَى فِي زَمَانٍ طَوِيلٍ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ فَصَارَ كَالْجِهَادِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُمَا يَسِيرٌ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِمَا إلَى الْمَالِ

وَالْعَقْلُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّكَالِيفِ وَصِحَّةُ الْجَوَارِحِ مِنْ شَرْطِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ وَالِاسْتِطَاعَةُ مُنْعَدِمَةٌ دُونَهَا.

وَالْأَعْمَى إذَا وَجَدَ مَنْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةَ سَفَرِهِ وَوَجَدَا زَادًا وَرَاحِلَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ بِنَفْسِهِ فَلَا تَعْتَبِرُ الْقُدْرَةُ بِغَيْرِهِ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَدَى يُؤَدِّي بِنَفْسِهِ فَأَشْبَهَ الضَّالُّ عَنْ مَوَاضِعِ النُّسُكِ وَالْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ وَالزَّمِنُ وَمَقْطُوعُ الرَّجُلَيْنِ وَالشَّيْخُ الَّذِي لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِنَفْسِهِ وَالْمَحْبُوسُ وَالْأَعْمَى إذَا وَجَدَ زَادًا وَرَاحِلَةً وَلَمْ يَجِدْ مَنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَنَفَقَةِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ) أَيْ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِ وَالْوَاجِبَاتُ تُضَافُ إلَى أَسْبَابِهَا. اهـ. كَافِي وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ؛ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ الْبَيْتُ عَلَى الصَّحِيحِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْمُحِيطِ سَبَبُهُ كَوْنُهُ مُنْعِمًا عَلَيْهِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَقَدْ رَتَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى الِاسْتِطَاعَةِ وَتَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يُشْعِرُ بِسَبَبِيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ كَقَوْلِنَا زَنَى فَرُجِمَ وَسَهَا فَسَجَدَ وَسَرَقَ فَقُطِعَ فَتَكُونُ الِاسْتِطَاعَةُ سَبَبًا لِوُجُوبِهِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إلَخْ) وَفِي الْمُحِيطِ والمرغيناني وَالْكَرْمَانِيِّ أَنَّ أَصَحَّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَفِي قُنْيَةٌ الْمُنْيَةِ يَجِبُ مُضَيَّقًا عَلَى الْمُخْتَارِ وَبِالْأَدَاءِ يَرْتَفِعُ الْإِثْمُ وَفِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ، وَهِيَ نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: رحمه الله فِي الْهَدْيِ الصَّحِيحِ، إنَّ الْحَجَّ فُرِضَ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ تِسْعٍ وَأَنَّ آيَةَ فَرْضِهِ هِيَ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]، وَهِيَ نَزَلَتْ عَامَ الْوُفُودِ أَوَاخِرَ سَنَةِ تِسْعٍ وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «لَمْ يُؤَخِّرْ الْحَجَّ بَعْدَ فَرْضِهِ عَامًا وَاحِدًا» وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِهَدْيِهِ وَحَالِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ بِيَدِ مَنْ ادَّعَى تَقَدُّمَ فَرْضِ الْحَجِّ سَنَةَ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ دَلِيلٌ وَاحِدٌ وَغَايَةُ مَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ فُرِضَ سَنَةَ سِتٍّ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، وَهِيَ نَزَلَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ ابْتِدَاءٌ لِفَرْضِ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَمْرُ بِإِتْمَامِهِ إذَا شَرَعَ فِيهِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ وُجُوبِ ابْتِدَائِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ الِاخْتِلَافُ انْتَهَى (وَلَهُ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ إلَخْ) أَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَقَدْ خَالَفَتْ فِيهَا الظَّاهِرِيَّةُ وَأَوْجَبُوهُ عَلَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ) هُوَ خَبَرُ أَنَّ أَيْ ثَابِتٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ إذَا وَجَدَ مَنْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةَ سَفَرِهِ) أَيْ بِأَنْ وَجَدَ قَائِدًا انْتَهَى (قَوْلُهُ وَالزَّمِنُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الزَّمِنُ الَّذِي طَالَ مَرَضُهُ زَمَانًا انْتَهَى.

(قَوْلُهُ وَالْمَحْبُوسُ) أَيْ مِنْ قِبَلِ الْجَائِرِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَعْمَى إلَخْ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى الْأَعْمَى إذَا وَجَدَ قَائِدًا حُرًّا يُطَاوِعُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا لَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالذَّخِيرَةِ أَمَّا لَوْ وَجَدَ الْأَعْمَى زَادًا وَرَاحِلَةً وَلَمْ يَجِدْ قَائِدًا لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ فِي قَوْلِهِمْ وَهَلْ يَجِبُ الْإِحْجَاجُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ، وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا لَا يَلْزَمُهُ بِنَفْسِهِ عِنْدَهُ انْتَهَى كَاكِيٌّ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا حَجَّ عَلَى الْأَعْمَى، وَإِنْ مَلَكَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ

ص: 3

يَهْدِيهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَجُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُمَا وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا يَجِبُ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْإِحْجَاجِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْجَاجُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْحَجِّ بِالْبَدَنِ وَالْأَصْلُ لَمْ يَجِبُ فَلَا يَجِبُ الْبَدَلُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُمْ لَزِمَهُمْ الْأَصْلُ، وَهُوَ الْحَجُّ بِالْبَدَنِ فِي الذِّمَّةِ وَقَدْ عَجَزُوا عَنْهُ فَيَجِبُ الْبَدَلُ عَلَيْهِمْ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَسَّرَ الِاسْتِطَاعَةَ بِهِ وَيَعْتَبِرُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهُ وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَلَا يَعْتَبِرُ قَبْلَهُ حَتَّى جَازَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ مَالَهُ فِيمَا أَحَبَّ فَإِذَا صَرَفَهُ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ فَلَا حَجَّ عَلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ خَالِيَةً عَنْ الْعِدَّةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عِنْدَ خُرُوجِهِمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ، وَهُوَ قَدَرَ مَا يَكْتَرِي بِهِ شِقَّ مَحْمَلٍ فَاضِلًا عَمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْمَشْغُولَ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْمَعْدُومِ شَرْعًا، وَإِنْ قَدَرَ أَنْ يَكْتَرِيَ عُقْبَةً لَا غَيْرُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَيُعْتَبَرُ فِي نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ الْوَسَطُ مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرٍ وَلَا تَقْتِيرٍ وَلَا يَتْرُكُ نَفَقَتَهُ لِمَا بَعْدَ إيَابِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ يَتْرُكُ نَفَقَةَ يَوْمٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ نَفَقَةَ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّكَسُّبَ كَمَا يُقْدِمُ فَيُقَدِّرُ بِالشَّهْرِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْوُجُوبِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهُمْ الرَّاحِلَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُمْ مَشَقَّةٌ فَأَشْبَهَ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ.

قَالَ رحمه الله (وَأَمْنُ طَرِيقٍ وَمَحْرَمٌ أَوْ زَوْجٌ لِامْرَأَةٍ فِي سَفَرٍ) أَيْ هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ بِشَرْطِ أَمْنِ الطَّرِيقِ لِلْكُلِّ وَبِشَرْطِ وُجُودِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ لِلْمَرْأَةِ إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسِيرَةُ سَفَرٍ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَمَّا كَوْنُ الطَّرِيقِ آمِنًا فَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْحَجُّ بِدُونِهِ فَصَارَ كَالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ شُجَاعٍ هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْبَيْتِ بِدُونِهِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ فَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ الِاسْتِطَاعَةِ وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ يَقُولُ هُوَ شَرْطُ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «لَمَّا سُئِلَ عَنْ الِاسْتِطَاعَةِ فَسَّرَهَا بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ» وَلَوْ كَانَ أَمْنُ الطَّرِيقِ مِنْ الِاسْتِطَاعَةِ لَبَيَّنَهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ فَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي شَرْطِ الْعِبَادَةِ بِالرَّأْيِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا مِنْ الْعِبَادَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْوَاجِبُ كَالْقَيْدِ مِنْ الظَّالِمِ لَا يَسْقُطُ بِهِ خِطَابُ الشَّرْعِ، وَإِنْ طَالَ بِخِلَافِ الْمَرَضِ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْإِيصَاءِ فَمَنْ جَعَلَهُ شَرْطَ الْأَدَاءِ يُوجِبُهُ وَمَنْ جَعَلَهُ شَرْطَ الْوُجُوبِ لَا يُوجِبُهُ وَسُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ عَمَّنْ لَا يَحُجُّ خَوْفًا مِنْ الْقَرَامِطَةِ فِي الْبَادِيَةِ فَقَالَ مَا سَلِمَتْ الْبَادِيَةُ مِنْ الْآفَاتِ أَيْ لَا تَخْلُو عَنْهَا كَقِلَّةِ الْمَاءِ وَشِدَّةِ الْحَرِّ وَهَيَجَانِ الرِّيحِ السَّمُومِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ: لَا أَشُكُّ فِي سُقُوطِ الْحَجِّ عَنْ النِّسَاءِ وَلَكِنْ أَشُكُّ فِي سُقُوطِهِ عَنْ الرِّجَالِ وَالْبَادِيَةُ عِنْدِي دَارُ الْحَرْبِ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الثَّلْجِيُّ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ خُرَاسَانَ حَجٌّ مُذْ كَذَا وَكَذَا سَنَةً وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ: لَا أَقُولُ الْحَجُّ فَرِيضَةٌ فِي زَمَانِنَا قَالَهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ وَأَفْتَى أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ الْحَجَّ قَدْ سَقَطَ عَنْ أَهْلِ بَغْدَادَ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي الطَّرِيقِ السَّلَامَةَ يَجِبُ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ بَحْرٌ لَا يَجِبُ وَسَيْحُونُ وَجَيْحُونَ وَالْفُرَاتِ أَنْهَارٌ وَلَيْسَتْ بِبِحَارٍ فَلَا تَمْنَعُ الْوُجُوبَ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ إنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي الْبَحْرِ السَّلَامَةَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَلَهُ أَلْفُ قَائِدٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي مَالِهِ، وَفِي الرَّوْضَةِ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَجٌّ يُبَاشِرُهُ وَلَا جُمُعَةٌ وَلَا جَمَاعَةٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَلْفُ قَائِدٍ وَعَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ ذَكَرَهُ فِي مَنَاسِكِ ابْنِ شُجَاعٍ وَفِي الْمُحِيطِ عِنْدَ فَقْدِ سَلَامَةِ الْبَدَنِ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ بِالْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِخِلَافِ الْفِدْيَةِ فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ حَالَةَ الْيَأْسِ بِالنَّصِّ انْتَهَى غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهُ وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ إلَخْ) حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ أَوْ اشْتَرَى بِهِ عُرُوضًا أَوْ حَيَوَانًا قَبْلَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ بَعْدَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ، وَيَكُونُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ لَقِيَ اللَّهَ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ فَاضِلٌ عَنْ سُكْنَى مِثْلِهِ لَا يَسْكُنُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يُؤَجِّرُهُ أَوْ يُعِيرُهُ أَوْ عَبْدٌ لَا يَسْتَخْدِمُهُ أَوْ مَتَاعٌ لَا يَلْبَسُهُ أَوْ كَانَتْ لَهُ كُتُبٌ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَحُجَّ بِثَمَنِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَاضِلَةٌ عَنْ الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَيُعَدُّ مُسْتَطِيعًا كَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ دَرَاهِمُ وَلَيْسَ لَهُ مَسْكَنٌ وَلَا خَادِمٌ فَالْحَجُّ لَازِمٌ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ صَرَفَهُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ يَأْثَمُ لِوُجُودِ الِاسْتِطَاعَةِ بِمِلْكِ الدَّرَاهِمِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ ثَمَّةَ يَتَضَرَّرُ بِالْبَيْعِ انْتَهَى كَرْمَانِيٌّ.

1 -

(قَوْلُهُ خَالِيَةً عَنْ الْعِدَّةِ) أَيِّ عِدَّةٍ كَانَتْ زَاهِدِيٌّ (قَوْلُهُ قَدْرُ مَا يُكْتَرَى بِهِ شِقُّ مَحْمَلٍ) الشِّقُّ الْجَانِبُ، وَهُوَ نِصْفُ بَعِيرٍ يَحْمِلُ عَلَيْهِ الْمُسَافِرُ مَتَاعَهُ وَطَعَامَهُ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْعِدْلُ الَّذِي فِيهِ زَادُ الْحَاجِّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ، وَإِنْ قَدَرَ أَنْ يَكْتَرِيَ عُقْبَةً) الْعُقْبَةُ النَّوْبَةُ وَعُقْبَةُ الْأَجِيرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ اثْنَانِ بَعِيرًا يَتَعَاقَبَانِ فِي الرُّكُوبِ فَرْسَخًا فَرْسَخًا أَوْ مَنْزِلًا مَنْزِلًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ، وَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ إلَخْ) أَمَّا الزَّادُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ صَرَّحَ بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَفِي قَوْلِهِ فِي النِّهَايَةِ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا لَا يَمْلِكُ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ تَكَسُّبُهُ فِي الطَّرِيقِ. اهـ. كَمَالٌ

(قَوْلُهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ هَذَا) أَيْ عَدَمَ الْأَمْنِ يَكُونُ مِنْ الْعِبَادَةِ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْإِيصَاءِ) أَيْ بِالْحَجِّ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْأَمْنِ اهـ كَافِيٌّ (قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ بَحْرٌ لَا يَجِبُ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ رُكُوبَ الْبَحْرِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ وَقَالَ الْكَاكِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَالٍ اهـ

ص: 4

مِنْ مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرُكُوبِهِ يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحْرَمِ لِلْمَرْأَةِ فِي السَّفَرِ، وَهُوَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إلَّا وَمَعَهَا أَبُوهَا أَوْ ابْنُهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ مَحْرَمٌ مِنْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله يَجُوزُ لَهَا الْحَجُّ إذَا خَرَجَتْ فِي رِفْقَةٍ وَمَعَهَا نِسَاءٌ ثِقَاتٌ لِلْعُمُومَاتِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «حُجُّوا بَيْتَ رَبِّكُمْ» وَلِحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ: «يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنْ الْحِيرَةِ تَؤُمُّ الْبَيْتَ لَا جِوَارَ مَعَهَا لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى» وَقَالَ عَدِيٌّ: رَأَيْت الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا زَوْجًا وَلَا مَحْرَمًا؛ وَلِأَنَّهُ سَفَرٌ وَاجِبٌ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا الْمَحْرَمُ فِيهِ كَالْمُهَاجِرَةِ وَالْمَأْسُورَةِ إذَا تَخَلَّصَتْ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَحُجَّ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا» ذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ وَعَزَاهُ إلَى الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ وَلَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ، إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتَتَبْت فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ عليه الصلاة والسلام انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِك» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ؛ وَلِأَنَّهَا يُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتْنَةُ وَتَزْدَادُ بِانْضِمَامِ غَيْرِهَا إلَيْهَا وَلِهَذَا تَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا مِنْ النِّسَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ وَحْدَهَا عَادَةً فَتَحْتَاجُ إلَى مَنْ يُرْكِبُهَا وَيُنْزِلُهَا مِنْ الْمَحَارِمِ أَوْ الزَّوْجِ فَعِنْدَ عَدَمِهِمْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَطِيعَةً وَالنُّصُوصُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ مِنْ مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرُكُوبِهِ يَجِبُ) أَيْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ انْتَهَى كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحْرَمِ لِلْمَرْأَةِ) فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ والْوَلْوَالِجِيِّ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا. اهـ. كَاكِيٌّ.

(تَتِمَّةٌ): قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ رحمه الله فِي دَاعِي مَنَارِ الْبَيَانِ بِجَامِعِ النُّسُكَيْنِ بِالْقُرْآنِ: الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي شُرُوطِهِ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: شُرُوطُ الْوُجُوبِ، وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ: الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَمِنْ شَرْطِ هَذَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنْ لَا يَكُونَا بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ وَلَا بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ فِي حَقِّ الرَّاحِلَةِ بَلْ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ فِيهِمَا أَوْ بِطَرِيقِ الِاسْتِئْجَارِ فِي حَقِّ الرَّاحِلَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَتْ الْإِبَاحَةُ بِجِهَةٍ مَنْ لَا مِنَّةَ لَهُ عَلَيْهِ كَالْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَوْ فِيمَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْمِنَّةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ وَالْوَقْتُ، وَهُوَ وَقْتُ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ إنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ وَأَشْهُرُ الْحَجِّ إنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ فِيهَا وَالْعِلْمُ بِكَوْنِ الْحَجِّ فَرْضًا، وَهَذَا مِمَّا زَادَهُ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَهُ نَصًّا، وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ، ثُمَّ الْعِلْمُ يَثْبُتُ لِمَنْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِمُجَرَّدِ الْوُجُودِ فِيهَا سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْفَرِيضَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَشَأَ فِيهَا عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ لَا وَأَمَّا لِلْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَبِإِخْبَارِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ وَعِنْدَهُمَا لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ فِي هَذَا الْإِخْبَارِ وَشُرُوطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ، وَهِيَ خَمْسَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ صِحَّةُ الْبَدَنِ وَزَوَالُ الْمَوَانِعِ الْحِسِّيَّةِ عَلَى الذَّهَابِ إلَى الْحَجِّ حَتَّى أَنَّ الْمُقْعَدَ وَمَقْطُوعَ الرِّجْلَيْنِ وَالْمَرِيضَ وَالشَّيْخَ الَّذِي لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالْأَعْمَى وَالْمَحْبُوسَ وَالْخَائِفَ مِنْ السُّلْطَانِ الَّذِي يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَجُّ بِأَنْفُسِهِمْ وَلَا الْإِحْجَاجُ عَنْهُمْ إنْ قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَهُوَ رِوَايَةُ الصَّاحِبَيْنِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَأْمُرُوا مَنْ يَحُجُّ عَنْهُمْ بِمَالِهِمْ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ مَا دَامَ الْعَجْزُ مُسْتَمِرًّا بِهِمْ فَإِنْ زَالَ فَعَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ بِأَنْفُسِهِمْ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ اخْتِيَارُهُ قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْمُحَقِّق أَثَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ أَوْجَهُ وَأَمْنُ الطَّرِيقِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ بَرًّا كَانَ أَوْ بَحْرًا عَلَى الصَّحِيحِ وَعَدَمُ قِيَادَةِ الْعِدَّةِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَخُرُوجُ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحْرَمِ مَعَهَا إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا فَوْقَهَا وَشُرُوطُ صِحَّتِهِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ وَالْوَقْتُ الْمَخْصُوصُ وَالْمَكَانُ الْمَخْصُوصُ وَالْإِسْلَامُ إذْ لَا صِحَّةَ لِحَجٍّ كَافِرٍ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْإِيمَانِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ بِلَا خِلَافٍ.

(تَنْبِيهٌ) وَمَا فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَغَيْرِهَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْهُ حَجَّ أَوْ تَهَيَّأَ لِلْإِحْرَامِ وَلَبَّى وَشَهِدَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ إسْلَامًا لَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَا بِقَلِيلٍ تَأَمَّلْ، وَإِذًا فَظَهَرَ أَنَّ الْإِسْلَامَ كَمَا هُوَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ فَهُوَ أَيْضًا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ غَايَتُهُ أَنَّهُ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ عِنْدَ مَشَايِخِنَا الْبُخَارِيِّينَ وَمِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ التَّمْيِيزُ وَالْعَقْلُ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ أَيْضًا لَكِنْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ «امْرَأَةً رَفَعَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَبِيًّا وَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ» فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ مَشَايِخُنَا رحمهم الله بِصِحَّةِ حَجَّةِ الصَّبِيِّ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَكَذَا بِصِحَّةِ حَجِّ الْمَجْنُونِ وَيُحْرِمُ عَنْهُمَا الْأَبُ يَعْنِي وَمَنْ بِمَثَابَتِهِ وَكَأَنَّ دَلِيلَهُمْ عَلَى جَوَازِ حَجِّ الْمَجْنُونِ، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ فِيمَا أَعْلَمُ دَلَالَةَ النَّصِّ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ شَرَطَتْ فِي وُقُوعِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إفَاقَتَهُ عِنْدَ الْأَرْكَانِ غَيْرَ مُشْتَرِطِينَ ذَلِكَ فِي وُقُوعِهِ تَطَوُّعًا وَلَمْ أَقِفْ لِمَشَايِخِنَا عَلَى التَّعَرُّضِ لِصِحَّةِ حَجِّهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَا بِنَفْيٍ وَلَا بِإِثْبَاتٍ لَا مَعَ هَذَا الِاشْتِرَاطِ وَلَا بِدُونِهِ إلَّا أَنَّهُ فِيمَا يَظْهَرُ لَوْ قَالَ قَائِلٌ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُفِيقًا عِنْدَ التَّلَبُّسِ بِالْإِحْرَامِ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَاقِلًا ثُمَّ عَرَضَ لَهُ الْجُنُونُ فَفَعَلَ بِهِ مَا عَلَى الْحَاجِّ مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمُقْتَضَى قَوَاعِدِنَا أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يُفِقْ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ بِسِنِينَ وَإِلَّا فَلَا لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا فَأَمْعِنْ النَّظَرَ فِيهِ اهـ

وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْحَاشِيَةِ لَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَاهُ بِقَلِيلٍ تَأَمَّلْ مَا نَصَّهُ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ مَا إذَا حَجَّ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا حَجَّ مُنْفَرِدًا وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حِينَئِذٍ كَمَا إذَا صَلَّى مُنْفَرِدًا بِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى مَعَ الْجَمَاعَةِ قُنْيَةٌ

ص: 5