الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ صِفَةُ الْأَخِيرَةِ فَوَقَعَتْ الْأُولَى قَبْلَهَا ضَرُورَةً فَلَا تَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ رحمه الله (وَفِي بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا ثِنْتَانِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ قَالَ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ قَالَ وَاحِدَةً مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ يَقَعُ ثِنْتَانِ أَمَّا فِي قَوْلِهِ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةَ صِفَةٌ لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا لَمْ يَقْرُنْ الظَّرْفَ بِالْكِنَايَةِ وَإِنْ قَرَنَهُ بِهَا يَكُونُ صِفَةً لِلْمَذْكُورِ آخِرًا فَالْبَعْدِيَّةُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ صِفَةٌ لِلْأُولَى لِعَدَمِ الْقِرَانِ بِالْكِنَايَةِ فَيَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الثَّانِيَةِ وُقُوعًا وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ فَيَقْتَرِنَانِ وَالْقَبْلِيَّةُ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ صِفَةٌ لِلْأَخِيرَةِ لِقَرْنِ الظَّرْفِ بِالْكِنَايَةِ فَيَقْتَضِي تَقَدُّمَهَا عَلَى الْأُولَى وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَيَقْتَرِنَانِ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ لِاسْتِحَالَةِ حَقِيقَتِهِ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ يَقَعُ فِي الْحَالِ. وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ فَلِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الثَّانِيَةِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَاهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ مَعَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ تَقْتَضِي سَبْقَ الْمَكْنِيِّ عَنْهُ وُجُودًا.
قَالَ رحمه الله (إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَدَخَلَتْ تَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ أَخَّرَ الشَّرْطَ فَثِنْتَانِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَدَخَلَتْ تَطْلُقُ طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَلَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَتْ يَقَعُ ثِنْتَانِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثِنْتَانِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُمَا عِنْدَ الشَّرْطِ وَحَالُ وُجُودِ الشَّرْطِ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فَوَقَعَا جُمْلَةً ضَرُورَةً كَمَا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ دُونَ التَّرْتِيبِ فَيَقْتَضِي الِاجْتِمَاعَ فِي الْوُقُوعِ، وَلِأَنَّ الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ نَاقِصَةٌ فَشَارَكَتْ الْأُولَى فِي التَّعَلُّقِ بِالشَّرْطِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَوْ نَجَّزَهُ حَقِيقَةً لَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ فَكَذَا إذَا صَارَ كَالْمُنَجَّزِ حُكْمًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ الشَّرْطَ؛ لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ تَوَقَّفَ عَلَى آخِرِهِ لِوُجُودِ الْمُغَيِّرِ فِي آخِرِهِ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْبَيَانِ وَلَا كَذَلِكَ إذَا تَقَدَّمَ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ مِنْ شَرْطٍ وَغَيْرِهِ
فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَلَوْ نَجَّزَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وُقُوعَهُ مُرَتَّبًا فِي الْمُنَجَّزِ لَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ كَذَلِكَ فِي الْمُعَلَّقِ قُلْنَا قَوْلُهُ لَا بَلْ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَلَطِ بِإِقَامَةِ الثَّانِي مُقَامَ الْأَوَّلِ فَصَحَّ ذَلِكَ فِي التَّعْلِيقِ لِبَقَاءِ الْمَحَلِّ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ بِالشَّرْطِ فَتَتَعَلَّقُ الثَّانِيَةُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ بِلَا وَاسِطَةٍ كَأَنَّهُ أَعَادَ ذِكْرَ الشَّرْطِ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ نَزَلَا جُمْلَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْوَاحِدَ يُنْحَلُ بِهِ أَيْمَانٌ كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا نَجَزَهُ بِقَوْلِهِ لَا بَلْ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ فَلَمْ يَصِحَّ التَّكَلُّمُ مِنْهُ بِالثِّنْتَيْنِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِقِيَامِ الْمَحَلِّيَّةِ بَعْدَ وُقُوعِ الْأُولَى
وَلَوْ عَطَفَ بِالْفَاءِ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّهَا لِلْعَطْفِ كَالْوَاوِ، وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ تَقَعُ وَاحِدَةً عِنْدَ الْكُلِّ إنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ فَصَارَتْ كَكَلِمَةِ ثُمَّ وَبَعْدَ بِخِلَافِ الْوَاوِ، وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ وَأَخَّرَ الشَّرْطَ فَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا يَقَعُ فِي الْحَالِ ثِنْتَانِ وَتَتَعَلَّقُ الثَّالِثَةُ بِالشَّرْطِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا يَقَعُ فِي الْحَالِ وَاحِدَةٌ وَيَلْغُو الْبَاقِي وَإِنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ بِالشَّرْطِ وَوَقَعَتْ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَوَقَعَ الثَّانِي وَلَغَا الثَّالِثُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَعَلَّقَ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ قَدَّمَ الشَّرْطَ أَوْ أَخَّرَهُ إلَّا أَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَإِلَّا تَطْلُقُ وَاحِدَةً، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَثَرَ التَّرَاخِي يَظْهَرُ فِي التَّعْلِيقِ عِنْدَهُ فَكَأَنَّهُ سَكَتَ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ وَعِنْدَهُمَا يَظْهَرُ فِي الْوُقُوعِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا فِي التَّعْلِيقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
(بَابُ الْكِنَايَاتِ)
قَالَ رحمه الله (لَا تَطْلُقُ بِهَا إلَّا بِنِيَّتِهِ أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ) أَيْ لَا تَطْلُقُ بِالْكِنَايَاتِ إلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْكِنَايَاتِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِالطَّلَاقِ بَلْ تَحْتَمِلُهُ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُرَجِّحِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا اعْتِبَارَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ أَوْ مَعَهَا ثِنْتَانِ) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ) أَيْ اقْتَرَنَتْ بِالضَّمِيرِ أَوَّلًا. اهـ. عَيْنِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثِنْتَانِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله. وَقَوْلُهُمَا أَرْجَحُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِإِقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَ الْأَوَّلِ) أَيْ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً لَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَقَعَ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ اَ هـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ عَطَفَ بِالْفَاءِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةً. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ) فَعِنْدَهُ تَبِينُ بِوَاحِدَةٍ وَيَسْقُطُ مَا بَعْدَهَا وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الثَّلَاثُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ وَأَخَّرَ الشَّرْطَ) أَيْ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً إنْ دَخَلْت الدَّارَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَدَّمَ الشَّرْطَ) أَيْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً. اهـ.
[بَابُ الْكِنَايَاتِ]
(بَابُ الْكِنَايَاتِ) لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الصَّرِيحِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْكِنَايَاتِ وَقَدَّمَ الصَّرِيحَ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِلْإِفْهَامِ فَمَا كَانَ أَدْخَلَ وَأَظْهَرَ إفْهَامًا كَانَ أَصْلًا بِالنِّسْبَةِ لِمَا وُضِعَ لَهُ وَحِينَ كَانَ الصَّرِيحُ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ لِاشْتِهَارِهِ فِي الْمَعْنَى كَانَ الْكِنَايَةُ مَا خَفِيَ الْمُرَادُ بِهِ لِتَوَارُدِ الِاحْتِمَالَاتِ عَلَيْهِ. اهـ. فَتْحٌ
بِالدَّلَالَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُضْمِرَ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَلَنَا أَنَّ الْحَالَ أَقْوَى دَلَالَةً مِنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ وَالنِّيَّةُ بَاطِنَةٌ وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ يَا عَفِيفُ أَوْ يَا عَتِيقُ أَوْ يَا بَرِيًّا مِنْ الْعُيُوبِ وَنَحْوِهِ يَكُونُ مَدْحًا لَهُ فِي حَالِ تَعْظِيمِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ حَسَّانُ يَمْدَحُ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام
فَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا
…
أَبَرَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً مِنْ مُحَمَّدٍ
وَفِي حَالِ الشَّتْمِ وَالْغَضَبِ يَكُونُ ذَمًّا كَمَا قَالَ النَّجَاشِيُّ يَهْجُو قَوْمًا
قَبِيلَتُهُ لَا يَغْدِرُونَ بِذِمَّةٍ
…
وَلَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلٍ
، وَكَذَلِكَ فِي الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلًا سَلَّ سَيْفَهُ وَقَصَدَ إنْسَانًا وَالْحَالُ يَدُلُّ عَلَى الْمَزْحِ وَاللَّعِبِ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ الْجِدِّ وَإِظْهَارُ الْمَزْحِ لِلتَّمَكُّنِ، وَلَوْ دَلَّ الْحَالُ عَلَى الْجِدِّ جَازَ قَتْلُهُ دَفْعًا فَكَانَتْ الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ مُغْنِيَةً عَنْ النِّيَّةِ وَمُعِينَةً لِلْجِهَةِ ظَاهِرًا فَإِذَا قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ فَقَدْ أَرَادَ بُطْلَانَ حُكْمِ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ نَوَيْت بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ وَعَلَى هَذَا أَحْكَامٌ جَمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِظَاهِرِ الْحَالِ فَلَا يُنْكِرُهَا إلَّا مُكَابِرٌ كَتَعْيِينِ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ عِنْدَ إطْلَاقِ الثَّمَنِ مَعَ اخْتِلَافِ النُّقُودِ وَصَرْفِ مُطْلَقِ النِّيَّةِ فِي الْحَجِّ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِلضَّرُورَةِ بِدَلَالَةِ حَالِهِمَا، وَأَوْضَحُ مِنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ نَعَمْ لَزِمَهُ، وَلَوْ قَالَ أَعْتَقْت عَبْدَك فَقَالَ نَعَمْ عَتَقَ لِإِقْرَارِهِ بِهِ دَلَالَةً.
قَالَ رحمه الله (فَتَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فِي اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ) يَعْنِي لَا يَقَعُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إلَّا وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ نَوَى ثَلَاثًا أَوْ ثِنْتَيْنِ كَمَا فِي الصَّرِيحِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمَصْدَرَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام قَالَ لِسَوْدَةِ اعْتَدِّي ثُمَّ رَاجَعَهَا» ، وَلِأَنَّ حَقِيقَتَهَا أَمْرٌ بِالْحِسَابِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا اعْتِدَادُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهَا أَوْ مَا أَنْعَمَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ أَوْ الِاعْتِدَادُ مِنْ النِّكَاحِ فَإِذَا نَوَاهُ زَالَ الْإِبْهَامُ وَوَجَبَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ اقْتِضَاءً فَيَكُونُ الْمُقْتَضَى صَرِيحَ الطَّلَاقِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا طَلَّقْتُك فَاعْتَدِّي وَهُوَ رَجْعِيٌّ وَلَا يَقْبَلُ الْعَدَدَ وَقَبْلَ الدُّخُولِ جُعِلَ مُسْتَعَارًا عَنْ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَاسْتُعِيرَ الْحُكْمُ لِسَبَبِهِ فَجَازَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السَّبَبُ عِلَّةً لِكَوْنِهِ مُخْتَصًّا بِهِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] أَيْ عِنَبًا فَصَارَ مَجَازًا عَنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَهُوَ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ صَرِيحٌ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الِاعْتِدَادِ وَهُوَ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الِاسْتِبْرَاءَ لِيُطَلِّقَهَا أَوْ بَعْدَمَا طَلَّقَهَا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِدُونِ الْقَرِينَةِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِلْمَرْأَةِ أَيْ أَنْتِ وَاحِدَةٌ عِنْدَ قَوْمِك أَوْ عِنْدِي أَوْ لِعَدَمِ نَظِيرِهَا فِي الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ أَوْ فِي الْقُبْحِ فَإِذَا زَالَ الْإِبْهَامُ بِالنِّيَّةِ أَوْ بِدَلَالَةِ الْحَالِ كَانَ الْوَاقِعُ بِهِ صَرِيحَ الطَّلَاقِ وَهُوَ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ وَالنَّصُّ عَلَى الْوَاحِدَةِ يُنَافِي الْعَدَدَ وَلَا مُعْتَبَرَ بِإِعْرَابِ الْوَاحِدَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ نَصَبَ الْوَاحِدَةِ وَقَعَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَإِنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً) أَيْ. وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيُصَدِّقُهُ سُبْحَانَهُ إذَا نَوَى خِلَافَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الْحَالِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِدَلَالَةِ الْحَالِ يُحْمَلُ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي بِالْوُقُوعِ أَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ مُطْلَقًا، أَلَا تَرَى أَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ إذْ قَالَ أَرَدْت عَنْ وَثَاقٍ لَا يُصَدِّقُهُ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ هِيَ زَوْجَتُهُ إذَا كَانَ نَوَاهُ. اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْمُقْتَضَى صَرِيحَ الطَّلَاقِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالِاقْتِضَاءِ وَثُبُوتِ الرَّجْعَةِ فِيمَا إذَا قَالَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ أَمَّا قَبْلَهُ فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ كُونِي طَالِقًا بِاسْمِ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ لَا الْمُسَبِّبِ عَنْ السَّبَبِ لِيَرِدَ أَنَّ شَرْطَهُ اخْتِصَاصُ الْمُسَبِّبِ بِالسَّبَبِ وَالْعِدَّةُ لَا تَخْتَصُّ بِالطَّلَاقِ لِثُبُوتِهَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذْ أَعْتَقَتْ وَيُجَابُ بِأَنَّ ثُبُوتَهَا فِيمَا ذَكَرَ لِوُجُودِ سَبَبِ ثُبُوتِهَا فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ لَا بِالْأَصَالَةِ وَهُوَ غَيْرُ دَافِعِ سُؤَالِ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ كَمَا يَجِبُ كَوْنُهَا مَجَازًا عَنْ كُونِي طَالِقًا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا يَجِبُ كَوْنُ اسْتَبْرِئِي كَذَلِكَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا كَانَتْ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً
وَمَا فِي النَّوَادِرِ مِنْ أَنَّ وُقُوعَ الرَّجْعِيِّ بِهَا اسْتِحْسَانٌ لِحَدِيثِ سَوْدَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا «اعْتَدِّي ثُمَّ رَاجَعَهَا» وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ الْبَائِنُ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ بَعِيدٌ بَلْ ثُبُوتُ الرَّجْعِيِّ بِهَا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْبَيْنُونَةِ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ مُنْتَفِيَةٌ فِيهَا فَلَا يَتَّجِهُ الْقِيَاسُ أَصْلًا نَعَمْ الِاعْتِدَادُ يَقْتَضِي فُرْقَةً بَعْدَ الدُّخُولِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ رَجْعِيٍّ وَبَائِنٍ لَكِنْ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَعَيُّنَ الْبَائِنِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْأَخَفُّ لِعَدَمِ الدَّلَالَةِ عَلَى الزَّائِدِ عَلَيْهِ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ لِيُطَلِّقَهَا) أَيْ فِي حَالِ فَرَاغِ رَحِمِهَا اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِدُونِ الْقَرِينَةِ) وَلَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّهَا قَبْلَ الدُّخُولِ مَجَازٌ عَنْ كُونِي طَالِقًا كَاعْتَدِّي، وَكَذَا فِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً) أَيْ فَإِذَا نَوَاهُ فَكَأَنَّهُ قَالَهُ يَعْنِي إذَا نَوَاهُ مَعَ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فَكَأَنَّهُ قَالَهُ لِظُهُورِ أَنَّ مُجَرَّدَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا) أَيْ بِالرَّفْعِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ مُقْتَضًى كَمَا هُوَ فِي اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ شَرْعًا بِهَا فَهُوَ ثَابِتٌ اقْتِضَاءً وَمُضْمَرٌ فِي وَاحِدَةٍ، وَلَوْ كَانَ مُظْهَرًا لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً فَإِذَا كَانَ مُضْمَرًا وَأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا وَاحِدَةً وَفِي وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ الْمَصْدَرُ مَذْكُورًا بِذِكْرِ صِفَتِهِ لَكِنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْوَاحِدَةِ يَمْنَعُ إرَادَةَ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ لِلْمَصْدَرِ الْمَحْدُودِ بِالْهَاءِ فَلَا يَتَجَاوَزُ الْوَاحِدَةَ اهـ
رَفَعَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِلْمَرْأَةِ وَإِنْ سَكَّنَهَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِاحْتِمَالِ الْأَمْرَيْنِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ، وَلِأَنَّ الرَّفْعَ لَا يُنَافِي الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ نَفْسَ الْمَرْأَةِ جَعَلَهَا طَلَاقًا لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ أَنْتِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ عَدْلٌ، وَلِهَذَا قُلْنَا يَقَعُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ الطَّلَاقُ أَوْ أَنْتِ طَلَاقٌ وَالنَّصْبُ لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرِ الطَّلَاقِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرُ فِعْلٍ آخَرَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ ضَارِبَةٌ ضَرْبَةً وَاحِدَةً وَنَحْوِهِ فَصَارَ الِاحْتِمَالُ مَوْجُودًا فِي الْكُلِّ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْبَعْضُ مُرَادًا مَعَ الِاحْتِمَالِ إلَّا بِدَلِيلٍ.
قَالَ رحمه الله (وَفِي غَيْرِهَا بَائِنَةٌ وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ) أَيْ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِرَارًا أَنَّ نِيَّةَ الْعَدَدِ فِي الْجِنْسِ لَا تَصِحُّ وَنِيَّةَ الثِّنْتَيْنِ نِيَّةُ الْعَدَدِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ أَمَةً فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِي حَقِّهَا لِكَوْنِهِمَا جَمِيعَ جِنْسِ طَلَاقِهَا كَالثَّلَاثِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي لِمَا نَذْكُرُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَبَطَلَ إطْلَاقُهُ.
قَالَ رحمه الله (وَهِيَ) أَيْ غَيْرُ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ الْكِنَايَاتِ (بَائِنٌ بَتَّةً بَتْلَةٌ حَرَامٌ خَلِيَّةٌ بَرِيَّةٌ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك الْحَقِي بِأَهْلِك وَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ سَرَّحْتُكِ فَارَقْتُكِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ اخْتَارِي أَنْتِ حُرَّةٌ تَقَنَّعِي تَخَمَّرِي اسْتَتِرِي اُغْرُبِي اُخْرُجِي اذْهَبِي قُومِي ابْتَغِي الْأَزْوَاجَ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ تَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ لِيَتَبَيَّنَ الْحَالُ أَمَّا الْبَائِنُ فَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ وُجُوهَ الْبَيْنُونَةِ عَنْ وَصْلَةِ النِّكَاحِ وَعَنْ الْمَعَاصِي وَعَنْ الْخَيْرَاتِ أَوْ بَائِنٌ مِنِّي نَسَبًا؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ ضِدُّ الِاتِّصَالِ وَالِاتِّصَالُ مُتَنَوِّعٌ وَالْبَتُّ الْقَطْعُ فَيَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ عَنْ النِّكَاحِ أَوْ عَنْ الْخَيْرَاتِ أَوْ عَنْ الْأَقَارِبِ، وَكَذَلِكَ الْبَتْلُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْقَطْعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا} [المزمل: 8] أَيْ انْقَطِعْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُ سُمِّيَتْ مَرْيَمَ بَتُولًا لِانْقِطَاعِهَا إلَى اللَّهِ «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّبَتُّلِ» وَهُوَ الِانْقِطَاعُ عَنْ النِّكَاحِ فَيَحْتَمِلُ مَا يَحْتَمِلُهُ الْبَتُّ مِنْ الْوُجُوهِ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا مَعَ الِاحْتِمَالِ إلَّا بِمُعَيَّنٍ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ أَوْ دَلَالَةِ حَالٍ وَالْحَرَامُ هُوَ الْمَمْنُوعُ فَيَحْتَمِلُ مَا يَحْتَمِلُهُ أَلْبَتَّةَ وَالْخَلِيَّةُ مِنْ الْخُلُوِّ فَيَحْتَمِلُ الْخُلُوَّ عَنْ الْخَيْرَاتِ أَوْ عَنْ قَيْدِ النِّكَاحِ وَالْبَرِيَّةُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْبَرَاءَةِ فَيَحْتَمِلُ الْبَرَاءَةَ عَنْ حُسْنِ الثَّنَاءِ أَوْ عَنْ قَيْدِ النِّكَاحِ وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك يُنْبِئُ عَنْ التَّخْلِيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا أَرْسَلُوا النُّوقَ يُخْلُونَ حَبْلَهَا أَيْ مِقْوَدَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَيُخَلُّونَ سَبِيلَهَا وَهُوَ كَالْخَلِيَّةِ وَالْغَارِبُ مَا بَيْنَ الْعُنُقِ وَالسَّنَامِ أَيْ اذْهَبِي حَيْثُ شِئْت وَالْحَقِي بِأَهْلِك؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ سِيرِي بِسِيرَةِ أَهْلِك أَوْ؛ لِأَنِّي أَذِنْت لَك أَنْ تَلْحَقِي بِهِمْ وَوَهَبْتُك لِأَهْلِك أَيْ عَفَوْتُ عَنْكِ لِأَجْلِ أَهْلِك أَوْ وَهَبْتُك لَهُمْ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَسَرَّحْتُك وَفَارَقْتُك؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّسْرِيحَ وَالْمُفَارَقَةَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِغَيْرِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُمَا صَرِيحَانِ لَا يَحْتَاجَانِ إلَى النِّيَّةِ قُلْنَا الصَّرِيحُ مَا تَعَيَّنَ اسْتِعْمَالُهُ فِي شَيْءٍ وَمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَا يَكُونُ صَرِيحًا وَهُمَا لَمْ يَتَعَيَّنَا فِي النِّسَاءِ يُقَالُ سَرَّحْت إبِلِي وَفَارَقْت مَالِي وَأَصْحَابِي وَصَارَ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ وَأَمْرُك بِيَدِك أَيْ عَمَلُك بِيَدِك إذْ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الْعَمَلُ هُنَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97] أَيْ فِعْلُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا عَمَلُك بِيَدِك ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْأَمْرَ بِالْيَدِ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ تَفْوِيضًا لَهُ إلَيْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْأَمْرَ بِالْيَدِ فِي حَقِّ تَصَرُّفٍ آخَرَ وَاخْتَارِي مُحْتَمَلٌ أَيْضًا أَيْ اخْتَارِي نَفْسَك بِالْفَرْقِ فِي النِّكَاحِ أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك فِي أَمْرٍ آخَرَ وَفِي هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تُطَلِّقَ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّهُمَا تَفْوِيضَانِ وَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ حَقِيقَةِ الرِّقِّ أَوْ رِقِّ النِّكَاحِ وَتَقَنَّعِي وَتَخَمَّرِي وَاسْتَتِرِي؛ لِأَنَّك بِنْتِ مِنِّي بِالطَّلَاقِ وَحَرُمَ عَلَيَّ نَظَرُك أَوْ لِئَلَّا يَنْظُرَ إلَيْك أَجْنَبِيٌّ وَاغْرُبِي أَيْ اُبْعُدِي عَنِّي؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لِزِيَارَةِ أَهْلِك وَيُرْوَى اُعْزُبِي مِنْ الْعُزُوبَةِ وَاخْرُجِي وَاذْهَبِي وَقُومِي مِثْلُ اُغْرُبِي وَابْتَغِي الْأَزْوَاجَ؛ لِأَنِّي قَدْ طَلَّقْتُك أَوْ الْأَزْوَاجَ مِنْ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ لَا تَطْلُقُ بِهَا أَيْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرُ فِعْلٍ آخَرَ)، وَهَذَا الْوَجْهُ يَعُمُّ الْعَوَامَّ وَالْخَوَاصَّ، وَلِأَنَّ الْخَاصَّةَ لَا تَلْتَزِمُ التَّكَلُّمَ الْعُرْفِيَّ عَلَى صِحَّةِ الْإِعْرَابِ بَلْ تِلْكَ صِنَاعَتُهُمْ وَالْعُرْفُ لُغَتُهُمْ فَلِذَا تَرَى أَهْلَ الْعِلْمِ فِي مَجَارِي كَلَامِهِمْ لَا يُقِيمُونَهُ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ لِكَوْنِهِمَا جَمِيعَ جِنْسِ طَلَاقِهَا) أَيْ فَيَكُونُ فَرْدًا حُكْمًا فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ لِمَا نَذْكُرُ مِنْ قَرِيبٍ) أَيْ فِي بَابِ التَّفْوِيضِ اهـ. (قَوْلُهُ فَبَطَلَ إطْلَاقُهُ) أَيْ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ وَفِي غَيْرِهَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ مِقْوَدُهَا عَلَى غَارِبِهَا) كَيْ لَا تَتَعَقَّلَ بِهِ إذَا كَانَ مَطْرُوحًا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَيُخَلُّونَ سَبِيلَهَا إلَخْ) شَبَّهَ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ الْإِطْلَاقِيَّةِ إطْلَاقَ الْمَرْأَةِ عَنْ قَيْدِ النِّكَاحِ أَوْ الْعَمَلِ أَوْ التَّصَرُّفِ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَصَارَ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ لِتَعَدُّدِ صُوَرِ الْإِطْلَاقِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَالْحَقِي بِأَهْلِك) بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَهُوَ مِنْ حَدِّ عَلِمَ وَفَتْحُ الْأَلِفِ وَكَسْرُ الْحَاءِ خَطَأٌ. اهـ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْحَقِي مِنْ اللُّحُوقِ لَا مِنْ الْإِلْحَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَوَهَبْتُك لِأَهْلِك) وَفِي وَهَبْتُك لِأَهْلِك إذَا نَوَى يَقَعُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوهَا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ كَوْنُ وَهَبْتُك لِأَهْلِك مَجَازًا عَنْ رَدَدْتُك عَلَيْهِمْ فَيَصِيرُ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْبَيْنُونَةُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِهِمْ إيَّاهَا فِي ثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تُطَلِّقَ نَفْسَهَا) وَإِنَّمَا هُمَا كِنَايَتَانِ عَنْ التَّفْوِيضِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ الْأَمْرُ فِي يَدِهَا بِالنِّيَّةِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ وَاغْرُبِي) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْغُرْبَةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَيُرْوَى اُعْزُبِي) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ اهـ. (قَوْلُهُ وَاذْهَبِي) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ قَالَ اذْهَبِي وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا مُوجِبًا لِلْبَيْنُونَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الذَّهَابُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ