الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَذَا الظَّرْفُ يَكُونُ سَابِقًا عَلَى الْمَظْرُوفِ فَتَقَارَبَا فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ.
(فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ)
قَالَ رحمه الله (أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ فِي غَدٍ تَطْلُقُ عِنْدَ الصُّبْحِ)، وَقَالَ مَالِكٌ يَقَعُ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ إضَافَةٌ إلَى وَقْتٍ كَائِنٍ لَا مَحَالَةَ فَيَقَعُ فِي الْحَالِ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِالتَّدْبِيرِ قَالَ رحمه الله (وَنِيَّةُ الْعَصْرِ تَصِحُّ فِي الثَّانِي) يَعْنِي نِيَّةُ آخِرِ النَّهَارِ تَصِحُّ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَلَا تَصِحُّ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَمُرَادُهُ فِي الْقَضَاءِ. وَأَمَّا دِيَانَةً فَيُصَدَّقُ فِيهِمَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا لَا يُصَدَّقُ فِيهِمَا قَضَاءً وَيُصَدَّقُ فِيهِمَا دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ فَيَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ ضَرُورَةً فَإِذَا نَوَى الْبَعْضَ فَقَدْ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ فَلَا يُصَدَّقُ كَمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَكَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا فَنَوَى طَعَامًا دُونَ طَعَامٍ، وَهَذَا لِأَنَّ حَذْفَ حَرْفِ فِي وَعَدَمَ حَذْفِهِ بِمَنْزِلَةٍ، وَلِهَذَا يَقَعُ فِيهِمَا فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ صُمْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ فِي الْحَالَيْنِ وَلَهُ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ كَلِمَةَ فِي لِلظَّرْفِ وَالظَّرْفُ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ بَلْ إذَا شَغَلَ جُزْءًا مِنْهُ يَكْفِي كَمَا يُقَالُ قَعَدْتُ فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا نَوَى الْبَعْضَ فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ قَضَاءً وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَإِنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ فَإِذَا نَوَى الْبَعْضَ فَقَدْ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعَامِّ وَهُوَ مَجَازٌ فَلَا يُصَدَّقُ إذَا كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ وَنَظِيرُهُ مَا إذَا قَالَ لَأَصُومَنَّ عُمْرِي أَوْ فِي عُمْرِي أَوْ الدَّهْرَ أَوْ فِي الدَّهْرِ وَسِرْتُ فَرْسَخًا أَوْ فِي فَرْسَخٍ وَانْتَظَرْته يَوْمًا أَوْ فِي يَوْمٍ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الصَّوْمِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْحَذْفُ وَعَدَمُهُ وَقَدْ يَخْتَلِفُ الشَّيْءُ بَيْنَ تَقْدِيرِهِ وَالتَّصْرِيحِ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ يَحْتَاجُ إلَى الْإِذْنِ فِي كُلِّ خَرْجَةٍ وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنْ آذَنَ لَك يُكْتَفَى بِإِذْنٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَتْ الْبَاءُ فِيهِ مُقَدَّرَةً وَلَا يُقَالُ هُوَ ظَرْفٌ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ظَرْفِيَّتَهُ مَعَ ظُهُورِ فِي.
قَالَ رحمه الله (وَفِي الْيَوْمِ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُعْتَبَرُ الْوَقْتُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا حَتَّى يَقَعَ فِي الْأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ وَفِي الثَّانِي غَدًا؛ لِأَنَّهُ حِينَ ذَكَرَهُ ثَبَتَ حُكْمُهُ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا فَلَا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ بِذِكْرِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ]
(فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا يَعْتِقُ مُقَارَنًا لِلْغَدِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ. وَأَمَّا إذَا قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ يَثْبُتُ الْعِتْقُ بَعْدَ تَحَقُّقِ مَجِيءِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْغَدِ لِكَوْنِ مَجِيءِ الْغَدِ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْعِتْقِ حَتَّى تَجِبَ صَدَقَةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ الْغَدَ جَاءَ وَهُوَ عَبْدُهُ، وَقَالَ الْأَكْمَلُ إضَافَةُ الطَّلَاقِ تَأْخِيرُ حُكْمِهِ عَنْ وَقْتِ التَّكَلُّمِ إلَى زَمَانٍ يُذْكَرُ بَعْدَهُ بِغَيْرِ كَلِمَةِ شَرْطٍ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِالتَّدْبِيرِ) أَيْ فَإِنَّ مَوْتَ الْمَوْلَى كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ مَعَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَنَجَّزُ اهـ (قَوْلُهُ فَقَدْ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي الْعُمُومِ) تَنْزِيلٌ لِلْأَجْزَاءِ مَنْزِلَةَ الْأَفْرَادِ وَإِلَّا فَلَفْظُ غَدًا نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَلَيْسَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فَلَا يُصَدَّقُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي رَمَضَانَ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُوجَدُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ رَمَضَانَ وَإِنْ نَوَى آخِرَ رَمَضَانَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْأَصْلِ ذَكَرْنَاهَا تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ كَمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي) أَيْ الْمُضَافُ إلَى الْوَقْتِ يَقَعُ بِأَوَّلِهِ وَالْمُضَافُ إلَى الْفِعْلِ يَقَعُ بِآخِرِهِ مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَغَدًا وَمِثَالُ الثَّانِي أَنْتِ طَالِقٌ فِي ثَلَاثِ دَخَلَاتٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْيَوْمَ ظَرْفًا وَقَعَ الطَّلَاقُ مِنْ أَوَّلِهِ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ الْيَوْمَ كُلَّهُ وَلَمَّا عَلَّقَ بِالْفِعْلِ لَا يَقَعُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ كَمَالِ الشَّرْطِ اهـ شَرْحُ التَّلْخِيصِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يَعْنِي بِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ ذَكَرَهُ أَوَّلًا نَظَرًا لِتَقْرِيرِهِ فَإِنَّهُ بَدَأَ أَوَّلًا بِشَرْحِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ وَثَنَّى بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالظَّرْفُ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ) أَيْ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يَقَعُ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ وَإِذَا عَيَّنَ جُزْءًا فَهُوَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَصْدِيًّا وَالْجُزْءُ الْأَوَّلُ ضَرُورِيٌّ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ لَأَصُومَنَّ عُمُرِي) أَيْ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْعُمُرِ حَتَّى لَا يَبَرَّ إلَّا بِصَوْمِ جَمِيعِ الْعُمُرِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ أَوْ فِي عُمُرِي) يَتَنَاوَلُ سَاعَةً مِنْ عُمُرِهِ حَتَّى لَوْ صَامَ سَاعَةً بَرَّ فِي يَمِينِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51] ذَكَرَ نُصْرَتَهُمْ فِي الدُّنْيَا مَقْرُونَةً بِحَرْفِ فِي، وَذَكَرَ نُصْرَتَهُمْ فِي الْآخِرَةِ غَيْرَ مَقْرُونَةٍ بِفِي؛ لِأَنَّ نُصْرَةَ اللَّهِ إيَّاهُمْ فِي الْآخِرَةِ مُسْتَوْعِبَةٌ لِجَمِيعِ الْأَوْقَاتِ دَائِمَةٌ؛ لِأَنَّهَا دَارُ جَزَاءٍ فَأَمَّا نُصْرَتُهُ إيَّاهُمْ فِي الدُّنْيَا فَقَدْ تَقَعُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ دُونَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهَا دَارُ ابْتِلَاءٍ اهـ آخِرُ التَّحْقِيقِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ظَرْفِيَّتَهُ مَعَ ظُهُورِ فِي) أَيْ؛ لِأَنَّك إذَا قُلْت خَرَجْتَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَهَذَا لَا يُسَمَّى ظَرْفًا عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَجَلَسْت فِي الدَّارِ فِي تَسْمِيَتِهِ ظَرْفًا اصْطِلَاحًا خِلَافُ ابْنِ عَقِيلٍ. اهـ. .
. (قَوْلُهُ حَتَّى يَقَعَ فِي الْأَوَّلِ فِي الْيَوْمِ) أَيْ وَصَارَ قَوْلُهُ غَدًا لَغْوًا؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ الْوَاقِعَ فِي الْحَالِ وَاقِعًا غَدًا وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ فَيَلْغُو ذِكْرُ الْغَدِ. اهـ. رَازِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْيَوْمِ فِي لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَالْمَعْنَى عَلَيْهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الثَّانِي فِي غَدٍ) لَفْظَةُ فِي لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَالْمَعْنَى عَلَيْهَا. اهـ. وَقَوْلُهُ وَفِي الثَّانِي فِي غَدٍ أَيْ وَصَارَ قَوْلُهُ الْيَوْمَ لَغْوًا؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْغَدِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ إيقَاعًا فِي الْيَوْمِ فَلَغَا قَوْلُهُ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ قَوْلُهُ الْيَوْمَ صِفَةً لِغَدٍ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لَهُ فَيَلْغُو ذِكْرُ الْيَوْمِ اهـ رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا) فِيهِ
لَا يَقْبَلُ التَّنْجِيزَ وَلَا الْمُنَجَّزُ يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ حَيْثُ لَا يَقَعُ قَبْلَ غَدٍ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِمَجِيءِ غَدٍ فَلَا يَقَعُ قَبْلَهُ، وَذَكَرَ الْيَوْمَ لِبَيَانِ وَقْتِ التَّعْلِيقِ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فِي غَدٍ طَلْقَةٌ أُخْرَى فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِهِ فِيهِمَا قُلْنَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِالْخَبَرِ ضَرُورِيٌّ وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِالْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْيَوْمِ يَتَّصِفُ بِهِ غَدًا فَلَا حَاجَةَ إلَى أُخْرَى وَلَا يَلْزَمُنَا الْعَكْسُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا الْيَوْمَ حَيْثُ يَقَعُ فِيهِ وَاحِدَةٌ أَيْضًا مَعَ انْعِدَامِ ذَلِكَ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ جَعَلَ الْيَوْمَ فِيهِ صِفَةً لِغَدٍ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لَهُ فَيَلْغُوَ ذِكْرُ الْيَوْمِ، وَلَوْ ذَكَرَهُمَا بِالْوَاوِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَالْيَوْمَ تَقَعُ وَاحِدَةٌ فِي الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّا لَا حَاجَةَ لَنَا إلَى إيقَاعِ الْأُخْرَى فِي الْأُولَى لِإِمْكَانِ وَصْفِهَا غَدًا بِطَلَاقٍ وَقَعَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ فَيَقَعَانِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ آخِرَ النَّهَارِ وَأَوَّلَهُ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ وَلَوْ قَالَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ تَطْلُقُ وَاحِدَةً.
قَالَ رحمه الله (أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ أَمْسِ وَنَكَحَهَا الْيَوْمَ لَغْوٌ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَقَدْ نَكَحَهَا الْيَوْمَ لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتٍ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ فِيهِ فَلَغَا كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي أَوْ طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ نَائِمٌ أَوْ مَجْنُونٌ وَجُنُونُهُ كَانَ مَعْهُودًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ أَنْ أَشْتَرِيَك أَوْ أَنْتَ حُرٌّ أَمْسِ وَقَدْ اشْتَرَاهُ الْيَوْمَ حَيْثُ يَعْتِقُ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ قَبْلَ مِلْكِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ أَعْتَقَك مَوْلَاك ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا، وَلِأَنَّ إضَافَةَ الطَّلَاقِ إلَى أَمْسِ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا عَنْ عَدَمِ النِّكَاحِ أَوْ عَنْ كَوْنِهَا مُطَلَّقَةً بِتَطْلِيقِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْوَاجِ وَجَعْلُهُ إنْشَاءً ضَرُورِيٌّ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ إمْكَانِ الْحَقِيقَةِ كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ مِرَارًا يَقَعُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِإِمْكَانِ حَقِيقَةِ الْخَبَرِ فِيمَا عَدَا الْأُولَى، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا يَا طَالِقُ يَا مُطَلَّقَةُ وَنَوَى بِهِ أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا غَيْرُهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَلَا يُصَدَّقُ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ، وَلَوْ كَرَّرَ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْمُعَيَّنَةِ يَتَكَرَّرُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُنَكَّرَةِ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ غَالِبٌ فِي الْإِنْشَاءِ فِي الْمُعَيَّنَةِ وَلَعَلَّ الْحَاجَةَ لَمْ تَنْدَفِعْ بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الْغَالِبِ بِخِلَافِ الْمُنَكَّرَةِ إذْ الدَّوَاعِي إلَى الطَّلَاقِ مِنْ اللَّجَاجِ وَالْبَغْضَاءِ وَالنَّشْرِ يَتَحَقَّقُ فِي الْمُعَيَّنَةِ دُونَ الْمُنَكَّرَةِ وَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ التَّكْرَارِ فِيهَا.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ نَكَحَهَا قَبْلَ أَمْسِ وَقَعَ الْآنَ) أَيْ، وَلَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَمْسِ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَقَعَ الطَّلَاقُ السَّاعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْنِدْهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا عَنْ طَلَاقِ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ طَلَاقِ غَيْرِهِ لِانْعِدَامِهِمَا فِيهِ فَتَعَيَّنَ الْإِنْشَاءُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْإِسْنَادِ فَتَعَيَّنَ الْإِنْشَاءُ فِي الْحَالِ.
قَالَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
لَفٌّ وَنَشْرٌ فَقَوْلُهُ تَنْجِيزًا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ الْيَوْمَ غَدًا. وَقَوْلُهُ تَعْلِيقًا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ غَدًا الْيَوْمَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ أَوَّلُ الْوَقْتَيْنِ حَتَّى وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا فِي الْيَوْمِ وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا الْيَوْمَ فِي الْغَدِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ وَقْتَيْنِ وَلَمْ يَعْطِفْ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَصَارَ ذِكْرُ الثَّانِي لَغْوًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْأُولَى مُنَجَّزٌ وَالْوَاقِعُ مُنَجَّزًا لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ وَفِي الثَّانِيَةِ الطَّلَاقُ مُضَافٌ إلَى الْغَدِ فَلَا يَتَنَجَّزُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّزَ لَا يَبْقَى الْمُضَافُ مُضَافًا. وَقَوْلُهُ الْيَوْمَ ثَانِيًا لَيْسَ بِنَاسِخٍ لِحُكْمِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا فَكَانَ ذِكْرُ الْيَوْمِ لَغْوًا اهـ وَتَعْبِيرُهُ بِالْإِضَافَةِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الشَّارِحِ بِالتَّعْلِيقِ فَتَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ انْعِدَامُ ذَلِكَ الْمَعْنَى) أَيْ وَهُوَ اتِّصَافُهَا فِي الْيَوْمِ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ ذَكَرَهُمَا بِالْوَاوِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَالْيَوْمَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ زُفَرَ وَعِنْدَنَا يَقَعُ الْيَوْمَ وَاحِدَةً وَغَدًا أُخْرَى لِزُفَرَ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ بِكَلِمَةِ التَّكْرَارِ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُقُوعُ اهـ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ غَدًا بِدُونِ الْعَطْفِ طَلُقَتْ السَّاعَةَ وَاحِدَةً وَذِكْرُ الْغَدِ لَغْوٌ لِمَا بَيَّنَّا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي) قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك فَتَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ فَيَقَعُ فِي أَوَّلِهِمَا وَيَبْطُلُ الثَّانِي كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُك قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي يَقَعُ بِالتَّزَوُّجِ وَيَبْطُلُ قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي. اهـ. كَيْ. (قَوْلُهُ حَيْثُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ حُرًّا أَمْسِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ اسْتِرْقَاقِهِ الْيَوْمَ وَبَعْدَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتَ حُرُّ الْأَصْلِ أَوْ مُعْتَقُ الْغَيْرِ كَذَا فِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَجَعْلُهُ إنْشَاءً ضَرُورِيٌّ) يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إخْبَارٌ بِوَضْعِهِ وَإِنَّمَا يُجْعَلُ إنْشَاءً فِي مَوْضِعٍ تَعَذَّرَ جَعْلُهُ إخْبَارًا فَإِذَا أَمْكَنَ جَعْلُهُ إخْبَارًا لَا يُجْعَلُ إنْشَاءً؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِحَقِيقَةِ كُلِّ كَلَامٍ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ الْإِنْشَاءُ فِي الْحَالِ) أَيْ فَيَقَعُ السَّاعَةَ وَعَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ حُكْمُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا فِي مَسْأَلَةِ الدَّوْرِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ وَهِيَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَحَكَمَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِتَنْجِيزِ طَلَاقِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّزَ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَوُقُوعُ الثَّلَاثِ سَابِقًا عَلَى التَّنْجِيزِ يَمْنَعُ الْمُنَجَّزَ بِوُقُوعِ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ وَنَقُولُ إنَّ هَذَا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ الْأَجْزِيَةَ تَنْزِلُ بَعْدَ الشَّرْطِ أَوْ مَعَهُ لَا قَبْلَهُ وَلِحُكْمِ الْعَقْلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَدْخُولَ أَدَاةِ الشَّرْطِ سَبَبٌ وَالْجَزَاءُ مُسَبِّبٌ عَنْهُ وَلَا يَعْقِلُ تَقَدُّمُ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ فَكَانَ قَوْلُهُ قَبْلَهُ لَغْوًا أَلْبَتَّةَ فَيَبْقَى الطَّلَاقُ جَزَاءً لِلشَّرْطِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْقَبْلِيَّةِ وَلِحُكْمِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ نَاطِقَةٌ بِشَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى رَفْعِهَا فَيَتَفَرَّعُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وُقُوعُ ثَلَاثِ الْوَاحِدَةِ الْمُنَجَّزَةِ وَثِنْتَانِ مِنْ الْمُعَلَّقَةِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَقَعَتَا وَوَاحِدَةً مِنْ الْمُعَلَّقَةِ أَوْ ثَلَاثًا وَقَعْنَ فَيَصِيرُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ لَا يُصَادِفُ أَهْلِيَّةً فَيَلْغُو، وَلَوْ كَانَ قَالَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ ثِنْتَانِ الْمُنَجَّزَةُ وَالْمُعَلَّقَةُ
- رحمه الله (وَأَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ طَلُقَتْ)؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ التَّطْلِيقِ وَقَدْ وُجِدَ حِينَ سَكَتَ، وَهَذَا لِأَنَّ مَتَى صَرِيحٌ لِلْوَقْتِ لِكَوْنِهَا مِنْ ظُرُوفِ الزَّمَانِ. وَأَمَّا مَا فَلِأَنَّهَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى عليه السلام {مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31] أَيْ مُدَّةَ حَيَّاتِي وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2] قَالَ حَافِظُ الدِّينِ هَذَا مَوْضِعُ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ يَسْتَدْعِي الْوَقْتَ لَا مَحَالَةَ فَتَرَجَّحَتْ جِهَةُ الْوَقْتِ، وَهَذَا تَحَكُّمٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ أَيْضًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَوْلَى كَيْ لَا يَقَعَ بِالشَّكِّ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ يَقَعُ الثَّلَاثُ مُتَتَابِعًا وَلَا يَقَعُ جُمْلَةً؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ لَا غَيْرُ.
قَالَ رحمه الله (وَفِي إنْ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا أُطَلِّقُك أَوْ إذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك لَا حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ فَأَمَّا حَرْفُ إنْ فَلِأَنَّهَا لِلشَّرْطِ حَقِيقَةً وَقَدْ عَلَّقَهُ بِعَدَمِ الْفِعْلِ وَتَحَقُّقُهُ بِالْيَأْسِ عَنْ الْوُقُوعِ وَذَلِكَ بِالْمَوْتِ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ ثُمَّ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ لِتَحَقُّقِ عَجْزِهِ عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فَتَرِثُهُ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْفَارِّ وَجَعَلَ مَوْتَهَا كَمَوْتِهِ وَفِي النَّوَادِرِ لَا يَقَعُ بِمَوْتِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَادِرٌ عَلَى الْإِيقَاعِ مَا لَمْ تَمُتْ فَإِذَا مَاتَتْ بَطَلَتْ الْمَحَلِّيَّةُ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ أَوْ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ تَطْلُقُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْإِتْيَانِ وَالدُّخُولِ لِتَحَقُّقِ الْيَأْسِ وَلَا تَطْلُقُ بِمَوْتِهَا؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِتْيَانِ وَالدُّخُولِ إلَى أَنْ يَمُوتَ
وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ وَنَحْوِهِ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ قَدْ تَحَقَّقَ قُبَيْلَ مَوْتِهَا فَوُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ وَفِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَأَمْثَالِهَا لَا يَثْبُتُ الْعَجْزُ مَا لَمْ تَمُتْ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ ثُمَّ الزَّوْجُ لَا يَرِثُهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ كَانَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ وُجِدَ. وَأَمَّا إذَا وَإِذَا مَا فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمَا مِثْلُ إنْ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا مِثْلُ مَتَى وَنَحْوِهَا فَتَطْلُقُ حِينَ يَسْكُتُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَإِنْ نَوَى الشَّرْطَ يَكُونُ كَانَ وَإِنْ نَوَى الْوَقْتَ يَكُونُ كَمَتَى إجْمَاعًا لَهُمَا أَنَّ كَلِمَةَ إذَا لِلْوَقْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] وَلَيْسَ الْقَسَمُ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَفْسُدُ بِهِ، وَلِهَذَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا هُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ كَقَوْلِهِمْ إذَا احْمَرَّ الْبُسْرُ آتِيك وَنَحْوِهِ
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] وَالشَّرْطُ يَكُونُ فِي الْمُتَرَدِّدِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْتِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا كَقَوْلِهِ مَتَى شِئْتِ، وَلِهَذَا تَطْلُقُ حِينَ يَسْكُتُ فِي قَوْلِهِ إذَا سَكَتَ عَنْ طَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ قَالَ الشَّاعِرُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ أَوْ مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ) إنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَسَكَتَ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ مَوْصُولًا أَنْتِ طَالِقٌ عَقِيبَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَوْصُولًا بِكَلَامِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَعَتْ تَطْلِيقَةً وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ، وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ حِينَ سَكَتَ فِيمَا بَيْنَ فَرَاغِهِ مِنْ يَمِينِهِ إلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ حِينَ لَمْ أُطَلِّقْك وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ سَكَتَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ زَمَانَ لَمْ أُطَلِّقْك وَحَيْثُ لَمْ أُطَلِّقْك وَيَوْمَ لَمْ أُطَلِّقْك وَإِنْ قَالَ زَمَانَ لَا أُطَلِّقُك أَوْ حِينَ لَا أُطَلِّقُك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمْضِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَمْ مَوْضُوعٌ لِقَلْبِ الْمُضَارِعِ مَاضِيًا وَنَفْيِهِ وَقَدْ وُجِدَ زَمَانٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَحَيْثُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَكَانِ فَكَمْ مِنْ مَكَان لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ فَوُجِدَ شَرْطُ الطَّلَاقِ وَكَلِمَةُ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَا يَقَعُ لِلْحَالِ وَإِنَّمَا يُرَادُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُ أَوْسَطُ اسْتِعْمَالِ الْحِينِ إذْ يُرَادُ بِهِ السَّاعَةُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] وَيُرَادُ بِهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] وَيُرَادُ بِهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً كَقَوْلِهِ {حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] وَالزَّمَانُ كَالْحِينِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الِاسْتِعْمَالِ سَوَاءٌ تَقُولُ مَا لَقِيتُك مُنْذُ زَمَانٍ كَمَا يُقَالُ مَا لَقِيتُك مُنْذُ حِينٍ اهـ أَتْقَانِيٌّ رحمه الله وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ رحمه الله حُكْمُ مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ حِينَ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ حَيْثُ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ حِينَ لَا أُطَلِّقُك وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَسَكَتَ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِيهِ خِلَافَ زُفَرَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ لَكِنِّي بَادَرْت بِكِتَابَتِهِ ظَنًّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ. (قَوْلُهُ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ) أَيْ وَحَمْلُهُ عَلَى الْوَقْتِ أَوْلَى لِعَدَمِ انْفِكَاكِ الطَّلَاقِ عَنْ الْوَقْتِ فَتَرَجَّحَتْ جِهَةُ الْوَقْتِ. اهـ. رَازِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا إذَا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ فَقَدْ بَقِيَ مِنْ حَيَاتِهَا مَا لَا يَسَعُ التَّكَلُّمَ بِالطَّلَاقِ وَذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ الزَّمَانِ صَالِحٌ لِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ وَالْمَحَلُّ بَاقٍ فَيَقَعُ وَالْمُعَلَّقُ كَالْمُرْسَلِ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِيقَةِ الْإِرْسَالِ فَلِهَذَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِرْسَالِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ اللَّطِيفَةِ وَلَا مِيرَاثَ لِلزَّوْجِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ عِنْدَ الْمَوْتِ. اهـ. مَبْسُوطٌ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الزَّوْجُ لَا يَرِثُهَا إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ كَانَ ثَلَاثًا) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَإِذَا حَكَمْنَا بِوُقُوعِهِ قَبْلَ مَوْتِهَا لَا يَرِثُ مِنْهَا الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ حَالَ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِالْبَيْنُونَةِ وَأَنَّ الْمُعَلَّقَ صَرِيحًا لِانْتِفَاءِ الْعِدَّةِ كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْوُقُوعَ فِي آخِرِ جُزْءٍ لَا يَتَجَزَّأُ فَلَمْ يَلِهِ إلَّا الْمَوْتُ وَبِهِ تَبِينُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الشَّرْطَ يَكُونُ كَإِنْ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الْوَقْتَ يَكُونُ كَمَتَى) أَيْ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ حِينَ سَكَتَ اهـ
إذَا قَصُرَتْ أَسْيَافُنَا كَانَ وَصْلُهَا
…
خُطَانَا إلَى أَعْدَائِنَا فَنُضَارِبُ
وَتُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْوَقْتِ قَالَ الشَّاعِرُ
وَإِذَا تَكُونُ كَرِيهَةً أَدْعَى لَهَا
…
وَإِذَا يُحَاسُ الْحَيْسُ يُدْعَى جُنْدُبُ
وَإِذَا تَرَدَّدَتْ لَمْ تَطْلُقْ فِي الْحَالِ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ
وَلَا يَلْزَمُهُ مَسْأَلَةُ الْمَشِيئَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ أَيْضًا وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الشَّرْطِ مُطْلَقًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِيهِ، وَلِهَذَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ وَلَا يُقَالُ إذَا تَرَدَّدَتْ كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْوُقُوعِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يُرَجَّحُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّهَا فِي عِصْمَتِهِ بِيَقِينٍ فَلَا تَطْلُقُ بِالِاحْتِمَالِ كَمَا إذَا شَكَّ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْحَدَثِ تَرَجَّحَ بِالْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ الْأَحْوَطُ إيجَابَ التَّوَضُّؤِ وَلَا يَلْزَمُنَا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ حِينَ لَمْ أُطَلِّقْك حَيْثُ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ فِي الزَّمَانِ الطَّوِيلِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا وَقَعَ لِلْحَالِ إذَا أُضِيفَ إلَى الزَّمَانِ الْمَاضِي حَتَّى لَوْ أَضَافَهُ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ بِأَنْ قَالَ حِينَ لَا أُطَلِّقُك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَمْضِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِمَا عُرِفَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ إذَا شَرْطِيَّةٌ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَعِنْدَ الْمُبَرِّدِ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ فَإِنْ وَلِيَهَا اسْمٌ كَانَ بِتَأْوِيلِ الْفِعْلِ كَانَ وَبَعْضُهُمْ قَالَ إذَا دَخَلَهَا مَا يُجَازِي بِهَا؛ لِأَنَّ " مَا " تَكُفُّهَا عَنْ الْإِضَافَةِ فَيَحْصُلُ الْإِبْهَامُ وَالشَّرْطُ بَابُهُ الْإِبْهَامُ، وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ إذْ مَعَ كَوْنِهَا لِلْمَاضِي إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهَا مَا جُوزِيَ بِهَا لِمَا ذَكَرْنَا فَهَذِهِ أَوْلَى، وَلَا حُجَّةَ لَهُمَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْتِ؛ لِأَنَّ إذَا لَمَّا تَرَدَّدَتْ وَكَانَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا فِي الْحَالِ بِيَقِينٍ لَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ، وَكَذَا قَوْلُهُ إذَا سَكَتُّ عَنْ طَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا حُجَّةَ لَهُمَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ سَكَتّ عَنْ طَلَاقِك كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَمَا غَرَضُنَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مِثْلَ إنْ
وَلَوْ قَالَ إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يُطَلِّقْ حَتَّى مَاتَ وَقَعَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَانِ، وَلَوْ قَالَ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ صَارَ حَانِثًا فَيَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ ثُمَّ يَقَعُ طَلْقَةٌ أُخْرَى فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِوُجُودِ الطَّلَاقِ بِكَلَامٍ وُجِدَ بَعْدَ الْيَمِينِ الْأُولَى فَيَحْنَثُ بِهِ وَلَا تَطْلُقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا بِكَلَامٍ وُجِدَ قَبْلَ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ فَلَا تَقَعُ الْمُعَلَّقَةُ لِعَدَمِ الشَّرْطِ.
قَالَ رحمه الله (أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ هَذِهِ الطَّلْقَةَ) مَعْنَاهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ ثِنْتَانِ إذَا كَانَ مَدْخُولًا بِهَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ التَّطْلِيقِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَهُوَ زَمَانُ اشْتِغَالِهِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ زَمَانَ الْبِرِّ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْيَمِينِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ وَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ إلَّا بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ الْقَدْرِ عَنْ الْيَمِينِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ وَأَخَوَاتُهَا.
قَالَ رحمه الله (أَنْتِ كَذَا يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَنَكَحَهَا لَيْلًا حَنِثَ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَيْلًا حَنِثَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ حَيْثُ لَا يَكُونُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا إلَّا إذَا قَدِمَ بِالنَّهَارِ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إبراهيم: 5] أَيْ بِأَوْقَاتِ نَعْمَائِهِ وَبَلَائِهِ وَيُقَالُ يَوْمٌ لَنَا وَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] وَالْمُرَادُ النَّهَارُ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ فَإِذَا شَاعَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا فَلَا بُدَّ مِنْ ضَابِطٍ يَمْتَازُ بِهِ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَنَقُولُ إذَا قُرِنَ بِهِ فِعْلٌ يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ وَإِذَا قُرِنَ بِهِ فِعْلٌ لَا يَمْتَدُّ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ وَنَعْنِي بِالْمُمْتَدِّ مَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ كَالْأَمْرِ بِالْيَدِ وَالصَّوْمِ وَبِمَا لَا يَمْتَدُّ مَا لَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ كَالطَّلَاقِ وَالتَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ طَلَّقْت شَهْرًا وَيُرَادُ الْإِيقَاعُ فِي جَمِيعِهِ أَوْ الِامْتِدَادُ إلَيْهِ وَلَا تَزَوَّجْت يَوْمًا بِهَذَا الْمَعْنَى فَكَانَ الْأَلْيَقُ أَنْ يُحْمَلَ الْمُمْتَدُّ عَلَى الْمُمْتَدِّ وَغَيْرُ الْمُمْتَدِّ عَلَى غَيْرِ الْمُمْتَدِّ رِعَايَةً لِلْمُنَاسَبَةِ وَاسْتِعْمَالَ أَهْلِ الْعُرْفِ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ عِبَارَتُهُمْ فِي مَاذَا يُعْتَبَرُ الِامْتِدَادُ وَعَدَمُهُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَبِرُهُ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ الْيَوْمَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْتَبِرُهُ فِي الْجَوَابِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَامِلُ فِيهِ فَكَانَ بِحَسَبِهِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْمُمْتَدُّ مِنْهُمَا وَعَلَيْهِ مَسَائِلُهُمْ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِكِ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ نَهَارًا وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْقُدُومِ حَتَّى اللَّيْلِ بَطَلَ خِيَارُهَا لِانْصِرَافِهِ إلَى النَّهَارِ وَمُضِيِّهِ، وَلَوْ قَالَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ فَنُضَارِبْ) جَزَمَهُ عَطْفًا عَلَى الْمَحَلِّ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ.
(قَوْلُهُ طَلُقَتْ هَذِهِ الطَّلْقَةَ) أَيْ هَذِهِ الطَّلْقَةَ الْأَخِيرَةَ لَا الْمُعَلَّقَةَ بِعَدَمِ التَّطْبِيقِ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا) أَيْ أَمَّا لَوْ قَالَهُ مَفْصُولًا يَقَعَانِ بِالْإِجْمَاعِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الزَّمَانِ الْخَالِي عَنْ التَّطْلِيقِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ ثِنْتَانِ) أَيْ الْمُعَلَّقَةُ وَالْمُضَافَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ إنَّمَا حَلَفَ لِيَبَرَّ فِي يَمِينِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ) أَيْ فَنَزَعَهُ فِي الْحَالِ. (قَوْلُهُ وَأَخَوَاتُهَا) أَيْ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ رَاكِبُهَا فَنَزَلَ مِنْ سَاعَتِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ حَرَامٌ لَيْلًا وَنَهَارًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَكَانَ الْأَلْيَقُ أَنْ يُحْمَلَ الْمُمْتَدُّ) أَيْ وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْيَدِ وَنَحْوِهِ. (قَوْلُهُ عَلَى الْمُمْتَدِّ) أَيْ وَهُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ اهـ (قَوْلُهُ وَغَيْرُ الْمُمْتَدِّ) أَيْ كَالتَّزَوُّجِ وَنَحْوِهِ اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمُمْتَدِّ) أَيْ وَهُوَ مُطْلَقُ الْوَقْتِ اهـ. (قَوْلُهُ لِانْصِرَافِهِ إلَى النَّهَارِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْيَوْمَ مِعْيَارًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ. اهـ. .
فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ عَنَيْتُ بِهِ النَّهَارَ صُدِّقَ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ النَّهَارُ لِلْبَيَاضِ خَاصَّةً وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا وَاللَّيْلُ لِلسَّوَادِ خَاصَّةً وَهُوَ ضِدُّ النَّهَارِ وَالْيَوْمُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِهَا قَالَهُ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَعَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَقِيلَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَفِي الْمُجْمَلِ لِابْنِ فَارِسٍ النَّهَارُ ضِيَاءٌ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَقِيلَ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ لَيْسَ مِنْ الْيَوْمِ وَلَا مِنْ النَّهَارِ وَلَا مِنْ اللَّيْلِ.
قَالَ رحمه الله (أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ لَغْوٌ وَإِنْ نَوَى وَتَبِينُ فِي الْبَائِنِ وَالْحَرَامِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَتَبِينُ مِنْهُ بِقَوْلِهِ أَنَا مِنْكِ بَائِنٌ أَوْ عَلَيْكِ حَرَامٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا إذَا نَوَى وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ فَطَلَّقَتْهُ هُوَ يَقُولُ إنَّ الْمِلْكَ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا حَتَّى مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمُطَالَبَةَ بِحُقُوقِ النِّكَاحِ، وَكَذَا حُكْمُ النِّكَاحِ وَهُوَ الْحِلُّ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا حَتَّى يَسْتَمْتِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ وَيُسَمَّيَا مُتَنَاكِحَيْنِ وَيَنْتَهِي بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَيَرِثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ وَالزَّوْجُ مُقَيَّدٌ مِنْ جِهَتِهَا حَتَّى لَا يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَلَا أَرْبَعًا سِوَاهَا وَالطَّلَاقُ وُضِعَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَالْحِلِّ فَيَصِحُّ مُضَافًا إلَيْهِ كَمَا يَصِحُّ مُضَافًا إلَيْهَا كَمَا فِي الْإِبَانَةِ وَالتَّحْرِيمِ غَيْرَ أَنَّ إضَافَةَ الطَّلَاقِ إلَيْهِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَلَنَا أَنَّ الطَّلَاقَ شُرِعَ مُضَافًا إلَى الْمَرْأَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق: 1] وَبِقَوْلِهِ {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ وَهُوَ إذَا طَلَّقَ نَفْسَهُ فَقَدْ غَيَّرَ الْمَشْرُوعَ فَيَلْغُو كَالْعِتْقِ الْمُضَافِ إلَى الْمَوْلَى، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي امْرَأَةٍ جَعَلَ زَوْجُهَا أَمْرَهَا بِيَدِهَا فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَقَالَتْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا خَطَّأَ اللَّهُ نَوْأَهَا لَوْ قَالَتْ أَنَا طَالِقٌ ثَلَاثًا لَكَانَ كَمَا قَالَتْ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْقَيْدِ وَهُوَ فِيهَا دُونَهُ أَوْ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ وَهُوَ عَلَيْهَا دُونَهُ كَالْعِتْقِ لِإِزَالَةِ الرِّقِّ ثُمَّ الْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَ نَفْسَهُ أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدُ مَوْلَاهُ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ فَكَذَا الزَّوْجُ إذَا طَلَّقَ نَفْسَهُ أَوْ طَلَّقَتْهُ هِيَ لَا تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ لِعَدَمِ إضَافَتِهِ إلَى الْمَحَلِّ
وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُطَلِّقَ الْإِنْسَانُ وَيَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى غَيْرِ الْمُطَلَّقِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمِلْكَ مُشْتَرَكٌ بَلْ الْمِلْكُ لِلزَّوْجِ خَاصَّةً حَتَّى ظَهَرَ عَلَيْهَا أَثَرُهُ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ التَّزَوُّجِ وَالْخُرُوجِ وَجَازَ لَهُ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّةِ دُونَهَا وَصَارَ الْمَهْرُ لَهَا بَدَلَ مَا مَلَكَ عَلَيْهَا وَمَا ثَبَتَ لَهَا مِنْ الْحِلِّ تَبَعٌ لِثُبُوتِ الْحِلِّ لِلزَّوْجِ فَيَزُولُ بِزَوَالِهِ وَمَا يَكُونُ تَبَعًا فِي النِّكَاحِ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَمَا ثَبَتَ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَالطَّلَاقُ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِإِزَالَتِهِ وَرَفْعِهِ وَتَسْمِيَتُهُمَا مُتَنَاكِحَيْنِ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ لَا سِيَّمَا عِنْدَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ مِنْهَا.
وَأَمَّا حُرْمَةُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا فَثَابِتٌ بِالنَّصِّ لَا لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ حُرْمَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أَوْ بَيْنَ الْخَمْسِ ثَابِتٌ قَبْلَ التَّزَوُّجِ بِهَا بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ وَالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُمَا لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَالْحِلِّ وَهُمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَتَصِحُّ إضَافَتُهُمَا إلَيْهِمَا وَالطَّلَاقُ لِرَفْعِ الْقَيْدِ فَلَا يُضَافُ إلَّا إلَى الْمُقَيَّدِ. وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ قُلْنَا إنَّهُ صَرِيحٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى النِّيَّةِ إجْمَاعًا وَكَوْنُهُ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ إيقَاعُهُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا كَقَوْلِهِ عُشْرُكِ طَالِقٌ أَوْ فَرْجُكِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُكِ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْك أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك لَمْ تَطْلُقْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ حَيْثُ تَطْلُقُ إذَا نَوَى وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْنُونَةَ أَوْ الْحَرَامَ إذَا كَانَ مُضَافًا إلَيْهَا تَعَيَّنَ لِإِزَالَةِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْوَصْلَةِ وَالْحِلِّ وَإِذَا أَضَافَهُ إلَيْهِ لَا يَتَعَيَّنُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى فَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ أَنَا بَائِنٌ مِنْهَا أَوْ حَرَامٌ عَلَيْهَا.
قَالَ رحمه الله (أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوَّلًا أَوْ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِك لَغْوٌ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ قَالَ لَا يَكُونُ طَلَاقًا، وَلَوْ قَالَ أَنَا مِنْك بَائِنٌ فَنَوَى الطَّلَاقَ كَانَتْ طَالِقًا قَالَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ كَانَتْ طَالِقًا، وَهَذَا مَذْهَبُنَا اهـ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ أَنَا مِنْك بَائِنٌ وَعَلَيْك حَرَامٌ وَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَتَبِينُ فِي الْبَائِنِ وَالْحَرَامِ أَنَّ الْوَاقِعَ بِهِمَا بَائِنٌ لَا رَجْعِيٌّ وَلَزِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إلَخْ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ اهـ ع. (قَوْلُهُ خَطَّأَ اللَّهُ نَوْأَهَا) يُقَالُ لِمَنْ طَلَبَ حَاجَةً فَلَمْ يَنْجَحْ أَخْطَأَ نَوْأَك أَرَادَ جَعَلَ اللَّهُ نَوْأَهَا مُخْطِئًا لِمَا لَا يُصِيبُهَا مَطَرُهُ وَيُرْوَى خَطَّى اللَّهُ نَوْأَهَا بِلَا هَمْزٍ مِنْ خَطَّى اللَّهُ عَنْك النَّوْءَ أَيْ جَعَلَهُ يَتَخَطَّاك يُرِيدُ يَتَعَدَّاهَا فَلَا يُمْطِرُهَا وَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُعْتَلِّ اللَّامِ كَذَا فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ وَصَاحِبُ الطِّلْبَةِ صَحَّحَ الثَّانِيَ وَخَطَّأَ الْأَوَّلَ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك لَمْ تَطْلُقْ) أَيْ وَإِنْ نَوَى اهـ قَالَ فِي الْوَجِيزِ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْكِ أَوْ عَلَيْكِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى ذِكْرَهُ فِي الْكِنَايَاتِ وَفِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْك وَلَا عَلَيْك لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَاهُ بِخِلَافِ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ وَمِثْلُهُ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ وَفِي النِّهَايَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنَا بَائِنٌ يَعْنِي مِنْك وَلَمْ يَقُلْ مِنْك لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ وَإِنْ عَنَى بِهِ الطَّلَاقَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنَا حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك اهـ وَقَوْلُ الْعَيْنِيِّ رحمه الله فِي شَرْحِهِ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ تَطْلُقُ إذَا نَوَى غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النُّقُولِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً) أَيْ أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. (قَوْلُهُ أَوْ لَا) أَيْ، وَكَذَا طَالِقٌ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ أَوْ وَطَالِقٌ أَوْ لَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ قَالَ الْمُصَنِّفُ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. اهـ. فَتْحٌ
أَنْتَ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوَّلًا أَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِكَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا تَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً ذَكَرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْمَبْسُوطِ لَهُ أَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي الْوَاحِدَةِ لِدُخُولِ حَرْفِهِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّفْيِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْوَاحِدَةِ لِلشَّكِّ وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ سَالِمًا عَنْ الشَّكِّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلًا أَوْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي أَصْلِ الْإِيقَاعِ وَلَهُمَا أَنَّ الْوَصْفَ مَتَى قُرِنَ بِالْمَصْدَرِ أَوْ وَصْفِهِ كَانَ الْوُقُوعُ بِهِ لَا بِالْوَصْفِ فَكَانَ الشَّكُّ دَاخِلًا فِي الْإِيقَاعِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا شَيْءَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْوُقُوعَ بِالْمَصْدَرِ أَوْ وَصْفِهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْوَصْفِ لَمَا وَقَعَ لِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً عِنْدَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَمَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَاحِدَةً أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْوَصْفِ لَوَقَعَ وَاسْتَحَقَّتْ نِصْفَ الْمَهْرِ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَلَمَا وَرِثَهَا لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُقُوعَ بِهِ لَا بِالْوَصْفِ إذْ لَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِهِ لَمَا صَحَّ لِدُخُولِ الْفَاصِلِ وَهُوَ قَوْلُهُ ثَلَاثًا. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِكَ فَلِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ وَمَوْتَهَا يُنَافِي الْمَحَلِّيَّةَ وَلَا بُدَّ مِنْهُمَا، وَهَذَا لِأَنَّ مَعَ لِلْقِرَانِ حَقِيقَةً وَحَالُ مَوْتِ أَحَدِهِمَا حَالُ ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي حَالِ الِاسْتِقْرَارِ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ مَعَ تَكُونُ لِلشَّرْطِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ دُخُولِكِ الدَّارَ تَعَلَّقَ بِهِ فَلَوْ وَقَعَ لَوَقَعَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ مُحَالٌ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ مَلَكَهَا أَوْ شِقْصَهَا أَوْ مَلَكَتْهُ أَوْ شِقْصَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ) يَعْنِي لَوْ مَلَكَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ بِأَنْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ مَلَكَ جُزْءًا مِنْهَا أَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَالِكَةُ لِزَوْجِهَا أَوْ لِجُزْئِهِ بَطَلَ النِّكَاحُ. وَأَمَّا مِلْكُهَا إيَّاهُ فَلِلِاجْتِمَاعِ بَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَمْلُوكِيَّةِ فَلَا يَنْتَظِمُ الْمَصَالِحُ وَهُوَ مَا شُرِعَ إلَّا لِمَصَالِحِهِ. وَأَمَّا مِلْكُهُ إيَّاهَا فَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ ضَرُورِيٌّ وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِالْأَقْوَى لِثُبُوتِ الْحِلِّ بِهِ وَلَا يُقَالُ الْحِلُّ لَا يَثْبُتُ بِالشِّقْصِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مِلْكُ الْيَمِينِ دَلِيلُ الْحِلِّ فَقَامَ مَقَامَ الْحِلِّ تَيْسِيرًا وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْمُكَاتَبِ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَإِنْ وُجِدَ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ لَهُ مِلْكًا بَلْ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ.
قَالَ رحمه الله (فَلَوْ اشْتَرَاهَا وَطَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ وَلَمْ يُوجَدْ، وَكَذَا إذَا مَلَكَتْهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهُ لَا يَقَعُ لِمَا قُلْنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ يَقَعُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ وَاجِبَةٌ هُنَا اتِّفَاقًا وَقِيَامُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا) أَيْ بِلَا ذِكْرِ الْوَاحِدَةِ. (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ) أَيْ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا شَيْءَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ إلَخْ) كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ لَا يَعْتِقُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ لِدُخُولِ الْفَاصِلِ وَهُوَ قَوْلُهُ ثَلَاثًا) أَيْ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ إلَخْ) أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّبِيَّ أَوْ الْمَجْنُونَ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَإِذَا قَالَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ لِلْحِمَارِ أَوْ لِلْجِدَارِ أَنْتَ طَالِقٌ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الطَّلَاقِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَهْلِيَّةَ وَالْمَحَلِّيَّةَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ مَلَكَهَا أَوْ شِقْصَهَا) أَيْ سَهْمًا بِأَنْ كَانَ تَزَوَّجَ أَمَةً لِغَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا جَمِيعَهَا مِنْهُ أَوْ سَهْمًا مِنْهَا أَوْ وَهَبَهَا لَهُ أَوْ وَرِثَهَا. اهـ. فَتْحٌ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ يُقَالُ فِي هَذَا الْمَالِ شِقْصٌ أَيْ سَهْمٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ. وَأَمَّا مِلْكُهَا إيَّاهُ) كَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ اعْلَمْ أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ إذَا مَلَكَ صَاحِبَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا لِمُنَافَاةٍ بَيْنَ مِلْكِ الْيَمِينِ وَمِلْكِ النِّكَاحِ أَمَّا إذَا مَلَكَتْهُ فَلِأَنَّهَا مَالِكَةٌ لَهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا بِحُكْمِ مِلْكِ الْيَمِينِ فَلَوْ بَقِيَ النِّكَاحُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِضْعُهَا مَمْلُوكًا لِلرَّجُلِ وَالْمَالِكِيَّةُ أَثَرُ الْقَاهِرِيَّةِ وَالْمَمْلُوكِيَّةُ أَثَرُ الْمَقْهُورِيَّةِ فَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مَالِكًا وَمَمْلُوكًا قَاهِرًا وَمَقْهُورًا فَيَلْزَمُ التَّنَافِي لَا مَحَالَةَ وَالْمُنَافِي لِلشَّيْءِ إذَا وُجِدَ وَطَرَأَ عَلَيْهِ يُبْطِلُهُ كَالرِّدَّةِ. وَأَمَّا إذَا مَلَكَهَا فَلِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ وَمِلْكَ النِّكَاحِ ضَرُورِيٌّ وَبَيْنَ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ مُنَافَاةٌ فَيَلْزَمُ التَّنَافِي لَا مَحَالَةَ فَمِنْ ثُبُوتِ الضِّدِّ يَلْزَمُ ارْتِفَاعُ الضِّدِّ الْآخَرِ. (قَوْلُهُ. وَأَمَّا مِلْكُهُ إيَّاهَا فَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ ضَرُورِيٌّ)؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْمِلْكِ عَلَى الْحُرَّةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ضَرُورَةَ الْحِلِّ لِبَقَاءِ النَّسْلِ فَلَمَّا طَرَأَ الْحِلُّ الْقَوِيُّ بَطَلَ الْحِلُّ الضَّعِيفُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِالْأَقْوَى) أَيْ وَهُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَامَ مَقَامَ الْحِلِّ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ احْتِيَاطًا. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ اشْتَرَاهَا) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعِدَّةُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ مِنْ وَجْهٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ وَلَا بَقَاءَ لَهُ مَعَ الْمُنَافِي لَا مِنْ وَجْهٍ كَمَا فِي مِلْكِ الْبَعْضِ وَلَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا فِي مِلْكِ الْكُلِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُوجَدْ) أَيْ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَإِنَّمَا قُلْنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْمَنْقُولُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي الْمَنْظُومَةِ مِنْ الْوُقُوعِ فِيمَا إذَا أَعْتَقَتْهُ أَمَّا إذَا لَمْ تَعْتِقْهُ حَتَّى طَلَّقَهَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالِاتِّفَاقِ وَتَفْصِيلُ مُحَمَّدٍ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا عِدَّةَ هُنَاكَ عَلَيْهَا يَعْنِي مِنْهُ حَتَّى حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحِلُّ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا كَمَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا لِعَدَمِ الْعِدَّةِ وَقَدْ قِيلَ بِهِ نَقَلَهُ فِي الْكَافِي قَالَ، وَلَوْ زَوَّجَهَا سَيِّدَهَا الَّذِي كَانَ زَوْجَهَا جَازَ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا مِنْ آخَرَ قَالَ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا فِي حَقِّ مَنْ اشْتَرَاهَا وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ رِوَايَتَانِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا تَجِبُ لِاسْتِبْرَاءِ
الْقَيْدِ مِنْ وَجْهٍ يَكْفِي لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَهَا هُوَ؛ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا هُنَاكَ حَتَّى حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا قُلْنَا الْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ فِي الْأُولَى أَيْضًا حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَلَوْ أَعْتَقَهَا ظَهَرَتْ الْعِدَّةُ وَإِنَّمَا لَا تَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لِحِلِّ وَطْئِهَا لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَوْ اشْتَرَتْ زَوْجَهَا ثُمَّ أَعْتَقَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَعَ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا لِزَوَالِ الْمُنَافِي لِمَالِكِيَّةِ الطَّلَاقِ، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَفِي الْكَافِي جَعَلَ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَفَرَّقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَبْلَهُ بِهَذَا الْفَرْقِ، وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ عِنْدَهُ الطَّلَاقُ وَاقِعٌ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعِتْقِ وَقَدْ ذَكَرَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ قُبَيْلَهُ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْفَرْقِ وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ طَلَاقُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطٍ أَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسَّنَةِ أَوْ إلَى مِنْهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ أَوْ جَاءَ وَقْتُ السَّنَةِ أَوْ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَالْعِتْقِ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ قَبْلَ الْعِتْقِ لَمْ يَقَعْ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْبَيْعُ بَعْدَ الشِّرَاءِ كَالْعِتْقِ فِيمَا ذَكَرْنَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَطَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ، وَلَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَعَ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَرَجَ إلَيْنَا مُسْلِمًا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَلَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا لِانْعِدَامِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْعِدَّةِ عِنْدَهُ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ فُرْقَةٍ هِيَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ أَوْ كُلُّ فُرْقَةٍ هِيَ تَحْرِيمٌ عَلَى التَّأْبِيدِ فَطَلَّقَهَا فِيهِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ وَفِي الْعُنَّةِ وَاللِّعَانِ يَقَعُ طَلَاقُهُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ فِيهِمَا طَلَاقٌ.
قَالَ رحمه الله (أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاكِ إيَّاكِ فَأَعْتَقَ لَهُ الرَّجْعَةُ) أَيْ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ إعْتَاقِ مَوْلَاك إيَّاكَ فَأَعْتَقَهَا الْمَوْلَى طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ وَيَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ فَالْعِتْقُ حُكْمُ الْإِعْتَاقِ فَاسْتُعِيرَ لِسَبَبِهِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلْقَتَيْنِ بِالْإِعْتَاقِ وَالْمُعَلَّقُ يُوجَدُ بَعْدَ الشَّرْطِ فَتَطْلُقُ وَهِيَ حُرَّةٌ وَالْحُرَّةُ لَا تَحْرُمُ بِالطَّلْقَتَيْنِ حُرْمَةً غَلِيظَةً وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِهِ لِوُجُودِ مَعْنَاهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا يَكُونُ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَالْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَيُضَافُ إلَيْهِ وُجُودًا لَا وُجُوبًا، وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ وُجِدَ فِيهِ فَإِذَا صَارَ مُعَلَّقًا بِهِ يَصِيرُ تَطْلِيقًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِدُخُولِهِ عَلَى السَّبَبِ عِنْدَنَا فَيُوجَدُ التَّطْلِيقُ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ كَأَنَّهُ أَرْسَلَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُقَارِنًا لِلْعِتْقِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْإِعْتَاقِ فَتَصِيرُ حُرَّةً بِهِ ثُمَّ يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ الَّذِي هُوَ حُكْمُ التَّطْلِيقِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَلَا تَحْرُمُ بِهِ حُرْمَةً غَلِيظَةً وَلَا يُقَالُ إنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مَا ذَكَرْتُمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ تُذْكَرُ لِلتَّأَخُّرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ} [النمل: 44] أَيْ بَعْدَهُ فَإِنْ قِيلَ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ قَوْلُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك عَلَى مَعْنَى إنْ تَزَوَّجْتُك وَالْحُكْمُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا تَزَوَّجَهَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ قُلْنَا إنَّمَا تَرَكْنَا الْحَقِيقَةَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الزَّوْجَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ تَنْجِيزًا أَوْ تَعْلِيقًا وَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ فَلَزِمَ مِنْ صِحَّتِهِ تَعَلُّقُهُ بِهِ. وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَلَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ تَنْجِيزًا وَلَا تَعْلِيقًا وَلَكِنْ يَمْلِكُ الْيَمِينَ فَإِنْ صَحَّ التَّرْكِيبُ بِذِكْرِ حُرُوفِهِ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ صَحَّ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْيَمِينِ مَعَ الْمُنَافِي فِيمَا لَمْ يَلْزَمْ الْعُدُولُ فِيهِ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَفِيمَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى التَّنَافِي وَالطَّلَاقُ مَعَ النِّكَاحِ يَتَنَافَيَانِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ رَفْعُ الْقَيْدِ وَالنِّكَاحُ إثْبَاتُهُ فَلَا يَقْتَرِنَانِ فَيَلْغُو ضَرُورَةً بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ لَا يَتَنَافَيَانِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ يَتَعَلَّقُ بِالدُّخُولِ، وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ فِي نِكَاحِك يَلْغُو لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ تَعَلَّقَ عِتْقُهَا وَطَلْقَتَاهَا بِمَجِيءِ الْغَدِ فَجَاءَ لَا وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ) وَمَعْنَاهُ إذَا قَالَ الْمَوْلَى لِأَمَتِهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَقَالَ زَوْجُهَا إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَجَاءَ الْغَدُ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ زَوْجُهَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْعِلَّةَ وَالْمَعْلُولَ يَقْتَرِنَانِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَالِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ يَتَعَاقَبَانِ؛ لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ لَهَا بَقَاءٌ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَعْيَانِ وَالْأَصْلُ تَقَدُّمُ الْمُؤَثِّرِ عَلَى الْأَثَرِ فَأَمْكَنَ ذَلِكَ فِيهَا فَيُصَارُ إلَيْهِ فِيهَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الرَّحِمِ عَنْ الْمَاءِ وَيَسْتَحِيلُ اسْتِبْرَاءُ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ نَفْسِهِ مَعَ بَقَاءِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْحِلِّ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ لِزَوَالِ الْمُنَافِي) أَيْ وَهُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ إذْ لَا قَيْدَ حِينَئِذٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُهُ فَإِذَا أَعْتَقَتْهُ ظَهَرَ أَحْكَامُ النِّكَاحِ فَتَحَقَّقَ الْقَيْدُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْكَافِي جَعَلَ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ)، وَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَنْظُومَةِ فِي بَابِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عَلَى خِلَافِ مُحَمَّدٍ وَلَا قَوْلَ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ مُصَنِّفُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ عِنْدَهُ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ عَلَيْهَا قَبْلَ الْعِتْقِ) أَيْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَإِنَّمَا ذَاكَ فِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَوْ اشْتَرَتْ هِيَ زَوْجَهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَالْعِدَّةُ عِنْدَهُ) أَيْ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً. اهـ. .
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلْقَتَيْنِ بِالْإِعْتَاقِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الثِّنْتَيْنِ إلَى الْإِعْتَاقِ بِكَلِمَةِ مَعَ وَلَا تَعْلِيقَ هُنَاكَ لِعَدَمِ أَدَاةِ التَّعْلِيقِ وَالْمُضَافُ إلَى الْعِتْقِ يُقَارِنُهُ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ سَبَبٌ فِي الْحَالِ فَيُقَارِنُ الْمُضَافَ إلَيْهِ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يَتَأَخَّرُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ. اهـ. سَرُوجِيٌّ رحمه الله.
بِخِلَافِ الِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهَا عَرْضٌ فَلَوْ تَقَدَّمَتْ كَانَ الْفِعْلُ بِلَا اسْتِطَاعَةٍ وَهُوَ مُحَالٌ ثُمَّ لِتَخْرِيجِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَوْجُهٌ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ بِالْقِرَانِ فِي الْعِتْقِ وَبِالتَّعَاقُبِ فِي الطَّلَاقِ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَكُونُ كَأَنَّ الْمَوْلَى وَالزَّوْجَ أَرْسَلَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَقَعُ أَوْجَزُ الْقَوْلَيْنِ أَوَّلًا وَهُوَ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْجَزُ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَهِيَ حُرَّةٌ فَلَا تَحْرُمُ بِهِمَا حُرْمَةً غَلِيظَةً وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ وَإِنْ كَانَا يَقْتَرِنَانِ مَعَ عِلَّتِهِمَا أَوْ يَتَعَاقَبَانِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذْهَبَيْنِ لَكِنَّ حُكْمَ التَّطْلِيقِ يَتَأَخَّرُ عَنْ حُكْمِ الْإِعْتَاقِ فِي الْوُجُودِ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ مَحْظُورًا وَالْإِعْتَاقِ مَنْدُوبًا إلَيْهِ شَرْعًا كَمَا فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَ صَحِيحًا يُفِيدُ الْحُكْمَ وَهُوَ الْمِلْكُ لِلْحَالِّ وَإِذَا كَانَ فَاسِدًا يَتَأَخَّرُ إلَى وُجُودِ الْقَبْضِ لِكَوْنِهِ مَحْظُورًا: وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: وَهُوَ مُعْتَمَدُهُ أَنَّهُمَا لَمَّا تَعَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَجَبَ أَنْ تَطْلُقَ زَمَنَ نُزُولِ الْحُرِّيَّةِ فَيُصَادِفُهَا وَهِيَ حُرَّةٌ لِاقْتِرَانِهِمَا وُجُودًا فَلَا تَحْرُمُ بِهِمَا حُرْمَةً غَلِيظَةً: وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ الِاحْتِيَاطَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ أَوْ الْحِلَّ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ احْتِيَاطًا، وَلِهَذَا كَانَ عِدَّتُهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ وَلَهُمَا أَنَّهُمَا تَعَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ ثُمَّ الْعِتْقُ يُصَادِفُهَا وَهِيَ أَمَةٌ فَكَذَا الطَّلْقَتَانِ فَتَحْرُمُ بِهِمَا حُرْمَةً غَلِيظَةً، وَهَذَا لِأَنَّ زَمَانَ ثُبُوتِ الْعِتْقِ هُوَ زَمَانُ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ ضَرُورَةَ تَعَلُّقِهِمَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَالْعِتْقُ فِي زَمَانِ ثُبُوتِهِ لَيْسَ بِثَابِتٍ لِإِطْبَاقِ الْعُقَلَاءِ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ فِي زَمَانِ ثُبُوتِهِ لَيْسَ بِثَابِتٍ فَلَا يُصَادِفُهَا تَطْلِيقَتَانِ وَهِيَ حُرَّةٌ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَمَّ شَرْطٌ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَهُ وَبِخِلَافِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا حُكْمُ الطَّلَاقِ فَتَعْقُبُهُ أَوْ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهَا، وَكَذَا الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ يُحْتَاطُ فِيهَا.
قَالَ رحمه الله (أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ فَهِيَ ثَلَاثٌ)؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْعَدَدِ عُرْفًا وَشَرْعًا إذَا اقْتَرَنَتْ بِالِاسْمِ الْمُبْهَمِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الْعَشَرَةِ» يَعْنِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا قَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَخَنَسَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ يَعْنِي تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَلَوْ أَشَارَ بِالْوَاحِدَةِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً، وَلَوْ أَشَارَ بِالثِّنْتَيْنِ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ وَالْإِشَارَةُ تَقَعُ بِالْمَنْشُورَةِ مِنْهَا دُونَ الْمَضْمُومَةِ لِلْعُرْفِ وَالسُّنَّةِ، وَلَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَقِيلَ إذَا أَشَارَ بِظُهُورِهَا فَبِالْمَضْمُومَةِ مِنْهَا وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ الْكَفِّ إلَيْهَا وَبُطُونَ الْأَصَابِعِ إلَى نَفْسِهِ وَقِيلَ إنْ كَانَ بَطْنُ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ فَالْعِبْرَةُ لِلنَّشْرِ وَإِنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ فَالْعِبْرَةُ لِلضَّمِّ وَقِيلَ إنْ كَانَ نَشْرًا عَنْ ضَمٍّ فَالْعِبْرَةُ لِلنَّشْرِ وَإِنْ كَانَ ضَمًّا عَنْ نَشْرٍ فَالْعِبْرَةُ لِلضَّمِّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إصْبَعٍ وَإِصْبَعٍ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ وَلَمْ يَقُلْ هَكَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تَفْسِيرٌ لِلْعَدَدِ الْمُبْهَمِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَغَتْ فَيَكُونُ الْعَامِلُ فِيهِ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ.
قَالَ رحمه الله (أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ أَوْ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوْ الْبِدْعَةَ أَوْ كَالْجَبَلِ أَوْ أَشَدَّ الطَّلَاقِ أَوْ كَأَلْفٍ أَوْ مِلْءَ الْبَيْتِ أَوْ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ ثَلَاثًا)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ إنْ دَخَلَ بِهَا وَكَانَ بِغَيْرِ بَدَلٍ؛ لِأَنَّهَا حُكْمُ الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا يَمْلِكُ تَبْدِيلَهُ كَسَائِرِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك وَلَنَا أَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْنُونَةَ تَثْبُتُ بِهِ لِلْحَالِّ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ
وَهَذَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْبَيْنُونَةِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِرَفْعِ النِّكَاحِ وَقَطْعِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فِيهَا لَكِنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْصُوفًا بِالْبَيْنُونَةِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَهُوَ اتِّصَالُ الْحُكْمِ بِعِلَّتِهِ فِي الْحَالِ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ لِمَا مَرَّ فِي أَوَائِلِ بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِ زُفَرَ مِنْ أَنَّهُ جِنْسٌ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ وَمَسْأَلَةُ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ، وَلَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِهِ بَائِنٌ وَنَحْوِهِ أُخْرَى يَقَعُ ثِنْتَانِ وَيَكُونُ بَائِنًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ وَقِيَاسُهُ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا رَجْعِيَّةً لَكِنْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ أَوْ الْحِلَّ كَانَ ثَابِتًا) أَيْ مِلْكَ النِّكَاحِ وَالْحِلَّ بِهِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ.
(قَوْلُهُ الْمَضْمُومَةُ لِلْعُرْفِ وَالسُّنَّةِ)؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمَّا خَنَسَ إبْهَامَهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ فُهِمَ مِنْهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ الْمَضْمُومَةُ لَكَانَ الْمَفْهُومُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا اهـ (قَوْلُهُ، وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ) وَصُورَةُ الْإِشَارَةِ بِالْكَفِّ أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ الْأَصَابِعِ مَنْشُورَةً قَالَهُ فِي الدِّرَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ الْكَفِّ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْمَرْأَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إصْبَعٍ وَإِصْبَعٍ) يَعْنِي بَيْنَ الْأَصَابِعِ الَّتِي اعْتَادَ النَّاسُ الْإِشَارَةَ بِهَا وَبَيْنَ الْأَصَابِعِ الْأُخَرِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ) سَيَأْتِي بَعْدَ أَسْطُرٍ أَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ يَعْنِي أَنَّ الطَّلَاقَ فِيهَا بَائِنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ)، وَكَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ الثَّلَاثَ فِي طَالِقٍ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ عَرِيضَةً أَوْ طَوِيلَةً؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى التَّطْلِيقَةِ وَأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَةَ وَنَسَبَهُ إلَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَرَجَّحَ بِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمُحْتَمَلِ وَتَطْلِيقَةً بِتَاءِ الْوَحْدَةِ لَا تَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ كَمَالٌ رحمه الله وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَاحِدٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَدَدٌ. اهـ. رَازِيٌّ
لِثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ فِي الْأُخْرَى فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ أَشَدَّهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لِلتَّفْضِيلِ وَبِقَوْلِهِ شَدِيدَةً أَوْ فَاحِشَةً تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ قُلْنَا هَذِهِ الصِّيغَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ التَّفْضِيلِ وَبَيْنَ مُطْلَقِ الزِّيَادَةِ أَوْ مُطْلَقِ الْإِثْبَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228]، وَقَالَ الشَّاعِرُ
إنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا
…
بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ
أَيْ عَزِيزَةٌ طَوِيلَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ إذَا قَالَ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ لَا يَكُونُ بَائِنًا إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْإِيقَاعُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِلْبِدْعَةِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ يَكُونُ رَجْعِيًّا لِمَا ذَكَرْنَا لِأَبِي يُوسُفَ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا قَالَ كَالْجَبَلِ أَوْ مِثْلَ الْجَبَلِ يَكُونُ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّ الْجَبَلَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَكَانَ تَشْبِيهًا لَهُ فِي تَوَحُّدِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي قَوْلِهِ كَأَلْفٍ أَنَّهُ يَقَعُ ثَلَاثٌ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ فَيُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْعَدَدِ ظَاهِرًا فَصَارَ كَقَوْلِهِ كَعَدَدِ أَلْفٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَالنُّجُومِ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَكَعَدَدِ النُّجُومِ ثَلَاثٌ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ كَأَلْفٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَلْفَ مَوْضُوعٌ لِلْعَدَدِ فَيَكُونُ التَّشْبِيهُ بِهِ لِلْكَثْرَةِ بِخِلَافِ النُّجُومِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ فِي الضِّيَاءِ وَالنُّورِ
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ التُّرَابِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَلَوْ قَالَ عَدَدَ التُّرَابِ يَقَعُ ثَلَاثًا عِنْدَهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ لَا عَدَدَ لِلتُّرَابِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَثَلَاثٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَثَلَاثٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا لَوْ قَالَ كَعَدَدِ ثَلَاثٍ ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى وَصَفَ الطَّلَاقَ إنْ كَانَ وَصْفًا لَا يُوصَفُ بِهِ الطَّلَاقُ يَلْغُو الْوَصْفُ وَيَقَعُ رَجْعِيًّا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا لَمْ يَقَعْ عَلَيْك أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ وَمَتَى وَصَفَهُ بِصِفَةٍ يُوصَفُ بِهَا الطَّلَاقُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ لَا يُنْبِئَ عَنْ زِيَادَةٍ كَقَوْلِهِ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَفْضَلَهُ أَوْ أَسَنَّهُ أَوْ أَجْمَلَهُ أَوْ أَعْدَلَهُ أَوْ خَيْرَهُ أَوْ يُنْبِئَ عَنْ زِيَادَةٍ كَقَوْلِهِ أَشَدَّ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ فَالْأَوَّلُ رَجْعِيٌّ وَالثَّانِي بَائِنٌ عَلَى أُصُولِهِمْ فَأَصْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَتَى شَبَّهَ الطَّلَاقَ بِشَيْءٍ يَقَعُ بَائِنًا أَيَّ شَيْءٍ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ لِلزِّيَادَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ ذَكَرَ الْعِظَمَ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَرَجْعِيٌّ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ قَدْ يَكُونُ فِي التَّوْحِيدِ عَلَى التَّجْرِيدِ وَذِكْرُ الْعِظَمِ لِلزِّيَادَةِ لَا مَحَالَةَ
وَعِنْدَ زُفَرَ إنْ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ مِمَّا يُوصَفُ بِالْعِظَمِ عِنْدَ النَّاسِ يَقَعُ بَائِنًا وَإِلَّا فَرَجْعِيٌّ ذَكَرَ الْعِظَمَ أَوْ لَا. وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ يُرْوَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ سِمْسِمَةٍ أَوْ عِظَمَ سِمْسِمَةٍ أَوْ كَالْجَبَلِ أَوْ عِظَمَ الْجَبَلِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ أَوْ أَفْحَشَهُ أَوْ أَخْشَنَهُ أَوْ أَسْوَأَهُ أَوْ أَغْلَظَهُ أَوْ أَشَرَّهُ أَوْ أَطْوَلَهُ أَوْ أَكْبَرَهُ أَوْ أَعْرَضَهُ أَوْ أَعْظَمَهُ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فِي غَيْرِ الْأَمَةِ كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يُوصَفُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِاعْتِبَارِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى خَفِيفَةٍ وَغَلِيظَةٍ فَأَيَّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يَثْبُتُ الْأَدْنَى لِلتَّيَقُّنِ بِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَفْضَلَ الطَّلَاقِ أَوْ أَكْمَلَهُ أَوْ أَعْدَلَهُ أَوْ أَحْسَنَهُ أَوْ أَجْمَلَهُ حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ لِذِكْرِ الْمَصْدَرِ، وَلَوْ قَالَ كَالثَّلْجِ كَانَ بَائِنًا لِلزِّيَادَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ أَرَادَ بِهِ بَيَاضَهُ فَرَجْعِيٌّ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ بَرْدَهُ فَبَائِنٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لِمَا ذَكَرْنَا لِأَبِي يُوسُفَ) وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْفُحْشَ وَالْبِدْعَةَ وَطَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوْصَافٌ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ تَأْثِيرٍ وَتَأْثِيرُهُ بِأَنْ يَكُونَ قَاطِعًا لِلنِّكَاحِ فِي الْحَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَانَ تَشْبِيهًا لَهُ فِي تَوَحُّدِهِ) وَلَنَا أَنَّ التَّشْبِيهَ بِهِ يُوجِبُ زِيَادَةً لَا مَحَالَةَ وَذَا بِوَصْفِ الْبَيْنُونَةِ.
وَأَمَّا شِدَّةُ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِوَصْفِ الْبَيْنُونَةِ؛ لِأَنَّهُ بِهَا يَكُونُ مَأْمُونًا عَنْ الِانْتِقَاضِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ كَأَلْفٍ فَلِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالْعَدَدِ وَقَدْ يُشَبَّهُ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْقُوَّةُ وَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَعِنْدَ عَدَمِهَا يَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا وَهُوَ الْوَاحِدَةُ الْبَائِنَةُ. اهـ. رَازِيٌّ ثُمَّ قَالَ الرَّازِيّ رحمه الله. وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَمْلَأُ الْبَيْتَ لِعِظَمِهِ أَوْ لِكَثْرَتِهِ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ يَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا وَهِيَ الْوَاحِدَةُ الْبَائِنَةُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ فِي قَوْلِهِ طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً الْوَاقِعُ بِهِمَا رَجْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُوصَفُ بِهِمَا فَيَلْغُو وَقُلْنَا الطُّولُ وَالْعَرْضُ عِبَارَتَانِ عَنْ الْكَمَالِ وَالْقُوَّةِ وَهُمَا فِي الْبَيْنُونَةِ، وَلَوْ نَوَى الثَّلَاثَ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ بِهَا بَائِنٌ وَالْبَيْنُونَةُ تَتَنَوَّعُ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ أَيَّهمَا كَانَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَفْضَلُ الطَّلَاقِ أَوْ أَكْمَلُهُ أَوْ أَعْدَلُهُ أَوْ أَحْسَنُهُ حَيْثُ يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ لِذِكْرِ الْمَصْدَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ لِلزِّيَادَةِ) أَيْ لِاقْتِضَاءِ التَّشْبِيهِ الزِّيَادَةَ. (قَوْلُهُ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلَ سِمْسِمَةٍ) تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ رَجْعِيَّةٌ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ عِظَمَ سِمْسِمَةٍ) تَقَعُ بَائِنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ زُفَرَ رَجْعِيَّةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ كَالْجَبَلِ) بَائِنَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ رَجْعِيَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ عِظَمَ الْجَبَلِ) بَائِنَةٌ اتِّفَاقًا اهـ هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَمَّا لَوْ نَوَى الثَّلَاثَ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ بِهَا بَائِنٌ وَالْبَيْنُونَةُ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ قَالَ كَالثَّلْجِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَا يَقْصُرُ الْبَيْنُونَةَ فِي التَّشْبِيهِ عَلَى ذِكْرِ الْعِظَمِ بَلْ يَقَعُ بِدُونِهِ عِنْدَ قَصْدِ الزِّيَادَةِ، وَكَذَا يَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يَقَعَ بَائِنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَأَعْدَلِ الطَّلَاقِ وَكَأَسَنِّهِ وَكَأَحْسَنِهِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ