الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا)
قَالَ رحمه الله (لِابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَ مُوَكِّلَتَهُ مِنْ نَفْسِهِ)، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلَنَا أَنَّ الْمُبَاشِرَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ وَالتَّمَانُعُ فِي الْحُقُوقِ وَهِيَ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِيهِ وَلِهَذَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَالَ لِأُمِّ حَكِيمِ بِنْتِ قَارِظٍ أَتَجْعَلِينَ أَمْرَك إلَيَّ؟ قَالَتْ نَعَمْ، قَالَ تَزَوَّجْتُك. فَعَقَدَهُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَالَ لِرَجُلٍ: أَتَرْضَى أَنْ أُزَوِّجَك فُلَانَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ أَتَرْضِينَ أَنْ أُزَوِّجَك فُلَانًا؟ قَالَتْ نَعَمْ. فَزَوَّجَ أَحَدَهُمَا صَاحِبَهُ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ» الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْوَكِيلُ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ وَلِهَذَا لَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ تَعْلِيلٌ صَحِيحٌ لَوْ سَلِمَ مِنْ النَّقْضِ وَلَمْ يَسْلَمْ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَوْ زَوَّجَ مُوَكِّلَهُ عَلَى عَبْدِ نَفْسِهِ يُطَالَبُ بِتَسْلِيمِهِ، وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ بِالْتِزَامِهِ حَيْثُ جَعَلَهُ مَهْرًا وَأَضَافَ الْعَقْدَ إلَيْهِ كَمَا قَالُوا فِي الصُّلْحِ بِغَيْرِ الْأَمْرِ وَالْخُلْعِ بِغَيْرِ الْأَمْرِ إذَا صَالَحَ أَوْ خَالَعَ عَلَى عَبْدِ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى أَلْفٍ مُضَافًا إلَيْهِ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ؛ لِأَنَّهُ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهِ الْتَزَمَهُ كَمَا لَوْ ضَمِنَهُ.
قَالَ رحمه الله (وَنِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ مَوْقُوفٌ كَنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيِّ، غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا جَعَلَ التَّفْرِقَةَ طَلَاقًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نُفُوذِهِ مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ بَاطِلٌ وَلَا يَتَوَقَّفُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ فَيَلْغُو لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «جَعَلَ أَمْرَ الْمَرْأَةِ الَّتِي زَوَّجَهَا أَبُوهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا إلَيْهَا، فَقَالَتْ قَدْ أَجَزْت مَا صَنَعَ أَبِي إنَّمَا أَرَدْت لِأَعْلَمَ هَلْ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ؟ وَأَجَازَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ زَوَّجَتْهَا أُمُّهَا» ؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ حَتَّى إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الزَّوْجِ الْكُفْءِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَتَقْدِيرُ الْمَهْرِ إجَازَةٌ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ النَّافِعِ شَرْعًا وَلَا عَقْلًا
وَقَدْ يَتَرَاخَى حُكْمُ الْعَقْدِ عَنْهُ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا]
مِنْ أَحْكَامِ الْوَلِيِّ وَالْفُضُولِيِّ وَيَبْقَى الرَّسُولُ نَذْكُرُهُ بَعْدَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمَّا كَانَتْ الْوَكَالَةُ نَوْعًا مِنْ الْوِلَايَةِ إذْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، غَيْرَ أَنَّهَا تُسْتَفَادُ مِنْ الْوَلِيِّ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَانَتْ ثَانِيَةً لِلْوِلَايَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَأَوْرَدَهَا ثَانِيَةً فِي التَّعْلِيمِ لِبَابِ الْأَوْلِيَاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ غَيْرَهَا مِنْ الْفُضُولِيِّ لِتَأَخُّرِهِ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ النَّفَاذَ بِالْإِجَازَةِ إنَّمَا يُنْسَبُ إلَى الْوَلِيِّ الْمُجِيزِ فَنَزَلَ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ كَالشَّرْطِ لَهُ حَيْثُ لَمْ يَسْتَعْقِبْ بِنَفْسِهِ حُكْمَهُ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي السَّبَبِ غَيْرَ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِالْوَلِيِّ إنْ نُظِرَ فِيهِ إلَى أَنَّهُ أَقْوَى نَاسَبَ الِابْتِدَاءَ بِهِ وَإِنْ نُظِرَ إلَى أَنَّ عَقْدَ الْفَصْلِ لِلْوَكِيلِ أَوْ لَا وَبِالذَّاتِ كَانَ الْمُنَاسِبُ الِابْتِدَاءَ بِمَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ اهـ. كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لِابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ عَمِّهِ) أَيْ الصَّغِيرَةَ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ نَفْسِهِ) بِغَيْرِ إذْنِهَا فَيَقُولُ اشْهَدُوا أَنِّي زَوَّجْت بِنْتَ عَمِّي فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ أَوْ زَوَّجْتهَا مِنْ نَفْسِي. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الْمُبَاشِرَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ) أَيْ وَالْوَاحِدُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَبِّرًا عَنْ اثْنَيْنِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَمُعَبِّرٌ) أَمَّا كَوْنُهُ مُعَبِّرًا فَمِنْ حَيْثُ إنَّ عِبَارَةَ الْعَقْدِ صَدَرَتْ مِنْهُ وَأَمَّا كَوْنُهُ سَفِيرًا فَبِاعْتِبَارِ أَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَيْسَتْ بِرَاجِعَةٍ إلَيْهِ بَلْ إلَى الْمُوَكِّلِ اهـ. ق (قَوْلُهُ: وَالتَّمَانُعُ فِي الْحُقُوقِ) أَيْ دُونَ التَّعْبِيرِ حَتَّى لَا يُطَالَبَ بِالْمَهْرِ وَتَسْلِيمِ الزَّوْجَةِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْبَيْعِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ الْأَبُ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ مَالَ ابْنِهِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ اشْتَرَاهُ وَلَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ صَحَّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عَلَى التَّشْبِيهِ وَإِلَّا فَبَيْعُ الْأَبِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ بَلْ الْوِلَايَةُ وَالْأَصَالَةُ، ثُمَّ إذَا تَوَلَّى طَرَفَيْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَقَوْلُهُ: زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ نَفْسِي يَتَضَمَّنُ الشَّطْرَيْنِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ بَعْدَهُ، وَكَذَا وَلِيُّ الصَّغِيرَيْنِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَالْوَكِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَقُولُ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ إذَا ذَكَرَ لَفْظًا هُوَ أَصِيلٌ فِيهِ أَمَّا إذَا ذَكَرَ لَفْظًا هُوَ نَائِبٌ فِيهِ فَلَا يَكْفِي فَإِنْ قَالَ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ كَفَى وَإِنْ قَالَ زَوَّجْتهَا مِنْ نَفْسِي لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ فِيهِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَهِيَ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا صَرِيحَةٌ فِي نَفْيِ هَذَا الِاشْتِرَاطِ وَصَرَّحَ بِنَفْيِهِ فِي التَّجْنِيسِ أَيْضًا فِي عَلَامَةِ غَرِيبِ الرِّوَايَةِ وَالْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ رَجُلٌ زَوَّجَ بِنْتًا مِنْ ابْنِ أَخِيهِ فَقَالَ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ يَكْفِي وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ تَقُولَ قَبِلْت، وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ إذَا أَتَى بِأَحَدِ شَطْرَيْ الْإِيجَابِ يَكْفِيهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الشَّطْرِ الْآخَرِ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ يَقَعُ دَلِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ اهـ. كَمَالٌ
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَنِكَاحُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ مَوْقُوفٌ) أَيْ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمَوْلَى جَازَ وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ وَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ وَالَامَةُ نَفَذَ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ) وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ) وَهُوَ غَيْرُ الْمُحَرَّمَاتِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ) أَيْ عَلَى التَّوَقُّفِ إنَّمَا الضَّرَرُ فِي إبْرَامِهِ بِدُونِ اخْتِيَارِ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا رَأَى) أَيْ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا يَحْصُلُ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ لَا يَتَّفِقُ اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ) أَيْ لِلْبَائِعِ بِتَرَاخِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي إلَى اخْتِيَارِ الْبَائِعِ الْبَيْعَ فَعَدَمُ تَرَتُّبِهِ فِي الْحَالِ عَلَى عَقْدِ الْفُضُولِيِّ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ عَقْدٌ يُرْجَى نَفْعُهُ وَاسْتِعْقَابُهُ حُكْمَهُ، وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ مَوْقُوفًا فَوَجَبَ انْعِقَادُهُ كَذَلِكَ حَتَّى إذَا رَأَى إلَخْ فَقَوْلُهُ: لَا يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِ حُكْمِهِ فَيَلْغُو مَمْنُوعُ الْمُلَازَمَةِ بَلْ إذَا أَيِسَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مِمَّا يَمْنَعُ وَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ إنْ أُرِيدَ أَهْلُ الْعَقْدِ فِي الْجُمْلَةِ فَمُسَلَّمٌ وَلَا يُفِيدُ وَإِنْ أُرِيدَ هَذَا الْعَقْدُ الَّذِي هُوَ فِيهِ فُضُولِيٌّ فَمُنَوَّعٌ بَلْ أَهْلُهُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ إثْبَاتِ حُكْمِهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ) أَيْ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا اهـ.
صَدَرَ مِنْ الْفُضُولِيِّ وَلَهُ مُجِيزٌ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا وَمَا لَا مُجِيزَ لَهُ يَبْطُلُ كَمَا إذَا كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ وَزَوَّجَهُ الْفُضُولِيُّ أَمَةً أَوْ أُخْتَ امْرَأَتِهِ أَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَزَوَّجَهُ الْفُضُولِيُّ خَامِسَةً فَإِنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بَاطِلًا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ أَحَدٍ حَتَّى لَوْ زَالَ الْمَانِعُ بِأَنْ مَاتَتْ امْرَأَتُهُ وَأَجَازَ الْعَقْدَ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهُ خَمْسًا فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُجِيزَ فِي بَعْضِهِنَّ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ الصَّبِيَّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ زَوَّجَ الْمُكَاتَبُ عَبْدَهُ كَانَ بَاطِلًا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ أَحَدٍ حَتَّى لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ فَأَجَازَهُ لَمْ يَجُزْ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْمُكَاتِبِ إذَا تَكَفَّلَ بِمَالٍ، ثُمَّ عَتَقَ حَيْثُ تَصِحُّ هَذِهِ الْكَفَالَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهَا حَتَّى يُؤَاخَذَ بِهَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ
وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ الْمُكَاتَبُ رَجُلًا بِعِتْقِ عَبْدِهِ، ثُمَّ أَجَازَ هَذِهِ الْوَكَالَةَ بَعْدَ الْعِتْقِ نَفَذَتْ الْوَكَالَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهَا، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ عَتَقَ فَأَجَازَ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ؛ لِأَنَّ كَفَالَتَهُ جَائِزَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ نَافِذَةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا الْتِزَامُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ وَذِمَّتُهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ قَابِلَةٌ لِلِالْتِزَامِ وَإِنَّمَا لَا يَظْهَرُ فِي الْحَالِ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ بِالْعِتْقِ ظَهَرَ مُوجَبُهُ، وَأَمَّا التَّوْكِيلُ وَالْوَصِيَّةُ فَالْإِجَازَةُ فِيهِمَا إنْشَاءٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَنْعَقِدَانِ بِلَفْظِ الْإِجَازَةِ، وَالْإِنْشَاءُ لَا يَسْتَدْعِي عَقْدًا سَابِقًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: أَجَزْت أَنْ تُطَلِّقَ امْرَأَتِي أَوْ تُعْتِقَ عَبْدِي أَوْ أَجَزْت أَنْ تَكُونَ وَكِيلِي فِي ذَلِكَ كَانَ تَوْكِيلًا صَحِيحًا
وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَجَزْت أَنْ يَكُونَ مَالِي وَصِيَّةً لِفُلَانٍ كَانَتْ وَصِيَّةً صَحِيحَةً بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: أَجَزْت عِتْقَ عَبْدِي أَوْ أَجَزْت أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِي لِفُلَانٍ كَذَا أَوْ أَجَزْت أَنْ تَكُونَ فُلَانَةُ امْرَأَتِي لَا يَصِحُّ فَإِذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا إنْشَاءً وَلَا يُمْكِنُ انْعِقَادُهَا لِعَدَمِ الْمُجِيزِ حَالَ صُدُورِهَا لَغَتْ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا يُتَوَقَّفُ شَطْرُ الْعَقْدِ عَلَى قَبُولِ نَاكِحٍ غَائِبٍ) وَصُورَتُهُ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ اشْهَدُوا أَنِّي تَزَوَّجْت فُلَانًا وَهُوَ غَائِبٌ، أَوْ يَقُولَ الرَّجُلُ اشْهَدُوا أَنِّي تَزَوَّجْت فُلَانَةَ وَهِيَ غَائِبَةٌ لَمْ يَجُزْ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ حَتَّى لَوْ بَلَغَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخَبَرُ فَأَجَازَ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ آخَرُ: اشْهَدُوا أَنِّي زَوَّجْتهَا مِنْهُ حِينَ قَالَ الرَّجُلُ ذَلِكَ أَوْ قَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْته مِنْهَا حِينَ قَالَتْ ذَلِكَ جَازَ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ فُضُولِيٌّ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ وَهُمَا غَائِبَانِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ بَلَغَهُمَا فَأَجَازَا لَا يَنْفُذُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَتَوَقَّفُ جَمِيعُ ذَلِكَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوَاحِدَ يَصْلُحُ وَكِيلًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ وَلِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَصِيلًا مِنْ جَانِبٍ وَلِيًّا مِنْ جَانِبٍ أَوْ وَكِيلًا مِنْ جَانِبٍ أَصِيلًا مِنْ جَانِبٍ أَوْ وَلِيًّا مِنْ جَانِبٍ وَكِيلًا مِنْ جَانِبٍ بِاتِّفَاقِ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ كَانَ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يَتَوَقَّفْ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ يَتَوَقَّفُ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بِعِبَارَةِ الْوَاحِدِ أَصْلًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَّا إنْ كَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ مِثْلُ الْجَدِّ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ ابْنَ ابْنِهِ مِنْ بِنْتِ ابْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ أَحَدٌ فِي دَرَجَتِهِ حَتَّى يُزَوِّجَهُمَا بِخِلَافِ ابْنِ الْعَمِّ إذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُزَوِّجَهَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: انْعَقَدَ مَوْقُوفًا) أَيْ عَلَى الْإِجَازَةِ فَإِذَا أَجَازَ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ ثَبَتَ حُكْمُهُ مُسْتَنِدًا إلَى الْعَقْدِ فُسِّرَ الْمُجِيزُ فِي النِّهَايَةِ بِقَابِلٍ يَقْبَلُ الْإِيجَابَ، سَوَاءٌ كَانَ فُضُولِيًّا أَوْ وَكِيلًا، وَقَالَ فِي فَصْلِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ مِنْ النِّهَايَةِ الْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ الْعُقُودَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ إذَا كَانَ لَهَا مُجِيزٌ حَالَةَ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَبْطُلُ وَالشِّرَاءُ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْعَاقِدِ وَإِلَّا تَوَقَّفَ بَيَانُهُ كَالصَّبِيِّ إذَا بَاعَ مَالَهُ وَاشْتَرَى أَوْ تَزَوَّجَ أَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ أَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ وَنَحْوَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ فَلَوْ بَلَغَ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَهُ الْوَلِيُّ فَأَجَازَ بِنَفْسِهِ نَفَذَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُتَوَقِّفَةً وَلَا يَنْفُذُ بِمُجَرَّدِ بُلُوغِهِ وَلَوْ طَلَّقَ الصَّبِيُّ امْرَأَتَهُ أَوْ خَلَعَهَا أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ دُونَهُ أَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ أَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ أَوْ بَاعَ مَالَهُ بِمُحَابَاةٍ فَاحِشَةٍ أَوْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ مِمَّا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَوْ فَعَلَهُ وَلِيُّهُ لَا يَنْفُذُ كَانَتْ هَذِهِ الصُّوَرُ بَاطِلَةً غَيْرَ مُتَوَقِّفَةٍ وَلَوْ أَجَازَهَا الْوَلِيُّ لِعَدَمِ الْمُجِيزِ وَقْتَ الْعَقْدِ إلَّا إذَا كَانَ لَفْظُ الْإِجَازَةِ يَصْلُحُ لِابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَيَصِحُّ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ، كَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ اهـ. وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يُفَسَّرَ الْمُجِيزُ هُنَا بِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى إمْضَاءِ الْعَقْدِ لَا بِالْقَابِلِ مُطْلَقًا وَلَا بِالْوَلِيِّ إذْ لَا تَوَقُّفَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ قَبِلَ فُضُولِيٌّ آخَرُ أَوْ وَلِيٌّ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْوَلِيِّ عَلَى إمْضَائِهَا وَلَوْ أَرَادَ بِالْمُجِيزِ هُنَا الْمُخَاطَبَ مُطْلَقًا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَلَهُ مُجِيزٌ، وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى إنْفَاذِهِ لِيَصِحَّ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فُضُولِيٌّ وَلَوْ قَبِلَ عَقْدَهُ آخَرُ لَا يَتَوَقَّفُ لِعَدَمِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى إنْفَاذِهِ وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْعَقْدُ شَامِلًا لِلْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى مُخَاطَبٍ بَلْ عَلَى مَنْ لَهُ قُدْرَةُ إمْضَائِهِ فَقَطْ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ أَجْنَبِيٌّ لِامْرَأَةِ رَجُلٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ مَثَلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ فَإِنْ أَجَازَ تَعَلَّقَ فَتَطْلُقُ بِالدُّخُولِ وَلَوْ دَخَلَتْ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا تَطْلُقُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ فَإِنْ عَادَتْ وَدَخَلَتْ بَعْدَهَا طَلُقَتْ، كَذَا فِي الْجَامِعِ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا دَخَلَتْ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْت الطَّلَاقَ عَلَيَّ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَوْ قَالَ أَجَزْت هَذَا الْيَمِينَ عَلَيَّ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حَتَّى تَدْخُلَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَعُرِفَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا تَزَوَّجَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى رَأْيِ الْوَلِيِّ فَالصَّوَابُ أَنْ يُحْمَلَ الْمُجِيزُ عَلَى مَنْ لَهُ قُدْرَةُ الْإِمْضَاءِ يَنْدَرِجُ الْمُخَاطَبُ فِي ذِكْرِ الْعَقْدِ مِنْ قَوْلِهِ كُلُّ عَقْدٍ يَعْقِدُهُ الْفُضُولِيُّ فَإِنَّ اسْمَ الْعَقْدِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالشَّطْرَيْنِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ: وَمَا لَا مُجِيزَ لَهُ أَيْ مَا لَيْسَ لَهُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِجَازَةِ يَبْطُلُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا يَنْعَقِدَانِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ يُعْقَدَانِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَزَوَّجْت فُلَانًا وَهُوَ غَائِبٌ) أَيْ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ سَابِقٍ لَهَا مِنْهُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: أَوْ يَقُولَ الرَّجُلُ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ سَابِقٍ مِنْهَا لَهُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا يَجُوزُ) أَيْ عِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ اهـ.
ابْنُ عَمِّهَا غَيْرَهُ فِي دَرَجَتِهِ
وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ كَلَامَ الْوَاحِدِ فِي بَابِ النِّكَاحِ يَقُومُ مَقَامَ كَلَامَيْنِ وَالشَّخْصَ الْوَاحِدَ يَقُومُ مَقَامَ شَخْصَيْنِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مَأْمُورًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَجُوزُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا يَتَوَقَّفُ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْإِذْنِ فِي النُّفُوذِ لَا فِي جَعْلِ غَيْرِ الْعَقْدِ عَقْدًا كَمَا إذَا جَرَى ذَلِكَ بَيْنَ فُضُولِيَّيْنِ أَوْ بَيْنَ فُضُولِيٍّ وَغَيْرِهِ فَإِذَا أَجَازَهُ نَفَذَ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ: خَالَعْت امْرَأَتِي عَلَى كَذَا وَهِيَ غَائِبَةٌ فَبَلَغَهَا فَقَبِلَتْ جَازَ، وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْإِعْتَاقُ عَلَى مَالٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَدَرَ عَنْ إذْنٍ لَا يَصِحُّ فَبِدُونِ الْإِذْنِ أَوْلَى وَلَهُمَا أَنَّ الصَّادِرَ مِنْ الْوَاحِدِ شَطْرُ الْعَقْدِ وَلِهَذَا كَانَ شَطْرًا حَالَةَ الْحَضْرَةِ حَتَّى يَبْطُلَ بِقِيَامِ أَحَدِهِمَا وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ، وَشَطْرُ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ وَلِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كُلُّ الْعَقْدِ حُكْمًا لِحَقِّ الْوِلَايَةِ وَلِهَذَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَبُولِ فَصَارَ كَشَخْصَيْنِ وَكَلَامُهُ كَكَلَامَيْنِ فَيُقَدَّرُ عَلَى اعْتِبَارِ وُجُودِ الْكَلَامَيْنِ لَا عَلَى اعْتِبَارِ كَلَامٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا جُعِلَ الْكَلَامُ الْوَاحِدُ كَالْكَلَامَيْنِ عِنْدَ وُجُودِ الْوِلَايَةِ
وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَكَلَامَيْنِ عِنْدَ عَدَمِهَا فَبَقِيَ مَقْصُورًا عَلَى الْمُتَكَلِّمِ حَقِيقَةً وَأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ بَعْضُ الْعَقْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ الْكَلَامِ حَتَّى يَتَّصِلَ بِهِ الْقَبُولُ فَيَصِيرَ عَقْدًا مُعْتَبَرًا وَلَا بَقَاءَ لِلْكَلَامِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ عَرَضٌ يَتَلَاشَى وَيَضْمَحِلُّ وَإِنَّمَا يُعَدُّ بَاقِيًا بِبَقَاءِ حُكْمِهِ فَمَتَى أَفَادَ حُكْمًا يَبْقَى بِاعْتِبَارِهِ فَتَعْمَلُ فِيهِ الْإِجَازَةُ وَإِلَّا فَلَا وَالْعَقْدُ التَّامُّ لَهُ حُكْمٌ وَبَعْضُ الْعَقْدِ لَا حُكْمَ لَهُ وَبِخِلَافِ الْمَأْمُورِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ تَنْتَقِلُ إلَيْهِمَا فَصَارَتْ قَائِمَةً مَقَامَ عِبَارَتِهِمَا فَكَانَ تَمَامُ الْعَقْدِ بِاثْنَيْنِ مَعْنًى وَهُنَا لَا تَنْتَقِلُ عِبَارَتُهُ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ بِالْأَمْرِ وَهُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ فَبَقِيَتْ عِبَارَتُهُ مَقْصُورَةً عَلَيْهِ فَكَانَتْ لِلْعَقْدِ وَبِخِلَافِ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَلِهَذَا لَا يَمْلِكَانِ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِيجَابِ وَالْيَمِينُ حُكْمٌ فَيَبْقَى بِاعْتِبَارِ حُكْمِهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ النِّكَاحُ تَعْلِيقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا بُطْلَانُهُ بِقِيَامِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَانِبِهَا مُعَاوَضَةٌ وَلِهَذَا يَصِحُّ خِيَارُ الشَّرْطِ فِيهِ مِنْ جَانِبِهَا وَمَا جَرَى بَيْنَ الْفُضُولِيَّيْنِ أَوْ بَيْنَ الْفُضُولِيِّ وَغَيْرِهِ عَقْدٌ تَامٌّ لِوُجُودِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِهِ جَوَازُ الشَّرْطِ
وَفِي الْحَوَاشِي قَالَ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: لِأَنَّ هَذَا الْوَاحِدَ يَتَكَلَّمُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ حُكْمًا وَلَوْ تَكَلَّمَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ صَرِيحًا يَتَوَقَّفُ بِأَنْ قَالَ: زَوَّجْت فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ وَقَبِلْت عَنْ فُلَانٍ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْفُضُولِيَّ إذَا أَتَى بِلَفْظَيْنِ يَنْعَقِدُ وَلَوْ زَوَّجَ ابْنَةَ عَمِّهِ الْكَبِيرَةَ مِنْ نَفْسِهِ قَبْلَ الِاسْتِئْذَانِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَتَوَقَّفُ وَبَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ يَصِحُّ وَيَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى فُضُولِيٌّ مِنْ جَانِبِهَا وَفِي الثَّانِيَةِ وَكِيلٌ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً نَفَذَ؛ لِأَنَّهُ وَلِيٌّ مِنْ جِهَتِهَا.
قَالَ رحمه الله (وَالْمَأْمُورُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ فَخَالَفَ بِامْرَأَتَيْنِ) يَعْنِي إذَا أَمَرَ رَجُلٌ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ امْرَأَتَيْنِ يَكُونُ مُخَالِفًا وَلَا يَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ فِيهِمَا لِمُخَالَفَتِهِ أَمْرَهُ وَلَا وَجْهَ إلَى تَنْفِيذِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ فِي إحْدَاهُمَا غَيْرَ عَيْنٍ لِلْجَهَالَةِ وَلِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إذْ لَا يُفِيدُ حِلَّ الْوَطْءِ إذْ الْوَطْءُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي مُعَيَّنَةٍ وَالْمُنْكَرَةُ ضِدُّهَا وَلَا إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَتَعَيُّنُ التَّفْرِيقِ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُجِيزَ نِكَاحَهُمَا أَوْ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا أَيَّتَهُمَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بِغَيْرِ رِضَاهُ لِلْمُخَالَفَةِ، وَلَوْ قَالَ فَانْتَفَى اللُّزُومُ اسْتَقَامَ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا يَقُولُ يَصِحُّ نِكَاحُ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَالْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ قَدْ امْتَثَلَ أَمْرَهُ فِي الْوَاحِدَةِ مِنْهُمَا وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا مَنْكُوحَةً وَالْأُخْرَى غَيْرَ مَنْكُوحَةٍ كَمَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا ثَلَاثًا، وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ مَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِهِ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِالْبَيَانِ، وَالنِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِهِ
ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ إنْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ إحْدَاهُمَا كَانَ الْمِيرَاثُ وَمَهْرُ إحْدَاهُمَا بَيْنَهُمَا لَهُمَا وَيَلْزَمُهُمَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ قَالَ رحمه الله (لَا بِأَمَةٍ) أَيْ لَا يَكُونُ الْمَأْمُورُ بِالنِّكَاحِ مُخَالِفًا بِتَزْوِيجِهِ الْأَمَةَ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْمَأْمُورُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ مُخَالِفٌ بِامْرَأَتَيْنِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَمَةُ الْغَيْرِ أَمَّا إذَا زَوَّجَهُ أَمَةَ نَفْسِهِ فَلَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ أَمِيرًا أَوْ غَيْرَهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُزَوِّجَهُ كُفْئًا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْفُضُولِيَّ إذَا أَتَى بِلَفْظَيْنِ يَنْعَقِدُ) أَيْ مَوْقُوفًا اتِّفَاقًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَالَ السُّرُوجِيُّ، وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ فَإِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا فُضُولِيًّا مِنْ جَانِبٍ مَأْمُورًا مِنْ جَانِبٍ آخَرَ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ الْوَاحِدِ لَا يَصْلُحُ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَصِيلًا أَوْ وَكِيلًا مِنْ جَانِبٍ وَفُضُولِيًّا مِنْ جَانِبٍ آخَرَ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَوْ زَوَّجَ غَائِبَةً مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مُوَكِّلِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عِنْدَهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَوَقَّفُ) أَيْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْمَأْمُورُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ) وَفِي النِّهَايَةِ الشَّاهِيَةِ هَذَا إذَا وَكَّلَهُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَأَمَّا إذَا وَكَّلَهُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَزَوَّجَهَا مَعَ أُخْرَى جَازَ نِكَاحُ الْمُعَيَّنَةِ وَتَوَقَّفَ نِكَاحُ الْأُخْرَى عَلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِيهَا فُضُولِيٌّ فِي الْأُخْرَى اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فَزَوَّجَهُ امْرَأَتَيْنِ) أَيْ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُجِيزَ) قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ لَا يَرُدُّ هَذَا عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ إذَا لَمْ يَرُدَّ الْآمِرُ ذَلِكَ وَرَدُّهُ يَتَعَيَّنُ التَّفْرِيقَ وَأَمَّا إذَا أَجَازَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَهُ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَا لَا يَجُوزُ إلَخْ) أَيْ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ اهـ. غَايَةٌ أَمَّا عِنْدَ الثَّلَاثَةِ فَلِطُولِ الْحُرَّةِ اهـ. غَايَةٌ قَالَ السُّرُوجِيُّ رحمه الله فِي أَوَائِلِ فَصْلِ الْكَفَاءَةِ مَا نَصُّهُ وَفِي الْمُحِيطِ الْكَفَاءَةُ مِنْ جَانِبِ النِّسَاءِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قُلْت وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ