الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَى آخِرِ وَقْتِهَا فَيَصُومَ يَوْمَ السَّابِعِ وَيَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه؛ وَلِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلُ الْهَدْيِ فَيُنْدَبُ تَأْخِيرُهُ لِاحْتِمَالِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِمَكَّةَ أَيْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ بَعْدَمَا فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَلَوْ صَامَهَا بِمَكَّةَ يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلنَّهْيِ عَنْ الصَّوْمِ فِيهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله إنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يُقِيمَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّجُوعِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّيْءِ لَا يَجُوزُ قَبْلَهُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ بِالْإِقَامَةِ هُنَاكَ وَلَنَا أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يُصَامَ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الدَّمِ وَأَنَّهُ يَكُونُ بِمَكَّةَ فَكَذَا بَدَلُهُ إلَّا أَنَّ النَّصَّ عَلَّقَهُ بِالرُّجُوعِ تَيْسِيرًا إذْ الصَّوْمُ فِي وَطَنِهِ أَيْسَرُ لَهُ فَإِذَا تَحَمَّلَهُ جَازَ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالرُّجُوعِ بَلْ بِالْفَرَاغِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الرُّجُوعِ فَأَطْلَقَ الْمُسَبَّبُ عَلَى السَّبَبِ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ لَمْ يَصُمْ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ تَعَيَّنَ الدَّمُ) أَيْ إنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ فِي الْحَجِّ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ وَلَا السَّبْعَةَ بَعْدَهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَصُومُ الثَّلَاثَةَ بَعْدَ هَذِهِ الْأَيَّامِ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ مُؤَقَّتٌ فَيُقْضَى بَعْدَ فَوَاتِهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَقَالَ مَالِكٌ يَصُومُهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَهَذَا وَقْتُهُ وَلَنَا النَّهْيُ الْمَعْرُوفُ عَنْ صَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَجَازَ تَخْصِيصُ مَا تَلِي بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ وَيَدْخُلُهُ نَقْصٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ وَلَا يُؤَدِّي بَعْدَهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ أَصْلٌ وَقَدْ نُقِلَ حُكْمُهُ إلَى بَدَلٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ إذْ الصَّوْمُ لَيْسَ بِمَثَلٍ لَهُ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى فَتُرَاعَى فِيهِ تِلْكَ الْأَوْصَافُ فَإِذَا فَاتَتْ فَقَدْ تَعَذَّرَ أَدَاؤُهُ عَلَى الْوَصْفِ الْمَشْرُوعِ فَنُقِلَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ الْهَدْيُ وَلَوْ جَازَ الصَّوْمُ بَعْدَ هَذِهِ الْأَيَّامِ لَكَانَ بَدَلًا عَنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ وَالْأَبْدَالُ لَا تُعْرَفُ إلَّا شَرْعًا وَجَوَازُ الدَّمِ عَلَى الْأَصْلِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ أَمَرَ فِي مِثْلِهِ بِذَبْحِ الشَّاةِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ تَحَلَّلَ وَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمُ الْقِرَانِ وَدَمُ التَّحَلُّلِ قَبْلَ الذَّبْحِ وَلَوْ وَجَدَ هَدْيًا بَعْدَمَا صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَطَلَ صَوْمِهِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الذَّبْحُ، وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَمَا تَحَلَّلَ فَلَا ذَبْحَ عَلَيْهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالصَّوْمِ، وَهُوَ التَّحَلُّلُ فَصَارَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَمَا صَلَّى وَلَوْ صَامَ مَعَ وُجُودِ الْهَدْيِ يَنْظُرُ فَإِنْ بَقِيَ الْهَدْيُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ لَمْ يُجْزِئْهُ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ، وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ الذَّبْحِ جَازَ لِلْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ وَقْتَ التَّحَلُّلِ لَا وَقْتَ الصَّوْمِ وَشَرْطُ جَوَازِ هَذَا الصَّوْمِ وُجُودُ الْإِحْرَامِ وَأَنْ يَكُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مُتَمَتِّعًا شَرْطٌ بِالنَّصِّ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبُهُ فَلَا يَجُوزُ
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ وَقَضَاؤُهَا) أَيْ إنْ لَمْ يَدْخُلْ الْقَارِنُ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ وَقَضَاؤُهَا، وَإِنَّمَا يَصِيرُ رَافِضًا لِلْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّاهَا بَعْدَ الْوُقُوفِ لَصَارَ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِيرُ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ بِالتَّوَجُّهِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ وَلِأَنَّ التَّوَجُّهَ مِنْ خَصَائِصِ الْوُقُوفِ وَمُقَدَّمَاتِهِ فَيَعْتَبِرُ بِحَقِيقَتِهِ كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ بَعْدَمَا صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِهِ الظُّهْرُ عِنْدَهُ بِمُجَرَّدِ السَّعْيِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِنَقْضِ الظُّهْرِ وَالتَّوَجُّهِ إلَى الْجُمُعَةِ فَيُعْطَى لِخَصَائِصِهَا حُكْمُ الْجُمُعَةِ وَالْقَارِنُ مَنْهِيٌّ عَنْ رَفْضِ الْعُمْرَةِ وَمَأْمُورٌ بِالرُّجُوعِ إلَى مَكَّةَ لِيُقِيمَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ فَلَا يُعْطَى لِمُقَدَّمَاتِهِ حُكْمُ عَيْنِهِ فَافْتَرَقَا، وَإِنَّمَا يَقْضِي الْعُمْرَةَ لِتَحَقُّقِ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَهُوَ مُلْزَمٌ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَفَّقْ لِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا قَبْلَ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ فَصَارَ كَالْمُحْصَرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَصِيرُ رَافِضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى الْإِتْيَانَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَلَنَا أَنَّ «عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَتْ مُعْتَمِرَةً أَوْ قَارِنَةً، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَمَّا حَاضَتْ بِسَرِفٍ وَقَدِمَتْ لَمْ تَطُفْ لِعُمْرَتِهَا حَتَّى مَضَتْ إلَى عَرَفَاتٍ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَرْفُضَ عُمْرَتَهَا وَتَصْنَعَ مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ» الْحَدِيثَ.
[بَابُ التَّمَتُّعِ]
{بَابُ التَّمَتُّعِ} التَّمَتُّعُ مِنْ الْمَتَاعِ، وَهُوَ الِانْتِفَاعُ أَوْ النَّفْعُ، قَالَ الشَّاعِرُ
وَقَفْت عَلَى قَبْرٍ غَرِيبٍ بِقَفْرَةٍ
…
مَتَاعٍ قَلِيلٍ مِنْ حَبِيبٍ مُفَارِقِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَخْ) وَيَجُوزُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ إحْرَامِهِ وَفِيهِ بَحْثٌ طَوِيلٌ فِي أَحْكَامِ الرَّازِيّ اهـ. (قَوْلُهُ فَأَطْلَقَ الْمُسَبَّبَ عَلَى السَّبَبِ إلَخْ)، وَإِنَّمَا صِرْنَا إلَى الْمَجَازِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِالِاتِّفَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ جَازَ لَهُ صَوْمُ السَّبْعَةِ بِمَكَّةَ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الرُّجُوعَ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَوْ مَعْنَاهُ إذَا رَجَعْتُمْ إلَى مَكَّةَ أَوْ إذَا رَجَعْتُمْ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى يَعْنِي إذَا فَرَغْتُمْ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ شَرْطٌ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّرْطَ يُوجِبُ الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ؛ لِأَنَّ أَقْصَى دَرَجَاتِ الْوَصْفِ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً وَلَا أَثَرَ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ فِي انْتِفَاءِ الْحُكْمِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَعْلُولًا بِعِلَلٍ شَتَّى فَأَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ لَا يَنْتَفِيَ الْحُكْمُ بِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَصُمْ الثَّلَاثَةَ فِي الْحَجِّ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ) وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُتَمَتِّعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ تَحَلَّلَ، وَعَلَيْهِ دَمَانِ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ أَحَلَّ بِغَيْرِ هَدْيٍ وَلَا صَوْمٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
{بَابُ التَّمَتُّعِ}
جَعَلَ الْإِنْسَ بِالْقَبْرِ مَتَاعًا، وَهَذَا فِي اللُّغَةِ، وَفِي الشَّرْعِ هُوَ أَنْ يَفْعَلَ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ أَوْ أَكْثَرَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ سَفَرُهُ وَاقِعٌ لِلْعُمْرَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِيرُ مَكِّيًّا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا فِي حَقِّ أَحْكَامِ النُّسُكِ حَتَّى يَصِيرَ مِيقَاتُهُ مِيقَاتَ أَهْلِ مَكَّةَ وَيَتَحَلَّلُ بَيْنَهُمَا، فَجَعْلُ سَفَرِهِ وَاقِعًا لِلْحَجِّ أَوْلَى لِكَوْنِهِ فَرْضًا مِنْ إيقَاعِهِ لِلْعُمْرَةِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ فِي التَّمَتُّعِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَأَشْبَهَ الْقِرَانَ وَفِيهِ زِيَادَةُ نُسُكٍ، وَهُوَ إرَاقَةُ الدَّمِ وَسَفَرُهُ وَاقِعٌ لِلْحَجِّ وَإِنْ تَخَلَّلَتْ الْعُمْرَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْحَجِّ كَتَخَلُّلِ السُّنَّةِ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالسَّعْيِ إلَيْهَا وَالْمُتَمَتِّعُ عَلَى وَجْهَيْنِ مُتَمَتِّعٌ يَسُوقُ الْهَدْيَ وَمُتَمَتِّعٌ لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَمَعْنَى التَّمَتُّعِ التَّرَفُّقُ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ قَالَ رحمه الله (هُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ فَيَطُوفَ لَهَا وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَقَدْ حَلَّ مِنْهَا) وَهَذِهِ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ وَكَذَا إذَا أَرَادَ الْعُمْرَةَ دُونَ الْحَجِّ فَعَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْعُمْرَةِ، وَلَا لِلتَّمَتُّعِ لَوْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا جَازَتْ وَصَارَ مُتَمَتِّعًا وَكَذَا الْحَلْقُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا لَيْسَ بِحَتْمٍ بَلْ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ تَحَلَّلَ، وَإِنْ شَاءَ بَقِيَ مُحْرِمًا حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إذَا لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَإِنْ سَاقَ لَا يَتَحَلَّلُ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَمْ يَسُقْ مِنْ غَيْرِ حَلْقٍ، وَلَا تَقْصِيرٍ.
وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ عِمْرَانَةَ قَالَ «تَمَتَّعَ النَّاسُ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَتَحَلَّلْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وقَوْله تَعَالَى {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] نَزَلَتْ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّهَا لَمَّا كَانَ لَهَا تَحَرُّمٌ بِالتَّلْبِيَةِ كَانَ لَهَا تَحَلُّلٌ بِالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ كَالْحَجِّ قَالَ رحمه الله (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِ الطَّوَافِ) وَقَالَ مَالِكٌ: يَقْطَعُ إذَا رَأَى بُيُوتَ مَكَّةَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إذَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ زِيَارَةُ الْبَيْتِ فَتَتِمُّ بِهِ، وَلَنَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُمْسِكُ عَنْ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ» وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ لَا رُؤْيَةُ الْبَيْتِ وَلَا رُؤْيَةُ مَكَّةَ فَيَكُونُ الْقَطْعُ مَعَ افْتِتَاحِهِ، وَذَلِكَ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ قَالَ رحمه الله (ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ)
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَمَعْنَى التَّمَتُّعِ التَّرَفُّقُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَعْنَى التَّمَتُّعِ التَّرَفُّقُ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَالتَّرَفُّقُ مِنْ الرِّفْقِ وَأَرَادَ بِهِ الِانْتِفَاعَ، وَالْإِلْمَامُ مَصْدَرُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ إذَا نَزَلَ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَا يَتِمُّ بِهِ مَعْنَى التَّرَفُّقِ؛ لِأَنَّ التَّرَفُّقَ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ إذَا حَصَلَ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا لَا يُسَمَّى تَمَتُّعًا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَالْآخَرُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَكَذَا لَا يُسَمَّى تَمَتُّعًا إذَا وُجِدَ النُّسُكَانِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَكِنَّ أَحَدَهُمَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَالْآخَرُ مِنْ السَّنَةِ الْأُخْرَى وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلْمَامٌ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا؛ وَلِهَذَا قَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِهِ، وَقَالَ: وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ إلَى أَهْلِهِ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَ أَكْثَرَ طَوَافِهَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِذًا لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِأَنْ يُقَالَ: التَّمَتُّعُ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا بِإِحْرَامِ مَكِّيٍّ لِلْحَجِّ؛ وَلِذَلِكَ أَثْبَتَ حُكْمَ التَّمَتُّعِ فِي الْقَارِنِ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَفِعٌ بِهِ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ مِنْ الْقَارِنِ مِيقَاتِيٌّ، وَمِنْ الْمُتَمَتِّعِ مَكِّيٌّ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إذَا جَمَعَ بَيْنَ أَكْثَرِ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَإِحْرَامِ الْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ صَحِيحٍ وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا أَتَى بِالْأَفْعَالِ قَبْلَ الْأَشْهُرِ، وَبَقِيَ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ حَتَّى دَخَلَتْ الْأَشْهُرُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمُتَمَتِّعُ مَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي الْأَشْهُرِ، فَإِنْ قَدَّمَ الْإِحْرَامَ وَأَتَى بِالْأَفْعَالِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ، وَهَذَا - بِنَاءً عَلَى الْإِحْرَامِ عِنْدَنَا - عَقْدٌ عَلَى الْأَدَاءِ، وَلَيْسَ مِنْ الْأَدَاءِ، فَإِذَا وُجِدَ النُّسُكَانِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ مُتَمَتِّعًا وَمَعْنَى قَوْلِنَا: عَقْدُ الْأَدَاءِ أَنَّهُ الْتَزَمَ أَدَاءَ الْمَشْرُوعِ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَهُوَ شَرْطٌ لِأَدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ كَالطَّهَارَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَكَذَا التَّحْرِيمَةُ فِي بَابِ الصَّلَاةِ عَقْدٌ عَلَى الْأَدَاءِ وَالشُّرُوعُ يَتَعَقَّبُهُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْإِحْرَامُ شُرُوعٌ فِي الْأَدَاءِ وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ هُوَ الدُّخُولُ فِي الْحُرْمَةِ وَبِالْإِحْرَامِ يَحْرُمُ قَتْلُ الصَّيْدِ، وَلُبْسُ الْمَخِيطِ وَحَلْقُ الرَّأْسِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْحُرْمَةِ أَدَاءُ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِأَفْعَالٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَاسِكِ فَافْهَمْ اهـ
(قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا أَرَادَ الْعُمْرَةَ دُونَ الْحَجِّ فَعَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ) هَكَذَا «فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ» . اهـ. هِدَايَةٌ وَهُوَ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ بِإِسْنَادِهِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ قَدْ «أُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَلَقَ رَأْسَهُ وَجَامَعَ نِسَاءَهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلًا» . اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ حَلْقٍ وَلَا تَقْصِيرٍ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ هِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَقَدْ وُجِدَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ نَزَلَتْ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ) أَيْ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الْحُدَيْبِيَةِ «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حَبَسَهُ كُفَّارُ قُرَيْشٍ عَنْ الْبَيْتِ بِالْحُدَيْبِيَةِ مُهِلًّا بِالْعُمْرَةِ وَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ» وَقَدْ ذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ فِي كِتَابِ أَسْبَابِ نُزُولِ الْقُرْآنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَا: أُنْزِلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي شَأْنِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْمُتَمَتِّعُ إذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ وَحَلَّ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ يُلَبِّي كَمَا يُلَبِّي الْمُفْرِدُ بِالْحَجِّ إلَى أَوَّلِ حَصَاةِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْقَارِنُ مِثْلُ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ أَيْضًا فِي قَطْعِ التَّلْبِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ) لَفْظَةُ بِالْحَجِّ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ مِنْ الْحَرَمِ) فَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ فَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قُبَيْلَ بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ فَانْظُرْهُ اهـ
قَالَ الْقُدُورِيُّ رحمه الله فَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ
لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَكِّيِّ وَمِيقَاتُ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْحَجِّ الْحَرَمُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ جَازَ، وَهُوَ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ» وَلِأَنَّ فِيهِ مُسَابَقَةً إلَى خَيْرٍ، وَزِيَادَةً فِي الْمَشَقَّةِ فَكَانَ أَوْلَى قَالَ رحمه الله (وَيَحُجُّ) أَيْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إلَّا إذَا حَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَيَفْعَلُ جَمِيعَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُفْرِدِ؛ لِأَنَّهُ مُفْرِدٌ بِالْحَجِّ إلَّا أَنَّهُ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَيَسْعَى بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا أَوَّلُ طَوَافٍ لَهُ فِي الْحَجِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ يَرْمُلُ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَعَى مَرَّةً عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ فَلَا يَسْعَى أُخْرَى حَتَّى لَوْ لَمْ يَسَعْ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ رَمَلَ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَسَعَى بَعْدَهُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُتَمَتِّعُ طَافَ وَسَعَى بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَرُوحَ إلَى مِنًى لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ لِمَا بَيَّنَّا
قَالَ رحمه الله (وَيَذْبَحُ) لِمَا تَلَوْنَا فِي الْقُرْآنِ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ عَجَزَ فَقَدْ مَرَّ) أَيْ إنْ عَجَزَ عَنْ الْهَدْيِ فَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ، وَهُوَ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْقُرْآنِ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ وَاعْتَمَرَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الثَّلَاثَةِ) يَعْنِي لَوْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ بَعْدَ مَا صَامَ لَمْ يُجْزِهِ هَذَا الصَّوْمُ عَنْ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ هَذَا الصَّوْمِ التَّمَتُّعُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ، وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ مُتَمَتِّعٍ فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهُ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ لَوْ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ) يَعْنِي صَحَّ صَوْمُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إذَا صَامَهَا بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِهِ لَا يَكُونُ صَوْمُهُ فِي الْحَجِّ، وَلَنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَقْتُ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لِلصَّوْمِ، وَهَذَا قَدْ صَامَ فِي وَقْتِ الْحَجِّ بَعْدَ مَا تَقَرَّرَ سَبَبُهُ، وَهُوَ التَّمَتُّعُ؛ إذْ هُوَ طَرِيقٌ إلَيْهِ فَيَجُوزُ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ، وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ بِالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَجِّ وَلَكِنَّا شَرَطْنَا إحْرَامَ الْعُمْرَةِ لِيَتَحَقَّقَ السَّبَبُ، وَبَقِيَ فِيمَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ هَذَا الصَّوْمِ إلَى آخِرِ وَقْتِهِ، وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمَانِ قَبْلَهُ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْقُرْآنِ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ أَرَادَ سَوْقَ الْهَدْيِ أَحْرَمَ وَسَاقَ)، وَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «أَحْرَمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَسَاقَ الْهَدْيَ بَعْدَهُ» وَلِأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالتَّلْبِيَةِ فَيَأْتِيَ بِهَا قَبْلَ التَّقْلِيدِ وَالسَّوْقِ كَيْ لَا يَكُونَ مُحْرِمًا بِالتَّوَجُّهِ مَعَهَا قَالَ رحمه الله (وَقَلَّدَ بَدَنَتَهُ بِمَزَادَةٍ أَوْ نَعْلٍ)؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَلَّدَ الْبَدَنَةَ.
وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ التَّجْلِيلِ؛ لِأَنَّ لَهُ ذِكْرًا فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ} [المائدة: 2] وَلِأَنَّ التَّقْلِيدَ يُرَادُ بِهِ التَّقَرُّبُ وَالتَّجْلِيلُ قَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ كَالزِّينَةِ وَغَيْرِهَا فَكَانَ التَّقْلِيدُ أَوْلَى، وَسَوْقُهُ أَفْضَلُ مِنْ قَوْدِهِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا إذَا كَانَتْ لَا تَنْسَاقُ فَيَقُودُهَا لِلضَّرُورَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَقَوْلُهُ: مِنْ الْمَسْجِدِ التَّقْيِيدُ بِالْمَسْجِدِ لِلْأَفْضَلِيَّةِ، وَأَمَّا الْجَوَازُ فَجَمِيعُ الْحَرَمِ مِيقَاتٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ جَازَ، وَهُوَ أَفْضَلُ) وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ يَوْمٍ يَبْدَأُ فِيهِ أَفْعَالَ الْحَجِّ؛ وَلِهَذَا «لَمَّا افْتَتَحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحَجَّ أَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُحْرِمُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ». اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَفْعَلُ جَمِيعَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُفْرِدِ) غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي الْقُدُومَ بِخِلَافِ الْقَارِنِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ كَمَا مَرَّ اهـ بِمَعْنَاهُ فِي الْأَكْمَلِ وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ فِي الْجَوْهَرَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ: وَفَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ الْمُفْرِدُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَطُوفُ طَوَافَ التَّحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ صَارَ هُوَ وَالْمَكِّيُّ سَوَاءً، وَلَا تَحِيَّةَ لِلْمَكِّيِّ كَذَا هَذَا اهـ وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ طَوَافٍ لَهُ فِي الْحَجِّ يُفِيدُ مَا أَفَادَهُ الْأَكْمَلُ وَالْحَدَّادِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِطَوَافِ الْقُدُومِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَفَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُفْرِدُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْعُمْرَةِ وَحَلَّ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَهَا صَارَ كَالْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ وَتَعَلَّقَ بِهِ أَفْعَالُ الْمُفْرِدِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَطُوفُ طَوَافَ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَكِّيِّ، وَلَا يُسَنُّ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ طَوَافُ الْقُدُومِ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ وَالْقَارِنِ فَإِنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ يُسَنُّ فِي حَقِّهِمَا.
وَالثَّانِي يَجِبُ الْهَدْيُ شُكْرًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِي حَقِّهِ الْهَدْيُ بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَالرَّمَلُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ، فَإِنَّهُمَا يَرْمُلَانِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ سُنَّةٌ فِي حَقِّهِمَا فَيَسْعَيَانِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ هَذَا إذَا وُجِدَ السَّعْيُ مِنْهُمَا عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَأَمَّا إذَا أَخَّرَ السَّعْيَ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَحِينَئِذٍ يَرْمُلَانِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ فَفِيهِ الرَّمَلُ، وَكُلُّ طَوَافٍ لَيْسَ بَعْدَهُ سَعْيٌ فَلَا رَمَلَ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا أَوَّلُ طَوَافٍ لَهُ فِي الْحَجِّ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِ طَوَافُ الْقُدُومِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُتَمَتِّعُ طَافَ) أَيْ تَطَوُّعًا. اهـ. جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فِي الرَّمَلِ وَالسَّعْيِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ) يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: إذَا فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ. (قَوْلُهُ لِيَتَحَقَّقَ السَّبَبُ) أَيْ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ سَبَبٌ إلَى التَّمَتُّعِ؛ وَلِهَذَا جَازَ لَهُ سَوْقُ الْهَدْيِ قَبْلَ إحْرَامِ الْحَجِّ فَجَازَ الصَّوْمُ لِوُجُودِ الْمُسَبَّبِ بَعْدَ السَّبَبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَفْضَلُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ الْمُتَمَتِّعُ الَّذِي يَسُوقُ الْهَدْيَ أَفْضَلُ مِنْ الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ أَوْ مَعْنَاهُ سَوْقُ الْهَدْيِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالتَّلْبِيَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِحْرَامِ بِتَقْلِيدِ الْبَدَنَةِ، وَسَوْقُهَا بَعْدَهُ لَبَّى أَمْ لَمْ يُلَبِّ اهـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ بِمَزَادَةٍ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمَزَادَةُ الرَّاوِيَةُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ جِلْدَيْنِ تُفْأَمُ بِجِلْدٍ ثَالِثٍ بَيْنَهُمَا لِتَتَّسِعَ، وَكَذَلِكَ السَّطِيحَةُ، وَالشُّعَيْبُ وَالْجَمْعُ الْمَزَادُ وَالْمَزَايِدُ اهـ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْمَزَادَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الْحَدِيثِ، وَهِيَ الظَّرْفُ الَّذِي يُحْمَلُ فِيهِ الْمَاءُ كَالرَّاوِيَةِ وَالْقِرْبَةِ وَالسَّطِيحَةِ وَالْجَمْعِ الْمَزَادُ وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ اهـ قَوْلُهُ: وَالْمَزَادَةُ الرَّاوِيَةُ ذَكَرَهَا الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلِ الزَّايِ مَعَ الْيَاءِ مِنْ
قَالَ رحمه الله (وَلَا يُشْعِرُ) أَيْ لَا يُشْعِرُ الْبَدَنَةَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يُشْعِرُ، وَهُوَ أَنْ يَشُقَّ أَحَدَ جَانِبَيْ سَنَامِهَا حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ الدَّمُ ثُمَّ يُلَطِّخَ بِهِ سَنَامَهَا وَالْإِشْعَارُ هُوَ الْإِدْمَاءُ لُغَةً وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَصَابَهُ حَجَرٌ فِي سَفَرِ الْحَجِّ فَأَدْمَاهُ فَقَالُوا أَشْعَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَشُقَّ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ الْأَيْمَنِ كُلُّ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ فَعَلَهُ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «كَانَ يَدْخُلُ بَيْنَ بَعِيرَيْنِ فَيَطْعَنُهُمَا فَيَقَعُ الطَّعْنُ عَلَى يَسَارِ أَحَدِهِمَا، وَعَلَى يَمِينِ الْآخَرِ» وَالْيَسَارُ كَانَ مَقْصُودًا فَكَانَ أَشْبَهَ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا حَسَنٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَعَلَهُ وَفَعَلَهُ أَصْحَابُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْإِعْلَامُ حَتَّى تُرَدَّ إذَا ضَلَّتْ، وَلَا تُهَاجَ إذَا وَرَدَتْ مَاءً أَوْ كَلَأً، وَأَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهَا أَحَدٌ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي الْإِشْعَارِ أَتَمُّ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمُ، وَالْقِلَادَةُ قَدْ تَقَعُ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ سُنَّةً إلَّا أَنَّهُ عَارَضَهُ دَلِيلُ الْكَرَاهَةِ، وَهُوَ كَوْنُهُ مُثْلَةً فَقُلْنَا بِحُسْنِهِ، وَإِنْ تَرَكَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُثْلَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ اللَّحْمِ أَوْ الْجِلْدِ، وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «مَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِينَا خَطِيبًا إلَّا حَثَّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ وَنَهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ» ، وَهِيَ حَرَامٌ فِيمَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ، وَهُوَ الْمُرْتَدُّ أَوْ الْحَرْبِيُّ فَمَا ظَنُّك بِمَا لَا تَحِلُّ عُقُوبَتُهُ، وَفِعْلُهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ صِيَانَةً لِلْبُدْنِ حَتَّى لَا يَتَعَرَّضَ لَهَا الْكُفَّارُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتْرُكُونَ الْهَدَايَا، وَيَأْخُذُونَ خِلَافَهَا، وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَنْقُولٌ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ زَالَ الْيَوْمَ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَنَظِيرُهُ إعْطَاءُ الصَّدَقَةِ لِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَقَتْلُ الْكِلَابِ، وَكَسْرُ الْأَوَانِي فِي الْخَمْرِ قَلْعًا لَهُمْ ثُمَّ لَمَّا اشْتَهَرَ سَقَطَ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: مَا كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ أَصْلَ الْإِشْعَارِ، وَكَيْفَ يَكْرَهُ ذَلِكَ مَعَ مَا اُشْتُهِرَ فِيهِ مِنْ الْأَخْبَارِ وَإِنَّمَا كَرِهَ إشْعَارَ أَهْلِ زَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ رَآهُمْ يُبَالِغُونَ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ فَرَأَى سَدَّ هَذَا الْبَابِ، وَأَمَّا إذَا وَقَفَ عَلَى قَطْعِ الْجِلْدِ دُونَ اللَّحْمِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَقِيلَ: إنَّمَا كَرِهَ إيثَارَهُ عَلَى التَّقْلِيدِ كَمَا كَرِهَ إيثَارَ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ عَلَى نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ
قَالَ رحمه الله (وَلَا يَتَحَلَّلُ بَعْدَ عُمْرَتِهِ)؛ لِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ لِسَوْقِ الْهَدْيِ تَأْثِيرًا فِي إثْبَاتِ الْإِحْرَامِ ابْتِدَاءً، فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي إبْقَائِهِ عَلَيْهِ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ التَّحَلُّلِ قَالَ: رحمه الله (وَيُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَقَبْلَهُ أَحَبُّ) لِمَا ذَكَرْنَا فِي مُتَمَتِّعٍ لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ وَهُمَا سَوَاءٌ فِيهِ قَالَ رحمه الله (فَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْ إحْرَامَيْهِ)؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ فِي الْحَجِّ كَالسَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ فَيَتَحَلَّلُ بِهِ عَنْهُمَا، وَقَوْلُهُ: حَلَّ مِنْ إحْرَامَيْهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ بَاقٍ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْقَارِنَ إذَا قَتَلَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
بَابِ الدَّالِ وَذَكَرَهَا صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ فِي الزَّايِ مَعَ الْوَاوِ فَقَالَ: وَالْمَزَادَةُ شَطْرُ الرَّاوِيَةِ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَالْقِيَاسُ كَسْرُهَا؛ لِأَنَّهَا آلَةٌ يُسْتَقَى فِيهَا الْمَاءُ، وَجَمْعُهَا مَزَايِدُ، وَرُبَّمَا قِيلَ مَزَادٌ بِغَيْرِهَا، وَالْمَزَادَةُ مِفْعَلَةٌ مِنْ الزَّادِ؛ لِأَنَّهُ يَتَزَوَّدُ فِيهَا الْمَاءَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ فِي الْحَقَائِقِ الْإِشْعَارُ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا مُبَاحٌ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ وَلَا مَكْرُوهٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمُصَفَّى. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا حَسَنٌ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَهُوَ أَدْنَى مِنْ السُّنَّةِ اهـ
(قَوْلُهُ وَلَأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ مُثْلَةٌ) أَيْ وَتَعْذِيبُ حَيَوَانٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ اللَّحْمِ أَوْ الْجِلْدِ) أَيْ وَمَتَى وَقَعَ التَّعَارُضُ فَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحْرِمِ قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: يَعْنِي لَمَّا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ كَوْنِ الْإِشْعَارِ سُنَّةً وَبَيْنَ كَوْنِهِ مُثْلَةً، وَهِيَ حَرَامٌ فَالرُّجْحَانُ لِلْحَرَامِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرِّمَ مَعَ الْمُبِيحِ إذَا اجْتَمَعَا فَالْمُحَرِّمُ أَوْلَى، وَعِنْدِي إطْلَاقُ اسْمِ الْمُثْلَةِ عَلَى الْإِشْعَارِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ فِي أَوَّلِ مَقْدَمِهِ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَشْعَرَ صلى الله عليه وسلم الْهَدَايَا فِي آخِرِ حَيَاتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ» فَلَوْ كَانَ الْإِشْعَارُ مِنْ بَابِ الْمُثْلَةِ لَمَا أَشْعَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ نَهَى عَنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَالْكَلَامُ الصَّحِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله كَرِهَ الْإِشْعَارَ الْمُحْدَثَ الَّذِي يُفْعَلُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ، وَيُخَافُ مِنْهُ السِّرَايَةُ إلَى الْمَوْتِ لَا مُطْلَقُ الْإِشْعَارِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُهُ إلَخْ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: إذَا فَرَغَ الْمُتَمَتِّعُ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ سَوَاءٌ سَاقَ الْهَدْيَ، أَوْ لَمْ يَسُقْ اعْتِبَارًا بِمَا إذَا لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ لَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ «حَفْصَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ فَلْيُحْلِلْ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، وَمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَلَا يَحِلَّ حَتَّى يَنْحَرَ مَعَنَا يَوْمَ النَّحْرِ». اهـ. كَرْمَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: حَلَّ مِنْ إحْرَامَيْهِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ يُقَالَ: إحْرَامُ الْعُمْرَةِ إلَى الْحَلْقِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ الْقَارِنَ دَمَانِ إذَا جَنَى قَبْلَ الْحَلْقِ، وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: إذَا قَتَلَ الْقَارِنُ صَيْدًا بَعْدَ الْوُقُوفِ قَبْلَ الْحَلْقِ لَزِمَهُ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَزِمَهُ دَمَانِ، وَأَجَابَ بِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ انْتَهَى بِالْوُقُوفِ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - جَعَلَ الْحَجَّةَ غَايَةَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَلَا وُجُودَ لِلْمَضْرُوبِ لَهُ الْغَايَةُ بَعْدَهَا إلَّا ضَرُورَةٌ، وَهِيَ مَا ذَكَرْنَا، وَإِذَا لَمْ تَبْقَ فِي حَقِّ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ اهـ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: فَإِنَّ الْقَارِنَ إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ وَبَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ شَاتَانِ اهـ وَمَا نَقَلَهُ فِي النِّهَايَةِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ عَنْهُ بِخُصُوصِهِ فِي النِّهَايَةِ فِي آخِرِ فَصْلِ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَأَكْثَرُ عِبَارَاتِ الْأَصْحَابِ مُطْلَقَةٌ، وَهِيَ الظَّاهِرَةُ؛ إذْ قَضَاءُ الْأَعْمَالِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْإِحْرَامِ، وَالْوُجُوبُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ لَا عَلَى الْأَعْمَالِ، وَالْفَرْعُ الْمَنْقُولُ فِي الْجِمَاعِ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا بَلْ سَنَذْكُرُ عَنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ فِيمَا بَعْدَ الْحَلْقِ الْبَدَنَةَ، وَالشَّاةُ أَيْضًا بِالْجِمَاعِ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ الْبَدَنَةُ فَقَطْ وَيَتَبَيَّنُ الْأَوْلَى مِنْهُمَا ثُمَّ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَيَّدَ لُزُومَ الدَّمِ الْوَاحِدِ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ، وَقَالَ: إنَّ فِي الْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ شَاتَيْنِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ تُوجِبُ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ شَيْئًا أَوْ لَا فَإِنْ أَوْجَبَتْ لَزِمَ شُمُولُ الْوُجُوبِ وَإِلَّا فَشُمُولُ الْعَدَمِ اهـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ إلَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ. اهـ.
صَيْدًا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتَانِ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ قَدْ انْتَهَى بِالْوُقُوفِ فِي حَقِّ سَائِرِ الْأَحْكَامِ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَإِنَّمَا يَبْقَى فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ لَا غَيْرُ كَإِحْرَامِ الْحَجِّ يَنْتَهِي بِالْحَلْقِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَا يَبْقَى إلَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ خَاصَّةً، وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ، وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ، وَبَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ شَاتَانِ
قَالَ رحمه الله (وَلَا تَمَتُّعَ وَلَا قِرَانَ لِمَكِّيٍّ وَمَنْ يَلِيهَا) وَهُمْ أَهْلُ مَا دُونَ الْمَوَاقِيتِ إلَى الْحَرَمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لَهُمْ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ} [البقرة: 196] الْآيَةَ فَيَدْخُلُ تَحْتَهَا كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ وقَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] عَائِدٌ عَلَى الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ لِقُرْبِهِ يَعْنِي لَهُمْ أَنْ يَتَمَتَّعُوا وَيَقْرُنُوا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ هَدْيٌ وَلَا صَوْمٌ قُلْنَا لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا قَالَهُ لَقَالَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْآيَةَ؛ لِأَنَّ اللَّامَ تُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَنَا لَا فِيمَا عَلَيْنَا، وَلَنَا الْخِيَارُ فِي التَّمَتُّعِ إنْ شِئْنَا فَعَلْنَا وَإِنْ شِئْنَا لَمْ نَفْعَلْ، وَأَمَّا الْهَدْيُ فَوَاجِبٌ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنَّا، وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ: ذَلِكَ عَائِدَةٌ عَلَى التَّمَتُّعِ، وَاللَّامُ فِيهِ تَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لِلْبَعِيدِ، وَهُوَ أَبْعَدُ وَلِأَنَّ التَّمَتُّعَ هُوَ التَّرَفُّهُ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بَيْنَهُمَا بِأَهْلِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يُلِمَّ بَيْنَهُمَا، وَلَا يُتَصَوَّرُ السَّفَرُ فِي حَقِّهِمْ فَلَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِمْ أَصْلًا، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ مُتْعَةٌ، وَمِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَلِأَنَّ مِيقَاتَ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْحَجِّ الْحَرَمُ، وَفِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ الْقِرَانُ، وَأَهْلُ مَا دُونَ الْمَوَاقِيتِ مُلْحَقٌ بِهِمْ فَيَكُونُونَ بِمَنْزِلَتِهِمْ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُلْحَقُ بِهِمْ غَيْرُهُمْ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يُلْحَقُ بِهِمْ مَنْ حَوْلَهَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَا غَيْرُ، وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْمَكِّيَّ قَدِمَ مِنْ الْكُوفَةِ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ صَارَ قَارِنًا؛ لِأَنَّ نُسُكَيْهِ مِيقَاتَانِ، وَذَكَرَ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ قَارِنًا إذَا خَرَجَ مِنْ الْمِيقَاتِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ)؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ فِيمَا بَيْنَ النُّسُكَيْنِ إلْمَامًا صَحِيحًا، وَبِهِ يَبْطُلُ التَّمَتُّعُ كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ التَّمَتُّعَ هُوَ التَّرَفُّقُ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ فَإِذَا أَنْشَأَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَفَرًا بَطَلَ هَذَا الْمَعْنَى، أَوْ نَقُولُ: إنَّهُ لَمَّا أَلَمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا صَارَ الْعَوْدُ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ فَصَارَ نَظِيرَ أَهْلِ مَكَّةَ، وَيَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْإِلْمَامَ عِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ التَّمَتُّعَ حَتَّى أَجَازَهُ لِأَهْلِ مَكَّةَ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ سَاقَ لَا) أَيْ وَإِنْ سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ بِإِلْمَامِهِ بِأَهْلِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَأَدَّاهُمَا بِسَفْرَتَيْنِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا تَمَتُّعَ وَلَا قِرَانَ لِمَكِّيٍّ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَمَعَ هَذَا لَوْ تَمَتَّعُوا جَازَ وَأَسَاءُوا وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ دَمُ الْجَبْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُمْ أَهْلُ مَا دُونَ الْمَوَاقِيتِ إلَى الْحَرَمِ) وَلَيْسَ لِهَؤُلَاءِ إلَّا الْإِفْرَادُ عِنْدَنَا اهـ ع قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَمَنْ تَمَتَّعَ مِنْهُمْ أَوْ قَرَنَ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَهُوَ دَمُ جِنَايَةٍ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْقَارِنِ أَوْ الْمُتَمَتِّعِ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ، فَإِنَّ الدَّمَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمَا دَمُ نُسُكٍ يَأْكُلَانِ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَهْلُ مَا دُونَ الْمَوَاقِيتِ مُلْحَقٌ بِهِمْ) يَعْنِي مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ إلَى الْحَرَمِ تَبَعٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ حَيْثُ كَانَتْ أَوْطَانُهُمْ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ كَأَهْلِ مَكَّةَ وَكَانُوا بِمَنْزِلَتِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُلْحَقُ بِهِمْ غَيْرُهُمْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ إلَى الْحَرَمِ لَهُمْ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ اهـ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْمَكِّيَّ قَدِمَ إلَخْ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ رحمه الله: وَإِذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْكُوفَةِ ثُمَّ قَرَنَ وَدَخَلَ مَكَّةَ صَحَّ قِرَانُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَلَحِقَ بِالْكُوفَةِ صَارَ آفَاقِيًّا فَيَصِحُّ قِرَانُهُ، وَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِالْإِلْمَامِ بِأَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الْقِرَانَ انْعَقَدَ صَحِيحًا، وَحَصَلَ بِنَفْسِ الْإِحْرَامِ فَالْإِلْمَامُ بَعْدَهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي إبْطَالِهِ كَالْكُوفِيِّ إذَا قَرَنَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْكُوفَةِ لَمْ يَبْطُلْ كَذَا هُنَا أَمَّا لَوْ أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ بَعْدَ مَا خَرَجَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ فَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا لِوُجُودِ الْإِلْمَامِ بِأَهْلِهِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَسَوَاءٌ سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَمْ يَسُقْ بِخِلَافِ الْكُوفِيِّ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ ثُمَّ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَمْ يَبْطُلْ تَمَتُّعُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ لِأَجْلِ السَّوْقِ بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ فَإِنَّهُ فِي عَيْنِ مَكَّةَ عِنْدَ الْإِلْمَامِ بِأَهْلِهِ فَلَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ الْعَوْدُ فَاسْتَوَى الْحَالُ فِي حَقِّهِ فَتَسْقُطُ الْمُتْعَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله إنَّمَا يَصِحُّ قِرَانُ الْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ أَوْ إلَى مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ، وَجَاوَزَهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَأَمَّا إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَشْهُرُ الْحَجِّ، وَهُوَ بِمَكَّةَ، أَوْ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ ثُمَّ قَرَنَ لَمْ يَصِحَّ قِرَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي أَهْلِهِ أَوْ بِمَكَّةَ فَقَدْ صَارَ بِحَالٍ لَا يَصِحُّ مِنْهُ قِرَانٌ، وَلَا تَمَتُّعٌ عَلَى مَا أَصَّلْنَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَبِالْخُرُوجِ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ نُسُكَيْهِ مِيقَاتَانِ) فَصَارَ كَالْكُوفِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا تَمَتَّعَ بَعْدَ مَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ لِلْحَجِّ مَكِّيٌّ وَلَا تَمَتُّعَ لِلْمَكِّيِّ فَعَنْ هَذَا اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَقَرَنَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ كَذَا رُوِيَ) أَيْ عَنْ عَمْرٍو. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ) أَيْ وَطَاوُسٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَصَارَ نَظِيرَ أَهْلِ مَكَّةَ) أَيْ حَيْثُ لَا يَصِحُّ تَمَتُّعُهُمْ لِوُجُودِ الْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ سَاقَ لَا) قَالَ فِي الْحَقَائِقِ آفَاقِيٌّ سَاقَ لِلْمُتْعَةِ هَدْيًا وَاعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ اعْتَمَرَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْلِقْ رَأْسَهُ حَتَّى أَلَمَّ بِأَهْلِهِ ثُمَّ عَادَ فِي عَامِهِ هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِوُجُودِ سَفَرَيْنِ وَعِنْدَهُمَا مُتَمَتِّعٌ حَيْثُ أَدَّاهُمَا فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ إحْرَامِهِ بِالسَّوْقِ أَوْ تَرْكِ الْحَلْقِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِلْمَامِ لِمَا عُرِفَ، وَإِنَّمَا وُضِعَ هَكَذَا فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ إلْمَامًا صَحِيحًا، وَهُوَ النُّزُولُ فِي وَطَنِهِ الْأَصْلِيِّ مِنْ غَيْرِ بَقَاءِ صِفَةِ الْإِحْرَامِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْإِلْمَامَ بِأَهْلِهِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إذَا كَانَ صَحِيحًا يَبْطُلُ التَّمَتُّعُ بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا إذَا كَانَ فَاسِدًا كَالْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يُبْطِلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ مَا دَامَ عَلَى نِيَّةِ التَّمَتُّعِ فَلَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ كَالْقَارِنِ إذَا عَادَ إلَى أَهْلِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ اهـ
فَصَارَ كَمَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ بَعَثَ هَدْيَهُ لِيُنْحَرَ عَنْهُ وَلَمْ يَحُجَّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَالْهَدْيُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِلْمَامِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا قَدِمَ مِنْ الْكُوفَةِ بِعُمْرَةٍ وَسَاقَ هَدْيًا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِإِلْمَامِهِ بِأَهْلِهِ مَعَ سَوْقِ الْهَدْيِ، وَلَهُمَا أَنَّ إلْمَامَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ عَلَى حَالِهِ مَا لَمْ يَنْحَرْ عَنْهُ الْهَدْيَ فَكَانَ الْعَوْدُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِلْمَامِ بِأَهْلِهِ كَالْقَارِنِ إذَا أَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ كَانَ قَارِنًا؛ لِأَنَّ إلْمَامَهُ مُحْرِمًا غَيْرُ صَحِيحٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ أَوْ سَاقَ، وَهُوَ مَكِّيٌّ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَفِي الْإِيضَاحِ أَنَّ الْمُعْتَمِرَ إذَا لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى أَلَمَّ بِأَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ فِي أَهْلِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْحَلْقِ إمَّا وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا فَجَعَلَ الْحَرْفَ عَدَمَ التَّحَلُّلِ لَا سَوْقَ الْهَدْيِ
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ طَافَ أَقَلَّ أَشْوَاطِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَتَمَّهَا فِيهَا وَحَجَّ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَبِعَكْسِهِ لَا) أَيْ لَوْ طَافَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَطَافَ الْأَرْبَعَةَ فِيهَا كَانَ مُتَمَتِّعًا وَبِعَكْسِهِ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَهُوَ مَا إذَا طَافَ الْأَكْثَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَإِنْ وُجِدَ أَكْثَرُ طَوَافِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَقَدْ اجْتَمَعَ لَهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِيهَا فَيَصِيرُ مُتَمَتِّعًا وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ قَبْلَهَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِيهَا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا إلَّا بَعْضُهَا وَكَذَا حُكْمًا؛ لِأَنَّهَا فَرَغَتْ تَقْدِيرًا أَلَا تَرَى أَنَّهَا صَارَتْ بِحَالٍ لَا تَحْتَمِلُ الْفَسَادَ بِالْجِمَاعِ وَمَالِكٌ رحمه الله يَعْتَبِرُ الْخَتْمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَالشَّافِعِيُّ يَعْتَبِرُ الْإِحْرَامَ فِيهَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْأَرْكَانِ عِنْدَهُ قَالَ رحمه الله (وَهِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ) كَذَا رُوِيَ عَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّهَا عَشْرُ لَيَالٍ وَتِسْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ يَفُوتُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَوْ كَانَ وَقْتُهُ بَاقِيًا لَمَا فَاتَ قُلْنَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ» فَكَيْفَ يَكُونُ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَلَا يَكُونُ مِنْ شَهْرِهِ وَلِأَنَّ وَقْتَ الرُّكْنِ، وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَكَيْفَ يَدْخُلُ وَقْتُ رُكْنِ الْحَجِّ بَعْدَ مَا خَرَجَ وَقْتُ الْحَجِّ وَفَوَاتُ الْوُقُوفِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ لِكَوْنِهِ مُؤَقَّتًا بِالنَّصِّ، فَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَمَا قَبْلَهُ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْوُقُوفُ لِمَا قُلْنَا، وَقَالَ مَالِكٌ: ذُو الْحِجَّةِ كُلُّهَا مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ قُلْنَا يَجُوزُ إطْلَاقُ لَفْظِ الْجَمْعِ عَلَى مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] فَالْأَخَوَانِ يَحْجُبَانِهَا مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَيَجُوزُ أَنْ يُنَزَّلَ الْبَعْضُ مَنْزِلَةَ الْكُلِّ يُقَالُ رَأَيْت زَيْدًا سَنَةَ كَذَا وَإِنَّمَا رَآهُ فِي سَاعَةٍ مِنْهَا، وَفَائِدَةُ التَّوْقِيتِ بِهَذِهِ الْأَشْهُرِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ إلَّا فِيهَا حَتَّى إذَا صَامَ الْمُتَمَتِّعُ أَوْ الْقَارِنُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ وَكَذَا السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ
قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ الْإِحْرَامُ بِهِ قَبْلَهَا وَكُرِهَ) أَيْ جَازَ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: لَا يَجُوزُ وَيَنْعَقِدُ عُمْرَةً كَمَا لَوْ أَحْرَمَ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا تَنْعَقِدُ نَفْلًا وَكَمَا لَوْ صَامَ الْقَضَاءَ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ يَكُونُ نَفْلًا وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ رُكْنٌ عِنْدَهُ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْوَقْتِ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ وَلَنَا أَنَّهُ شَرْطٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُسْتَدَامُ إلَى أَنْ يَحْلِقَ وَيَنْتَقِلَ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ، وَلَا يَنْتَقِلَ عَنْهُ وَيُجَامِعَ كُلَّ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ، وَلَوْ كَانَ رُكْنًا لَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَجَازَ تَقْدِيمُهُ مِثْلَ الطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَّصِلُ بِهِ الْأَدَاءُ؛ وَلِهَذَا يَكُونُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَأَفْعَالُ الْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ فِي أَوَّلِ أَشْهُرِ الْحَجِّ يَجُوزُ، وَأَدَاءُ الْأَفْعَالِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ بَعَثَ هَدْيَهُ) يَعْنِي لَوْ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَتَمَتَّعَ فَبَعَثَ هَدْيَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْحَلْقِ) وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا نَقَلَهُ عَنْ الْحَقَائِقِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ) أَيْ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ؛ وَلِهَذَا لَا تُقَامُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ مِنْ الظُّهْرِ مُقَامَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مُقَامَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ النَّصَّ نَاطِقٌ بِأَنَّ فَرْضَ الْمُقِيمِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ قَبْلَهَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِيهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَقَدْ اعْتَبَرَ الشَّرْعُ الْغَلَبَةَ وَالْكَثْرَةَ أَلَا تَرَى أَنَّ فَرَائِضَ الْحَجِّ ثَلَاثَةٌ الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَقَدْ أُقِيمَ الْأَكْثَرُ مُقَامَ الْكُلِّ ثَمَّةَ؛ وَلِهَذَا لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَلَوْ جَامَعَ قَبْلَهُ يَفْسُدُ.
وَلِهَذَا لَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ بَعْدَ مَا طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَيْضًا فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ قُلْنَا: إنَّ وُجُودَ أَكْثَرِ الطَّوَافِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ صَارَ كَوُجُودِ كُلِّ الْأَطْوِفَةِ قَبْلَهَا فَلَوْ وُجِدَتْ الْأَطْوِفَةُ كُلُّهَا قَبْلَ الْأَشْهُرِ وَتَحَلَّلَ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فَكَذَا هُنَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ لَا يَفْسُدُ نُسُكُهُ بِالْجِمَاعِ اهـ (قَوْلُهُ إنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْأَرْكَانِ عِنْدَهُ) وَعِنْدَنَا شَرْطٌ فَيَصِحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ إلَخْ) وَإِنَّمَا فَصَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه عَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُفْهَمُ فِي عُرْفِهِمْ مِنْ إطْلَاقِ الْعَبَادِلَةِ إلَّا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ هَذَا مَا عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَمَا عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ فَأَمَّا الْعَبَادِلَةُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَلَيْسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مِنْ الْعَبَادِلَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي النَّوْعِ التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ عُلُومِ الْحَدِيثِ ثُمَّ الْعَبَادِلَةُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا جَمْعَ عَبْدَلٍ لُغَةٌ فِي عَبْدٍ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ فِي عَبْدٍ عَبْدَلٌ، وَفِي زَيْدٍ زَيْدَلٌ، وَأَنْ يَكُونَ جَمْعَ عَبْدٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَالنِّسَاءِ لِلْمَرْأَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ مَالِكٌ ذُو الْحِجَّةِ كُلُّهَا مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ) أَيْ وَفَائِدَتُهُ تَأْخِيرُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ بِلَا وُجُوبِ دَمٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْحَقَائِقِ فِي بَابٍ مَالِكٌ أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ إلَى تَمَامِ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَظْهَرُ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَشْهُرَ الْحَجِّ، وَالثَّانِي: إذَا اشْتَغَلَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ يَكُونُ مَكْرُوهًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَانِيًا لِلْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ وَعِنْدَنَا لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ قَدْ فَاتَتْ. اهـ.
مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ، وَهَذَا آيَةُ الشَّرْطِيَّةِ فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ فِيهَا مُتَّصِلٌ بِالتَّحْرِيمَةِ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْوَقْتِ كَيْ لَا يَقَعَ الْأَدَاءُ قَبْلَهُ، وَأَمَّا فِي الْحَجِّ فَمُنْفَصِلٌ عَنْ الْإِحْرَامِ فَلَا مَانِعَ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رُكْنًا لَكَانَ لَهُ وَقْتٌ مَعْلُومٌ وَمَكَانٌ مَعْلُومٌ كَسَائِرِ أَرْكَانِ الْحَجِّ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ شَرْطًا لَمَا كُرِهَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، قُلْنَا: كَرَاهِيَتُهُ كَيْ لَا يَقَعَ فِي الْمَحْظُورَاتِ بِطُولِ الزَّمَانِ، أَوْ نَقُولُ: لَهُ شَبَهٌ بِالرُّكْنِ؛ وَلِهَذَا إذَا عَتَقَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَدَاءُ الْفَرْضِ بِهِ وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَإِذَا كَانَ لَهُ شَبَهٌ بِالرُّكْنِ وَالشَّرْطُ يُوَفِّرُ حَظَّهُمَا فِيهِ، وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَجِّ أَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَصَدَ الْحَجَّ أَوْ الْتَزَمَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْحَجِّ وَلِأَنَّهُ جَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى وَقْتِهِ فِي الْمَكَانِ، فَكَذَا فِي الزَّمَانِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ أَلْزَمُ فِيمَا كَانَ مُتَعَيِّنًا بِهِ مِنْ الزَّمَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ مَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ مِنْ الزَّمَانِ، وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ، وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ تَحْرِيمُ أَشْيَاءَ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ وَالِاصْطِيَادِ وَالْجِمَاعِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ، وَإِيجَابُ أَشْيَاءَ كَالْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَصِحُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ كَالنَّذْرِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] مِنْ حَيْثُ إنَّ جَمِيعَهَا مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ فَكَذَا لِلْحَجِّ، وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، وَقَوْلُهُ: يَنْعَقِدُ عُمْرَةً مُشْكِلٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْعُمْرَةَ فَرْضٌ عِنْدَهُ كَالْحَجِّ فَكَيْفَ يَنْعَقِدُ بِتَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ فَرْضٌ آخَرُ، وَهَذَا خُلْفٌ
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ اعْتَمَرَ كُوفِيٌّ فِيهَا) أَيْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (وَأَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ بِالْبَصْرَةِ وَحَجَّ صَحَّ تَمَتُّعُهُ) أَيْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ صَارَ مُتَمَتِّعًا أَمَّا إذَا أَقَامَ بِمَكَّةَ فَلِأَنَّهُ أَدَّى نُسُكَيْنِ وَتَرَفَّقَ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ، وَهُوَ حَقِيقَةُ الْمُتْعَةِ، وَأَمَّا إذَا أَقَامَ بِالْبَصْرَةِ فَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ مَنْ تَكُونُ عُمْرَتُهُ مِيقَاتِيَّةً، وَحَجَّتُهُ مَكِّيَّةً، وَنُسُكَاهُ هَذَانِ مِيقَاتَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ قَوْمًا سَأَلُوهُ فَقَالُوا: اعْتَمَرْنَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ زُرْنَا قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ حَجَجْنَا فَقَالَ: أَنْتُمْ مُتَمَتِّعُونَ وَلِأَنَّ السَّفَرَ الْأَوَّلَ قَائِمٌ مَا لَمْ يَعُدْ إلَى وَطَنِهِ، وَقَدْ اجْتَمَعَ لَهُ فِيهِ نُسُكَانِ، وَإِقَامَتُهُ بِبَصْرَةَ كَإِقَامَتِهِ بِمَكَّةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ وَطَنِهِ لَا مِنْ مَوْضِعِ إقَامَتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ التَّمَتُّعِ بِالْإِقَامَةِ الْعَارِضَةِ فِيهَا، وَلَا بِالْخُرُوجِ عَنْ الْمِيقَاتِ مَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى وَطَنِهِ، وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ فَعِنْدَهُ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ، وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُمَا لَا يُخَالِفَانِهِ فِيهِ ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ وَالثَّانِي: أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ
وَلَا يُجَاوِزَ الْمِيقَاتَ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ فِيهِمَا
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَرْجِعَ إلَى وَطَنِهِ فَلَا يَكُونَ مُتَمَتِّعًا
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَا يَرْجِعَ إلَى وَطَنِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاخْتِلَافِ عَلَى قَوْلِهِمَا بَيْنَ الطَّحَاوِيِّ وَالْجَصَّاصِ وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مَا إذَا أَفْسَدَ الْعُمْرَةَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى مِنْ خَارِجِ الْمِيقَاتِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ تَشْهَدُ لِمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ عَلَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: أَوْ نَقُولُ لَهُ شُبِّهَ بِالرُّكْنِ) أَيْ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ الِاتِّصَالُ بِهِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَلَوْ أَحْرَمَ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ فِيهِمَا) وَكَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ وَلَمْ يَتَّخِذْ مَكَانًا دَارًا بِأَنْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ إذْ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي غَيْرِ وَطَنِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالرَّابِعُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَا يَرْجِعَ إلَى وَطَنِهِ) أَيْ بَلْ يَنْوِي الْإِقَامَةَ فِي مَكَان خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. اهـ. مَبْسُوطٌ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ رحمه الله فِي مَنَاسِكِهِ: وَصِفَةُ التَّمَتُّعِ الْمَسْنُونِ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَيَطُوفَ وَيَسْعَى وَيَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ وَيَفْعَلَ مَا ذَكَرْنَا فِي الْعُمْرَةِ وَيَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ إذَا لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ، وَقَدْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا وَالْإِلْمَامُ الصَّحِيحُ الَّذِي يُبْطِلُ التَّمَتُّعَ عِنْدَنَا أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَ مَا أَدَّى الْعُمْرَةَ ثُمَّ يَعُودَ وَيُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَذُكِرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَزَادَ شَيْئًا آخَرَ فَقَالَ: لَوْ فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَحَلَّ مِنْهَا ثُمَّ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ أَوْ خَرَجَ مِنْ مِيقَاتِ نَفْسِهِ ثُمَّ عَادَ وَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَى الْمِيقَاتِ نَفْسِهِ مُلْحَقٌ بِأَهْلٍ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ كَمَا فِي السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ. اهـ. وَكَالْقَارِنِ إذَا تَوَجَّهَ إلَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يَبْطُلُ حُكْمُهُ وَلَوْ فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَحَلَّ ثُمَّ خَرَجَ إلَى غَيْرِ مِيقَاتِهِ وَلَحِقَ بِمَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ اتَّخَذَ دَارًا أَوْ لَمْ يَتَّخِذْ تَوَطَّنَ أَوْ لَمْ يَتَوَطَّنْ ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ هُنَاكَ بِالْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِانْعِدَامِ الْإِلْحَاقِ بِالْأَهْلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَالَا وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ مِنْ الْمِيقَاتِ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْآفَاقِيِّ فَلَمْ يَبْقَ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ.
وَقِيلَ: قَوْلُهُمَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَوَاهُ الرَّازِيّ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَلَوْ دَخَلَ الْكُوفِيُّ بِعُمْرَةٍ فَأَدَّاهَا وَتَحَلَّلَ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ صَارَ فِي حُكْمِ أَهْلِ مَكَّةَ بِدَلِيلِ أَنَّ مِيقَاتَهُ مِيقَاتُ أَهْلِ مَكَّةَ وَلَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي حَقِّهِ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ إلَى أَهْلِهِ أَوْ مِيقَاتِ نَفْسِهِ عَلَى مَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ ثُمَّ يَرْجِعَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ، وَقَالَا: إذَا خَرَجَ إلَى مَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ صَارَ مُتَمَتِّعًا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَلَوْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَى مَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَدَخَلَ مُحْرِمًا فَتَمَتَّعَ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِمَا مَرَّ، وَإِذَا كَانَ الْكُوفِيُّ فِي أَهْلٍ بِالْكُوفَةِ وَأَهْلٍ بِمَكَّةَ يُقِيمُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ سَنَةً وَهَؤُلَاءِ سَنَةً فَاعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ بِالْكُوفَةِ أَهْلٌ وَبِالْبَصْرَةِ أَهْلٌ، وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بِالْبَصْرَةِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ مُلِمٌّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ نُسُكَيْنِ اهـ
مَا يَجِيءُ، قَالَ رحمه الله (وَلَوْ أَفْسَدَهَا فَأَقَامَ بِمَكَّةَ وَقَضَى وَحَجَّ لَا إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ) يَعْنِي لَوْ أَفْسَدَ الْكُوفِيُّ عُمْرَتَهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَقَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ انْتَهَى بِالْفَاسِدِ، وَصَارَتْ عُمْرَتُهُ الصَّحِيحَةُ مَكِّيَّةً، وَلَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ يَعْنِي يَعُودُ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَ مَا مَضَى فِي الْفَاسِدِ، وَبَعْدَ مَا حَلَّ مِنْهُ ثُمَّ قَضَاهَا وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ مِيقَاتِيَّةٌ، وَحَجَّتُهُ مَكِّيَّةٌ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا ضَرُورَةً، وَلَوْ خَرَجَ إلَى الْبَصْرَةِ، وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى أَهْلِهِ فَقَضَاهَا لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ أَنْشَأَ سَفَرًا، وَقَدْ تَرَفَّقَ فِيهِ بِنُسُكَيْنِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ فَقَدْ أُلْحِقَ بِهِمْ فَصَارَ كَأَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَيْسَ لَهُمْ تَمَتُّعٌ فَكَذَا هُوَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى السَّفَرِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى وَطَنِهِ وَقَدْ انْتَهَى بِالْفَاسِدِ وَلَمْ يُنْشِئْ سَفَرًا آخَرَ غَيْرَهُ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَهُ الْخُرُوجَ مِنْ الْمِيقَاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ كَالْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ وَعِنْدَهُمَا كَالرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ.
وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَيْثُ إنَّ خَارِجَ الْمِيقَاتِ لَهُ حُكْمُ الْوَطَنِ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ هَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَأَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ قَضَى الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ قَالَ رحمه الله (وَأَيَّهُمَا أَفْسَدَ مَضَى فِيهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) يَعْنِي الْكُوفِيَّ إذَا قَدِمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَأَيَّهُمَا أَفْسَدَهُ مَضَى فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْأَفْعَالِ وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَرَفَّقْ بِأَدَاءِ نُسُكَيْنِ صَحِيحَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ تَمَتَّعَ وَضَحَّى لَمْ يُجْزِئْ عَنْ الْمُتْعَةِ)؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ غَيْرُ الْأُضْحِيَّةِ فَلَا يَنُوبُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، وَلَوْ تَحَلَّلَ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ دَمُ الْمُتْعَةِ، وَدَمُ التَّحَلُّلِ قَبْلَ الذَّبْحِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْقِرَانِ، وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَوْرَدَهَا فِي الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ عَلَيْهِنَّ أَغْلَبُ، أَوْ لِأَنَّهَا وَاقِعَةُ امْرَأَةٍ فَنَقَلَهَا أَبُو يُوسُفَ لِمُحَمَّدٍ كَمَا سَمِعَهَا مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا مُحَمَّدٌ رحمه الله نَقَلَهَا كَمَا سَمِعَهَا مِنْ أَبِي يُوسُفَ
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ حَاضَتْ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَتَتْ بِغَيْرِ الطَّوَافِ)«لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ حِينَ حَاضَتْ بِسَرِفٍ افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ دُخُولِهِ، وَمَا عَدَاهُ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ الْوُقُوفَيْنِ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالسَّعْيِ فِي الْمَفَازَةِ فَلَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْحَيْضِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا تَغْتَسِلُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْإِحْرَامِ قَالَ رحمه الله (لَوْ عِنْدَ الصَّدْرِ تَرَكْته كَمَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ) أَيْ لَوْ فَعَلْت جَمِيعَ أَفْعَالِ الْحَجِّ غَيْرَ طَوَافِ الصَّدْرِ فَحَاضَتْ عِنْدَهُ تَرَكْت طَوَافَ الصَّدْرِ كَمَا يَتْرُكُهُ مَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «إنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إلَّا أَنَّهُ خَفَّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَذَكَرَتْ «عَائِشَةُ رضي الله عنها لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ حَاضَتْ بَعْدَ مَا طَافَتْ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ فَقَالَ فَلْتَنْفِرْ إذًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَوْ طَهُرَتْ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ يَلْزَمُهَا طَوَافُ الصَّدْرِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ أَهْلِهِ فِي وَقْتِهِ، وَإِنْ جَاوَزَتْ بُيُوتَ مَكَّةَ ثُمَّ طَهُرَتْ فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَعُودَ، وَكَذَا لَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا فَلَمْ تَغْتَسِلْ، وَلَمْ يَذْهَبْ وَقْتُ الصَّلَاةِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَلْزَمْهَا الْعَوْدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا أَحْكَامُ الطَّهَارَاتِ فِي وَقْتِ الطَّوَافِ؛ وَلِهَذَا لَمْ تَلْزَمْهَا الصَّلَاةُ، وَإِنْ اغْتَسَلَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ تُجَاوِزَ الْمِيقَاتَ فَعَلَيْهَا الطَّوَافُ وَالنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ وَأَمَّا مَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الْإِقَامَةَ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ النَّفْرُ الْأَوَّلُ يَسْقُطُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُجُوبِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا حَلَّ النَّفْرُ الْأَوَّلُ لَا يَسْقُطُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِدُخُولِ وَقْتِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِعَزِيمَتِهِ كَمَنْ أَصْبَحَ مُقِيمًا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالسَّفَرِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: سَقَطَ عَنْهُ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ لَا يَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْقُطُ بِالْحَيْضِ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ وَلَوْ كَانَ دَيْنًا لَمَا سَقَطَ كَالصَّلَاةِ بَعْدَ مَا خَرَجَ وَقْتُهَا لَا تَسْقُطُ بِالْحَيْضِ وَقَبْلَ الْخُرُوجِ تَسْقُطُ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ اهـ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَضَاهَا) أَيْ بَعْدَ مَا عَادَ إلَى أَهْلِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ هَذَا إلَخْ) هَذَا الْقَيْدُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَفْسَدَهَا ثُمَّ خَرَجَ إلَى مَكَان غَيْرِ بَلَدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِالْأَفْعَالِ) أَيْ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَأَفْسَدَهُ أَوْ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَأَفْسَدَهَا قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ أَيْ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَسْطُورَةٌ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ، وَفِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ أَنَّ مَنْ فَسَدَ حَجُّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ، وَيَمْضِي فِي الْحَجِّ كَمَا يَمْضِي مَنْ لَمْ يُفْسِدْهُ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ فَعُلِمَ أَنَّ فَاسِدَ الْحَجِّ يَمْضِي فِي الْحَجِّ كَمَا يَمْضِي مَنْ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَلَا يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ كَمَا يَتَحَلَّلُ فَائِتُ الْحَجِّ بِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَمَ الْمُتْعَةِ وَاجِبٌ، وَالْأُضْحِيَّةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَى الْحَاجِّ؛ لِأَنَّهُ لَا أُضْحِيَّةَ عَلَى الْمُسَافِرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ غَيْرُ الْأُضْحِيَّةِ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ جَاهِلًا، وَنَوَى عَنْ الْأُضْحِيَّةِ وَلَوْ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَحَلَقَ رَأْسَهُ فَإِنَّ تِلْكَ الشَّاةَ لَا تَجُوزُ عَنْ الْمُتْعَةِ كَمَا قَالَ فِي الْمَرْأَةِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُجِزْهَا عَنْ الْمُتْعَةِ يَجِبُ عَلَيْهَا دَمَانِ سِوَى مَا ذَبَحَتْ دَمُ الْمُتْعَةِ الَّذِي كَانَ وَاجِبًا، وَدَمٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ قَبْلَ الذَّبْحِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ النَّفْرُ) النَّفْرُ بِسُكُونِ الْفَاءِ الرُّجُوعُ وَالنَّفْرُ الْأَوَّلُ فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالنَّفْرُ الثَّانِي فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله -