الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذَا اخْتَلَفَ تُعْتَبَرُ الْحَقِيقَةُ كَاللُّبْسِ الْمُتَفَرِّقِ وَالتَّطَيُّبِ الْمُتَفَرِّقِ فِي مَجَالِسَ حَيْثُ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةٌ وَبِخِلَافِ حَلْقِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا لِرُبْعِهِ حُكْمَ كُلِّهِ عِنْدَ عَدَمِ حَلْقِ الْبَاقِي فَإِذَا حَلَقَ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا كَفَّارَةٌ أَمْكَنَ التَّدَاخُلُ لِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ حَقِيقَةً، وَبِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَشَابَهَتْ الْحُدُودَ، وَهَذِهِ شُرِعَتْ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا تَصَدَّقَ كَخَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَيْ، وَإِنْ قَلَّمَ أَقَلَّ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ فِي مَجْلِسٍ تَصَدَّقَ كَمَا يَتَصَدَّقُ فِيمَا إذَا قَلَّمَ خَمْسَةَ أَصَابِعَ مُتَفَرِّقَةً وَكَذَا إذَا قَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ بِقَلْمِ كُلِّ ظُفْرٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَيَنْقُصَ مَا شَاءَ وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ الدَّمُ بِقَلْمِ ثَلَاثٍ مِنْهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ فِي أَظَافِيرِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ دَمًا، وَالثَّلَاثُ أَكْثَرُهَا قُلْنَا: إنَّ أَظَافِيرَ كَفٍّ وَاحِدٍ أَقَلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ، وَقَدْ أَقَمْنَاهَا مَقَامَ الْكُلِّ لِكَوْنِهِ رُبْعَ الْأَصَابِعِ فَلَا يُقَامُ أَكْثَرُهَا مَقَامَ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّسَلْسُلِ فَصَارَ كَرُبْعِ الرَّأْسِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ قَلَّمَ خَمْسًا مُتَفَرِّقَةً مِنْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ قَصَّهَا مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ، وَبِمَا إذَا حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ مِنْ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ، قُلْنَا: إنَّ كَمَالَ الْجِنَايَةِ بِنَيْلِ الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ، وَالْقَلْمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَتَأَذَّى بِهِ، وَيَشِينُهُ بِخِلَافِ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ عَلَى مَا مَرَّ وَبِخِلَافِ الطِّيبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عُضْوٌ يَخُصُّهُ فَجَعَلَ الْبَدَنَ كُلَّهُ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ فَيَجْمَعُ الْمُتَفَرِّقَ فِيهِ كَمَا فِي النَّجَاسَةِ قَالَ رحمه الله (وَلَا شَيْءَ بِأَخْذِ ظُفْرٍ مُنْكَسِرٍ) لِأَنَّهُ لَا يَنْمُو بَعْدَ الِانْكِسَارِ فَأَشْبَهَ الْيَابِسَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ وَحَشِيشِهِ
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ ذَبَحَ شَاةً أَوْ تَصَدَّقَ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ عَلَى سِتَّةٍ أَوْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِمَا رُوِيَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ بِي أَذًى مِنْ رَأْسِي فَحُمِلْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ الْجَهْدَ بَلَغَ مِنْك مَا أَرَى أَتَجِدُ شَاةً قُلْتُ لَا فَنَزَلَتْ الْآيَةُ {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] قَالَ: هُوَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفَ صَاعٍ نِصْفَ صَاعٍ طَعَامًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفُسِّرَ النُّسُكُ عليه الصلاة والسلام بِالشَّاةِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ فَصَارَ هَذَا أَصْلًا فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُحْرِمُ لِلضَّرُورَةِ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ ثُمَّ الصَّوْمُ يُجْزِيهِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فِي كُلِّ مَكَان وَكَذَا الصَّدَقَةُ عِنْدَنَا، وَأَمَّا النُّسُكُ فَمُخْتَصٌّ بِالْحَرَمِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي زَمَانٍ أَوْ فِي مَكَان وَهَذَا الدَّمُ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ فَوَجَبَ اخْتِصَاصُهُ بِالْمَكَانِ ثُمَّ إنْ اخْتَارَ الْإِطْعَامَ تُجْزِيهِ التَّغْدِيَةُ وَالتَّعْشِيَةُ بِالْإِبَاحَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُجْزِيهِ إلَّا التَّمْلِيكُ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي النَّصِّ بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ، وَهِيَ تُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] وَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أُمِرْت أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ» ، وَهِيَ الزَّكَاةُ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا الْإِطْعَامُ، وَهُوَ جَعْلُ الْغَيْرِ طَاعِمًا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّمْلِيكُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ كَعْبٍ أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ فَلَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ فَصَارَ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ
قَالَ رحمه الله (فَصْلٌ وَلَا شَيْءَ إنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْمُبَاشَرَةُ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ بِالْمَحَلِّ فَأَشْبَهَ التَّفْكِيرَ وَهَذَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ قَالَ رحمه الله (وَتَجِبُ شَاةٌ إنْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا مَسَّ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ وَكَذَا الْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ اخْتَارَ الْإِطْعَامَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ إذَا فَعَلَ مُخْتَارًا لَزِمَهُ الدَّمُ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِعِلَّةٍ أَوْ ضَرُورَةٍ فَعَلَيْهِ أَيَّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ إنْ شَاءَ ذَبَحَ هَدْيًا فِي الْحَرَمِ وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ وَيَجُوزُ فِيهِ التَّمْلِيكُ وَطَعَامُ الْإِبَاحَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُجْزِيهِ إلَّا التَّمْلِيكُ وَإِنْ شَاءَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ بِالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ يَجُوزُ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ وَلَا يَجُوزُ الذَّبْحُ إلَّا إذَا تَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِيمَةُ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ أَجْزَأَهُ بَدَلًا عَنْ الصِّيَامِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
[فَصْلٌ نَظَرَ الْمُحْرِم إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى]
{فَصْلٌ} قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَدَّمَ النَّوْعَ السَّابِقَ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ كَالْمُقَدِّمَةِ لَهُ؛ إذْ التَّطَيُّبُ وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ مُهَيِّجَاتٌ لِلشَّهْوَةِ لِمَا تُعْطِيهِ مِنْ الرَّاحَةِ وَالزِّينَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا شَيْءَ) أَيْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: سِوَى الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ إنْزَالَ الْمَنِيِّ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَحْظُورَ هُوَ الْجِمَاعُ وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ صُورَةً وَمَعْنًى وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ وَكَذَا الِاحْتِلَامُ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ سِوَى الْغُسْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: إنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ) الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ: فَإِنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِفَرْجِ امْرَأَتِهِ وَهُوَ مَوْضِعُ الْبَكَارَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا إذَا كَانَتْ امْرَأَتُهُ مُتَّكِئَةً؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى فَرْجِ الْأَجْنَبِيَّةِ حَرَامٌ، وَلَا يُظَنُّ بِالْمُسْلِمِ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ) أَيْ حَيْثُ قَالَ: وَالْمَسُّ وَالتَّقْبِيلُ مِنْ شَهْوَةٍ، وَالْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ لَا يُفْسِدُ الْإِحْرَامَ وَلَكِنَّهُ يُوجِبُ الدَّمَ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ كَمَا فِي الْأَصْلِ وَجْهُ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ حَصَلَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ بِاجْتِمَاعِ الْعُضْوِ، وَهُوَ جِمَاعٌ مِنْ وَجْهٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ وَوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ اسْتَمْتَعَ اسْتِمْتَاعًا مَقْصُودًا، وَهُوَ اللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْإِنْزَالُ وَكَذَا التَّقْبِيلُ بِشَهْوَةٍ لَكِنْ لَمْ يَفْسُدْ الْحَجُّ لِعَدَمِ الِارْتِفَاقِ الْكَامِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ مُخَالِفٌ لِمَا صُحِّحَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ لِيَكُونَ جِمَاعًا مِنْ وَجْهٍ مُوَافِقٍ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُنْزِلْ يَعْنِي يَجِبُ الدَّمُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْجِمَاعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ) أَرَادَ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ الِاسْتِعْمَالَ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ لَا الدُّبُرَ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ فِيهِ قَضَاءُ
وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَفْسُدُ إحْرَامُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إذَا أَنْزَلَ كَمَا فِي الصَّوْمِ، وَلَنَا أَنَّ فَسَادَ الْإِحْرَامِ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْجِمَاعِ أَلَا تَرَى أَنَّ ارْتِكَابَ سَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ لَا يُفْسِدُهُ، وَمَا تَعَلَّقَ بِالْجِمَاعِ لَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ كَالْحَدِّ إلَّا أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّسَاءِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَإِذَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَحْظُورَ إحْرَامِهِ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِيهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْإِنْزَالِ بِالْمُبَاشَرَةِ فَيَفْسُدُ لِأَجْلِ مَا يُضَادُّهُ وَلَا يَضُرُّهُ إذَا لَمْ يُنْزِلْ لِعَدَمِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ وَلِأَنَّ أَقْصَى مَا يَجِبُ فِي الْحَجِّ الْقَضَاءُ بِالْفَسَادِ، وَفِي الصَّوْمِ الْكَفَّارَةُ فَكَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الصَّوْمِ فَكَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وُجُوبُ الْقَضَاءِ فِي الْحَجِّ
قَالَ رحمه الله (أَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) هَذَا الْكَلَامُ يَشْتَمِلُ عَلَى شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ الشَّاةِ بِهِ، وَالثَّانِي: فَسَادُ الْحَجِّ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الشَّاةِ فَمَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ بَدَنَةٌ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِيهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَكْمَلُ لِوُجُودِهَا فِي مُطْلَقِ الْإِحْرَامِ فَيَكُونُ جَزَاؤُهُ أَغْلَظَ، وَلَنَا مَا رَوَى يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ الْأَسْلَمِيُّ التَّابِعِيُّ «أَنَّ رَجُلًا جَامَعَ امْرَأَتَهُ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُمَا: اقْضِيَا نُسُكَكُمَا وَأَهْدِيَا هَدْيًا الْحَدِيثَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْهَدْيُ يَتَنَاوَلُ الشَّاةَ وَلِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْقَضَاءُ صَارَ الْفَائِتُ مُسْتَدْرَكًا بِهِ فَخَفَّ مَعْنَى الْجِنَايَةِ فَيُكْتَفَى بِالشَّاةِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فَكَانَ كُلُّ الْجَابِرِ فَيُغَلَّظُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ فِي الدُّبُرِ لِقُصُورِ مَعْنَى الْجِمَاعِ فِيهِ؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ عِنْدَهُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَامِدًا، أَوْ نَاسِيًا طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الصَّوْمِ.
وَلَوْ كَانَ قَارِنًا فَسَدَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ إنْ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لِلْعُمْرَةِ وَعَلَيْهِ دَمَانِ وَقَضَاؤُهُمَا وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ قَالَ رحمه الله (وَيَمْضِي وَيَقْضِي) أَيْ يَمْضِي فِي الْحَجِّ، وَيَقْضِي بَعْدَ مَا أَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ كَمَا يَمْضِي مَنْ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: يُرِيقَانِ دَمًا وَيَمْضِيَانِ فِي حَجِّهِمَا، وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ قَالَ رحمه الله (وَلَمْ يَفْتَرِقَا فِيهِ) أَيْ وَلَمْ يَفْتَرِقَا فِي الْقَضَاءِ وَقَالَ زُفَرُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَفْتَرِقَانِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَوْجَبُوا الِافْتِرَاقَ غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: يَفْتَرِقَانِ إذَا خَرَجَا مِنْ مَنْزِلِهِمَا وَالشَّافِعِيُّ: إذَا انْتَهَيَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَذَاكَرَانِ ذَلِكَ فَيَقَعَانِ فِيهِ، وَعِنْدَ زُفَرَ إذَا أَحْرَمَا؛ لِأَنَّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الشَّهْوَةِ دُونَ الْإِنْزَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: تَجِبُ بِهِ الشَّاةُ وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الْإِحْرَامُ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَفْسُدُ إحْرَامُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) إشَارَةٌ إلَى الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ وَالتَّقْبِيلِ بِشَهْوَةٍ وَالْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ اهـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ جَامَعَ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَسَدَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ شَاةٌ قَالَ الْكَمَالُ وَكَذَا إذَا تَعَدَّدَ الْجِمَاعُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِمَرْأَةٍ أَوْ نِسْوَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ فِي الدُّبُرِ) أَيْ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي مَوْضِعٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْمَهْرِ بِحَالٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَسَادُ الْحَجِّ كَالْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَيَفْسُدُ الْحَجُّ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ يُوجِبُ الِاغْتِسَالَ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ فَصَارَ كَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَفْسُدُ الْحَجُّ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَدُّ عِنْدَهُمَا فَصَارَ كَالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ فَأَمَّا إذَا وَطِئَ بَهِيمَةً فَلَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاسْتِمْتَاعٍ مَقْصُودٍ، وَكَفَّارَةُ الْإِحْرَامِ تَجِبُ بِالِاسْتِمْتَاعِ الْمَقْصُودِ، فَإِنْ أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ شَاةٌ؛ لِأَنَّهُ أَنْزَلَ عَنْ مُبَاشَرَةٍ كَالْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَطِئَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ رَوَى جَمِيعَ ذَلِكَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: وَالِاسْتِمْنَاءُ بِالْكَفِّ عَلَى هَذَا أَيْ كَجِمَاعِ الْبَهِيمَةِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا يَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ فِي الدُّبُرِ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَالْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ كَهُوَ فِي الْقُبُلِ عِنْدَهُمَا وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي أُخْرَى عَنْهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَسَادٌ، وَالْأُولَى أَصَحُّ فَإِنْ جَامَعَ فِي مَجْلِسٍ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ رَفْضَ الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ نَوَى بِالْجِمَاعِ الثَّانِي رَفْضَ الْفَاسِدَةِ لَا يَلْزَمُهُ بِالثَّانِي شَيْءٌ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَقَاضِي خَانْ، وَقَدَّمْنَا مِنْ الْمَبْسُوطِ لُزُومَ تَعَدُّدِ الْمُوجِبِ لِتَعَدُّدِ الْمَجَالِسِ عِنْدَهُمَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْقَيْدِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَفَّرَ عَنْ الْأُولَى فَيَلْزَمُهُ أُخْرَى.
وَالْحَقُّ اعْتِبَارُهُ عَلَى أَنْ تَصِيرَ الْجِنَايَاتُ الْمُتَعَدِّدَةُ بَعْدَهُ مُتَّحِدَةً فَإِنَّهُ نَصَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا جَامَعَ النِّسَاءَ وَرَفَضَ إحْرَامَهُ وَأَقَامَ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُ الْحَلَالُ مِنْ الْجِمَاعِ وَالطِّيبِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ كَمَا كَانَ حَرَامًا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ بِإِفْسَادِهِ الْإِحْرَامَ لَمْ يَصِرْ خَارِجًا عَنْهُ قَبْلَ الْأَعْمَالِ، وَكَذَا بِنِيَّةِ الرَّفْضِ وَارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ اسْتَنَدَ إلَى قَصْدٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِحْلَالِ فَيَكْفِيهِ لِذَلِكَ دَمٌ وَاحِدٌ. اهـ. فَكَذَا لَوْ تَعَدَّدَ جِمَاعٌ بَعْدَ الْأَوَّلِ بِقَصْدِ الرَّفْضِ فِيهِ دَمٌ وَاحِدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَامِدًا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَمَا يَلْزَمُ بِهِ الْفَسَادُ وَالدَّمُ عَلَى الرَّجُلِ يَلْزَمُ مِثْلُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً أَوْ نَاسِيَةً إنَّمَا يَنْتَفِي بِذَلِكَ الْإِثْمُ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا يُجَامِعُ مِثْلُهُ فَسَدَ حَجُّهَا دُونَهُ وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الصَّبِيَّةَ أَوْ مَجْنُونَةً انْعَكَسَ الْحُكْمُ ثُمَّ إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً حَتَّى فَسَدَ حَجُّهَا وَلَزِمَهَا دَمٌ هَلْ تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ؟ عَنْ أَبِي شُجَاعٍ: لَا، وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ: نَعَمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ) أَيْ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ اهـ وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ مَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَسَدَ حَجُّهُ دُونَ عُمْرَتِهِ وَإِذَا فَسَدَ الْحَجُّ سَقَطَ دَمُ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ لَهُ نُسُكَانِ صَحِيحَانِ، وَعَلَيْهِ دَمَانِ لِفَسَادِ الْحَجِّ وَلِلْجِمَاعِ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ فَيَقْضِي الْحَجَّ، وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَأَفْسَدَهَا ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ لَيْسَ بِقَارِنٍ لِهَذَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ دَمَانِ وَقَضَاؤُهُمَا) وَيَمْضِي فِيهِمَا وَيُتِمُّهُمَا عَلَى الْفَسَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَنَّهُمْ قَالُوا) أَيْ فِيمَنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ، وَهُمَا يُحْرِمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُرِيقَانِ) أَيْ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُرِيقُ دَمًا يُجْزِيهِ فِي ذَلِكَ شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي بَقَرَةٍ أَوْ جَزُورٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِمَا الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ) أَيْ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ. اهـ.
خَوْفَ الْإِفْسَادِ يَتَحَقَّقُ مِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ الْوِقَاعِ يَجِبُ بَعْدَهُ، وَلَنَا أَنَّ الِافْتِرَاقَ لَيْسَ بِنُسُكٍ فِي الْأَدَاءِ فَكَذَا فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ وَلِأَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ النِّكَاحُ قَائِمٌ فَلَا مَعْنَى لِلِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِإِبَاحَةِ الْوِقَاعِ وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَذَكَّرَانِ مَا لَحِقَهُمَا مِنْ الْمَشَقَّةِ الْعَظِيمَةِ بِسَبَبِ لَذَّةٍ يَسِيرَةٍ فَيَزْدَادَانِ نَدَمًا وَتَحَرُّزًا فَلَا مَعْنَى لِلِافْتِرَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ أَنْ يُفَارِقَهَا فِي الْفِرَاشِ حَالَةَ الْحَيْضِ وَلَا حَالَةَ الصَّوْمِ مَعَ تَوَهُّمِ تَذَاكُرِهِمَا مَا كَانَ بَيْنَهُمَا حَالَةَ الطُّهْرِ وَالْفِطْرِ، وَالِافْتِرَاقُ الْمَنْقُولِ عَنْ الصَّحَابَةِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى الْحَتْمِ وَالْإِيجَابِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ إذَا خِيفَ ذَلِكَ
قَالَ رحمه الله (وَبَدَنَةٌ لَوْ بَعْدَهُ وَلَا فَسَادَ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَفْسُدُ حَجُّهُ إذَا جَامَعَ قَبْلَ الرَّمْيِ اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ جَامَعَهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَبْلَ التَّحَلُّلِ، وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» وَحَقِيقَةُ التَّمَامِ غَيْرُ مُرَادٍ لِبَقَاءِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ رُكْنٌ فَتَعَيَّنَ التَّمَامُ حُكْمًا بِالْأَمْنِ مِنْ الْفَسَادِ وَبِفَرَاغِ الذِّمَّةِ عَنْ الْوَاجِبِ، وَوُجُوبُ الْبَدَنَةِ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا سَمَاعًا وَلِأَنَّهُ أَعْلَى الِارْتِفَاقَاتِ فَيَتَغَلَّظُ مُوجَبُهُ، وَلَوْ كَانَ قَارِنًا فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِحَجِّهِ، وَشَاةٌ لِعُمْرَتِهِ
قَالَ رحمه الله (أَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ) يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهِ الشَّاةُ إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الشَّاةُ لَا عَلَى مَا يَلِيهِ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الْبَدَنَةُ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ خَفَّتْ لِوُجُودِ الْحِلِّ فِي حَقِّ غَيْرِ النِّسَاءِ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ والإسبيجابي لَوْ جَامَعَ الْقَارِنُ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ، وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ يَتَحَلَّلُ مِنْ الْإِحْرَامَيْنِ مَعًا بِالْحَلْقِ إلَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَهُوَ مُحْرِمٌ بِهِمَا فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَشُرُوحُهُ؛ لِأَنَّهُمْ يُوجِبُونَ عَلَى الْحَاجِّ الشَّاةَ بَعْدَ الْحَلْقِ وَهَؤُلَاءِ أَوْجَبُوا الْبَدَنَةَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا مَعْزِيًّا إلَى الْوَبَرِيِّ أَنَّ الْقَارِنَ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ إحْرَامِهَا بِالْحَلْقِ، وَبَقِيَ إحْرَامُ الْحَجِّ فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ مُحْرِمًا فِي حَقِّ الْحَجِّ فَكَذَا فِي الْعُمْرَةِ، وَلَوْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى طَافَ لِلزِّيَارَةِ، ثُمَّ جَامَعَ قَبْلَ الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ لِوُجُودِ الْجِنَايَةِ فِي الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِالْحَلْقِ، وَإِنْ كَانَ قَارِنًا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ
قَالَ رحمه الله (أَوْ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا الْأَكْثَرَ، وَتَفْسُدُ وَيَمْضِي وَيَقْضِي) أَيْ لَوْ جَامَعَ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ يَلْزَمُهُ شَاةٌ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الشَّاةُ وَتَفْسُدُ عُمْرَتُهُ، وَيَمْضِي فِيهَا وَيَقْضِيهَا كَالْحَجِّ إذَا جَامَعَ فِيهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ قَالَ رحمه الله (أَوْ بَعْدَ طَوَافِ الْأَكْثَرِ وَلَا فَسَادَ) أَيْ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ مَا طَافَ الْأَكْثَرَ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ، وَلَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَفْسُدُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ اعْتِبَارًا بِالْحَجِّ؛ إذْ هِيَ فَرْضٌ عِنْدَهُ كَالْحَجِّ وَلَنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ فَكَانَتْ أَحَطَّ رُتْبَةً مِنْهُ فَتَجِبُ الشَّاةُ فِيهَا، وَالْبَدَنَةُ فِي الْحَجِّ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا وَطَوَافُ الْعُمْرَةِ رُكْنٌ فَصَارَ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَأَكْثَرُهُ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ
قَالَ رحمه الله (وَجِمَاعُ النَّاسِي كَالْعَامِدِ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاتِّفَاقِ، وَهُوَ الْمُوجِبُ وَكَذَا جِمَاعُ النَّائِمَةِ وَالْمُكْرَهَةِ مُفْسِدٌ لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ هُوَ يَقُولُ: إنْ فَعَلَهُ لَمْ يَقَعْ جِنَايَةً لِعَدَمِ الْحَظْرِ مَعَ الْعُذْرِ فَشَابَهُ الصَّوْمَ قُلْنَا: الِاتِّفَاقُ مَوْجُودٌ، وَهُوَ الْمُوجِبُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ مُذَكَّرٌ فَصَارَ كَالصَّلَاةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ
قَالَ رحمه الله (أَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ مُحْدِثًا) أَيْ تَجِبُ شَاةٌ إذَا طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ: «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) يَعْنِي قَبْلَ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ أَنَّ الْجِمَاعَ بَعْدَ الْحَلْقِ فِيهِ شَاةٌ هَذَا وَالْعَبْدُ إذَا جَامَعَ مَضَى فِيهِ وَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَحَجَّةٌ إذَا عَتَقَ سِوَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَكُلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْمَالُ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ بِخِلَافِ مَا فِيهِ الصَّوْمُ يُؤَاخَذُ بِهِ لِلْحَالِ، وَلَا يَجُوزُ إطْعَامُ الْمَوْلَى عَنْهُ إلَّا فِي الْإِحْصَارِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَبْعَثُ عَنْهُ فَيَحِلُّ هُوَ، فَإِذَا عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَيَتَغَلَّظُ مُوجِبُهُ) أَيْ وَهُوَ الْبَدَنَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ مَرَّةً ثَانِيَةً حَيْثُ تَجِبُ شَاةٌ لَا بَدَنَةٌ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ صَادَفَ إحْرَامًا نَاقِصًا بِالْجِمَاعِ فَلَمْ يَتَغَلَّظْ مُوجِبُهُ أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ: قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ) وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ مَا طَافَ لِلزِّيَارَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ كَمَا سَيَأْتِي هُنَا، وَهَذَا يُوهِمُ تَفْضِيلَ نُقْصَانِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ عَلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَذْكُورٌ فِي الْعِنَايَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْأَكْمَلِ (قَوْلُهُ: مَعْزِيًّا إلَى الْوَبَرِيِّ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إنَّ الْقَارِنَ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا عَنْ الْوَبَرِيِّ وَإِشْكَالَ الشَّارِحِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الصَّوَابَ مَا عَنْ الْوَبَرِيِّ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ لَمْ يُعْهَدْ بِحَيْثُ يَتَحَلَّلُ مِنْهُ بِالْحَلْقِ مِنْ غَيْرِ النِّسَاءِ وَيَبْقَى فِي حَقِّهِنَّ بَلْ إذَا حَلَقَ بَعْدَ أَفْعَالِهَا حَلَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُعْهَدُ ذَلِكَ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ، فَإِذَا ضُمَّ إحْرَامُ الْحَجِّ إلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ اسْتَمَرَّ كُلُّ مَا عُهِدَ لَهُ فِي الشَّرْعِ؛ إذْ لَا يَزِيدُ الْقِرَانُ عَلَى ذَلِكَ بِالضَّمِّ فَيَنْطَوِي بِالضَّمِّ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ الْكُلِّيَّةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ مُوجِبٌ بِسَبَبِ الْوَطْءِ بَلْ لِلْحَجِّ فَقَطْ ثُمَّ يَجِبُ النَّظَرُ فِي التَّرْجِيحِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَجِمَاعُ النَّاسِي كَالْعَامِدِ) يَعْنِي أَنَّ جِمَاعَ النَّاسِي لِلْإِحْرَامِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ يُفْسِدُ الْحَجَّ كَجِمَاعِ الْعَامِدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاتِّفَاقِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: أَمَّا الْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ نَائِمَةً أَوْ جَامَعَهَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ لَا تَرْجِعُ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا لَزِمَهَا عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ لَزِمَهَا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَيْهَا كَرَجُلٍ أُكْرِهَ عَلَى النَّذْرِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فَإِذَا أَدَّى مَا نَذَرَهُ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ كَذَلِكَ هَاهُنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
فَمَنْ تَكَلَّمَ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فَيَكُونُ مِنْ شَرْطِهِ الطَّهَارَةُ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالطَّهَارَةِ فَاشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ فِيهِ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ، وَهِيَ نَسْخٌ فَلَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ تَشْبِيهُ الطَّوَافِ بِالصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ دُونَ الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْمُنْتَظِرُ لِلصَّلَاةِ هُوَ فِي الصَّلَاةِ» وَالْمُرَادُ بِهِ الثَّوَابُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَشْيَ وَالِانْحِرَافَ عَنْ الْقِبْلَةِ وَالْكَلَامَ لَا يُفْسِدُهُ، وَيُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَعَلَى هَذَا لَوْ طَافَ مَنْكُوسًا أَوْ عَارِيًّا أَوْ رَاكِبًا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَعِنْدَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ ثُمَّ الطَّهَارَةُ سُنَّةٌ عِنْدَ ابْنِ شُجَاعٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِهَا وَلِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ فَلَمْ تَصِرْ الطَّهَارَةُ فِيهِ رُكْنًا؛ لِأَنَّ الرُّكْنِيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِمِثْلِهِ
قَالَ رحمه الله (وَبَدَنَةٌ لَوْ جُنُبًا) أَيْ تَجِبُ الْبَدَنَةُ إذَا طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ فَيَجِبُ جَبْرُ نُقْصَانِهَا بِالْبَدَنَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا وَكَذَا إذَا طَافَ أَكْثَرَهُ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ قَالَ رحمه الله (وَيُعِيدُ) أَيْ يُعِيدُ الطَّوَافَ فِي الْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ لِيَأْتِيَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْإِعَادَةَ تُسْتَحَقُّ، أَوْ تُسْتَحَبُّ، وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْأَفْضَلَ الْإِعَادَةُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَقَالَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْحَدَثِ اسْتِحْبَابًا، وَفِي الْجَنَابَةِ إيجَابًا لِفُحْشِ النُّقْصَانِ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ وَقُصُورِهَا فِي الْحَدَثِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ ثُمَّ إذَا أَعَادَهُ، وَقَدْ طَافَهُ مُحْدِثًا فَلَا ذَبْحَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِعَادَةِ لَا يَبْقَى إلَّا شُبْهَةُ النُّقْصَانِ وَإِنْ أَعَادَهُ وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَعَادَهُ فِي وَقْتِهِ وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالتَّأْخِيرِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمُعْتَدُّ بِهِ حَيْثُ أَوْجَبَ الدَّمَ بِتَأْخِيرِهِ، وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا وَجَبَ أَنْ يَعُودَ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ كَثِيرٌ فَيُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ اسْتِدْرَاكًا لِلْمَصْلَحَةِ الْفَائِتَةِ، وَيَعُودُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ، وَبَعَثَ بَدَنَةً أَجْزَأَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ إلَّا أَنَّ الْعَوْدَ هُوَ الْأَفْضَلُ وَفِي الْمُحِيطِ بَعْثُ الدَّمِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ وَقَعَ مُعْتَدًّا بِهِ، وَفِيهِ مَنْفَعَةُ الْفُقَرَاءِ، وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَقَدْ طَافَ مُحْدِثًا إنْ عَادَ وَطَافَ جَازَ وَإِنْ بَعَثَ بِالشَّاةِ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ خَفَّ مَعْنَى الْجِنَايَةِ، وَفِيهِ نَفْعُ الْفُقَرَاءِ وَلَوْ لَمْ يَطُفْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ أَصْلًا حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ لِانْعِدَامِ التَّحَلُّلِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ أَبَدًا حَتَّى يَطُوفَ وَكَذَا إنْ تَرَكَ الْأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْكُلِّ، وَالْأَكْثَرُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي طَوَافِهِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ طَافَ الْأَقَلَّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ
قَالَ رحمه الله (وَصَدَقَةٌ لَوْ مُحْدِثًا لِلْقُدُومِ) أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ لَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ مُحْدِثًا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَهُ نَقْصٌ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فَيَنْجَبِرُ بِالصَّدَقَةِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ طَوَافٍ هُوَ تَطَوُّعٌ، وَلَا يَجِبُ فِيهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَكَانَ مِثْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَهُوَ دُونَهُ فَيَجِبُ فِيهِ دُونَ مَا يَجِبُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ إنْ لَمْ يُعِدْ، وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ قَالَ رحمه الله (وَالصَّدْرِ) أَيْ تَجِبُ الصَّدَقَةُ إذَا طَافَ لِلصَّدْرِ مُحْدِثًا، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَكَانَ أَدْنَى مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَتَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، وَلَوْ كَانَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ كَبِيرٌ، وَهُوَ دُونَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَيَجِبُ فِيهِ دُونَ مَا يَجِبُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا سَوَّيْتُمْ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالنَّفَلِ فَإِنَّكُمْ أَوْجَبْتُمْ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ مَا أَوْجَبْتُمْ فِي طَوَافِ الصَّدْرِ قُلْنَا: طَوَافُ الْقُدُومِ يَجِبُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَاسْتَوَيَا، وَلَا يُقَالُ: إنَّ الدَّمَ هُنَا كَسَجْدَةِ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا فَرْقَ فِي سَجْدَةِ السَّهْوِ بَيْنَ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ فَكَيْفَ اخْتَلَفَ هُنَا قُلْنَا: الْجَابِرُ مُتَنَوِّعٌ فِي الْحَجِّ فَأَمْكَنَ الْفَرْقُ، وَفِي الصَّلَاةِ مُتَّحِدٌ فَلَا يُمْكِنُ الْفَرْقُ
قَالَ رحمه الله (أَوْ تَرَكَ أَقَلَّ طَوَافِ الرُّكْنِ) أَيْ يَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِ أَقَلِّ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْوَاطٍ فَمَا دُونَهَا، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا يُوجِبُ الدَّمَ مِنْ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَجَازَ حَجُّهُ وَحَلَّ إذَا حَلَقَ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَسِيرٌ فَيَنْجَبِرُ بِالدَّمِ فَيَلْزَمُهُ كَالنُّقْصَانِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ، وَلَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ جَازَ أَنْ لَا يَعُودَ وَيَبْعَثَ شَاةً لِمَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ تَرَكَ أَكْثَرَهُ بَقِيَ مُحْرِمًا) أَيْ لَوْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَكْثَرَهُ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ فَصَاعِدًا بَقِيَ مُحْرِمًا أَبَدًا حَتَّى يَطُوفَ يَعْنِي فِي حَقِّ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَطُفْ أَصْلًا قَالَ رحمه الله (أَوْ تَرَكَ أَكْثَرَ الصَّدْرِ أَوْ طَافَهُ جُنُبًا وَصَدَقَةٌ بِتَرْكِ أَقَلِّهِ) أَيْ يَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِ أَكْثَرِ طَوَافِ الصَّدْرِ أَوْ طَافَهُ جُنُبًا وَتَجِبُ صَدَقَةٌ بِتَرْكِ أَقَلِّهِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْوَاطٍ وَمَا دُونَهُ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ وَاجِبٌ فَتَرْكُهُ يُوجِبُ الدَّمَ فَكَذَا تَرْكُ أَكْثَرِهِ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَبِتَرْكِ أَقَلِّهِ يَجِبُ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَلَا يَجِبُ فِيهِ دَمٌ بِخِلَافِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَطَوَافِ الْعُمْرَةِ حَيْثُ يَجِبُ فِيهِمَا الدَّمُ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُمَا فَرْضٌ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَرَكَهُمَا لَا يَنْجَبِرَانِ بِالدَّمِ، وَطَوَافُ الصَّدْرِ يَنْجَبِرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَتَجِبُ الصَّدَقَةُ بِتَرْكِ أَقَلِّهِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا وَفَرْقًا بَيْنَ تَرْكِ الْكُلِّ وَالْأَقَلِّ وَقَدْ ذَكَرْنَا طَوَافَهُ جُنُبًا
قَالَ رحمه الله (أَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ مُحْدِثًا وَلِلصَّدْرِ طَاهِرًا فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَدَمَانِ لَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ جُنُبًا) أَيْ تَجِبُ شَاةٌ لَوْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا وَطَوَافَ الصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ طَاهِرًا وَإِنْ كَانَ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْتَقِلْ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَإِعَادَةُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ فَلَا يَنْتَقِلُ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَيْهِ فَيَجِبُ الدَّمُ بِسَبَبِ الْحَدَثِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَنْتَقِلُ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الْإِعَادَةِ فَيَصِيرُ تَارِكًا لِطَوَافِ الصَّدْرِ مُؤَخِّرًا لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ فَيَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ بِالِاتِّفَاقِ وَبِتَأْخِيرِ الْآخَرِ عَلَى الْخِلَافِ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْبَدَنَةُ لِارْتِفَاضِ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ وَإِقَامَةِ طَوَافِ الصَّدْرِ مَقَامَهُ وَلَغَتْ عَزِيمَتُهُ أَنَّهُ لِلصَّدْرِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَفْعَالُ الْحَجِّ مُرَتَّبًا عَلَى مَا شُرِعَ، فَإِذَا نَوَى خِلَافَ ذَلِكَ تَلْغُو نِيَّتُهُ كَمَنْ عَلَيْهِ السَّجْدَةُ الصُّلْبِيَّةُ إذَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ تُصْرَفُ إلَى الصُّلْبِيَّةِ وَكَالْقَارِنِ إذَا طَافَ عِنْدَ قُدُومِهِ مَكَّةَ وَسَعَى، وَهُوَ يَنْوِي طَوَافَ الْقُدُومِ يَكُونُ لِلْعُمْرَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْآخَرَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ يَصِيرُ قَارِنًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَكَذَا الْحَاجُّ لَوْ طَافَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ تَطَوُّعًا ثُمَّ انْصَرَفَ يَكُونُ لِلصَّدْرِ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ وَطَافَ لِلصَّدْرِ يَكُونُ لِلزِّيَارَةِ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ بَعْضَهُ يَكْمُلُ مِنْهُ ثُمَّ إنْ بَقِيَ مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ بَعْدَ التَّكْمِيلِ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ يَجِبُ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَ أَقَلِّهِ يُوجِبُ الصَّدَقَةَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ يَجِبُ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْأَكْثَرَ وَلَهُ حُكْمُ الْكُلِّ
قَالَ رحمه الله (أَوْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى مُحْدِثًا وَلَمْ يُعِدْ) أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ إذَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى لَهَا مُحْدِثًا، وَلَمْ يُعِدْهُمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ لِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فِي طَوَافِ الْفَرْضِ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ لِوُقُوعِ التَّحَلُّلِ بِأَدَاءِ الرُّكْنِ، وَالنُّقْصَانُ أَيْضًا يَسِيرٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي السَّعْيِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَتَى عَلَى إثْرِ طَوَافٍ مُعْتَدٍّ بِهِ، وَهُوَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ وَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُعِيدُ الطَّوَافَ لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ فِيهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) ظَرْفٌ لِطَوَافِ الصَّدْرِ فَقَطْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ فَتَنَبَّهْ اهـ (قَوْلُهُ: وَقَالَا: عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ مُحْدِثًا يَقَعُ مُجْزِيًا لَكِنْ مَعَ النُّقْصَانِ فَلَمَّا وَقَعَ الطَّوَافُ مَعَ الْحَدَثِ مُعْتَدًّا بِهِ لَمْ يَجِبْ نَقْلُ طَوَافِ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَجَبَ دَمٌ وَيُجْزِيهِ شَاةٌ لِنُقْصَانِ الْحَدَثِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ دَمَانِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ مَعَ الْجَنَابَةِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ؛ وَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وُجُوبًا اسْتِحْبَابًا فَلَمَّا كَانَ فِي حُكْمِ الْعَدُوِّ وَجَبَ نَقْلُ طَوَافِ الصَّدْرِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَزِيمَةَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ حَصَلَتْ لِلْأَفْعَالِ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي شُرِعَتْ فَبَطَلَتْ نِيَّتُهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ التَّرْتِيبِ فَانْتَقَلَ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَمْ يَطُفْ لِلصَّدْرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ، وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ: وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَنْتَقِلُ) وَفَائِدَةُ نَقْلِ طَوَافِ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ سُقُوطُ الْبَدَنَةِ عَنْهُ انْتَهَى أك (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ تَارِكًا لِطَوَافِ الصَّدْرِ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ نَقْلُ طَوَافِ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَطُفْ طَوَافَ الصَّدْرِ أَصْلًا اهـ (قَوْلُهُ: وَبِتَأْخِيرِ الْآخَرِ عَلَى الْخِلَافِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إلَّا أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ طَوَافِ الصَّدْرِ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَلَا يُؤْمَرُ بَعْدَ الرُّجُوعِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ إذَا أَعَادَ طَوَافَ الصَّدْرِ يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَصْلًا، وَإِنْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ جُنُبًا، وَلَمْ يَطُفْ طَوَافَ الصَّدْرِ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ وَيُجْزِيهِ شَاةٌ وَدَمٌ آخَرُ وَهُوَ جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ جُنُبًا بِخِلَافِ مَا إذَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ جُنُبًا وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ حَيْثُ يُجْزِيهِ شَاةٌ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ فَكَانَ النُّقْصَانُ فِيهَا دُونَ النُّقْصَانِ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَخِفُّ لِمَعْنًى فِي الْمَحَلِّ كَمَا تَخِفُّ لِمَعْنًى فِي الْجَانِي اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ يَعْنِي طَوَافَ الزِّيَارَةِ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى مُحْدِثًا) أَيْ حَلَّ فَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُعِيدُهُمَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله: يَعْنِي طَافَ لِعُمْرَتِهِ مُحْدِثًا وَسَعَى كَذَلِكَ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ بِوُجُوبِ الشَّاةِ فِيمَا إذَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ مُحْدِثًا وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يُعِيدَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحُكْمَ فِيمَا إذَا طَافَ جُنُبًا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكْتَفِيَ بِالشَّاةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْجَنَابَةِ أَغْلَظُ مِنْ حُكْمِ الْحَدَثِ، فَوَجَبَ أَنْ تَظْهَرَ حُكْمُ التَّغْلِيظِ فِي إيجَابِ الزِّيَادَةِ كَمَا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِالشَّاةِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فَوْقَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَإِيجَابُ أَغْلَظِ الدِّمَاءِ، وَهُوَ الْبَدَنَةُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ كَانَ لِمَعْنَيَيْنِ وِكَادَةُ الطَّوَافِ وَغِلَظُ أَمْرِ الْجَنَابَةِ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ دُونَ الثَّانِي تَعَذَّرَ إيجَابُ أَغْلَظِ الدِّمَاءِ فَاقْتَصَرْنَا عَلَى الشَّاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
وَيُعِيدُ السَّعْيَ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلطَّوَافِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِارْتِفَاعِ النُّقْصَانِ بِالْإِعَادَةِ، وَلَوْ أَعَادَ الطَّوَافَ، وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي السَّعْيِ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ يَقَعَ عَقِيبَ طَوَافٍ مُعْتَدٍّ بِهِ، وَطَوَافُ الْمُحْدِثِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِهِ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ مِنْ شُرَّاحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَعَادَ الطَّوَافَ صَارَ الطَّوَافُ الْأَوَّلُ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَا فَرْضَيْنِ أَوْ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ وَلَا يُعْتَدُّ بِالثَّانِي، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَإِذَا ارْتَفَضَ الْأَوَّلُ بَقِيَ السَّعْيُ قَبْلَ الطَّوَافِ.
وَهُوَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَا عُرِفَ كَوْنُهُ قُرْبَةً إلَّا بِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام فَلَا يَكُونُ عِبَادَةً عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ فَيَكُونُ تَارِكًا لَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعِدْ الطَّوَافَ وَأَرَاقَ دَمًا حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ السَّعْيِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ لَا يَرْتَفِعُ الطَّوَافُ الْأَوَّلُ، وَإِنَّمَا يَنْجَبِرُ بِهِ نُقْصَانُهُ فَيَكُونُ مُتَقَرِّرًا فِي مَوْضِعِهِ فَيَكُونُ السَّعْيُ عَقِيبَهُ فَيُعْتَبَرُ، وَلَوْ طَافَ الْفَرْضَ فِي جَوْفِ الْحِجْرِ، وَهُوَ الْحَطِيمُ فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ فَيَجِبُ الطَّوَافُ وَرَاءَهُ، وَالطَّوَافُ فِي جَوْفِ الْحِجْرِ أَنْ يَدُورَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، وَيَدْخُلَ الْفُرْجَةَ الَّتِي بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَالْحَطِيمِ فَيَدْخُلَهُ بِذَلِكَ نَقْصٌ فَمَا دَامَ بِمَكَّةَ أَعَادَهُ كُلَّهُ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا لَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، وَإِنْ أَعَادَهُ عَلَى الْحِجْرِ خَاصَّةً جَازَ؛ لِأَنَّهُ تَلَافَى مَا هُوَ الْمَتْرُوكُ، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ عَنْ يَمِينِهِ خَارِجَ الْحِجْرِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى آخِرِهِ ثُمَّ يَدْخُلَ الْحِجْرَ مِنْ الْفُرْجَةِ، وَيَخْرُجَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ هَكَذَا يَفْعَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَقَالَ قَاضِي خَانْ: وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَتَى آخِرَ الْحِجْرِ يَرْجِعُ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْحِجْرِ ثُمَّ يَبْتَدِئُ مِنْ أَوَّلِ الْحِجْرِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ أَوَّلًا لَكِنْ لَا يُعَدُّ رُجُوعُهُ إلَى ذَلِكَ شَوْطًا وَهَكَذَا سَبْعُ مَرَّاتٍ وَلَوْ طَافَ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ مِنْ دَاخِلِ الْحَطِيمِ بِأَنْ تَسَوَّرَ الْحَائِطَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْحَطِيمَ كُلَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَلَوْ عَادَ إلَى أَهْلِهِ وَلَمْ يُعِدْ الطَّوَافَ يَلْزَمُهُ الدَّمُ فِي الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ شَوْطٍ مِنْهُ يُوجِبُ الدَّمَ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ الرُّبْعِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْوَاجِبِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِيهِ الصَّدَقَةُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا قَالَ رحمه الله (أَوْ تَرَكَ السَّعْيَ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ بِتَرْكِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ عِنْدَنَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ بِتَرْكِهِ
قَالَ رحمه الله (أَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْإِمَامِ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ بِإِفَاضَتِهِ مِنْهَا بِالنَّهَارِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: قَبْلَ الْإِمَامِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الدَّمُ إذَا أَفَاضَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْإِمَامِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِالْإِفَاضَةِ مِنْ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ أَصْلُ الْوُقُوفِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِتَرْكِ الِاسْتِدَامَةِ شَيْءٌ، وَلَنَا أَنَّ نَفْسَ الْوُقُوفِ رُكْنٌ، وَاسْتِدَامَتُهُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «فَادْفَعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ» أَمْرٌ، وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَبِتَرْكِ الْوَاجِبِ يَجِبُ الْجَابِرُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ لَيْلًا؛ لِأَنَّا عَرَفْنَا الِاسْتِدَامَةَ بِالسُّنَّةِ فِيمَنْ وَقَفَ نَهَارًا لَا لَيْلًا فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى أَصْلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام، وَهُوَ قَوْلُهُ:«مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» وَلَوْ عَادَ إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْإِفَاضَةُ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَقَدْ حَصَلَ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ طَافَ جُنُبًا ثُمَّ أَعَادَهُ أَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ عَادَ وَأَحْرَمَ مِنْهُ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الِاسْتِدَامَةَ وَاجِبَةٌ فَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا بِالْعَوْدِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ وَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ
قَالَ رحمه الله (أَوْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ) يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَيَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِهِ قَالَ رحمه الله (أَوْ رَمَى الْجِمَارَ كُلَّهَا أَوْ رَمَى يَوْمَ) أَيْ بِتَرْكِ رَمْيِ الْجِمَارِ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ أَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَلَوْ أَعَادَ الطَّوَافَ وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ فِي الصَّحِيحِ. اهـ. هِدَايَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى خِلَافِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالُوا: إذَا أَعَادَ الطَّوَافَ، وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ تَجْعَلُ الْمُؤَدَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَجْهٍ فَيَبْقَى السَّعْيُ قَبْلَ الطَّوَافِ وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي السَّعْيِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الطَّوَافِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ الرُّبْعِ) أَيْ رُبْعِ الْبَيْتِ اهـ (قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ بِتَرْكِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) أَيْ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ اهـ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي: وَإِنْ تَرَكَ السَّعْيَ فِيمَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَأْسًا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ، وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ أَطْعَمَ لِكُلِّ شَوْطٍ مِسْكِينًا نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَحِينَئِذٍ يُطْعِمُ مِنْهُ مَا شَاءَ يَعْنِي نَقَصَ مِنْهُ مَا شَاءَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ وَاجِبٌ كَالرَّمْيِ وَطَوَافِ الصَّدْرِ فَيَكُونُ تَرْكُ الْأَكْثَرِ كَتَرْكِ كُلِّهِ فِي وُجُوبِ الدَّمِ، وَتَجِبُ الصَّدَقَةُ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ لِيَكُونَ الْوَاجِبُ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ دُونَ مَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْأَكْثَرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
(قَوْلُهُ: «فَادْفَعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ») وَالدَّفْعُ مِنْ عَرَفَاتٍ هُوَ الْإِفَاضَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ لَيْلًا) أَيْ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) أَرَادَ بِهِ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ رَجَعَ وَوَقَفَ بِهَا بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الدَّمُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ سُنَّةُ الدَّفْعِ مَعَ الْإِمَامِ، وَلَمْ يُسْتَدْرَكْ ذَاكَ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَرَوَى ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْقُطُ) قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ الْمَتْرُوكَ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ) اعْلَمْ أَنَّ وَقْتَ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا فَمَنْ حَضَرَ الْمُزْدَلِفَةَ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَقَدْ أَتَى بِالْوُقُوفِ وَمَنْ تَرَكَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِأَنْ جَاوَزَ الْمُزْدَلِفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ إلَّا إذَا جَاوَزَهَا لَيْلًا عَنْ عِلَّةٍ وَضَعْفٍ فَخَافَ الزِّحَامَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «رَخَّصَ لِلضُّعَفَاءِ أَنْ يَتَعَجَّلُوا بِلَيْلٍ» . اهـ. أَتْقَانِيٌّ
يُوجِبُ دَمًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَيَجِبُ بِتَرْكِهِ الدَّمُ، وَيَكْفِيهِ دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ كَمَا فِي الْحَلْقِ حَتَّى إذَا حَلَقَ جَمِيعَ بَدَنِهِ يَكْفِيهِ دَمٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ بِحَلْقِ كُلِّ عُضْوٍ عَلَى الِانْفِرَادِ وَبِحَلْقِ رُبْعِ الرَّأْسِ، وَالتَّرْكُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ، وَهُوَ آخِرُ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِيهَا، وَمَا دَامَتْ الْأَيَّامُ بَاقِيَةً يُمْكِنُ قَضَاؤُهَا فَيَرْمِيهَا عَلَى التَّأْلِيفِ ثُمَّ بِتَأْخِيرِ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي يَجِبُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ الْقَضَاءِ خِلَافًا لَهُمَا وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى اللَّيْلِ فَرَمَى قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ الرُّعَاةِ إلَّا فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ بِتَأْخِيرِهِ إلَى الْغُرُوبِ وَلَا يَقْضِيهِ بِاللَّيْلِ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ قَدْ خَرَجَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ تَامٌّ أَوْ تَرَكَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ يَجِبُ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ تَامٌّ وَحْدَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَإِنْ تَرَكَ أَحَدَ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فِي يَوْمٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ نُسُكٌ وَاحِدٌ فِي يَوْمٍ فَكَانَ الْمَتْرُوكُ أَقَلَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَرْمِيَ عَشْرَ حَصَيَاتٍ، وَيَتْرُكَ إحْدَى عَشْرَةَ حَصَاةً فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الدَّمُ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ، وَمَعْنَى وُجُوبِ الصَّدَقَةِ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ حَصَاةٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَيَنْقُصَ مَا شَاءَ
قَالَ رحمه الله (أَوْ أَخَّرَ الْحَلْقَ أَوْ طَوَافَ الرُّكْنِ) أَيْ إذَا أَخَّرَ الْحَلْقَ أَوْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ، وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِمَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ فِي تَأْخِيرِ الرَّمْيِ، وَفِي تَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ كَالْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَنَحْرِ الْقَارِنِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ لَهُمَا «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ فَقَالَ: اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ، وَقَالَ آخَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ، فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ إلَّا قَالَ: افْعَلْ، وَلَا حَرَجَ» وَلِأَنَّ مَا فَاتَ يُسْتَدْرَكُ بِالْقَضَاءِ، وَلَا يَجِبُ مَعَ الْقَضَاءِ شَيْءٌ آخَرُ، وَلَهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ فَعَلَيْهِ الدَّمُ وَلِأَنَّ التَّأْخِيرَ عَنْ الْمَكَانِ يُوجِبُ الدَّمَ فِيمَا هُوَ مُؤَقَّتٌ بِالْمَكَانِ كَالْإِحْرَامِ فَكَذَا التَّأْخِيرُ عَنْ الزَّمَانِ فِيمَا هُوَ مُؤَقَّتٌ بِالزَّمَانِ فَلَا حُجَّةَ لَهُمَا فِيمَا رَوَيَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرَجِ الْمَنْفِيِّ فِيهِ الْإِثْمَ الْفِدْيَةُ، وَقَوْلُ السَّائِلِ: لَمْ أَشْعُرْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ عُذِرُوا لِجَهْلِهِمْ أَوْ لِلنِّسْيَانِ وَلَا يَأْثَمُونَ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إجْرَاؤُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَطُوفَ أَوْ يَحْلِقَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَلِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ عَلَى مَنْ حَلَقَ لِلضَّرُورَةِ قَبْلَ أَوَانِهِ فَمَا ظَنُّك إذَا حَلَقَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ
قَالَ رحمه الله (أَوْ حَلَقَ فِي الْحِلِّ) أَيْ يَجِبُ الدَّمُ إذَا حَلَقَ فِي الْحِلِّ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ، وَالْمُرَادُ فِيمَا إذَا حَلَقَ لِلْحَجِّ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَأَمَّا إذَا خَرَجَ أَيَّامَ النَّحْرِ فَحَلَقَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَقَالَ زُفَرُ: إنْ حَلَقَ لِلْحَجِّ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَلَقَ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْحَلْقَ لِلْحَجِّ يَتَعَيَّنُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: لَا يَتَعَيَّنُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَعَيَّنُ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَتَعَيَّنُ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ، وَأَمَّا الْحَلْقُ لِلْعُمْرَةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ بِالزَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهَا لَا تَتَعَيَّنُ بِهِ، وَتَتَعَيَّنُ بِالْمَكَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَتَعَيَّنُ لِأَبِي يُوسُفَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَلَقُوا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ»
وَلَهُمَا فِي الْمَكَانِ أَنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ فَيَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ كَسَائِرِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، وَكَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَعْيِينِهِ بِالزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِذَا تَأَخَّرَ عَنْهُ أَوْجَبَ نُقْصَانًا فَيَنْجَبِرُ بِالدَّمِ، وَلَا حُجَّةَ لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا رُوِيَ؛ لِأَنَّ الْمُحْصَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ، وَإِنَّمَا حَلَقَ عليه الصلاة والسلام فِي الْحُدَيْبِيَةِ لِيُعْرَفَ اسْتِحْكَامُ عَزْمِهِ عَلَى الرُّجُوعِ، وَلَئِنْ وَجَبَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ لِعَجْزِهِ وَلِأَنَّ بَعْضَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْحَرَمِ فَلَعَلَّهُمْ حَلَقُوا فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ عَادَ فَحَلَقَ فِيهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا
قَالَ رحمه الله (وَدَمَانِ لَوْ حَلَقَ الْقَارِنُ قَبْلَ الذَّبْحِ) أَيْ يَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ دَمَانِ إذَا حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَعِبَارَةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ: قَارِنٌ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَعَلَيْهِ دَمَانِ، وَقَالَا: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا دَمُ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ النُّسُكِ عَنْ وَقْتِهِ يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُنَا لَمَّا حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ تَرَكَ التَّرْتِيبَ بِتَقْدِيمِ هَذَا وَتَأْخِيرِ ذَاكَ، وَهُوَ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَدَمٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَةِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ: وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِهِ فَآخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهَا طَافَ، وَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ قَالَ الزَّاهِدِيُّ: لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمُحِيطِ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ وَقْتَ هَذَا الطَّوَافِ أَيَّامُ النَّحْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ «فَقَالَ: اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ») يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا السَّائِلُ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ وَهُوَ لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَحْلِقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْإِحْرَامِ) أَيْ إذَا أَخَّرَهُ عَنْ الْمِيقَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا حَجَّةَ لَهُمَا فِيمَا رَوَيَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ فَنَقُولُ: كَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ حِينَ لَمْ يَسْتَقِرَّ أَفْعَالُ الْمَنَاسِكِ