المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ باب الجنايات في الحج] - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٢

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْحَجِّ)

- ‌مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ

- ‌(بَابُ الْإِحْرَامِ)

- ‌(فَصْلٌ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ

- ‌(بَابُ الْقِرَانِ)

- ‌[بَابُ التَّمَتُّعِ]

- ‌[ بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ]

- ‌[فَصْلٌ نَظَرَ الْمُحْرِم إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى]

- ‌[فَصْلٌ الصَّيْدَ فِي الحرم]

- ‌{بَابٌ: مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ}

- ‌(بَابٌ: إضَافَةُ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ)

- ‌بَابُ الْإِحْصَارِ

- ‌[بَابُ الْفَوَاتِ]

- ‌[الْعُمْرَة حُكْمهَا وَأَرْكَانهَا]

- ‌(بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ)

- ‌(فَصْلٌ) الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَعْرُوفِ

- ‌(بَابُ الْهَدْيِ)

- ‌[مَسَائِل مَنْثُورَة]

- ‌[نَذْر الْحَجّ ماشيا]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[شُرُوط النِّكَاح وَأَرْكَانه]

- ‌(فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ)

- ‌ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ)

- ‌ النِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ

- ‌(بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا)

- ‌(بَابُ الْمَهْرِ)

- ‌(بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ)

- ‌(بَابُ نِكَاحِ الْكَافِرِ)

- ‌(بَابُ الْقَسْمِ

- ‌(كِتَابُ الرَّضَاعِ)

- ‌(كِتَابُ الطَّلَاقِ)

- ‌[بَابُ الطَّلَاقِ ضَرْبَانِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ)

- ‌(بَابُ الْكِنَايَاتِ)

- ‌[أَقْسَام الْكِنَايَات]

- ‌(بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ)

- ‌(بَابُ التَّعْلِيقِ)

- ‌(بَابُ الْمَرِيضِ)

- ‌(بَابُ الرَّجْعَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ)

- ‌(بَابُ الْإِيلَاءِ)

- ‌(بَابُ الْخُلْعِ)

الفصل: ‌[ باب الجنايات في الحج]

بَابُ الْجِنَايَاتِ.

وَهُوَ اسْمُ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا، وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَكُونُ فِي النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ، وَأَصْلُهُ مَنْ جَنَى الثَّمَرَ إذَا أَخَذَهُ مِنْ الشَّجَرِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الشَّرِّ فَبَقِيَ كَذَلِكَ قَالَ رحمه الله (تَجِبُ شَاةٌ إنْ طَيَّبَ مُحْرِمٌ عُضْوًا) وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّأْسِ وَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَكَامَلُ تَكَامُلِ الِارْتِفَاقِ، وَذَلِكَ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كَمَالُ الْمُوجِبِ، وَإِنْ أَكَلَ طِيبًا كَثِيرًا يَجِبُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: تَجِبُ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ، وَلَهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَعْمَلَهُ كَثِيرًا يَلْتَزِقُ بِأَكْثَرِ فَمِهِ، أَوْ كُلِّهِ، وَهُوَ عُضْوٌ كَامِلٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ، قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا تَصَدَّقَ) أَيْ وَإِنْ طَيَّبَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّمِ، وَفِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ إذَا طَيَّبَ رُبْعَ الْعُضْوِ فَعَلَيْهِ دَمٌ اعْتِبَارًا بِالْحَلْقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ حَلْقَ بَعْضِ الرَّأْسِ مُعْتَادٌ فَيَتَكَامَلُ الِارْتِفَاقُ، وَتَطْيِيبُ بَعْضِ الْعُضْوِ غَيْرُ مُعْتَادٍ فَلَا يَتَكَامَلُ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّ الْكَثْرَةَ تُعْتَبَرُ فِي نَفْسِ الطِّيبِ لَا فِي الْعُضْوِ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا مِثْلَ كَفَّيْنِ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ وَكَفٍّ مِنْ الْغَالِيَةِ وَبِقَدْرِ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاسُ مِنْ الْمِسْكِ يَكُونُ كَثِيرًا، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فِي نَفْسِهِ، وَالْقَلِيلُ مَا يَسْتَقِلُّهُ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ كَثِيرًا، وَكَفٌّ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ يَكُونُ قَلِيلًا

وَقِيلَ بِالتَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ فَيُقَالُ: إنْ كَانَ الطِّيبُ قَلِيلًا فَالْعِبْرَةُ لِلْعُضْوِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلِلطِّيبِ، وَلَهُ تَشْهَدُ الْمَسَائِلُ كَأَكْلِ الطِّيبِ عَلَى مَا مَرَّ وَكَمَا ذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ مَنْ مَسَّ طِيبًا بِأُصْبُعِهِ فَأَصَابَهَا كُلَّهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَفِيهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ طَيَّبَ شَارِبَهُ كُلَّهُ أَوْ بِقَدْرِهِ مِنْ لِحْيَتِهِ أَوْ رَأْسِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَقَالُوا إذَا اكْتَحَلَ بِالْكُحْلِ الْمُطَيِّبِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَمِثْلُهُ الْأَنْفُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا كَثِيرَةً فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَفِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ لَوْ طَيَّبَ جَمِيعَ أَعْضَائِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَلَوْ كَانَ الطِّيبُ فِي أَعْضَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ يُجْمَعُ ذَلِكَ كُلُّهُ فَإِنْ بَلَغَ عُضْوًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ، وَلَوْ شَمَّ طِيبًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ دَخَلَ بَيْتًا مُجَمَّرًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ أَجْمَرَ ثَوْبَهُ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ فِيهِ الدَّمُ تُجْزِيهِ الشَّاةُ إلَّا مَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ وَجَبَ فِيهِ صَدَقَةٌ فَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ إلَّا مَا يَجِبُ بِقَتْلِ جَرَادَةٍ أَوْ قَمْلٍ أَوْ بِإِزَالَةِ شَعَرَاتٍ قَلِيلَةٍ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ عُضْوٍ آخَرَ مِنْ أَعْضَائِهِ قَالَ رحمه الله (أَوْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِحِنَّاءٍ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: تَجِبُ شَاةٌ إنْ طَيَّبَ مُحْرِمٌ عُضْوًا لَا عَلَى مَا يَلِيهِ؛ لِأَنَّ الْحِنَّاءَ طِيبٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْحِنَّاءُ طِيبٌ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَإِذَا كَانَ طِيبًا وَقَدْ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ وَهَذَا إذَا كَانَ مَائِعًا وَإِنْ كَانَ مُتَلَبِّدًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِلتَّطْيِيبِ وَدَمٌ لِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ ثُمَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ بِالْحِنَّاءِ، وَأَفْرَدَ الرَّأْسَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَدَلَّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ مَضْمُونٌ بِالدَّمِ، وَالْوَاوُ فِي: وَلِحْيَتُهُ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى أَوْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وَإِنْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِالْوَسْمَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِطِيبٍ، وَإِنَّمَا تُغَيِّرُ لَوْنَ الشَّعْرِ، فِيهَا زِينَةٌ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ]

بَابُ الْجِنَايَاتِ} لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُحْرِمِينَ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْعَوَارِضِ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ ثُمَّ الْجِنَايَاتُ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ مَا لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ فِعْلُهُ وَقِيلَ هِيَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا مِنْ قَوْلِهِمْ جَنَى عَلَيْهِ شَرًّا أَيْ كَسَبَهُ، وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى الْغَصْبِ إلَّا أَنَّ الْغَصْبَ أَخَصُّ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُحَرَّمَ يُسَمَّى غَصْبًا إذَا وَقَعَ فِي الْمَالِ، وَالْجِنَايَةُ أَعَمُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ وَالْمَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْجِنَايَةُ مَا يَجْنِيهِ مِنْ شَرٍّ أَيْ يُحْدِثُهُ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ مِنْ جَنَى عَلَيْهِ شَرًّا وَهُوَ عَامٌّ إلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِمَا يَحْرُمُ مِنْ الْفِعْلِ اهـ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله: إنَّهُ يَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّمِ) أَيْ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ. اهـ. هِدَايَةٌ يَعْنِي يُعْتَبَرُ كَمْ قَدْرُهُ مِنْ قَدْرِ مَا يُوجِبُ الدَّمَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ بِحِسَابِ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ نِصْفَ الْعُضْوِ يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الدَّمِ، وَإِنْ كَانَ رُبْعَ الْعُضْوِ يَجِبُ عَلَيْهِ رُبْعُ الدَّمِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ كَمَا فِي الْحِسِّيَّاتِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِدِينَارٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ بِالضَّرُورَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَكَفٌّ مِنْ الْغَالِيَةِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَكَفٌّ مِنْ مَاءِ الْغَالِيَةِ وَهُوَ خَطَأٌ وَلَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ لَوْ طَيَّبَ جَمِيعَ أَعْضَائِهِ إلَخْ) فِي الْبَدَائِعِ إنْ طَيَّبَ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا فَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ دَمٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ سَوَاءٌ ذَبَحَ لِلْأَوَّلِ، أَوْ لَمْ يَذْبَحْ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ ذَبَحَ لِلْأَوَّلِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَذْبَحْ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْجِمَاعِ اهـ

(قَوْلُهُ وَإِنْ دَخَلَ بَيْتًا مُجَمَّرًا) أَيْ فَطَالَ مُكْثُهُ فِي الْبَيْتِ فَعَلِقَ بِثَوْبِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ) أَيْ؛ لِأَنَّ الرَّائِحَةَ هَاهُنَا لَيْسَتْ بِمُتَعَلِّقَةٍ بِالْعَيْنِ، وَمُجَرَّدُ الرِّيحِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ) أَيْ لِأَنَّ الرَّائِحَةَ هُنَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَيْنِ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَهَا فِي بَدَنِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَطَيَّبَ بِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ عُضْوًا آخَرَ مِنْ أَعْضَائِهِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ فِيهَا بِمَا شَاءَ اهـ وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ: فَهُوَ كَفٌّ مِنْ الطَّعَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا عَلَى مَا يَلِيهِ) يَعْنِي قَوْلَهُ: وَإِلَّا تَصَدَّقَ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْحِنَّاءُ طِيبٌ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي فَصْلِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ بَابِ الْهَمْزَةِ: الْحِنَّاءُ بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ مَعْرُوفٌ، وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ: وَالْحِنَّاءُ فُعَالٌ اهـ (قَوْلُهُ وَدَمٌ لِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ) يَعْنِي إذَا غَطَّاهُ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ اهـ أك (قَوْلُهُ: وَإِنْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِالْوَسِمَةِ) الْوَسِمَةُ بِكَسْرِ السِّينِ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ، وَهِيَ أَفْصَحُ مِنْ السُّكُونِ، وَأَنْكَرَ الْأَزْهَرِيُّ السُّكُونَ وَقَالَ: كَلَامُ الْعَرَبِ بِالْكَسْرِ نَبْتٌ يُخْتَضَبُ بِوَرَقِهِ، وَيُقَالُ هُوَ الْعِظْلِمُ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ وَفِي الصِّحَاحِ وَالْوَسِمَةُ

ص: 52

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ صَدَقَةً رَوَاهَا الْحَسَنُ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ أَوْ يُلَيِّنُ الشَّعْرَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا خَضَّبَ رَأْسَهُ بِهَا لِلْمُعَالَجَةِ مِنْ الصُّدَاعِ فَعَلَيْهِ دَمٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُغَلِّفُ رَأْسَهُ، وَهَذَا صَحِيحٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الدَّمِ بِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ رحمه الله (أَوْ ادَّهَنَ بِزَيْتٍ) يَعْنِي يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي الشَّعْرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الشَّعَثَ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ نَوْعَ ارْتِفَاقٍ بِمَعْنَى قَتْلِ الْهَوَامِّ وَإِزَالَةِ الشَّعَثِ فَكَانَتْ جِنَايَةً قَاصِرَةً وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَصْلُ الطِّيبِ، فَإِنَّ الرَّوَائِحَ تُلْقَى فِيهِ فَتَصِيرُ تَامَّةً فَيَجِبُ بِاسْتِعْمَالِ أَصْلِ الطِّيبِ مَا يَجِبُ بِالطِّيبِ كَالْبَيْضِ لَمَّا كَانَ أَصْلَ الصَّيْدِ يَجِبُ بِكَسْرِهِ قِيمَتُهُ كَمَا يَجِبُ بِالصَّيْدِ.

فَإِذَا كَانَ أَصْلًا لَهُ فَلَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ طِيبٍ وَلِأَنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ، وَيُزِيلُ الشَّعَثَ وَالتَّفَثَ، وَيُلَيِّنُ الشَّعْرَ فَتَتَكَامَلُ الْجِنَايَةُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَكَوْنُهُ مَأْكُولًا لَا يُنَافِي وُجُوبَ الدَّمِ كَالزَّعْفَرَانِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الزَّيْتِ الْبَحْتِ وَالْحَلِّ الْبَحْتِ أَيْ الْخَالِصِ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ طِيبٌ أَمَّا الْمُطَيِّبُ بِالْبَنَفْسَجِ وَالزَّنْبَقِ وَالْبَانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ وَهَذَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ أَمَّا لَوْ دَاوَى جُرْحَهُ أَوْ شُقُوقَ رِجْلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ أَصْلُ الطِّيبِ، أَوْ هُوَ طِيبُ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ إذَا أَكَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَدَاوَى بِالْمِسْكِ وَمَا أَشْبَهَهُ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِاسْتِعْمَالِهِ حَتَّى لَوْ أَكَلَ زَعْفَرَانًا مَخْلُوطًا بِطَعَامٍ أَوْ طِيبٍ آخَرَ وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ يَلْزَمُهُ دَمٌ، وَإِنْ مَسَّتْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا، وَعَلَى هَذَا التَّفَاصِيلُ فِي الْمَشْرُوبِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ لَوْ ادَّهَنَ بِالشَّحْمِ أَوْ السَّمْنِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعَزَاهُ إلَى التَّجْرِيدِ وَلَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ فَلَا يَكُونُ طِيبًا، وَتَجِبُ الصَّدَقَةُ لِإِزَالَةِ الشَّعَثِ وَقَتْلِ الْهَوَامِّ، وَلَهُ أَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً، وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ، وَقِيلَ: جَوَابُهُ فِي خِطْمِيِّ الْعِرَاقِ، وَجَوَابُهُمَا فِي خِطْمِيِّ الشَّامِ

قَالَ رحمه الله (أَوْ لَبِسَ مَخِيطًا أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ يَوْمًا) يَعْنِي يَجِبُ الدَّمُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا كَانَ يَوْمًا كَامِلًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ الدَّمُ بِنَفْسِ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ إحْرَامُهُ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ كَسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ، وَلَنَا أَنَّ الِارْتِفَاقَ الْكَامِلَ بِهِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالدَّوَامِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ دَفْعُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْيَوْمُ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِمَا فَقَدَّرْنَاهُ بِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا لَبِسَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ لَبِسَهُ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّمِ بِحِسَابِهِ، وَلَوْ لَبِسَ اللِّبَاسَ كُلَّهَا مِنْ قَمِيصٍ وَقَبَاءٍ وَسَرَاوِيلَ وَخُفَّيْنِ يَوْمًا كَامِلًا يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَا لَوْ دَامَ أَيَّامًا لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا لَوْ كَانَ يَنْزِعُهُ بِاللَّيْلِ وَيَلْبَسُهُ بِالنَّهَارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ إلَّا إذَا نَزَعَهُ عَلَى عَزْمِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

بِكَسْرِ السِّينِ الْعِظْلِمُ يُخْتَضَبُ بِهِ وَتَسْكِينُهَا لُغَةٌ، وَلَا تَقُلْ وَسْمَةُ بِالضَّمِّ، وَإِذَا أَمَرْت مِنْهُ قُلْت تَوَسَّمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا خَضَّبَ رَأْسَهُ بِهَا لِلْمُعَالَجَةِ مِنْ الصُّدَاعِ فَعَلَيْهِ دَمٌ) لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ خِضَابٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ تَأْوِيلُ أَبِي يُوسُفَ بِقَوْلِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُغَلِّفُ رَأْسَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ: يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ) أَيْ إذَا بَلَغَ عُضْوًا كَامِلًا سَوَاءٌ كَانَ مَطْبُوخًا أَوْ غَيْرَ مَطْبُوخٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ مَأْكُولًا لَا يُنَافِي وُجُوبَ الدَّمِ كَالزَّعْفَرَانِ) أَيْ وَلِهَذَا إذَا طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا بِالزَّعْفَرَانِ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِارْتِفَاقِهِ بِالطِّيبِ، وَإِنْ كَانَ مَأْكُولًا؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إذَا ادَّهَنَ بِشَحْمٍ أَوْ أَلْيَةٍ أَوْ سَمْنٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ فِي نَفْسِهِ، وَلَا هُوَ أَصْلُ الطِّيبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الزَّيْتِ الْبَحْتِ وَالْحَلِّ الْبَحْتِ) هُوَ بِالْبَاءِ الْمَفْتُوحَةِ الْمَنْقُوطَةِ بِنُقْطَةٍ تَحْتَانِيَّةٍ بَعْدَهَا الْحَاءُ الْمُهْمَلَةُ السَّاكِنَةُ بَعْدَهَا التَّاءُ الْمَنْقُوطَةُ بِنُقْطَتَيْنِ مِنْ فَوْقٍ هُوَ الْخَالِصُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْحَلُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْحَلُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ دُهْنُ السِّمْسِمِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ إلَخْ) وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ غَسَلَهُ بِالْحُرُضِ أَوْ بِالصَّابُونِ أَوْ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّمِ بِحِسَابِهِ) وَكَذَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْحَلْقِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ ذَبَحَ الْهَدْيَ ثُمَّ أَقَامَ عَلَى لُبْسِهِ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ عَلَيْهِ كَلُبْسٍ مُبْتَدَأٍ، وَلَوْ أَحْرَمَ، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْمَخِيطِ فَدَامَ عَلَى ذَلِكَ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْضًا: وَلَوْ اُضْطُرَّ الْمُحْرِمُ إلَى لُبْسِ ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ نَحْوُ مَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى قَمِيصٍ وَاحِدٍ فَلَبِسَ قَمِيصَيْنِ أَوْ لَبِسَ عَلَيْهِ جُبَّةً أَوْ اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَ قَلَنْسُوَةً وَعِمَامَةً أَوْ كَانَ فِي مَوْضِعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ نَحْوُ مَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَ قَلَنْسُوَةً مَعَ الْقَمِيصِ وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَجْلِ لُبْسِهِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَيُخَيَّرُ فِي الْكَفَّارَةِ لِأَجْلِ لُبْسِ مَا احْتَاجَ إلَيْهِ، وَلَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ ثُمَّ زَالَتْ الضَّرُورَةُ عَنْهُ فَمَا دَامَ فِي شَكِّ الزَّوَالِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةُ الضَّرُورَةِ، وَلَوْ جَاءَ الْيَقِينُ أَنَّ الضَّرُورَةَ قَدْ زَالَتْ فَلَبِسَ بَعْدَ ذَلِكَ دَامَ عَلَيْهِ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ كَفَّارَةُ الضَّرُورَةِ، وَكَفَّارَةُ غَيْرِ الضَّرُورَةِ، وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: إذَا كَانَ بِهِ حُمَّى غِبٍّ فَجَعَلَ يَلْبَسُهُ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا فَمَا دَامَتْ الْحُمَّى قَائِمَةً فَاللُّبْسُ مُتَّحِدٌ وَإِنْ زَالَتْ هَذِهِ الْحُمَّى، وَحَدَثَتْ حُمَّى أُخْرَى اخْتَلَفَ حُكْمُ اللُّبْسِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ اللُّبْسُ لِأَجْلِ الْعَدُوِّ فَجَعَلَ يَلْبَسُ السِّلَاحَ، وَيُقَاتِلُ بِالنَّهَارِ، وَيَنْزِعُ بِاللَّيْلِ فَهَذَا اللُّبْسُ وَاحِدٌ مَا لَمْ يَذْهَبْ هَذَا الْعَدُوُّ وَيَجِيءُ آخَرُ فَالْمُعْتَبَرُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ اتِّحَادُ الْجِهَةِ وَاخْتِلَافُهَا لَا صُورَةُ اللُّبْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

ص: 53

التَّرْكِ ثُمَّ لَبِسَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ الْأَوَّلَ انْفَصَلَ عَنْ الثَّانِي بِالتَّرْكِ.

وَلَوْ لَبِسَ قَمِيصًا لِلضَّرُورَةِ، وَلَبِسَ خُفَّيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَفِدْيَةٌ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ اخْتَلَفَ فَلَا يُمْكِنُ التَّدَاخُلُ، وَلَوْ ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ أَوْ اتَّشَحَ بِهِ أَوْ اتَّزَرَ بِهِ أَوْ بِالسَّرَاوِيلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْهُ لُبْسَ الْمَخِيطِ، وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ مَنْكِبَيْهِ فِي الْقَبَاءِ، وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي الْكُمَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْهُ لُبْسَ الْقَبَاءِ وَلِهَذَا يَتَكَلَّفُ فِي حِفْظِهِ، وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ يُلْبَسُ كَذَلِكَ عَادَةً قُلْنَا: الْعَادَةُ فِي لُبْسِ الْقَبَاءِ الضَّمُّ إلَى نَفْسِهِ بِإِدْخَالِ الْمَنْكِبَيْنِ وَالْيَدَيْنِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقُبُورِ، وَهُوَ الضَّمُّ وَكَمَالُهُ فِيمَا قُلْنَاهُ، وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ قَدْ بَيَّنَّاهُ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ فَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ الرُّبْعُ اعْتِبَارًا بِالْحَلْقِ؛ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنَايَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالرَّأْسِ، وَبَعْضُ الرَّأْسِ مَقْصُودٌ فِيهِمَا فِي حَقِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِخِلَافِ الْحَلْقِ عَلَى مَا مَرَّ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِيهِ الْأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ الْكَثْرَةُ.

وَلَا تَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ عَلَى مَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَقِيَاسُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ يُعْتَبَرَ الْوُجُوبُ فِيهِ بِحِسَابِهِ مِنْ الدَّمِ قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا تَصَدَّقَ) أَيْ وَإِنْ كَانَ اللُّبْسُ وَالتَّغْطِيَةُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ تَصَدَّقَ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ التَّغْطِيَةُ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ الرَّأْسِ تَصَدَّقَ لِمَا قُلْنَا قَالَ رحمه الله (أَوْ حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتَهُ وَإِلَّا تَصَدَّقَ كَالْحَالِقِ، أَوْ رَقَبَتَهُ أَوْ إبِطَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ مِحْجَمَهُ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ أَوْ رُبْعَ لِحْيَتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنْ حَلَقَ مِنْهُمَا أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَقَوْلُهُ: كَالْحَالِقِ أَيْ كَالْحَالِقِ رَأْسَ غَيْرِهِ، وَهُوَ تَشْبِيهٌ لِحَلْقِ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ بِحَلْقِ رَأْسِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الصَّدَقَةَ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ وَقَوْلُهُ: أَوْ رَقَبَتَهُ إلَى آخِرِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى الرُّبْعِ أَيْ يَجِبُ الدَّمُ عَلَيْهِ بِحَلْقِ رَقَبَتِهِ أَوْ إبِطَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِحْجَمِهِ فَإِنَّهُ إنْ حَلَقَ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَجِبُ الدَّمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَلَقَ بَعْضَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ فَجَعَلَ الْوَاحِدَ مِنْهُمَا كَالرُّبْعِ مِنْ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ

أَمَّا وُجُوبُ الدَّمِ بِحَلْقِ رُبْعِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، وَهُوَ أَنَّ الْبَعْضَ فِيهِ مَقْصُودٌ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْلِقُ بَعْضَ الرَّأْسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْلِقُ بَعْضَ اللِّحْيَةِ فَيَحْصُلُ بِهِ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْكَمَالِ فَيَجِبُ الدَّمُ، وَأَمَّا وُجُوبُ الصَّدَقَةِ بِحَلْقِ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ دُونَ الدَّمِ فَلِقُصُورِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ بِحَلْقِ شَعْرَةٍ أَوْ شَعَرَاتٍ لَا يَكْمُلُ الِارْتِفَاقُ فَجَعَلْنَا الْفَاصِلَ بَيْنَهُمَا الرُّبْعَ احْتِيَاطًا كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الدَّمِ بِحَلْقِ الرَّقَبَةِ كُلِّهَا فَلِأَنَّهَا عُضْوٌ كَامِلٌ فَيَكْمُلُ الِارْتِفَاقُ بِحَلْقِهِ وَكَذَا الْإِبِطَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا مَوْضِعُ الْحِجَامَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: عَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام احْتَجَمَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ يُوجِبُ الدَّمَ لَمَا بَاشَرَهُ عليه الصلاة والسلام وَلِأَنَّهُ قَلِيلٌ فَلَا يُوجِبُ الدَّمَ كَمَا إذَا حَلَقَهُ لِغَيْرِ الْحِجَامَةِ وَلَهُ أَنَّ حَلْقَهُ لِمَنْ يَحْتَجِمُ مَقْصُودٌ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْحَلْقِ لِغَيْرِهَا وَلَا حُجَّةَ لَهُمَا فِيمَا رَوَيَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِعُذْرٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَا يُبَاشِرُ مَا يُوجِبُ الصَّدَقَةَ أَيْضًا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَحْلِقْ بَلْ احْتَجَمَ فِي مَوْضِعٍ لَا شَعْرَ فِيهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ثُمَّ الرُّبْعُ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَا يُعْتَبَرُ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَعْضِ فَلَا يَكُونُ حَلْقُ الْبَعْضِ ارْتِفَاقًا كَامِلًا حَتَّى لَوْ حَلَقَ أَكْثَرَ أَحَدِ إبِطَيْهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا الصَّدَقَةُ بِخِلَافِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَذَكَرَ فِي الْإِبِطَيْنِ الْحَلْقَ هُنَا وَكَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي الْأَصْلِ النَّتْفُ، وَهُوَ السُّنَّةُ وَالْأَوَّلُ دَلِيلُ الْجَوَازِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا حَلَقَ عُضْوًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَطَعَامٌ وَيُرِيدُ بِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَلَوْ نَزَعَهُ، وَعَزَمَ عَلَى تَرْكِهِ ثُمَّ لَبِسَ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ اهـ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يَتَكَلَّفُ فِي حِفْظِهِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ: وَيَتَوَشَّحُ بِالثَّوْبِ، وَلَا يُخَلِّلُهُ بِخَلَّالٍ وَلَا يَعْقِدُهُ عَلَى عَاتِقِهِ، أَمَّا جَوَازُ التَّوَشُّحِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الِارْتِدَاءِ وَالِائْتِزَارِ، وَأَمَّا كَرَاهَةُ عَقْدِهِ فَلِأَنَّهُ إذَا عَقَدَهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى حِفْظِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِلَا تَكَلُّفٍ فَكَانَ فِي مَعْنَى لَابِسِ الْمَخِيطِ، وَلَوْ فَعَلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَخِيطٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَاكْتَفَى بِالْكَرَاهَةِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ الطَّيْلَسَانَ، وَلَا يَزُرُّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ زَرَّهُ يَوْمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا زَرَّهُ يَوْمًا صَارَ مُنْتَفِعًا بِهِ انْتِفَاعَ الْمَخِيطِ اهـ وَقَوْلُهُ: وَلِهَذَا يَتَكَلَّفُ فِي حِفْظِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَزُرَّهُ، فَإِنْ زَرَّهُ لَا يَجُوزُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: بِخِلَافِ مَا إذَا زَرَّهُ يَوْمًا كَامِلًا حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِوُجُودِ الِارْتِفَاقِ الْكَامِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْحَلْقِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِي التَّغْطِيَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ تَقْدِيرٌ بِالزَّمَانِ، وَهُوَ الْيَوْمُ، وَقَدْ مَضَى بَيَانُهُ وَتَقْدِيرٌ بِالْعُضْوِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا غَطَّى رُبْعَ رَأْسِهِ فَصَاعِدًا يَوْمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ غَطَّى مَا دُونَ الرُّبْعِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله قَالَ: لَا يَكُونُ عَلَيْهِ دَمٌ حَتَّى يُغَطِّيَ الْأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَرْخِيِّ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَجْهُ اعْتِبَارِ الرُّبْعِ أَنَّ تَغْطِيَةَ الْجَمِيعِ اسْتِمْتَاعٌ مَقْصُودٌ، وَمَا دُونَ الرُّبْعِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فَجَعَلَ الرُّبْعَ فَاصِلًا بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْحَلْقِ اهـ

{فَرْعٌ} قَالَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ الشَّهِيدُ رحمه الله: فَإِنْ كَانَ الْمُحْرِمُ نَائِمًا فَغَطَّى رَجُلٌ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ بِثَوْبٍ يَوْمًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ انْقَلَبَ مِنْ نَوْمِهِ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ كَانَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُغَطِّيَ الْمُحْرِمُ وَالْمُحْرِمَةُ الْفَمَ إلَّا فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يُغَطِّيهِ أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ عَلَى الَّذِي فِيهِ الدَّمُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنَّ حَلْقَهُ لِمَنْ يَحْتَجِمُ مَقْصُودٌ) فَإِنْ قُلْت: لَا شَكَّ أَنَّ حَلْقَ مَوْضِعِ الْمَحَاجِمِ وَسِيلَةٌ إلَى الْحِجَامَةِ وَمَا كَانَ وَسِيلَةً إلَى الشَّيْءِ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا قُلْت: لَا يُنَافِي كَوْنَهُ وَسِيلَةً أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِيمَانَ وَسِيلَةٌ لِصِحَّةِ جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ، وَهُوَ مَعَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَقَاصِدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

ص: 54

الصَّدْرَ وَالسَّاقَيْنِ وَالْعَانَةَ دُونَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ؛ لِأَنَّ الرُّبْعَ مِنْهُمَا يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ وَفِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَالْفَارِقُ الْعَادَةُ الْجَارِيَةُ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْبَعْضِ وَعَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا وَقَوْلُهُمَا بَيَانٌ لِلْمَذْهَبِ لَا؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُخَالِفُهُمَا فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا خُصَّا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ عَنْهُمَا لَا غَيْرُ

قَالَ رحمه الله (وَفِي أَخْذِ شَارِبِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُ يُنْظَرُ أَنَّ هَذَا الْمَأْخُوذَ كَمْ يَكُونُ مِنْ رُبْعِ اللِّحْيَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ مِنْ الطَّعَامِ حَتَّى إذَا أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ ثَمَنِ اللِّحْيَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ رُبْعُ الدَّمِ وَذَكَرَ الْأَخْذَ فِي الشَّارِبِ، وَهُوَ الْقَصُّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السُّنَّةُ، وَهُوَ أَنْ يَقُصَّ مِنْهُ حَتَّى يُوَازِيَ الْإِطَارَ، وَهُوَ الْحَرْفُ الْأَعْلَى مِنْ الشَّفَةِ الْعُلْيَا، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ حَلْقَ الشَّارِبِ هُوَ السُّنَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «اُحْفُوا الشَّارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَمْرٍو كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يُنْظَرَ إلَى الْجِلْدِ وَالْإِحْفَاءُ الِاسْتِئْصَالُ وَالْإِعْفَاءُ تَرْكُهَا حَتَّى تَكِثَّ وَتَكْثُرَ وَالسُّنَّةُ قَدْرُ الْقَبْضَةِ فَمَا زَادَ قَطَعَهُ

قَالَ رحمه الله (وَفِي شَارِبِ حَلَالٍ أَوْ قَلْمِ أَظْفَارِهِ طَعَامٌ) أَيْ مُحْرِمٌ أَخَذَ شَارِبَ حَلَالٍ أَوْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ تَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِ وَكَذَا بِحَلْقِ رَأْسِهِ وَكَذَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِمُحْرِمٍ آخَرَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ شَيْءٌ عَلَى الْمُحْرِمِ الْحَالِقِ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ مُنِعَ عَنْ إزَالَةِ تَفَثِ نَفْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الرَّاحَةِ لَهُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِحَلْقِ رَأْسِ غَيْرِهِ، وَلَنَا أَنَّ إزَالَةَ مَا يَنْمُو مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَحْظُورَاتِ إحْرَامِهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْأَمَانَ كَنَبَاتِ الْحَرَمِ فَمُنِعَ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ مِنْ بَدَنِ غَيْرِهِ كَمَا مُنِعَ مِنْ مُبَاشَرَتِهِ مِنْ بَدَنِهِ وَلِأَنَّهُ يَتَأَذَّى بِتَفَثِ غَيْرِهِ فَمُنِعَ مِنْ إزَالَتِهِ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ إزَالَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا أَنَّ كَمَالَ الْجِنَايَةِ فِي إزَالَةِ تَفَثِ نَفْسِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ وَتَأَذِّيهِ بِتَفَثِ غَيْرِهِ دُونَ التَّأَذِّي بِتَفَثِ نَفْسِهِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَأَمَّا الْمَحْلُوقُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا سَوَاءٌ حَلَقَهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ بِأَنْ كَانَ نَائِمًا أَوْ مُكْرَهًا؛ لِأَنَّ لُزُومَ الدَّمِ لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الرَّاحَةِ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ بِإِزَاءِ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الرَّاحَةِ فَصَارَ كَالْمَغْرُورِ إذَا أُخِذَ مِنْهُ الْعُقْرُ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَارِّ؛ لِأَنَّهُ بِإِزَاءِ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ اللَّذَّةِ، وَلَوْ كَانَ الْحَالِقُ حَلَالًا، وَالْمَحْلُوقُ مُحْرِمًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ حَصَلَ لَهُ رَاحَةٌ، وَالْحَلَالُ جَنَى بِإِزَالَةِ مَا اسْتَحَقَّ الْأَمْنَ كَنَبَاتِ الْحَرَمِ عَلَى مَا مَرَّ فَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ بِالْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ يَكُونَا مُحْرِمَيْنِ فَيَجِبُ عَلَى الْحَالِقِ الصَّدَقَةُ وَعَلَى الْمَحْلُوقِ الدَّمُ أَوْ الْحَالِقُ حَلَالًا وَالْمَحْلُوقُ مُحْرِمًا فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا، أَوْ كَانَ الْحَالِقُ مُحْرِمًا، وَالْمَحْلُوقُ حَلَالًا فَتَجِبُ عَلَى الْحَالِقِ الصَّدَقَةُ لَا غَيْرُ أَوْ كَانَا حَلَالَيْنِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ

قَالَ رحمه الله (أَوْ قَصَّ أَظْفَارَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِمَجْلِسٍ أَوْ يَدًا أَوْ رِجْلًا وَإِلَّا تَصَدَّقَ كَخَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ) وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَوْ قَصَّ أَظْفَارَ يَدَيْ نَفْسِهِ وَرِجْلَيْهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا يَجِبُ فِيهِ الشَّاةُ، وَلَوْ قَصَّ يَدًا وَاحِدَةً، أَوْ رِجْلًا وَاحِدَةً فَكَذَلِكَ أَيْضًا لِوُجُودِ قَلْمِ الْخَمْسَةِ مُتَوَالِيَةً وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا تَصَدَّقَ كَخَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَيْ وَإِنْ كَانَ خِلَافَهُ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَلْمِ خَمْسَةِ أَظَافِيرَ مُتَفَرِّقَةٍ فَحَاصِلُهُ أَنَّ قَصَّ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي مَجْلِسٍ يُوجِبُ دَمًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَضَاءِ التَّفَثِ، وَهِيَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ فَلَا يُزَادُ عَلَى الدَّمِ كَالْإِيلَاجَاتِ فِي الْجِمَاعِ حَتَّى لَا يَزِيدَ عَلَى مَهْرٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَثُرَ، وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّدَاخُلِ كَكَفَّارَةِ الْفِطْرِ إلَّا إذَا تَخَلَّلَتْ الْكَفَّارَةُ بَيْنَهُمَا لِارْتِفَاعِ الْأَوَّلِ بِالتَّكْفِيرِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ فِي مَجَالِسَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ رُبْعَهُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَجِبُ لِكُلِّ يَدٍ دَمٌ وَلِكُلِّ رِجْلٍ دَمٌ إذَا وُجِدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ دِمَاءٍ إذَا وُجِدَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ قَلْمُ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَارَةِ فَيَتَقَيَّدُ التَّدَاخُلُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي آيَةِ السَّجْدَةِ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ مُتَبَايِنَةٌ حَقِيقَةً.

وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهَا جِنَايَةً وَاحِدَةً مَعْنًى لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الِارْتِفَاقُ، فَإِذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ يُعْتَبَرُ الْمَعْنَى فَيَتَّحِدُ الْمُوجِبُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِحِسَابِهِ مِنْ الطَّعَامِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَثَلًا مِثْلَ رُبْعِ الرُّبْعِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ رُبْعِ الشَّاةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: أَيْ لَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الشَّارِبِ مِثْلَ رُبْعِ رُبْعِ اللِّحْيَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثُلُثَ الرُّبْعِ أَوْ نِصْفَ الرُّبْعِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَفِي الْأَوَّلِ ثُلُثُ الشَّاةِ، وَفِي الثَّانِي نِصْفُ الشَّاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى يُوَازِيَ الْإِطَارَ) الْإِطَارُ عَلَى وَزْنِ كِتَابٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ حَلْقَ الشَّارِبِ هُوَ السُّنَّةُ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: بِأَنَّ الْحَلْقَ بِدْعَةٌ احْتِجَاجًا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «عَشْرٌ مِنْ فِطْرَتِي وَذَكَرَ مِنْهَا الشَّارِبَ» وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا رحمهم الله بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «اُحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى» وَالْإِحْفَاءُ الِاسْتِئْصَالُ، وَالْقَصُّ مُحْتَمَلٌ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا رَوَيْنَا؛ لِأَنَّهُ مُحْكَمٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ الْقَصِّ، وَالْقَصُّ حَسَنٌ جَائِزٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْإِعْفَاءُ تَرْكُهَا) اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مَا هُوَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَرْكُهَا حَتَّى تَطُولَ فَذَلِكَ إعْفَاؤُهَا مِنْ غَيْرِ قَصٍّ، وَلَا قَصْرٍ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: الْإِعْفَاءُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَمَا زَادَ قَطَعَهُ)؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ وَرَدَ بِالْإِعْفَاءِ، وَهُوَ التَّكْثِيرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَتَّى عَفَوْا} [الأعراف: 95] أَيْ كَثُرُوا وَلِأَنَّ اللِّحْيَةَ لَمَّا كَانَتْ زِينَةً كَانَ كَثْرَتُهَا وَكَثَافَتُهَا مِنْ كَمَالِ الزِّينَةِ وَتَمَامِهَا، فَأَمَّا الطُّولُ إذَا فَحُشَ فَهُوَ خِلَافُ الزِّينَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا) فِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْبَدَائِعِ: وَإِذَا كَانَ الْحَالِقُ حَلَالًا فَلَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ: وَأَمَّا الْحَلَالُ إذَا حَلَقَ رَأْسَ الْمُحْرِمِ فَلَيْسَ عَلَى الْحَالِقِ شَيْءٌ. اهـ.

ص: 55