الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَيَدْخُلُ مِلْكُ الْمُتْعَةِ فِيهَا ضِمْنًا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُهُ ثُمَّ يَحْتَاجُ هُنَا إلَى مَعْرِفَةِ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ تَفْسِيرُ النِّكَاحِ شَرِيعَةً وَلُغَةً، وَسَبَبُهُ وَشَرْطُهُ وَرُكْنُهُ وَحُكْمُهُ وَصِفَتُهُ أَمَّا تَفْسِيرُهُ شَرْعًا فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ لُغَةً فَهُوَ الْوَطْءُ حَقِيقَةً قَالَهُ الْمُطَرِّزِيُّ وَالْأَزْهَرِيُّ وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ
إذَا سَقَى اللَّهُ قَوْمًا صَوْبَ غَادِيَةٍ
…
فَلَا سَقَى اللَّهُ أَرْضَ الْكُوفَةِ الْمَطَرَا
التَّارِكِينَ عَلَى طُهْرٍ نِسَاءَهُمْ
…
وَالنَّاكِحِينَ بِشَطَّيْ دِجْلَةَ الْبَقَرَا
وَهُوَ مَجَازٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ ضَمٌّ، وَالنِّكَاحُ هُوَ الضَّمُّ حَقِيقَةً قَالَ الشَّاعِرُ
ضَمَمْت إلَى صَدْرِي مُعَطَّرَ صَدْرِهَا
…
كَمَا نَكَحَتْ أُمُّ الْغُلَامِ صَبِيَّهَا
أَيْ كَمَا ضَمَّتْ، أَوْ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ لِذَلِكَ، وَسَبَبُهُ تَعَلُّقُ بَقَاءِ الْعَالَمِ بِهِ بِالتَّنَاسُلِ وَالتَّوَالُدِ
وَشَرْطُهُ نَوْعَانِ عَامٌّ وَخَاصٌّ فَالْأَوَّلُ الْمَحَلُّ الْقَابِلُ وَالْأَهْلِيَّةُ مِنْ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْخَاصُّ الْإِشْهَادُ وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَحُكْمُهُ ثُبُوتُ الْحِلِّ وَالْمِلْكِ لَهُ وَثُبُوتُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَصِفَتُهُ إمَّا فَرْضٌ أَوْ سُنَّةٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ رحمه الله (وَهُوَ سُنَّةٌ وَعِنْدَ التَّوَقَانِ وَاجِبٌ) أَيْ النِّكَاحُ سُنَّةٌ وَعِنْدَ شِدَّةِ الِاشْتِيَاقِ وَاجِبٌ لِيُمْكِنَهُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا؛ لِأَنَّ تَرْكَ الزِّنَا وَاجِبٌ وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ يَكُونُ وَاجِبًا كَوُجُوبِهِ، وَعِنْدَ عَدَمِ التَّوَقَانِ سُنَّةٌ حَتَّى كَانَ الِاشْتِغَالَ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ النَّفَلُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله هُوَ يَقُولُ إنَّ النِّكَاحَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ حَتَّى صَحَّ مِنْ الْكَافِرِ وَالْعِبَادَةُ أَوْلَى مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلَّهِ تَعَالَى وَشَرَعَ الْمُعَامَلَاتِ لِلْعِبَادِ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ كَانَ عَلَى دِينِي وَدِينِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ وَإِبْرَاهِيمَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَيْهِ سَبِيلًا فَلْيُجَاهِدْ فِي سَبِيلِ» اللَّهِ فَجَعَلَ النِّكَاحَ مِنْ الدِّينِ، وَقَدَّمَهُ عَلَى الْجِهَادِ وَاخْتَارَ لِنَفْسِهِ الِاشْتِغَالَ بِهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ أَفْضَلُ وَقَدْ «هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَتَخَلَّوْا لِلْعِبَادَةِ وَيُطَلِّقُوا نِسَاءَهُمْ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ وَقَالَ تَنَاكَحُوا تَوَالَدُوا تَكَاثَرُوا فَإِنِّي أُبَاهَى بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» هَذَا أَمْرٌ وَقَدْ عُرِفَ مُقْتَضَاهُ فِي مَوْضِعِهِ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «النِّكَاحُ سُنَّتِي فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» وَلِأَنَّ فِيهِ انْتِظَامَ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ؛ إذْ لَا يَتَهَيَّأُ إلَّا بِمَصَالِحِ الْبَدَنِ، وَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِخَارِجِ الْبَيْتِ وَدَاخِلِهِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَقُومُ بِالْوَاحِدِ، وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ اسْتِنَانٌ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ الْمَوْصُوفِ بِالْخُلُقِ الْعَظِيمِ عليه الصلاة والسلام فَإِنْ تَحَمُّلَ سُوءِ الْخُلُقِ مِنْ أَخْلَاقِ الْأَبْرَارِ، وَفِيهِ انْضِمَامُ الذَّكَرِ إلَى الْأُنْثَى غَايَةَ الِانْضِمَامِ إذْ لَا بَقَاءَ لِهَذَا الْعَقْدِ إلَّا بِالِالْتِئَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: قَالَهُ الْمُطَرِّزِيُّ وَالْأَزْهَرِيُّ) أَيْ وَصَاحِبُ الصِّحَاحِ وَطِلْبَةِ الطَّلَبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ) وَعَزَاهُ فِي الدِّرَايَةِ إلَى النَّجَاشِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ صَوْبَ غَادِيَةٍ) الْغَادِيَةُ سَحَابَةٌ تَنْشَأُ صَبَاحًا. اهـ. ص (قَوْلُهُ: فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ لِذَلِكَ) قُلْت: وَلِهَذَا لَا يُسَمَّى غَيْرُهُ مِنْ الْعُقُودِ نِكَاحًا كَالتَّسَرِّي وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْوَطْءِ لَا مَحَالَةَ. اهـ. سَرُوجِيٌّ
[شُرُوط النِّكَاح وَأَرْكَانه]
(قَوْلُهُ فَالْأَوَّلُ الْمَحَلُّ) قَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا الْمَحَلِّيَّةُ فَمِنْ الشُّرُوطِ الْعَامَّةِ وَتَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَشْيَاءِ وَالْأَحْكَامِ كَمَحَلِّيَّةِ الْمَبِيعِ لِلْبَيْعِ وَالْأُنْثَى لِلنِّكَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْخَاصُّ الْإِشْهَادُ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: شَرْطُهُ الْخَاصُّ بِهِ سَمَاعُ اثْنَيْنِ بِوَصْفٍ خَاصٍّ يَذْكَرُ اهـ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ: وَالْخَاصُّ الْإِشْهَادُ؛ إذْ الْإِشْهَادُ لَيْسَ بِشَرْطٍ اهـ قَالَ الشَّيْخ بَاكِيرٌ رحمه الله: وَشَرْطُهُ الْخَاصُّ: حُضُورُ شَاهِدَيْنِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِهِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ فِيهَا لِلظُّهُورِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَا لِلِانْعِقَادِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ: شَرْطُهُ الَّذِي لَا يَخُصُّهُ الْأَهْلِيَّةُ بِالْعَقْلِ وَبِالْبُلُوغِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ فِي الْوَلِيِّ لَا فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، وَلَا فِي مُتَوَلِّي الْعَقْدِ فَإِنَّ تَزْوِيجَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ جَائِزٌ، وَتَوْكِيلُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا فِي الْبَيْعِ فَصِحَّتُهُ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ سَفِيرٍ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَشَرْطُ النَّفَاذِ بِلَا إذْنِ أَحَدٍ اهـ
(قَوْلُهُ: وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) أَيْ حَتَّى لَا يَنْعَقِدَ بِالتَّعَاطِي اهـ قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ: حَتَّى لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِرَجُلٍ: زَوَّجْتُك نَفْسِي مِنْك بِدِينَارٍ فَدَفَعَ الدِّينَارَ إلَيْهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَقُلْ بِلِسَانِهِ شَيْئًا لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ اهـ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ السِّغْنَاقِيِّ: وَهَذَا الْعَقْدُ لَا يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي مُبَالَغَةً فِي صِيَانَةِ الْأَبْضَاعِ مِنْ الْهَتْكِ. اهـ. (قَوْلُهُ: النِّكَاحُ سُنَّةٌ) أَيْ حَالَةَ الِاعْتِدَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ عَدَمِ التَّوَقَانِ سُنَّةٌ) قَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا فِي حَالَةِ الِاعْتِدَالِ فَدَاوُد وَأَتْبَاعُهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى الْوَطْءِ وَالْإِنْفَاقِ، وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا، فَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ: وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَقِيلَ: مُسْتَحَبٌّ وَقِيلَ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِ مَنْ أَطْلَقَ الِاسْتِحْبَابَ وَكَثِيرًا مَا يُتَسَامَحُ فِي إطْلَاقِ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى السُّنَّةِ اهـ مَعَ اخْتِصَارِ قَوْلِهِ وَقِيلَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ أَيْ وَقِيلَ وَاجِبُ عَيْنٍ كَالْوِتْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: هُوَ يَقُولُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ إيجَابٌ وَقَبُولٌ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَلْيَتَزَوَّجْ) أَمَرَ بِهِ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَلْيُجَاهِدْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ذَكَرَهُ فِي الْفِرْدَوْسِ وَصَحَّحَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَدَّمَهُ عَلَى الْجِهَادِ) أَيْ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجِهَادَ أَفْضَلُ مِنْ النَّافِلَةِ فَمَا كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى الْأَفْضَلِ فَهُوَ أَفْضَلُ قَطْعًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَثَبَتَ أَنَّهُ أَفْضَلُ) قَالَ شَمْسُ الدِّينِ سِبْطُ بْنِ الْجَوْزِيِّ فِي إيثَارِ الْإِنْصَافِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ قُلْت: ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ قَوْلَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ انْضِمَامُ الذَّكَرِ إلَى الْأُنْثَى) أَيْ وَبِهِ يَحْصُلُ الْإِعْفَافُ اهـ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْكَمَالُ: وَيُسْتَحَبُّ مُبَاشَرَةُ عَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ، وَكَذَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَةِ الزِّفَافِ وَالْمُخْتَارُ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى مَفْسَدَةٍ دِينِيَّةٍ وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفِّ» وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْهَا رضي الله عنها قَالَتْ «زَفَفْنَا
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] وَهَذِهِ الْوُجُوهُ يُتَرَجَّحُ بِهَا عَلَى التَّخَلِّي لِلنَّوَافِلِ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - مَدَحَ يَحْيَى بِكَوْنِهِ سَيِّدًا وَحَصُورًا وَهُوَ مَنْ لَا يَأْتِيَ النِّسَاءَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ أَفْضَلَ لَمَا اسْتَحَقَّ الْمَدْحَ بِتَرْكِهِ قُلْنَا: نَحْنُ لَا نُنْكِرُ فَضْلَ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ وَاسْتِحْقَاقِ الْمَدْحِ بِهِ، وَلَكِنْ نَقُولُ: الِاشْتِغَالُ بِالنِّكَاحِ أَفْضَلُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ فِي شَرِيعَتِهِمْ ثُمَّ نُسِخَ فِي شَرِيعَتِنَا فَصَارَتْ الْعِشْرَةُ أَفْضَلَ مِنْ الْعُزْلَةِ كَمَا نُسِخَتْ الرَّهْبَانِيَّةُ وَالْخِصَاءُ
قَالَ رحمه الله (وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ وُضِعَا لِلْمَاضِي أَوْ أَحَدِهِمَا) أَيْ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِلَفْظَيْنِ وُضِعَا لِلْمَاضِي، أَوْ وُضِعَ أَحَدُهُمَا لِلْمَاضِي، وَالْآخَرُ لِلْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ فَيَنْعَقِدُ بِهِمَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَاخْتَصَّ بِمَا يُنْبِئُ عَنْ الْمَاضِي؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ، وَهُوَ إثْبَاتُ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا، وَلَيْسَ لَهُ لَفْظٌ يَخْتَصُّ بِهِ بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ فَاسْتُعْمِلَ فِيهِ لَفْظٌ يُنْبِئُ عَنْ الثُّبُوتِ، وَهُوَ الْمَاضِي دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ يُعْرَفُ بِالشَّرْعِ لَا بِاللُّغَةِ فَكَانَ مَا يُنْبِئُ عَنْ الثُّبُوتِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُمَا الثُّبُوتُ دُونَ الْوَعْدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ أَيْضًا فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَاضِيًا، وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: زَوِّجْنِي، فَيَقُولُ: زَوَّجْتُك؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: زَوِّجْنِي تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ وَقَوْلُهُ: زَوَّجْتُك امْتِثَالٌ لِأَمْرِهِ فَيَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هُوَ تَوْكِيلٌ فِي ضِمْنِ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ قَبُولُهُ بِتَحْصِيلِ الْفِعْلِ بِالْمَجْلِسِ فَإِذَا قَامَ قَبْلَ الْفِعْلِ فَقَدْ قَامَ قَبْلَ الْقَبُولِ فَيَبْطُلُ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: زَوِّجْنِي يُرَادُ بِهِ التَّحْقِيقُ عَادَةً لَا سَوْمًا لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ غَالِبًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ بِقَوْلِهِ: زَوَّجْتُك بَعْدَ قَوْلِهِ: زَوِّجْنِي كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَلْحَقَ الْوَلِيَّ بِذَلِكَ عَارٌ فَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: جِئْت خَاطِبًا بِنْتَك أَوْ لِتُزَوِّجْنِيهَا فَقَالَ زَوَّجْتُكَهَا انْعَقَدَ وَلَزِمَ، قَالَ رحمه الله (وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ مَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْحَالِ) أَيْ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ إلَّا بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي الْحَالِ عَنْ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا فِي الْحَالِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَيْسَ حَقِيقَةً فِيهِ وَلَا مَجَازًا عَنْهُ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لِلتَّلْفِيقِ وَالنِّكَاحُ لِلضَّمِّ حَتَّى يُرَاعَى فِيهِ مَصَالِحُ الْمُتَنَاكِحِينَ وَلَا ضَمَّ وَلَا ازْدِوَاجَ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكَةِ أَصْلًا حَتَّى لَا يُرَاعَى فِيهِ إلَّا مَصَالِحُ الْمَالِكِ وَلِأَنَّ الْإِشْهَادَ فِيهِ شَرْطٌ
وَالْكِنَايَةُ يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى النِّيَّةِ، وَلَا اطِّلَاعَ لِلشُّهُودِ عَلَى النِّيَّاتِ؛ وَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ مُفْسِدٌ لِلنِّكَاحِ، وَكَذَا الْهِبَةُ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ: وَهَبْتُك لِأَهْلِك فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِضِدِّهِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
امْرَأَةً إلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَا عَائِشَةُ أَمَا يَكُونُ مَعَهُمْ لَهْوٌ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ» وَقَالَ الْفُقَهَاءُ: الْمُرَادُ بِالدُّفِّ مَا لَا جَلَاجِلَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا نُسِخَتْ الرَّهْبَانِيَّةُ وَالْخِصَاءُ) الْخِصَاءُ هُوَ الِاعْتِزَالُ عَنْ النِّسَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ الرُّهْبَانُ كَأَنَّهُ خِصَاءٌ مَعْنًى اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ إلَخْ) وَفِي الْبَدَائِعِ: وَالْفَوْرُ فِي الْقَبُولِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي التَّجْرِيدِ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ فِي الْمَجْلِسِ قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْفَوْرِ قَالَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ: بِلَفْظَيْنِ) الْمُرَادُ بِاللَّفْظَيْنِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَالْحُكْمِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مُتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ أَوْ مَا يَخُصُّ الْحَقِيقَةَ. اهـ. كَمَالٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَإِنَّمَا قَيَّدَ انْعِقَادَهُ بِاللَّفْظِ لِيُخْرِجَ الْكِتَابَةَ فَإِنَّهُ لَوْ كَتَبَ رَجُلٌ عَلَى شَيْءٍ لِامْرَأَةٍ زَوِّجِينِي نَفْسَك فَكَتَبَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ عَقِيبَهُ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الْكَاتِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلًا) وَفِي الْيَنَابِيعِ يُرِيدُ بِالْمُسْتَقْبَلِ لَفْظَ الْأَمْرِ، وَفِيهِ: وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ يَصْلُحُ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ مِثْلِ أَتَزَوَّجُك وَأُنْكِحُك. اهـ. تَتَارْخَانِيَّةُ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ) أَيْ فَلَمْ يَكُنْ انْعِقَادُهُ بِلَفْظَيْنِ، وَإِنَّمَا اللَّفْظُ الْأَوَّلُ تَوْكِيلٌ مِنْهُ لَا غَيْرُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَلَّى فِيهِ الْوَاحِدُ طَرَفَيْ الْعَقْدِ إلَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ اسْتِحْسَانًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَوَّلُهَا أَنَّ الْحُقُوقَ فِي الْبَيْعِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ فَلَوْ تَوَلَّى الْوَاحِدُ طَرَفَيْ الْبَيْعِ أَفْضَى إلَى التَّنَافِي، وَلَا كَذَلِكَ النِّكَاحُ، فَإِنَّ وَكِيلَ الزَّوْجِ لَا يُطَالِبُ بِتَسْلِيمِ الْمَهْرِ، وَلَا غَيْرِهِ مِنْ حُقُوقِهِ؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ فِيهِ، وَكَذَا وَكِيلُ الزَّوْجَةِ لَا يُطَالِبُ بِتَسْلِيمِهَا بَلْ هُوَ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ عَنْهَا كَذَا فِي الْغَايَةِ، وَبَقِيَّةُ الْأَوْجُهِ مَذْكُورَةٌ فِي الشَّرْحِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ) أَيْ الثَّانِيَ اهـ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ) أَيْ الثَّالِثَ. اهـ. (قَوْلُهُ: زَوِّجْنِي) أَيْ وَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِ الْوَلِيِّ زَوَّجْتُكَ قَبِلْتُ (قَوْلُهُ: فَيَلْحَقُ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ عَارٌ) وَيُقَالُ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْبَيْعِ) أَيْ حَيْثُ لَا عَارَ فِي رَدِّهِ (قَوْلُهُ: فَقَالَ زَوَّجْتُكَهَا إلَخْ) وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَتْ: قَدْ تَزَوَّجْتُك عَلَى ذَلِكَ صَحَّ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْصُرُهُ السَّوْمُ فَكَانَ الظَّاهِرُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ الْإِيجَابَ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي بِأَلْفٍ فَقَالَ: قَبِلْت، وَسَكَتَ عَنْ الْمَهْرِ صَحَّ، وَإِنْ قَالَ: قَبِلْت، وَلَا أَقْبَلُ الْمَهْرَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ رَدٌّ، وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ تَبَعٌ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: لَوْ قَالَ: زَوِّجْنِي ابْنَتَك فَقَالَ: ارْفَعْهَا وَاذْهَبْ بِهَا حَيْثُ شِئْت بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ لَا يَنْعَقِدُ، وَقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: يَنْعَقِدُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ صِرْتِ امْرَأَةً لِي فَقَالَتْ: نَعَمْ أَوْ صِرْتُ لَك، اخْتِيَارُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ وَابْنُ حَنْبَلٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَيْسَ حَقِيقَةً فِيهِ) أَيْ فِي النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا مَجَازًا عَنْهُ) أَيْ عَنْ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً} [الأحزاب: 50] إلَخْ)
{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا} [الأحزاب: 50] وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» وَرَدَا فِي النِّكَاحِ وَلَا يُقَالُ الِانْعِقَادُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ خَاصٌّ بِهِ عليه الصلاة والسلام بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50]؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الِاخْتِصَاصُ وَالْخُلُوصُ فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا مُقَابَلَةٌ بِمَنْ آتَى مَهْرَهَا فِي قَوْلِهِ {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50] إلَى قَوْلِهِ {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً} [الأحزاب: 50] وَبِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} [الأحزاب: 50] وَالْحَرَجُ بِلُزُومِ الْمَهْرِ دُونَ لَفْظِ التَّزْوِيجِ وَبِنَفْيِ الْمَهْرِ تَحْصُلُ الْمِنَّةُ الَّتِي سِيقَ الْكَلَامُ لِأَجْلِهَا لَا بِإِقَامَةِ لَفْظٍ مَقَامَ لَفْظٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخُلُوصُ فِي أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ وَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ بِوَاسِطَةِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُهَا وَالسَّبَبِيَّةُ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ
وَقَوْلُهُ: التَّمْلِيكُ مُفْسِدٌ لِلنِّكَاحِ، وَالْهِبَةُ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ إلَخْ يُنْتَقَضُ بِقَوْلِهِ: تَزَوَّجِي فَإِنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِهِ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، وَهُوَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ، وَالتَّمْلِيكُ لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُحَرِّمٌ عَلَيْهِ أَمَتَهُ، وَإِنَّمَا يُفْسِدُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَبْطَلَ مَالِكِيَّةَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ ثَبَتَ لَهَا بِالنِّكَاحِ ضَرْبُ مِلْكٍ عَلَى الزَّوْجِ فِي مَوَاجِبِ النِّكَاحِ مِنْ طَلَبِ الْقَسْمِ وَتَقْدِيرِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْمَنْعِ عَنْ الْعَزْلِ وَغَيْرِهَا وَبِالتَّمْلِيكِ بَطَلَ ذَلِكَ وَصَارَتْ مَمْلُوكَةً مَحْضَةً، وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: لَا اطِّلَاعَ لِلشُّهُودِ عَلَى النِّيَّاتِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ مَعَ ذِكْرِ الْمَهْرِ وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ مُطْلَقًا لِعَدَمِ اللَّبْسِ كَقَوْلِهِمْ: لِلشُّجَاعِ أَسَدٌ، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَجَازِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا صَرَّحَا بِهِ وَلَمْ يَبْقَ الِاحْتِمَالُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْمَمْلُوكُ بِهِ غَيْرُ مَالٍ قُلْنَا طَرِيقُ الْمَجَازِ مَوْجُودٌ فِيهِ فَصَارَ كَالْهِبَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي كِتَابِ الْحُدُودِ
وَقَالَ: إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ قَالَ تَزَوَّجْتُهَا أَوْ اشْتَرَيْتهَا سَقَطَ الْحَدُّ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا وَجَعَلَهُ دَعْوَى النِّكَاحِ وَبِلَفْظِ السَّلَمِ قِيلَ يَنْعَقِدُ، وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ وَكَذَا فِي الصَّرْفِ رِوَايَتَانِ وَفِي الْقَرْضِ قِيلَ يَنْعَقِدُ وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ وَقِيلَ الْأَوَّلُ قِيَاسُ قَوْلِهِمَا وَالثَّانِي قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ بِالْقَبْضِ يَثْبُتُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يَثْبُتُ وَبِالْجُعْلِ يَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْمِلْكَ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَفِي النَّوَادِرِ إذَا قَالَ أَوْصَيْت لَك بِبِنْتِي لِلْحَالِ يَنْعَقِدُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ إذَا طَلَبَ الزَّوْجُ مِنْهَا النِّكَاحَ حَتَّى لَوْ طَلَبَ مِنْهَا التَّمْكِينَ مِنْ الْوَطْءِ فَقَالَتْ: وَهَبْت نَفْسِي مِنْك، وَقَبِلَ الزَّوْجُ لَا يَكُونُ نِكَاحًا كَذَا فِي الْمَطْلَعِ وَإِلَيْهِ أُشِيرَ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ اهـ وَأَيْضًا إنَّمَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ إذَا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ حُرَّةً أَمَّا إذَا كَانَتْ أَمَةً كَانَ الْعَقْدُ هِبَةً نَصَّ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ رحمه الله فِي تَوْضِيحِهِ فِي فَصْلِ عَلَاقَاتِ الْمَجَازِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّا نَقُولُ: الِاخْتِصَاصُ وَالْخُلُوصُ إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخُلُوصُ أَمْرَيْنِ: الِانْعِقَادُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَشَرْعِيَّتُهُ بِغَيْرِ مَهْرٍ يَلْزَمُ كَثْرَةُ الِاخْتِصَاصِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اخْتِصَاصِهِ عَنْ أَمَتِهِ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَإِمَامُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ عَلِيٌّ رضي الله عنه فَإِنَّ رَجُلًا وَهَبَ ابْنَتَهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُزْءٍ عِنْدَ شَاهِدَيْنِ فَأَجَازَ ذَلِكَ عَلِيٌّ رضي الله عنه اهـ
(قَوْلُهُ: فِي سُقُوطٍ) أَيْ الَّذِي لَا يَجُوزُ خُلُوُّ النِّكَاحِ عَنْهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْمَهْرِ) أَيْ لَا فِي اللَّفْظِ فَإِنَّ الْمَجَازَ لَا يَخْتَصُّ بِحَضْرَةِ الرِّسَالَةِ. اهـ. تَنْقِيحُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ: دُونَ لَفْظِ التَّزْوِيجِ) خُصُوصًا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْصَحِ الْعَرَبِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فِي أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ) أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُهَا) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْبَهَائِمِ وَالْغِلْمَانِ وَالْمَحَارِمِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَالسَّبَبِيَّةُ) فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ فَإِطْلَاقُ السَّبَبِ، وَإِرَادَةُ الْمُسَبِّبِ مِنْ أَقْوَى طُرُقِ الْمَجَازِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهَا) أَيْ النِّيَّةَ اهـ (قَوْلُهُ: يَنْصَرِفُ إلَى الْمَجَازِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ)؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا اسْتَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا صَرَّحَا بِهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ الْمُوجِبُ بِالْكِنَايَةِ أَرَدْت بِهَا عَقْدَ النِّكَاحِ فَلَا اعْتِبَارَ حِينَئِذٍ إلَّا لِإِقْرَارِهِ بِالْتِزَامِ صِحَّةِ النِّكَاحِ بِالْكِنَايَةِ. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ لَا يَنْعَقِدُ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ بِأَنْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ بِعْتُك نَفْسِي أَوْ قَالَ الْأَبُ بِعْت ابْنَتِي مِنْك بِكَذَا وَكَذَا بِلَفْظِ الشِّرَاءِ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْتُك بِكَذَا فَأَجَابَتْ بِنَعَمْ وَكَانَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَلْخِيّ يَقُولُ بِانْعِقَادِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ حَيْثُ قَالَ إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ قَالَ تَزَوَّجْتهَا أَوْ اشْتَرَيْتهَا سَقَطَ الْحَدُّ اهـ وَكَذَا فِي الْغَايَةِ السُّرُوجِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَالْمَمْلُوكُ بِهِ) أَيْ مَنْفَعَتِهِ، وَهِيَ. اهـ. (قَوْلُهُ: طَرِيقُ الْمَجَازِ مَوْجُودٌ) أَيْ وَهُوَ أَنَّ الْبَيْعَ يُوجِبُ مِلْكًا هُوَ سَبَبُ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: وَبِلَفْظِ السَّلَمِ قِيلَ يَنْعَقِدُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَيَنْعَقِدُ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ حَتَّى لَوْ قَبَضَهُ مَلَكَهُ مِلْكًا فَاسِدًا اهـ سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ) أَيْ لِأَنَّ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي الصَّرْفِ رِوَايَتَانِ) قِيلَ: لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ خَاصٌّ فِي أَحَدِ النَّقْدَيْنِ وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي الْعَيْنِ فَفِي الْمَنْفَعَةِ أَوْلَى. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ: وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمَا قَوْلَانِ وَأَنَّ مَنْشَأَهُمَا الرِّوَايَتَانِ اهـ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ فِي الْعَيْنِ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَفِي الْقَرْضِ قِيلَ يَنْعَقِدُ)؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ لِلْمُسْتَقْرِضِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ إعَارَةٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَبِالْجَعْلِ يَنْعَقِدُ إلَخْ) وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي بِالْفَارِسِيَّةِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالْجَعْلِ اهـ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: النِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْجَعْلِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِرَجُلٍ: جَعَلْتُ لَك نَفْسِي بِأَلْفٍ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَقَالَ قَبِلْت يَكُونُ نِكَاحًا، وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ فِي دَعْوَى الْجَامِعِ إذَا قَالَ: جَعَلْتُ ابْنَتِي هَذِهِ لَك بِأَلْفٍ كَانَ نِكَاحًا لِلْمَعْنَى، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي، وَفِي الْمُحِيطِ: وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْجَعْلِ وَبِلَفْظِ الرَّجْعَةِ إنْ كَانَتْ مُبَانَةً اهـ وَفِي الرَّهْنِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ
وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: لَا يَنْعَقِدُ بِالْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّهَا لِلْفَسْخِ
لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ، وَالِانْعِقَادُ بِاعْتِبَارِهِ، وَفِيهِ خِلَافُ الْكَرْخِيِّ هُوَ يَقُولُ: إنَّ الْمُسْتَوْفَى فِي النِّكَاحِ مَنْفَعَةُ حَقِيقَةٍ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ - تَعَالَى - بَدَلَهُ أُجْرَةً بِقَوْلِهِ {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 24] فَتَثْبُتُ الْمُشَاكَلَةُ بَيْنَهُمَا قُلْنَا: الْمَمْلُوكُ بِالنِّكَاحِ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ حَتَّى كَانَ التَّأْبِيدُ مِنْ شَرْطِهِ كَتَمْلِيكِ الْعَيْنِ، وَالتَّأْقِيتُ مُفْسِدٌ لَهُ فَتَثْبُتُ الْمُضَادَّةُ بَيْنَهُمَا فَلَا تَصِحُّ الِاسْتِعَارَةُ
وَلَوْ جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ أُجْرَةً يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ وَالْإِحْلَالِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْإِجَازَةِ بِالزَّايِ وَالرِّضَا وَالْإِبْرَاءِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ وَذُكِرَ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ مَوْضُوعٍ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ إنْ ذُكِرَ الْمَهْرُ وَإِلَّا فَالنِّيَّةُ وَمَا لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لَهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ لَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُ نِكَاحٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كِنَايَاتِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ إجْمَاعًا وَمَا لَا يَنْعَقِدُ بِهِ إجْمَاعًا وَمَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ فَاحْفَظْهُ قَالَ رحمه الله (عِنْدَ حُرَّيْنِ أَوْ حُرٍّ وَحُرَّتَيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، وَلَوْ فَاسِقَيْنِ أَوْ مَحْدُودَيْنِ أَوْ أَعَمِيَيْنِ أَوْ ابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ) يَعْنِي يَنْعَقِدُ بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا إذَا وُجِدَتْ عِنْدَ رَجُلَيْنِ حُرَّيْنِ أَوْ رَجُلٍ حُرٍّ وَامْرَأَتَيْنِ حُرَّتَيْنِ يَعْنِي بِهِ حُضُورَ الشُّهُودِ وَلَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِحُضُورِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: يَجُوزُ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَزَوَّجَ ابْنُ عُمَرَ بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَكَذَا فَعَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ يَجُوزُ بِغَيْرِ شُهُودٍ إذَا أَعْلَنُوا، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَلَوْ بِالدُّفِّ» وَعَلَى هَذَا قَالَ مَالِكٌ لَوْ عَقَدَ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ وَشَرَطَ كِتْمَانَ الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «نَهَى عَنْ نِكَاحِ السِّرِّ» وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» وَأُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بِنِكَاحٍ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ إلَّا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَقَالَ: هَذَا نِكَاحُ السِّرِّ فَلَا أُجِيزُهُ وَلَا يَلْزَمُنَا مَا رَوَوْا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِحُضُورِ الشَّاهِدَيْنِ يَحْصُلُ الْإِعْلَانُ وَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ سِرًّا ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّهَا نُفُوذُ قَوْلِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْغَيْرِ رَضِيَ أَوْ لَمْ يَرْضَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
مَوْضُوعَةٌ وَكَذَا الصُّلْحُ لِكَوْنِهِ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ لَا لِابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الصُّلْحِ وَالْعَطِيَّةِ. اهـ. غَايَةٌ السُّرُوجِيِّ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ) وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِي صِحَّتِهِ حِينَئِذٍ. اهـ. فَتْحٌ وَأَمَّا لَفْظُ الرَّدِّ هَلْ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إمْلَاءَ رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ غِيَاثٍ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا، فَقَالَتْ: رَدَدْت نَفْسِي عَلَيْك، فَقَالَ الزَّوْجُ: قَبِلْت كَانَ نِكَاحًا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاطِفِيُّ: وَالرَّدُّ قَدْ يَكُونُ فِي حُكْمِ الِابْتِدَاءِ. اهـ. تَتَارْخَانِيَّةُ (قَوْلُهُ وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ) أَيْ بِأَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ: آجَرْت نَفْسِي مِنْك بِكَذَا أَوْ يَقُولَ الْأَبُ: آجَرْت ابْنَتِي مِنْك بِكَذَا وَنَوَى بِهِ النِّكَاحَ وَأَعْلَمَ الشُّهُودَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ خِلَافُ الْكَرْخِيِّ) وَمَا قَالَهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالتَّأْقِيتُ مُفْسِدٌ لَهُ) أَيْ وَالتَّأْقِيتُ شَرْطُ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَعَلَتْ الْمَرْأَةُ أُجْرَةً) أَيْ أَوْ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ بِأَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: اسْتَأْجَرْت دَارَك بِابْنَتِي هَذِهِ أَيْ أَوْ أَسْلَمْتهَا إلَيْك فِي كُرِّ حِنْطَةٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ) أَيْ النِّكَاحُ اهـ (قَوْلُهُ وَالرِّضَا وَالْإِبْرَاءِ) أَيْ وَالشَّرِكَةِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْكِتَابَةِ وَالْوَلَاءِ وَالْإِيدَاعِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَا لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لَهُ إلَخْ) وَكُلُّ لَفْظٍ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ تَنْعَقِدُ بِهِ الشُّبْهَةُ حَتَّى يَسْقُطَ بِهِ الْحَدُّ وَيَجِبُ لَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ إنْ دَخَلَ بِهَا. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ لَا يَعْلَمَانِ إلَخْ) وَلَوْ لُقِّنَتْ الْمَرْأَةُ زَوَّجْت نَفْسِي بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا تَعْلَمُ مَعْنَاهُ وَقَبِلَ وَالشُّهُودُ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُونَ صَحَّ كَالطَّلَاقِ وَقِيلَ لَا كَالْبَيْعِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: مَا يَنْعَقِدُ بِهِ إجْمَاعًا) أَيْ مِنْ مَشَايِخِنَا، وَذَلِكَ كَالتَّمْلِيكِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ عِنْدَ حُرَّيْنِ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ يَنْعَقِدُ أَوْ بِقَوْلِهِ: يَصِحُّ اهـ وَقَوْلُهُ: عِنْدَ حُرَّيْنِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ: ثُمَّ قَوْلُ الشَّيْخِ عِنْدَ حُرَّيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حُضُورُهُمَا لِإِسْمَاعِهِمَا؛ لِأَنَّ عِنْدَ لِلْحَضْرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَحْدُودَيْنِ) قَالَ فِي الْحَقَائِقِ مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَحْدُودَيْنِ قَبْلَ ظُهُورِ التَّوْبَةِ إذْ بَعْدَهُ يَنْعَقِدُ اتِّفَاقًا. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ: وَلَنَا قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ») رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. اهـ. فَتْحٌ وَالشُّهُودُ الْحُضُورُ إمَّا مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْحَضْرَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ شَاهِدٍ كَالسُّجُودِ جَمْعِ سَاجِدٍ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ. اهـ. كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ إلَخْ) وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ كَالْقِنِّ لَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَوْ حَضَرَ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ الْعَقْدَ مَعَ غَيْرِهِمَا مِمَّا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ ثُمَّ عَتَقَ الْعَبْدُ، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَاحْتِيجَ إلَى الْأَدَاءِ لِجَحْدِ النِّكَاحِ فَشَهِدَا بِهِ دُونَ مَنْ كَانَ مَعَهُمَا مِمَّنْ الْعَقْدُ بِحُضُورِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صِحَّةُ الْعَقْدِ كَانَتْ بِحُضُورِهِمَا هَذَا، وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ رضي الله عنه جَوَازُ شَهَادَةِ الْعَبْدِ مُطْلَقًا وَاسْتَبْعَدَ نَفْيَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا كِتَابَ وَلَا سُنَّةَ وَلَا إجْمَاعَ فِي نَفْيِهَا وَحَكَى عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ مَا عَلِمْت أَحَدًا رَدَّ شَهَادَةِ الْعَبْدِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - يَقْبَلُهَا عَلَى الْأُمَمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَكَيْفَ لَا يُقْبَلُ هُنَا، وَيُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي رِوَايَةِ الْإِخْبَارِ وَاَلَّذِي ذُكِرَ مِنْ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ مِمَّا يُمْنَعُ فَإِنَّهُ لَا تَلَازُمَ عَقْلًا بَيْنَ تَصْدِيقِ مُخْبِرٍ فِي إخْبَارِهِ بِمَا شَاهَدَهُ بَعْدَ كَوْنِهِ عَدْلًا تَقِيًّا وَبَيْنَ كَوْنِهِ مَمْلُوكَ الْمَنَافِعِ وَلَا شَرْعًا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْتَلَى عَبْدٌ مِنْ اللَّهِ بِالرِّقِّ
وَيُقْبَلُ إخْبَارُهُ كَيْفَ وَلَيْسَ الشَّرْطُ هُنَا كَوْنَ الشَّاهِدِ مِمَّنْ يُقْبَلُ أَدَاؤُهُ وَكَذَا جَازَ بِدَعْوَى الزَّوْجَيْنِ وَلَا أَدَاءَ لَهُمَا، وَغَايَةُ مَا يُلْمَحُ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُجْعَلْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ شَرْطًا، وَلَمْ يَصِحَّ لَهُ تَصَرُّفُ التَّحَقُّقِ بِالْجَمَادَاتِ فِي حَقِّ الْعُقُودِ فَكَانَ حُضُورُهُ كَلَا حُضُورٍ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ وَلِأَنَّ
وَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ فِي أَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ؛ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلَا يُشْتَرَطُ وَصْفُ الذُّكُورَةِ عِنْدَنَا حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحُضُورِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي غَيْرِ الْمَالِ وَتَوَابِعِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَهُ، وَسَيُعْرَفُ فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهَ - تَعَالَى -، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحَضْرَةِ فَاسِقَيْنِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ، وَالْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِ الْإِهَانَةِ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِيهِ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى، وَهُوَ صَوْنُ الْعَقْدِ عَنْ الْجُحُودِ، وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَلَنَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ تَحْرُمْ الْوِلَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ لَا تَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى وَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ أَهْلًا لَهَا أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ
وَقِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْفِسْقَ لَا يُنْقِصُ مِنْ إيمَانِهِ شَيْئًا، وَعَلَى أَنَّ الْعَمَلَ مِنْ شَرَائِعِ الْإِيمَانِ لَا مِنْ نَفْسِهِ وَعِنْدَهُ الشَّرَائِعُ مِنْ نَفْسِ الْإِيمَانِ وَيَزْدَادُ بِالطَّاعَةِ وَيُنْتَقَصُ بِالْمَعْصِيَةِ فَجُعِلَ نُقْصَانُ الدِّينِ كَنُقْصَانِ الْحَالِ بِالرِّقِّ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ إنَّمَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ عِنْدَ الْأَدَاءِ لِلتُّهْمَةِ وَلَا تُهْمَةَ هُنَا لِتَيَقُّنِهِ وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ صَوْنِ الْعَقْدِ عَنْ الْجُحُودِ يَبْطُلُ بِابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ وَبِابْنَيْ أَحَدِهِمَا، وَكَذَا بِالْمَسْتُورَيْنِ وَبِعَدُوَّيْهِمَا عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ تَحَمُّلًا، وَإِنَّمَا الْفَائِتُ ثَمَرَةُ الْأَدَاءِ بِالنَّهْيِ لِجَرِيمَتِهِ فَلَا يُبَالِي بِفَوَاتِهِ كَمَا فِي شَهَادَةِ الْعُمْيَانِ وَابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ ثُمَّ قِيلَ: الشَّرْطُ فِيهِ حُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ لِإِسْمَاعِهِمَا، وَفِي رِوَايَةٍ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِمَا، وَلَوْ عَقَدَ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ الَأَصَمَّيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَبِحَضْرَةِ السُّكَارَى صَحَّ إذَا فَهِمُوا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا بَعْدَ الصَّحْوِ وَلَوْ عَقَدَ بِحَضْرَةِ هِنْدِيَّيْنِ لَمْ يَفْهَمَا كَلَامَهُمَا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ سَمِعَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ فَأُعِيدَ عَلَى الْآخَرِ فَسَمِعَهُ دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا إذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصَمَّ فَأَعَادَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ حَتَّى سَمِعَ لَا يَجُوزُ وَلَوْ سَمِعَ أَحَدُهُمَا كَلَامَ الزَّوْجِ، وَالْآخَرُ كَلَامَ الْمَرْأَةِ ثُمَّ أُعِيدَ فَسَمِعَ الَّذِي كَانَ سَمِعَ كَلَامَ الزَّوْجِ كَلَامَ الْمَرْأَةِ وَالْآخَرُ كَلَامَ الزَّوْجِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَقَالَ أَبُو سَهْلٍ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ يَجُوزُ
قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ تَزْوِيجُ مُسْلِمٍ ذِمِّيَّةً
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
النِّكَاحَ يُعْقَدُ فِي مَحَافِلِ الرِّجَالِ وَالْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ لَا يُدْعَوْنَ فِي مَحَافِلِ الرِّجَالِ عَادَةً فَكَانَ حُضُورُهُمَا كَلَا حُضُورٍ فَحَاصِلُهُ إنَّ اشْتِرَاطَ الشَّهَادَةِ إنَّمَا هُوَ لِإِظْهَارِ الْخَطَرِ وَلَا خَطَرَ فِي إحْضَارِ مُجَرَّدِ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ، وَكَذَا أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي أَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ عَنْ الرِّجَالِ فَشَمِلَ هَذَا الْوَجْهُ نَفْيَ شَهَادَةِ الْكُلِّ وَاعْتِبَارِهِ أَوْلَى أَنْ يَنْفِيَ شَهَادَةَ السُّكَارَى حَالَ سُكْرِهِمْ وَعَرْبَدَتِهِمْ وَإِنْ كَانُوا بِحَيْثُ يَذْكُرُونَهَا بَعْدَ الصَّحْوِ وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي أَدِينُ بِهِ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله
(قَوْلُهُ: حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحُضُورِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إلَخْ) وَأَجَازَ النِّكَاحَ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ مَعًا الشَّعْبِيُّ وَدَاوُد وَأَصْحَابُهُ وَكَذَا فِي إشَارَةِ ابْنِ حَنْبَلٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ وَجَوَّزَهُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعٍ مِنْ النِّسَاءِ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَأَجْمَعُوا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ النِّسْوَةِ الْمُنْفَرِدَاتِ لِأَنَّهُنَّ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَبِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لَا يَنْعَقِدُ، وَهَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: إنَّهُ) أَيْ الْفَاسِقَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ) أَيْ حَتَّى لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ نَفَذَ حُكْمُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْغَيْرَ مِنْ جِنْسِ الْفَاسِقِ وَيَجُوزُ قَلْبُهُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ أَهْلًا لَهَا أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ) أَيْ لِأَنَّ تَقَلُّدَ الْقَضَاءِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْإِمَامِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ) أَيْ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ. اهـ. كَافِي
(قَوْلُهُ: إنَّ الْفِسْقَ لَا يُنْقِصُ مِنْ إيمَانِهِ شَيْئًا) أَيْ عِنْدَنَا. اهـ. (قَوْلُهُ: بِالرِّقِّ وَغَيْرِهِ) أَيْ كَالصِّغَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ) أَيْ وَلَا يَثْبُتُ بِهِمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ: الشَّرْطُ فِيهِ حُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ لِإِسْمَاعِهِمَا) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ وَنَقَلَ عَنْ أَبْوَابِ الْأَمَانِ مِنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا وَعَلَى هَذَا جَوَّزَهُ بِالْأَصَمِّينَ وَالنَّائِمِينَ وَالصَّحِيحُ اشْتِرَاطُ السَّمَاعِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْحُضُورِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ وَرَقَةٍ: وَنَصَّ الْقُدُورِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى اشْتِرَاطِ السَّمَاعِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْحُضُورِ فَلَا يَجُوزُ بِالْأَصَمَّيْنِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ وَعَنْ اشْتِرَاطِ السَّمَاعِ مَا قَدَّمْنَا فِي التَّزَوُّجِ بِالْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الشُّهُودِ مَا فِي الْكِتَابِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْخِطْبَةِ بِأَنْ تَقْرَأَ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِمْ أَوْ سَمَاعِهِمْ الْعِبَارَةَ عَنْهُ بِأَنْ تَقُولَ: إنَّ فُلَانًا كَتَبَ إلَيَّ لِيَخْطُبَنِي ثُمَّ تُشْهِدُ أَنَّهَا زَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا أَمَّا لَوْ لَمْ تَزِدْ عَلَى الثَّانِي لَا يَصِحُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَا فِي التَّفْرِيعِ، وَلَقَدْ أَبْعَدَ عَنْ الْفِقْهِ وَعَنْ الْحِكْمَةِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْ زَادَ النَّائِمِينَ وَنَصَّ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَهُمَا ثُمَّ الشَّرْطُ أَنْ يَسْمَعَا مَعًا كَلَامَهُمَا مَعَ الْفَهْمِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَذَكَرَ فِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ قَالَ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ اهـ إذْ لَوْ سَمِعَ أَحَدُ الشُّهُودِ ثُمَّ أُعِيدَ عَلَى الْآخَرِ فَسَمِعَهُ وَحْدَهُ لَمْ يَكُنْ الثَّابِتُ عَلَى كُلِّ عَقْدٍ سِوَى شَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَإِلَّا فَلَا وَعَنْهُ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِمَا مَعًا وَأَمَّا الثَّانِي فَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِحَضْرَةِ هِنْدِيَّيْنِ لَمْ يَفْهَمَا لَمْ يَجُزْ وَعَنْهُ إنْ أَمْكَنَهُمَا أَنْ يُعَبِّرَا مَا سَمِعَا جَازَ، وَإِلَّا فَلَا، وَحَكَى عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ خِلَافًا فِيهِ، وَجَعَلَ الظَّاهِرَ عَدَمَ الْجَوَازِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِمَا) قَالَ فِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الشُّهُودِ كَلَامَهُمَا، وَفِي نَظْمِ الزندويستي الْأَصَحُّ أَنَّ سَمَاعَهُمَا مَعًا شَرْطٌ، وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ اهـ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكُفَّارِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُدَبَّرِينَ وَالْمُكَاتَبِينَ وَالنَّائِمِينَ وَالْأَصَمِّينَ الَّذِينَ لَا يَسْمَعُونَ الْعَاقِدَيْنِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ) كَذَا ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ
عِنْدَ ذِمِّيَّيْنِ) يَعْنِي بِشَهَادَةِ ذِمِّيِّينَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ فِي النِّكَاحِ شَهَادَةٌ وَلَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَا يَصِحُّ سَمَاعُهُمَا كَلَامَ الْمُسْلِمِ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ وَشَرْطُ انْعِقَادِهِ سَمَاعُ الشَّاهِدَيْنِ شَطْرَيْ الْعَقْدِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا سَمِعَا كَلَامَ الْمَرْأَةِ دُونَ كَلَامِهِ وَلَهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا شُرِطَتْ فِي النِّكَاحِ لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ لَهُ عَلَيْهَا تَعْظِيمًا لِجُزْءِ الْآدَمِيِّ لِشَرَفِهِ لَا لِثُبُوتِ مِلْكِ الْمَهْرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الشَّهَادَةُ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَلِلذِّمِّيِّ شَهَادَةٌ عَلَى مِثْلِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ بَاشَرَ عَقْدَهَا نَفَذَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الرَّجُلِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُعْتَبَرَةٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَهِيَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّطْرَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الشَّطْرَيْنِ ثُمَّ إذَا وَقَعَ التَّنَاكُرُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُنْكِرَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُنْكِرَةَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهَا، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ ابْنَيْهِ مِنْ غَيْرِهَا ثُمَّ تَجَاحَدَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا إنْ كَانَتْ هِيَ الْمُنْكِرَةَ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَبِيهِمَا وَإِنْ كَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُنْكِرَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا بِشَهَادَةِ ابْنَيْهَا مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ تَجَاحَدَا فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُنْكِرَةَ تُقْبَلُ، وَإِلَّا لَا تُقْبَلُ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِشَهَادَةِ ابْنَيْهِمَا ثُمَّ تَجَاحَدَا لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِغَيْرِ الْمُنْكِرِ مِنْهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ الْكَافِرَيْنِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا مُطْلَقًا إلَّا إذَا قَالَا: كَانَ مَعَنَا مُسْلِمَانِ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهَا دُونَهُ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِيهِ أَيْضًا لِإِثْبَاتِهِمَا فِعْلَ الْمُسْلِمِ وَلَا يَثْبُتُ فِعْلُهُ بِشَهَادَةِ الْكَافِرِ كَمُسْلِمٍ ادَّعَى عَبْدًا فِي يَدِ ذِمِّيٍّ فَجَحَدَهُ فَأَقَامَ الْمُسْلِمُ شَاهِدَيْنِ كَافِرَيْنِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ عَبْدُهُ قَضَى لَهُ بِهِ قَاضِي فُلَانٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ فِعْلِ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا وَلَوْ أَسْلَمَا ثُمَّ أَدَّيَا الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ عِنْدَهُمَا مُطْلَقًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَقْدِ إلَّا إذَا قَالَا: كَانَ مَعَنَا مُسْلِمَانِ عِنْدَ الْعَقْدِ
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَ صَغِيرَتَهُ فَزَوَّجَهَا عِنْدَ رَجُلٍ وَالْأَبُ حَاضِرٌ صَحَّ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ حَاضِرًا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ حَاضِرًا يُجْعَلُ مُبَاشِرًا لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ فَيَبْقَى الْوَكِيلُ الْمُزَوِّجُ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا فَيَكُونُ شَاهِدًا مَعَ الرَّجُلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ غَائِبًا؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ مُخْتَلِفٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْأَبُ مُبَاشِرًا فَلَا يَنْتَقِلُ كَلَامُ الْوَكِيلِ إلَيْهِ فَيَبْقَى الرَّجُلُ وَحْدَهُ شَاهِدًا وَبِهِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ وَقَوْلُهُ وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا وَقَعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَ امْرَأَةً فَعَقَدَتْ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى، وَالْأَبُ حَاضِرٌ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَكَذَا قَوْلُهُ: عِنْدَ رَجُلٍ وَقَعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَقَدَ بِحَضْرَةِ امْرَأَتَيْنِ وَالْأَبُ حَاضِرٌ كَانَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ بِنْتَهُ الْبَالِغَةَ بِحَضْرَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَجُزْ لِمَا ذَكَرْنَا
وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ مُبَاشَرَتُهُ حَقِيقَةً يُجْعَلُ مُبَاشِرًا حُكْمًا وَإِلَّا فَلَا؛ وَلِهَذَا جُعِلَ الزَّوْجُ وَاطِئًا حُكْمًا بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ مَا لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا حَقِيقَةً أَوْ شَرْعًا، وَكَذَا الْجَاهِلُ بِالْأَحْكَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ جُعِلَ عَالِمًا تَقْدِيرًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّحْصِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ ابْنَتَهَا الْبَالِغَةَ بِرِضَاهَا بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ جَازَ بِحَضْرَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَجُزْ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتُ صَغِيرَةً لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ كَانَتْ حَاضِرَةً أَوْ لَا لِعَدَمِ الِانْتِقَالِ كَالْأَبِ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَعَقَدَ الْوَكِيلُ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا جَازَ، وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا لَوْ وَكَّلَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَعَقَدَ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ جَازَ إنْ كَانَتْ حَاضِرَةً، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدَهُ فَزَوَّجَ الْوَكِيلُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ) أَيْ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَأَنَّهُمَا سَمِعَا كَلَامَ الْمَرْأَةِ دُونَ كَلَامِهِ) قُلْت: وَفِي هَذَا خِلَافٌ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَرِيبٍ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الذِّمِّيِّ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى مُسْلِمَةٍ لَوْ بَاشَرَ الذِّمِّيَّانِ عَقْدَ الذِّمِّيَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِأَنْ كَانَا وَلِيَّيْنِ لَهَا أَوْ وَكِيلَيْنِ نَفَذَ عَلَى الزَّوْجِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا مَا ظَهَرَ حَالَ الْمُطَالَعَةِ ثُمَّ وَقَفْت عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا فِي الْغَايَةِ وَهَاكَ عِبَارَتَهَا، وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَلَهُمَا طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الذِّمِّيَّ يَصْلُحُ وَلِيًّا لِلذِّمِّيَّةِ فِي تَزْوِيجِهَا وَقَابِلًا لِهَذَا الْعَقْدِ فَيَصْلُحُ شَاهِدًا فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ رُكْنٌ لِلْعَقْدِ، وَالشَّهَادَةُ شَرْطُهُ، فَإِذَا قَامَ الَّذِي بِرُكْنِهِ فَبِشَرْطِهِ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الشَّطْرَيْنِ) أَيْ مَعَ أَنَّ فِيهِ مَعْنًى عَلَى مَا مَرَّ. اهـ. غَايَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُمَا مُسْلِمَانِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَأَسْلَمَا وَشَهِدَا بِالْعَقْدِ عِنْدَ إنْكَارِ الْمُسْلِمِ قُبِلَ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِيهِ أَيْضًا) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ: وَبِهِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: هَذَا تَكَلُّفٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فِي بَابِ النِّكَاحِ فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْلِ الْمُبَاشَرَةِ مِنْ الْمَأْمُورِ إلَى الْآمِرِ حُكْمًا وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَهِيَ مَا إذَا زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الْبَالِغَةَ بِحَضْرَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً جَازَ بِنَقْلِ مُبَاشَرَةِ الْأَبِ إلَيْهَا لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهَا لِلشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُقَدَّرُ أَنْ لَوْ تُصُوِّرَ تَحْقِيقًا وَأَقُولُ: أَرَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فِي الِاحْتِيَاجِ إلَى ذَلِكَ التَّكَلُّفِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ حَاضِرًا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فِي نِكَاحٍ أَمَرَ بِهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فَكَانَ الْأَبُ هُوَ الْمُزَوِّجَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُزَوِّجُ شَاهِدًا، وَإِذَا انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمُبَاشَرَةُ أَيْضًا صَارَ هُوَ الْمُزَوِّجَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ شَاهِدًا. اهـ. أَكْمَلُ (قَوْلُهُ: كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ) وَكَذَا قَوْلُهُ: صَغِيرَتَهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْبَالِغَةَ يَقُومُ وَالِدُهَا مَقَامَ شَاهِدٍ هـ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا جُعِلَ الزَّوْجُ وَاطِئًا حُكْمًا بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ) أَيْ فِي حَقِّ تَكْمِيلِ الْمَهْدِ. اهـ. غَايَةٌ