الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَحِيحٌ وَلَا بَأْسَ بِتَزَوُّجِ النَّهَارِيَّاتِ، وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يَقْعُدَ مَعَهَا نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ قَالَ رحمه الله (وَلَهُ وَطْءُ امْرَأَةٍ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَقَضَى بِنِكَاحِهَا بِبَيِّنَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ تَزَوَّجَهَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، وَفِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رحمه الله لَا يَسْعَهُ أَنْ يَطَأَهَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ الْحُجَّةَ؛ إذْ الشُّهُودُ كَذَبَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَقَضَى عَلِيٌّ بِذَلِكَ، فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِي مِنْهُ بُدٌّ فَزَوِّجْنِي إيَّاهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: شَاهِدَاكِ زَوَّجَاكِ
وَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ لَأَجَابَهَا بِمَا طَلَبَتْ لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهَا، وَلِأَنَّهُ قَضَى بِمَا فِي وُسْعِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِنَفَاذِهِ؛ وَلِهَذَا إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ يَنْفُذُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ يَقِينًا، وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِلْجَارِيَةِ إذَا أَنْكَرَ الشِّرَاءَ وَحَلَفَ عِنْدَ الْقَاضِي وَفَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا جَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطَأَهَا، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَاذِبٌ، وَكَذَا اللِّعَانُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ شَهَادَةٌ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا بِيَقِينٍ، وَيَسَعُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَعْلَمُ الْكَذِبَ بِيَقِينٍ ثُمَّ يُجْعَلُ قَضَاءُ الْقَاضِي إنْشَاءً؛ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَحَلًّا لِلْإِنْشَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ أَوْ مُطَلَّقَةً مِنْهُ ثَلَاثًا لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِنْشَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الشُّهُودِ عِنْدَ الْقَضَاءِ فِي قَوْلِ الْعَامَّةِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ انْعِقَادَ الْعَقْدِ فِي ضِمْنِ الْقَضَاءِ، وَمَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ لَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُهُ؛ وَلِهَذَا سَقَطَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَلَمْ يَكُنْ طَلَّقَهَا فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا وَحَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ وَلَا يَحِلُّ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَطَأَهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْفُرْقَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: لَا تَحِلُّ لَا لِلْأَوَّلِ، وَلَا لِلثَّانِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الثَّانِي، فَإِذَا دَخَلَ بِهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ الْعِدَّةِ كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَأْتِيهَا الْأَوَّلُ سِرًّا وَالثَّانِي عَلَانِيَةً، وَقَدْ جَعَلَ لَهَا زَوْجَيْنِ، وَهُوَ مِنْ أَقْبَحِ الْوُجُوهِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ أَنَّ قَضَاءَهُ لَا يَنْفُذُ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَدَّعِيَ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ سَبَبًا بِأَنْ قَالَ: هَذَا مِلْكِي، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ، وَقَضَى بِهِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ فِي الْأَسْبَابِ كَثْرَةً فَلَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ حَتَّى لَوْ ذَكَرَ سَبَبًا مُعَيَّنًا صَارَ عَلَى الْخِلَافِ إنْ كَانَ سَبَبًا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي إنْشَاءً مِثْلَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ سَبَبًا لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي كَالْإِرْثِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ اتِّفَاقًا، وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ رِوَايَتَانِ، وَفِي دَعْوَى الْعِتْقِ وَالنَّسَبِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بَاطِنًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ)
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَهُ وَطْءُ امْرَأَةٍ إلَخْ) لَقَبُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ الْقَاضِي إنْشَاءُ الْعَقْدِ فِيهِ فَلَوْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ، أَوْ هِيَ ادَّعَتْ النِّكَاحَ أَوْ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ كَذِبًا وَبَرْهَنَتْ زُورًا فَقَضَى بِالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ نَفَذَ ظَاهِرًا فَتُطَالِبُ فِي الْحُكْمِ بِالْقَسْمِ وَالْوَطْءِ وَالنَّفَقَةِ وَبَاطِنًا فَيَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَإِنْ عَلِمَ حَقِيقَةَ الْحَالِ وَلَهَا تَمْكِينُهُ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله: قَالَ الْكَاكِيُّ وَالْمَعْنَى مِنْ النَّفَاذِ بَاطِنًا ثُبُوتُ الْحِلِّ وَالتَّحْرِيمِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) أَيْ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ الْحُجَّةَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: ثُمَّ عَلَى الْمُبْتَدِئِ بِالدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ وَإِتْيَانِهَا بِالطَّرِيقِ الْبَاطِلِ إثْمٌ يَا لَهُ مِنْ إثْمٍ غَيْرَ أَنَّ الْوَاطِئَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حِلٍّ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْجَهُ وَقَدْ اسْتَدَلَّ عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ) أَيْ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: جَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطَأَهَا) أَيْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ
(قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَحَلًّا لِلْإِنْشَاءِ) أَيْ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ النِّكَاحِ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ إلَخْ) فَلَوْ ادَّعَى النِّكَاحَ عَلَى امْرَأَةٍ بِمَهْرٍ يَسِيرٍ أَوْ عَلَى الرَّجُلِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ ادَّعَى الْبَيْعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ بِذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الشُّهُودِ عِنْدَ الْقَضَاءِ فِي قَوْلِ الْعَامَّةِ) أَيْ عَلَى قَوْلٍ ذَكَرَهُ الزَّعْفَرَانِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يُشْتَرَطُ) أَيْ وَهُوَ الْأَوْجَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَحَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ) أَيْ عِنْدَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ) أَيْ وَتَحِلُّ لِلثَّانِي. اهـ. لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ التَّطْلِيقَ عَلَى الْغَيْرِ أَحْيَانًا بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ وَأُخْتِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَلَا لِلثَّانِي) قَالَ الْكَاكِيُّ: ثُمَّ فِيمَا قَالَا تَعْطِيلُ التَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَلَا لِلثَّانِي وَلَا يُمْكِنُهَا التَّزَوُّجُ بِزَوْجٍ آخَرَ اهـ. وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ صَدَّرَ الْكَاكِيُّ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ السَّرَخْسِيِّ مِثْلَ مَا ذَكَرَ الشَّارِحُ عَنْ مُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: أَمَّا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فَفِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ بِهِمَا بَاطِنًا رِوَايَتَانِ إذَا ادَّعَى كَذِبًا، وَجْهُ الْمَانِعِيَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَ مَالِ الْغَيْرِ بِلَا عِوَضٍ. اهـ.
[بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ]
قَالَ الْعَلَّامَةُ قِوَامُ الدِّينِ رحمه الله لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ الْمُحَلَّلَاتُ شَرَعَ فِي بَابِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الْبَابَيْنِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَرْأَةِ مُحَلَّلَةً شَرْطُ جَوَازِ النِّكَاحِ، وَكَذَا الْوَلِيُّ وَالْكُفْءُ عَلَى حَسَبِ الِاخْتِلَافِ اعْلَمْ أَنَّ الْوَلِيَّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْمِيرَاثِ وَهُوَ عَاقِلٌ بَالِغٌ لَا يَثْبُتُ
قَالَ رحمه الله (نَفَذَ نِكَاحُ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ بِلَا وَلِيٍّ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا يَقُولُ إنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِوَلِيٍّ إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: إنْ كَانَ الزَّوْجُ كُفْئًا لَهَا جَازَ وَإِلَّا فَلَا، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: جَازَ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كُفْئًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كُفْئًا لَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَيُرْوَى رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا: وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَنْفُذُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ أَصْلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232]، فَلَوْلَا أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ لَمَا مُنِعَ عَنْ الْعَضْلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ أَبْيَنُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ، وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ»
وَقَدْ رَوَوْا فِي كُتُبِهِمْ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً لَيْسَ لَهَا صِحَّةٌ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ حَتَّى قَالَ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَعِينٍ: لَمْ يَصِحَّ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ يَعْنِي عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 234] وقَوْله تَعَالَى {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] وقَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وقَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 230] وَهَذِهِ الْآيَاتُ تُصَرِّحُ بِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمَذْكُورَ فِيهَا مَنْسُوبٌ إلَى الْمَرْأَةِ مِنْ قَوْلِهِ أَنْ يَنْكِحْنَ وَحَتَّى تَنْكِحَ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ النِّكَاحَ صَادِرٌ مِنْهَا، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {فِيمَا فَعَلْنَ} [البقرة: 234] وَ {أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230] صَرِيحٌ بِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَفْعَلُ وَهِيَ الَّتِي تَرْجِعُ، وَمَنْ قَالَ لَا يَنْعَقِدُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ فَقَدْ رَدَّ نَصَّ الْكِتَابِ، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ؛ وَلِأَنَّهَا حُرَّةٌ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ فَتَكُونُ لَهَا الْوِلَايَةُ عَلَى نَفْسِهَا كَالْغُلَامِ وَكَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَاسْتِدْلَالهمَا بِالنَّهْيِ عَنْ الْعَضْلِ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ الْمَنْعِ عَنْ مُبَاشَرَتِهَا الْعَقْدَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا عَنْ الْمُبَاشَرَةِ بَعْدَمَا نُهِيَ عَنْهُ
وَهَذَا كَمَنْ يَقُولُ: نُهِيت عَنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِي حَقُّ الْقَتْلِ لَمَا نُهِيت عَنْهُ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْفَسَادِ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ أَقَرَّتْ بِالنِّكَاحِ صَحَّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا إنْشَاءُ الْعَقْدِ لَمَا صَحَّ كَالرَّقِيقِ وَالصِّغَارِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْكُفْءِ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَشْيَاءِ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْفَتْوَى بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ، وَقَوْلُهُ: نَفَذَ نِكَاحُ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ يَدْخُلُ تَحْتَهُ الثَّيِّبُ وَالْبِكْرُ لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ.
قَالَ:
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وِلَايَةٌ، وَكَذَا الْكَافِرُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْهُ وَالْمُسْلِمُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْكَافِرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْهُ، وَكَذَا الْعَبْدُ لَا وِلَايَةَ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ أَحَدٍ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اهـ، وَقَالَ الْكَمَالُ أَوْلَى الشُّرُوطِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا غَالِبًا الشَّرْطُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ وَهُوَ عَقْدُ الْوَلِيِّ وَالْوَلِيُّ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الْوَارِثُ فَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ وَالْعَبْدُ وَالْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ، الْوِلَايَةُ فِي النِّكَاحِ نَوْعَانِ: وِلَايَةُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ وَهُوَ الْوِلَايَةُ عَلَى الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَوِلَايَةُ إجْبَارٍ وَهُوَ الْوِلَايَةُ عَلَى الصَّغِيرَةِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَكَذَا الْكَبِيرَةُ الْمَعْتُوهَةُ وَالْمَرْقُوقَةُ وَتَثْبُتُ بِأَسْبَابٍ أَرْبَعَةٍ بِالْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ وَالْوَلَاءِ وَالْإِمَامَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: الْأَوْلِيَاءُ جَمْعُ وَلِيٍّ كَأَغْنِيَاءَ جَمْعُ غَنِيٍّ (قَوْلُهُ: نَفَذَ نِكَاحُ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ بِلَا وَلِيٍّ) إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَنْفُذُ بِعِبَارَةِ النِّسَاءِ أَصْلًا) أَيْ أَصِيلَةً كَانَتْ أَوْ وَكِيلَةً.
اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَمَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا أَوْ صَغِيرَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ اهـ.
غَايَةٌ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ النِّكَاحَ صَادِرٌ مِنْهَا)؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ إسْنَادِ الْفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا» إلَخْ) وَالْأَيِّمُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا فِي كِتَابِ الْأَمْثَالِ لِأَبِي عُبَيْدٍ فِي أَمْثَالِ أَكْثَمَ بْنِ صَيْفِيٍّ كُلُّ ذَاتِ بَعْلٍ سَتَئِيمُ يُضْرَبُ لِتَحَوُّلِ الزَّمَنِ بِأَهْلِهِ وَأَنْشَدَ قَوْلَ الْأَوَّلِ:
أَفَاطِمُ إنِّي هَالِكٌ فَتَثَبَّتِي
…
وَلَا تَجْزَعِي كُلُّ النِّسَاءِ تَئِيمُ
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ أَثْبَتَ لِكُلٍّ مِنْهَا وَمِنْ الْوَلِيِّ حَقًّا فِي ضِمْنِ قَوْلِهِ أَحَقُّ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ سِوَى مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ إذَا رَضِيَتْ، وَقَدْ جَعَلَهَا أَحَقَّ مِنْهُ بِهِ اهـ.
فَتْحٌ (قَوْلُهُ: «أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا») وَيُرْوَى مِنْ أَبِيهَا اهـ.
غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ) لَيْسَ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ اهـ.
ق (قَوْلُهُ: وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِالنَّهْيِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْجَوَابُ أَمَّا الْآيَةُ فَمَعْنَاهَا الْحَقِيقِيُّ النَّهْيُ عَنْ مَنْعِهِنَّ عَنْ مُبَاشَرَةِ النِّكَاحِ هَذَا هُوَ حَقِيقَةُ لَا تَمْنَعُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ إذَا أُرِيدَ بِالنِّكَاحِ الْعَقْدُ هَذَا بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِ الْخِطَابِ لِلْأَوْلِيَاءِ وَإِلَّا فَقَدْ قِيلَ لِلْأَزْوَاجِ فَإِنَّ الْخِطَابَ مَعَهُمْ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: 232] أَيْ لَا تَمْنَعُوهُنَّ حِسًّا حَبْسًا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجْنَ (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَشْيَاءِ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ) أَيْ وَلَيْسَ كُلُّ وَلِيٍّ يُحْسِنُ الْمُرَافَعَةَ وَالْخُصُومَةَ وَلَا كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ وَلَوْ أَحْسَنَ الْوَلِيُّ وَعَدَلَ الْقَاضِي فَقَدْ يَتْرُكُ آنِفَةً لِلتَّرَدُّدِ عَلَى أَبْوَابِ الْحُكَّامِ وَاسْتِثْقَالًا لِنَفْسِ الْخُصُومَاتِ فَيَتَقَرَّرُ الضَّرَرُ فَكَأَنَّهُ مَنَعَهُ دَفْعًا لَهُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ عَدَمِ الصِّحَّةِ الْمُفْتَى بِهِ بِمَا إذَا كَانَ لَهَا أَوْلِيَاءٌ أَحْيَاءٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ إنَّمَا كَانَ عَلَى مَا وَجَّهَ بِهِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ دَفْعًا لِضَرَرِهِمْ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَقَرَّرُ لِمَا ذَكَرْنَا أَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهَا فَقَدْ سَقَطَ بِرِضَاهَا بِغَيْرِ الْكُفْءِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْكَفَاءَةِ اهـ.
كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَعَلَى الْمُخْتَارِ لِلْفَتْوَى لَوْ زَوَّجَتْ الْمُطَلَّقَةُ نَفْسَهَا ثَلَاثًا بِغَيْرِ كُفْءٍ وَدَخَلَ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ تَحْفَظَ هَذِهِ فَإِنَّ الْمُحَلِّلَ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ غَيْرَ كُفْءٍ وَأَمَّا لَوْ بَاشَرَ الْوَلِيُّ عَقْدَ الْمُحَلِّلِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ، وَإِذَا جَازَ مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي فَصْلِ الْكَفَاءَةِ اهـ.
- رحمه الله (وَلَا تُجْبَرُ بِكْرٌ بَالِغَةٌ عَلَى النِّكَاحِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لِلْأَبِ وَالْجَدِّ وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ لِجَهْلِهَا بِأَمْرِ النِّكَاحِ فَأَشْبَهَتْ الصَّغِيرَةَ وَلِهَذَا يَقْبِضُ الْأَبُ صَدَاقَهَا؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ بِخِلَافِهَا فَيُحْمَلُ كُلُّ مَا وَرَدَ مِنْ اسْتِئْذَانِ الْبِكْرِ وَاسْتِئْمَارِهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَلَنَا مَا بَيَّنَّا، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«الْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ: «لَا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا وَكَيْفَ إذْنُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تَسْكُتُ» وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَرَدَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَمْرُ وَهُوَ أَقْوَى وُجُوهِ الْأَمْرِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، فَيَكُونُ الِاسْتِئْذَانُ وَاجِبًا كَالِاسْتِئْمَارِ فِي الثَّيِّبِ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْأَبِ وَالْجَدِّ بِذَلِكَ بَلْ فِيهِ «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَوْلِيَاءِ، فَيَكُونُ مَفْهُومُهُ عَلَى زَعْمِهِمْ أَنَّ جَمِيعَ الْأَوْلِيَاءِ أَحَقُّ بِنَفْسِ الْبِكْرِ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ إذَا عَارَضَهُ الْمَنْطُوقُ يُقَدَّمُ الْمَنْطُوقُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَقْوَى
وَأَحَادِيثُنَا تَنُصُّ عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْذَنُ لَا سِيَّمَا حَدِيثُ مُسْلِمٍ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «الْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا» ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْمَفْهُومُ مَعَهُ، وَأَوْضَحُ مِنْهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» يَتَنَاوَلُ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَنْ لَا زَوْجَ لَهَا وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَقْبِضُ الْأَبُ مَهْرَهَا بِرِضَاهَا دَلَالَةً وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ مَعَ نَهْيِهَا قَالَ رحمه الله (فَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا الْوَلِيُّ فَسَكَتَتْ أَوْ ضَحِكَتْ أَوْ زَوَّجَهَا فَبَلَغَهَا الْخَبَرُ فَسَكَتَتْ فَهُوَ إذْنٌ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ رَضِيَتْ» ؛ وَلِأَنَّ جَنْبَةَ الرِّضَا رَاجِحَةٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِي عَنْ إظْهَارِ الرَّغْبَةِ فِيهِ لَا عَنْهُ، وَالضَّحِكُ صَارَ رِضًا دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ السُّكُوتِ فَإِنَّهُ عَلَامَةُ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ بِمَا سَمِعَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا بَكَتْ فَإِنَّهُ دَلِيلُ السَّخَطِ وَالْكَرَاهِيَةِ
وَقِيلَ إذَا ضَحِكَتْ كَالْمُسْتَهْزِئَةِ بِمَا سَمِعَتْ لَا يَكُونُ رِضًا، وَإِذَا بَكَتْ بِلَا صَوْتٍ لَمْ يَكُنْ رَدًّا بَلْ حُزْنٌ عَلَى مُفَارَقَةِ أَهْلِهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ دَمْعَهَا إنْ كَانَ بَارِدًا يَكُونُ رِضًا، وَإِنْ كَانَ حَارًّا لَا يَكُونُ رِضًا وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِئْمَارِ تَسْمِيَةُ الزَّوْجِ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ لَهَا بِهِ الْمَعْرِفَةُ لِتَظْهَرَ رَغْبَتُهَا فِيهِ عَنْ رَغْبَتِهَا عَنْهُ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا: أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَك مِنْ رَجُلٍ وَسَكَتَتْ لَا يَكُونُ رِضًا؛ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أُزَوِّجُك مِنْ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ، وَذَكَرَ جَمَاعَةً فَسَكَتَتْ فَهُوَ رِضًا يُزَوِّجُهَا الْوَلِيُّ مِنْ أَيِّهِمْ شَاءَ، وَإِنْ قَالَ: مِنْ جِيرَانِي أَوْ مِنْ بَنِي عَمِّي إنْ كَانُوا جَمَاعَةً يُحْصَوْنَ فَهُوَ رِضًا وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْمَهْرِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ لِلنِّكَاحِ صِحَّةٌ بِدُونِهِ وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنْ كَانَ الْمُزَوِّجُ هُوَ الْأَبُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا تُجْبَرُ بِكْرٌ بَالِغَةٌ عَلَى النِّكَاحِ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَتِهَا عِنْدَنَا وَإِنْ رَدَّتْهُ بَطَلَ وَإِنْ سَكَتَتْ عِنْدَ اسْتِئْذَانِ وَلِيِّهَا لَهَا فَهُوَ إذْنٌ مِنْهَا اهـ.
غَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ وَمَبْنَى الْخِلَافِ أَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْإِجْبَارِ أَهُوَ الصِّغَرُ أَوْ الْبَكَارَةُ فَعِنْدَنَا الصِّغَرُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْبَكَارَةُ فَانْبَنَى عَلَيْهِ بِهَذِهِ مَا إذَا زَوَّجَ الْأَبُ الصَّغِيرَةَ فَدَخَلَ وَطَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَجُزْ لِلْأَبِ تَزْوِيجُهَا حَتَّى تَبْلُغَ فَتُشَاوَرَ لِعَدَمِ الْبَكَارَةِ، وَعِنْدَنَا لَهُ تَزْوِيجُهَا لِوُجُودِ الصِّغَرِ وَحَاصِلُ وَجْهِ قَوْلِهِ أَنْ أَلْحَقَ الْبِكْرَ الْكَبِيرَةَ بِالْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ فِي ثُبُوتِ وِلَايَةِ إجْبَارِهَا فِي النِّكَاحِ بِجَامِعِ الْجَهْلِ بِأَمْرِ النِّكَاحِ وَعَاقِبَتِهِ، وَنَحْنُ نَمْنَعُ أَنَّ الْجَهْلَ بِأَمْرِ النِّكَاحِ هُوَ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ بَلْ هُوَ مَعْلُومُ الْإِلْغَاءِ لِلْقَطْعِ بِجَوَازِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِمَّنْ جَهِلَهُ لِعَدَمِ الْمُمَارَسَةِ مَعَ أَنَّ الْجَهْلَ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا تَجْهَلُ بَالِغَةٌ مَعْنَى عَقْدِ النِّكَاحِ وَحُكْمِهِ اهـ.
فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا) أَيْ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: فَسَكَتَتْ فَهُوَ إذْنٌ) أَيْ يَمْضِي بِهِ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَدْرِ أَنَّ السُّكُوتَ رِضًا كَذَا فِي الْفَتْحِ فِي أَوَّلِ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ اهـ.
وَقَوْلُهُ: فَسَكَتَتْ الْمُرَادُ بِالسُّكُوتِ الِاخْتِيَارِيُّ فَلَوْ أَخَذَهَا سُعَالٌ أَوْ عُطَاسٌ أَوْ أَخَذَ بِفِيهَا فَخَلَصَتْ فَرَدَّتْ ارْتَدَّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ فِي التَّجْنِيسِ حَتَّى لَوْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا فَسَكَتَتْ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ السُّكُوتَ رِضًا جَازَ وَلَوْ تَبَسَّمَتْ يَكُونُ إذْنًا فِي الصَّحِيحِ اهـ.
فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا بَكَتْ فَإِنَّهُ دَلِيلُ السَّخَطِ) أَيْ وَلَيْسَ بِرَدٍّ حَتَّى لَوْ رَضِيَتْ بَعْدَهُ يَنْفُذُ الْعَقْدُ وَإِنْ قَالَتْ لَا أَرْضَى، ثُمَّ قَالَتْ رَضِيت لَا يَصْلُحُ لِلرَّدِّ اهـ.
غَايَةٌ وَكَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِئْمَارِ) أَيْ يُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ السُّكُوتِ رِضًا بِالِاسْتِئْمَارِ اهـ.
فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله هَذَا اعْتِبَارُهُ قَلِيلُ الْجَدْوَى أَوْ عَدِيمُهُ إذْ الْإِحْسَاسُ بِكَيْفِيَّتَيْ الدَّمْعِ لَا يَتَهَيَّأُ إلَّا لِخَدِّ الْبَاكِي وَلَوْ ذَهَبَ إنْسَانٌ يَحْبِسُهُ لَا يُدْرِكُ حَقِيقَةَ الْمَقْصُودِ، وَلَيْسَ بِمُعْتَادٍ وَلَا يَطْمَئِنُّ الْقَلْبُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْمَهْرِ) أَيْ فِي كَوْنِ السُّكُوتِ رِضًا، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ لِاخْتِلَافِ الرَّغْبَةِ بِاخْتِلَافِ الصَّدَاقِ قِلَّةً وَكَثْرَةً، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمَا يُشْتَرَطُ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَالْأَوْجَهُ الْإِطْلَاقُ وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي تَزْوِيجِهِ الصَّغِيرَةَ بِحُكْمِ الْجَبْرِ وَالْكَلَامُ فِي الْكَبِيرَةِ الَّتِي وَجَبَ مُشَاوَرَتُهُ لَهَا وَالْأَبُ فِي ذَلِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا يَصْدُرُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهَا إلَّا بِرِضَاهَا غَيْرَ أَنَّ رِضَاهَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ عِنْدَ عَدَمِ مَا يُضْعِفُ ظَنَّ كَوْنِهِ رِضًا وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنْ لَا يَصِحَّ بِلَا تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ لَهَا لِجَوَازِ كَوْنِهَا لَا تَرْضَى إلَّا بِالزَّائِدِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بِكَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ فَمَا لَمْ تَعْلَمْ ثُبُوتَهَا لَا تَرْضَى وَصِحَّةُ الْعَقْدِ بِلَا تَسْمِيَةٍ هُوَ فِيمَا إذَا رَضِيت بِالتَّفْوِيضِ وَقَنَعَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ بِدَلَالَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى السُّكُوتِ وَكَوْنُ الظَّاهِرِ مِنْ الْأَبِ أَنْ لَا يَتْرُكَهُ إلَّا لِمَا يَرْبُو عَلَيْهِ لَا يَقْتَضِي رِضَاهَا بِتَرْكِهِ لِذَلِكَ فَقَدْ لَا تَخْتَارُ ذَلِكَ وَالْكَلَامُ فِي الْبِكْرِ الْكَبِيرَةِ وَالْمَسْأَلَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّغِيرَةِ، أَمَّا الْكَبِيرَةُ فَنَفَاذُ تَزْوِيجِ الْأَبِ مَوْقُوفٌ عَلَى رِضَاهَا كَالْوَكِيلِ غَيْرَ أَنَّ سُكُوتَهَا جُعِلَ دَلَالَةً شَرْعًا فَإِذَا عَارَضَهُ تَرْكُ التَّسْمِيَةِ أَوْ تَسْمِيَةُ النَّاقِصِ صَارَ مُحْتَمَلًا عَلَى السَّوَاءِ لِكَوْنِهِ لِلرِّضَا أَوْ لِخَوْفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِهِ فَلَا يَثْبُتُ الرِّضَا بِهِ وَفِي غَيْرِهِ لَيْسَ الِاحْتِمَالُ مُسَاوِيًا بَلْ الرَّاجِحُ جَنْبَةُ الرِّضَا فَمَا اُكْتُفِيَ إلَّا بِالْمَظْنُونِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا اهـ.
أَوْ الْجَدُّ أَبًا لِأَبٍ لَا يُشْتَرَطُ
وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمَا يُشْتَرَطُ وَسُوِّيَ بَيْنَ الِاسْتِئْذَانِ وَبَيْنَ بُلُوغِ الْخَبَرِ بِالتَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّ وَجْهَ الدَّلَالَةِ فِي السُّكُوتِ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: إذَا بَلَغَهَا بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ فَسَكَتَتْ لَا يَكُونُ إجَازَةً مِنْهَا؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ لَا يَكُونُ إجَازَةً وَالْحَاجَةُ هُنَا إلَى الْإِجَازَةِ بِخِلَافِ سُكُوتِهَا قَبْلَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ نَصًّا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ سُكُوتَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ يَكُونُ رَدًّا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَقَالَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِحَضْرَتِهَا فَسَكَتَتْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ رِضًا، وَلَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ مُسْتَوِيَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ فَأَجَازَتْهُمَا مَعًا بَطَلَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَإِنْ سَكَتَتْ بَقِيَا مَوْقُوفَيْنِ حَتَّى تُجِيزَ أَحَدَهُمَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا بَطَلَا؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ إجَازَةٌ لَهُمَا
وَلَوْ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَسَكَتَتْ لَمْ يَكُنْ رِضًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ يُوَافِقُ قَوْلَهُمَا فِي الصَّغِيرَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ لِلنِّكَاحِ صِحَّةً بِدُونِهِ، وَإِنْ سَمَّاهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ وَافِرًا وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ حَتَّى لَا يَكُونَ السُّكُوتُ رِضًا بِدُونِهِ، ثُمَّ الْمُخْبِرُ إنْ كَانَ هُوَ الْوَلِيُّ فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا وَرَسُولُ الْوَلِيِّ كَالْوَلِيِّ وَلَوْ كَانَ الْمُبَلِّغُ فُضُولِيًّا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه خِلَافًا لَهُمَا، وَلَهَا نَظَائِرُ وَهِيَ الشَّفِيعُ إذَا أَخْبَرَ بِبَيْعِ الْمَشْفُوعِ وَالْوَكِيلُ إذَا أَخْبَرَ بِالْعَزْلِ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ إذَا أَخْبَرَ بِالْحَجْرِ وَالْمَوْلَى إذَا أَخْبَرَ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَحَلَّ الْخَبَرِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا مَا هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْكَنَ تَلَقِّيهُ مِنْ جِهَةِ الْعُدُولِ كَإِخْبَارِهِ عليه الصلاة والسلام مِمَّا لَيْسَ فِيهِ عُقُوبَةٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَالْبُلُوغُ لَا الْعَدَدُ وَشَهْرُ رَمَضَانَ مِنْهُ.
ثَانِيهَا مَا هُوَ حَقُّهُ وَهُوَ يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ قِيلَ هُوَ كَالْأَوَّلِ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّوَاتُرُ. ثَالِثُهَا حُقُوقُ الْعِبَادِ وَفِيهِ إلْزَامٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَدَعْوَى الْحُقُوقِ عِنْدَ الْحُكَّامِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ. رَابِعُهَا حُقُوقُ الْعِبَادِ وَفِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَإِخْبَارِ الْبِكْرِ بِتَزْوِيجِ الْوَلِيِّ فَإِنَّهَا يَلْزَمُهَا الْعَقْدُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَسْكُتَ وَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ عَلَى تَقْدِيرِ الرَّدِّ، وَكَذَا الشَّفِيعُ يَلْزَمُهُ سُقُوطُ الشُّفْعَةِ عَلَى تَقْدِيرِ السُّكُوتِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عَلَى تَقْدِيرِ الطَّلَبِ، وَكَذَا الْمَوْلَى إذَا أَخْبَرَ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّصَرُّفِ، وَكَذَا الْوَكِيلُ إنْ تَصَرَّفَ يَلْزَمُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ قَلَّمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ اُشْتُرِطَ فِيهِ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا.
وَخَامِسُهَا حُقُوقُ الْعِبَادِ، وَلَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ أَصْلًا وَهِيَ الْمُعَامَلَاتُ فَيُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ كُلِّ مُمَيِّزٍ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَدَدٍ وَلَا عَدَالَةٍ وَلَا بُلُوغٍ.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا غَيْرُ الْوَلِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ كَالثَّيِّبِ)؛ لِأَنَّ سُكُوتَهَا لِقِلَّةِ الِالْتِفَاتِ إلَى كَلَامِهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ سُكُوتَهَا عِنْدَ اسْتِئْمَارِهَا الْأَجْنَبِيَّ يَكُونُ رِضًا؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِي مِنْ الْأَجْنَبِيِّ أَكْثَرَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ جَعْلَ السُّكُوتِ رِضًا ضَرُورِيٌّ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ عِنْدَ اسْتِئْمَارِهَا الْأَجْنَبِيَّ، وَقَوْلُهُ كَالثَّيِّبِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا، هَكَذَا ذَكَرُوا وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ» ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اشْتِرَاطِ النُّطْقِ فَإِنَّ الْبِكْرَ أَيْضًا تُشَاوَرُ
وَكَذَا الرِّضَا بِالْقَوْلِ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ أَيْضًا بَلْ رِضَاهَا يَتَحَقَّقُ تَارَةً بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهَا رَضِيت وَقَبِلْت وَأَحْسَنْت وَأَصَبْت أَوْ بَارَكَ اللَّهُ لَك أَوْ لَنَا وَنَحْوِهَا، وَتَارَةً بِالدَّلَالَةِ كَطَلَبِ مَهْرِهَا أَوْ نَفَقَتِهَا أَوْ تَمْكِينِهَا مِنْ الْوَطْءِ وَقَبُولِ التَّهْنِئَةِ وَالضَّحِكِ بِالسُّرُورِ مِنْ غَيْرِ اسْتِهْزَاءٍ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي اشْتِرَاطِ الِاسْتِئْذَانِ وَالرِّضَا وَأَنَّ رِضَاهُمَا قَدْ يَكُونُ صَرِيحًا، وَقَدْ يَكُونُ دَلَالَةً، غَيْرَ أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا دَلَالَةً لِحَيَائِهَا دُونَ الثَّيِّبِ؛ لِأَنَّ حَيَاءَهَا قَدْ قَلَّ بِالْمُمَارَسَةِ فَلَا يَدُلُّ سُكُوتُهَا عَلَى الرِّضَا.
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ حَيْضَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ تَعْنِيسٍ أَوْ زِنًا فَهِيَ بِكْرٌ) حَتَّى تَكُونَ أَحْكَامُهَا كَأَحْكَامِ الْبِكْرِ فِي التَّزْوِيجِ فَأَمَّا إذَا زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ حَيْضَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ تَعْنِيسٍ فَلِأَنَّهَا بِكْرٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ مُصِيبَهَا أَوَّلُ مُصِيبٍ لَهَا، وَمِنْهُ الْبُكْرَةُ لِأَوَّلِ النَّهَارِ وَالْبَاكُورَةُ لِأَوَّلِ الثِّمَارِ وَكُلُّ مَنْ بَادَرَ إلَى شَيْءٍ فَقَدْ بَكَّرَ وَأَبْكَرَ، وَيُقَالُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ أَيْ صَلَّاهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، هُوَ يَقُولُ إنَّ الْبِكْرَ اسْمٌ لِامْرَأَةٍ عُذْرَتُهَا قَائِمَةٌ وَالثَّيِّبُ مَنْ زَالَتْ عُذْرَتُهَا وَهَذِهِ قَدْ زَالَتْ عُذْرَتُهَا فَتَكُونُ ثَيِّبًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: أَوْ الْجَدَّ أَبَا الْأَبِ لَا يُشْتَرَطُ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُنْقِصُ مِنْ الْمَهْرِ إلَّا لِغَرَضٍ يَفُوقُ الْمَهْرَ اهـ.
غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَسَوَّى) أَيْ الْمُصَنِّفِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ رِضًا) قَالَ الْكَمَالُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا أَوْ عَرَفَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى تُجِيزَ أَحَدَهُمَا) أَيْ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا يَبْطُلَانِ) أَيْ كَمَا لَوْ أَجَازَتْهُمَا مَعًا وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ.
فَتْحٌ (قَوْلُهُ:: لِأَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ إجَازَةٌ لَهُمَا) وَإِنْ زَوَّجَهَا الْوَلِيَّانِ مُتَعَاقِبَيْنِ بِإِذْنِهَا فَالنِّكَاحُ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا إذَا عُلِمَ وَإِنْ وَقَعَا مَعًا أَوْ جُهِلَ الْمُتَقَدِّمُ بَطَلَا اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَوَّجَهَا) أَيْ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ)، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَكُونُ رِضًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ يُوَافِقُ قَوْلَهُمَا فِي الصَّغِيرَةِ) أَيْ فَإِنَّ الْأَبَ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا وَيَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَكُونَ السُّكُوتُ رِضًا بِدُونِهِ) أَيْ عِنْدَهُمَا مُطْلَقًا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ؛ لِأَنَّهُمَا وَلِيَّانِ فِي النِّكَاحِ عِنْدَهُ أَجْنَبِيَّانِ عِنْدَهُمَا اهـ. زَاهِدِيٌّ، وَكَذَا عَزَاهُ الْكَاكِيُّ إلَى جَامِعِ قَاضِي خَانْ الْمُحِيطِ وَالْمَبْسُوطِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَرَسُولُ الْوَلِيِّ كَالْوَلِيِّ) أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ وَلَا الْعَدَالَةُ اتِّفَاقًا اهـ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ فِيهِمَا فَإِنَّهُمَا قَالَا الْوَاحِدُ كَافٍ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَلَا الْعَدَالَةُ كَالرَّسُولِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْمَوْلَى إذَا أَخْبَرَ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ) أَيْ لِيَكُونَ بَيْعُهُ وَإِعْتَاقُهُ اخْتِيَارًا لِلْفِدَاءِ اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا غَيْرُ الْوَالِي إلَخْ) بِأَنْ كَانَ الْأَبُ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ وَلِيًّا غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ كَالْأَخِ مَعَ الْأَبِ اهـ.
كَمَالٌ
(قَوْلُهُ: فَقَدْ بَكَّرَ وَأَبْكَرَ) أَيَّ وَقْتٍ كَانَ. غَايَةٌ
وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ يَرُدُّهَا إذَا وَجَدَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَنَا أَنَّ الْبِكْرَ إنَّمَا اُكْتُفِيَ بِسُكُوتِهَا لِأَجْلِ حَيَائِهَا، وَهَذَا مَعْنًى قَائِمٌ وَهِيَ بِكْرٌ حَقِيقَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى لِأَبْكَارِ بَنِي فُلَانٍ تَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ شِرَاءِ الْجَارِيَةِ فَقَدْ قِيلَ لَا يَرُدَّهَا إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ
فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُعْتَادَ بَيْنَ النَّاسِ فِي اشْتِرَاطِ الْبَكَارَةِ صِفَةُ الْعُذْرَةِ وَهَذِهِ بِكْرٌ، وَلَيْسَتْ بِعَذْرَاءَ فَيَرُدُّهَا وَالْحُكْمُ فِي مَسْأَلَتِنَا تَعَلَّقَ بِاسْمٍ وَهُوَ بَاقٍ وَأَمَّا إذَا زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِالزِّنَا فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُكْتَفَى بِسُكُوتِهَا؛ لِأَنَّهَا ثَيِّبٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ مُصِيبَهَا عَائِدٌ إلَيْهَا، وَمِنْهُ الْمَثُوبَةُ لِلثَّوَابِ الْعَائِدِ جَزَاءَ عَمَلِهِ وَالْمَثَابَةُ لِلْبَيْتِ الَّذِي يَعُودُ إلَيْهِ النَّاسُ فِي كُلِّ عَامٍ وَالتَّثْوِيبُ الْعَوْدُ إلَى الْإِعْلَامِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ فَيَتَنَاوَلُهَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ» ، وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى لِثَيِّبَاتِ بَنِي فُلَانٍ تَدْخُلُ وَلِأَبْكَارِهِمْ لَا تَدْخُلُ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَإِذَا هِيَ زَالَتْ بَكَارَتُهَا بِالزِّنَا يَرُدُّهَا فَصَارَ كَمَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ أَوْ تَكَرَّرَ زِنَاهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إذْنُهَا صُمَاتُهَا» خَرَجَ جَوَابًا لِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها إنَّهَا تَسْتَحِي فَكَانَتْ الْعِلَّةُ هِيَ الْحَيَاءُ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْبَكَارَةِ فِي ذَلِكَ وَالْحَيَاءُ فِيهَا أَقْوَى فَكَانَ السُّكُوتُ دَلِيلَ الرِّضَا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّيِّبَ أَيْضًا إذَا وُجِدَ مِنْهَا فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا نَفَذَ النِّكَاحُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَوْلُ فَقَطْ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِاسْمِ الثَّيِّبَاتِ وَالْأَبْكَارِ لَا بِالْحَيَاءِ وَهِيَ ثَيِّبٌ حَقِيقَةً
وَكَذَا الشِّرَاءُ تَعَلَّقَ بِوَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ وَقَدْ فَاتَ؛ وَلِأَنَّ الْبَيْعَ تَعَلَّقَ بِالسَّلِيمِ مِنْ الْعَيْبِ، وَالزِّنَا عَيْبٌ وَلَا يُقَالُ النَّصُّ وَرَدَ فِي حَيَاءِ الْبِكْرِ فَلَا يَكُونُ وَارِدًا فِي حَيَاءِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ النَّصُّ وَرَدَ لِأَجْلِ الْحَيَاءِ لَا لِجِهَتِهِ فَيَتَنَاوَلُهُ قَطْعًا إذْ هُوَ الْمُؤَثِّرُ دُونَ جِهَتِهِ وَالْحَيَاءُ فِيهَا أَعْظَمُ حَذَارِ النِّسْبَةَ إلَى الْفَسَادِ؛ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ نَدَبَ إلَى السَّتْرِ، وَفِي إلْزَامِهَا النُّطْقَ إشَاعَةُ الْفَسَادِ مَعَ تَفْوِيتِ مَصَالِحِهَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَظْهَرَهُ حَيْثُ عَلَّقَ بِهِ أَحْكَامًا مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا تَكَرَّرَ زِنَاهَا فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِي بَعْدَ التَّكْرَارِ عَادَةً بَلْ تَجْعَلُهُ مَكْسَبَةً، وَكَذَا إذَا أُخْرِجَتْ وَأُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بَيْنَ النَّاسِ وَعُرِفَتْ بِهِ فَلَا تُخْفِيهِ
وَلَوْ خَلَا بِهَا زَوْجُهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِعُنَّةٍ أَوْ جَبٍّ تُزَوَّجُ كَمَا تُزَوَّجُ الْأَبْكَارُ، وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا بِكْرٌ حَقِيقَةً وَالْحَيَاءُ فِيهَا مَوْجُودٌ.
قَالَ رحمه الله (وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا إنْ اخْتَلَفَا فِي السُّكُوتِ) أَيْ إذَا قَالَ لَهَا الزَّوْجُ: بَلَغَك النِّكَاحُ فَسَكَتَ فَقَالَتْ هِيَ: بَلْ رَدَدْت، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَقَالَ زُفَرُ: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ أَصْلٌ وَالرَّدَّ عَارِضٌ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَكَمَا لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي خِيَارَ الشَّرْطِ أَوْ الْبَائِعُ، فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِهِ لِمَا قُلْنَا وَكَمَا لَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ وَهِيَ صَغِيرَةٌ، ثُمَّ أَدْرَكَتْ وَادَّعَتْ أَنَّهَا رَدَّتْ النِّكَاحَ حِينَ بَلَغَتْ وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ، وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهَا لُزُومَ الْعَقْدِ وَتَمَلُّكَ الْبُضْعِ وَالْمَرْأَةُ تُنْكِرُهُ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَزِمَ بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَلَمْ يَظْهَرْ اللُّزُومُ هُنَا وَبِخِلَافِ دَعْوَى خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ عَارِضٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ وَهِيَ صَغِيرَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ نَفَذَ عَلَيْهَا فِي حَالَةِ الصِّغَرِ
وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ وَهِيَ بِدَعْوَاهَا الْفَسْخَ تُرِيدُ إبْطَالَهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا بِحُجَّةٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا ثَبَتَ فِي وَقْتٍ فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا إسْنَادُ الْفَسْخِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ حَتَّى لَوْ قَالَتْ عِنْدَ الْقَاضِي أَدْرَكْت الْآنَ وَفَسَخْت صَحَّ، وَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ كَيْفَ يَصِحُّ وَهُوَ كَذِبٌ وَإِنَّمَا أَدْرَكَتْ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ فَقَالَ: لَا تُصَدَّقُ بِالْإِسْنَادِ فَجَازَ لَهَا أَنْ تَكْذِبَ؛ كَيْ لَا يُبْطِلَ حَقُّهَا وَكَذَلِكَ إذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَعَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَادَّعَتْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ) أَيْ بِأَنَّ عُذْرَتَهَا زَالَتْ بِالْوَثْبَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَتْ بِعَذْرَاءَ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي مَادَّةِ بَكَرَ الْبِكْرُ الْعَذْرَاءُ وَالْجَمْعُ أَبْكَارٌ وَالْمَصْدَرُ الْبَكَارَةُ، وَقَالَ فِي مَادَّةِ عَذَرَ وَالْعُذْرَةُ الْبَكَارَةُ وَالْعَذْرَاءُ الْبِكْرُ وَالْجَمْعُ الْعَذَارَى وَالْعَذَارَى وَالْعَذْرَاوَاتُ كَمَا قُلْنَا فِي الصَّحَارَى اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) قَالَ الْأَقْطَعُ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ وَطْأَهَا يُزِيلُ الْحَيَاءَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْأَبْكَارِ وَيَجْعَلُهَا فِي حُكْمِ الثَّيِّبِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهَا إذَا زَنَتْ مَرَّةً لَا يَزُولُ حَيَاؤُهَا عِنْدَ الْوَلِيِّ وَإِنَّمَا يَزُولُ عِنْدَ الزَّانِي لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ الزِّنَا مِنْهَا، وَالْمُعْتَبَرُ وُجُودُ حَيَائِهَا عِنْدَ اسْتِئْذَانِ الْوَلِيِّ لَهَا وَذَلِكَ مَوْجُودٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالشَّافِعِيُّ) أَيْ وَابْنُ حَنْبَلٍ اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا إنْ اخْتَلَفَا فِي السُّكُوتِ) وَصُورَتُهَا ادَّعَى عَلَى بِكْرٍ بَالِغَةٍ أَنَّ وَلِيَّهَا زَوَّجَهَا مِنْهُ قَبْلَ اسْتِئْذَانِهَا فَلَمَّا بَلَغَهَا سَكَتَتْ، وَقَالَتْ بَلْ رَدَدْت اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) أَيْ بِلَا يَمِينٍ عِنْدَهُ وَبِهِ عِنْدَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ) وَنَظِيرُ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ إذَا لَمْ تَدْخُلْ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَضَى الْيَوْمُ، وَقَالَ الْعَبْدُ: لَمْ أَدْخُلْ وَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ لِلْعَبْدِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَبْسُوطِ إنَّ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ إذْ لَيْسَ كَوْنُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، مَبْنَى الْخِلَافِ بِأَوْلَى مِنْ الْقَلْبِ بَلْ الْخِلَافُ فِيهِمَا مَعًا ابْتِدَاءً اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالرَّدُّ عَارِضٌ) أَيْ وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُنْكِرِ الْعَوَارِضِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ) أَيْ وَكَالشَّفِيعِ إذَا قَالَ عَلِمْت بِالْبَيْعِ أَمْسِ وَطَلَبْت الشُّفْعَةَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ سَكَتَ، الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي أَمَّا لَوْ قَالَ طَلَبْت الشُّفْعَةَ حِينَ عَلِمْت بِالْبَيْعِ فَالْقَوْلُ لَهُ اهـ. فَتْحٌ
أَنَّهَا فَسَخَتْ حِينَ عَلِمَتْ لَمْ تُصَدَّقْ بِالْإِسْنَادِ إلَى وَقْتِ الْعِلْمِ لِمَا بَيَّنَّا ثَمَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ
وَإِنْ أَقَامَاهَا مَعًا فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ، وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةَ أَنَّهَا أَجَازَتْ النِّكَاحَ حِينَ أُخْبِرَتْ وَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا رَدَّتْ حِينَ أُخْبِرَتْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةَ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ اللُّزُومَ فَتَرَجَّحَتْ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الزَّوْجِ قَامَتْ فِيهِ عَلَى أَمْرٍ عَدَمِيٍّ وَهُوَ السُّكُوتُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا عَلَيْهَا الْيَمِينُ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ فَائِدَةَ الْيَمِينِ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ وَهُوَ بَدَلٌ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا إقْرَارٌ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْبَدَلُ وَهِيَ الْمَسَائِلُ السِّتُّ وَمَوْضِعُهَا كِتَابُ الدَّعَاوَى
وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَتَاوَى لِلنَّاصِحِيِّ أَنَّ رَجُلًا لَوْ ادَّعَى عَلَى الْأَبِ أَنَّهُ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ فَأَنْكَرَ الْأَبُ يَحْلِفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْكَبِيرَةِ لَا يَحْلِفُ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِالْإِقْرَارِ فِيهِمَا، وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْيَمِينِ عِنْدَهُ لِامْتِنَاعِ الْبَدَلِ لَا لِامْتِنَاعِ الْإِقْرَارِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ أَقَرَّتْ لِرَجُلٍ بِالنِّكَاحِ نَفَذَ إقْرَارُهَا وَمَعَ هَذَا لَا تَحْلِفُ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَهُمَا.
قَالَ رحمه الله (وَلِلْوَلِيِّ إنْكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ، وَالْوَلِيُّ الْعَصَبَةُ بِتَرْتِيبِ الْإِرْثِ)، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى الْغَيْرِ وِلَايَةٌ إذَا كَانَ حُرًّا لَا لِحَاجَةٍ، وَلَا حَاجَةَ عِنْدَ انْعِدَامِ الشَّهْوَةِ إلَّا أَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ ثَبَتَتْ نَصًّا وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ زَوَّجَ عَائِشَةَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالْجَدُّ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ ثَيِّبًا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُزَوِّجَهَا؛ لِأَنَّ الثَّيِّبَ تُشَاوَرُ لِكَوْنِ الثِّيَابَةِ سَبَبًا لِحُدُوثِ الرَّأْيِ بِوُجُودِ الْمُمَارَسَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ فَوَجَبَ الِانْتِظَارُ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا جَازَ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ، إلَّا أَنَّ الْجَدَّ كَالْأَبِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ كَمَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْعَصَبَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ مَعَ أَنَّهُ أَدْنَى حَالًا فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَهُ فِي النَّفْسِ وَهُوَ أَعْلَى رُتْبَةً أَوْلَى وَأَحْرَى
وَمَذْهَبُنَا مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَالْعَبَادِلَةِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَكَفَى بِهِمْ حُجَّةً، وَحَكَى الْكَرْخِيُّ رحمه الله إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ «وَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُمَامَةَ بِنْتَ حَمْزَةَ وَهِيَ صَغِيرَةٌ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَهِيَ بِنْتُ عَمِّهِ، وَقَالَ: لَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ» وَإِنَّمَا زَوَّجَهَا بِالْعُصُوبَةِ لَا بِالنُّبُوَّةِ بِدَلِيلِ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهَا إذَا بَلَغَتْ؛ وَلِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يُزَوِّجْ أَحَدًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: ثَمَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ) قَالَ الْكَمَالُ، ثُمَّ إنْ أَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى سُكُوتِهَا عُمِلَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقُمْ عَلَى النَّفْيِ بَلْ عَلَى حَالَةٍ وُجُودِيَّةٍ فِي مَجْلِسٍ خَاصٍّ يُحَاطُ بِطَرَفَيْهِ أَوْ هُوَ نَفْيٌ يُحِيطُ بِهِ الشَّاهِدُ فَيُقْبَلُ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا تَكَلَّمَ بِمَا هُوَ رِدَّةٌ فِي مَجْلِسٍ فَأَقَامَهَا عَلَى عَدَمِ التَّكَلُّمِ فِيهِ تُقْبَلُ، وَكَذَا إذَا قَالَ الشُّهُودُ كُنَّا عِنْدَهَا وَلَمْ نَسْمَعْهَا تَتَكَلَّمُ ثَبَتَ سُكُوتُهَا بِذَلِكَ كَذَا فِي الْجَوَامِعِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَقَامَاهَا مَعًا فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ) أَيْ لِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ أَعْنِي الرَّدَّ فَإِنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى السُّكُوتِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا أَجَازَتْ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ كَانَ أَقَامَهَا عَلَى أَنَّهَا رَضِيَتْ أَوْ أَجَازَتْ حِينَ عَلِمَتْ تَرَجَّحَتْ بَيِّنَتُهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْإِثْبَاتِ وَزِيَادَةِ بَيِّنَتِهِ بِإِثْبَاتِ اللُّزُومِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ لِلتُّمُرْتَاشِيِّ، وَكَذَا هُوَ فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ الْفِقْهِ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ نَقْلًا مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَوْ أَقَامَ الْأَبُ أَوْ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِجَازَةِ وَالْمَرْأَةُ عَلَى الرَّدِّ فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى، فَتَحَصَّلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ السُّكُوتَ لَمَّا كَانَ مِمَّا تُحَقَّقُ الْإِجَازَةُ بِهِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ الشَّهَادَةِ بِالْإِجَازَةِ كَوْنُهَا بِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى السُّكُوتِ مَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ فَلَمْ يَلْزَمْ بِاسْتِوَاءِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي الْإِثْبَاتِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَوْ قَالَتْ لَمْ أُجِزْهُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَمْ تُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً فَحِينَئِذٍ الْقَوْلُ لَهَا لِظُهُورِ دَلِيلِ السَّخَطِ دُونَ الرِّضَا وَلَا يُقْبَلُ عَلَيْهَا قَوْلُ وَلِيِّهَا بِالرِّضَا اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ بَيِّنَةَ الزَّوْجِ قَامَتْ فِيهِ إلَخْ) أَيْ وَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ قَامَتْ عَلَى إثْبَاتِ الرَّدِّ فَكَانَتْ أَوْلَى اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا) أَيْ فَتَذْهَبُ مِنْ عِصْمَتِهِ عِنْدَهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ (قَوْلُهُ: وَقَالَا عَلَيْهَا الْيَمِينُ) فَإِنْ نَكَلَتْ بَقِيَ النِّكَاحُ عِنْدَهُمَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَهِيَ الْمَسَائِلُ السِّتُّ) قَالَ الْكَمَالُ وَزِيدَ عَلَيْهَا دَعْوَى الْأَمَةِ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ فَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَجَمَعْتهَا فِي هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ
نِكَاحٌ وَفَيْئَةٌ إيلَاؤُهُ
…
وَرِقٌّ وَرَجَعَ وَلَاءُ نَسَبْ
وَدَعْوَى الْإِمَاءِ أُمُومِيَّةً
…
فَلَيْسَ بِهَا مِنْ يَمِينٍ وَجَبْ
(قَوْلُهُ: وَمَوْضِعُهَا كِتَابُ الدَّعَاوَى) وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِيهَا، وَقِيلَ يَتَأَمَّلُ الْقَاضِي فِي حَالِ الْمُدَّعِي فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ التَّعَنُّتُ قَضَى بِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَبِقَوْلِهَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَمَعَ هَذَا لَا تَحْلِفُ) أَيْ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهَا فَأَنْكَرَتْ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلُهُمَا: إلَخْ)، وَذَكَرَ الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ السَّادِسَ عَشَرَ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُهُمَا: وَأَنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحْلِفُ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلِلْوَلِيِّ إنْكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَبِ) أَيْ نِكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ اهـ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَنْبَلٍ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ زَوَّجَ عَائِشَةَ) وَهِيَ بِنْتُ سِتٍّ اهـ. فَتْحٌ وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ وَكَانَتْ عِنْدَهَا تِسْعُ سِنِينَ اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: لِكَوْنِ الثِّيَابَةِ إلَخْ) يُقَالُ ثِيبَتْ الْمَرْأَةُ تَثْيِيبًا إذَا صَارَتْ ثَيِّبًا وَالثِّيَابَةُ وَالثُّيُوبَةُ فِي مَصْدَرِهَا لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِمْ اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ: سَلَمَةَ إلَخْ) إنَّمَا هُوَ عُمَرُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي ذَخَائِرِ الْعَقَبِيِّ فِي مَنَاقِبِ ذَوِي الْقُرْبَى، وَكَذَا فِي الْفَتْحِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهَا إذَا بَلَغَتْ) وَلَوْ كَانَ تَزْوِيجُهُ بِالنُّبُوَّةِ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا الْخِيَارُ كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْمَوْلَى؛ إذْ النُّبُوَّةُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا قُصُورَ فِيهَا وَالْعَبَّاسُ وَإِنْ كَانَ عَمَّهَا وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ غَائِبًا أَوْ تَأَدَّبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعَلَ الْأَمْرَ إلَيْهِ ذَكَرَهُ سِبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ اهـ. غَايَةٌ
بِالنُّبُوَّةِ وَلَوْ كَانَ زَوَّجَ بِهَا لَمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام مَنَعَ الْأَوْلِيَاءَ مِنْ التَّزْوِيجِ وَزَوَّجَ هُوَ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ سِبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ
، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا «الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ» ، ذَكَرَهُ سِبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي حَقِّ الْكَبِيرَةِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ فِي الصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا أَعْجَزُ وَأَمَسُّ حَاجَةً؛ لِأَنَّ الْخَاطِبَ قَدْ لَا يَنْتَظِرُ إلَى الْبُلُوغِ فَيَفُوتُ الْكُفْءُ الْخَاطِبُ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ عَقْدِهِ لِوُجُودِ أَصْلِ الشَّفَقَةِ، وَمَا فِيهِ مِنْ الْقُصُورِ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ أَظْهَرْنَاهُ فِي عَدَمِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِتَكَرُّرِهِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} [البقرة: 232] أَيْ فِي نِكَاحِ الْيَتَامَى هَكَذَا فَسَّرَتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها؛ وَلِأَنَّ تَأْثِيرَ الْبُلُوغِ فِي زَوَالِ الْوِلَايَةِ عَنْهَا لِقُدْرَتِهَا عَلَى التَّصَرُّفِ وَاعْتِدَالِ عَقْلِهَا بِهِ، وَلِهَذَا تُوَجَّهُ التَّكَالِيفُ الشَّرْعِيَّةُ إلَيْهَا فَمَنْ أَثْبَتَ الْوِلَايَةَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَمَنَعَهَا قَبْلَهُ فَقَدْ عَكَسَ الْمَعْنَى وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ لِوَلِيِّهَا فِي مَالِهَا حَالَةَ الصِّغَرِ
فَإِذَا بَلَغَتْ انْتَفَتْ الْوِلَايَةُ عَنْهَا فَكَذَا الْوِلَايَةُ عَلَى النَّفْسِ وَجَبَ أَنْ تَجْرِيَ عَلَى الْقَوَاعِدِ كَمَا فِي الْغُلَامِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ آدَمِيَّتِهَا وَإِلْحَاقِهَا بِالْبَهَائِمِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لَا بِرِضَاهَا وَلَا بِغَيْرِ رِضَاهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ قَابِلًا لِلنِّكَاحِ، فَيَكُونُ بَاطِلًا؛ وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَمَّا ثَبَتَتْ عَلَيْهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ مَعَ قُدْرَتِهَا عَلَى قَاعِدَتِهِمْ كَانَ ثُبُوتُهَا فِي صِغَرِهَا وَهِيَ أَعْجَزُ وَأَوْلَى
وَقَوْلُهُ: لِكَوْنِ الثِّيَابَةِ سَبَبًا لِحُدُوثِ الرَّأْيِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْبَالِغَةِ وَأَمَّا فِي الصَّغِيرَةِ فَلَا تَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ الرَّأْيِ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ وَلِهَذَا لَا تُوجِبُ فِي حَقِّ الْغُلَامِ شَيْئًا فَحَاصِلُهُ أَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا الْبَكَارَةُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا عَدَمُ الْعَقْلِ أَوْ نُقْصَانُهُ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَالِهَا إجْمَاعًا، وَكَذَا فِي حَقِّ الْغُلَامِ فِي مَالِهِ وَنَفْسِهِ، وَكَذَا فِي حَقِّ الْمَجْنُونَةِ إجْمَاعًا وَلَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِهَا ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا فَكَذَا الصَّغِيرَةُ، وَقَوْلُهُ بِتَرْتِيبِ الْإِرْثِ يَعْنِي أَوْلَاهُمْ الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا إلَّا فِي الْمَعْتُوهِ وَالْمَعْتُوهَةِ لَا فِي الصِّغَارِ، ثُمَّ الْأَبُ وَأَبُ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ الْإِخْوَةُ إلَّا الْأَخَ مِنْ الْأُمِّ، ثُمَّ الْأَعْمَامُ إلَّا الْعَمَّ مِنْ الْأُمِّ، ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ كَذَلِكَ، ثُمَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، ثُمَّ عَصَبَةُ الْمَوْلَى، ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْأَخَ وَالْجَدَّ يَشْتَرِكَانِ فِي الْوِلَايَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَالْمِيرَاثِ عِنْدَهُمَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَدَّ أَوْلَى بِالتَّزْوِيجِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ شَفَقَةَ الْجَدِّ مِثْلُ شَفَقَةِ الْأَبِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُمَا الْخِيَارُ إذَا زَوَّجَهُمَا الْجَدُّ كَمَا فِي الْأَبِ وَالِابْنِ أَوْلَى مِنْ الْأَبِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَقَالَ الرَّازِيّ ادَّعَى مُحَمَّدٌ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَعَهُ، ثُمَّ السُّلْطَانُ وَلَا وِلَايَةَ لِلْقَاضِي فِي تَزْوِيجِ الصِّغَارِ الَّذِينَ لَا وَلِيَّ لَهُمْ إلَّا إذَا شَرَطَ لَهُ السُّلْطَانُ فِي عَهْدِهِ، وَمَنْشُورِهِ وَلَوْ زَوَّجَ الصِّغَارَ بِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فَأَجَازَ مَا صَنَعَ، قِيلَ يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ اسْتِحْسَانًا.
قَالَ رحمه الله (وَلَهُمَا خِيَارُ الْفَسْخِ بِالْبُلُوغِ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ بِشَرْطِ الْقَضَاءِ) أَيْ لِلصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ خِيَارُ الْفَسْخِ إذَا بَلَغَا فِيمَا إذَا زَوَّجَهُمَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا خِيَارَ لَهُمَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ لَازِمٌ، وَقَدْ صَدَرَ مِنْ الْوَلِيِّ فَلَا يُفْسَخُ قِيَاسًا عَلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَمْ تُشْرَعْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ النَّظَرِ صِيَانَةً عَنْ الْإِفْضَاءِ إلَى الضَّرَرِ، وَإِذَا صَحَّ النَّظَرُ قَامَ عَقْدُ الْوَلِيِّ مَقَامَ عَقْدِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَلَهُمَا مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ صَدَرَ مِمَّنْ هُوَ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ فَيَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ إذَا مَلَكَا أَنْفُسَهُمَا كَالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ إذَا عَتَقَتْ، وَهَذَا لِأَنَّ أَصْلَ الشَّفَقَةِ مَوْجُودٌ وَلَكِنَّهَا قَاصِرَةٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: «الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ» ) وَيُرْوَى النِّكَاحُ فِي الْعَصَبَاتِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ) أَيْ السَّرَخْسِيُّ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَلَا يَثْبُتُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَا فِيهِ) أَيْ فِي الْقَرِيبِ اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْقُصُورِ) أَيْ قُصُورِ الشَّفَقَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَكَرُّرِهِ) أَيْ بِأَنْ بَاعَ وَلِيُّهُ، ثُمَّ بَاعَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ وَغَابَ فَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُ الْخَلَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الظَّفْرُ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ لِغَيْبَتِهِ أَوْ لِمَوْتِهِ أَوْ لِنِسْيَانِهِ أَوْ يَتَطَرَّقُ عَلَى الْعِوَضِ التَّوَى فَلَمْ يُمْكِنْ إثْبَاتُ الْوِلَايَةِ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِقُصُورِ شَفَقَتِهِ اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ) أَيْ الشَّافِعِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَنَا عَدَمُ الْعَقْلِ) أَيْ فِي الْمَجْنُونِ (قَوْلُهُ: أَوْ نُقْصَانُهُ) أَيْ فِي الصَّغِيرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ) أَيْ الْمُصَنِّفِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا إلَّا فِي الْمَعْتُوهِ) الْمَعْتُوهُ النَّاقِصُ الْعَقْلِ، وَقِيلَ الْمَدْهُوشُ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ، وَقَدْ عَتِهَ عَتَهًا وَعَتَاهَةً وَعَتَاهِيَةً قَالَهُ فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الْمِصْبَاحِ عَتِهَ عَتَهًا مِنْ بَابِ تَعِبَ وَعَتَاهًا بِالْفَتْحِ نَقَصَ عَقْلُهُ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ لُغَةٌ فِي عُتِهَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ عَتَاهَةً بِالْفَتْحِ وَعَتَاهِيَةً بِالتَّخْفِيفِ فَهُوَ مَعْتُوهٌ بَيِّنُ الْعَتَهِ اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ:«رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ الصَّبِيُّ وَالنَّائِمُ وَالْمَعْتُوهُ» هُوَ الْمَجْنُونُ الْمُصَابُ بِعَقْلِهِ اهـ. وَفِي الصِّحَاحِ الْمَعْتُوهُ النَّاقِصُ الْعَقْلِ وَالتَّعَتُّهُ التَّجَنُّنُ وَالرُّعُونَةُ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ رَجُلٌ عَتَاهِيَةٌ وَهُوَ الْأَحْمَقُ اهـ. وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ التَّعَتُّهُ التَّجَنُّنُ وَالرُّعُونَةُ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ الْمَعْتُوهُ النَّاقِصُ الْعَقْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى إلَخْ) وَلَوْ كَانَ لَهَا أَوْلِيَاءُ فَأَيُّهُمْ زَوَّجَهَا جَازَ، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُزَوِّجْهَا الْكُلُّ اهـ. مُخْتَصَرُ الْمُحِيطِ فَإِنْ عَقَدَ كُلٌّ عَلَيْهَا وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ بَطَلَ الْجَمِيعُ اهـ. كَشْفُ شَرْحٍ بَزْدَوِيٍّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ) أَيْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، ثُمَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمِيرَاثِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَذِنَ لَهُ) أَيْ فِي تَزْوِيجِ الصَّغَائِرِ وَالصِّغَارِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: بِشَرْطِ الْقَضَاءِ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ خِيَارُ الْفَسْخِ اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) يَعْنِي آخَرَ، وَقَوْلُهُ: الْأَوَّلُ كَقَوْلِهِمَا، ثُمَّ رَجَعَ اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا مَا رَوَيْنَا) أَيْ مِنْ «قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي بِنْتِ حَمْزَةَ لَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ» اهـ.
عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِشَفَقَةِ الْأَبِ وَالْجَدِّ
وَقَدْ أَثَّرَ النُّقْصَانُ حُكْمًا حَتَّى امْتَنَعَ ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ فِي الْمَالِ وَلِوُجُودِ أَصْلِ الشَّفَقَةِ نَفَّذْنَاهُ فِي الْحَالِ وَلِقُصُورِهَا أَثْبَتْنَا لَهُمَا الْخِيَارَ فِي الْمَآلِ لِيُزَالَ الضَّرَرُ لَوْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ وَيُضَافَ إلَى اخْتِيَارِهِمَا إلَى أَنْفُسِهِمَا فَيَبْرَأُ الْأَوْلِيَاءُ عَنْ عُهْدَةِ الْيَتَامَى بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ؛ لِأَنَّهُمَا وَافِرَا الشَّفَقَةِ تَامَّا الْوِلَايَةِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَعَلَى هَذَا الْمَعْتُوهُ وَالْمَعْتُوهَةُ إذَا زَوَّجَهُمَا الْأَبُ وَالْجَدُّ لَا خِيَارَ لَهُمَا إذَا أَفَاقَا، وَإِنْ زَوَّجَهُمَا الِابْنُ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ وَلَا خِيَارَ فِي الْأَبِ فَهَذَا أَوْلَى وَلَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ الصَّغِيرَةَ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا، ثُمَّ بَلَغَتْ لَا يَثْبُتُ لَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ لِكَمَالِ وِلَايَتِهِ فَصَارَ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ؛ وَلِأَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ يُغْنِي عَنْ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعَبْدُ الصَّغِيرُ كَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْبُلُوغِ عَلَى الْأَصَحِّ
وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ يَتَنَاوَلُ الْأُمَّ وَالْقَاضِيَ حَتَّى إذَا زَوَّجَهُمَا الْقَاضِي وَالْأُمُّ يَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِلْزَامِ تُبْنَى عَلَى الرَّأْيِ الْكَامِلِ وَالشَّفَقَةِ الْوَافِرَةِ، وَالْمَوْجُودُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدُهُمَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْمَالَ وَالنَّفْسَ، وَشَفَقَةُ الْأُمِّ فَوْقَ شَفَقَةِ الْأَبِ فَكَانَا كَالْأَبِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ وِلَايَةِ الْأَخِ وَالْعَمِّ فَإِذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي الْحَاجِبِ فَفِي الْمَحْجُوبِ أَوْلَى، وَقَوْلُهُ بِشَرْطِ الْقَضَاءِ أَيْ لَهُمَا الْخِيَارُ بِشَرْطِ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِالْفَسْخِ؛ لِأَنَّ فِي أَصْلِهِ ضَعْفًا إذْ هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَكَذَا فِي سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ تَرْكُ الْوَلِيِّ النَّظَرَ وَلَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَيُوقَفُ عَلَى الْقَضَاءِ كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ قَوِيٌّ وَهُوَ تَخْيِيرُ الزَّوْجِ وَبِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ مَقْطُوعٌ بِهِ وَهُوَ زِيَادَةُ الْمِلْكِ عَلَيْهَا وَلِهَذَا يَخْتَصُّ بِالْأُنْثَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ مُرَاجَعَتَهَا فِي قُرْأَيْنِ وَيَمْلِكُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَيْنِ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِحَيْضَتَيْنِ
وَقَدْ ازْدَادَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَكَانَ لَهَا أَنْ تَدْفَعَ الزِّيَادَةَ؛ وَلِأَنَّ وِلَايَةَ الْمَوْلَى لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ فَصَارَ الْعَقْدُ فِي حَقِّ هَذِهِ الزِّيَادَةِ كَأَنَّهُ وُجِدَ الْآنَ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِرِضَاهَا فَكَانَ الِاخْتِيَارُ مِنْهَا دَفْعًا لِلْحُكْمِ عَنْ الثُّبُوتِ لَا رَفْعًا لَهُ بَعْدَ الثُّبُوتِ، وَالدَّفْعُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ أَمْرٌ يَسْتَقِلُّ بِهِ الدَّافِعُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ وِلَايَةَ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَتِمُّ بِالْخَصْمِ دُونَ الْحَكَمِ؛ وَلِأَنَّهَا تَنْفَرِدُ بِدَفْعِ أَصْلِ الْمِلْكِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ حَتَّى لَا يَجُوزَ النِّكَاحُ بِدُونِ رِضَاهَا فَكَذَا تَنْفَرِدُ بِدَفْعِ الزِّيَادَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَدْفَعَ الزِّيَادَةَ إلَّا بِدَفْعِ مَا كَانَ ثَابِتًا فَمَلَكَتْ دَفْعَهُ ضِمْنًا وَلَا يُقَالُ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ دَافِعَةً لِلزِّيَادَةِ فَهِيَ مُبْطِلَةٌ لِمَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ، فَبِمَاذَا تَرَجَّحَ جَانِبُهَا؟
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله: ثُمَّ الْخِيَارَاتُ ثَلَاثَةٌ خِيَارُ الْمُدْرَكَةِ وَخِيَارُ الْمُعْتَقَةِ وَخِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ، فَخِيَارُ الْمُدْرَكَةِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ إذَا كَانَتْ بِكْرًا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يَبْطُلْ الْخِيَارُ بِالسُّكُوتِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلزَّوْجِ فَلَا يَبْطُلُ إلَّا بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ أَوْ يَجِيءُ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى إبْطَالِ الْخِيَارِ كَمَا إذَا اشْتَغَلَتْ بِشَيْءٍ آخَرَ أَوْ أَعْرَضَتْ عَنْ الْخِيَارِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَعِلْمُ النِّكَاحِ شَرْطٌ وَعِلْمُ الْخِيَارِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَأَمَّا خِيَارُ الْمُعْتَقَةِ فَلَا يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ وَيَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ الِاخْتِيَارِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَيَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَيَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ الْخِيَارِ لَهَا أَيْ لِلْمُعْتَقَةِ لَا لِلْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّ جَهْلَ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ جَهْلٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا خِيَارَ لَهُمَا إذَا أَفَاقَا) وَإِنْ زَوَّجَهُمَا الْأَخُ أَوْ الْعَمُّ، ثُمَّ أَفَاقَ كَانَ لَهُمَا الْخِيَارُ اهـ. عِمَادِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُمَا الْخِيَارُ) هَذِهِ عِبَارَةُ فُصُولِ الْعِمَادِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: فَهَذَا أَوْلَى) وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ لَهُمَا الْخِيَارَ اهـ. فُصُولٌ فِي (قَوْلِهِ: لَا يَثْبُتُ لَهَا خِيَارُ الْبُلُوغِ) وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا قَالَهُ السُّرُوجِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: لَهُ خِيَارُ الْبُلُوغِ عَلَى الْأَصَحِّ) إلَّا أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ خِيَارُ الْعِتْقِ فَيُطَلِّقُ إنْ شَاءَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَهُمَا الْخِيَارُ بِشَرْطِ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِالْفَسْخِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَيُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ فِي الْفُرْقَةِ فِي مَوَاضِعَ هَذِهِ وَالْفُرْقَةُ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانِ الْمَهْرِ وَكُلُّهَا فَسْخٌ، وَالْفُرْقَةُ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَاللِّعَانِ وَكُلُّهَا طَلَاقٌ وَبِإِبَاءِ زَوْجِ الذِّمِّيَّةِ الَّتِي أَسْلَمَتْ وَهِيَ طَلَاقٌ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَرْقَ الطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ وَمَا يَحْتَاجُ مِنْهَا إلَى الْقَضَاءِ فِي قَوْلِهِ:
فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْإِعْتَاقِ
…
فُرْقَةٌ حُكْمُهَا بِغَيْرِ طَلَاقِ
فَقْدُ كُفْءٍ كَذَا وَنُقْصَانُ مَهْرٍ
…
وَنِكَاحٌ فَسَادُهُ بِاتِّفَاقِ
مِلْكُ إحْدَى الزَّوْجَيْنِ أَوْ بَعْضِ زَوْجٍ
…
وَارْتِدَادٌ كَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ
ثُمَّ جَبٌّ وَعُنَّةٌ وَلِعَانٌ
…
وَإِبَاءُ الزَّوْجِ فُرْقَةً بِطَلَاقِ
وَقَضَاءُ الْقُضَاةِ فِي الْكُلِّ شَرْطٌ
…
غَيْرَ مِلْكٍ وَرِدَّةٍ وَعَتَاقِ
وَقَوْلُهُ: بِاتِّفَاقٍ احْتِرَازٌ عَنْ الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا فَإِنَّ نِكَاحَهَا جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَالْفُرْقَةُ مِنْهُ بِطَلَاقٍ عِنْدَهُمَا وَفَسْخٍ عِنْدَهُ، وَقَوْلُهُ: عَلَى الْإِطْلَاقِ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الرِّدَّةِ مِنْ الزَّوْجِ فَهِيَ فُرْقَةٌ بِطَلَاقٍ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ فَهِيَ فَسْخٌ وَكُلُّ فُرْقَةٍ بِطَلَاقٍ إذَا وَقَعَ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ طَلْقَةٌ وَقَعَتْ إلَّا فِي اللِّعَانِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً وَكُلُّ فُرْقَةٍ تُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَهَا اهـ. قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ الرِّدَّةِ: رَجُلٌ ارْتَدَّ مِرَارًا وَجَدَّدَ الْإِسْلَامَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَجَدَّدَ النِّكَاحَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَحِلُّ لَهُ امْرَأَتُهُ مِنْ غَيْرِ إصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الرِّدَّةَ لَا تَكُونُ طَلَاقًا وَإِبَاءَ الزَّوْجِ عَنْ الْإِسْلَامِ يَكُونُ طَلَاقًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رِدَّتُهُ وَإِبَاؤُهُ لَا يَكُونُ طَلَاقًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ كِلَاهُمَا طَلَاقٌ وَرِدَّةُ الْمَرْأَةِ وَإِبَاؤُهَا لَا يَكُونُ طَلَاقًا اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ) أَيْ فَإِنَّهَا إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلَا قَضَاءٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ) أَيْ حَيْثُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي بَلْ تَثْبُتُ الْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْمُعْتَقَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: ضِمْنًا) أَيْ لِدَفْعِ الزِّيَادَةِ لَا قَصْدًا اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: لَمَّا كَانَ ثَابِتًا مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ) أَيْ وَالزَّوْجُ يَبْقَى مِلْكُهُ الثَّابِتُ، ثُمَّ تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ ضِمْنًا لَهُ اهـ. كَاكِيٌّ
لِأَنَّا نَقُولُ هِيَ تُبْطِلُ حَقًّا مُشْتَرَكًا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ بِدَفْعِ زِيَادَةِ الْحَقِّ عَلَيْهَا لَهُ، وَهُوَ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ زِيَادَةَ حَقٍّ عَلَيْهَا لِاسْتِيفَاءِ حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا فَتَرَجَّحَ رِعَايَةُ حَقِّهَا لِذَلِكَ
وَفِي الصَّغِيرِ قَدْ ثَبَتَ حُكْمُ الْعَقْدِ عَلَى الْكَمَالِ وَلَمْ يَزْدَدْ الْمِلْكُ بِالْبُلُوغِ وَلَكِنْ احْتَجْنَا إلَى الْفَسْخِ لِتَوَهُّمِ تَرْكِ النَّظَرِ مِنْ الْوَلِيِّ لِقُصُورِ شَفَقَتِهِ وَهُوَ خَفِيٌّ مَوْهُومٌ إذْ لَوْ كَانَ ظَاهِرًا لَمَا نَفَذَ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ نَظَرِيَّةٌ وَلِهَذَا تَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَ الْخَلَلِ يَشْمَلُهُمَا فَجُعِلَ إلْزَامًا فِي حَقِّ الْآخَرِ لِكَوْنِهِ رَافِعًا لِحُكْمٍ ثَابِتٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْإِلْزَامِ، ثُمَّ إذَا فُسِخَ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ فَلَا مَهْرَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا.
قَالَ رحمه الله (وَبَطَلَ بِسُكُوتِهَا إنْ عُلِمَتْ بِكْرًا لَا بِسُكُوتِهِ مَا لَمْ يَرْضَ وَلَوْ دَلَالَةً) أَيْ بَطَلَ خِيَارُهَا بِسُكُوتِهَا عِنْدَ الْبُلُوغِ إنْ كَانَ لَهَا عِلْمٌ بِالنِّكَاحِ، وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْغُلَامِ بِالسُّكُوتِ مَا لَمْ يَقُلْ رَضِيت أَوْ يُوجَدُ مِنْهُ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِثْلُ الْوَطْءِ وَالتَّقْبِيلِ، وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ إذَا دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ، ثُمَّ بَلَغَتْ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا مَا لَمْ تَقُلْ رَضِيت أَوْ يُوجَدُ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا كَالْغُلَامِ اعْتِبَارًا لِهَذِهِ الْحَالَةِ بِحَالَةِ الِابْتِدَاءِ، وَشُرِطَ عِلْمُهَا بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ، وَالْوَلِيُّ يَنْفَرِدُ بِالنِّكَاحِ فَعُذِرَتْ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْعِلْمُ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهَا تَتَفَرَّغُ لِتَعْلَمَ الْأَحْكَامَ
وَالدَّارُ دَارُ الْعِلْمِ فَلَمْ تُعْذَرْ بِالْجَهْلِ بِخِلَافِ الْمُعْتَقَةِ حَيْثُ تُعْذَرُ إذَا لَمْ تَعْلَمْ خِيَارَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَفَرَّغُ لِتَعْلَمَ الْأَحْكَامَ لِكَوْنِهَا مَشْغُولَةً بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى فَتُعْذَرُ بِالْجَهْلِ، ثُمَّ خِيَارُ الْبُلُوغِ فِي حَقِّ الْبِكْرِ لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ؛ لِأَنَّهُ مَا ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ الزَّوْجِ بَلْ لِتَوَهُّمِ خَلَلٍ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِالرِّضَا، غَيْرَ أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: لِأَنَّا نَقُولُ هِيَ تُبْطِلُ حَقًّا إلَخْ) وَلِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ رَضِيَ بِهَذَا الضَّرَرِ حَيْثُ تَزَوَّجَ الْأَمَةَ بِاخْتِيَارِهِ أَمَّا الْمَرْأَةُ لَمْ تَرْضَ بِهَذَا الضَّرَرِ لِعَدَمِ اخْتِيَارِهَا فِي النِّكَاحِ اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فَلَا مَهْرَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ)، وَهَذَا فَائِدَةُ كَوْنِ الْفُرْقَةِ فَسْخًا اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا) أَيْ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْمَفْسُوخَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَبَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ يَجِبُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى بِعَقْدٍ صَحِيحٍ، وَأَثَرُ الْفَسْخِ لَا يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَوْفَى وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ اخْتِيَارُهُ وَاخْتِيَارُهَا اهـ. كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ مَا لَمْ يَرْضَ وَلَوْ دَلَالَةً) كَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ مَا لَمْ يَقُلْ رَضِيت وَلَوْ دَلَالَةً اهـ. (قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا لِهَذِهِ الْحَالَةِ) أَيْ حَالَةِ ثُبُوتِ الِاخْتِيَارِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِحَالَةِ الِابْتِدَاءِ) أَيْ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ اهـ. فَكَمَا لَا يَكُونُ سُكُوتُهَا رِضًا لَوْ زَوَّجَتْ ثَيِّبًا بَالِغَةً لَا يَكُونُ سُكُوتُهَا رِضًا حَالَةَ ثُبُوتِ الِاخْتِيَارِ وَهِيَ ثَيِّبٌ بَالِغَةٌ، وَلَوْ زُوِّجَتْ بِكْرًا بَالِغَةً أَكْتَفِي بِسُكُوتِهَا فَكَذَا إذَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ لِلْعِلْمِ بِالنِّكَاحِ وَهِيَ بِكْرٌ بَالِغَةٌ، وَلَمَّا كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ خِيَارُ الْبِكْرِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ إنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ خِيَارَ الثَّيِّبِ لَا يَبْطُلُ وَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الثَّيِّبِ صَرَّحَ بِمَفْهُومِهِ لِيُفِيدَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ إلَخْ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) أَيْ بَلْ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْمَجْلِسِ مَجْلِسُ بُلُوغِهَا بِأَنْ كَانَتْ حَاضَتْ فِي مَجْلِسٍ، وَقَدْ كَانَ بَلَغَهَا النِّكَاحُ، أَوْ مَجْلِسِ بُلُوغِ خَبَرِ النِّكَاحِ إذَا كَانَتْ بِكْرًا بَالِغَةً وَجَعَلَ الْخَصَّافُ إخْبَارَ الْبِكْرِ مُمْتَدًّا إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مَالَ هُوَ إلَيْهِ وَهُوَ خِلَافُ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ إلَخْ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ ثَيِّبًا فَوَقْتُ خِيَارِهَا الْعُمُرُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ عَدَمُ الرِّضَا فَيَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالنِّكَاحِ، وَكَذَا الْغُلَامُ عَلَى هَذَا تَضَافَرَتْ كَلِمَاتُهُمْ وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِمَّا نُقِلَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ: خِيَارُ الْمُدْرَكَةِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ إذَا كَانَتْ بِكْرًا أَوْ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يَبْطُلْ بِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلزَّوْجِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ أَوْ يَجِيءُ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى إبْطَالِ الْخِيَارِ كَمَا إذَا اشْتَغَلَتْ بِشَيْءٍ آخَرَ أَوْ أَعْرَضَتْ عَنْ الِاخْتِيَارِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ مُشْكِلٍ إذْ يَقْتَضِي أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِعَمَلٍ آخَرَ يُبْطِلُهُ، وَهَذَا يُقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ ضَرُورَةً إذْ تَبَدُّلُهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا يَسْتَلْزِمُهُ ظَاهِرًا وَفِي الْجَوَامِعِ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا حِينَ بَلَغَهَا أَوْ كَانَ غُلَامًا لَمْ يَبْطُلْ بِالسُّكُوتِ وَإِنْ أَقَامَتْ مَعَهُ إيَّاهُ إلَّا أَنْ تَرْضَى بِلِسَانِهَا، أَوْ يُوجَدُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ الْوَطْءِ أَوْ التَّمْكِينِ مِنْهُ طَوْعًا أَوْ الْمُطَالَبَةِ بِالْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ وَفِيهَا لَوْ قَالَتْ كُنْت مُكْرَهَةً فِي التَّمْكِينِ صُدِّقَتْ وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ أَكَلَتْ مِنْ طَعَامِهِ أَوْ خَدَمَتْهُ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ أَيْ فَيَمْتَدُّ خِيَارُ الْعِتْقِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَحَاصِلُ وُجُوهِ الْفَرْقِ بَيْنَ خِيَارَيْ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ، احْتِيَاجُهُ إلَى الْقَضَاءِ فَلَوْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَفْسَخْ الْقَاضِي حَتَّى مَاتَ وَرِثَهُ الْآخَرُ وَلَهُ الْوَطْءُ بَعْدَ الْفَسْخِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِمُجَرَّدِ فَسْخِهَا وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْعِتْقِ بِالسُّكُوتِ إلَخْ وَيَبْطُلُ خِيَارُ الْبُلُوغِ إذَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ وَهِيَ بِكْرٌ بِخِلَافِ الْغُلَامِ وَالثَّيِّبِ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ لَمْ يُجْعَلْ فِي حَقِّهِمَا رِضًا وَيَثْبُتُ خِيَارُ الْبُلُوغِ لِكُلٍّ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ وَلَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ لِدَفْعِ ضَرَرِ زِيَادَةِ الْمِلْكِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الذَّكَرِ وَخِيَارُ الْبُلُوغِ لِمَا عَنْ قُصُورِ الشَّفَقَةِ وَهُوَ يَعُمُّهُمَا لَا يُقَالُ الْغُلَامُ يَتَمَكَّنُ بَعْدَ الْبُلُوغِ مِنْ التَّخَلُّصِ بِالطَّرِيقِ الْمَشْرُوعِ لِلذُّكْرَانِ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَمَا ثَبَتَ الْخِيَارُ إلَّا لِلْحَاجَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَتَخَلَّصُ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بَلْ يَلْزَمُهُ وَهُنَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيَلْزَمُهُ كُلُّهُ لَكِنْ لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ مَلَكَ عَلَيْهَا الثَّلَاثَ وَفِي الْحَوْلِ إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ فَقَالَ فَسَخْت يَنْوِي الطَّلَاقَ فَهِيَ طَلَاقٌ بَائِنٌ وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ، وَهَذَا حَسَنٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْفَسْخِ يَصْلُحُ كِنَايَةً عَنْ الطَّلَاقِ، وَالرَّابِعُ أَنَّ الْجَهْلَ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ شَرْعًا مُعْتَبَرٌ فِي خِيَارِ الْعِتْقِ دُونَ الْبُلُوغِ، وَالْخَامِسُ أَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْبُلُوغِ فِي الثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ اهـ. فَتْحٌ
؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ الْمَوْلَى فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَجْلِسُ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا مَعَ رُؤْيَةِ الدَّمِ، وَإِنْ رَأَتْهُ بِاللَّيْلِ تَخْتَارُ بِلِسَانِهَا فَتَقُولُ فَسَخْت نِكَاحِي وَتُشْهِدُ إذَا أَصْبَحَتْ وَتَقُولُ رَأَيْت الدَّمَ الْآنَ فَإِنْ قَالَتْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ اخْتَرْت فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا
وَإِنْ بَعَثَتْ خَادِمَهَا حِينَ حَاضَتْ فَدَعَا شُهُودًا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمْ وَهِيَ فِي مَكَان مُنْقَطِعٍ لَزِمَهَا النِّكَاحُ وَلَمْ تُعْذَرْ وَلَوْ سَأَلَتْ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ أَوْ عَنْ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى أَوْ سَلَّمَتْ عَلَى الشُّهُودِ بَطَلَ خِيَارُهَا، وَلَوْ اخْتَارَتْ وَأَشْهَدَتْ وَلَمْ تَتَقَدَّمْ إلَى الْقَاضِي لِشَهْرَيْنِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا كَخِيَارِ الْعَيْبِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ خِيَارُ الْبُلُوغِ وَالشُّفْعَةِ تَقُولُ أَطْلُبُ الْحَقَّيْنِ، ثُمَّ تَبْدَأُ فِي التَّفْسِيرِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ، ثُمَّ الْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ لَا تَكُونُ طَلَاقًا؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْأُنْثَى وَلَا طَلَاقَ إلَيْهَا، وَكَذَا بِخِيَارِ الْعِتْقِ لِمَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ الْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي مَلَكَهَا وَهُوَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ وَلَا يُقَالُ النِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ جَعْلُهُ فَسْخًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَعْنَى بِقَوْلِنَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ التَّمَامِ وَهُوَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ النَّافِذُ اللَّازِمُ
وَأَمَّا قَبْلَ التَّمَامِ فَيَقْبَلُ الْفَسْخَ، وَتَزْوِيجُ الْأَخِ وَالْعَمِّ صَحِيحٌ نَافِذٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ فَيَقْبَلُ الْفَسْخَ قَالَ رحمه الله (وَتَوَارَثَا قَبْلَ الْفَسْخِ)؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ وَالْمِلْكَ بِهِ ثَابِتٌ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَقَدْ انْتَهَى النِّكَاحُ سَوَاءٌ مَاتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا لَا تَقَعُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَيَتَوَارَثَانِ وَيَجِبُ الْمَهْرُ كُلُّهُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا لَوْ وُجِدَ الِاعْتِرَاضُ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ بِخِلَافِ الْمَوْقُوفِ وَالْفَاسِدِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا وِلَايَةَ لِصَغِيرٍ وَعَبْدٍ وَمَجْنُونٍ)؛ لِأَنَّهُمْ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَى الْغَيْرِ فَرْعُ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ وَلِهَذَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ وَلَا نَظَرَ فِي التَّفْوِيضِ إلَى رَأْيِهِمْ قَالَ رحمه الله (وَلَا لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ الْمَوْلَى) أَيْ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْعِتْقِ الثَّابِتِ بِإِثْبَاتِهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ سُكُوتِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَعَثَتْ خَادِمَهَا حِينَ حَاضَتْ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ أَنَّهَا لَوْ بَعَثَتْ خَادِمَهَا حِينَ حَاضَتْ لِلشُّهُودِ فَلَمْ تَقْدِرْ عَلَيْهِمْ وَهِيَ فِي مَكَان مُنْقَطِعٍ لَزِمَهَا وَلَمْ تُعْذَرْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَفْسَخْ بِلِسَانِهَا حَتَّى فَعَلَتْ وَمَا قِيلَ لَوْ سَأَلَتْ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ أَوْ عَنْ الْمَهْرِ أَوْ سَلَّمَتْ عَلَى الشُّهُودِ بَطَلَ خِيَارُهَا تَعَسُّفٌ، لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَغَايَةُ الْأَمْرِ كَوْنُ هَذِهِ الْحَالَةِ كَحَالَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَلَوْ سَأَلَتْ الْبِكْرَ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا، وَكَذَا عَنْ الْمَهْرِ وَإِنْ كَانَ عَدَمُ ذِكْرِهِ لَهَا لَا يُبْطِلُ كَوْنَ سُكُوتِهَا رِضًا عَلَى الْخِلَافِ فَإِنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ تَسْأَلْ عَنْهُ لِظُهُورِ أَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِكُلِّ مَهْرٍ، وَالسُّؤَالُ يُفِيدُ نَفْيَ ظُهُورِهِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهَا يُتَوَقَّفُ رِضَاهَا عَلَى مَعْرِفَةِ كَمِّيَّتِهِ، وَكَذَا السَّلَامُ عَلَى الْقَادِمِ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا كَيْفَ وَإِنَّمَا أَرْسَلَتْ لِغَرَضِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْفَسْخِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ لَا تَكُونُ طَلَاقًا) أَيْ بَلْ فَسْخٌ لَا يُنْقِصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ فَلَوْ جَدَّدَ بَعْدَهُ مَلَكَ الثَّلَاثَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا بِخِيَارِ الْعِتْقِ لِمَا بَيَّنَّا) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْأُنْثَى وَلَا طَلَاقَ إلَيْهَا وَمِنْ أَنَّهُ ثَبَتَ بِإِثْبَاتِ الْمَوْلَى وَلَا طَلَاقَ إلَيْهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يُقَالُ النِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ إلَخْ) قَالَ السُّرُوجِيُّ رحمه الله وَالْأَصْحَابُ يَقُولُونَ النِّكَاحُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ النَّافِذُ اللَّازِمُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ قَصْدًا، وَذِكْرُ الصَّحِيحِ لِإِخْرَاجِ الْفَاسِدِ وَالنَّافِذِ لِلِاحْتِرَازِ مِنْ الْمَوْقُوفِ فَإِنَّهُ غَيْرُ نَافِذٍ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَهُوَ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ، وَذِكْرُ اللَّازِمِ احْتِرَازٌ مِنْ النِّكَاحِ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ الْبُلُوغِ وَخِيَارُ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ فَسْخٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَقَوْلِي قَصْدًا احْتَرَزْت بِهِ عَنْ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ فَسْخٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَكِنَّهَا فَسْخٌ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا نَافِذًا لَازِمًا اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَوْقُوفِ) وَالنِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ عَلَى الْإِجَازَةِ يَبْطُلُ بِمَوْتٍ مَنْ أَحَدِهِمَا وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا تَفْتَقِرُ الْفُرْقَةُ فِيهِ عَلَى الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ نَافِذٍ اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ كَنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْفَاسِدِ) أَيْ فَإِنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ فِيهِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَلَا يَثْبُتُ حِلُّ الْوَطْءِ وَالتَّوَارُثِ اهـ. كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا وِلَايَةَ لِصَغِيرٍ وَعَبْدٍ وَمَجْنُونٍ) أَيْ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ اهـ. كَاكِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَالْمُرَادُ بِالْمَجْنُونِ الْمُطْبِقُ وَهُوَ عَلَى مَا قِيلَ سَنَةٌ، وَقِيلَ أَكْثَرُ السَّنَةِ، وَقِيلَ شَهْرٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي التَّنْجِيسِ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُوَقِّتُ فِي الْمَجْنُونِ الْمُطْبِقِ شَيْئًا كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي التَّقْدِيرَاتِ فَيُفَوِّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَغَيْرُ الْمُطْبِقِ يَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ حَالَ جُنُونِهِ مُطْبِقًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُطْبِقٍ لَكِنْ الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مُطْبِقًا سُلِبَ وِلَايَتَهُ فَتُزَوَّجُ وَلَا تَنْتَظِرُ إفَاقَتَهُ وَغَيْرُ الْمُطْبِقِ الْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ لَهُ فَلَا تُزَوَّجُ وَتَنْتَظِرُ إفَاقَتَهُ كَالنَّائِمِ وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّ الْكُفْءَ الْخَاطِبَ إنْ فَاتَ بِانْتِظَارِ إفَاقَتِهِ تُزَوَّجُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطْبِقًا وَإِلَّا اُنْتُظِرَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي غَيْبَةِ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ) وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ عَلَى مُسْلِمٍ صَغِيرٍ اهـ. قَالَ السُّرُوجِيُّ رحمه الله وَلَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَلَا مُسْلِمَةٍ وَلَا لِمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرَةٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ قَالُوا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ سُلْطَانًا أَوْ سَيِّدَ أَمَةٍ كَافِرَةٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَلَمْ أَرَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِهِمْ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَرَأَيْت فِي مَوْضِعٍ مَعْزُوًّا إلَى الْمَبْسُوطِ الْوِلَايَةُ بِالسَّبَبِ الْعَامِّ تَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ كَوِلَايَةِ السَّلْطَنَةِ وَالشَّهَادَةِ وَلَا تَثْبُتُ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَدْ ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءَ فَأَمَّا الْفِسْقُ فَهَلْ يَسْلُبُ الْأَهْلِيَّةَ كَالْكُفْءِ؟ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا لَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَنْظُومَةِ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ اخْتِلَافٌ فِيهِ وَأَمَّا الْمَسْتُورُ فَلَهُ الْوِلَايَةُ بِلَا خِلَافٍ فَمَا فِي الْجَوَامِعِ أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ فَاسِقًا فَلِلْقَاضِي أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ مِنْ كُفْءٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ نَعَمْ إنْ كَانَ مُتَهَتِّكًا لَا يَنْفُذُ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا بِنَقْصٍ وَمِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَسَتَأْتِي هَذِهِ اهـ.
عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَارَثَانِ، وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لِمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ سَيِّدَ أَمَةٍ كَافِرَةٍ أَوْ سُلْطَانًا وَلِلْكَافِرِ وِلَايَةٌ عَلَى مِثْلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73]، وَلِهَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَيَجْرِي الْإِرْثُ بَيْنَهُمَا.
قَالَ رحمه الله (، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَصَبَةٌ فَالْوِلَايَةُ لِلْأُمِّ، ثُمَّ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ لِأَوْلَادِ الْأُمِّ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ، ثُمَّ لِأَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ لِلْعَمَّاتِ، ثُمَّ لِلْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ، ثُمَّ لِبَنَاتِ الْأَعْمَامِ)، وَقِيلَ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ تُقَدَّمُ عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّ لَهَا حَالَةً تَكُونُ فِيهَا عَصَبَةٌ وَفِي الْغَايَةِ، قِيلَ قَرَابَةُ الْأَبِ كَالْعَمَّةِ وَنَحْوِهَا يُقَدَّمْنَ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ قَرِيبٌ مِمَّنْ يَرِثُ الْفَرْضَ، ثُمَّ قَالَ: وَأَكْثَرُهُمْ أَنَّ تَرْتِيبَهُمْ كَتَرْتِيبِ الْإِرْثِ فَأَوْلَاهُمْ الْفُرُوعُ، ثُمَّ الْأُصُولُ، ثُمَّ فُرُوعُ الْأَبِ، ثُمَّ فُرُوعُ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ كَمَا ذُكِرَ فِي تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، ثُمَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ، ثُمَّ الْقَاضِي، وَمَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي إذَا شَرَطَ لَهُ الْإِمَامُ فِي عَهْدِهِ وَمَنْشُورِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ نِسْبِيَّةٌ أَوْ سَبَبِيَّةٌ فَالْإِنْكَاحُ إلَى الْقَاضِي، وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ مِنْ الْأَقَارِبِ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ مَعَ مُحَمَّدٍ
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمُحَمَّدٍ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «الْإِنْكَاحُ إلَى الْعَصَبَاتِ» جَعْلُ جِنْسِ الْإِنْكَاحِ لِجِنْسِ الْعَصَبَاتِ، وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ؛ وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ صَوْنًا لِلْقَرَابَةِ عَنْ نِسْبَةِ مَنْ لَا يُكَافِئُوهُمْ وَذَلِكَ يَحْصُلُ مِنْ الْعَصَبَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يُعَيَّرُونَ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بَاعِثًا لَهُمْ عَلَى صِيَانَةِ الْقَرِيبِ عَنْ غَيْرِ الْكُفْءِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ
وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا لِانْتِسَابِهِمْ إلَى قَبِيلَةٍ أُخْرَى فَلَا يَلْحَقُهُمْ الْعَارُ بِذَلِكَ وَلَهُمَا أَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ لِنَظَرِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالشَّفَقَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَيْهِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَقَارِبِ فَتَثْبُتُ لَهُمْ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ إلَّا أَنَّ أَقَارِبَ الْأَبِ يُقَدَّمُونَ بِاعْتِبَارِ الْعُصُوبَةِ، وَذَا لَا يَنْفِي ثُبُوتَهَا لَهُمْ عِنْدَ عَدَمِهِمْ كَاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ يَكُونُ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ وَتُقَدَّمُ فِي ذَلِكَ الْعَصَبَاتُ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ فَكَذَا هَذَا أَوْ نَقُولُ إنَّ إرْثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ فَيَنْتَظِمُهُمْ مَا رَوَاهُ قَالَ رحمه الله (ثُمَّ لِلْحَاكِمِ) أَيْ بَعْدَ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ لِلْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ السُّلْطَانِ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» ، وَقَدْ ذَكَرْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الصِّغَارَ إلَّا إذَا شُرِطَ لَهُ ذَلِكَ فِي التَّقْلِيدِ، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَيْتَامَ إلَّا أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لِمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرَةٍ) هَذَا عَكْسُ مَا فِي الْمَتْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ) قَالَ الْبَزَّازِيُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ فَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ، ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ سَوَاءٌ، وَكَذَا أَوْلَادُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ، ثُمَّ عَصَبَةُ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ، ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ اهـ. بَزَّازِيٌّ (فَرْعٌ) مُعْتَقَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ بِالْوَلَاءِ وَالْوَلَاءُ بِكَمَالِ الْعِتْقِ وَكَمَالُهُ يَثْبُتُ بِهِمَا فَانْعَدَمَ بِانْعِدَامِ أَحَدِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ) قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ إنْكَاحُ الْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْأَخِ وَبِنْتِ الْعَمَّةِ وَاَلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ يَجُوزُ إجْمَاعًا إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأُمِّ وَالْخَالَةِ وَنَحْوِهَا وَدَعْوَاهُ الْإِجْمَاعَ يَصِحُّ فِي الْأُخْتِ لَا فِي الْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْعَمِّ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ لِذَوِي الْأَرْحَامِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ اهـ. بَزَّازِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ)، وَقَالَ فِي الْكَافِي الْجُمْهُورُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْهِدَايَةِ الْأَشْهَرُ أَنَّهُ مَعَ مُحَمَّدٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا إلَخْ) فَإِنَّا نَرَى شَفَقَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهِ كَشَفَقَتِهِ عَلَى ابْنَةِ أَخِيهِ، بَلْ قَدْ تُرَجَّحُ عَلَى الثَّانِيَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ شَفَقَةَ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَيْسَتْ كَشَفَقَةِ السُّلْطَانِ، وَمَنْ وَالَاهُ فَكَانُوا أَوْلَى مِنْهُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُمَا: إنَّمَا ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ صَوْنًا لِلْقَرَابَةِ عَنْ نِسْبَةِ غَيْرِ الْكُفْءِ إلَيْهَا فَالْحَصْرُ مَمْنُوعٌ بَلْ ثُبُوتُهَا بِالذَّاتِ تَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ الصَّغِيرَةِ بِتَحْصِيلِ الْكُفْءِ؛ لِأَنَّهَا بِالذَّاتِ لِحَاجَتِهَا لَا لِحَاجَتِهِمْ وَكُلٌّ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فِيهِ دَاعِيَةُ تَحْصِيلِ حَاجَتِهَا فَتَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَإِنْ ثَبَتَتْ لِغَيْرِهِ مِنْ الْعَصَبَاتِ لِكُلٍّ مِنْ حَاجَتِهَا بِالذَّاتِ إلَى ذَلِكَ وَحَاجَتِهِ وَسَتَزْدَادُ وُضُوحًا فِي مَسْأَلَةِ الْغَيْبَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إجَازَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ تَزْوِيجَ امْرَأَتِهِ بِنْتَهَا وَكَانَتْ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَمَّا إثْبَاتُ جِنْسِ وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ إلَى الْعَصَبَاتِ فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّمَا هُوَ حَالَ وُجُودِهِمْ وَلَا تَعَرُّضَ لَهُمْ حَالَ عَدَمِهِمْ بِنَفْيِ الْوِلَايَةِ عَنْ غَيْرِهِمْ وَلَا إثْبَاتِهَا فَأَثْبَتْنَاهَا بِالْمَعْنَى وَقِصَّةُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا لَا شَكَّ أَنَّهُ خَصَّ مِنْهَا السُّلْطَانَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَصَبَاتِ بِقَوْلِهِ «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» أَوْ بِالْإِجْمَاعِ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَعْنَى، وَهَذَا الْوَجْهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ تَعَرُّضِ الْحَدِيثِ لِغَيْرِ الْعَصَبَاتِ بِالنَّفْيِ وَحُجِّيَّتِهِ، وَقَوْلُهُ: فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ قِيَاسٌ وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانٌ مَعَ اسْتِدْلَالِهِ بِالْحَدِيثِ لِمُحَمَّدٍ وَبِالْمَعْنَى الصِّرْفِ لِأَبِي حَنِيفَةَ يُنَاقَشُ فِيهِ بِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ هُوَ الَّذِي يَكُونُ بِالْأَثَرِ لَا الْقِيَاسُ فَإِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ نَصٌّ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى بَابِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ الْحُكْمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قِيَاسٌ مُقَابِلُهُ الِاسْتِحْسَانُ الَّذِي قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا ظَنَّهُ خِلَافَهُ فِي الِاسْتِحْسَانِ فَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا مُتَمَسِّكَ لَهُ بِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُجِيبَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَحَاصِلُ بَحْثِهِ مُعَارَضَةٌ مُجَرَّدَةٌ وَهِيَ لَا تُفِيدُ ثُبُوتَ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ التَّرْجِيحِ، وَقَالُوا الْعَصَبَاتُ تَتَنَاوَلُ الْأُمَّ؛ لِأَنَّهَا عَصَبَةٌ فِي وَلَدِ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ فَيَثْبُتُ لِأَهْلِهَا إلَّا أَنَّ أَقَارِبَ الْأَبِ مُقَدَّمُونَ اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ: وَوَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ أَيْ بِدَلِيلِ أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ تَرِثُ مِنْهُ الْأُمُّ كُلَّ الْمَالِ، وَكَذَا وَلَدُ الزِّنَا اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَيْتَامَ إلَّا إلَخْ) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُ إنْكَاحَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ أَوْصَى إلَيْهِ الْأَبُ فِي ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُوصِ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ إنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْأَبُ جَازَ لَهُ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ اهـ.
الْمُوصِي ذَلِكَ.
قَالَ رحمه الله (وَلِلْأَبْعَدِ التَّزْوِيجُ بِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ)، وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله: لَا يُزَوِّجُهَا أَحَدٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ اعْتِبَارًا بِعَضْلِهِ لِزُفَرَ أَنَّ وِلَايَةَ الْأَقْرَبِ قَائِمَةٌ وَلِهَذَا لَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ جَازَ وَلَا وِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ وَلَا لِلسُّلْطَانِ مَعَ وِلَايَتِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ حَاضِرًا وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ، وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ التَّفْوِيضُ إلَى مَنْ لَا يَنْتَفِعُ بِرَأْيِهِ فَفَوَّضْنَاهُ إلَى الْأَبْعَدِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى السُّلْطَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الْأَقْرَبُ مَجْنُونًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا أَوْ مَيِّتًا أَوْ صَغِيرًا وَلَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ لَا رِوَايَةَ فِيهِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَدَّى إلَى مَفْسَدَةٍ، بَيَانُهُ أَنَّ الْحَاضِرَ لَوْ زَوَّجَهَا بَعْدَ تَزْوِيجِ الْغَائِبِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ لَدَخَلَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ وَهِيَ فِي عِصْمَةِ غَيْرِهِ، وَفَسَادُ هَذَا لَا يَخْفَى فَلَمْ يَبْقَ إلَّا وِلَايَةُ الْأَبْعَدِ وَمَا قَالُوهُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الْغَائِبَ إذَا كُتِبَ إلَيْهِ لِيُقَدِّمَ رَجُلًا فِي صَلَاةِ جِنَازَةِ الصَّغِيرِ فَلِلْأَبْعَدِ مَنْعُهُ
وَلَوْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ بَاقِيَةً لَمَا كَانَ لَهُ مَنْعُهُ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَقَدَّمَ غَيْرَهُ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَنَقُولُ لِلْأَبْعَدِ بُعْدُ الْقَرَابَةِ وَقُرْبُ التَّدْبِيرِ وَلِلْأَقْرَبِ عَكْسُهُ فَنُزِّلَا مَنْزِلَةَ وَلِيَّيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فَأَيُّهُمَا عَقَدَ أَوَّلًا نَفَذَ وَلَا يُرَدُّ ثَمَّ قَدْرُ الْغَيْبَةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَقْصَاهُ غَايَةٌ فَاعْتُبِرَ بِأَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِفَوَاتِ الْكُفْءِ الْحَاضِرِ الْخَاطِبِ إلَى اسْتِطْلَاعِ رَأْيِهِ، وَهَذَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ نَظَرِيَّةٌ وَالْكُفْءُ لَا يَتَّفِقُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَلَا نَظَرَ فِي إبْقَاءِ وِلَايَةِ الْأَقْرَبِ عَلَى وَجْهٍ يَفُوتُ بِهِ الْكُفْءُ وَاخْتَارَ الْقُدُورِيُّ وَابْنُ سَلَمَةَ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ لَا تَصِلُ إلَيْهِ الْقَافِلَةُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ أَنْ تَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَفِي الْوَاقِعَاتِ
وَاخْتَارَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ الشَّهْرَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ كُوفَةَ إلَى الرَّيِّ وَهُوَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مَرْحَلَةً وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ الرَّيِّ إلَى بَغْدَادَ وَهُوَ عِشْرُونَ مَرْحَلَةً، وَفِي الرَّوْضَةِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَا تَخْتَلِفُ إلَيْهِ الْقَوَافِلُ فَهُوَ غَيْبَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وَقِيلَ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ تَذْهَبُ إلَيْهِ الْقَوَافِلُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَلَيْسَتْ بِمُنْقَطِعَةٍ، وَقِيلَ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَقَعُ إلَيْهِ الْكِرَاءُ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَيْسَتْ بِمُنْقَطِعَةٍ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: أَنْ لَا يُوقَفَ لَهُ عَلَى أَثَرٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ جَابَلْقَا إلَى جَابَلْسَا وَهُمَا مَدِينَتَانِ إحْدَاهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالْأُخْرَى بِالْمَغْرِبِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ: هَذَا رُجُوعٌ إلَى قَوْلِ زُفَرَ هَذِهِ الْمَسَافَةُ لَا يُتَصَوَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهَا.
قَالَ رحمه الله (وَلَا يَبْطُلُ بِعَوْدِهِ) أَيْ لَا تَبْطُلُ وِلَايَةُ الْأَبْعَدِ بِمَجِيءِ الْأَقْرَبِ؛ لِأَنَّ مَا عَقَدَهُ مِنْ الْعَقْدِ لَا يَبْطُلُ بِمَجِيئِهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِوِلَايَةٍ تَامَّةٍ.
قَالَ رحمه الله (وَوَلِيُّ الْمَجْنُونَةِ الِابْنُ لَا الْأَبُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَبُوهَا؛ لِأَنَّهُ أَشْفَقُ مِنْ الِابْنِ وَلِهَذَا تَعُمُّ وِلَايَتُهُ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ، وَلَيْسَ لِلِابْنِ الْوِلَايَةُ فِي الْمَالِ فَكَانَ أَوْلَى وَلَهُمَا أَنَّ الِابْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ بِالْعُصُوبَةِ وَهَذِهِ الْوِلَايَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ الطَّارِئِ وَالْأَصْلِيِّ لِوُجُودِ الْعَجْزِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يُزَوِّجُهَا أَحَدٌ فِي الطَّارِئِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ قَدْ زَالَتْ بِبُلُوغِهَا عَاقِلَةً فَلَا تَحْدُثُ بَعْدَهُ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُودِ الْعَجْزِ
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا وَلِيَّانِ فَأَيُّهُمَا زَوَّجَ صَحَّ، وَعِنْدَ حُضُورِهِمَا يُقَدَّمُ الْأَبُ احْتِرَامًا لَهُ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ جَدٌّ مَعَ الِابْنِ فَعَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ كَالْأَبِ.
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ لَا يُزَوِّجُهَا أَحَدٌ) أَيْ حَتَّى تَبْلُغَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَلَى وِلَايَتِهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ) أَيْ لَا الْأَبْعَدُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا بِعَضْلِهِ) أَيْ فَإِنَّ الْوِلَايَةَ تَنْتَقِلُ فِيهِ إلَى السُّلْطَانِ كَذَا هُنَا اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ صَغِيرًا) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَاضِلِ وَالْغَائِبِ أَنَّ الْعَاضِلَ ظَالِمٌ فَتَنْتَقِلُ إلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّ رَفْعَهُ إلَيْهِ وَالْغَائِبَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ سَفَرُهُ لِلْحَجِّ وَالْجِهَادِ فَافْتَرَقَا فَأَشْبَهَ النَّفَقَةَ وَالْحَضَانَةَ فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى الْأَبْعَدِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِ زُفَرَ عَلَى قِيَامِ وِلَايَتِهِ حَالَ غَيْبَتِهِ بِأَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا حَيْثُ هُوَ صَحَّ اتِّفَاقًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُسْلَبْ الْوِلَايَةَ شَرْعًا بِغَيْبَتِهِ أَجَابَ بِمَنْعِ صِحَّةِ تَزْوِيجِهِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِانْقِطَاعِ وِلَايَتِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا يَجُوزُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَأَيُّهُمَا عَقَدَ أَوَّلًا نَفَذَ وَلَا يُرَدُّ)، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ أَبَوَانِ بِأَنْ ادَّعَيَا وَلَدَ جَارِيَةٍ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالتَّزْوِيجِ وَلَا خِيَارَ لِلصَّغِيرِ إذَا بَلَغَ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ اهـ. أَنْفَعُ الْوَسَائِلِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا أَحْسَنُ) قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَوْ اُنْتُظِرَ حُضُورُهُ وَاسْتِطْلَاعُ رَأْيِهِ يَفُوتُ الْكُفْءُ، وَعَنْ هَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَوْ كَانَ مُخْتَفِيًا بِحَيْثُ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ تَكُونُ غَيْبَتُهُ مُنْقَطِعَةً، وَهَذَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ النَّظَرُ وَفِي النِّهَايَةِ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَكْثَرِ الْمَشَايِخِ وَالْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ اهـ. فَتْحٌ، وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ هُوَ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ كَذَا فِي الْغَايَةِ اهـ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً) وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ شُجَاعٍ وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَصِلَ الْخَبَرُ إلَى الْخَاطِبِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ إلَخْ) بِأَنْ كَانَ جَوَّالًا مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ أَوْ مَفْقُودًا حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ مُخْتَفِيًا كَانَتْ غَيْبَتُهُ مُنْقَطِعَةً هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: جَابَلْسَا) فِي الْقَامُوسِ جَابَلْصَا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَهُمَا أَنَّ الِابْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ بِالْعُصُوبَةِ) أَيْ شَرْعًا لِانْفِرَادِهِ بِالْأَخْذِ بِالْعُصُوبَةِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِ مَعَهُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ الطَّارِئِ) أَيْ بِأَنْ طَرَأَ الْجُنُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلِيُّ) أَيْ بِأَنْ بَلَغَتْ مَجْنُونَةً اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ وَالْعَارِضِ وَالْعَارِضُ هُوَ الطَّارِئُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا وَلِيَّانِ فَأَيُّهُمَا زَوَّجَ صَحَّ) وَلَا يَبْعُدُ إذْ فِي الِابْنِ قُوَّةُ الْعُصُوبَةِ وَفِي الْأَبِ زِيَادَةُ الشَّفَقَةِ فَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا جِهَةٌ اهـ. فَتْحٌ
(فَصْلٌ فِي الْأَكْفَاءِ) الْكُفْءُ النَّظِيرُ لُغَةً يُقَالُ كَافَأَهُ أَيْ سَاوَاهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» اعْلَمْ أَنَّ الْكَفَاءَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي النِّكَاحِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ: «أَلَا لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ وَلَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ» ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يُعْقَدُ لِلْعُمُرِ وَيَشْتَمِلُ عَلَى أَغْرَاضٍ وَمَقَاصِدَ كَالِازْدِوَاجِ وَالصُّحْبَةِ وَالْأُلْفَةِ وَتَأْسِيسِ الْقَرَابَاتِ وَلَا يَنْتَظِمُ ذَلِكَ عَادَةً إلَّا بَيْنَ الْأَكْفَاءِ؛ وَلِأَنَّهُمْ يَتَعَيَّرُونَ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فَيَتَضَرَّرُ الْأَوْلِيَاءُ بِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله: لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ إلَّا فِي الدِّينِ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ إنَّمَا الْفَضْلُ بِالتَّقْوَى» ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] قُلْنَا الْمُرَادُ بِهِ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ وَكَلَامُنَا فِي الدُّنْيَا.
قَالَ رحمه الله (مَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ كُفْءٍ فَرَّقَ الْوَلِيُّ) لِمَا ذَكَرْنَا وَالنِّكَاحُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَتَبْقَى أَحْكَامُهُ مِنْ إرْثٍ وَطَلَاقٍ إلَى أَنْ يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، وَالْفُرْقَةُ بِهِ لَا تَكُونُ طَلَاقًا، ثُمَّ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ رحمه الله (وَرِضَا الْبَعْضِ كَالْكُلِّ) أَيْ رِضَا بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ كَرِضَا كُلِّهِمْ حَتَّى لَا يَتَعَرَّضَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا رَضِيَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْقُطُ حَقُّ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْكُلِّ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِرِضَا الْكُلِّ كَالدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ وَلَهُمَا أَنَّهُ حَقٌّ وَاحِدٌ لَا يَتَجَزَّأُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ كَوِلَايَةِ الْأَمَانِ إذَا أَسْقَطَهُ بَعْضُهُمْ لَا يَبْقَى حَقُّ الْبَاقِينَ.
قَالَ رحمه الله (وَقَبْضُ الْمَهْرِ وَنَحْوِهِ رِضًا)؛ لِأَنَّهُ تَقْرِيرٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ، وَكَذَا التَّجْهِيزُ وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ بِرِضَاهَا فَفَارَقَتْهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ كَانَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْأَوَّلِ لَا يَكُونُ رِضًا بِالثَّانِي.
قَالَ رحمه الله (لَا السُّكُوتُ) أَيْ لَا يَكُونُ السُّكُوتُ مِنْ الْوَلِيِّ رِضًا؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ عَنْ الْمُطَالَبَةِ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُجْعَلُ رِضًا إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِهَا إلَّا إذَا سَكَتَ إلَى أَنْ تَلِدَ، فَيَكُونُ رِضًا دَلَالَةً.
قَالَ رحمه الله (وَالْكَفَاءَةُ تُعْتَبَرُ نَسَبًا فَقُرَيْشٌ أَكْفَاءٌ وَالْعَرَبُ أَكْفَاءٌ وَحُرِّيَّةً وَإِسْلَامًا، وَأَبَوَانِ فِيهِمَا كَالْآبَاءِ وَدِيَانَةً وَمَالًا وَحِرْفَةً)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَقَعُ بِهَا التَّفَاخُرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا وَتُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، وَزَوَالُهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَلَا يُوجِبُ الْخِيَارَ كَالْمَبِيعِ إذَا تَعَيَّبَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَكَذَلِكَ تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْعَقْلِ وَالْحَسَبِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَوْلُهُ: فَقُرَيْشٌ أَكْفَاءٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
فَصْلٌ فِي الْأَكْفَاءِ).
. الْأَكْفَاءُ جَمْعُ كُفْءٍ كَأَقْفَالٍ جَمْعُ قُفْلٍ اهـ. فَتْحٌ وَلَمَّا كَانَتْ الْكَفَاءَةُ شَرْطَ اللُّزُومِ عَلَى الْوَلِيِّ إذَا عَقَدَتْ بِنَفْسِهَا حَتَّى كَانَ لَهُ الْفَسْخُ عِنْدَ عَدَمِهَا كَانَتْ فَرْعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ وَهُوَ بِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فَقَدَّمَ بَيَانَ الْأَوْلِيَاءِ وَمَنْ ثَبَتَتْ لَهُ، ثُمَّ أَعْقَبَهُ فَصْلُ الْكَفَاءَةِ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: اعْلَمْ أَنَّ الْكَفَاءَةَ مُعْتَبَرَةٌ) أَيْ فِي اللُّزُومِ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ حَتَّى إنَّ عِنْدَهُمَا جَازَ لِلْوَلِيِّ الْفَسْخُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِمَا رَوَى جَابِرٌ إلَخْ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْد الْبَرّ هَذَا ضَعِيفٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ ضَعِيفٌ بِمُرَّةَ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْتَظِمُ ذَلِكَ عَادَةً) أَيْ لِأَنَّ الشَّرِيفَةَ تَأْبَى أَنْ تَكُونَ مُسْتَفْرَشَةً لِلْخَسِيسِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا بِخِلَافِ جَانِبِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُسْتَفْرِشٌ فَلَا يَغِيظُهُ دَنَاءَةُ الْفِرَاشِ اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ إلَّا فِي الدِّينِ)، وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ هُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْكَرْخِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ الْكَرْخِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: قُلْنَا الْمُرَادُ بِهِ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ) أَيْ وَإِلَّا فَفِي الدُّنْيَا ثَابِتٌ فَضْلُ الْعَرَبِيِّ عَلَى الْعَجَمِيِّ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: مَنْ نَكَحَتْ غَيْرَ كُفْءٍ فَرَّقَ الْوَلِيُّ) قَالَ الْكَمَالُ فَلِلْأَوْلِيَاءِ الْعَصَبَاتِ لَا لِغَيْرِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَحَارِمَ كَابْنِ الْعَمِّ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلْعَارِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ مَا لَمْ يَجِئْ مِنْ الْوَلِيِّ دَلَالَةُ الرِّضَا كَقَبْضَةِ الْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ أَوْ الْمُخَاصَمَةِ فِي أَحَدِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ وَكَالتَّجْهِيزِ وَنَحْوِهِ كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا عَلَى السَّكْتِ فَظَهَرَ عَدَمُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ الْعَاقِدُ الْكَفَاءَةَ أَوْ أَخْبَرَهُ الزَّوْجُ بِهَا حَيْثُ كَانَ لَهُ التَّفْرِيقُ أَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ وَلَمْ يُخْبِرْهُ فَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِيمَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِمَّنْ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ لَهُمْ الْفَسْخُ وَلَوْ أَخْبَرَ بِحُرِّيَّتِهِ أَوْ شَرَطُوا ذَلِكَ فَظَهَرَ بِخِلَافِهِ كَانَ لِلْعَاقِدِ الْفَسْخُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالنِّكَاحُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ لِلْفَتْوَى لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ أَصْلًا إذَا كَانَتْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ وَهَلْ لِلْمَرْأَةِ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْ أَنْ يَطَأَهَا مُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ نَعَمْ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ هَذَا وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْحُجَّةِ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا تَزَوَّجْتُك عَلَى رَجَاءِ أَنْ يُجِيزَ الْوَلِيُّ وَعَسَى لَا يَرْضَى فَيُفَرَّقُ فَيَصِيرُ هَذَا وَطْئًا بِشُبْهَةٍ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا) قَالَ الرَّازِيّ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ التَّفْرِيقُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ اهـ. وَصِفَةُ التَّفْرِيقِ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي: فَسَخْت هَذَا الْعَقْدَ بَيْنَ هَذِهِ الْمُدَّعِيَةِ وَبَيْنَ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْفُرْقَةُ بِهِ لَا تَكُونُ طَلَاقًا) أَيْ بَلْ فَسْخًا اهـ. قَالَ الرَّازِيّ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَصَرُّفٌ فِي النِّكَاحِ، وَهَذَا فَسْخٌ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ) أَيْ وَكَذَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَعَلَيْهَا الْعُقْرُ اهـ. وَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَرِضَا بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ) أَيْ الْمُسْتَوِينَ فِي دَرَجَةٍ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) أَيْ وَزُفَرُ اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ: كَانَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إلَخْ) وَفِي الْحَلْوَانِيِّ لَوْ رَضِيَ الْوَلِيُّ، ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، ثُمَّ رَاجَعَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ اعْتِرَاضٌ بِخِلَافِ الْبَائِنِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا يَكُونُ رِضًا بِالثَّانِي) أَيْ كَالشَّفِيعِ إذَا سَلَّمَ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ بِيعَ ثَانِيًا يَأْخُذُهُ بِالشُّفْعَةِ فِي الثَّانِي اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ رِضًا دَلَالَةً)، وَعَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ لَهُ التَّفْرِيقَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ أَيْضًا اهـ. كَمَالٌ
(قَوْلُهُ: وَتُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ) فَلَوْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ كُفْءٌ فِي الدِّيَانَةِ، ثُمَّ صَارَ دَاعِرًا لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْعَقْلِ وَالْحَسَبِ) وَالْحَسَبُ مَا يَعُدُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِهِ وَيُقَالُ
أَيْ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا بَيْنَ قُرَيْشٍ
وَعَنْ مُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسَبًا مَشْهُورًا كَأَهْلِ بَيْتِ الْخِلَافَةِ كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِلْخِلَافَةِ وَتَسْكِينًا لِلْفِتْنَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ عَلِيًّا زَوَّجَ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومِ بِنْتَ فَاطِمَةَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَعُمَرُ عَدَوِيٌّ وَهِيَ هَاشِمِيَّةٌ وَيَجْمَعُهُمَا قُرَيْشٌ، وَكَذَا الْعَرَبُ غَيْرُ قُرَيْشٍ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ وَلَا يَكُونُ سَائِرُ الْعَرَبِ أَكْفَاءً لِقُرَيْشٍ لِمَا تَبَيَّنَ، وَالْمَوَالِي لَيْسُوا بِكُفْءٍ لِلْعَرَبِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«قُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ بَطْنٌ بِبَطْنٍ وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ رَجُلٌ بِرَجُلٍ» وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْمَوَالِي رَجُلٌ بِرَجُلٍ؛ لِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ وَلَا يَفْتَخِرُونَ بِهَا وَإِنَّمَا يَفْتَخِرُونَ بِالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَسُمِّيَ الْعَجَمُ مَوَالِيَ؛ لِأَنَّ بِلَادَهُمْ فُتِحَتْ عَنْوَةً بِأَيْدِي الْعَرَبِ وَكَانَ لِلْعَرَبِ اسْتِرْقَاقُهُمْ فَإِذَا تَرَكُوهُمْ أَحْرَارًا فَكَأَنَّهُمْ أَعْتَقُوهُمْ وَالْمَوَالِي هُمْ الْمُعْتَقُونَ
وَفِي الْمَبْسُوطِ أَفْضَلُ النَّاسِ نَسَبًا بَنُو هَاشِمٍ، ثُمَّ قُرَيْشٌ، ثُمَّ الْعَرَبُ لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام «أَنَّ اللَّهَ اخْتَارَ مِنْ النَّاسِ الْعَرَبَ، وَمِنْ الْعَرَبِ قُرَيْشًا وَاخْتَارَ مِنْهُمْ بَنِي هَاشِمٍ وَاخْتَارَنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَلَا فَخْرَ» وَبَنُو بَاهِلَةَ لَيْسُوا بِكُفْءٍ لِجَمِيعِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالْخَسَاسَةِ وَالدَّنَاءَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ
إذَا وَلَدَتْ حَلِيلَةُ بَاهِلِيٍّ
…
غُلَامًا زَادَ فِي عَدَدِ اللِّئَامِ
وَقَالَ آخَرُ:
وَلَوْ قِيلَ لِلْكَلْبِ يَا بَاهِلِيُّ
…
عَوَى الْكَلْبُ مِنْ لُؤْمِ هَذَا النَّسَبِ
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَتَكَافَأُ دِمَاؤُنَا؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَوْ قَتَلْت بَاهِلِيًّا لَقَتَلْتُك بِهِ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى دَنَاءَتِهِمْ عِنْدَهُمْ وَإِنَّمَا عُرِفُوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ بَقِيَّةَ الطَّعَامِ مَرَّةً ثَانِيَةً وَيَأْكُلُونَ نِقْيَ عِظَامِ الْمَيْتَةِ، وَقَوْلُهُ: وَحُرِّيَّةً وَإِسْلَامًا يَعْنِي تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْعَجَمِ؛ لِأَنَّهُمْ يَفْتَخِرُونَ بِهِمَا دُونَ النَّسَبِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْكُفْرَ عَيْبٌ، وَكَذَا الرِّقُّ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُهُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ زَوَالُ الْعَيْبِ فَيُفْتَخَرُ بِهِمَا، وَقَوْلُهُ وَأَبَوَانِ فِيهِمَا كَالْآبَاءِ يَعْنِي مَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ آبَاءٌ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ النَّسَبِ فِي التَّعْرِيفِ إلَى الْأَبِ وَتَمَامُهُ الْجَدُّ فَلَا يُشْتَرَطُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِيهِمَا لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِيهِمَا، وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ أُعْتِقَ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَنْ لَهُ أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَبَ الْوَاحِدَ كَالْأَبَوَيْنِ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخِلَافُ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ كَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُعَدُّ كُفْرُ الْجَدِّ عَيْبًا بَعْدَ أَنْ كَانَ الْأَبُ مُسْلِمًا وَهُمَا قَالَاهُ فِي مَوْضِعٍ يُعَدُّ عَيْبًا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا جَمِيعًا لَا يَكُونُ ذَلِكَ عَيْبًا فِي حَقِّ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُعَيَّرُونَ بِذَلِكَ وَنَظِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ اخْتِلَافُهُمْ فِي التَّعْرِيفِ حَيْثُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله: يَكْفِي النِّسْبَةُ إلَى الْأَبِ، وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ النِّسْبَةِ إلَى الْجَدِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ ذَلِكَ فِي قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لَا يَقَعُ اللَّبْسُ فِيهَا لِعَدَمِ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الِاسْمِ وَهُمَا قَالَا ذَلِكَ فِي مِصْرَ، وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الْكُفْرَ يُعَدُّ عَيْبًا فِي مَوْضِعٍ امْتَدَّ الْإِسْلَامُ فِيهِ وَطَالَ وَلَا يُعَدُّ عَيْبًا فِي مَوْضِعٍ قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ، وَقَوْلُهُ: وَدِيَانَةً وَهُوَ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ مَنْ أَعْلَى الْمَفَاخِرِ وَالْمَرْأَةُ تُعَيَّرُ بِفِسْقِ الزَّوْجِ فَوْقَ مَا تُعَيَّرُ بِضَعَةِ نَسَبِهِ
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ فَلَا تَنْبَنِي
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
حَسَبُهُ دِينُهُ وَيُقَالُ مَالُهُ وَالرَّجُلُ حَسِيبٌ، وَقَدْ حَسُبَ حَسَابَةً بِالضَّمِّ مِثْلُ خَطُبَ خَطَابَةً قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ الْحَسَبُ وَالْكَرَمُ يَكُونَانِ فِي الرَّجُلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ آبَاءٌ لَهُمْ شَرَفٌ قَالَ وَالشَّرَفُ وَالْمَجْدُ لَا يَكُونَانِ إلَّا بِالْآبَاءِ اهـ. جَوْهَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسَبًا مَشْهُورًا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ شَيْئًا اهـ. (قَوْلُهُ: «وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ رَجُلٌ بِرَجُلٍ») قَالَ السُّرُوجِيُّ لَمْ أَجِدْهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْمَوَالِي رَجُلٌ بِرَجُلٍ) أَيْ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يُعْتَبَرُ عِنْدَهُمْ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَسُمِّيَ الْعَجَمُ مَوَالِيَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهُمْ رِقٌّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبَنُو بَاهِلَةَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ وَبَاهِلَةُ فِي الْأَصْلِ اسْمُ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ أَعْصَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ غِيلَانَ فَنُسِبَ وَلَدُهُ إلَيْهَا اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَيَأْكُلُونَ نِقْيَ عِظَامِ الْمَيْتَةِ) النِّقْيُ بِكَسْرِ النُّونِ اهـ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالنِّقْيُ مُخُّ الْعَظْمِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَلَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ فَإِنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَصِّلْ مَعَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَعْلَمَ بِقَبَائِلِ الْعَرَبِ وَأَخْلَاقِهِمْ، وَقَدْ أَطْلَقَ، وَلَيْسَ كُلُّ بَاهِلِيٍّ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِمْ الْأَجْوَادُ وَكَوْنُ فَصِيلَةٍ مِنْهُمْ أَوْ بَطْنٍ صَعَالِيكَ فَعَلُوا ذَلِكَ لَا يَسْرِي فِي حَقِّ الْكُلِّ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ» اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَبَوَانِ فِيهِمَا إلَخْ) وَفِي التَّجْنِيسِ لَوْ كَانَ أَبُوهَا مُعْتَقًا وَأُمُّهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ لَا يُكَافِئُهَا الْمُعْتَقُ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَثَرَ الرِّقِّ وَهُوَ الْوَلَاءُ وَالْمَرْأَةُ لَمَّا كَانَتْ أُمُّهَا حُرَّةَ الْأَصْلِ كَانَتْ أَيْضًا هِيَ حُرَّةَ الْأَصْلِ وَفِي الْمُجْتَبَى مُعْتَقَةُ الشَّرِيفِ لَا يُكَافِئُهَا مُعْتَقُ الْوَضِيعِ اهـ. فَتْحٌ وَفِي الْغَايَةِ وَمَوَالِي الْعَرَبِ أَكْفَاءٌ لِمَوَالِي قُرَيْشٍ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ» ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَكَذَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ وَمَوْلَى الْعَرَبِ لَا يَكُونُ كُفْئًا لِمَوْلَاةِ الْهَاشِمِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ أَوْ أُعْتِقَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ كَوْنُ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ كُفْئًا لِمَنْ عَتَقَ بِنَفْسِهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ لَا يُعَيَّرُونَ بِذَلِكَ)، وَهَذَا حَسَنٌ بِهِ يَنْتَفِي الْخِلَافُ أَيْضًا اهـ. فَتْحٌ وَلَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ وَلِيُّهَا لَيْسَ هَذَا كُفْئًا لَا يُفَرَّقُ بَلْ هُمْ أَكْفَاءٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ قَالَ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَسَبًا مَشْهُورًا كَبِنْتِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ خَدَعَهَا حَائِكٌ أَوْ سَائِسٌ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لَا لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، بَلْ لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِتَسْكِينِهَا بَيْنَهُمْ كَمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَوْقَ مَا تُعَيَّرُ بِضِعَةِ نَسَبِهِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْوَضِيعُ الدَّنِيءُ مِنْ النَّاسِ وَيُقَالُ فِي حَسَبِهِ ضِعَةٌ، وَضِعَةٌ الْهَاءُ عِوَضٌ مِنْ الْوَاوِ اهـ.
عَلَيْهَا أَحْكَامُ الدُّنْيَا إلَّا إذَا كَانَ يُصْفَعُ وَيُسْخَرُ مِنْهُ أَوْ يَخْرُجُ سَكْرَانَ وَيَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَخَفٌّ بِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُعْلِنًا بِالْفِسْقِ فَغَيْرُ كُفْءٍ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا فَهُوَ كُفْءٌ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَقَوْلُهُ: وَمَالًا أَيْ تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْمَالِ أَيْضًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْحَسَبُ الْمَالُ» ؛ وَلِأَنَّهُ يَقَعُ بِهِ التَّفَاخُرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْمُرَادُ بِالْمَهْرِ الْمَهْرُ الْمُعَجَّلُ وَهُوَ مَا تَعَارَفُوا تَعْجِيلَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْبَاقِي وَلَوْ كَانَ حَالًّا وَبِالنَّفَقَةِ أَنْ يَكْتَسِبَ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ النَّفَقَةِ وَقَدْرَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْكِسْوَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لَهَا فِي الْغِنَى هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ مَنْ مَلَكَهُمَا لَا يَكُونُ كُفْئًا لِلْفَائِقَةِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقِيلَ إنْ كَانَ ذَا جَاهٍ كَالسُّلْطَانِ وَالْعَالِمِ يَكُونُ كُفْئًا، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ الْخَلَلَ يَنْجَبِرُ بِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا الْفَقِيهُ الْعَجَمِيُّ يَكُونُ كُفْئًا لِلْعَرَبِيِّ الْجَاهِلِ، وَقِيلَ إنَّ النَّفَقَةَ تُعْتَبَرُ نَفَقَةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ
وَقِيلَ نَفَقَةُ شَهْرٍ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ يَجِدُ نَفَقَتَهَا وَلَا يَجِدُ نَفَقَةَ نَفْسِهِ يَكُونُ كُفْئًا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَفَقَتَهَا لَا يَكُونُ كُفْئًا، وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ فَهُوَ كُفْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ تَجْرِي الْمُسَاهَلَةُ فِيهِ وَيُعَدُّ قَادِرًا بِيَسَارِ أَبِيهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَالَ لِإِثْبَاتٍ لَهُ وَهُوَ غَادٍ وَرَائِحٍ، قَوْلُهُ: وَحِرْفَةً أَيْ تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِي الْحِرَفِ وَهِيَ الصَّنَائِعُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَفْتَخِرُونَ بِشَرَفِ الْحِرَفِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِدَنَاءَتِهَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ وَيُمْكِنُهُ التَّحَوُّلُ إلَى أَنْفَسَ مِنْهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ إلَّا أَنْ يَفْحُشَ كَالْحَائِكِ وَالْحَجَّامِ وَالدَّبَّاغِ
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ فِي الْحِرَفِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَادَةٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ نَقَّصَتْ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ أَوْ يُتِمَّ مَهْرَهَا) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ وَنَقَّصَتْ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا حَتَّى يُتِمَّ لَهَا مَهْرَهَا أَوْ يُفَارِقَهَا، فَإِذَا فَارَقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَإِنْ فَارَقَهَا بَعْدَهُ فَلَهَا الْمُسَمَّى، وَكَذَا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّهَا لَا حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ، وَمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَبْرَأَتْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يَتَفَاخَرُونَ بِغَلَاءِ الْمَهْرِ وَيَتَعَيَّرُونَ بِنُقْصَانِهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ يُعْتَبَرُ مَهْرُ قَبِيلَتِهَا بِمَهْرِهَا فَيَرْجِعُ الضَّرَرُ عَلَى الْقَبِيلَةِ كُلِّهَا فَكَانَ لَهُمْ دَفْعُهُ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ بَعْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْكَرَمِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ
وَهَذَا الْوَضْعُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِهِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ، وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ شَاهِدَةٌ عَلَيْهِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ فَقَالَ: الْمَسْأَلَةُ تُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا أُكْرِهَ الْوَلِيُّ عَلَى النِّكَاحِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، ثُمَّ زَالَ الْإِكْرَاهُ وَهِيَ رَاضِيَةٌ وَلَمْ يَرْضَ الْوَلِيُّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا الْوَلِيُّ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ يُقَدَّرْ لَهَا الْمَهْرُ فَتَزَوَّجَتْ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَعَلَى هَذَا لَا تَشْهَدُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَرُوِيَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُقَالُ لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْإِتْمَامِ؛ لِأَنَّهَا تُسْقِطُهُ لِأَنَّا نَقُولُ فَائِدَتُهُ إقَامَةُ حَقِّ الْوَلِيِّ كَمَا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ يُتِمُّ لَهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إقَامَةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ زَوَّجَ طِفْلَهُ غَيْرَ كُفْءٍ أَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ صَحَّ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ).
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْكَفَاءَةُ فِي الْمَالِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ)، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَبِالنَّفَقَةِ إلَخْ) وَفِي الْمُجْتَبَى الصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى النَّفَقَةِ عَلَى طَرِيقِ الْكَسْبِ كَانَ كُفْئًا وَمَعْنَاهُ مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى إيفَاءِ مَا يُعَجِّلُ لَهَا بِالْيَدِ وَيَكْتَسِبُ مَا يُنْفِقُ لَهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ كَانَ كُفْئًا لَهَا وَفِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ لِلسَّيِّدِ ابْنِ شُجَاعٍ جَعَلَ الْأَصَحَّ مِلْكَ نَفَقَةِ شَهْرٍ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ فِي النَّفَقَةِ تُعْتَبَرُ نَفَقَةُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) وَفِي جَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ سَنَةٌ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله عَقِبَ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا) أَيْ فَيَكْتَفِي بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَهْرِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ غَادٍ وَرَائِحٌ) الْغَادِي الذَّاهِبُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى الزَّوَالِ وَالرَّائِحُ مِنْ الزَّوَالِ إلَى آخِرِ النَّهَارِ وَالْمُرَادُ بِهِمَا هُنَا مُطْلَقُ الذَّهَابِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ نَقَّصَتْ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا) أَيْ نَقْصًا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ أَمَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا يَكُونُ عَفْوًا اهـ. مُسْتَصْفَى، وَقَوْلُهُ: مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ عَنْ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُتِمَّ لَهَا مَهْرَهَا أَوْ يُفَارِقَهَا) أَيْ فَالثَّابِتُ الْتِزَامُ حَدِّ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ فَرْعُ قِيَامِ مُكْنَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَعَنْ هَذَا مَا فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ لَوْ لَمْ يَعْلَمُوا بِذَلِكَ حَتَّى مَاتَتْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُطَالِبُوهُ بِتَكْمِيلِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ أَوْ يُكْمِلَ فَإِذَا امْتَنَعَ هُنَا عَنْ تَكْمِيلِ الْمَهْرِ لَا يُمْكِنُ الْفَسْخُ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ) أَيْ بِغَيْرِ الْوَلِيِّ اهـ. هِدَايَةٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ) أَيْ تَزْوِيجُ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ بِغَيْرِ كُفْءٍ وَبِغَبْنٍ فَاحِشٍ اهـ. عَيْنِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ اهـ.، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَمَنْ زَوَّجَ بِنْتَه وَهِيَ صَغِيرَةٌ عَبْدًا أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَمَةً فَهُوَ جَائِزٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ، ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَكَذَلِكَ إنْ زَوَّجَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ مَهْرَهَا أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفَقَتِهَا فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّظَرَ وَعَدَمَهُ فِي هَذَا الْعَقْدِ لَيْسَا مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ الْمَالِ وَقِلَّتِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ بَاطِنٍ فَالضَّرَرُ كُلُّ الضَّرَرِ لِسُوءِ الْعِشْرَةِ وَإِدْخَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْمَكْرُوهَ عَلَى الْآخَرِ وَالنَّظَرُ كُلُّ النَّظَرِ فِي ضِدِّهِ فِي هَذَا الْعَقْدِ وَأَمْرُ الْمَالِ سَهْلٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِيهِ بَلْ الْمَقْصُودُ فِيهِ مَا قُلْنَا فَإِذَا كَانَ بَاطِنًا يُعْتَبَرُ دَلِيلُهُ فَيُعَلَّقُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَدَلِيلُ النَّظَرِ قَائِمٌ هُنَا وَهُوَ قُرْبَةُ الْقَرَابَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى وُفُورِ الشَّفَقَةِ
أَيْ لَوْ زَوَّجَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ غَيْرَ كُفْءٍ بِأَنَّ زَوَّجَ ابْنَهُ أَمَةً أَوْ زَوَّجَ بِنْتَهُ عَبْدًا أَوْ زَوَّجَهُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بِأَنْ زَوَّجَ الْبِنْتَ وَنَقَّصَ مِنْ مَهْرِهَا أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ وَزَادَ عَلَى مَهْرِ امْرَأَتِهِ جَازَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهُمَا غَيْرَ كُفْءٍ وَلَا يَجُوزُ الْحَطُّ وَالزِّيَادَةُ إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الْحَطُّ وَالزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ فَسَادَ التَّسْمِيَةِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ النِّكَاحِ كَمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أَوْ سَمَّى مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا إذَا زَوَّجَهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ عِنْدَهُمَا وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوِلَايَةَ مُقَيَّدَةٌ بِالنَّظَرِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَطَّ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ لَيْسَ مِنْ النَّظَرِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ النَّظَرِ وَهُوَ قُرْبُ الْقَرَابَةِ وَفِي النِّكَاحِ مَقَاصِدُ تَرْبُو عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ الْمَالِيَّةُ فَإِذَا فَاتَتْ فَاتَ النَّظَرُ وَبِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ النَّظَرِ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ وَهُوَ قُرْبُ الْقَرَابَةِ وَوُفُورُ الشَّفَقَةِ
وَاسْتَدَلَّ فِي الْغَايَةِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «زَوَّجَ فَاطِمَةَ عَلَى أَرْبَعمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهِيَ أَفْضَلُ النِّسَاءِ» وَزَوَّجَ أَبُو بَكْرٍ عَائِشَةَ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَهْرَ مِثْلِهِمَا، أَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَكَانَ يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ وَتَزَوَّجَ عُمَرُ أُمَّ كُلْثُومِ بِنْتَ عَلِيٍّ مِنْ فَاطِمَةَ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَال لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ كَبِيرَةً وَلِهَذَا اسْتَأْذَنَهَا عليه الصلاة والسلام، وَكَلَامُنَا فِي الصَّغِيرَةِ وَاسْتِدْلَالِهِ بِأُمِّهَا وَعُمَرَ وَابْنِهِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا زَادَا عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إذْ لَا يَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ بِرِضَا الزَّوْجِ عِنْدَ عَدَمِ رِضَاهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَهْرَ مِثْلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْفَضِيلَةِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ كَانَ قَلِيلًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ اتَّسَعَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنْ فَتُوحَ الْبِلَادِ وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِمُهُورِ بَنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَزْوَاجِهِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَسَاقَ إلَيْهَا مِائَةَ جَارِيَةٍ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَتَزَوَّجَ ابْنُ عَبَّاسٍ شُمَيْلَهْ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَتَزَوَّجَ أَنَسٌ امْرَأَةً عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَادَتَهُمْ لَمْ تَجْرِ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
مَعَ كَمَالِ الرَّأْيِ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْعَصَبَاتِ وَالْأُمِّ لِقُصُورِ الشَّفَقَةِ فِي الْعَصَبَاتِ وَنُقْصَانِ الرَّأْيِ فِي الْأُمِّ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالدَّلِيلُ عَدِمْنَاهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهُمْ كَذَلِكَ وَعَلَى هَذَا يُبْنَى الْفَرْعُ الْمَعْرُوفُ لَوْ زَوَّجَ الْعَمُّ الصَّغِيرَةَ حُرَّةَ الْجَدِّ مِنْ مُعْتَقِ الْجَدِّ فَكَبِرَتْ فَأَجَازَتْ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَقْدًا مَوْقُوفًا إذْ لَا مُجِيزَ لَهُ فَإِنَّ الْعَمَّ وَنَحْوَهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ التَّزْوِيجُ بِغَيْرِ الْكُفْءِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْأَبُ مَعْرُوفًا بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ أَوْ الْمَجَانَةِ وَالْفِسْقِ كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. قَالَ قَاضِي خَانْ رحمه الله فِي فَتَاوِيهِ مَا نَصُّهُ: غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ مِنْ رَجُلٍ كَانَ جَدُّهُ مُعْتَقَ قَوْمٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا صَارَ مُسْلِمًا وَلِلصَّغِيرَةِ آبَاءً أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ، ثُمَّ أَدْرَكَتْ الصَّغِيرَةُ فَأَجَازَتْ النِّكَاحَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا نِكَاحٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ فَلَا يَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ، وَكَذَا لَوْ انْعَدَمَتْ الْكَفَاءَةُ بِسَبَبٍ آخَرَ لَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ اهـ. وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَوْ زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ مِنْ غَيْرِ الْكُفْءِ لَا يَجُوزُ حَتَّى لَوْ بَلَغَتْ وَأَجَازَتْ لَمْ يَنْفُذْ اهـ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ رَجُلٌ زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِعَشَرَةٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا عَشَرَةُ آلَافٍ أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ امْرَأَةً بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَهُوَ جَائِزٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَطُّ وَالزِّيَادَةُ بِقَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ ذَكَرَهَا هُنَا أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ؛ لِأَنَّ فَسَادَ التَّسْمِيَةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ عِنْدَهُمَا لَهُمَا أَنَّ وِلَايَةَ الْآبَاءِ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ النَّظَرِ وَلَا نَظَرُ فِي هَذَا الْعَقْدِ، وَعِنْدَ تَرْكِ النَّظَرِ كَانَ الْأَبُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجَانِبِ فَكَمَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْأَجَانِبِ لَا يَصِحُّ مِنْ الْآبَاءِ وَلِهَذَا لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْمَالِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَلَهُ أَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ لِكَمَالِ رَأْيِهِ وَوُفُورِ شَفَقَتِهِ لَا يَتَحَمَّلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ الْفَاحِشَ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ مَطْلُوبَةٍ لَا يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُهَا إلَّا بِهِ فَيُعَدُّ ذَلِكَ نَظَرًا وَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا حَتَّى لَوْ عُرِفَ الْأَبُ بِالْمَجَانَةِ وَسُوءِ الِاخْتِيَارِ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ؛ لِأَنَّ شَفَقَتَهُ قَاصِرَةٌ فَيَبْطُلُ عَقْدُهُ لِأَجْلِ الضَّرَرِ الظَّاهِرِ وَبِخِلَافِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ثَمَّةَ هُوَ الْمَالُ فَإِذَا فَاتَ الْمَقْصُودُ يُعَدُّ ضَرَرًا وَلَا يُعَدُّ نَظَرًا فَيَبْطُلُ عَقْدُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ عَبْدًا أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَمَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَوَجْهُ الْمَذْهَبَيْنِ مَا قُلْنَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَزَادَ عَلَى مَهْرِ امْرَأَتِهِ جَازَ) أَيْ وَيَثْبُتُ الْمَالُ كُلُّهُ فِي ذِمَّةِ الصَّغِيرِ فِي الثَّانِيَةِ لَا فِي ذِمَّةِ الْأَبِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا فَيَقْبِضُهُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرَةِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَيَبْطُلُ الْحَطُّ وَالزِّيَادَةُ) أَيْ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ اهـ. غَايَةٌ، وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ وَالتَّسْمِيَةَ لَا تَجُوزُ، وَذَكَرَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ اهـ. طَرْسُوسِيٌّ وَغَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَاسْتَدَلَّ فِي الْغَايَةِ إلَخْ) وَعَزَاهُ فِيهَا لِشَرْحِ الْإِرْشَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ: زَوَّجَ فَاطِمَةَ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ) أَيْ وَهِيَ ثَمَنُ دِرْعِهِ اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهِيَ أَفْضَلُ النِّسَاءِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَفْضَلُ النَّاسِ