المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل في المحرمات) - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٢

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْحَجِّ)

- ‌مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ

- ‌(بَابُ الْإِحْرَامِ)

- ‌(فَصْلٌ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ

- ‌(بَابُ الْقِرَانِ)

- ‌[بَابُ التَّمَتُّعِ]

- ‌[ بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ]

- ‌[فَصْلٌ نَظَرَ الْمُحْرِم إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى]

- ‌[فَصْلٌ الصَّيْدَ فِي الحرم]

- ‌{بَابٌ: مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ}

- ‌(بَابٌ: إضَافَةُ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ)

- ‌بَابُ الْإِحْصَارِ

- ‌[بَابُ الْفَوَاتِ]

- ‌[الْعُمْرَة حُكْمهَا وَأَرْكَانهَا]

- ‌(بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ)

- ‌(فَصْلٌ) الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَعْرُوفِ

- ‌(بَابُ الْهَدْيِ)

- ‌[مَسَائِل مَنْثُورَة]

- ‌[نَذْر الْحَجّ ماشيا]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[شُرُوط النِّكَاح وَأَرْكَانه]

- ‌(فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ)

- ‌ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ)

- ‌ النِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ

- ‌(بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا)

- ‌(بَابُ الْمَهْرِ)

- ‌(بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ)

- ‌(بَابُ نِكَاحِ الْكَافِرِ)

- ‌(بَابُ الْقَسْمِ

- ‌(كِتَابُ الرَّضَاعِ)

- ‌(كِتَابُ الطَّلَاقِ)

- ‌[بَابُ الطَّلَاقِ ضَرْبَانِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ)

- ‌(بَابُ الْكِنَايَاتِ)

- ‌[أَقْسَام الْكِنَايَات]

- ‌(بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ)

- ‌(بَابُ التَّعْلِيقِ)

- ‌(بَابُ الْمَرِيضِ)

- ‌(بَابُ الرَّجْعَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ)

- ‌(بَابُ الْإِيلَاءِ)

- ‌(بَابُ الْخُلْعِ)

الفصل: ‌(فصل في المحرمات)

الْعَبْدَ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ، وَالْعَبْدُ حَاضِرٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ لِعَدَمِ التَّوْكِيلِ مِنْ جِهَتِهِ

وَإِنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَتَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ الْمَوْلَى وَرَجُلٍ آخَرَ فَقَدْ قِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فَتَنْتَقِلُ عِبَارَتُهُ إلَى الْمَوْلَى فَيَكُونُ كَأَنَّهُ زَوَّجَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ قَالُوا: هَذَا لَيْسَ بِصَوَابٍ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِأَصْلِ أَصْحَابِنَا، فَإِنَّ أَصْلَهُمْ أَنَّ الْعَبْدَ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ، وَالْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ، وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْلَى فَيَصْلُحُ شَاهِدًا، وَلَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْبَالِغَ امْرَأَةً بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَالْعَبْدُ حَاضِرٌ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُبَاشِرًا فَيَنْتَقِلُ إلَى الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا لَمْ يَجُزْ وَعَلَى هَذَا الْأَمَةُ، وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: لَا يَجُوزُ فَكَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ ثُمَّ إذَا وَقَعَ التَّجَاحُدُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَلِلْمُبَاشِرِ أَنْ يَشْهَدَ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عَقَدَهُ بَلْ قَالَ: هَذِهِ امْرَأَتُهُ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ وَنَحْوِهِ وَإِنْ بَيَّنَ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ

قَالَ رحمه الله ‌

(فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ)

اعْلَمْ أَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ أَنْوَاعٌ النَّوْعُ الْأَوَّلُ الْمُحَرَّمَاتُ بِالنَّسَبِ وَهُنَّ أَنْوَاعٌ فُرُوعُهُ وَأُصُولُهُ وَفُرُوعُ أَبَوَيْهِ وَإِنْ نَزَلُوا وَفُرُوعُ أَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ إذَا انْفَصَلُوا بِبَطْنٍ وَاحِدٍ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي: الْمُحَرَّمَاتُ بِالْمُصَاهَرَةِ، وَهُنَّ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ فُرُوعُ نِسَائِهِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ وَأُصُولُهُنَّ وَحَلَائِلُ فُرُوعِهِ وَحَلَائِلُ أُصُولِهِ وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ الْمُحَرَّمَاتُ بِالرَّضَاعِ وَأَنْوَاعُهُنَّ كَالنَّسَبِ وَالنَّوْعُ الرَّابِعُ حُرْمَةُ الْجَمْعِ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ حُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَحَارِمِ، وَحُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّاتِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْخَمْسِ أَوْ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، وَالْحُرَّةُ مُتَقَدِّمَةٌ، وَالنَّوْعُ الْخَامِسُ: الْمُحَرَّمَةُ لِحَقِّ الْغَيْرِ كَمَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ وَمُعْتَدَّتِهِ وَالْحَامِلِ بِثَابِتِ النَّسَبِ، وَالنَّوْعُ السَّادِسُ الْمُحَرَّمَةُ لِعَدَمِ دِينٍ سَمَاوِيٍّ كَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُشْرِكَةِ، وَالنَّوْعُ السَّابِعُ الْمُحَرَّمَةُ لِلتَّنَافِي كَنِكَاحِ السَّيِّدَةِ مَمْلُوكَهَا وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ كُلِّ نَوْعٍ بِدَلِيلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - قَالَ رحمه الله (حَرُمَ تَزَوُّجُ أُمِّهِ وَبِنْتِهِ وَإِنْ بَعُدَتَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] وَالْجَدَّاتُ أُمَّهَاتٌ وَبَنَاتُ الْأَوْلَادِ بَنَاتٌ؛ إذْ الْأُمُّ هِيَ الْأَصْلُ لُغَةً، وَالْبِنْتُ هِيَ الْفَرْعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7] أَيْ أَصْلُهُ وَسُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى؛ لِأَنَّهَا أَصْلُ الْأَرْضِ فَإِنَّهَا دُحِيَتْ مِنْ تَحْتِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ» وَلِكَوْنِ الْبِنْتِ اسْمًا لِلْفَرْعِ يَتَنَاوَلُ النَّصُّ الْوَارِدُ عَلَى بَنَاتِ الْأَخِ وَبَنَاتِ الْأُخْتِ بَنَاتِ أَوْلَادِهِمَا وَإِنْ سَفَلْنَ فَيَتَنَاوَلُ الْأُمَّ وَالْبِنْتَ بِوَاسِطَةٍ وَبِغَيْرِ وَاسِطَةٍ حَقِيقَةً فَلَا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَوْ نَقُولُ: ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْجَدَّاتِ وَبَنَاتِ الْأَوْلَادِ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - حَرَّمَ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ، وَهُنَّ أَوْلَادُ الْجَدَّاتِ فَهُنَّ أَقْرَبُ مِنْ أَوْلَادِهِنَّ، وَكَذَا حَرَّمَ بَنَاتِ الْأَخِ فَبَنَاتُ الْأَوْلَادِ أَقْرَبُ مِنْهُنَّ فَكُنَّ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي تَحْرِيمِ هَؤُلَاءِ تَعْظِيمُ الْقَرِيبِ وَصَوْنُهُ عَنْ الِاسْتِخْفَافِ؛ لِأَنَّ فِي الِاسْتِفْرَاشِ اسْتِخْفَافًا بِهِ، وَتَعْظِيمُهُ وَاجِبٌ شَرْعًا وَلِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ يُفْضِي إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ: لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ الْعِبَارَةُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ بِوَكِيلٍ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ حَتَّى تَنْتَقِلَ عِبَارَتُهُ إلَيْهِ فَبَقِيَ الْوَكِيلُ مُزَوِّجًا لَا شَاهِدًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ) أَيْ أَوْ أَمَتِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: وَمِمَّا ذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ وَكِيلِ السَّيِّدِ يَظْهَرُ أَنَّ ثُبُوتَ الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا زَوَّجَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ بِحُضُورِهِمَا مَعَ شَاهِدٍ مَحَلُّ نَظَرٍ؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ السَّيِّدِ لَيْسَ فَكًّا لِلْحَجْرِ عَنْهُمَا فِي التَّزَوُّجِ مُطْلَقًا، وَإِلَّا لَصَحَّ فِي مَسْأَلَةِ وَكِيلِهِ؛ وَلِذَا خَالَفَ فِي صِحَّتِهَا الْمَرْغِينَانِيُّ قَالَ وَقَالَ أُسْتَاذِي: فِيهِمَا رِوَايَتَانِ أَيْ فِي وَكِيلِ السَّيِّدِ وَالسَّيِّدِ اهـ.

[فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ]

(فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ) الْمُحَرَّمَاتُ الْمُؤَبَّدَةُ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سَبْعٌ بِالنَّسَبِ وَهُنَّ الْمَذْكُورَاتُ فِي قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23] وَأَرْبَعٌ بِالصِّهْرِ وَهُنَّ أُمَّهَاتُ النِّسَاءِ وَالرَّبَائِبُ وَحَلِيلَةُ الِابْنِ وَمَنْكُوحَةُ الْأَبِ فَهَذِهِ إحْدَى عَشْرَةَ وَمِثْلُهُنَّ بِالرَّضَاعِ، وَالْمُحَرَّمَاتُ الْمُؤَقَّتَةُ سَبْعٌ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَتَزْوِيجُ الْخَامِسَةِ وَعِنْدَهُ أَرْبَعٌ وَتَزْوِيجُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَتَزْوِيجُ الْأَرْبَعِ فِي عِدَّةِ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَكَذَا تَزْوِيجُ أُخْتِهَا وَأَمَةِ الرَّجُلِ إذَا كَاتَبَهَا وَالْمُشْرِكَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِ كَذَا فِي الْمَنْثُورِ. اهـ. مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ وَهُنَّ فُرُوعُهُ) أَيْ وَهُمْ بَنَاتُهُ وَبَنَاتُ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلْنَ اهـ (قَوْلُهُ: وَأُصُولُهُ) أَيْ وَهُمْ أُمَّهَاتُهُ وَأُمَّهَاتُ أُمَّهَاتِهِ وَآبَائِهِ وَإِنْ عَلَوْا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفُرُوعُ أَبَوَيْهِ وَإِنْ نَزَلُوا) أَيْ فَتَحْرُمُ بَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُ أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَإِنْ نَزَلْنَ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا انْفَصَلُوا بِبَطْنٍ وَاحِدٍ) فَلِهَذَا تَحْرُمُ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَتَحِلُّ بَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فُرُوعُ نِسَائِهِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ) أَيْ وَإِنْ نَزَلْنَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأُصُولِهِنَّ) أَيْ وَإِنْ عَلَوْنَ اهـ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِالزَّوْجَاتِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: وَتَحْرُمُ مَوْطُوآتُ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ وَإِنْ عَلَوْا وَلَوْ بِزِنًا وَالْمَعْقُودُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ وَمَوْطُوآتُ أَبْنَائِهِ وَأَبْنَاءِ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا وَلَوْ بِزِنًا وَالْمَعْقُودُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ تَعَالَى {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7] أَيْ أَصْلُهُ) أَيْ أَصْلٌ يُرَدُّ إلَيْهِ الْمُتَشَابِهُ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: مِنْ تَحْتِهَا) لَفْظَةُ مِنْ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَبِغَيْرِ وَاسِطَةٍ حَقِيقَةً) لِأَنَّ الْأُمَّ عَلَى هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكَّكِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: أَوْ نَقُولُ ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْجَدَّاتِ إلَخْ) وَفِي الْبَدَائِعِ اسْمُ الْأُمِّ يَتَنَاوَلُ الْجَدَّةَ مَجَازًا وَلِهَذَا كَانَ مَنْ نَفَى ذَلِكَ صَادِقًا وَهُوَ مِمَّا تُعْلَمُ بِهِ الْحَقِيقَةُ مِنْ الْمَجَازِ وَقَدْ تَأَيَّدَ ذَلِكَ بِالشَّرْعِ فَإِنَّ مَنْ قَالَ لَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ لِجَدِّهِ لَا يَصِيرُ قَاذِفًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَبَنَاتُ الْأَوْلَادِ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ إطْلَاقُ الْأُمِّ عَلَى الْأَصْلِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ حَتَّى لَا يَتَنَاوَلَ النَّصُّ الْجَدَّاتِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْأُمَّ مُرَادٌ بِهِ الْأَصْلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَيَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ بِإِرَادَتِهِ مَجَازًا فَتَدْخُلُ الْجَدَّاتُ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ وَالْعُرْفِ لِإِرَادَةِ ذَلِكَ فِي النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَتِهِنَّ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ إطْلَاقُ لَفْظِ الْبِنْتِ عَلَى الْفَرْعِ حَقِيقَةً؛ فَلِذَا اقْتَصَرَ فِي حُرْمَةِ بَنَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى الْإِجْمَاعِ فَظَاهِرُ بَعْضِ الشُّرُوحِ ثُبُوتُهُ. اهـ. فَتْحٌ

ص: 101

لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَخْلُو عَنْ مُبَاسَطَاتٍ تَجْرِي بَيْنَ الْمُتَنَاكِحَيْنِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَ جَرَيَانِ الْخُشُونَةِ بَيْنَهُمَا فَيُفْضِي إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ أَصْلًا فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ فَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ

قَالَ رحمه الله (وَأُخْتِهِ وَبِنْتِهَا وَبِنْتِ أَخِيهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ)؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَيَدْخُلُ فِي النَّصِّ الْأَخَوَاتُ الْمُتَفَرِّقَاتُ وَبَنَاتُهُنَّ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ الْمُتَفَرِّقِينَ وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ الْمُتَفَرِّقَاتُ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ وَكَذَا يَدْخُلُ فِي الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ أَوْلَادُ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا حَقِيقَةً قَالَ رحمه الله (وَأُمِّ امْرَأَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وَسَوَاءٌ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا وَتَدْخُلُ فِي لَفْظِ الْأُمَّهَاتِ جَدَّاتُهَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْأُمِّ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَمَالِكٌ: إنَّ أُمَّ الزَّوْجَةِ لَا تَحْرُمُ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا، وَهُوَ مَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] ذَكَرَ أُمَّهَاتَ النِّسَاءِ وَعَطَفَ عَلَيْهِنَّ الرَّبَائِبَ ثُمَّ أَعْقَبَهُمَا ذِكْرُ الشَّرْطِ، وَهُوَ الدُّخُولُ فَيَنْصَرِفُ الشَّرْطُ إلَيْهِمَا، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الشُّرُوطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَتُقَيَّدُ حُرْمَتُهُمَا بِالدُّخُولِ

أَوْ يُقَالُ: إنَّ الْمَوْصُولَ وَقَعَ صِفَةً لَهُمَا فَتَقَيَّدَا بِالدُّخُولِ، وَلَنَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالدُّخُولِ وَهُوَ كَلَامٌ تَامٌّ مُنْفَصِلٌ عَنْ الثَّانِي فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ؛ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْحَمْلِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رُجُوعُهُ إلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَبْهِمُوا مَا أَبْهَمَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَيْ أَطْلِقُوهُ، وَقَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ الْآيَةُ مُبْهَمَةٌ لَا تَفْصِيلَ بَيْنَ الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ وَقَوْلُهُمْ: يَنْصَرِفُ الشَّرْطُ إلَيْهِمَا، وَهُوَ الْأَصْلُ قُلْنَا: ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ الْمُصَرَّحِ بِهِ وَالِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا فِي الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ فَتَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهَا فَإِنَّك إذَا قُلْت جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو الْعَالِمُ تَقْتَصِرُ الصِّفَةُ عَلَى الْمَذْكُورِ آخِرًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هُنَا أَنْ يَكُونَ صِفَةً لَهُمَا أَصْلًا لِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي أُمَّهَاتِ نِسَائِكُمْ الْإِضَافَةُ، وَفِي نِسَائِكُمْ حَرْفُ الْجَرِّ

وَلَوْ كَانَ صِفَةً لَهُمَا لَمَا اخْتَلَفَ الْعَامِلُ فِي الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْمَوْصُوفِ هُوَ الْعَامِلُ فِيهَا، وَلَا يَجْتَمِعُ الْعَامِلَانِ فِي مَعْمُولٍ وَاحِدٍ فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْأَوَّلِ قَالَهُ رحمه الله (وَبِنْتِهَا إنْ دَخَلَ بِهَا) أَيْ بِنْتِ امْرَأَتِهِ إنْ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ لِثُبُوتِ قَيْدِ الدُّخُولِ فِيمَا تَلَوْنَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِهِ أَوْ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْحِجْرِ فِي النَّصِّ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ لَا مَخْرَجَ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ» الْمُرَادُ مَا طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الثَّانِيَةِ لَا أَنْ تَكُونَ أُمُّهَا لَبُونًا أَوْ مَخَاضًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْحِجْرِ لِلتَّشْنِيعِ عَلَيْهِمْ بِذِكْرِ قَبِيحِ فِعْلِهِمْ لَا لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130] {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا} [النساء: 6] وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ اكْتَفَى فِي الْإِحْلَالِ بِنَفْيِ الدُّخُولِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] وَلَوْ كَانَ الْحِجْرُ شَرْطًا لَمَا اكْتَفَى بِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطَيْنِ وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الثَّانِي فِي النَّفْيِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَعَمْ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا لَكِنْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَهُنَا الْمَنْفِيُّ مُتَعَيِّنٌ وَلَوْ كَانَ مُعَلَّقًا بِهِمَا لَقِيلَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي حُجُورِكُمْ أَوْ كَانَ يَنْفِي الِاثْنَيْنِ بِأَنْ يُقَالَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ وَلَمْ يَكُنْ فِي حُجُورِكُمْ وَحَيْثُ اكْتَفَى بِنَفْيِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ عُلِمَ أَنَّهُ هُوَ الْمَنَاطُ وَحْدُهُ وَقَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ: لَا تَحْرُمُ الرَّبِيبَةُ إلَّا إذَا كَانَتْ فِي حِجْرِهِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَحْرُمُ الرَّبِيبَةُ إلَّا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً وَقْتَ التَّزَوُّجِ وَجُعِلَتْ فِي حِجْرِهِ وَتَكَلَّفَهَا وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ هِيَ الَّتِي فِي حِجْرِهِ دُونَ الْكَبِيرَةِ وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى الْقَطِيعَةِ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِي حِجْرِهِ أَوْ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، وَاشْتِرَاطُ الْحِجْرِ مَذْكُورٌ فِي الْإِثْبَاتِ لَا غَيْرُ فَانْتِفَاؤُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: وَرَبَائِبُكُمْ بَنَاتُ الرَّبِيبَةِ وَالرَّبِيبِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُهُنَّ بِخِلَافِ حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ وَالْآبَاءِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ لَهُنَّ فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُنَّ

قَالَ رحمه الله (وَامْرَأَةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِذَا يَدْخُلُ فِي الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ أَوْلَادُ الْأَجْدَادِ) أَيْ لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتُ آبَاءٍ عَلَوْنَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْجَدَّاتُ وَإِنْ عَلَوْنَ)؛ لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتُ أُمَّهَاتٍ عَلِيَّاتٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَأُمُّ امْرَأَتِهِ) إذَا كَانَ نِكَاحُ الْبِنْتِ صَحِيحًا أَمَّا بِالْفَاسِدِ فَلَا تَحْرُمُ الْأُمُّ إلَّا إذَا وَطِئَ بِنْتَهَا. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَمَالِكٌ: إنَّ أُمَّ الزَّوْجِ لَا تَحْرُمُ إلَخْ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ مَالِكًا مَعَ الْجُمْهُورِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا) وَلَا تَحْرُمُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ مَاتَتْ جَازَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُمِّهَا اهـ (قَوْلُهُ: فَيَنْصَرِفُ الشَّرْطُ إلَيْهِمَا) كَمَنْ قَالَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَشَرْطُ الدُّخُولِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا فَكَذَا هُنَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ يُقَالُ إنَّ الْمَوْصُولَ) وَهُوَ قَوْلُهُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَهُمَا لَمَّا اخْتَلَفَ الْعَامِلُ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ لَاخْتَلَفَ وَالصَّوَابُ مَا فِي الْأَصْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجْتَمِعُ الْعَامِلَانِ فِي مَعْمُولٍ وَاحِدٍ) هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْوَصْفُ الْوَاحِدُ لَا يَقَعُ عَلَى مَوْصُوفَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْعَامِلِ اهـ (قَوْلُهُ: وَبِنْتُهَا إنْ دَخَلَ بِهَا) فَإِنْ طَلَّقَ الْأُمَّ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ مَاتَتْ يَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُ الْبِنْتِ وَفِيهِ خِلَافٌ زِيدَ. اهـ. مَبْسُوطٌ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي حَجْرِ غَيْرِهِ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَصْحَابِهِمْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا مَخْرَجَ الشَّرْطِ) أَيْ فَلَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ حِينَئِذٍ إجْمَاعًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطَيْنِ) أَيْ الدُّخُولِ وَكَوْنِ الرَّبِيبَةِ فِي الْحِجْرِ اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ) أَيْ فَلِذَا جَازَ التَّزَوُّجُ بِأُمِّ زَوْجَةِ الْأَبِ وَبِنْتِهَا وَجَازَ لِلِابْنِ التَّزَوُّجُ بِأُمِّ زَوْجَةِ الْأَبِ وَبِنْتِهَا. اهـ. فَتْحٌ

ص: 102

أَبِيهِ وَابْنِهِ وَإِنْ بُعْدَا) أَيْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَةُ أَبِيهِ وَامْرَأَةُ ابْنِهِ وَإِنْ بَعُدَ الْأَبُ وَالِابْنُ بِأَنْ كَانَ أَبَ الْأَبِ أَوْ أَبَ الْأُمِّ أَوْ أَبَ أُمِّ الْأَبِ، وَإِنْ عَلَا أَوْ كَانَ ابْنُ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ أَمَّا امْرَأَةُ الْأَبِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] فَيَتَنَاوَلُ مَنْكُوحَةَ الْأَبِ وَطْئًا وَعَقْدًا صَحِيحًا، وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْآبَاءِ يَتَنَاوَلُ الْآبَاءَ وَالْأَجْدَادَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ وَفِي النَّفْيِ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَمَا يَجُوزُ فِي الْمُشْتَرَكِ أَنْ يَعُمَّ جَمِيعَ مَعَانِيهِ فِي النَّفْيِ، وَأَمَّا امْرَأَةُ الِابْنِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] وَذَكَرَ الْأَصْلَابَ لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ التَّبَنِّي لَا لِإِحْلَالِ حَلِيلَةِ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] وَلَفْظُ الْأَبْنَاءِ يَتَنَاوَلُ أَبْنَاءَ الْأَوْلَادِ، وَإِنْ سَفَلُوا وَلَا يُشْتَرَطُ دُخُولُ الِابْنِ وَلَا الْأَبِ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ قَالَ رحمه الله (وَالْكُلُّ رَضَاعًا) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَهُنَّ أُمُّهُ وَبِنْتُهُ وَأُخْتُهُ وَبَنَاتُ إخْوَتِهِ وَعَمَّتُهُ وَخَالَتُهُ وَأُمُّ امْرَأَتِهِ وَبِنْتُهَا وَامْرَأَةُ أَبِيهِ وَامْرَأَةُ ابْنِهِ كُلُّ ذَلِكَ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ كَمَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَفِي حَلِيلَةِ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ وَامْرَأَةِ الْأَبِ مِنْ الرَّضَاعِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا

قَالَ رحمه الله (وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا وَوَطْئًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعَنْ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ» وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يُفْضِي إلَى الْقَطِيعَةِ فَيَحْرُمُ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا، وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَطْئًا فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَمَذْهَبُ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ عُثْمَانُ يَجُوزُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] وَأَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ بِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه لِمَا تَلَوْنَا وَمَا تَلَاهُ مَخْصُوصٌ بِأُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَبِغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ بِالْمُصَاهَرَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ شَرِكَةٍ فَكَذَا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ فَالْأَخْذُ بِالْمُحَرَّمِ أَوْلَى احْتِيَاطًا قَالَ رحمه الله (فَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَ أَمَتِهِ الْمَوْطُوءَةِ لَمْ يَطَأْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يَبِيعَهَا) أَيْ لَمْ يَطَأْ الْمَنْكُوحَةَ وَلَا الْمَوْطُوءَةَ

وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ حَتَّى يُحَرِّمَ الْأَمَةَ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا؛ إذْ النِّكَاحُ مُلْحَقٌ بِالْوَطْءِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ فَلَوْ صَحَّ النِّكَاحُ لَصَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا وَهُوَ مَمْنُوعٌ قُلْنَا نَفْسُ الْعَقْدِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ أَبَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَبُو. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَبَ الْأُمِّ) الَّذِي فِي خَطِّ لِلشَّارِحِ أَبُو. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَبَ أُمِّ الْأَبِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَبُو اهـ وَاسْمُ الْأَبِ يَتَنَاوَلُ الْأَجْدَادَ وَالْأَبَ الْحَقِيقِيَّ بِاعْتِبَارِ عُمُومِ الْمَجَازِ وَهُوَ الْأَصْلُ فَثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ فِي الْجَمِيعِ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا كَمَا مَرَّ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي الْمَحَلَّيْنِ ثَبَتَ نَصًّا وَقَدْ مَرَّ وَهَذَا نَهْيٌ بِمَعْنَى النَّفْيِ؛ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ هُوَ النَّهْيَ لَكَانَ يَنْعَقِدُ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ فِي الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ نَفْيٌ) أَيْ مَعْنًى، وَإِنْ كَانَ نَهْيًا صُورَةً. اهـ. (قَوْلُهُ:{وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: 23] إلَخْ) وَسُمِّيَتْ حَلِيلَةً؛ لِأَنَّهَا حَلَّتْ لِلِابْنِ مِنْ الْحِلِّ، أَوْ لِأَنَّهَا تَحِلُّ فِرَاشَهُ، وَهُوَ يَحِلُّ فِرَاشَهَا مِنْ الْحُلُولِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: يَتَنَاوَلُ أَبْنَاءَ الْأَوْلَادِ، وَإِنْ سَفَلُوا) فَتَحْرُمُ امْرَأَةُ ابْنِ ابْنِهِ وَامْرَأَةُ ابْنِ بِنْتِهِ. اهـ. أَقْطَعُ، فَإِنْ قِيلَ: ابْنُ الِابْنِ لَا يَكُونُ مِنْ صُلْبِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ تَعْدِيَةُ هَذَا التَّحْرِيمِ إلَيْهِ مَعَ هَذَا التَّقْيِيدِ قُلْنَا مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ يُذْكَرُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَصْلَ مِنْ صُلْبِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الروم: 20] وَالْمَخْلُوقُ مِنْ التُّرَابِ هُوَ الْأَصْلُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ كَيْ (قَوْلُهُ: وَبَنَاتُ إخْوَتِهِ) أَيْ وَبَنَاتُ أَخَوَاتِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ نِكَاحًا) أَيْ عَقْدًا. اهـ. فَتْحٌ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْ الرَّضَاعِ بِمِلْكِ نِكَاحٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ فِي الْوَطْءِ كَذَا فِي التَّكْمِلَةِ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْكَرْخِيِّ لِلْقُدُورِيِّ (قَوْلُهُ: نِكَاحًا وَوَطْئًا) وَهَذَانِ تَمْيِيزَانِ لِنِسْبَةٍ إضَافِيَّةٍ وَالْأَصْلُ بَيْنَ نِكَاحِ أُخْتَيْنِ وَوَطْئِهِمَا مَمْلُوكَتَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ» إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» إلَخْ غَرِيبٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ عُثْمَانُ: يَجُوزُ) أَيْ وَالظَّاهِرِيَّةُ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ) يَعْنِي إذَا مَلَكَ مَحَارِمَهُ بِالرَّضَاعِ أَوْ بِالْمُصَاهَرَةِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهُنَّ وَإِنْ دَخَلْنَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ شَرِكَةٍ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ مُشْتَرِكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَخْصٍ اهـ

(قَوْلُهُ: فَكَذَا بِهَذِهِ الْآيَةِ) قَالَ الْكَمَالُ: قِيلَ: الظَّاهِرُ أَنَّ عُثْمَانَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فَالْإِجْمَاعُ اللَّاحِقُ يَرْفَعُ الْخِلَافَ السَّابِقَ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ إذَا لَمْ يُقَيَّدْ بِخِلَافِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِهِ فَالْمُرَجَّحُ التَّحْرِيمُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ)، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] فَإِنَّ كَلِمَةَ مَا عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ)، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] اهـ (قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إلَخْ) ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَأَشْهَبَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إذَا وَطِئَ أَمَةً بِمِلْكِ الْيَمِينِ ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا قَبْلَ أَنْ يُحَرِّمَ الْأَمَةَ جَازَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ حَتَّى يُحَرِّمَ الْأَمَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا) أَيْ بِاعْتِرَافِكُمْ فَيَصِيرُ بِالنِّكَاحِ جَامِعًا وَاطِئًا حُكْمًا، وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْ بِاعْتِرَافِكُمْ؛ لِأَنَّكُمْ عَلَّلْتُمْ عَدَمَ جَوَازِ وَطْءِ الْأَمَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ الْمَنْكُوحَةَ بِلُزُومِ الْجَمْعِ وَطْئًا حُكْمًا، وَقُلْتُمْ: إنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ السَّابِقِ قَامَ حَتَّى اُسْتُحِبَّ لَهُ لَوْ أَرَادَ بَيْعَهَا أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا، وَمَا قِيلَ حَالَةَ صُدُورِ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ جَامِعًا وَطْئًا بَلْ بَعْدَ تَمَامِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ حُكْمُهُ فَبِتَعَقُّبِهِ لَيْسَ بِدَافِعٍ فَإِنَّ صُدُورَهُ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ جَمْعًا فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ يَسْتَلْزِمُهُ حَيْثُ كَانَ هُوَ حُكْمَهُ، وَهُوَ لَازِمٌ بَاطِلٌ شَرْعًا، وَمَلْزُومُ الْبَاطِلِ بَاطِلٌ فَالْعَقْدُ بَاطِلُ، وَقَدْ يُوجَدُ فِي صَفَحَاتِ كَلَامِهِمْ مَوَاضِعُ عَلَّلُوا الْمَنْعَ فِيهَا بِمِثْلِهِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا اللَّازِمَ بِيَدِهِ إزَالَتُهُ فَلَيْسَ لَازِمًا عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ فَلَا يَضُرُّ بِالصِّحَّةِ، وَيُمْنَعُ بِالْوَطْءِ بَعْدَهَا لِقِيَامِهِ إذْ ذَاكَ. اهـ. كَمَالٌ

ص: 103

لَيْسَ بِوَطْءٍ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ وَطْئًا عِنْدَ ثُبُوتِ حُكْمِهِ وَهُوَ حِلُّ الْوَطْءِ وَوُجُودُ الْوَلَدِ وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ، وَحَالُ صُدُورِهِ خَالٍ عَنْهُ فَيَصِحُّ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ ثُمَّ لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِنْدَنَا، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ الْمَنْكُوحَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْطُوءَةَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِنِكَاحِ أُخْتِهَا، وَالْأُخْرَى مَنْكُوحَةٌ فَيَحِلُّ وَطْؤُهَا وَنَحْنُ نَقُولُ: لَوْ جَامَعَ الْمَنْكُوحَةَ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا، وَلَوْ جَامَعَ الْمَمْلُوكَةَ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَإِذَا حَرَّمَ الْمَمْلُوكَةَ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ كَالْبَيْعِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْهِبَةِ مَعَ التَّسْلِيمِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْكِتَابَةِ حَلَّ وَطْءُ الْمَنْكُوحَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ لَا تَحِلُّ بِالْكِتَابَةِ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ الْأَمَةَ مِنْ إنْسَانٍ لَا تَحِلُّ الْمَنْكُوحَةُ حَتَّى تَحِيضَ الْمَمْلُوكَةُ حَيْضَةً لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا مِنْهُ وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهَا تَحْرُمُ بِالْكِتَابَةِ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ، وَإِعْتَاقُ الْبَعْضِ كَإِعْتَاقِ الْكُلِّ، وَكَذَا تَمْلِيكُ الْبَعْضِ كَتَمْلِيكِ الْكُلِّ لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ، وَأَرَادَ بِالتَّزَوُّجِ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ، وَأَمَّا الْفَاسِدُ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ إلَّا إذَا دَخَلَ بِهَا فَحِينَئِذٍ تَحْرُمُ الْمَوْطُوءَةُ لِوُجُودِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ تَجِبُ بِهِ الْعِدَّةُ وَيَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ فَصَارَ كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَكَذَا بِالتَّزْوِيجِ الصَّحِيحِ هُوَ الْمُرَادُ بِهِ إلَّا إذَا دَخَلَ بِهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَتَحْرُمُ بِهِ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا يُؤَثِّرُ الْإِحْرَامُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَالصَّوْمُ، وَيَطَأُ الْمَنْكُوحَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ الْمَمْلُوكَةَ؛ لِأَنَّ الْمَرْقُوقَةَ لَيْسَتْ بِمَوْطُوءَةٍ حُكْمًا فَلَا يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَعَلَى هَذَا لَوْ وَطِئَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى وَإِنْ وَطِئَهُمَا حُرِّمَتَا جَمِيعًا حَتَّى تَخْرُجَ إحْدَاهُمَا مِنْ مِلْكِهِ

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ وَلَمْ يَدْرِ الْأُولَى فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا)؛ لِأَنَّ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا بَطَلَ بِيَقِينٍ وَلَا وَجْهَ إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ لَا يَجُوزُ، وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ مَعَ الْجَهَالَةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَوْ لِلضَّرَرِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا بِإِلْزَامِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ حَاجَةٍ، وَتَصِيرُ الْمَرْأَةُ كَالْمُعَلَّقَةِ، وَهِيَ الَّتِي لَهَا زَوْجٌ قَدْ أَعْرَضَ عَنْهَا، وَلَا يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي الْفُرُوجِ فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ، وَقَوْلُهُ فِي عَقْدَيْنِ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُمَا بِيَقِينٍ، وَقَوْلُهُ لَا يَدْرِي الْأُولَى احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا دَرَى مَنْ هِيَ الْأُولَى فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَجُوزُ عَقْدُ الْأُولَى، وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا إلَّا إذَا وَطِئَ الثَّانِيَةَ فَحِينَئِذٍ تَحْرُمُ الْأُولَى مَا دَامَتْ الثَّانِيَةُ فِي الْعِدَّةِ، وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ الثَّانِيَةِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ التَّفْرِيقِ فَلَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ التَّفْرِيقُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُمَا، وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّةُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْمُعْتَدَّةِ دُونَ الْأُخْرَى كَيْ لَا يَكُونَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا

وَإِنْ دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا دُونَ الْأُخْرَى مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتَهَا؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا تَمْنَعُ التَّزَوُّجَ بِأُخْتِهَا وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ لِعَدَمِ الْمَانِعِ قَالَ رحمه الله (وَلَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ)؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلْأُولَى مِنْهُمَا فَيُصْرَفُ إلَيْهِمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ: مَعْنَى مَسْأَلَةِ أَنْ تَدَّعِيَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا هِيَ الْأُولَى، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا فَيَقْضِي لَهُمَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ أَمَّا إذَا قَالَتَا: لَا نَدْرِي أَيُّ النِّكَاحَيْنِ أَوَّلُ لَا يَقْضِي لَهُمَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ مَجْهُولٌ، وَجَهَالَةُ الْمَقْضِيِّ لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ كَمَنْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ: لِأَحَدِكُمَا عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَكَذَا هَذَا إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا بِأَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَخْذِ نِصْفِ الْمَهْرِ مِنْهُ فَيَقْضِي لَهُمَا بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُمَا شَيْءٌ لِجَهَالَةِ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَلِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ يَجِبُ الْمَهْرُ كَامِلًا هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَلَمْ يُعَلِّلْهُ

وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي تَعْلِيلِهِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَحُكْمُ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ) هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلَ الْعِلَّةَ غَيْرَ مُقَارِنَةٍ لِلْمَعْلُولِ أَمَّا مَنْ يَجْعَلَ الْعِلَّةَ مُقَارِنَةً لِلْمَعْلُولِ وَهُمْ الْجُمْهُورُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا) فَعَلَى هَذَا لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّمْلِيكِ حَلَّتْ الْمَنْكُوحَةُ بِمُجَرَّدِ التَّمْلِيكِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا بِالتَّزْوِيجِ) أَيْ قَوْلُ الشَّارِحِ كَالْبَيْعِ وَالتَّزْوِيجِ أَرَادَ بِهِ التَّزْوِيجَ الصَّحِيحَ لَا الْفَاسِدَ إلَّا إذَا دَخَلَ بِهَا فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَرْقُوقَةَ لَيْسَتْ بِمَوْطُوءَةٍ حُكْمًا) أَيْ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ لَمْ يُوضَعْ لِلْوَطْءِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا بِدَعْوَةٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى) أَيْ حَتَّى يُحَرِّمَ الْمَوْطُوءَةَ بِسَبَبٍ، وَلَوْ وَطِئَهَا أَثِمَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى يُخْرِجَ إحْدَاهُمَا عَنْ مِلْكِهِ) وَلَوْ بَاعَ إحْدَاهُمَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ رُدَّتْ الْمَبِيعَةُ أَوْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ أَوْ طَلُقَتْ الْمَنْكُوحَةُ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَمْ يَحِلَّ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى بِسَبَبٍ كَمَا كَانَ أَوَّلًا. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ: وَلَا وَجْهَ إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ) طُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ بِعَيْنِهَا وَنَسِيَهَا حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالتَّعْيِينِ، وَلَا يُفَارِقُ الْكُلَّ، وَأُجِيبَ بِإِمْكَانِهِ هُنَاكَ لَا هُنَا؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ كَانَ مُتَيَقَّنَ الثُّبُوتِ فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ نِكَاحَ مَنْ شَاءَ بِعَيْنِهِ مِنْهُنَّ تَمَسُّكًا بِمَا كَانَ مُتَيَقَّنًا، وَلَمْ يَثْبُتْ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهَا فَدَعْوَاهُ حِينَئِذٍ تَمَسُّكٌ بِمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ثُبُوتُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ) أَيْ تَنْفِيذِ نِكَاحِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: مَعَ الْجَهَالَةِ) أَيْ مَعَ جَهْلِ الْمُحَلَّلَةِ مِنْهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: الظَّاهِرُ أَنَّهُ طَلَاقٌ حَتَّى يَنْقُصُ مِنْ طَلَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا طَلْقَةً لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَمْ تَدْرِ الْأُولَى) وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ لَا تَدْرِي الْأُولَى. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا) أَيْ بِأَنْ يَقُولَا: نِصْفُ الْمَهْرِ لَنَا عَلَيْهِ لَا يَعْدُونَا فَنَصْطَلِحُ عَلَى أَخْذِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ الْمَهْرُ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَلَيْهِ مَهْرًا كَامِلًا بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ بِجَوَازِ نِكَاحِ إحْدَاهُمَا فَيَجِبُ مَهْرٌ كَامِلٌ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ كَمَالِهِ حُكْمُ الْمَوْتِ أَوْ الدُّخُولِ اهـ وَالْحَالُ أَنَّهُ إيجَابُ الْقَضَاءِ بِمَا تَحَقَّقَ عَدَمُ لُزُومِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا اهـ

ص: 104

بِجَوَازِ نِكَاحِ إحْدَاهُمَا، وَإِذَا جَازَ نِكَاحُ إحْدَاهُمَا وَجَبَ الْمَهْرُ كَامِلًا فَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا وَقَعَ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ بَعْدَ تَفْرِيقِ الْقَاضِي؛ وَلِهَذَا قَالَ: يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْخِلَافِ قَبْلَ الطَّلَاقِ؛ إذْ لَا يَتَنَصَّفُ قَبْلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَوْلُهُ: وَلَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ مَعْنَاهُ إنْ كَانَ مَهْرَاهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ وَهُوَ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ، وَكَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرُبْعِ مَهْرِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ يَجِبُ مُتْعَةٌ وَاحِدَةٌ لَهُمَا بَدَلَ نِصْفِ الْمَهْرِ، وَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الْمَهْرُ كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ فَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَهُوَ الْحُكْمُ بَيْنَ كُلِّ مَنْ لَا يَجُوزُ جَمْعُهُ مِنْ الْمَحَارِمِ قَالَ رحمه الله (وَبَيْنَ امْرَأَتَيْنِ أَيَّةٌ فُرِضَتْ ذَكَرًا حَرُمَ النِّكَاحُ) أَيْ حَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ إذَا كَانَتَا بِحَيْثُ لَوْ قُدِّرَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا حَرُمَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا أَيَّتَهُمَا كَانَتْ الْمُقَدَّرَةُ ذَكَرًا

وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ غَيْرَ الْأُخْتَيْنِ، وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَالْخَوَارِجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا وَلَا تُنْكَحُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى» «وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ عَمَّتَيْنِ أَوْ بَيْنَ خَالَتَيْنِ» وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُنَّ يُفْضِي إلَى الْقَطِيعَةِ فَيَحْرُمُ، وَالْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِبِنْتِهِ وَعَمَّتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَبِالْمُشْرِكَةِ فَجَازَ تَخْصِيصُهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ وَذَكَرَ النَّهْيَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِلتَّأْكِيدِ أَوْ لِإِزَالَةِ وَهْمِ الْجَوَازِ فِي الْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا لَتَوَهَّمَ أَنَّ الْعَكْسَ يَجُوزُ لِفَضِيلَةِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ عَلَيْهَا كَمَا يَجُوزُ إدْخَالُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ دُونَ الْعَكْسِ فَأَزَالَ هَذَا الْوَهْمَ بِقَوْلِهِ: وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا، وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْكُبْرَى الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَبِالصُّغْرَى بِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْأُخْتِ وَصُورَةُ الْعَمَّتَيْنِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّجُلَيْنِ أُمَّ الْآخَرِ فَيُولَدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنْتٌ فَتَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبِنْتَيْنِ عَمَّةَ الْأُخْرَى وَصُورَةُ الْخَالَتَيْنِ فِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنْتَ الْآخَرِ فَيُولَدَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنْتٌ فَتَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَالَةَ الْأُخْرَى وَقَوْلُهُ: أَيَّةٌ فُرِضَتْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يُتَصَوَّرُ جَوَازُ تَزَوُّجِ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى عَلَى كُلِّ التَّقَادِيرِ حَتَّى لَوْ جَازَ بَيْنَهُمَا عَلَى تَقْدِيرِ مِثْلِ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ زَوْجِهَا أَوْ امْرَأَةِ ابْنِهَا جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا

وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ رحمه الله هُوَ يَقُولُ: لَمَّا ثَبَتَ الِامْتِنَاعُ مِنْ وَجْهٍ فَالْأَحْوَطُ الْحُرْمَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَلِلْجُمْهُورِ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَلِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا قَطِيعَةُ الرَّحِمِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ بِنْتِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ وَكَذَا جَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ) مَحَلُّ النَّظَرِ قَوْلُهُ مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ إذَا كَانَ مَهْرَاهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ) أَيْ فِي الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ) يَعْنِي جِنْسًا أَوْ قَدْرًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَبَيْنَ امْرَأَتَيْنِ أَيَّةٌ فُرِضَتْ ذَكَرًا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: «فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى قَرَابَتِهَا مَخَافَةَ الْقَطِيعَةِ» فَأَوْجَبَ تَعَدِّيَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ حُرْمَةُ الْجَمْعِ إلَى كُلِّ قَرَابَةٍ بِفَرْضِ وَصْلِهَا، وَهِيَ مَا تَضَمَّنَهُ الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا) فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَهُنَّ وَهَذَا نَهْيٌ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ وَهُوَ أَبْلَغُ مَا يَكُونُ مِنْ النَّهْيِ، وَالْحَدِيثُ مَذْكُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ بَيْنَ خَالَتَيْنِ) ذَكَرَهُ السَّفَاقِسِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. اهـ. غَايَةٌ وَقَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: وَقَدْ رُوِيَ فِي خُصُوصِ الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ حَدِيثٌ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ «رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَبَيْنَ الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ» وَإِنْ تَكَلَّمَ فِي خَصِيفٍ فَالْوَجْهُ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِفَضِيلَةِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ) قَالَ صلى الله عليه وسلم «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ» فِي الصَّحِيحَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ: كَمَا يَجُوزُ إدْخَالُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ دُونَ الْعَكْسِ) لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ اهـ أَوْ لِأَنَّهُ إنَّمَا كُرِّرَ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّأْكِيدِ لِمَا أَنَّ الْبَابَ بَابُ الْحُرْمَةِ وَفِي الْحُرُمَاتِ يُؤَكِّدُ وَيُبَالِغُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا تَبِيعُوا الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءِ مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ» فَقَدْ كَرَّرَ شَرْطَ الْمُمَاثَلَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ لِلتَّأْكِيدِ لِمَا أَنَّ الْبَابَ بَابُ الْحُرْمَةِ كَذَا هَاهُنَا. اهـ. كَاكِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ: وَبِالصُّغْرَى بِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْأُخْتِ) وَلَمْ يُرِدْ صِغَرَ السِّنِّ وَكِبَرَهُ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا) أَيْ وَلَا رَضَاعَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ) أَيْ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَهُوَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى الْجَوَازِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ قُثَمٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بِنْتَ عَلِيٍّ وَامْرَأَةَ عَلِيٍّ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَقَالَ: وَجَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ وَتَعْلِيقَاتُهُ صَحِيحَةٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا جَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَخْ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. اهـ. غَايَةٌ وَقَوْلُهُ: وَكَذَا جَمَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَخْ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ هَذَا لَا يُعْرَفُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ وَإِنَّمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا. اهـ.

ص: 105

بَيْنَ امْرَأَةِ رَجُلٍ وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا

قَالَ رحمه الله (وَالزِّنَا وَاللَّمْسُ وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» وَلِأَنَّهَا نِعْمَةٌ فَلَا تُنَاطُ بِالْمَحْظُورِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُؤَثِّرًا لِحَلَّلَهَا لِلْمُطَلَّقِ ثَلَاثًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِمَنْ نَاظَرَهُ: أَنْتَ جَعَلْت الْفُرْقَةَ إلَى الْمَرْأَةِ بِتَقْبِيلِهَا ابْنَ زَوْجِهَا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - لَمْ يَجْعَلْهَا إلَيْهَا وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] وَالنِّكَاحُ هُوَ الْوَطْءُ حَقِيقَةً؛ وَلِهَذَا حُرِّمَ عَلَى الِابْنِ مَا وَطِئَ أَبُوهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَلْعُونٌ مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا» وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أُمُّهَا وَلَا ابْنَتُهَا» وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ مَسَّ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ» حَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ وَقَالَ الَّذِي نَاظَرَهُ الشَّافِعِيُّ أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِرِدَّتِهَا فَقَدْ جَعَلْت الْفُرْقَةَ إلَيْهَا فَكَيْفَ قُلْت بِمَا أَنْكَرْت عَلَى غَيْرِك فَقَالَ: أَقُولُ إنْ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: أَنْكَرَ عَلَى خَصْمِهِ وُقُوعَ التَّحْرِيمِ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ ثُمَّ قَالَ بِهِ وَجَعَلَ الرَّجْعَةَ إلَيْهَا أَيْضًا

وَقَوْلُهُ لَوْ كَانَ مُؤَثِّرًا لَحَلَّلَهَا لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا قُلْنَا: الْمُحَلِّلُ وَطْءُ الزَّوْجِ وَالزَّانِي لَيْسَ بِزَوْجٍ؛ وَلِهَذَا لَا يُحَلِّلَهَا وَطْءُ الْمَوْلَى وَتَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَالْوَطْءُ إنَّمَا صَارَ مُحَرِّمًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبٌ لِلْجُزْئِيَّةِ بِوَاسِطَةِ وَلَدٍ يُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا وَلَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِهِ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ أَوْصَافٌ لَهُ فَذَاتُ الْوَطْءِ لَا تَخْتَلِفُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُصَاهَرَةَ تَثْبُتُ بِوَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا وَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَبِوَطْءِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَأَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَبِوَطْءِ الْمُحْرِمِ وَالصَّائِمِ فَصَارَ كَالرَّضَاعِ حَيْثُ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْقِيَاسُ أَنْ تَحْرُمَ الْمَوْطُوءَةُ؛ لِأَنَّهَا جُزْؤُهُ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ لَكِنْ أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لَأَدَّى إلَى فَنَاءِ الْأَمْوَالِ أَوْ تَرْكِ الزَّوَاجِ وَلِلضَّرُورَةِ أُبِيحَتْ حَوَّاءُ عليها السلام لِآدَمَ عليه السلام وَهِيَ جُزْؤُهُ فَبَقِيَ فِي

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالزِّنَا وَاللَّمْسُ) أَيْ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ) الشَّهْوَةُ قَيْدٌ فِي اللَّمْسِ وَالنَّظَرِ كَمَا سَيَأْتِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْوَطْءَ الْحَلَالَ بِمِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَلِكَ الزِّنَا عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتَهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَبِنْتُهَا وَكَذَلِكَ الْمَزْنِيُّ بِهَا تَحْرُمُ عَلَى أُصُولِ الزَّانِي وَفُرُوعِهِ، وَيَحْرُمُ الزَّانِي عَلَى أُصُولِهَا وَفُرُوعِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» ) وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَتْبَعُ الْمَرْأَةَ حَرَامًا أَيَنْكِحُ أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا فَقَالَ لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ» رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: «مَلْعُونٌ مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا») خَرَّجَهُ الْجُوزَجَانِيُّ. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ: «مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ لَمْ تَحِلَّ» إلَخْ) ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مَنْ مَسَّ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ إلَخْ) ذَكَرَهُ السَّمْعَانِيُّ فِي الْكِنَايَةِ وَابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عُمَرَ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَابْنُ عَبَّاسٍ) أَيْ فِي الْأَصَحِّ. اهـ. غَايَةٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الزِّنَا لَا يُحَرِّمُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: قُلْنَا الْمُحَلِّلُ وَطْءُ الزَّوْجِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَا رَوَاهُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ» غَيْرُ مُجْرًى عَلَى ظَاهِرِهِ أَرَأَيْت لَوْ بَالَ أَوْ صَبَّ خَمْرًا فِي مَاءٍ قَلِيلٍ مَمْلُوكٍ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا مَعَ أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ فَيَجِبُ كَوْنُ الْمُرَادِ أَنَّ الْحَرَامَ لَا يَحْرُمُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ حَرَامًا وَحِينَئِذٍ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ إذْ لَمْ نَقُلْ بِإِثْبَاتِ الزِّنَا حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ زِنًا بَلْ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ وَطْئًا هَذَا لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَكِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ مُضَعَّفٌ بِعُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيِّ عَلَى مَا طَعَنَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ بِالْكَذِبِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ: فِي إسْنَادِهِ إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي فَرْوَةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ ضَعُفَ بِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ قُضَاةِ الْعِرَاقِ وَقِيلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَخَالَفَهُ كِبَارُ الصَّحَابَةِ اهـ

وَقَوْلُهُ فِي الشَّرْحِ نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ مُغَلَّطَةً فَإِنَّ النِّعْمَةَ لَيْسَتْ التَّحْرِيمَ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَحْرِيمٌ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيقُ؛ وَلِذَا اتَّسَعَ الْحِلُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ اللَّهِ سبحانه وتعالى بَلْ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُصَاهَرَةِ فَحَقِيقَةُ النِّعْمَةِ هِيَ الْمُصَاهَرَةُ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تُصَيِّرُ الْأَجْنَبِيَّ قَرِيبًا عَضُدًا وَسَاعِدًا يُهِمُّهُ مَا أَهَمَّكَ، وَلَا مُصَاهَرَةَ بِالزِّنَا فَالصِّهْرُ زَوْجُ الْبِنْتِ مَثَلًا لَا مَنْ زَنَى بِبِنْتِ الْإِنْسَانِ فَانْتَفَتْ الصِّهْرِيَّةُ، وَفَائِدَتُهَا أَيْضًا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْفِرُ مِنْ الزَّانِي بِبِنْتِهِ فَلَا يَتَعَرَّفُ بِهِ بَلْ يُعَادِيهِ فَأَنَّى يُنْتَفَعُ بِهِ فَالْمَرْجِعُ الْقِيَاسُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَالْوَطْءُ إنَّمَا صَارَ مُحَرَّمًا إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْوَطْءُ مُحَرَّمٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبُ الْوَلَدِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زِنًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَهَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ بَيَانُهُ أَنَّ الْوَطْءَ يُثْبِتُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زِنًا بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبُ الْوَلَدِ الْمَخْلُوقِ مِنْ الْمَاءَيْنِ وَالْوَلَدُ مُحْتَرَمٌ مُكَرَّمٌ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] فَلَيْسَ فِيهِ صِفَةُ الْقُبْحِ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ بِخَلْقِ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى أَيِّ وَجْهٍ اجْتَمَعَ الْمَاءَانِ فِي الرَّحِمِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14] فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْوَلَدُ صِفَةَ الْقُبْحِ صَارَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ هُوَ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ، وَهُوَ الْوَطْءُ كَالتُّرَابِ لَمَّا قَامَ مَقَامَ الْمَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِ صَارَ الْمَنْظُورُ صِفَةَ الْمَاءِ فِي إثْبَاتِ الطَّهَارَةِ لَا صِفَةَ التُّرَابِ الَّذِي هُوَ تَلْوِيثٌ فَلَمْ يَرِدْ عَلَيْنَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: إنَّ الزِّنَا مَحْظُورٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ مَا سَبِيلُهُ النِّعْمَةُ وَالْكَرَامَةُ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَيْسَ بِمَنْظُورٍ إلَيْهِ فِي إيجَابِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ فَافْهَمْ اهـ

(قَوْلُهُ: بِوَاسِطَةِ وَلَدٍ يُضَافُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمُلَا) يُقَالُ ابْنُ فُلَانَةَ وَفُلَانٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ) أَيْ وَالْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا فِي الْعِدَّةِ. اهـ. غَايَةٌ

ص: 106

حَقِّ غَيْرِهِمَا عَلَى مُوجِبِ الْقِيَاسِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ حَتَّى صَارَ أُصُولُهَا وَفُرُوعُهَا كَأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ فِي حَقِّهِ، وَكَذَا الْعَكْسُ فِي حَقِّهَا

وَالْمَسُّ بِشَهْوَةٍ كَالْجِمَاعِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْجِمَاعِ فَأُقِيمَ مَقَامَهُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ فَإِنْ وَصَلَ حَرَارَةُ الْبَدَنِ إلَى يَدِهِ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: إنْ وَجَدَ الْحَجْمَ تَثْبُتُ، وَفِي مَسِّ الشَّعْرِ رِوَايَتَانِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَسُّ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ نِسْيَانًا أَوْ مُكْرَهًا وَالْمُعْتَبَرُ فِي النَّظَرِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْفَرْجِ الدَّاخِلِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَتْ مُتَّكِئَةً حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: النَّظَرُ إلَى مَنَابِتِ الشَّعْرِ يَكْفِي لِثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَثْبُتُ حَتَّى يَنْظُرَ إلَى الشِّقِّ، وَالشَّهْوَةُ تُعْتَبَرُ عِنْدَ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ حَتَّى لَوْ وُجِدَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ ثُمَّ اشْتَهَى بَعْدَ التَّرْكِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُرْمَةُ، وَحَدُّ الشَّهْوَةِ أَنْ تَنْتَشِرَ آلَتُهُ أَوْ تَزْدَادَ انْتِشَارًا إنْ كَانَتْ مُنْتَشِرَةً حَتَّى قِيلَ إنَّ مَنْ انْتَشَرَتْ آلَتُهُ وَطَلَبَ امْرَأَتَهُ وَأَوْلَجَهَا بَيْنَ فَخِذَيْ ابْنَتِهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا مَا لَمْ تَزْدَدْ انْتِشَارًا وَوُجُودُ الشَّهْوَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا يَكْفِي

وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يُنْزِلَ حَتَّى لَوْ أَنْزَلَ عِنْدَ اللَّمْسِ أَوْ النَّظَرِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُفْضٍ إلَى الْوَطْءِ لِانْقِضَاءِ الشَّهْوَةِ، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ دُبُرَ الْمَرْأَةِ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْحَرْثِ فَلَا يُفْضِي إلَى الْوَلَدِ وَفِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ يُعْتَبَرُ تَحَرُّكُ الْقَلْبِ، وَالنَّظَرُ مِنْ وَرَاءِ الزُّجَاجِ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِخِلَافِ الْمِرْآةِ وَلِذَا لَوْ وَقَفَتْ عَلَى الشَّطِّ فَنَظَرَ إلَى الْمَاءِ فَرَأَى فَرْجَهَا لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ فِي الْمَاءِ فَرَأَى فَرْجَهَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُشْتَهَاةً قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ مُشْتَهَاةٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَبِنْتُ خَمْسٍ وَمَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: حَتَّى صَارَ أُصُولُهَا وَفُرُوعُهَا كَأُصُولِهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ رحمه الله: وَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا أَيْ وَإِنْ عَلَتْ فَتَدْخُلُ الْجَدَّاتُ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْأُمَّ هِيَ الْأَصْلُ لُغَةً، وَابْنَتُهَا وَإِنْ سَفْلَتَ وَكَذَا تَحْرُمُ الْمَزْنِيُّ بِهَا عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَجْدَادِهِ وَإِنْ عَلَوْا وَأَبْنَائِهِ وَإِنْ سَفَلُوا هَذَا إذَا لَمْ يُفِضْهَا الزَّانِي فَلَوْ أَفْضَاهَا لَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْحُرُمَاتُ لِعَدَمِ تَيَقُّنِ كَوْنِهِ فِي الْفَرْجِ إلَّا إذَا حَبِلَتْ وَعَلِمَ كَوْنَهُ مِنْهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَكْرَهُ لَهُ الْأُمَّ وَالْبِنْتَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: التَّنَزُّهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَكِنْ لَا أُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهَا وَقَدْ يُقَالُ: إذَا كَانَ الْمَسُّ بِشَهْوَةٍ تَنْتَشِرُ بِهَا الْآلَةُ مُحَرَّمًا يَجِبُ الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ إذَا أَفْضَاهَا إنْ لَمْ يُنْزِلْ، وَإِنْ أَنْزَلَ فَعَلَى الْخِلَافِ الْآتِي مَعَهُ، وَإِنْ انْتَشَرَ مَعَهُ أَوْ زَادَ انْتِشَارُهُ كَمَا فِي غَيْرِهِ

وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْوَطْءُ السَّبَبُ لِلْوَلَدِ وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِالْمَسِّ لَيْسَ إلَّا لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِهَذَا الْوَطْءِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِي صُورَةِ الْإِفْضَاءِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ فِي الْقُبُلِ اهـ (فَرْعٌ) قَالَ الْكَاكِيُّ: ثُمَّ إتْيَانُ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ، وَمَا رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَصِحَّ تَحْرِيمُهُ عِنْدَنَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ حَلَالٌ، قَالَ الرَّبِيعُ: كَذَبَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي سِتَّةِ كُتُبٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ تَحْرِيمُهُ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ مَا رُوِيَ عَنْهُ قَوْلًا قَدِيمًا وَالْعِرَاقِيُّونَ لَمْ يُثْبِتُوا الرِّوَايَةَ عَنْ مَالِكٍ وَمَا جَعَلَهُ الْبَعْضُ غَيْرَ ثَبْتٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْفَرْجِ الدَّاخِلِ) أَيْ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَنْظُرَ إلَى الشِّقِّ إلَخْ) وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْفَرْجِ، وَالدَّاخِلُ فَرْجٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْخَارِجُ فَرْجٌ مِنْ وَجْهٍ، وَإِنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ الْخَارِجِ مُتَعَذِّرٌ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ، وَفِيهِ بَحْثٌ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ وَأَجَابَ عَنْهُ اهـ

(قَوْلُهُ: وَحَدُّ الشَّهْوَةِ أَنْ تَنْتَشِرَ آلَتُهُ أَوْ تَزْدَادَ انْتِشَارًا إلَخْ) فِي الصَّحِيحِ. اهـ. هِدَايَةٌ وَمَا ذُكِرَ فِي حَدِّ الشَّهْوَةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنْ تَنْتَشِرَ الْآلَةُ أَوْ تَزْدَادَ انْتِشَارًا هُوَ قَوْلُ السَّرَخْسِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ لَمْ يَشْتَرِطُوا سِوَى أَنْ يَمِيلَ قَلْبُهُ وَيَشْتَهِيَ جِمَاعَهَا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يُنْزِلَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: ثُمَّ شَرْطُ الْحُرْمَةِ بِالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ أَنْ لَا يُنْزِلَ فَإِنْ أَنْزَلَ قَالَ الْأُوزْجَنْدِيُّ وَغَيْرُهُ: تَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَالْإِنْزَالُ لَا يُوجِبُ رَفْعَهَا بَعْدَ الثُّبُوتِ، وَالْمُخْتَارُ لَا يَثْبُتُ كَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَالْبَزْدَوِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ مَوْقُوفٌ حَالَ الْمَسِّ إلَى ظُهُورِ عَاقِبَتِهِ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ حَرُمَتْ، وَإِلَّا لَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَمْ يَثْبُتْ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ) أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ وَطِئَ دُبُرَ الْمَرْأَةِ إلَخْ) قَالَ الْكَاكِيُّ رحمه الله: أَمَّا لَوْ لَاطَ بِغُلَامٍ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ حُرْمَةً عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ إلَّا عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْأَوْزَاعِيِّ فَإِنَّ تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَهُمَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّوَاطَةِ حَتَّى تَحْرُمَ عَلَيْهِ أُمُّ الْغُلَامِ وَبِنْتُهُ اهـ وَفِي الْغَايَةِ: وَالْجِمَاعُ فِي الدُّبُرِ لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا

وَقِيلَ: يُوجِبُهَا، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْأُوزْجَنْدِيُّ؛ لِأَنَّهُ مَسٌّ وَزِيَادَةٌ قَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ: وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ أَوَّلًا أَصَحُّ لِعَدَمِ إفْضَائِهِ إلَى الْجُزْئِيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ: لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ) خِلَافًا لِمَا عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالنَّظَرُ مِنْ وَرَاءِ الزُّجَاجِ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) أَيْ لِأَنَّ الْعِلَّةَ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْمَرْئِيَّ فِي الْمِرْآةِ مِثَالُهُ لَا هُوَ، وَبِهَذَا عَلَّلُوا الْحِنْثَ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَنْظُرُ إلَى وَجْهِ فُلَانٍ فَنَظَرَهُ فِي الْمِرْآةِ وَالْمَاءِ وَعَلَى هَذَا فَالتَّحْرِيمُ بِهِ مِنْ وَرَاءِ الزُّجَاجِ بِنَاءً عَلَى نُفُوذِ الْبَصَرِ مِنْهُ فَيَرَى نَفْسَ الْمَرْئِيِّ بِخِلَافِ الْمِرْآةِ، وَمِنْ الْمَاءِ، وَهَذَا يَنْفِي كَوْنَ الْإِبْصَارِ مِنْ الْمِرْآةِ وَالْمَاءِ بِوَاسِطَةِ انْعِكَاسِ الْأَشِعَّةِ وَإِلَّا لَرَآهُ بِعَيْنِهِ بَلْ بِانْطِبَاعِ مِثْلِ الصُّورَةِ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْمَرْئِيِّ فِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْبَصَرَ يَنْفُذُ فِيهِ إذَا كَانَ صَافِيًا فَيَرَى نَفْسَ مَا فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَرَاهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إذَا اشْتَرَى سَمَكَةً رَآهَا فِي مَاءٍ بِحَيْثُ تُؤْخَذُ مِنْهُ بِلَا حِيلَةٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُشْتَهَاةً) أَيْ حَالًا أَوْ مَاضِيًا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا وَطِئَ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ قِيَاسًا عَلَى الْعَجُوزِ الشَّوْهَاءِ وَلَهُمَا أَنَّ الْعِلَّةَ وَطْءٌ هُوَ سَبَبٌ لِلْوَلَدِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى بِخِلَافِ الْكَبِيرَةِ لِجَوَازِ وُقُوعِهِ كَإِبْرَاهِيمَ وَزَكَرِيَّا عليهما السلام وَلَهُ أَنْ يَقُولَ: الْإِمْكَانُ الْعَقْلِيُّ ثَابِتٌ فِيهِمَا، وَالْعَادِيُّ مُنْتَفٍ عَنْهُمَا فَتَسَاوَيَا وَالْقِصَّتَانِ عَلَى خِلَافِ الْغَايَةِ لَا يُوجِبَانِ الثُّبُوت الْعَادِيَّ وَلَا يُخْرِجَانِ الْعَادَةَ عَنْ النَّفْيِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ

ص: 107

دُونَهَا غَيْرُ مُشْتَهَاةٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَبِنْتُ ثَمَانٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ سِتٍّ إنْ كَانَتْ عَبْلَةً ضَخْمَةً كَانَتْ مُشْتَهَاةً، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ جَامَعَ صَغِيرَةً فَأَفْضَاهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَلَوْ كَبِرَتْ الْمَرْأَةُ حَتَّى خَرَجَتْ عَنْ حَدِّ الْمُشْتَهَاةِ تُوجِبُ الْحُرْمَةَ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ تَحْتَ الْحُرْمَةِ فَلَمْ تَخْرُجْ بِالْكِبَرِ وَلَا كَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ وَمَسُّ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ وَنَظَرُهَا إلَى ذَكَرِهِ بِشَهْوَةٍ كَمَسِّ الرَّجُلِ وَنَظَرِهِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا

قَالَ رحمه الله (وَحَرُمَ تَزَوُّجُ أُخْتَ مُعْتَدَّتِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٌ: يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ تِلْكَ إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ سَائِرُ مَحَارِمِهَا وَأَرْبَعٌ سِوَاهَا لَهُمْ أَنَّ النِّكَاحَ قَدْ انْقَطَعَ بَيْنَهُمَا إعْمَالًا لِلْقَاطِعِ؛ وَلِهَذَا لَوْ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ يَجِبُ الْحَدُّ فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَنَا مَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيُّ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى شَيْءٍ كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى أَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَنْ لَا تُنْكَحَ امْرَأَةٌ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا، وَعَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ:«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعَنْ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ» وَإِمَامُنَا فِيهِ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً، وَلِأَنَّ نِكَاحَ الْمُطَلَّقَةِ قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ لِبَقَاءِ أَحْكَامِهِ مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَالْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ وَالْفِرَاشِ حَتَّى يَثْبُتَ نَسَبُ وَلَدِهَا، وَالْقَاطِعُ، وَهُوَ الطَّلَاقُ قَدْ تَأَخَّرَ عَمَلُهُ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ غَيْرَ حُرْمَةِ الْوَطْءِ

وَلِهَذَا بَقِيَ فِي حَقِّ الْعَقْدِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ فَصَارَ كَالرَّجْعِيِّ وَلِأَنَّ فِي تَزَوُّجِ أُخْتِهَا زِيَادَةَ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ فَإِنَّهَا مُمْتَنِعَةٌ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ فَكَانَ أَشَدَّ مِنْ التَّزَوُّجِ بِهَا، وَهِيَ فِي النِّكَاحِ وَالْحَدِّ لَا يَجِبُ عَلَى إشَارَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَعَلَى عِبَارَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ يَجِبُ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْحِلِّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِمَكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا، وَلَمْ يُوجَدْ؛ وَلِهَذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهَا وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ فِيهَا أَثَرُ الْمِلْكِ وَحَقِيقَةُ الْمِلْكِ فِيهَا لَا تَمْنَعُ تَزَوُّجَ الْأُخْتِ فَالْأَثَرُ أَوْلَى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ إنَّمَا جَازَ نِكَاحُ أُخْتِ أُمِّ الْوَلَدِ لِضَعْفِ الْفِرَاشِ، فَإِذَا أَعْتَقَهَا قَوِيَ الْفِرَاشُ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا بَعْدَ الْعِتْقِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَقَبْلَهُ يَجُوزُ، فَإِذَا قَوِيَ الْفِرَاشُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا كَيْ لَا يَكُونَ مُسْتَلْحَقًا لِنَسَبِ وَلَدِ أُخْتَيْنِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ أَرْبَعٍ سِوَاهَا لِفَقْدِ هَذَا الْمَعْنَى، وَيَجُوزُ لِزَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا بَعْدَ لِحَاقِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ الْمُسْلِمِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَإِنْ عَادَتْ مُسْلِمَةً لَا يَضُرُّ نِكَاحُ الْأُخْتِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَعُودُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَعُودُ، وَفِي بُطْلَانِ نِكَاحِ أُخْتِهَا لَهُ رِوَايَتَانِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) وَكَذَا يُشْتَرَطُ فِي الذَّكَرِ حَتَّى لَوْ جَامَعَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ زَوْجَةَ أَبِيهِ لَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَحَرُمَ تَزَوُّجُ أُخْتِ مُعْتَدَّتِهِ) وَبِقَوْلِنَا قَالَ أَحْمَدُ. اهـ. فَتْحٌ (اعْلَمْ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] وَيَجُوزُ لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِيهَا لِأَنَّ مَنْعَهَا عَنْ التَّزَوُّجِ لِصَوْنِ مَاءِ صَاحِبِ الْعِدَّةِ فَلَا يَجُوزُ مَنْعُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ عَنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ) أَيْ مِثْلَ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ اهـ وَقَوْلُهُ: بَائِنٌ أَيْ أَوْ ثَلَاثٌ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَوْ وَطِئَ فِي الْعِدَّةِ) أَيْ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَالرَّجْعِيِّ) أَيْ فِيمَا يَنْبَنِي عَلَى الِاحْتِيَاطِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَكَانَ أَشَدَّ مِنْ التَّزَوُّجِ بِهَا) أَيْ بِالْأُخْتِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ فِي النِّكَاحِ) أَيْ الْمُطَلَّقَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْحَدُّ لَا يَجِبُ عَلَى إشَارَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ) أَيْ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: مُعْتَدَّةٌ عَنْ طَلَاقِ ثَلَاثٍ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ لِلزَّوْجِ إذَا أَنْكَرَهُ فَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى نَسَبَهُ ثَبَتَ، وَيَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْوَطْءَ فِي عِدَّةِ الثَّلَاثِ لَيْسَ زِنًا مُسْتَعْقِبًا لِوُجُوبِ الْحَدِّ، وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ، فَكَانَ ذَلِكَ رِوَايَةً فِي عَدَمِ الْحَدِّ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ: فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: وَإِنْ سَلِمَ أَيْ وُجُوبُ الْحَدِّ كَمَا فِي عِبَارَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ فَغَايَةُ مَا يُفِيدُ انْقِطَاعُ الْحِلِّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَدْ قُلْنَا بِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: أَثَرُ النِّكَاحِ قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ، وَبِهِ يَقُومُ هُوَ مِنْ وَجْهٍ، وَبِهِ تَحْرُمُ الْأُخْتُ مِنْ وَجْهٍ، وَبِهِ تَحْرُمُ مُطْلَقًا اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا قَالَ السُّرُوجِيُّ رحمه الله: وَكَذَا الْفَسْخُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا اهـ وَقَوْلُهُ: فِي الْكَنْزِ: وَحَرُمَ تَزَوُّجُ أُخْتِ مُعْتَدَّتِهِ شَامِلٌ لِكُلِّ مُعْتَدَّةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ عَنْ طَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَعَلَى عِبَارَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ يَجِبُ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: فَإِنَّهُ نَصَّ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ لَوْ وَطِئَ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ ثَلَاثٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا لَمْ يَدَّعِ الشُّبْهَةَ فَصَارَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَجْهُ رِوَايَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ مِنْ وَجْهِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَيَكْفِي ذَلِكَ لِدَرْءِ الْحَدِّ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّ الْحِلَّ مُنْتَفٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَصِيرُ شُبْهَةً؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ إمْسَاكًا لَا اسْتِمْتَاعًا بِوَجْهٍ مَا فَصَارَ فِي حَقِّ الْحِلِّ كَالْأَجْنَبِيَّةِ وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي حَقِّ الْإِمْسَاكِ فَصَارَ جَامِعًا نَظَرًا إلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ: لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْحِلِّ) فَكَانَ الزِّنَا مُتَحَقِّقًا اهـ كَافِي (قَوْلُهُ: وَقَالَا: يَجُوزُ إلَخْ) عِنْدَهُمَا لَا يَطَأُ الْمَنْكُوحَةُ حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّةُ الْمُعْتَقَةِ لِئَلَّا يَصِيرَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا حُكْمًا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: فَالْأَثَرُ أَوْلَى) أَيْ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَثَرِ لَا يَرْبُو عَلَى حُكْمِ الْحَقِيقَةِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: لِفَقْدِ هَذَا الْمَعْنَى) أَيْ إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ فُرُشِ الْخَمْسِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ لِزَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا) أَيْ وَأَرْبَعًا سِوَاهَا. اهـ. قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا) أَيْ كَمَا إذَا مَاتَتْ. اهـ. فَتْحٌ

ص: 108

قَالَ رحمه الله (وَأَمَتِهِ وَسَيِّدَتِهِ) أَيْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ أَمَتِهِ وَحَرُمَ عَلَى الْعَبْدِ نِكَاحُ سَيِّدَتِهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلَانِهِ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مُثْمِرًا ثَمَرَاتٍ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمُتَنَاكِحَيْنِ يُوجِبُ لَهُ عَلَيْهَا التَّمْكِينَ مِنْ نَفْسِهَا وَقَرَارَهَا فِي بَيْتِهِ وَخِدْمَةً دَاخِلَ الْبَيْتِ وَيُوجِبُ لَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةَ وَالْقَسْمَ، وَالْمَمْلُوكِيَّةُ تُنَافِي الْمَالِكِيَّةَ فَيَمْتَنِعُ وُقُوعُ الثَّمَرَةِ عَلَى الشَّرِكَةِ فَلَا يُشْرَعُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ التَّوَادُّ وَالْإِحْسَانُ، وَمَقْصُودُ الرِّقِّ الِامْتِهَانُ وَالْقَهْرُ بِسَبَبِ مَا سَبَقَ مِنْهُ مِنْ الْكُفْرِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ لِلتَّضَادِّ

قَالَ رحمه الله (وَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ) أَيْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهُمَا وَكَذَا لَا يَجُوزُ وَطْؤُهُمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَقَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ: يَجُوزُ تَزَوُّجُ الْمَجُوسِيَّةِ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَجُوسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَوَاقَعَ مَلِكُهُمْ أُخْتَهُ، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ فَرُفِعَ كِتَابُهُمْ فَنَسَوْهُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: يَجُوزُ وَطْءُ الْمُشْرِكَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِوُرُودِ الْأَثَرِ بِجَوَازِ وَطْءِ سَبَايَا الْعَرَبِ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ، وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ» وَالنِّكَاحُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ، أَوْ نَقُولُ: هُوَ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ فَيَتَنَاوَلُ الْوَطْءَ وَالْعَقْدَ، وَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ مِنْ جَوَازِ وَطْئِهِنَّ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَطْءِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِمَا تَلَوْنَا، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا رُوِيَ أَنَّ الْمَجُوسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْحَالَةُ الْحَاضِرَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَثَنِيَّ أَيْضًا مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْحَالِ

قَالَ رحمه الله (وَحَلَّ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يُحِلُّ؛ لِأَنَّهَا مُشْرِكَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَسِيحَ وَعُزَيْرًا وَحُمِلَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ أَمَتِهِ) أَيْ وَلَوْ مَلَكَ بَعْضَهَا. اهـ. فَتْحٌ (فَرْعٌ) لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ مُكَاتَبِهِ ذَكَرَهُ الْكَاكِيُّ فِي مَصَارِفِ الزَّكَاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَحَرُمَ عَلَى الْعَبْدِ نِكَاحُ سَيِّدَتِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَمْلِكْ سِوَى سَهْمٍ مِنْهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِلْإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلَانِهِ) قَالَ السُّرُوجِيُّ رحمه الله مَا نَصُّهُ: وَفِي الذَّخِيرَةِ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ نِكَاحُ أَمَتِهِ وَلَا لِلسَّيِّدَةِ نِكَاحُ عَبْدِهَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى بُطْلَانِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَبْدَهَا اهـ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: وَقَدْ حُكِيَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ الْإِجْمَاعُ عَلَى بُطْلَانِهِ، وَحُكِيَ غَيْرُهُ فِيهِ خِلَافُ الظَّاهِرِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُوجِبُ لَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَالْقَسْمَ) أَيْ وَالْمَنْعَ مِنْ الْعَزْلِ إلَّا بِإِذْنٍ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْمَمْلُوكِيَّةُ تُنَافِي الْمَالِكِيَّةَ) فَإِنْ قِيلَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْمَمْلُوكِيَّةُ يَجْتَمِعَانِ بِجِهَتَيْنِ، وَالْمُنَافَاةُ بَيْنَهُمَا مَا بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَهُنَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ الْمَرْأَةُ مَالِكَةً بِجِهَةِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَمَمْلُوكَةً بِجِهَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ كَالْأَبِ يَكُونُ ابْنًا لِأَبِيهِ قُلْنَا: الْمَرْأَةُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا مَالِكَةٌ وَبِالتَّزَوُّجِ بِعَبْدِهَا يَكُونُ بَعْضُهَا مَمْلُوكًا لَهُ فَتَتَحَقَّقُ الْمُنَافَاةُ وَإِنْ اخْتَلَفَ جِهَةُ الْمِلْكِ؛ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمِلْكَيْنِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ قَاهِرًا، وَالْمَمْلُوكُ مَقْهُورًا وَلِأَنَّ نَفَقَتَهُ تَجِبُ عَلَيْهَا لِلْمِلْكِ، وَنَفَقَتُهَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِلنِّكَاحِ فَيَتَقَاصَّانِ فَيَمُوتَانِ جُوعًا. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ اشْتَرَتْ زَوْجَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ فُسِخَ النِّكَاحُ وَتَبِعَتْهُ بِالْمَهْرِ كَمَنْ دَايَنَ عَبْدًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَعِنْدَنَا سَقَطَ الدَّيْنُ فِيهِمَا وَلَا يَسْتَوْجِبُ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا ابْتِدَاءً، وَلَا بَقَاءً لِلتَّنَافِي كَذَا فِي الْغَايَةِ وَالدِّرَايَةِ وَفِي الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ لَوْ اشْتَرَى الْقِنُّ أَوْ الْمُدَبَّرُ أَوْ الْمُكَاتَبُ زَوْجَتَهُ لَا يَفْسُدُ نِكَاحُهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِمَا عُرِفَ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ إلَخْ) فَلِذَلِكَ لَا يُحَدُّ الْمَجْنُونُ بِسَبَبٍ وُجِدَ فِي صِحَّتِهِ، وَلَا السَّكْرَانُ بِسَبَبٍ وُجِدَ مِنْهُ فِي صَحْوِهِ؛ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحَدِّ الزَّجْرُ وَلَا يَحْصُلُ مَعَ الْجُنُونِ وَالسُّكْرِ؛ فَلِهَذَا لَا يَشْرَعُ نِكَاحَ أَمَتِهِ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ بِدُونِهِ بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْمَجُوسِيَّةِ) عَلَيْهِ الْأَرْبَعَةُ. اهـ. فَتْحٌ وَالْمُرَادُ بِالْمَجُوسِ عَبَدَةُ النَّارِ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْوَثَنِيَّةِ) أَيْ وَهِيَ الَّتِي تَعْبُدُ الْوَثَنَ، وَهُوَ الصَّنَمُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ قَاضِي خَانْ رحمه الله فِي بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ: وَمِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الْكَافِرَةُ بِكُفْرٍ مَخْصُوصٍ لَا تَحِلُّ الْوَثَنِيَّةُ لِلْمُسْلِمِ وَتَحِلُّ لِكُلِّ كَافِرٍ إلَّا الْمُرْتَدَّ، وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُرْتَدَّةِ لِأَحَدٍ وَالْمَجُوسِيَّةُ لَا تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ، وَتَحِلُّ لِكُلِّ كَافِرٍ إلَّا الْمُرْتَدَّ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ) قَالَ أَحْمَدُ: مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ بَاطِلٌ، وَاسْتَعْظَمَهُ جِدًّا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ) أَيْ وَمَالِكٌ لَكِنَّهُ قَالَ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: سُنُّوا بِهِمْ) أَيْ اُسْلُكُوا بِهِمْ طَرِيقَتَهُمْ يَعْنِي عَامِلُوهُمْ مُعَامَلَتَهُمْ فِي إعْطَاءِ الْأَمَانِ وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ) قَالَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: بِمَا تَلَوْنَا) وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221]. اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَحَلَّ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّةِ) أَيْ الْحُرَّةِ أَمَّا الْأَمَةُ فَسَيَأْتِي حُكْمُهَا مَتْنًا وَشَرْحًا اهـ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُفْعَلَ أَيْ التَّزْوِيجُ بِالْكِتَابِيَّةِ وَلَا تُؤْكَلَ ذَبِيحَتُهُمْ إلَّا لِلضَّرُورَةِ، وَتُكْرَهُ الْكِتَابِيَّةُ الْحَرْبِيَّةُ إجْمَاعًا لِافْتِتَاحِ بَابِ الْفِتْنَةِ مِنْ إمْكَانِ التَّعَلُّقِ الْمُسْتَدْعِي لِلْمُقَامِ مَعَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ تَعْرِيضِ الْوَلَدِ عَلَى التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَعَلَى الرِّقِّ بِأَنْ تُسْبَى، وَهِيَ حُبْلَى فَتُولَدُ رَقِيقًا وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَالْكِتَابِيُّ مِنْ يُقِرُّ بِنَبِيٍّ وَيُؤْمِنُ بِكِتَابٍ، وَالسَّامِرِيَّةُ مِنْ الْيَهُودِ أَمَّا مَنْ آمَنَ بِزَبُورِ دَاوُد وَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ فَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ عِنْدَنَا ثُمَّ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: قَالُوا هَذَا يَعْنِي الْحِلُّ إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ الْمَسِيحَ إلَهًا أَمَّا إذَا اعْتَقَدَهُ فَلَا، وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: وَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْكُلُوا ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَسِيحَ إلَهٌ وَأَنَّ الْعُزَيْرَ إلَهٌ وَلَا يَتَزَوَّجُوا نِسَاءَهُمْ وَقِيلَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَكِنْ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلَائِلِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْأَكْلُ وَالتَّزَوُّجُ اهـ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي رَضَاعِ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْأَئِمَّةِ فِي الذَّبِيحَةِ قَالَ ذَبِيحَةُ النَّصْرَانِيِّ حَلَالٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قَالَ بِثَالِثِ ثَلَاثَةٍ أَوْ لَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ هُنَا. اهـ. فَتْحٌ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حَرَائِرَ أَهْلِ الْكِتَابِ حَلَالٌ لِلْمُسْلِمِينَ نِكَاحُهُنَّ وَمِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَطَلْحَةُ وَحُذَيْفَةُ وَسَلْمَانُ وَجَابِرٌ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَمْ يُحَرِّمْ نِكَاحَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْأَوَائِلِ وَحَرَّمَتْهُ الْإِمَامِيَّةُ. اهـ. غَايَةٌ

ص: 109

الْمُحْصَنَاتُ فِي الْآيَةِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُنَّ وَلِلْجُمْهُورِ مَا تَلَوْنَا وَالْمُشْرِكُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ وَلِهَذَا عُطِفَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ فِي قَوْله تَعَالَى {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: 1] وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ الْعَفَائِفُ الْحَرَائِرُ ثُمَّ كُلُّ مَنْ يَعْتَقِدُ دِينًا سَمَاوِيًّا، وَلَهُ كِتَابٌ مُنَزَّلٌ كَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ وَزَبُورِ دَاوُد عليهم السلام فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَتَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُمْ وَأَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا عَدَا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا

قَالَ رحمه الله (وَالصَّابِئَةِ) أَيْ حِلُّ تَزَوُّجِ الصَّابِئَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا، وَهَذَا الْخِلَافُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ أَمْ لَا فَعِنْدَهُمَا هُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ، فَإِنَّهُمْ يَعْبُدُونَ النُّجُومَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسُوا بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَإِنَّمَا يُعَظِّمُونَ النُّجُومَ كَتَعْظِيمِ الْمُسْلِمِ الْكَعْبَةَ فَإِنْ كَانَ كَمَا فَسَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَإِنْ كَانَ كَمَا فَسَّرَاهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ وَقِيلَ: فِيهِمْ الطَّائِفَتَانِ وَقِيلَ: هُمْ صِنْفٌ مِنْ النَّصَارَى يَقْرَؤُنَّ الزَّبُورَ، وَهُمْ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ مِنْ اعْتِقَادِهِمْ، وَهُمْ بِنَفْسِهِمْ يَعْتَقِدُونَ الْكَوَاكِبَ آلِهَةً وَيُضْمِرُونَ ذَلِكَ، وَلَا يَسْتَجِيزُونَ إظْهَارَ مَا يَعْتَقِدُونَ أَلْبَتَّةَ فَبَنَى أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى مَا يُظْهِرُونَ وَبَنَيَا عَلَى مَا يُضْمِرُونَ، وَقَالَ السُّدِّيَّ: هُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْيَهُودِ كَالسَّامِرَةِ وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ هُمْ قَوْمٌ يُقِرُّونَ بِاَللَّهِ وَيَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَيُصَلُّونَ إلَى الْكَعْبَةِ أَخَذُوا مِنْ كُلِّ دِينٍ شَيْئًا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِمْ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَلَوْ أَوْرَدْنَاهُ لَطَالَ الْكَلَامُ فِيهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي مُنَاكَحَتِهِمْ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا نَشَأَ الْخِلَافُ مَبْنِيًّا عَلَى اشْتِبَاهِ مَذَاهِبِهِمْ فَكُلٌّ أَجَابَ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ

قَالَ رحمه الله (وَالْمُحْرِمَةِ وَلَوْ مُحْرِمًا) أَيْ حَلَّ تَزَوُّجَ الْمُحْرِمَةِ وَلَوْ كَانَ الْمُتَزَوِّجُ بِهَا مُحْرِمًا أَوْ الْوَلِيُّ الْمُزَوِّجُ لَهَا مُحْرِمًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لَا يَجُوزُ لِحَدِيثِ نَبِيهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَلَا يَخْطُبُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَلَنَا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَنَى بِهَا، وَهُوَ حَلَالٌ» وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: قَدْ رَوَى أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْضَ نِسَائِهِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ» قَالَ الطَّحَاوِيُّ: نَقَلَةُ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ يُحْتَجُّ بِرِوَايَاتِهِمْ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَالْمُحْرِمُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ عَنْهُ كَشِرَاءِ الْجَارِيَةِ لِلتَّسَرِّي، وَلَوْ جُعِلَ عَقْدُ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ، وَهُوَ الْوَطْءُ لَكَانَ تَأْثِيرُهُ فِي إيجَابِ الْجَزَاءِ أَوْ فِي إفْسَادِ الْإِحْرَامِ لَا فِي بُطْلَانِ النِّكَاحِ وَلِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ يَبْقَى النِّكَاحُ وَلَوْ كَانَ مُنَافِيًا لِابْتِدَائِهِ لَكَانَ مُنَافِيًا لِبَقَائِهِ كَالرَّضَاعِ وَلَا تَأْثِيرَ لِثُبُوتِ الْحِلِّ كَالرَّجْعَةِ فِي الْإِحْرَامِ، وَهُوَ مُثْبِتٌ لِلْحِلِّ عِنْدَهُ، وَكَذَا لَا تَأْثِيرَ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ فِي مَنْعِ الْعَقْدِ كَتَزَوُّجِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا وَحَدِيثُ عُثْمَانَ ضَعِيفٌ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةٌ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَطْءِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ الْعَفَائِفُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: لَيْسَتْ الْعِفَّةُ شَرْطًا بَلْ هُوَ لِلْعَادَةِ أَوْ لِنَدْبِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجُوا غَيْرَهُنَّ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ آنِفًا، وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى حِلِّ الْكِتَابِيَّةِ الْحُرَّةِ، وَأَمَّا الْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهَا. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا) وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ الْمُخْتَارُ قَوْلُهُمَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُمْ صِنْفٌ مِنْ النَّصَارَى إلَخْ) قَالَ السُّرُوجِيُّ نَقْلًا عَنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا نَصُّهُ عِنْدَهُ: هُمْ صِنْفٌ مِنْ النَّصَارَى يَقْرَؤُنَّ الزَّبُورَ وَهُوَ الَّذِي يُظْهِرُونَ مِنْ اعْتِقَادِهِمْ اهـ فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَهُمْ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ مِنْ اعْتِقَادِهِمْ أَيْ إيَّاهَا يُظْهِرُونَ عَلَى تَقْدِيرِ الْمَفْعُولِ الرَّاجِعِ إلَى الْقِرَاءَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ يَقْرَءُونَ، وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا الْمَفْعُولَ مُقَدَّمًا لِيُفِيدَ الْمَقْصُودَ مِنْ أَنَّهُمْ لَا يُظْهِرُونَ مِنْ مُعْتَقَدِهِمْ سِوَى الْقِرَاءَةِ، وَلَمْ نُقَدِّرْهُ مُتَّصِلًا مُؤَخَّرًا لِأَنَّ مُفَادَ التَّرْكِيبِ حِينَئِذٍ أَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ لَا غَيْرُهُمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْمَقْصُودِ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ وَقَفْت بَعْدَ هَذَا عَلَى نُسْخَةِ الشَّارِحِ الَّتِي بِخَطِّهِ فَوَجَدَتْ عِبَارَتَهُ وَهُوَ الَّذِي يُظْهِرُونَ مِنْ اعْتِقَادِهِمْ كَمَا نَقَلْته عَنْ السُّرُوجِيِّ فَلَا مَحَلَّ لِهَذِهِ الْحَاشِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُمْ الَّذِينَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ الَّذِي اهـ وَقَوْلُهُ وَهُمْ أَيْ هَذَا الصِّنْفُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِمْ اخْتِلَافًا) هُوَ مَنْصُوبٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: حَلَّ تَزَوُّجُ الْمُحْرِمَةِ إلَخْ) أَمَّا الْوَطْءُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: «لَا يَنْكِحْ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحْ») هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ كَذَلِكَ وَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ لَا يَنْكِحُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يَتَزَوَّجُ، وَالثَّانِي لَا يُنْكِحْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يُزَوِّجُ غَيْرَهُ قَالَ الْعَسْكَرِيُّ: وَمَنْ فَتَحَ الْكَافَ مِنْ الثَّانِي فَقَدْ صَحَّفَ، وَالْحَاءُ مِنْ قَوْلِهِ: لَا يَنْكِحْ مَكْسُورَةٌ كَمَا رَوَاهُ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى مَعْنَى النَّهْيِ، وَلَا يَصِحُّ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّهُ إخْبَارٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُحِبُّ فِي أَحْكَامِهِ فِي الْحَجِّ اهـ مِنْ الْمُحَرَّرِ الْمُذَهَّبِ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْمُهَذَّبِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ وَقَوْلُهُ لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ كَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ يَقُولُ لَوْ أَحْرَمَ قَاضٍ وَلَهُ نَائِبٌ فِي بَلْدَةٍ عَقَدَ أَنْكِحَةً فَعُقُودُهُ بَاطِلَةٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. اهـ. مُقْنِعْ شَرْحِ مَجْمَعٍ لِابْنِ الْأَضْرَبِ (قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ «وَلَا يَخْطُبْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ) أَيْ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ) أَيْ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ حَلَالٌ) وَمَاتَتْ بِسَرِفٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا تَأْثِيرَ لِثُبُوتِ الْحِلِّ كَالرَّجْعَةِ) يَعْنِي لَوْ رَاجَعَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ كَانَتْ رَجْعَتُهُ صَحِيحَةً بِالِاتِّفَاقِ وَعِنْدَ الْخَصْمِ الرَّجْعَةُ سَبَبٌ يَثْبُتُ الْحِلِّ بِهِ فِي الْوَطْءِ، وَلَمْ يَكُنْ الْمُحْرِمُ مَمْنُوعًا عَنْهُ فَكَذَا النِّكَاحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: كَتَزَوُّجِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا) وَصُورَتُهُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِأَجْلِ الظِّهَارِ فَكَذَا الْمُحْرِمُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

ص: 110

لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ أَيْ لَا يَطَأُ الْمُحْرِمُ، وَلَا تُمَكِّنُ الْمُحْرِمَةُ مِنْ الْوَطْءِ، وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الشَّخْصِ، وَلَا يُعَارَضُ بِمَا رُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ أَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام تَزَوَّجَ بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ»؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ يَزِيدَ لَا تُعَارِضُ رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِهَذَا قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ لِلزُّهْرِيِّ: وَمَا يَدْرِي ابْنُ الْأَصَمِّ أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى سَاقِهِ أَتَجْعَلُهُ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّزَوُّجِ الْبِنَاءَ بِهَا مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ فَجَازَ إطْلَاقُهُ عَلَى الْبِنَاءِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ - أَيْضًا - ضَعِيفٌ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: رَفَعَهُ مِنْ رِوَايَةِ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ، وَهُوَ لَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: هُوَ غَيْرُ مُتَّصِلٍ، وَوَصْلُهُ غَلَطٌ وَبَيْنَ وَجْهِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ الَّذِينَ رَوَوْا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام تَزَوَّجَ بِهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ أَهْلُ فِقْهٍ، وَثَبَتَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فَلَا تُعَادِلُهُمْ رُوَاةُ حَدِيثِهِ

قَالَ رحمه الله (وَالْأَمَةِ، وَلَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً) أَيْ جَازَ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ كِتَابِيَّةً وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً كِتَابِيَّةً وَيَجُوزُ بِالْمُسْلِمَةِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] أَبَاحَ نِكَاحَ الْإِمَاءِ بِشَرْطَيْنِ: عَدَمُ الطَّوْلِ، وَأَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً فَإِذَا انْتَفَيَا أَوْ انْتَفَى أَحَدُهُمَا انْتَفَى الْحُكْمُ، وَهُوَ الْحِلُّ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْحُكْمَ مَتَى عُلِّقَ بِشَرْطٍ أَوْ أُضِيفَ إلَى مُسَمًّى بِوَصْفٍ خَاصٍّ أَوْجَبَ ذَلِكَ نَفْيَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ أَوْ الشَّرْطِ؛ وَلِأَنَّ جَوَازَ نِكَاحِهِنَّ ضَرُورِيٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الْجُزْءِ الْحُرِّ عَلَى الرِّقِّ، وَهُوَ مَوْتٌ حُكْمًا فَصَارَ كَالْإِهْلَاكِ حِسًّا وَقَدْ ارْتَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِالْمُسْلِمَةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] وَلَفْظُ النِّسَاءِ عَامٌّ يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْإِمَاءُ وَالْحَرَائِرُ وَمَا تَلَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عِنْدَ وُجُودِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلنَّفْيِ وَلَا لِلْإِثْبَاتِ عِنْدَ عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا وُضِعَ لَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ غَايَةَ دَرَجَاتِ الْوَصْفِ إذَا كَانَ مُؤَثِّرًا أَنْ يَكُونَ عِلَّةً وَلَا أَثَرَ لِلْعِلَّةِ فِي النَّفْيِ وَلِأَنَّ الطَّوْلَ هُوَ الْقُدْرَةُ، وَالنِّكَاحُ الْوَطْءُ حَقِيقَةً فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَطَأَ الْحُرَّةَ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ تَحْتَهُ فَلْيَتَزَوَّجْ أَمَةً فَلَا يَبْقَى حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ

وَاشْتِرَاطُ عَدَمِ الطَّوْلِ يُفِيدُ الْكَرَاهِيَةَ عِنْدَ وُجُودِهِ، وَكَذَا اشْتِرَاطُ خَشْيَةِ الْعَنَتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] يُفِيدُ الِاسْتِحْبَابَ عِنْدَ عَدَمِ الْخَيْرِ وَلَا يَنْفِي جَوَازَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الْمُحْصَنَاتِ أَيْضًا بِالْإِيمَانِ فَقَضِيَّتُهُ عَلَى أَصْلِهِ أَنْ تَجُوزَ الْأَمَةُ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ وَهُمْ مَنَعُوهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَفِيهِ تَرْكُ أَصْلِهِ وَفِي الْوَجْهِ الْآخَرِ جَوَّزُوهُ، وَفِيهِ إرْقَاقُ الْوَلَدِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ فَقَدْ نَاقَضُوا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ لَوْ كَانَتْ إرْقَاقَ الْوَلَدِ لَمَا جَازَ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَمَا لَا يَجُوزُ إرْقَاقُ وَلَدِهِ الْحُرِّ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُطْلَقًا بِالْأَمَةِ الْآيِسَةِ وَالرَّتْقَاءِ وَلَكَانَ جَائِزًا لِلْمَجْبُوبِ، وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا بِإِدْخَالِ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ يَنْكِحُ الْأَمَةَ عِنْدَهُمْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ، وَكَذَا الْعَبْدُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْحُرِّ فَجَعَلُوا مِلْكَهُ أَزْيَدَ عَلَى مِلْكِ الْحُرِّ وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ عِنْدَهُمْ لِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يُجِيزُوا لَهُ إلَّا أَمَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ كَالْحُرِّ وَهَذَا تَنَاقُضٌ عَظِيمٌ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لَمْ يَكُنْ لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ تَزَوُّجِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ مَعْنًى وَقَوْلُهُ تَعْرِيضُ الْجُزْءِ الْحُرِّ عَلَى الرِّقِّ قُلْنَا لَيْسَ فِيهِ إرْقَاقُ الْجُزْءِ؛ لِأَنَّ الْإِرْقَاقَ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الْحُرِّيَّةِ، وَالنُّطْفَةُ لَا تُوصَفُ بِالْحُرِّيَّةِ، وَلَا بِالرِّقِّ فَبَطَلَ مَا ذُكِرَ، وَلَهُ أَنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الشَّخْصِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْأَقْطَعُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فَإِنْ قِيلَ: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَنْكِحْ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحْ وَلَا يَخْطُبْ» قِيلَ لَهُ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَطَأَ الْمُحْرِمُ وَلَا تُمَكِّنُ الْمُحْرِمَةُ مِنْ نَفْسِهَا لِتُوطَأَ بِظَاهِرِ خَبَرِنَا وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَلَا يَخْطُبْ وَلَا يَلْتَمِسْ الْوَطْءَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَجَازَ إطْلَاقُهُ عَلَى الْبِنَاءِ) وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْحُكْمِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِالْغَلَطِ وَالرَّدِّ إذْ الْمَجَازُ أَوْلَى مِنْ الْغَلَطِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ) أَيْ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ الْأَصَمِّ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: قَيْدُ الْحُرِّ غَيْرُ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله لَا يُجِيزُ لِلْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ فَكَانَ الصَّوَابُ إبْدَالَهُ بِالْمُسْلِمِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ كَقَوْلِهِ وَعَنْهُمَا كَقَوْلِنَا اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ جَوَازُ نِكَاحِ الْأَمَةِ مُطْلَقًا وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ مَفْهُومُ الشَّرْطِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ أَوْ حُجَّةٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالطَّوْلُ صَدَاقُ الْحُرَّةِ وَلَا تُرَاعَى الْقُدْرَةُ عَلَى النَّفَقَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] أَيْ وقَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] اهـ (قَوْلُهُ: وَلَا أَثَرَ لِلْعِلَّةِ فِي النَّفْيِ) أَيْ لِأَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ لَا يَكُونُ عِلَّةً لِعَدَمِ الْحُكْمِ، وَالْأَمْرُ الْعَدَمِيُّ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِحُكْمٍ عَدَمِيٍّ وَلَا وُجُودِيٍّ. اهـ. غَايَةٌ لَا يُقَالُ الْوَصْفُ بِالْإِيمَانِ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] إذْ لَا يَجُوزُ تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ إجْمَاعًا لِتَقْيِيدِهَا بِالْإِيمَانِ فِيهَا فَإِنَّا نَقُولُ: تَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا مُقَيَّدَةً بِالْإِيمَانِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ شُرِعَ مُقَيَّدًا وَمُطْلَقًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الطَّوْلَ هُوَ الْقُدْرَةُ) كَقَوْلِهِ ذِي الطَّوْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ) أَيْ بِالْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: كَمَا لَا يَجُوزُ إرْقَاقُ وَلَدِهِ الْحُرِّ) أَيْ بِالْبَيْعِ عِنْدَ الْمَجَاعَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: بِإِدْخَالِ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ) أَيْ مَعَ بَقَاءِ نِكَاحِ الْأَمَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْعَبْدُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَيْنِ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ أَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَ الْوَلَدِ عَلَى الرِّقِّ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ ذَلِكَ وَعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَكَوْنِ الْعَبْدِ أَبًا لَا إثْمَ لَهُ فِي ثُبُوتِ رِقِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ حُرَّةً كَانَ وَلَدُهُ حُرًّا. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله: (قَوْلُهُ فَبَطَلَ مَا ذَكَرَ) وَلَئِنْ قَالَ: فِيهِ امْتِنَاعٌ عَنْ تَحْصِيلِ الْوَلَدِ الْحُرِّ، قُلْنَا: لَيْسَ هَذَا بِحَرَامٍ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَحْصُلَ أَصْلُ الْوَلَدِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ

ص: 111

لَا يَحْصُلَ الْوَلَدُ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ عَاقِرًا أَوْ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ التَّزَوُّجِ فَكَذَا لَهُ أَنْ لَا يَحْصُلَ وَصْفُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْوَلَدِ

قَالَ رحمه الله (وَالْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ لَا عَكْسِهِ) أَيْ يَجُوزُ تَزَوُّجُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ طَوْلَ الْحُرَّةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّزَوُّجِ بِالْأَمَةِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي حَقِّ الْحُرِّ فَقَطْ فَلَا يَكُونُ نِكَاحُهَا ضَرُورِيًّا فِي حَقِّهِ عِنْدَهُ وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ ذَلِكَ بِرِضَا الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ لَا يَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ عِنْدَهُ حَتَّى جَازَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا بِإِذْنِ الْمَوْلَى عِنْدَهُ لَكِنَّ حُرْمَةَ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لِاحْتِرَامِ الْحُرَّةِ كَيْ لَا يَلْحَقَهَا زِيَادَةُ غَضَاضَةٍ بِإِدْخَالِ الْأَمَةِ عَلَيْهَا فَكَانَ الْمَنْعُ لِحَقِّهَا فَيَرْتَفِعُ بِرِضَاهَا، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] يَتَنَاوَلُ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَلِأَنَّ الْحِلَّ نِعْمَةٌ وَكَرَامَةٌ فَيَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ لِنُقْصَانِهِ وَشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ تُنَصَّفُ نَفْسِ الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فَأَظْهَرْنَا النُّقْصَانَ فِي حُقُوقِ النِّكَاحِ وَأَحْكَامِهِ كَالْقَسْمِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ، وَفِي الْأَحْوَالِ حَتَّى لَا يَجُوزَ نِكَاحُ الْأَمَةِ إلَّا مُنْفَرِدَةً، وَلَا يَجُوزُ حَالَةَ الِانْضِمَامِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهُمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ صَحَّ نِكَاحُ الْحُرَّةِ، وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنْ الْإِمَاءِ وَخَمْسًا مِنْ الْحَرَائِرِ فِي عَقْدٍ صَحَّ نِكَاحُ الْإِمَاءِ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ بِالْخَمْسِ بَاطِلٌ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْجَمْعُ

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْعَكْسُ فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ وَهُوَ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ، وَالْحُرَّةُ فِي الْعِدَّةِ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَزَوُّجٍ عَلَيْهَا وَهُوَ الْمُحَرَّمُ، وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ بِدَلِيلِ جَوَازِهِ فِيمَا إذَا تَقَدَّمَ نِكَاحُ الْأَمَةِ بِخِلَافِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا، أَوْ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُنَاكَ الْجَمْعُ، وَقَدْ تَحَقَّقَ لِبَقَاءِ بَعْضِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِالتَّزَوُّجِ بَعْدَمَا أَبَانَهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ حُكْمَ قِيَامِ النِّكَاحِ فَالِاحْتِيَاطُ الْمَنْعُ فَأَشْبَهَ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا وَنِكَاحَ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي قَسْمِهَا غَيْرُهَا؛ وَلِأَنَّ بَقَاءَ النِّكَاحِ مِنْ وَجْهٍ لَا يَكْفِي لِلْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْحِنْثِ وُجُودُ الشَّرْطِ صُورَةً وَمَعْنًى حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِالشَّكِّ إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ، وَهَذَا لَيْسَ يَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا عُرْفًا

قَالَ رحمه الله (وَأَرْبَعٍ مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ) أَيْ حَلَّ تَزَوُّجُ أَرْبَعٍ مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وَالنَّصُّ عَلَى الْعَدَدِ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لَا يَجُوزُ مِنْ الْإِمَاءِ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ ضَرُورِيٌّ عِنْدَهُ وَقَدْ انْدَفَعَتْ بِوَاحِدَةٍ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا؛ إذْ لَفْظُ النِّسَاءِ يَنْتَظِمُ الْحَرَائِرَ وَالْإِمَاءَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226]{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ يَجُوزُ التَّزَوُّجُ بِالتِّسْعِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ نِكَاحَ ثِنْتَيْنِ بِقَوْلِهِ مَثْنَى ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ بِالْوَاوِ، وَهِيَ لِلْجَمْعِ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ تِسْعًا، وَمِثْلُهُ عَنْ النَّخَعِيّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى

وَقَالَ بَعْضُ الشِّيعَةِ وَالْخَوَارِجُ: يَجُوزُ ثَمَانِي عَشْرَةَ امْرَأَةً؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مَثْنَى يُفِيدُ التَّكْرَارَ لِكَوْنِهِ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ مُكَرَّرًا وَكَذَلِكَ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ، وَأَقَلُّ التَّكْرَارِ مَرَّتَانِ فَيَكُونُ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَحَكَى الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَا شَاءَ مِنْ الْعَدَدِ غَيْرَ مَحْصُورٍ؛ لِأَنَّ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يُفِيدُ التَّكْرَارُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ وَهَؤُلَاءِ خَرَقُوا الْإِجْمَاعَ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعْت عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيمَا ذَكَرُوا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ وَإِنْ كَانَتْ تَقْتَضِي التَّكْرَارَ لَكِنْ تُفِيدُ تَكْرَارَ النَّاكِحِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ لِلْجَمْعِ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ فَلَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ) وَهُوَ إجْمَاعٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ) أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «طَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ» الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ «وَتَتَزَوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ وَلَا تَتَزَوَّجُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» وَفِيهِ مُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ بِسَنَدِهِ إلَى الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ قَالَ: وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ» قَالَ: وَهَذَا مُرْسَلُ الْحَسَنِ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا مُرْسَلًا وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ، وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ نَحْوَهُ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: تَتَزَوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ، وَلَا تَتَزَوَّجُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ، وَعَنْ مَكْحُولٍ نَحْوَهُ، فَهَذِهِ آثَارٌ ثَابِتَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تُقَوِّي الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ لَوْ لَمْ نَقُلْ بِحُجِّيَّتِهِ فَوَجَبَ قَبُولُهُ. اهـ. كَمَالٌ

(قَوْلُهُ وَهُوَ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ) أَيْ وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ) قُيِّدَ بِالْبَائِنِ؛ لِأَنَّ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ اتِّفَاقًا وَقَوْلُهُمَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا) أَيْ لَا يُقَالُ: تَزَوَّجَ عَلَيْهَا إذَا تَزَوَّجَ، وَهِيَ مُبَانَةٌ مُعْتَدَّةٌ. اهـ. كَمَالٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَأَرْبَعٍ) بِالْجَرِّ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّةِ أَيْ وَحَلَّ أَيْضًا تَزْوِيجُ أَرْبَعٍ. اهـ. عَيْنِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا الْجَوَارِي فَلَهُ مَا شَاءَ مِنْهُنَّ وَفِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَأَلْفُ جَارِيَةٍ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً أُخْرَى فَلَامَهُ رَجُلٌ يَخَافُ عَلَيْهِ الْكُفْرَ، وَقَالُوا: إذَا تَرَكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ خَوْفَ أَنْ يُدْخِلَ الْغَمَّ عَلَى زَوْجَتِهِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ كَانَ مَأْجُورًا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: مَثْنَى يُفِيدُ التَّكْرَارَ) وَفِي الْبَدَائِعِ أَدْنَى مَا يُرَادُ بِالْمَثْنَى مَرَّتَانِ وَبِالثَّلَاثِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ قُلْت: هَذَا سَهْوٌ مِنْهُ بَلْ أَدْنَى مَا يُرَادُ مِنْ ثَلَاثٌ سِتَّةٌ. اهـ. غَايَةٌ

ص: 112

تُفِيدُ الْجَمْعَ فَصَارَ نَظِيرَ قَوْله تَعَالَى {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1] لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تِسْعَةَ أَجْنِحَةٍ أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ أَوْ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ لِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَلِطَائِفَةٍ أُخْرَى ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَلِطَائِفَةٍ أُخْرَى أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَلِهَذَا لَوْ قَالَ اقْتَسِمُوا هَذَا الْمَالَ دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثَلَاثًا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُصِيبُهُ دِرْهَمَانِ أَوْ ثَلَاثٌ، وَلَا يُفْهَمُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَأْخُذُ دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ مِرَارًا، وَإِنَّمَا أَتَى بِلَفْظِ يُنْبِئُ عَنْ التَّكْرَارِ لِيَسْتَقِيمَ هَذَا الْمَعْنَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ اقْتَسِمُوا هَذَا الْمَالَ دِرْهَمَيْنِ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى فَكَذَا هَذَا وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى كَمَا زَعَمُوا لَمَّا كَانَ لِذِكْرِ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ مَعْنَى؛ لِأَنَّ مَثْنَى يُفِيدُ التَّكْرَارَ لَا إلَى نِهَايَةٍ وَحَصْرٍ

قَالَ رحمه الله (وَاثْنَتَيْنِ لِلْعَبْدِ) أَيْ وَحَلَّ تَزَوُّجُ اثْنَتَيْنِ لِلْعَبْدِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ وَقَالَ مَالِكٌ: لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا لِلْعُمُومَاتِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ النِّسَاءِ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصَّفٌ لِلنِّعْمَةِ فَيُتَنَصَّفُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ النِّعْمَةَ تَزْدَادُ بِالشَّرَفِ؛ وَلِهَذَا جَازَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نِكَاحُ التِّسْعِ لَا لِغَيْرِهِ

قَالَ رحمه الله (وَحُبْلَى مِنْ زِنًا لَا مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ حَلَّ تَزَوُّجُ الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا وَلَا يَحِلُّ تَزَوُّجُ الْحُبْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَفْسُدُ النِّكَاحُ فِي الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَمْلُ مُحْتَرَمٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ إسْقَاطُهُ وَالِامْتِنَاعُ فِي الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ لِحُرْمَةِ الْحَمْلِ وَصِيَانَتِهِ عَنْ سَقْيِهِ بِمَاءِ الْغَيْرِ لَا لِصَاحِبِ الْمَاءِ؛ وَلِهَذَا لَا تَرْتَفِعُ الْحُرْمَةُ بِإِذْنِهِ وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الْمَعْنَى هُنَا وَلِأَنَّ النِّكَاحَ شُرِعَ لِحِكْمَةٍ فَإِذَا لَمْ تَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حِكْمَةٌ لَمْ يُشْرَعْ أَصْلًا بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِالزَّانِي الَّذِي حَبِلَتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ مَرْتَبَةٌ عَلَيْهِ مِنْ حِلِّ الْوَطْءِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَلِأَنَّ امْتِنَاعَ النِّكَاحِ لِحُرْمَةِ صَاحِبِ الْمَاءِ لَا لِلْحَمْلِ بِدَلِيلِ جَوَازِ التَّزَوُّجِ بِهَا لِصَاحِبِ الْمَاءِ فِي ثَابِتِ النَّسَبِ وَغَيْرِهِ وَلَا حُرْمَةَ لِلزَّانِي، وَلَوْ كَانَ لِأَجْلِ الْحَمْلِ لَمَا اخْتَلَفَ، وَامْتِنَاعُ الْوَطْءِ كَيْ لَا يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» ؛ لِأَنَّ بِهِ يَزْدَادُ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ حِدَّةً كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُرْمَةِ بِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَسَادُ النِّكَاحِ كَحُرْمَتِهِ بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَإِنَّمَا لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْوَطْءِ فَفَاتَ الِاحْتِبَاسُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَحِلُّ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا وَقَوْلُهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ أَيْ لَا الْحُبْلَى مِنْ غَيْرِ الزِّنَا، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ حُبْلَى بِثَابِتِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحُرْمَةِ صَاحِبِ الْمَاءِ وَذَلِكَ عِنْدَ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ حَرْبِيٍّ كَالْمُهَاجِرَةِ وَالْمَسْبِيَّةِ يَجُوزُ النِّكَاحُ وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا كَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا رَوَاهَا أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ وَاعْتَمَدَهَا الطَّحَاوِيُّ وَالْمَنْعُ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ وَاعْتَمَدَهَا الْكَرْخِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: أَوْ ثُلَاثَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَوْ ثَلَاثًا بِالنَّصْبِ، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ النِّكَاحِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ عِنْدَهُ حَتَّى مَلَكَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى قَالَ السُّرُوجِيُّ رحمه الله: هَذَا لَمْ يَقُلْهُ مَالِكٌ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَجُوزُ لَهُ زَوَاجٌ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ كَانَ لِلسَّيِّدِ إجَازَتُهُ أَوْ رَدُّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ) وَهَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَزَاهُ السُّرُوجِيُّ إلَى الْمَحَلِّيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصَّفٌ) تَوْضِيحُ مُرَادِهِ: أَنَّ الْحِلَّ الثَّابِتَ بِالنِّكَاحِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حَتَّى إنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَهُ بِالِاسْتِمْتَاعِ وَقَدْ نَصَّفَ الرِّقُّ لِلْمَرْأَةِ مَالَهَا مِنْ ذَلِكَ الْحِلِّ حَتَّى إذَا كَانَتْ تَحْتَ الرَّجُلِ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ يَكُونُ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَانِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةٌ فَلَمَّا نَصَّفَ رِقُّهَا مَالَهَا وَجَبَ أَنْ يُنَصِّفُ رِقُّهُ مَالَهُ، وَلِلْحُرِّ تَزَوُّجُ أَرْبَعِ، وَلِلْعَبْدِ ثِنْتَانِ بَقِيَ أَنْ يُسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] نَظَرًا إلَى عُمُومِ الْمُخَاطَبِينَ فِي الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ كَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي إطْلَاقِ الزَّائِدِ عَلَى الْأَمَةِ نَظَرًا إلَى الْعُمُومِ فِي الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُخَاطَبِينَ هُمْ الْأَحْرَارُ بِدَلِيلِ آخِرِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] فَإِنَّ الْمُخَاطَبَ بِهَذَا هُمْ الْمُخَاطَبُونَ الْأَوَّلُونَ وَلَا مِلْكَ لِلْعَبْدِ فَلَزِمَ كَوْنُ الْمُرَادِ الْأَحْرَارَ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ وَزُفَرَ وَمَالِكٍ وَابْنِ حَنْبَلٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالِامْتِنَاعُ فِي الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْحَمْلُ بِثَابِتِ النَّسَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِالزَّانِي) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: أَمَّا لَوْ كَانَ الْحَبَلُ مِنْ زِنًا مِنْهُ جَازَ النِّكَاحُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مُحَالًا إلَى النَّوَازِلِ قَالَ رَجُلٌ تَزَوَّجَ حَامِلًا مِنْ زِنًا مِنْهُ فَالنِّكَاحُ صَحِيحُ عِنْدَ الْكُلِّ وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِذَا جَازَ فِي الْخِلَافِيَّةِ عِنْدَهُمَا وَلَا يَطَؤُهَا هَلْ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ ذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ: لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَقِيلَ: لَهَا النَّفَقَةُ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّ النَّفَقَةَ، وَإِنْ وَجَبَتْ مِنْ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ عِنْدَنَا لَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ إلَى الدُّخُولِ مِنْ جِهَتِهَا بِخِلَافِ الْحَائِضِ فَإِنَّ عُذْرَهَا سَمَاوِيٌّ، وَهَذَا يُضَافُ إلَى فِعْلِ الزِّنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَكَمَا لَا يُبَاحُ وَطْؤُهَا لَا تُبَاحُ دَوَاعِيهِ، وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِوَطْئِهَا، وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَكَأَنَّهُ يَقِيسُهُ عَلَى الَّتِي زَنَتْ حَيْثُ جَازَ تَزْوِيجُهَا وَحَلَّ وَطْؤُهَا فِي الْحَالِ مَعَ احْتِمَالِ الْعُلُوقِ فَعُلِمَ أَنَّ الْعُلُوقَ مِنْ الزِّنَا لَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ، وَإِلَّا لَمَنَعَ مَعَ تَجْوِيزِهِ فِي مَقَامِ الِاحْتِيَاطِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُحَقَّقِ وَالْمَوْهُومِ فِي الشَّغْلِ الْحَرَامِ ثَابِتٌ شَرْعًا لِوُرُودِ عُمُومِ النَّهْي فِي الْمُحَقَّقِ وَهُوَ مَا رَوَى رُوَيْفِعُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» يَعْنِي إتْيَانَ الْحَبَالَى رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله:(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ امْتِنَاعَ النِّكَاحِ) أَيْ فِي ثَابِتِ النَّسَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا) أَيْ إذْ لَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الْحَرْبِيِّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَاءِ الزَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَاعْتَمَدَهَا الْكَرْخِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ مِنْ الزِّنَا لَا نَسَبَ لَهُ، وَهُنَا النَّسَبُ ثَابِتٌ

ص: 113

الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ

قَالَ رحمه الله (وَالْمَوْطُوءَةِ بِمِلْكٍ) أَيْ جَازَ تَزَوُّجُ مَنْ وَطِئَهَا الْمَوْلَى بِمِلْكِ يَمِينٍ وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا اللَّفْظِ أُمُّ الْوَلَدِ مَا لَمْ تَكُنْ حُبْلَى؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا ضَعِيفٌ؛ وَلِهَذَا يَنْتَفِي وَلَدُهَا بِمُجَرَّدِ نَفْيِهِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ فَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا لِاحْتِمَالِ الشَّغْلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ مَكَانَ النِّكَاحِ شِرَاءٌ، وَلَهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي رَحِمٍ فَارِغٍ لَكِنَّ الْفَرَاغَ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَأُقِيمَ جَوَازُ النِّكَاحِ مَقَامَ الْفَرَاغِ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا؛ لِأَنَّ مُرَادَنَا حَمْلٌ ثَابِتُ النَّسَبِ، أَوْ نَقُولُ: يَكُونُ دَلِيلُ الْفَرَاغِ فِي الْمُحْتَمَلِ لَا فِيمَا تَحَقَّقَ وُجُودُهُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لِجَوَازِهِ مَعَ الشَّغْلِ فَيَجِبُ التَّعَرُّفُ بَعْدَهُ

وَقِيلَ: لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يَقُولَانِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ بِاسْتِحْبَابِهِ فَلَمْ يَتَقَابَلْ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ، وَكَانَ قَوْلُهُ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِمَا قَالَ رحمه الله (أَوْ زِنًا) أَيْ حَلَّ نِكَاحُ الْمَوْطُوءَةِ بِزِنًا حَتَّى لَوْ رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي فَتَزَوَّجَهَا جَازَ وَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ نِكَاحَ الزَّانِيَةِ يَجُوزُ، وَكَذَا نِكَاحُ الزَّانِي، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ مَنْعُهُ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3] وَلِلْجُمْهُورِ مَا رُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي لَا تَدْفَعُ يَدَ لَامِسٍ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام طَلِّقْهَا فَقَالَ إنِّي أُحِبُّهَا، وَهِيَ جَمِيلَةٌ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام اسْتَمْتِعْ بِهَا وَفِي رِوَايَةٍ أَمْسِكْهَا إذًا» وَالْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ فِي الْآيَةِ الْوَطْءُ يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الزَّانِيَةُ لَا يَطَؤُهَا إلَّا زَانٍ فِي حَالَةِ الزِّنَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3] وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمَةِ الزَّانِيَةُ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِمُشْرِكٍ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْعَقْدَ لَجَازَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْآيَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إخْبَارًا عَنْ رَغْبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ فِي الْآخَرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الزَّانِيَ الْفَاسِقَ لَا يَرْغَبُ إلَّا فِي نِكَاحِ مِثْلِهِ وَقِيلَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى} [النور: 32] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]

قَالَ رحمه الله (وَالْمَضْمُومَةِ إلَى مُحَرَّمَةٍ) أَيْ حَلَّ تَزَوُّجُ الْمَضْمُومَةِ إلَى مُحَرَّمَةٍ وَصُورَتُهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ إحْدَاهُمَا لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا بِأَنْ كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ أَوْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ وَثَنِيَّةً وَالْأُخْرَى يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا صَحَّ نِكَاحُ مَنْ تَحِلُّ وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ فِي إحْدَاهُمَا فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَقَبُولُ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَجُوزُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فِيمَا يَجُوزُ، وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَافْتَرَقَا قَالَ رحمه الله (وَالْمُسَمَّى لَهَا) أَيْ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى كُلُّهُ لِلَّتِي جَازَ نِكَاحُهَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَقْسِمُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهِمَا فَمَا أَصَابَ الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا لَزِمَهُ وَمَا أَصَابَ الْأُخْرَى لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مُقَابَلٌ بِهِمَا فَيَكُونُ مُنْقَسِمًا عَلَيْهِمَا فَيَلْزَمُهُ حِصَّةُ مَا سَلِمَ لَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ حِصَّةُ مَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَمُدَبَّرًا يَلْزَمُهُ حِصَّةُ الْعَبْدِ دُونَ الْمُدَبَّرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الَّتِي لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا لَا يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مُزَاحِمَةً لِلَّتِي تَحِلُّ فَيَكُونُ لَهَا كُلُّهُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا وَحِمَارًا أَوْ جِدَارًا أَوْ ذَكَرًا بِخِلَافِ بَيْعِ الْقِنِّ مَعَ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ دَاخِلٌ فِي الْعَقْدِ لِكَوْنِهِ مَحَلًّا لَهُ

وَإِنَّمَا يَنْقُضُ الْبَيْعُ بَعْدَهُ لِحَقِّهِ فَيَكُونُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

مِنْ الْحَرْبِيِّ بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَ كَالْحَامِلِ بِثَابِتِ النَّسَبِ. اهـ. كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا اللَّفْظِ أُمُّ الْوَلَدِ إلَخْ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ بِحَيْضَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا) أَيْ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ قَوْلَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ هَذَا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْعِدَّةِ لِلزَّوْجِ بَعْدَ كُلِّ وَطْءٍ وَلَوْ زِنًا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: لَا أُحِبُّ لَهُ أَيْ لِلزَّوْجِ اهـ وَفِي الْمُشْكِلَاتِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَأُقِيمَ جَوَازُ النِّكَاحِ مَقَامَ الْفَرَاغِ) أَيْ فَلَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ لَا اسْتِحْبَابًا وَلَا وُجُوبًا. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُرَادَنَا حَمْلٌ ثَابِتُ النَّسَبِ) قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ جَوَابَ صَاحِبِ النِّهَايَةِ عِنْدَ هَذَا الْإِيرَادِ وَجَوَابَ شَارِحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ بِتَخْصِيصِ الدَّعْوَى فَإِنَّ مُرَادَنَا أَنَّهُ أَمَارَةُ الْفَرَاغِ عَنْ حَمْلٍ ثَابِتِ النَّسَبِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ الْجَوَابِ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَهُوَ الْأَوْلَى أَعْنِي كَوْنَهُ دَلِيلَ الْفَرَاغِ فِي الْمُحْتَمَلِ، وَمَحَلُّ الْفَرَاغِ مُحْتَمَلٌ، وَمَعَ الْحُكْمِ بِالْفَرَاغِ لَا يَثْبُتُ تَوَهُّمُ الشَّغْلِ شَرْعًا فَلَا مُوجِبَ لِاسْتِحْبَابِ الِاسْتِبْرَاءِ لَكِنَّ صِحَّتَهُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى دَلِيلِ اعْتِبَارِهِ أَمَارَةَ الْفَرَاغِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ ادِّعَاءُ وَضْعٍ شَرْعِيٍّ، وَالْإِجْمَاعُ إنَّمَا عُرِفَ عَلَى مُجَرَّدِ الصِّحَّةِ أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِهَا دَلِيلَ الْفَرَاغِ فِي الْمُحْتَمَلِ دُونَ الْمُحَقَّقِ فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لِجَوَازِهِ مَعَ الشَّغْلِ) أَيْ بِالْحَمْلِ الثَّابِتِ النَّسَبِ كَشِرَاءِ الْأَمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ الْحَامِلِ مِنْ الزَّوْجِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا خِلَافَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: وَقَدْ وَافَقَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا نَفَى الِاسْتِحْبَابَ وَهُمَا أَثْبَتَا جَوَازَ النِّكَاحِ بِدُونِهِ فَلَا مُعَارَضَةَ فَيَجُوزُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ بِلَا نِزَاعٍ، فَإِنَّ لَفْظَهُ فِي الْجَامِعِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ وَطِئَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ زَوَّجَهَا قَالَ: لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أُحِبُّ لَهُ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا اهـ وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِبْرَاءُ الْمَوْلَى أَصْلًا، وَفِيهِ تَصْرِيحُ مُحَمَّدٍ بِالِاسْتِحْبَابِ لِلزَّوْجِ، قِيلَ قَوْلُهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ بَلْ هُوَ قَوْلُهُ خَاصَّةً وَهُوَ ظَاهِرُ السَّوْقِ، وَصَرِيحُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ لَا اسْتِحْبَابًا، وَلَا وُجُوبًا يُخَالِفُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ أَيْ فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَا: يَقْسِمُ) وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: عَلَى مَهْرِ مِثْلِهِمَا) كَأَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى أَلْفًا، وَمَهْرُ مِثْلِ الْمُحَرَّمَةِ أَلْفَانِ وَالْمُحَلَّلَةِ أَلْفًا فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ. اهـ. فَتْحٌ

ص: 114