الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ النَّفْيَ فِي الْمَاضِي وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ قَالَ مَا أَنْتِ بِامْرَأَةٍ لِي أَوْ قَالَ مَا أَنَا زَوْجٌ لَكِ.
قَالَ رحمه الله (وَالصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ وَالْبَائِنَ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله الصَّرِيحُ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا يَقَعُ بَعْدَ الْخُلْعِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ شُرِعَ لِإِزَالَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَقَدْ زَالَ بِالْخُلْعِ أَوْ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ فَلَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ وَصَارَ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] يَعْنِي الْخُلْعَ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ مَعَ الْوَصْلِ فَيَكُونُ هَذَا نَصًّا عَلَى وُقُوعِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الْخُلْعِ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «الْمُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ» ، وَلِأَنَّ الْقَيْدَ الْحُكْمِيَّ بَاقٍ لِبَقَاءِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا فَاتَ الِاسْتِمْتَاعُ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَحَلِّ كَفَوَاتِهِ بِالْحَيْضِ وَغَيْرِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ لَا الْبَائِنَ إلَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ) ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَتَطْلُقُ أَمَّا كَوْنُ الْبَائِنِ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْقَيْدَ الْحُكْمِيَّ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِبَقَاءِ الِاسْتِمْتَاعِ. وَأَمَّا عَدَمُ لُحُوقِ الْبَائِنِ الْبَائِنَ فَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ صَادِقٌ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ إنْشَاءً؛ لِأَنَّهُ اقْتِضَاءٌ ضَرُورِيٌّ حَتَّى لَوْ قَالَ عَنَيْتُ بِهِ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ وَتَثْبُتَ بِهِ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ فِي الْمَحَلِّ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ ثَابِتٍ فَيُجْعَلُ إنْشَاءً ضَرُورَةً، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مُعَلِّقًا بِأَنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ يَقَعُ الْمُعَلَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ خَبَرًا لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ قَبْلَهُ وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ هِيَ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ فَيَقَعُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ رحمه الله هُوَ يَقُولُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ)
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَاخْتَارَتْ فِي مَجْلِسِهَا بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ)؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ لَا يَقَعُ بَعْدَ الْخُلْعِ) أَيْ، وَلَوْ قَالَ بَائِنٌ لَمْ يَقَعْ اتِّفَاقًا. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْبَائِنِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ مَا كَانَ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَقَعْنَ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ حَتَّى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ الْبَائِنَةَ لَا يَلْحَقُهَا شَيْءٌ مِنْ الْكِنَايَاتِ عِنْدَنَا إلَّا مَا يَقَعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا قَالَ لِلْمُبَانَةِ أَنْتِ بَائِنٌ لَا يَصْلُحُ لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْإِبَانَةِ مَنْ قَامَ بِهِ الِاتِّصَالُ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ لِقَطْعِ الْوَصْلَةِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ بِالْإِبَانَةِ السَّابِقَةِ، وَلَوْ قَالَ لِلْمُبَانَةِ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ يَلْغُو قَوْلُهُ بَائِنٌ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ، وَلَوْ قَالَ أَبَنْتُك بِتَطْلِيقَةٍ يَلْغُو أَبَنْتُك لِمَا تَقَدَّمَ وَيَبْقَى قَوْلُهُ بِتَطْلِيقَةٍ فَلَا يَقَعُ اهـ ق قَوْلُهُ الْمُرَادُ بِالْبَائِنِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ أَيْ فَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ أَنْتِ بَائِنٌ لَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا إلَّا إذَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ ثَانِيًا أَنْتِ بَائِنٌ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ فَحِينَئِذٍ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. اهـ. (فَرْعٌ) ذَكَرَ صَاحِبُ الْفَوَائِدِ أَنَّ الثَّلَاثَ هَلْ تَلْحَقُ الْبَائِنَ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِ الْمُعَاصِرِينَ أَنَّهُ رَجَّحَ الْوُقُوعَ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ قَالَ وَتَتَبَّعْتُ الْمَسْأَلَةَ فَلَمْ أَجِدْهَا مَنْقُولَةً ثُمَّ نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْجَوَابِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ الْأَوَّلِ اهـ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْخُلْعِ مَا نَصُّهُ فِي خُلَاصَةِ الْعُزَّى خَالَعَهَا بِمَالٍ ثُمَّ خَالَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ طَلَّقَهَا بِمَالٍ بَعْدَ الْخُلْعِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ وَالْخُلْعُ وَالطَّلَاقُ بِمَالٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ يَصِحُّ وَيَجِبُ الْمَالُ فَإِنْ اخْتَلَعَتْ بِمَالٍ ثُمَّ أَقَامَتْ بَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ بَائِنًا اسْتَرَدَّتْ الْمَالَ. اهـ. .
[بَاب تفويض الطَّلَاق]
(بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مُبَاشَرَةِ الْإِنْسَانِ الطَّلَاقَ بِنَفْسِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَتَصَرَّفَ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ وَقَدَّمَ فَصْلَ الِاخْتِيَارِ عَلَى فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَالْمَشِيئَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُؤَيَّدٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ، وَقَالَ الْكَمَالُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الطَّلَاقِ بِوِلَايَةِ الْمُطَلِّقِ نَفْسَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِهِ بِوِلَايَةٍ مُسْتَفَادَةٍ مِنْ غَيْرِهِ وَتَحْتَ هَذَا الصِّنْفِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ التَّفْوِيضُ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ وَبِلَفْظِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَبِلَفْظِ الْمَشِيئَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ) يَعْنِي يَنْوِي تَخْيِيرَهَا فِيهِ أَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا. اهـ. فَتْحٌ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ إذَا قَالَ اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الطَّلَاقِ أَمَّا إذَا قَالَ اخْتَارِي نَفْسَك فَقَالَتْ اخْتَرْت يَقَعُ الطَّلَاقُ بِدُونِ النِّيَّةِ وَذَلِكَ خِلَافُ الرِّوَايَةِ وَالتَّحْقِيقِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيَّ اشْتَرَطَ النِّيَّةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فِي الْمَبْسُوطِ، وَكَذَا صَرَّحَ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِمَا.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ اخْتَارِي لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الطَّلَاقِ وَمَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ فَكَيْفَ لَا يَشْتَرِطُ النِّيَّةَ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَاخْتَارَتْ فِي مَجْلِسِهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِهَذَا اللَّفْظِ بِنَفْسِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَ التَّفْوِيضَ إلَى غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ اخْتَرْتُك مِنْ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي مِنْك لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رحمه الله فِي الْأَصْلِ، وَقَالَ بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٌ فِي الرَّجُلِ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ فَإِذَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا وَقَدْ صَحَّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَالسُّنَنِ وَغَيْرِهِمَا مُسْنَدًا إلَى مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ «خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَرْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ» فَلَوْ كَانَ التَّخْيِيرُ لَا يَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى. اهـ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا
مَجْلِسُ الْعِلْمِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الْفِعْلِ مِنْهَا وَالتَّمْلِيكَاتُ تَقْتَضِي الْخِيَارَ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي سَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُعْتَبَرُ تَمْلِيكًا مَعَ بَقَاءِ مِلْكِهِ، وَالشَّيْءُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَمْلِكَهُ شَخْصَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلُّهُ قُلْنَا هَذَا تَمْلِيكُ الْإِيقَاعِ لَا تَمْلِيكُ الْعَيْنِ فَلَا يَسْتَحِيلُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْعَيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَيَّرَهَا فِي النَّفَقَةِ أَوْ الْكُسْوَةِ أَوْ الدَّارِ لِلسُّكْنَى وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ خَيَّرَهَا فِي نَفْسِهَا فَلَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْوَاقِعُ بِهِ بَائِنٌ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا بِهِ يَتَحَقَّقُ لِثُبُوتِ اخْتِصَاصِهَا بِنَفْسِهَا فِي الْبَائِنِ دُونَ الرَّجْعِيِّ قَالَ رحمه الله (وَلَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ)؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ يُنْبِئُ عَنْ الْخُلُوصِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ بِخِلَافِ الْبَيْنُونَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَوِّعٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّ وَبِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ وَضْعًا بِصِيغَةِ الْعُمُومِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: 19]، وَقَالَ تَعَالَى {قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: 154] وَهُوَ مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ جِنْسٌ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ فَإِذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَقَدْ نَوَى تَمْلِيكَ جَمِيعِ مَا يَمْلِكُ وَهُوَ مُحْتَمَلُ لَفْظِهِ فَيَجُوزُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ اخْتَارِي فَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ وَضْعًا وَإِنَّمَا جُعِلَ تَمْلِيكًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لِكَوْنِهِ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْإِيقَاعِ وَلَا عَنْ التَّفْوِيضِ وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ قَامَتْ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ بَطَلَ خِيَارُهَا)؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَيَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ مِنْ قِيَامٍ أَوْ أَخْذٍ فِي عَمَلٍ آخَرَ غَيْرِهِ كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ هُنَاكَ الِافْتِرَاقُ لَا عَنْ قَبْضٍ دُونَ الْإِعْرَاضِ.
قَالَ رحمه الله (وَذِكْرُ النَّفْسِ أَوْ الِاخْتِيَارَةِ فِي أَحَدِ كَلَامَيْهِمَا شَرْطٌ)؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُرِفَ كَوْنُهُ طَلَاقًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ فِي الْمُفَسِّرَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهَا اخْتَرْتُ مُبْهَمٌ فَلَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْمُبْهَمِ وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ النَّفْسِ مُتَّصِلًا وَإِنْ انْفَصَلَ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَذِكْرُ الِاخْتِيَارَةِ كَذِكْرِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ الِاتِّحَادِ وَاخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا هُوَ الَّذِي يَتَّحِدُ تَارَةً وَيَتَعَدَّدُ أُخْرَى بِأَنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَك بِمَا شِئْت أَوْ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّعَدُّدَ مِنْ لَوَازِمِ الطَّلَاقِ وَذَلِكَ بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا مِرَارًا دُونَ اخْتِيَارِهَا زَوْجَهَا، وَكَذَا ذِكْرُ التَّطْلِيقَةِ أَوْ تَكْرَارُ قَوْلِهِ اخْتَارِي يَقُومُ مَقَامَ ذِكْرِ النَّفْسِ، وَكَذَا قَوْلُهَا أَخْتَارُ أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ أَهْلِي أَوْ الْأَزْوَاجَ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ النَّفْسِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا اخْتَرْت أُخْتِي أَوْ عَمَّتِي وَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي وَزَوْجِي فَالْعِبْرَةُ لِلسَّابِقِ، وَلَوْ قَالَتْ أَوْ زَوْجِي يَبْطُلُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَ اخْتَرْتِ لَمْ يَقَعْ لِعَدَمِ التَّفْسِيرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ شَرْطٌ مِنْ أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي أَوْ قَالَ هُوَ اخْتَارِي نَفْسَك فَقَالَتْ هِيَ اخْتَرْتُ حَيْثُ يَقَعُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهَا مُفَسِّرٌ وَمَا نَوَاهُ الزَّوْجُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ أَوْ كَلَامُهُ مُفَسِّرٌ وَكَلَامُهَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
مَجْلِسُ الْعِلْمِ) قَالَ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ مَكَثَتْ بَعْدَ التَّفْوِيضِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَسْمَعُ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَسْمَعُ فَمَجْلِسُ عِلْمِهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ مَجْلِسِ الزَّوْجِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي سَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِذَا خَيَّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَإِنْ تَطَاوَلَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَإِنْ تَطَاوَلَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ قَالَ الْكَمَالُ وَإِنْ طَالَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ يَتَبَدَّلْ بِالْأَعْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِيهِ) أَمَّا إذَا خَيَّرَهَا بَعْدَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ قَالَ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ، وَكَذَا إذَا كَانَا فِي غَضَبٍ وَإِذَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ لَا يُسَوَّغُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ اهـ كَمَالٌ قَالَ فِي الشَّامِلِ فَإِنْ خَيَّرَهَا ثُمَّ قَالَ مَا أَرَدْت الطَّلَاقَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَقَالَ فِي الشَّامِلِ أَيْضًا خَيَّرَهَا فَأَكَلَتْ طَعَامًا أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ أَقَامَهَا الزَّوْجُ بِيَدِهِ يَبْطُلُ خِيَارُهَا، وَلَوْ لَبِسَتْ ثَوْبًا أَوْ شَرِبَتْ الْمَاءَ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْوَاقِعُ بِهِ بَائِنٌ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الِاسْتِخْلَاصِ وَالصَّفَاءِ عَنْ ذَلِكَ الْمِلْكِ وَهُوَ بِالْبَيْنُونَةِ وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ فَائِدَةُ التَّخْيِيرِ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا شَاءَتْ أَوْ أَبَتْ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ) أَيْ حَيْثُ تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ) أَيْ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَقَعُ ثَلَاثٌ بِلَا نِيَّةٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقَعُ ثَلَاثٌ إذَا كَانَ بِالنِّيَّةِ. اهـ. عَيْنِيٌّ.
(قَوْلُهُ أَوْ أَخَذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ غَيْرِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ قَدْ يَكُونُ مَجْلِسَ الْمُنَاظَرَةِ ثُمَّ يَنْقَلِبُ فَيَكُونُ مَجْلِسَ الْأَكْلِ إذَا اشْتَغَلُوا بِهِ فَيَكُونُ مَجْلِسَ الْقِتَالِ إذَا اقْتَتَلُوا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَذِكْرُ النَّفْسِ أَوْ الِاخْتِيَارَةِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي كَلَامِهِ أَوْ كَلَامِهَا قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالِاخْتِيَارَةِ وَالتَّطْلِيقَةِ، وَكَذَا إذَا قَالَتْ اخْتَرْت أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ الْأَزْوَاجَ أَوْ أَهْلِي بَعْدَ قَوْلِهِ اخْتَارِي يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ مُفَسَّرٌ فِي الْأَزْوَاجِ ظَاهِرٌ، وَكَذَا أَهْلِي؛ لِأَنَّ الْكَوْنَ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ اخْتَرْت أَهْلِي إنَّمَا يَكُونُ لِلْبَيْنُونَةِ وَعَدَمِ الْوَصْلَةِ مَعَ الزَّوْجِ وَلِذَا تَطْلُقُ بِقَوْلِ الزَّوْجِ الْحَقِي بِأَهْلِك بِخِلَافِ قَوْلِهَا اخْتَرْت قَوْمِي أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَا يَقَعُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا أَبٌ أَوْ أُمٌّ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَهَا أَخٌ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ عَادَةً عِنْدَ الْبَيْنُونَةِ إذَا عَدِمَتْ الْوَالِدَيْنِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُرِفَ كَوْنُهُ طَلَاقًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ) قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ قِيلَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى الْمُفَسَّرِ بِذِكْرِ النَّفْسِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت اخْتِيَارَةً أَوْ أَهْلِي أَوْ نَحْوَهُ فَإِنَّ هَذِهِ لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهَا قُلْنَا عُرِفَ مِنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ اعْتِبَارُ مُفَسَّرٍ لَفْظًا مِنْ جَانِبٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ فَيَنْتَفِي غَيْرُ الْمُفَسَّرِ. وَأَمَّا خُصُوصُ لَفْظِ الْمُفَسَّرِ فَمَعْلُومُ الْإِلْغَاءِ وَاعْتِبَارُ الْمُفَسَّرِ أَعَمُّ مِنْهُ حَتَّى بِقَرِينَةٍ غَيْرِ لَفْظِيَّةٍ تُوجِبُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُقُوعِ بِلَا لَفْظٍ صَالِحٍ. اهـ. (قَوْلُهُ بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا مِرَارًا) يَعْنِي بِأَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا كُلَّمَا فَوَّضَ إلَيْهَا (قَوْلُهُ أَوْ تَكْرَارُ قَوْلِهِ اخْتَارِي إلَخْ) وَفِي الشَّامِلِ قَالَ لَهَا اخْتَارِي ثُمَّ أَبَانَهَا فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ الْمُبَانَةَ لَا تُبَانُ. اهـ. عَيْنِيٌّ
خَرَجَ جَوَابًا لَهُ فَيَكُونُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِهِ كَالْمُعَادِ فِي كَلَامِهَا.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي تَطْلُقُ) أَمَّا قَوْلُهَا اخْتَرْت نَفْسِي فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَأَمَّا قَوْلُهَا أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهَا مُجَرَّدُ وَعْدٍ أَوْ يَحْتَمِلُهُ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام قَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ إنِّي مُخَيِّرُك بِشَيْءٍ فَلَا تُجِيبِينِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك ثُمَّ أَخْبَرَهَا بِالْآيَةِ فَقَالَتْ أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ» فَجَعَلَهُ عليه الصلاة والسلام جَوَابًا مِنْهَا، وَلِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْحَالِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَأَدَاءِ الشَّاهِدِ الشَّهَادَةَ يُقَالُ فُلَانٌ يَخْتَارُ كَذَا يُرِيدُونَ بِهِ تَحْقِيقَهُ فَيَكُونُ حِكَايَةً عَنْ اخْتِيَارِهَا فِي الْقَلْبِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حِكَايَةً عَنْ تَطْلِيقِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِعْلُ اللِّسَانِ فَلَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَنْطِقَ بِهِ نُطْقَهَا بِهَذَا الْخَبَرِ بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْقَلْبِ فَلَا يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ لَمَّا كَانَتْ حِكَايَةً عَنْ التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ لَمْ يَسْتَحِلْ اجْتِمَاعُهُمَا فَجُعِلَتْ إخْبَارًا عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ أَمْلِكُ كَذَا، وَكَذَا مِنْ الْمَالِ لَمَّا لَمْ يَسْتَحِلْ ذَلِكَ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْتُ الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ أَوْ اخْتِيَارَةً وَقَعَ الثَّلَاثُ بِلَا نِيَّةٍ) وَلِذَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ هُوَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ فَتَعَيَّنَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ اعْتَدِّي اعْتَدِّي اعْتَدِّي حَيْثُ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ بِلَا نِيَّةٍ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ اعْتِدَادَ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ لَا تُحْصَى فَلَا يَتَعَيَّنُ لِلطَّلَاقِ وَاخْتِيَارُهَا الزَّوْجَ لَا يَتَعَدَّدُ، وَكَذَا الِاخْتِيَارُ فِي عَمَلٍ آخَرَ فَتَعَيَّنَ لِلْمُتَعَدِّدِ وَهُوَ الطَّلَاقُ هَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ وَإِنْ كَرَّرَ قَوْلَهُ اخْتَارِي وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قَالَ اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي بِأَلْفٍ يَنْوِي الطَّلَاقَ فَقَدْ اشْتَرَطَ النِّيَّةَ مَعَ ذِكْرِ الْمَالِ وَالتَّكْرَارِ مَعَ أَنَّ ذِكْرَ الْمَالِ يُرَجِّحُ جَانِبَ الطَّلَاقِ أَيْضًا وَفِي الْكَافِي قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ وَإِنَّمَا حُذِفَ لِشُهْرَتِهِ؛ لِأَنَّ غَرَضَ مُحَمَّدٍ رحمه الله التَّفْرِيعُ دُونَ بَيَانِ صِحَّةِ الْجَوَابِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ حُذِفَتْ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا لَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ رِوَايَةِ الْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتِ وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ نَوَيْت بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَبِالْبَاقِيَتَيْنِ التَّأْكِيدَ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى بِالْأُولَى الطَّلَاقَ كَانَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَكَانَ طَلَاقًا ظَاهِرًا وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ بَلْ يُصَرَّحُ بِهِ ثُمَّ وُقُوعُ الثَّلَاثِ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت الْأُولَى أَوْ الْوُسْطَى أَوْ الْأَخِيرَةَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُفِيدُ الْإِفْرَادَ وَالتَّرْتِيبَ؛ لِأَنَّ الْأُولَى اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ وَالْوُسْطَى اسْمٌ لِفَرْدٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ وَالْأَخِيرَةُ اسْمٌ لِفَرْدٍ لَاحِقٍ وَالتَّرْتِيبُ بَاطِلٌ لِاسْتِحَالَتِهِ فِي الْمُجْتَمِعِ فِي مِلْكٍ وَإِنَّمَا التَّرْتِيبُ فِي أَفْعَالِ الْأَعْيَانِ كَمَا يُقَالُ جَاءَ هَذَا أَوَّلًا وَنَحْوُهُ لَا فِي ذَاتِهَا فَيُعْتَبَرُ فِيمَا يُفِيدُ وَهُوَ الْإِفْرَادُ فَصَارَ كَأَنَّهَا قَالَتْ اخْتَرْت الطَّلْقَةَ الَّتِي صَارَتْ إلَيَّ بِالْكَلِمَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْوَاحِدَةُ وَلَهُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لِلتَّرْتِيبِ وَالْإِفْرَادُ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَإِذَا بَطَلَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ بَطَلَ فِي حَقِّ التَّبَعِ، وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهَا الْأُولَى وَنَحْوَهَا نَعْتٌ وَالنَّعْتُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَذْكُورِ وَالِاخْتِيَارُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي دُونَ غَيْرِهِ لَوْ قَالَتْ اخْتَرْت
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِهِ كَالْمُعَادِ فِي كَلَامِهَا) أَيْ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي. اهـ. كَافِي.
(قَوْلُهُ فَقَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي) الْمَقْصُودُ أَنَّهَا ذَكَرَتْ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ كَأَخْتَارُ نَفْسِي سَوَاءٌ ذَكَرَتْ أَنَا أَوْ لَا. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ فَقَالَتْ أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي) أَيْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْتِقْ رَقَبَتَك فَقَالَ أَنَا أَعْتِقُ لَا يَعْتِقُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ) أَيْ صِيغَةَ الْمُضَارِعِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهَا أَنَا طَالِقٌ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِخِلَافِ قَوْلِهَا أُطَلِّقُ نَفْسِي لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ اخْتِيَارًا عَنْ طَلَاقٍ قَائِمٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقُومُ بِاللِّسَانِ فَلَوْ جَازَ قَامَ بِهِ الْأَمْرَانِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُحَالٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِيقَاعَ لَا يَكُونُ بِنَفْسِ أُطَلِّقُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَارُفَ فِيهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ تُعُورِفَ جَازَ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَقَعَ بِهِ هُنَا إنْ تُعُورِفَ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ لَا إخْبَارٌ اهـ (قَوْلُهُ فَجُعِلَتْ إخْبَارًا عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ) أَيْ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ فِي أَنَا أُطَلِّقُ بِإِرَادَةِ الْحَالِ. اهـ. كَافِي.
(قَوْلُهُ حُذِفَتْ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا)، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ اللَّفْظِ يُخَالِفُهُ اهـ ق. (قَوْلُهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله بَعْدَ أَنْ نَظَرَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ وَالتَّكْرَارُ لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلتَّأْكِيدِ، وَلِهَذَا شَرَطَ النِّيَّةَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مُصَرِّحًا وَأَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ وَغَيْرُهُ صَرَّحُوا بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مَعَ وُجُودِ تَكْرَارِ الِاخْتِيَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيُعْتَبَرُ) أَيْ هَذَا اللَّفْظُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْإِفْرَادُ) أَيْ فِيمَا لَا يُفِيدُ وَهُوَ التَّرْتِيبُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا بَطَلَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ) أَيْ وَإِنَّمَا جُعِلَ التَّرْتِيبُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ الْكَلَامِ لَا بَيَانُ الْإِفْرَادِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ بَطَلَ فِي حَقِّ التَّبَعِ) أَيْ فَيَبْقَى قَوْلُهَا اخْتَرْت فَيَقَعُ الثَّلَاثُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَغَا ذِكْرُ التَّرْتِيبِ بَقِيَ قَوْلُهَا اخْتَرْت وَبِهَذَا اللَّفْظِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ تَقُلْ اخْتَرْت نَفْسِي قُلْنَا هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِ الزَّوْجِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الطَّلَاقِ وَهُنَا فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ اخْتَارِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت) أَيْ لَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِ قَوْلِهِ اخْتَارِي