المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل فيما تحل به المطلقة) - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٢

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْحَجِّ)

- ‌مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ

- ‌(بَابُ الْإِحْرَامِ)

- ‌(فَصْلٌ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ

- ‌(بَابُ الْقِرَانِ)

- ‌[بَابُ التَّمَتُّعِ]

- ‌[ بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ]

- ‌[فَصْلٌ نَظَرَ الْمُحْرِم إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى]

- ‌[فَصْلٌ الصَّيْدَ فِي الحرم]

- ‌{بَابٌ: مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ}

- ‌(بَابٌ: إضَافَةُ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ)

- ‌بَابُ الْإِحْصَارِ

- ‌[بَابُ الْفَوَاتِ]

- ‌[الْعُمْرَة حُكْمهَا وَأَرْكَانهَا]

- ‌(بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ)

- ‌(فَصْلٌ) الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَعْرُوفِ

- ‌(بَابُ الْهَدْيِ)

- ‌[مَسَائِل مَنْثُورَة]

- ‌[نَذْر الْحَجّ ماشيا]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[شُرُوط النِّكَاح وَأَرْكَانه]

- ‌(فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ)

- ‌ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ)

- ‌ النِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ

- ‌(بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا)

- ‌(بَابُ الْمَهْرِ)

- ‌(بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ)

- ‌(بَابُ نِكَاحِ الْكَافِرِ)

- ‌(بَابُ الْقَسْمِ

- ‌(كِتَابُ الرَّضَاعِ)

- ‌(كِتَابُ الطَّلَاقِ)

- ‌[بَابُ الطَّلَاقِ ضَرْبَانِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ)

- ‌(بَابُ الْكِنَايَاتِ)

- ‌[أَقْسَام الْكِنَايَات]

- ‌(بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ)

- ‌(بَابُ التَّعْلِيقِ)

- ‌(بَابُ الْمَرِيضِ)

- ‌(بَابُ الرَّجْعَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ)

- ‌(بَابُ الْإِيلَاءِ)

- ‌(بَابُ الْخُلْعِ)

الفصل: ‌(فصل فيما تحل به المطلقة)

رَجْعَةً لِمَا نَهَى عَنْهَا لِكَوْنِهَا مَنْدُوبًا إلَيْهَا، وَلِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالْآخَرَ مَأْمُورٌ بِهِ فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَتَعْلِيلُهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ فَيَكُونُ مَرْدُودًا. وَقَوْلُهُ تَكُونُ رَجْعَةً دَلَالَةً لِكَوْنِهَا حَرَامًا بِدُونِهَا إلَخْ يَبْطُلُ بِإِخْرَاجِهَا إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ لِلنَّهْيِ أَيْضًا وَمَعَ هَذَا لَا تَكُونُ رَجْعَةً وَالدَّلَالَةُ فِعْلٌ يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ وَالْمُسَافَرَةِ لَا تَخْتَصُّ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجُوزُ لَهَا مَعَ الْمَحْرَمِ فَصَارَتْ كَالْخَلْوَةِ وَالْخُرُوجِ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ، وَلِأَنَّ تَرَاخِيَ عَمَلِ الْمُبْطِلِ وَهُوَ الطَّلَاقُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْمُرَاجَعَةِ فَإِذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهَا وَظَهَرَ أَنَّ الْمُبْطِلَ عَمِلَ عَمَلَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ، وَلِهَذَا تُحْتَسَبُ الْأَقْرَاءُ مِنْ الْعِدَّةِ، وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ بَاقِيًا لَمَا اُحْتُسِبَتْ إذْ الْعِدَّةُ لِصِيَانَةِ الْمَاءِ وَصَوْنِ الْمَاءِ بِالنِّكَاحِ أَبْلَغُ مِنْهُ بِالْعِدَّةِ فَصَارَ كَالْمَبِيعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ حَيْثُ تَأَخَّرَ عَمَلُهُ لِحَاجَتِهِ إلَى الْفَسْخِ فَإِذَا لَمْ يُفْسَخْ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ عَمِلَ الْبَيْعُ عَمَلَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ حَتَّى اسْتَحَقَّهُ الْمُشْتَرِي بِزَوَائِدِهِ الْحَاصِلَةِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَلَا يَلْزَمُنَا إسْنَادُ عَمَلِهِ فِي حَقِّ حُرْمَةِ الْخَلْوَةِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ مِنْ ضَرُورَاتِ السُّكْنَى فَلَا يُمْكِنُ إبَاحَتُهَا بِدُونِ حِلِّهَا مُطْلَقًا، وَهَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْخَلْوَةَ بِهَا لَا تُكْرَهُ إلَّا إذَا خَافَ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِغَيْرِ إشْهَادٍ وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَغَيْرُهُ أَطْلَقَ الْكَرَاهِيَةَ فِيهَا فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.

قَالَ رحمه الله (وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يُحَرِّمُهُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ زَائِلَةٌ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ وَبَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْقَيْدِ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ فَانْعَدَمَتْ الزَّوْجِيَّةُ ضَرُورَةً، وَلِهَذَا تُحْتَسَبُ الْأَقْرَاءُ مِنْ الْعِدَّةِ وَمَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ لَا تُحْتَسَبُ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] سَمَّاهُ بَعْلًا وَهُوَ الزَّوْجُ وَجَعَلَهُ أَحَقَّ بِرَدِّهَا فَدَلَّ عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمَلُّكِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَالرَّدُّ لَا يَدُلُّ عَلَى الزَّوَالِ وَإِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ رَدِّهَا إلَى حَالَتِهَا الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تَبِينُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ فَبِالطَّلَاقِ حَصَلَ لَهَا ذَلِكَ ثُمَّ بِالرَّجْعَةِ رَدَّهَا إلَى حَالَتِهَا الْأُولَى كَرَدِّ الْمَبِيعِ بِخِيَارِ الْبَائِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ} [البقرة: 231] يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهِ إذْ الْإِمْسَاكُ هُوَ الِاسْتِدَامَةُ، وَلِهَذَا تَنَاوَلَهَا لَفْظُ الْأَزْوَاجِ فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ وَاللِّعَانِ وَفِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ حَتَّى جَرَى التَّوَارُثُ وَاللِّعَانُ بَيْنَهُمَا وَوُجُوبُ عِدَّةِ الْوَفَاةِ عَلَيْهَا، وَكَذَا لَفْظَةُ نِسَائِهِمْ تَنَاوَلَهَا فِي آيَةِ الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ آلَى صَحَّ وَاعْتُبِرَ طَلَاقُهَا لِعِدَّتِهَا فَكَذَا تَنَاوَلَهَا قَوْله تَعَالَى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ لِرَفْعِ الْقَيْدِ إلَخْ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْقَاطِعِ مُؤَخَّرٌ بِالْإِجْمَاعِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرَهُ لَمَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ وَكَانَ يُشْتَرَطُ رِضَاهَا وَالْوَلِيُّ وَالْمَهْرُ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا لَا يُنَافِي الْحِلَّ كَمَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَرْتَفِعُ بِهَا وَإِنَّمَا أَثَرُهَا فِي إبْطَالِ الْعِدَّةِ وَالْحِلُّ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ. .

(فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ)

قَالَ رحمه الله (وَيَنْكِحُ مُبَانَتَهُ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا) أَيْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الَّتِي أَبَانَهَا بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ إذَا كَانَتْ حُرَّةً وَبِالْوَاحِدَةِ إنْ كَانَتْ أَمَةً فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَ انْقِضَائِهَا؛ لِأَنَّ الْحِلَّ الْأَصْلِيَّ بَاقٍ مَا لَمْ يَتَكَامَلْ الْعَدَدُ وَالْمَنْعُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِئَلَّا يُشْتَبَهَ النَّسَبُ وَلَا اشْتِبَاهَ فِي إبَاحَتِهِ لَهُ فَيُبَاحُ لَهُ مُطْلَقًا.

قَالَ رحمه الله (لَا الْمُبَانَةُ بِالثَّلَاثِ لَوْ حُرَّةً وَبِالثِّنْتَيْنِ لَوْ أَمَةً حَتَّى يَطَأَهَا غَيْرُهُ، وَلَوْ مُرَاهِقًا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَتَمْضِي عِدَّتُهُ لَا بِمِلْكِ يَمِينٍ) أَيْ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ الَّتِي أَبَانَهَا بِالثَّلَاثِ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً وَبِالثِّنْتَيْنِ إنْ كَانَتْ أَمَةً حَتَّى يَطَأَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَتَمْضِي عِدَّتُهَا مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الزَّوْجُ صَبِيًّا مُرَاهِقًا وَلَا تَحِلُّ لَهُ إذَا وَطِئَهَا غَيْرُهُ بِمِلْكِ يَمِينٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَالْمُرَادُ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ وَالثِّنْتَانِ فِي الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ فِي الْحُرَّةِ إذْ الرِّقُّ مُنَصِّفٌ لِحِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ نِكَاحُ الزَّوْجِ مُطْلَقًا وَالزَّوْجِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ بِالصَّحِيحِ خُصُوصًا فِيمَا إذَا أُضِيفَ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِعْفَافُ وَالتَّحْصِينُ وَذَلِكَ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ فِيمَا مَضَى حَيْثُ يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَتْ كَالْخَلْوَةِ وَالْخُرُوجِ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ) أَيْ فَإِنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ رَجْعَةً اهـ. (قَوْلُهُ وَاعْتُبِرَ طَلَاقُهَا لِعِدَّتِهَا) أَيْ لَوْلَا تَنَاوُلُهَا قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] لَمَا رُوعِيَ لَهَا وَقْتُ السُّنَّةِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ.

[فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ]

(فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ) لَمَّا ذَكَرَ التَّدَارُكَ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَهُوَ بِالرَّجْعَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ التَّدَارُكِ فِي غَيْرِهِ مِنْ الطَّلْقَاتِ فَفِي الْحُرَّةِ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ التَّدَارُكُ نِكَاحٌ جَدِيدٌ وَفِي الثَّلَاثِ بِإِصَابَةِ زَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ نِكَاحِهِ، وَكَذَا التَّدَارُكُ فِي الْأَمَةِ فِي الثِّنْتَيْنِ بِإِصَابَةِ زَوْجٍ آخَرَ. اهـ. غَايَةُ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ الْأَصْلِيَّ بَاقٍ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ النِّكَاحِ أُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ مَعَ انْعِدَامِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَالشِّرْكِ وَالْعِدَّةِ عَنْ الْغَيْرِ وَهُوَ حَاصِلٌ؛ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَإِنَّمَا يَزُولُ حِلُّ الْمَحَلِّيَّةِ بِالطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ وَلَمْ تُوجَدْ فَجَازَ التَّزَوُّجُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَتَمْضِي عِدَّتُهُ) وَإِنَّمَا أَضَافَ الْعِدَّةَ إلَى الزَّوْجِ لِلتَّسَبُّبِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

ص: 257

مُجَرَّدُ صِحَّةِ الْإِخْبَارِ فَيَتَنَاوَلهُمَا وَشَرَطَ أَنْ يَطَأَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِإِشَارَةِ الْكِتَابِ وَبِالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ

أَمَّا الْكِتَابُ فَإِنَّ النِّكَاحَ الْمَذْكُورَ فِيهِ يُحْمَلُ عَلَى الْوَطْءِ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْإِفَادَةِ دُونَ الْإِعَادَةِ إذْ الْعَقْدُ اُسْتُفِيدَ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الزَّوْجِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ النِّكَاحَ الْمَنْسُوبَ إلَى الْمَرْأَةِ يُرَادُ بِهِ الْعَقْدُ لِتَصَوُّرِهِ مِنْهَا دُونَ الْوَطْءِ لِاسْتِحَالَتِهِ مِنْهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَيْهَا مَجَازًا كَمَا تُسَمَّى زَانِيَةً مَجَازًا بِالتَّمْكِينِ مِنْهُ، وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ لِلْوَطْءِ وَمَجَازٌ لِلْعَقْدِ وَفِيهِ حَمْلُهُ عَلَيْهِ وَالثَّانِيَ أَنَّ فِيهِ تَسْمِيَةَ الْأَجْنَبِيِّ زَوْجًا بِاعْتِبَارِ مَا سَيَئُولُ إلَيْهِ وَفِيهِ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْإِعَادَةِ أَيْضًا وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْوَطْءِ مَجَازٌ وَاحِدٌ وَهُوَ نِسْبَةُ الْوَطْءِ إلَيْهَا فَكَانَ أَوْلَى.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سَمَوْأَلٍ الْقُرَظِيّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ فَبَتَّ طَلَاقَهَا فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ إنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَنَّهُ وَاَللَّهِ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبَةِ وَأَخَذَتْ بِهُدْبَةٍ مِنْ جِلْبَابِهَا قَالَتْ «فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَاحِكًا، وَقَالَ لَعَلَّك تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ لَا حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَك وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سُئِلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَيَتَزَوَّجُهَا آخَرُ فَيُغْلِقُ الْبَابَ وَيُرْخِي السِّتْرَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا هَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ قَالَ «لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يُجَامِعَهَا» وَيُرْوَى «لَا حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَتَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الْعُسَيْلَةُ هِيَ الْجِمَاعُ» وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مَشْهُورَةٌ فَجَازَتْ الزِّيَادَةُ بِهَا عَلَى الْكِتَابِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُرَادَ بِالنِّكَاحِ فِي الْآيَةِ الْعَقْدُ وَعَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ الْوَطْءِ تَكُونُ مُوَافِقَةً لَهُ فَلَا إشْكَالَ.

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ الدُّخُولَ بِهَا شَرْطُ الْحِلِّ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إلَّا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْخَوَارِجُ وَالشِّيعَةُ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَذَلِكَ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ لِعَدَمِ اسْتِنَادِهِ إلَى دَلِيلٍ، وَلِهَذَا لَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ وَالشَّرْطُ الْإِيلَاجُ دُونَ الْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّهُ كَمَالٌ فِيهِ وَنِهَايَةٌ فَكَانَ قَيْدًا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْغُسْلِ وَهُوَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ وَشَذَّ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي اشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ قَالَ الْعُسَيْلَةُ الْإِنْزَالُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَلَيْسَ فِي الْعُسَيْلَةِ دَلَالَةٌ عَلَى الْإِنْزَالِ وَإِنَّمَا هِيَ كِنَايَةٌ عَنْ لَذَّةِ الْجِمَاعِ وَالصَّبِيُّ الْمُرَاهِقُ وَهُوَ الدَّانِي مِنْ الْبُلُوغِ فِيهِ كَالْبَالِغِ

وَقِيلَ الَّذِي تَتَحَرَّكُ آلَتُهُ وَيَشْتَهِي الْجِمَاعَ وَإِنَّمَا شَرَطَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام شَرَطَ اللَّذَّةَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَفَسَّرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَالَ غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ وَمِثْلُهُ يُجَامِعُ جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَأَحَلَّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ لِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَهُوَ سَبَبٌ لِنُزُولِ مَائِهَا وَلَا غُسْلَ عَلَى الصَّبِيِّ لِعَدَمِ الْخِطَابِ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهِ تَخَلُّقًا لِيَتَعَوَّدَ بِهِ وَيَصِيرَ لَهُ سَجِيَّةٌ قَبْلَ بُلُوغِهِ حَتَّى لَا يَشُقَّ عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُوبِهِ وَالْمَجْنُونُ فِيهِ كَالْعَاقِلِ وَالْخَصِيُّ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ،

وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ إنْ تَزَوَّجَتْ بِمَجْبُوبٍ وَحَمَلَتْ مِنْهُ حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ وَثَبَتَ بِهِ الْإِحْصَانُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْوَطْءِ مَجَازٌ وَاحِدٌ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَالزَّوْجُ حِينَئِذٍ حَقِيقَةٌ اهـ.

(قَوْلُهُ رِفَاعَةَ بْنِ سَمَوْأَلٍ) قَالَ فِي الْإِصَابَةِ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ رحمه الله مَا نَصُّهُ رِفَاعَةُ بْنُ سَمَوْأَلٍ الْقُرَظِيّ لَهُ ذِكْرٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْت عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي، وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ سَمَوْأَلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمِيمَةَ بِنْتَ وَهْبٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَهُوَ مُرْسَلٌ عِنْدَ جُمْهُورِ رُوَاةِ الْمُوَطَّإِ وَوَصَلَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَيْفِيُّ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ فَقَالُوا فِيهِ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالزَّبِيرُ الْأَعْلَى بِفَتْحِ الزَّاي وَالْأَدْنَى بِالتَّصْغِيرِ، وَرَوَى ابْنُ شَاهِينِ مِنْ طَرِيقِ تَفْسِيرِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] نَزَلَتْ فِي عَائِشَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتِيكٍ الْبَدْرِيِّ كَانَتْ تَحْتَ رِفَاعَةَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَتِيكٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ مُطَوَّلَةً قَالَ أَبُو مُوسَى الظَّاهِرُ أَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ قُلْت وَظَاهِرُ السِّيَاقَيْنِ أَنَّهُمَا اثْنَانِ لَكِنَّ الْمُشْكِلَ اتِّحَادُ اسْمِ الزَّوْجِ الثَّانِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَفِي اسْمِهَا اخْتِلَافٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي النِّسَاءِ اهـ

ثُمَّ قَالَ فِي الْإِصَابَةِ رِفَاعَةُ بْنُ وَهْبٍ الْقُرَظِيّ تَقَدَّمَ فِي رِفَاعَةَ بْنِ سَمَوْأَلٍ اهـ قُلْت وَعَلَى هَذَا فَسَمَوْأَلٌ هُوَ لَقَبُ وَهْبِ بْنِ عَتِيكٍ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْإِصَابَةِ فِي كِتَابِ النِّسَاءِ فِي حَرْفِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ تَمِيمَةُ بِنْتُ وَهْبٍ لَا أَعْلَمُ لَهَا غَيْرَ قِصَّتِهَا مَعَ رِفَاعَةَ بْنِ سَمَوْأَلٍ حَدِيثَ الْعُسَيْلَةِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ اسْمُهَا سُهَيْمَةُ كَمَا سَيَأْتِي وَقِيلَ عَائِشَةُ اهـ ثُمَّ قَالَ فِي حَرْفِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ سُهَيْمَةُ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي تَمِيمَةَ ثُمَّ قَالَ فِي حَرْفِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ عَائِشَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتِيكٍ النَّضْرِيَّةُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي تَرْجَمَةِ زَوْجِهَا رِفَاعَةَ قَالَهُ أَبُو مُوسَى اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ابْنُ سَمَوْأَلٍ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِ الْمِيمِ هَكَذَا شَاهَدْته فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَضَبَطَهُ بِالْقَلَمِ بِخَطِّهِ رحمه الله (قَوْلُهُ تَمِيمَةُ بِنْتُ وَهْبٍ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ رَوَى فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتِيكٍ الْقُرَظِيِّ كَانَتْ تَحْتَ ابْنِ عَمِّهَا رِفَاعَةَ بْنِ وَهْبٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْت تَحْتَ رِفَاعَةَ وَسَاقَ الْحَدِيثَ اهـ.

(قَوْلُهُ فَقَالَ غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ إلَخْ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ غُلَامٌ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ لَهُ امْرَأَةٌ يُجَامِعُهَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ بَالِغًا كَانَ الْجَوَابُ عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ جِمَاعَ الْغُلَامِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِنُزُولِ

ص: 258

خِلَافًا لِزُفَرَ رحمه الله وَفِي الْمَبْسُوطِ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ إنْ كَانَ الْمَجْبُوبُ لَا يُنْزِلُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَفَّ مَاؤُهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ أَوْ دُونَهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُفْضَاةً وَحَبِلَتْ مِنْ الثَّانِي حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ لِوُجُودِ الْوِقَاعِ فِي قُبُلِهَا وَلَوْ وَطِئَهَا فِي الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ الْإِحْرَامِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ خِلَافًا لِمَالِكٍ، وَلَوْ لَفَّ قَضِيبَهُ بِخِرْقَةٍ فَجَامَعَهَا وَهِيَ لَا تَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ حَرَارَةِ فَرْجِهَا إلَى ذَكَرِهِ يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ وَفِي فَتَاوَى الْوَبَرِيِّ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ لَوْ أَوْلَجَ بِمُسَاعَدَةِ يَدِهِ لَا يُحِلُّهَا وَمِنْ لَطَائِفِ الْحِيَلِ فِيهِ أَنْ تُزَوَّجَ الْمُطَلَّقَةُ مِنْ عَبْدٍ صَغِيرٍ تَتَحَرَّكُ آلَتُهُ ثُمَّ تَمْلِكُهُ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ بَعْدَ مَا وَطِئَهَا فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَطْءُ الْمَوْلَى لَا يُحِلُّهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ وَهُوَ الشَّرْطُ بِالنَّصِّ،

وَكَذَا لَا تَحِلُّ لَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ بِزَوْجٍ آخَرَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اسْتَرَقَّهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ وَيَدْخُلُ بِهَا لِمَا تَلَوْنَا نَظِيرُهُ إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ لَاعَنَهَا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اُسْتُرِقَّتْ وَمَلَكَهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا. .

قَالَ رحمه الله (وَكُرِهَ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ لِلْأَوَّلِ) أَيْ يُكْرَهُ التَّزَوُّجُ بِشَرْطِ أَنْ يُحِلَّهَا لَهُ يُرِيدُ بِهِ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ بِالْقَوْلِ بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنْ أُحِلَّك لَهُ أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ. وَأَمَّا لَوْ نَوَيَا ذَلِكَ فِي قَلْبِهِمَا وَلَمْ يَشْتَرِطَاهُ بِالْقَوْلِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَيَكُونُ الرَّجُلُ مَأْجُورًا بِذَلِكَ لِقَصْدِهِ الْإِصْلَاحَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ لِلْأَوَّلِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى شَرْطِ التَّوْقِيتِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْمُتْعَةِ فَيَبْطُلُ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لَا أُوتَى بِمُحَلِّلٍ وَلَا مُحَلَّلَةً إلَّا رَجَمْتُهُمَا، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَزَالَانِ زَانِيَيْنِ، وَلَوْ مَكَثَا عِشْرِينَ سَنَةً، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ذَلِكَ السِّفَاحُ، وَلِهَذَا لَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَوْقِيتٍ لِلنِّكَاحِ وَلَكِنَّهُ اسْتَعْجَلَ بِالْمَحْظُورِ مَا هُوَ مُؤَخَّرٌ شَرْعًا فَيُعَاقَبُ بِالْحِرْمَانِ كَقَتْلِ الْمُوَرِّثِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي صِحَّةَ النِّكَاحِ وَالْحِلَّ لِلْأَوَّلِ وَالْكَرَاهِيَةَ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَيَصِحُّ وَتُحَلَّلُ لِلْأَوَّلِ ضَرُورَةَ صِحَّتَهُ وَلَا مَعْنَى لِمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا لُعِنَ مَعَ حُصُولِ الْحِلِّ؛ لِأَنَّ الْتِمَاسَ ذَلِكَ وَاشْتِرَاطَهُ فِي الْعَقْدِ هَتْكٌ لِلْمُرُوءَةِ وَإِعَارَةُ النَّفْسِ فِي الْوَطْءِ لِغَرَضِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَطَؤُهَا لِيَعْرِضَهَا لِوَطْءِ الْغَيْرِ وَهُوَ قِلَّةُ حَمِيَّةٍ، وَلِهَذَا قَالَ عليه الصلاة والسلام «هُوَ التَّيْسُ الْمُسْتَعَارُ» وَإِنَّمَا كَانَ مُسْتَعَارًا إذَا سَبَقَ الْتِمَاسٌ مِنْ الْمُطَلِّقِ وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ طَالِبَ الْحِلِّ مِنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالْمُؤَقَّتِ وَسَمَّاهُ مُحَلِّلًا وَإِنْ لَمْ يُحَلِّلْ؛ لِأَنَّهُ يَعْقِدُهُ وَيَطْلُبُ الْحِلَّ مِنْهُ.

وَأَمَّا طَالِبُ الْحِلِّ مِنْ طَرِيقِهِ لَا يَسْتَوْجِبُ اللَّعْنَ وَلَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ دُخُولَ الْمُحَلِّلِ صُدِّقَتْ وَإِنْ أَنْكَرَ هُوَ، وَكَذَلِكَ عَلَى الْعَكْسِ، وَلَوْ خَافَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا الْمُحَلِّلُ فَقَالَتْ زَوَّجْتُك نَفْسِي عَلَى أَنَّ أَمْرِي بِيَدِي أُطَلِّقُ نَفْسِي كُلَّمَا أَرَدْت فَقَبِلَ جَازَ النِّكَاحُ وَصَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا.

قَالَ رحمه الله (وَيَهْدِمُ الزَّوْجُ الثَّانِي مَا دُونَ الثَّلَاثِ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَهْدِمُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ غَايَةٌ لِلْحُرْمَةِ الْحَاصِلَةِ بِالثَّلَاثِ بِالنَّصِّ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ حَتَّى لِلْغَايَةِ حَقِيقَةً وَلَمْ يُوجَدْ الْمُغَيَّا وَهُوَ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ؛ لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِالثَّلَاثِ وَبِبَعْضِ أَرْكَانِ الْعِلَّةِ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ فَلَا يَصِيرُ الزَّوْجُ الثَّانِي غَايَةً قَبْلَ وُجُودِهَا لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ الْغَايَةِ وَلَا مُغَيَّا

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَوَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا حَتَّى أَسْتَشِيرُ أَبِي فَاسْتَشَارَهُ قَبْلَ مَجِيءِ رَأْسِ الشَّهْرِ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِشَارَةَ غَايَةٌ لِلْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالْيَمِينِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَبْلَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لِلْإِنْهَاءِ وَلَا إنْهَاءَ قَبْلَ وُجُودِهِ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ» وَهُوَ الْمُثْبِتُ لِلْحِلِّ فَصَارَ رَافِعًا لِلْحُرْمَةِ لَا غَايَةً مُنْهِيَةً؛ لِأَنَّ الْمُنْتَهَى يَكُونُ مُتَقَرِّرًا فِي نَفْسِهِ وَهُنَا لَا حُرْمَةَ بَعْدَ إصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ رَافِعٌ لِلْحُرْمَةِ بَيَانُهُ أَنَّهَا تَصِيرُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِالتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ وَتَصِيرُ مُطَلَّقَةً وَبِإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي يَرْتَفِعُ الْوَصْفَانِ جَمِيعًا وَتَلْحَقُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ الَّتِي لَمْ يُطَلِّقْهَا قَطُّ وَبِالتَّطْلِيقَةِ الْوَاحِدَة

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

مَائِهِ لَكِنْ يُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ اعْتِيَادًا كَمَا يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ اهـ. .

(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا كَانَ مُسْتَعَارًا إذَا سَبَقَ الْتِمَاسٌ مِنْ الْمُطَلِّقِ) أَيْ؛ لِأَنَّ عُمُومَ الْمُحَلِّلِ مُطْلَقًا غَيْرُ مُرَادٍ إجْمَاعًا وَإِلَّا شَمِلَ الْمُتَزَوِّجَ تَزْوِيجَ رَغْبَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا يُحِلُّهَا لِمُطَلِّقِهَا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّحْلِيلَ. .

ص: 259

أَيْضًا تَصِيرُ مَوْصُوفَةً بِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ فَيَرْتَفِعُ ذَلِكَ بِإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي كَمَا تَرْتَفِعُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ كَلِمَةَ حَتَّى هُنَا لَيْسَتْ لِلْغَايَةِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هِيَ مَجَازٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] فَالِاغْتِسَالُ مُوجِبٌ لِلطَّهَارَةِ رَافِعٌ لِحَدَثِ الْجَنَابَةِ لَا أَنْ يَكُونَ غَايَةً لِلْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ ثَبَتَتْ مُؤَبَّدَةً لَا إلَى غَايَةٍ كَحُكْمِ زَوَالِ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ مُؤَقَّتًا وَلَكِنْ يَرْتَفِعُ بِوُجُودِ مَا يَرْفَعُهُ وَهُوَ النِّكَاحُ

وَكَذَا مِلْكُ الْيَمِينِ وَمِلْكُ النِّكَاحِ يَثْبُتُ مُتَأَبِّدًا وَيَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْحِلِّ فَإِنَّمَا يُوجِبُ حِلًّا لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ بَعْدَ الطَّلْقَةِ وَالطَّلْقَتَيْنِ فَيُثْبِتُهُ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَكْمِيلَ الْوَصْفِ أَسْهَلُ مِنْ إثْبَاتِ الْأَصْلِ، وَكَذَا رَفْعُ مَا تَعَرَّضَ لِلثُّبُوتِ أَوْلَى مِنْ رَفْعِ الثَّابِتِ فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا لِكَوْنِهِ شَرْطُ الْحِلِّ لَا؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لَهُ قُلْنَا ذَلِكَ مَجَازٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ فَإِنْ قِيلَ قَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ هُوَ الْمُرَادُ إذْ الْحِلُّ ثَابِتٌ فِيمَا قُلْتُمْ وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ قُلْنَا إنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمَحَلُّ إثْبَاتَ أَصْلِ الْحِلِّ يَقْبَلُ إثْبَاتَ وَصْفِهِ وَهُوَ التَّكْمِيلُ فِي الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ بِالطَّلْقَةِ وَالطَّلْقَتَيْنِ وَمَا صَلُحَ مُثْبِتًا لِأَصْلِ الشَّيْءِ صَلُحَ مُثْبِتًا لِوَصْفِهِ بَلْ أَوْلَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوْ نَقُولُ إنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ مُثْبِتٌ لِلْحِلِّ الْجَدِيدِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْحِلِّ ثَابِتًا فِي الْمَحَلِّ

وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ رَافِعًا لِلْحُرْمَةِ وَمُثْبِتًا لِلْحِلِّ لَعَادَتْ مَنْكُوحَةً وَحَلَّتْ لَهُ بَعْدَ إصَابَةِ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَ غَايَةً أَيْضًا يَلْزَمُ ذَلِكَ ثُمَّ نَقُولُ الْمُرَادُ بِإِثْبَاتِ الْحِلِّ إنَّمَا هُوَ الْحِلُّ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ جَوَازُ إيرَادِ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَيْهَا، وَكَذَا الْمُرَادُ بِرَفْعِ الْحُرْمَةِ إنَّمَا هِيَ الْحُرْمَةُ الَّتِي تَثْبُتُ بِالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ لَا الْحُرْمَةُ الَّتِي تَثْبُتُ لِأَجْلِ عَدَمِ التَّزَوُّجِ. .

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ أَخْبَرَتْ مُطَلَّقَةُ الثَّلَاثِ بِمُضِيِّ عِدَّتِهِ وَعِدَّةِ الزَّوْجِ الثَّانِي وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهَا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا)؛ لِأَنَّهُ مُعَامَلَةٌ أَوْ أَمْرٌ دِينِيٌّ لِتَعَلُّقِ الْحِلِّ بِهِ وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِيهِمَا مَقْبُولٌ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَدْنَى هَذِهِ الْمُدَّةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله شَهْرَانِ فِي الْعِدَّةِ الْأُولَى يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ بَعْدَ الْوِقَاعِ فَيَجْعَلُ طُهْرَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لِأَكْثَرِهِ فَيُؤْخَذُ لَهَا بِالْأَقَلِّ وَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ أَقَلِّهِمَا فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ نَادِرٌ فَيُؤْخَذُ لَهَا بِالْوَسَطِ فَثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ تَكُونُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَثَلَاثُ حِيَضٍ تَكُونُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَارَتْ سِتِّينَ، وَهَذَا عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ رحمه الله لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله

وَعَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ فَيُجْعَلُ حَيْضُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَطُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّا لَمَّا قَدَّرْنَا طُهْرَهَا بِالْأَقَلِّ قَدَّرْنَا حَيْضَهَا بِالْأَكْثَرِ لِيَعْتَدِلَا فَفِيهَا طُهْرَانِ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا وَثَلَاثُ حِيَضٍ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا فَصَارَتْ سِتِّينَ يَوْمًا فَهَذَا مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَيُحْتَاجُ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الزَّوْجِ الثَّانِي وَزِيَادَةِ طُهْرٍ عَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَدْنَى مُدَّةٍ تُصَدَّقُ فِيهَا تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ فَيُجْعَلُ حَيْضُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَطُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَخْذًا بِالْأَقَلِّ فِيهِمَا لِلتَّيَقُّنِ بِهِ فَفِيهَا طُهْرَانِ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا وَثَلَاثُ حِيَضٍ بِتِسْعَةِ أَيَّامٍ وَيُحْتَاجُ إلَى مِثْلِهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ الثَّانِي وَزِيَادَةِ طُهْرٍ بَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَهَذَا فِي حَقِّ الْحُرَّةِ.

وَأَمَّا فِي حَقِّ الْأَمَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ أَدْنَاهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَعَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى مِثْلِهَا فِي حَقِّ الثَّانِي وَزِيَادَةٍ طُهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَعِنْدَهُمَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا لِلْأَوَّلِ وَمِثْلُهُ لِلثَّانِي وَزِيَادَةُ طُهْرٍ وَاحِدٍ تَأَمَّلْهُ تَدْرِهِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ مُضِيُّ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْمُدَّةِ لِيُقْبَلَ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ كَذَّبَهَا الْعَادَةُ وَالْمُكَذَّبُ عَادَةً كَالْمُكَذَّبِ حَقِيقَةً

أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا قَالَ أَنْفَقْت عَلَى الْيَتِيمِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي يَوْمٍ لَا يُصَدَّقُ وَإِنْ كَانَ صِدْقُهُ مُحْتَمَلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ نَفَقَةً فَتَهْلِكَ ثُمَّ يَشْتَرِيَ لَهُ فَتَهْلِكَ ثُمَّ يَشْتَرِيَ فَتَهْلِكَ ثُمَّ كَذَلِكَ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى بِغَرَقٍ فِي الْمَاءِ أَوْ احْتِرَاقٍ بِالنَّارِ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْوِلَادَةِ بِأَنْ قَالَ إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَوَلَدَتْ لَمْ تُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى تَخْرِيجِ الْحَسَنِ لَمْ تُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةِ يَوْمٍ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يُمْكِنُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ عَلَى تَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ أَدْنَاهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ فَالطُّهْرَانِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَالْحَيْضَتَانِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ اهـ

ص: 260