المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أَنْ يُجْعَلَ نِفَاسُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ طُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٢

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْحَجِّ)

- ‌مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ

- ‌(بَابُ الْإِحْرَامِ)

- ‌(فَصْلٌ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ

- ‌(بَابُ الْقِرَانِ)

- ‌[بَابُ التَّمَتُّعِ]

- ‌[ بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ]

- ‌[فَصْلٌ نَظَرَ الْمُحْرِم إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى]

- ‌[فَصْلٌ الصَّيْدَ فِي الحرم]

- ‌{بَابٌ: مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ}

- ‌(بَابٌ: إضَافَةُ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ)

- ‌بَابُ الْإِحْصَارِ

- ‌[بَابُ الْفَوَاتِ]

- ‌[الْعُمْرَة حُكْمهَا وَأَرْكَانهَا]

- ‌(بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ)

- ‌(فَصْلٌ) الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَعْرُوفِ

- ‌(بَابُ الْهَدْيِ)

- ‌[مَسَائِل مَنْثُورَة]

- ‌[نَذْر الْحَجّ ماشيا]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[شُرُوط النِّكَاح وَأَرْكَانه]

- ‌(فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ)

- ‌ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ)

- ‌ النِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ

- ‌(بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْوَكَالَةِ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهَا)

- ‌(بَابُ الْمَهْرِ)

- ‌(بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ)

- ‌(بَابُ نِكَاحِ الْكَافِرِ)

- ‌(بَابُ الْقَسْمِ

- ‌(كِتَابُ الرَّضَاعِ)

- ‌(كِتَابُ الطَّلَاقِ)

- ‌[بَابُ الطَّلَاقِ ضَرْبَانِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ)

- ‌(بَابُ الْكِنَايَاتِ)

- ‌[أَقْسَام الْكِنَايَات]

- ‌(بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ)

- ‌(بَابُ التَّعْلِيقِ)

- ‌(بَابُ الْمَرِيضِ)

- ‌(بَابُ الرَّجْعَةِ)

- ‌(فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ)

- ‌(بَابُ الْإِيلَاءِ)

- ‌(بَابُ الْخُلْعِ)

الفصل: أَنْ يُجْعَلَ نِفَاسُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ طُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ

أَنْ يُجْعَلَ نِفَاسُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ طُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَطُهْرَانِ عَلَى التَّخْرِيجَيْنِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا تَرَى مِنْ الدَّمِ فِي الْأَرْبَعِينَ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَإِنَّمَا هُوَ نِفَاسٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مُدَّتِهِ

وَمَا تَرَاهُ بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ يَكُونُ حَيْضًا إنْ تَقَدَّمَهُ طُهْرٌ صَحِيحٌ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا هَذَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَفِي حَقِّ الثَّانِي يَحْتَاجُ بَعْدَ هَذَا إلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ وَثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ عَلَى التَّخْرِيجَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُصَدَّقُ فِي خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ نِفَاسَهَا يُقَدَّرُ بِأَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ مُدَّةَ النِّفَاسِ أَكْثَرُ مِنْ مُدَّةِ الْحَيْضِ فَيُقَدَّرُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَكْثَرِ الْحَيْضِ بِيَوْمٍ ثُمَّ بَعْدَ هَذَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ هَذَا فِي حَقِّ الْأَوَّلِ وَفِي حَقِّ الثَّانِي يَحْتَاجُ بَعْدَ هَذَا إلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَثَلَاثِ حِيَضٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُصَدَّقُ فِي أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَسَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لِأَقَلِّ النِّفَاسِ فَإِذَا قَالَتْ كَانَ سَاعَةً وَجَبَ تَصْدِيقُهَا لِلِاحْتِمَالِ ثُمَّ الطُّهْرُ بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَطُهْرَانِ هَذَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي يَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا ثَلَاثِ حِيَضٍ وَثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ هَذَا فِي حَقِّ الْحُرَّةِ

وَفِي حَقِّ الْأَمَةِ التَّخْرِيجُ ظَاهِرٌ عَلَى الْمَذَاهِبِ كُلِّهَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(بَابُ الْإِيلَاءِ)

الْإِيلَاءُ الْيَمِينُ لُغَةً قَالَ قَائِلُهُمْ

قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ

وَإِنْ بَدَرَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتْ

وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ وَلِذَلِكَ قَالُوا الْمُولِي مَنْ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِ الْمَكْرُوهَيْنِ إمَّا الطَّلَاقُ أَوْ الْكَفَّارَةُ، وَقِيلَ الْمُولِي مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَهُوَ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ الْكَفَّارَةَ وَالنَّذْرَ وَغَيْرَهُ تَحْتَهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْتِزَامُ مَا لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ وَالْغَزْوِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ قَرِبْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَغْزُوَ وَلَا يَكُونُ مُولِيًا وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْإِيلَاءُ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعِ النَّفْسِ عَنْ قُرْبَانِ الْمَنْكُوحَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مَنْعًا مُؤَكَّدًا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَهُوَ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَرُكْنُهُ قَوْلُهُ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَنَحْوَهُ وَشَرْطُهُ الْمَحَلُّ وَالْأَهْلُ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَنْكُوحَةً وَالْحَالِفُ أَهْلًا لِلطَّلَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَلِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَهُمَا وَأَنْ لَا تَكُونَ الْمُدَّةُ مَنْقُوصَةً عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْبِرِّ وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ أَوْ نَحْوُهُ عِنْدَ الْحِنْثِ. قَالَ رحمه الله (هُوَ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ) أَيْ الْإِيلَاءُ هُوَ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ الزَّوْجَةِ هَذِهِ الْمُدَّةَ

وَقَدْ أَشَرْنَا أَنَّ مُجَرَّدَ الْحَلِفِ عَلَى تَرْكِهِ لَا يَكُونُ إيلَاءً حَتَّى يَكُونَ الْمَنْعُ بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَهُوَ يَشُقُّ عَلَيْهِ، وَذَكَرْنَا الْأَوْجُهَ.

قَالَ رحمه الله (كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] الْآيَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا حَتَّى تَزِيدَ مُدَّةُ الْمُطَالَبَةِ وَاشْتَرَطَ مَالِكٌ رحمه الله زِيَادَةَ يَوْمٍ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا تَلَوْنَا؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى التَّرَبُّصِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا كَمَا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى التَّرَبُّصِ الْمَذْكُورِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ فِي قَوْله تَعَالَى {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَفِي قَوْله تَعَالَى {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ عِنْدَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَفِي حَقِّ الْأَمَةِ التَّخْرِيجُ ظَاهِرٌ إلَخْ) فَعَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ الْإِمَامِ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ يَوْمًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَسَاعَةٍ. اهـ. بَدَائِعُ.

[بَابُ الْإِيلَاءِ]

(بَابُ الْإِيلَاءِ) وَجْهُ مُنَاسَبَةِ الْإِيلَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّحَارِيمَ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ الطَّلَاقُ وَالْإِيلَاءُ وَالظِّهَارُ وَاللِّعَانُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الطَّلَاقِ شَرَعَ فِي الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ فِي الْإِيلَاءِ لَا يَثْبُتُ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ مُؤَجَّلًا إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَذْكُرَ الْخُلْعَ قَبْلَ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ نَوْعٌ مِنْ الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بِعِوَضٍ تَبَاعَدَ عَنْ الطَّلَاقِ فَأُخِّرَ عَنْ الْإِيلَاءِ وَقُدِّمَ الْخُلْعُ عَلَى الظِّهَارِ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ وَلَيْسَ الْخُلْعُ كَذَلِكَ، ثُمَّ قُدِّمَ الظِّهَارُ عَلَى اللِّعَانِ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ أَقْرَبُ إلَى الْإِبَاحَةِ مِنْ اللِّعَانِ بِدَلِيلِ أَنَّ سَبَبَ اللِّعَانِ وَهُوَ الْقَذْفُ بِالزِّنَا لَوْ أُضِيفَ إلَى غَيْرِ الزَّوْجَةِ يُوجِبُ الْحَدَّ وَالْمُوجِبُ لِلْحَدِّ مَعْصِيَةٌ مَحْضَةٌ بِلَا شَائِبَةِ الْإِبَاحَةِ فَافْهَمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. وَالْإِيلَاءُ فِعْلُهُ آلَى يُولِي إيلَاءً كَتَصَرُّفِ أَعْطَى. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ قَالَ قَائِلُهُمْ قَلِيلُ الْأَلَايَا إلَخْ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْأَلِيَّةُ الْحَلِفُ وَالْجَمْعُ أَلَايَا، مِثْلُ عَطِيَّةٍ وَعَطَايَا اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ بَدَرَتْ) هُوَ بِالْبَاءِ مِنْ قَوْلِهِ بَدَرَ مِنْهُ كَلَامٌ سَبَقَ وَالْبَيَانُ الْبَدِيهَةُ. اهـ. مُغْرِبٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ نَدَرَتْ مَا نَصُّهُ هُوَ بِالنُّونِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ

(قَوْلُهُ لَوْ قَالَ إنْ قَرِبْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ إلَخْ) عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالْتِزَامِ الصَّلَاةِ يَصِيرُ مُولِيًا ذَكَرَهُ فِي الْمَنْظُومَةِ وَالْجَمْعِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ الْحَلِفُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَفِي الشَّرْعِ هُوَ الْيَمِينُ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِ الزَّوْجَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا بِاَللَّهِ أَوْ بِتَعْلِيقِ مَا يَسْتَشِقُّهُ عَلَى الْقُرْبَانِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْحَلِفِ يَتَحَقَّقُ فِي إنْ وَطِئْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَغْزُوَ وَلَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَشُقُّ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ تَعَلَّقَ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ) أَيْ نَظَرًا إلَى إطْلَاقِ الْآيَةِ إلَّا أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا قَرُبَ يَحْنَثُ إلَّا أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ. اهـ. رَازِيٌّ

ص: 261

أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ إلَّا بِحِنْثٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَحْلِفَ بِهِ فِي الدَّعَاوَى فَصَارَ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا بِلَا كَفَّارَةٍ تَلْزَمُهُ فَصَارَ كَالْحَلِفِ بِالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يَقُولُ إنَّهُ أَهْلٌ لِلْيَمِينِ إلَّا أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ الظِّهَارُ حَيْثُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مِنَّا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ} [المجادلة: 2] وَهُوَ لَيْسَ مِنَّا، وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الظِّهَارِ تَنْتَهِي بِالْكَفَّارَةِ وَفِي الْيَمِينِ بِالْحِنْثِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً فَلَوْ شُرِعَ الظِّهَارُ فِي حَقِّهِ لَكَانَتْ الْحُرْمَةُ مُطْلَقَةً لَا مُغَيَّاةً بِهَا وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ فَيَكُونُ تَغْيِيرًا لِلْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْحِنْثِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الظُّلْمُ عَنْهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَصِحُّ ظِهَارُهُ أَيْضًا وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا. وَقَوْلُهُ لَا أَقْرَبُك، الْقُرْبَانُ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ وَمِنْ الْكِنَايَةِ الْوَطْءُ وَالْمُبَاضَعَةُ وَالِافْتِضَاضُ فِي الْبِكْرِ وَالِاغْتِسَالُ مِنْهَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ وَالْإِتْيَانُ وَالْإِصَابَةُ وَالْغَشَيَانُ وَالْمُضَاجَعَةُ وَالدُّنُوُّ وَالْمَسُّ كِنَايَاتٌ وَكَذَا قَوْلُهُ لَا تَجْمَعُ رَأْسِي وَرَأْسَك وِسَادَةٌ أَوْ لَا يَجْتَمِعَانِ أَوْ لَا أَبِيتُ مَعَك فِي فِرَاشٍ أَوْ لَا أَقْرَبُ فِرَاشَك لَا يَكُونُ بِهَا مُولِيًا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَفِي الْبَدَائِعِ الصَّرِيحُ الْمُجَامَعَةُ وَالنَّيْكُ. .

قَالَ رحمه الله (فَإِنْ وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ كَفَّرَ) أَيْ إنْ وَطِئَهَا الْمُولِي فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَكَفَّرَ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مُوجِبُ الْحِنْثِ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] قُلْنَا الْمُرَادُ بِهِ إسْقَاطُ عُقُوبَةِ الْآخِرَةِ بِسَبَبِ قَصْدِهِ الْإِضْرَارَ بِهَا لَا إسْقَاطَ الْكَفَّارَةِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الْأَيْمَانِ الْمُنْعَقِدَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَتْلَ الْخَطَأِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَإِنْ وُعِدَ الْمَغْفِرَةَ.

قَالَ رحمه الله (وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ) لِأَنَّ الْأَيْمَانَ تَنْحَلُّ بِالْحِنْثِ فَلَا تَبْقَى بَعْدَ انْحِلَالِهَا وَلَا إيلَاءَ بِدُونِهَا قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا بَانَتْ) أَيْ إنْ لَمْ يَطَأْهَا فِي الْمُدَّةِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَبِينُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَلَكِنْ يُوقَفُ عَلَى أَنْ يَفِيءَ إلَيْهَا أَوْ يُفَارِقَهَا فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فَصَارَ الْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ الْفَيْءَ عِنْدَهُ يَكُونُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَعِنْدَنَا فِي الْمُدَّةِ وَالثَّانِي أَنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَقَعُ إلَّا بِتَطْلِيقِ الزَّوْجِ أَوْ تَفْرِيقِ الْقَاضِي عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا تَقَعُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ) أَيْ بِشَيْءٍ لَا يَلْزَمُ قُرْبَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ) أَيْ كَحَلِفِ الذِّمِّيِّ بِالْحَجِّ اهـ وَكَقَوْلِهِ إنْ قَرِبْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُولِيًا اتِّفَاقًا اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْحَلِفِ بِالْحَجِّ وَالصَّوْمِ) كَإِنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ حَجٌّ أَوْ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُولِيًا اتِّفَاقًا اهـ. (قَوْلُهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ إنَّهُ أَهْلٌ لِلْيَمِينِ) حَتَّى يَحْلِفَ بِهِ فِي الدَّعَاوَى وَإِذَا صَحَّ يَمِينُهُ يَحْنَثُ فِيهِ بِالْقُرْبَانِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَمِنْ الْكِنَايَةِ الْوَطْءُ وَالْمُبَاضَعَةُ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَأَلْفَاظُهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ فَالصَّرِيحُ نَحْوُ لَا أَقْرَبُك لَا أُجَامِعُك لَا أَطَؤُك لَا أُبَاضِعُكِ لَا أَغْتَسِلُ مِنْك مِنْ جَنَابَةٍ فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ الْجِمَاعَ لَمْ يُدَيَّنَ فِي الْقَضَاءِ وَالْكِنَايَةُ نَحْوُ لَا أَمَسُّك لَا آتِيك لَا أَغْشَاك لَا أَلْمِسُك لَأَغِيظَنَّكِ لَا أَشُوفَكِ لَا أَدْخُلُ عَلَيْك لَا أَجْمَعُ رَأْسِي وَرَأْسَك لَا أُضَاجِعُك لَا أَقْرَبُ فِرَاشَك فَلَا تَكُونُ إيلَاءً بِلَا نِيَّةٍ وَيُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ وَقِيلَ الصَّرِيحُ لَفْظَانِ لَا أُجَامِعُك لَا أَنِيكُك وَهَذِهِ كِنَايَاتٌ تَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ وَالْأَوْلَى الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الصَّرَاحَةَ مَنُوطَةٌ بِتَبَادُرِ الْمَعْنَى لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا لَا بِالْحَقِيقَةِ وَإِلَّا لَأَوْجَبَ كَوْنَ الصَّرِيحِ لَفْظًا وَاحِدًا وَهُوَ ثَانِي مَا ذَكَرَ اهـ. (قَوْلُهُ وَالِاغْتِسَالُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمُولَى مِنْهَا اهـ. (قَوْلُهُ يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ اهـ. (قَوْلُهُ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ) أَيْ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ. اهـ. كَافِي. .

(قَوْلُهُ وَكَفَّرَ) أَيْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى مُوجَبَ الْحَلِفِ الْكَفَّارَةَ عِنْدَ الْحِنْثِ وَالْإِيلَاءُ حَلِفٌ، وَقَدْ حَنِثَ فِيهِ فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَا تَجِبُ) قَالَ قَتَادَةُ الْحَسَنُ خَالَفَ النَّاسَ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَإِنْ وُعِدَ الْمَغْفِرَةَ) الْمَغْفِرَةُ تَقْتَضِي نَفْيَ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْآخِرَةِ لَا غَيْرُ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ) أَيْ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ آخَرُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِلَّا بَانَتْ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت سَلَّمْنَا أَنَّ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ بَائِنٌ وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى الْبَائِنِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَجْعِيًّا كَمَا رُوِيَ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إنَّمَا وَقَعَ بَائِنًا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ ظَلَمَهَا حَيْثُ مَنَعَهَا حَقَّهَا الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْوَطْءُ فِي الْمُدَّةِ فَجَازَاهُ الشَّرْعُ بِالطَّلَاقِ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ تَخْلِيصًا عَنْ ضَرَرِ التَّعْلِيقِ وَلَا يَحْصُلُ التَّخَلُّصُ بِالرَّجْعِيِّ فَوَقَعَ بَائِنًا، وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ كَانَ طَلَاقًا بَائِنًا عَلَى الْفَوْرِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا يَقْرَبُهَا الشَّخْصُ بَعْدَ الْإِيلَاءِ أَبَدًا فَجَعَلَهُ الشَّرْعُ مُؤَجَّلًا بِقَوْلِهِ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَحَصَلَتْ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْوَاقِعَ بِالْإِيلَاءِ بَائِنٌ لَكِنَّهُ مُؤَجَّلٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَبِينُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَبِينُ بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ قَالَ الْكَمَالُ لَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ تَبِينُ بَلْ قَالَ يَقَعُ رَجْعِيًّا سَوَاءٌ طَلَّقَ الزَّوْجُ بِنَفْسِهِ أَوْ الْحَاكِمُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ اهـ. (قَوْلُهُ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: 226] إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ} [البقرة: 226] الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ فَاقْتَضَى جَوَازَ الْفَيْءِ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة: 227] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّفْرِيقَ بِتَطْلِيقِ الزَّوْجِ أَوْ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي اهـ

ص: 262

رَحِيمٌ} [البقرة: 226] فَإِنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ فَاقْتَضَى جَوَازَ الْفَيْءِ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَجَوَازَ التَّفْرِيقِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة: 227] فَلَوْ وَقَعَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ الْعَزْمُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ النَّصَّ يُشِيرُ إلَى أَنَّ عَزْمَهُ الطَّلَاقَ مِمَّا هُوَ مَسْمُوعٌ وَذَلِكَ بِتَطْلِيقَةٍ أَوْ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي، وَلِأَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا لِرَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا فَيَكُونُ بِتَطْلِيقَةٍ أَوْ تَفْرِيقُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا كَالتَّفْرِيقِ بِالْجَبِّ أَوْ الْعُنَّةِ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ مِنْ غَيْرِ تَطْلِيقِ أَحَدٍ فَأَشْبَهَ الْعُنَّةَ حَيْثُ لَا يَقَعُ بِمُضِيِّ أَجَلِهِ

وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا عَنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ} [البقرة: 226] فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْفَيْءُ فِي الْمُدَّةِ فَيَكُونَ حُجَّةً عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُمَا لَا تَنْزِلُ عَنْ رِوَايَتِهِمَا، وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ كَانَ طَلَاقًا لِلْحَالِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَجَعَلَهُ الشَّرْعُ مُؤَجَّلًا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إذَا مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلِأَنَّ هَذِهِ مُدَّةُ تَرَبُّصٍ بَعْدَمَا أَظْهَرَ الزَّوْجُ الرَّغْبَةَ عَنْهَا فَتَبِينُ بِمُضِيِّهَا كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَلَا تَمَسُّكَ لَهُ بِمَا ذَكَرَ فِي الْآيَةِ فَإِنَّ الْفَاءَ فِيهَا لِتَعْقِيبِ الْفَيْءِ عَلَى الْإِيلَاءِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقِرَاءَةِ وَبِدَلِيلِ جَوَازِ الْفَيْءِ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَشْهُرِ

وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَمَا جَازَ وَعَزْمُهُ الطَّلَاقَ تَرْكُهُ لَهَا إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَيْ وَإِنْ عَزَمُوا أَنْ يُصَيِّرُوا الْإِيلَاءَ طَلَاقًا فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بِالْإِيلَاءِ عَلِيمٌ بِالْعَزِيمَةِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَقَعُ مِنْ غَيْرِ إيقَاعٍ بَلْ بِإِيقَاعِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَرَّرَ الشَّرْعُ أَصْلَهُ وَجَعَلَهُ مُتَأَخِّرًا إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْعِنِّينِ شَيْءٌ يُجْعَلُ طَلَاقًا فَافْتَرَقَا، وَلِأَنَّ الْعِنِّينَ لَيْسَ بِظَالِمٍ فَنَاسَبَ التَّخْفِيفَ، وَلِهَذَا كَانَ أَجَلُهُ أَكْثَرَ وَالْمُولِي ظَالِمٌ بِمَنْعِ حَقِّهَا فَيُجَازَى بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَإِنْ قِيلَ إذَا وَطِئَهَا مَرَّةً لَمْ يَبْقَ لَهَا حَقٌّ فِي الْوَطْءِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ وَالْإِحْصَانِ وَغَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا بِالْعُنَّةِ بَعْدَمَا وَطِئَهَا مَرَّةً فَكَيْفَ يَكُونُ ظَالِمًا بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْوَطْءِ قُلْنَا إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ حُكْمًا فَهُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ دِيَانَةً فَيَكُونُ ظَالِمًا بِالِامْتِنَاعِ أَوْ نَقُولُ ظَلَمَهَا بِجَعْلِ الْوَطْءِ حَرَامًا عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْيَمِينُ فَيَفُوتُ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ فَيَجِبُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ جَزَاءً لِظُلْمِهِ بِخِلَافِ الْعِنِّينِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَتِهِ صُنْعٌ يَصِيرُ بِهِ مَانِعًا حَقَّهَا فَلَمْ يَكُنْ ظَالِمًا. .

قَالَ رحمه الله (وَسَقَطَ الْيَمِينُ لَوْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ)؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتٍ فَلَا تَبْقَى بَعْدَ مُضِيِّهِ قَالَ رحمه الله (وَبَقِيَتْ لَوْ عَلَى الْأَبَدِ) أَيْ بَقِيَتْ الْيَمِينُ لَوْ كَانَ حَلَفَ عَلَى الْأَبَدِ بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَبَدًا أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَلَمْ يَقُلْ أَبَدًا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَبَدِ كَمَا فِي الْيَمِينِ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَلَا تَبْطُلُ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِعَدَمِ مَا يُبْطِلُهَا مِنْ حِنْثٍ أَوْ مُضِيِّ وَقْتِهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا لِعَدَمِ مَنْعِ حَقِّهَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ وَشَرْحِ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَالْجَامِعِ

وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ أَنَّهَا لَوْ بَانَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِالْإِيلَاءِ ثُمَّ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَتْ أُخْرَى فَإِنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أُخْرَى وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَتْ أُخْرَى وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِيهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ جَزَاءُ الظُّلْمِ وَلَيْسَ لِلْمُبَانَةِ حَقٌّ فَلَا يَكُونُ ظَالِمًا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبَانَهَا بِتَنْجِيزِ الطَّلَاقِ ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ حَيْثُ تَقَعُ أُخْرَى بِالْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيقِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَالْمُعَلَّقُ لَا يَبْطُلُ بِتَنْجِيزِ مَا دُونَ الثَّلَاثِ وَبِهِ يَبْطُلُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ. .

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ نَكَحَهَا ثَانِيًا وَثَالِثًا وَمَضَتْ الْمُدَّتَانِ بِلَا فَيْءٍ بَانَتْ بِأُخْرَيَيْنِ) يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ مَا بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ التَّزَوُّجِ الثَّانِي بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ أُخْرَى، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثَالِثًا وَمَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ ثَالِثَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَهَا ثَبَتَ حَقُّهَا فِي الْجِمَاعِ وَبِامْتِنَاعِهِ عَنْهُ يَصِيرُ ظَالِمًا فَيُجَازَى بِإِزَالَةِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ، وَذَكَرَ فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ أَنَّ مُدَّةَ هَذَا الْإِيلَاءِ تُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ إنْ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الثَّانِيَةِ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا، وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ قَبْلَ التَّزَوُّجِ وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَانَهَا بِتَنْجِيزِ طَلْقَةٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا حَيْثُ يَكُونُ مُولِيًا وَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِيلَاءِ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ كَانَ مُنْعَقِدًا قَبْلُ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ، وَلِهَذَا لَوْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا عَنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْأَقْطَعُ رحمه الله دَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة: 227] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَزِيمَةُ الطَّلَاقِ انْقِضَاءُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا فَيْءَ فِيهَا فَإِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ فَهُوَ حُجَّةٌ فِيهَا وَإِنْ كَانَ بَيَّنَ هَذَا الِاسْمَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَأَسْمَاءُ الشَّرْعِ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَكَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ الْأَقْطَعُ وَإِذَا ثَبَتَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَأَنَّهُ يَكُونُ بَائِنًا لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَالْفُرْقَةُ الْوَاقِعَةُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ تَكُونُ بَائِنَةً اهـ. (قَوْلُهُ وَجَعَلَهُ مُتَأَخِّرًا إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ) أَيْ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. اهـ. كَافِي. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَقِيَتْ لَوْ عَلَى الْأَبَدِ) قَالَ الْكَمَالُ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَائِضًا فَلَيْسَ بِمُولٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ بِالْحَيْضِ فَلَا يُضَافُ الْمَنْعُ إلَى الْيَمِينِ اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَبَقِيَتْ لَوْ عَلَى الْأَبَدِ فَإِنَّهُ يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ تَقَعُ أُخْرَى عِنْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أُخْرَى إذَا كَانَتْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بَعْدُ. اهـ. فَتْحٌ. .

(قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَهُ) فَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ الْإِطْلَاقِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. اهـ. فَتْحٌ

ص: 263

أَشْهُرٍ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ تَطْلُقُ. قَالَ رحمه الله (وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَمْ تَطْلُقْ) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ مَا بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَبَعْدَ مَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ لَا تَطْلُقُ بِالْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كَأَنَّهُ قَالَ كُلَّمَا مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ اسْتِيفَاءِ هَذَا الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمِلْكِ فِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ نَجَّزَ الثَّلَاثَ فِي الْحَالِ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ التَّنْجِيزِ الْخِلَافِيَّةِ وَقَدْ مَرَّتْ مِنْ قَبْلُ، وَلَوْ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَعَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ عَادَتْ إلَيْهِ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَتَطْلُقُ كُلَّمَا مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ حَتَّى تَبِينَ مِنْهُ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَكَذَا فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى وَفِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْهَدْمِ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا مِنْ قَبْلُ قَالَ رحمه الله (فَلَوْ وَطِئَهَا كَفَّرَ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ) أَيْ لَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ مَا عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ فِي حَقِّ التَّكْفِيرِ وَإِنْ لَمْ تَبْقَ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ فَيَتَحَقَّقُ الْحِنْثُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك فَتَزَوَّجَهَا لَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُولِيًا وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ إذَا قَرُبَهَا.

قَالَ رحمه الله (وَلَا إيلَاءَ فِيمَا دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) يَعْنِي فِي الْحُرَّةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَوْ حَلَفَ عَلَى أَقَلَّ مِنْهَا يَكُونُ مُولِيًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ حِينَ بَلَغَهُ فَتْوَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُولِيَ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا فِي الْمُدَّةِ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ فَيَكُونُ امْتِنَاعُهُ فِيهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ الْمَانِعِ وَهُنَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَبَهَا فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ شَيْءٍ فَكَانَ الِامْتِنَاعُ فِي بَعْضِهَا مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ فَصَارَ كَمَا إذَا امْتَنَعَ فِي الْمُدَّةِ كُلِّهَا بِلَا مَانِعٍ.

قَالَ رحمه الله (وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ إيلَاءٌ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ إيلَاءٌ فَيَكُونُ بِهِ مُولِيًا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِهِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ إلَى شَهْرٍ وَشَهْرٍ كَانَ الْأَجَلُ شَهْرَيْنِ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا يَوْمَيْنِ وَيَوْمَيْنِ كَانَ كَقَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ. وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ وَقَعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ مَتَى عَطَفَ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ حَرْفِ النَّفْيِ وَلَا تَكْرَارَ اسْمِ اللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا وَاحِدًا وَلَوْ أَعَادَ حَرْفَ النَّفْيِ أَوْ كَرَّرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينَيْنِ وَتَتَدَاخَلُ مُدَّتُهُمَا بَيَانُهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا يَوْمَيْنِ وَلَا يَوْمَيْنِ يَكُونُ يَمِينَيْنِ وَمُدَّتُهُمَا وَاحِدَةٌ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي يَحْنَثُ فِيهِمَا وَتَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَإِنْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يَحْنَثُ لِانْقِضَاءِ مُدَّتِهِمَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا يَوْمَيْنِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا يَوْمَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ قَالَ اللَّهُ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمَيْنِ وَيَوْمَيْنِ كَانَ يَمِينًا وَاحِدًا وَمُدَّتُهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِيهَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ كَانَتْ يَمِينًا وَاحِدَةً إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِيهَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمَيْنِ يَكُونُ يَمِينَيْنِ فَمُدَّةُ الْأُولَى يَوْمٌ وَمُدَّةُ الثَّانِيَةِ يَوْمَانِ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ كَلَّمَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يَحْنَثُ لِانْقِضَاءِ مُدَّتِهِمَا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَلَا شَهْرَيْنِ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ لَا يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ فَتَتَدَاخَلُ مُدَّتُهُمَا حَتَّى لَوْ قَرُبَهَا قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرَيْنِ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ، وَلَوْ قَرُبَهَا بَعْدَ مُضِيِّهِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِانْقِضَاءِ مُدَّتِهِمَا. .

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ مَكَثَ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا أَوْ قَالَ بِالْبَصْرَةِ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ مَكَّةَ وَهِيَ بِهَا لَا) أَيْ لَا يَكُونُ مُولِيًا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا أَمَّا الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَمَكَثَ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَلِأَنَّ الثَّانِيَ إيجَابٌ مُبْتَدَأٌ وَقَدْ صَارَ مَمْنُوعًا بَعْدَ الْيَمِينِ الْأُولَى شَهْرَيْنِ وَبَعْدَ الثَّانِيَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَّا يَوْمًا مَكَثَ فِيهِ فَلَمْ تَتَكَامَلْ الْمُدَّةُ.

وَقَوْلُهُ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ هُنَا يُفِيدُ تَعْيِينَ مُدَّةِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ كَانَتْ مُدَّتُهُمَا وَاحِدَةً لِمَا ذَكَرْنَا وَكَانَتْ الثَّانِيَةُ تَتَأَخَّرُ عَنْ الْأُولَى انْقِضَاءً بِيَوْمٍ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ قَالَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ بَعْدَ سَاعَةٍ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك كَانَ إيلَاءَيْنِ، وَلَوْ قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَانَتْ ثَلَاثَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ) يَعْنِي طَلْقَاتِ هَذَا الْمِلْكِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ) كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينًا عَلَى حِدَةٍ صِيَانَةً لِحَرْفِ النَّفْيِ عَنْ الْإِلْغَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمَيْنِ تَدَاخَلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ فَانْتَهَتْ الْيَمِينُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ بِالْيَوْمَيْنِ وَلَمْ يَحْنَثْ بِالْكَلَامِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَصَارَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ تَمَامَ مُدَّةِ الْيَمِينِ الْأُولَى وَنِصْفَ مُدَّةِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَلَا عَمْرًا فَكَلَّمَ أَحَدَهُمَا يَحْنَثُ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَعَمْرًا لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُكَلِّمْهُمَا جَمِيعًا فَافْهَمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ مَكَثَ يَوْمًا) لَفْظُ يَوْمًا لَيْسَ بِقَيْدٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُكْثِهِ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً. اهـ. كَمَالٌ. .

(قَوْلُهُ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا أَيْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا إذَا قَرُبَهَا يَوْمًا وَمَضَى ذَلِكَ الْيَوْمُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَبَقِيَ بَعْدَهُ إلَى تَمَامِ السَّنَةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَإِنْ لَمْ يَبْقَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا، وَكَذَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا مَرَّةً لَا يَكُونُ مُولِيًا إلَّا إذَا قَرُبَهَا مَرَّةً فَبَقِيَ بَعْدَ الْقُرْبَانِ مِنْ السَّنَةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّ فِي الْمَبْسُوطِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اهـ

ص: 264

إيلَاءَاتٍ فَبِتَمَامِ الْمُدَّةِ الْأُولَى يَقَعُ وَاحِدَةٌ ثُمَّ يَقَعُ بِالثَّانِيَةِ أُخْرَى إذَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مُولِيًا مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ فَإِذَا مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ وَإِنْ انْعَقَدَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ أَيْمَانٍ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَنْعَقِدُ بِعَقْدِ التَّزَوُّجِ فَاتَّحَدَتْ مُدَّةُ انْعِقَادِ الثَّلَاثِ فَلَا يَنْعَقِدُ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ طَلَاقًا بِمَعْنَاهُ وَهُوَ الظُّلْمُ فَإِذَا اتَّحَدَتْ الْمُدَّةُ لَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا مَعْنًى وَاحِدٌ فَلَا يَتَعَدَّدُ الطَّلَاقُ لَكِنْ لَوْ قَرُبَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ.

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا فَلِأَنَّ الْمُولِيَ مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَهُنَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَانُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَوْمٌ مُنَكَّرٌ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ أَيَّ يَوْمٍ شَاءَ فَلَا يَمُرُّ عَلَيْهِ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ إلَّا وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ هُوَ الْمُسْتَثْنَى وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ هُوَ يَصْرِفُ الِاسْتِثْنَاءَ إلَى آخِرِ السَّنَةِ اعْتِبَارًا بِالْإِجَارَةِ وَبِمَا إذَا قَالَ سَنَةً إلَّا نُقْصَانَ يَوْمٍ وَبِمَا إذَا أَدْخَلَ الدَّيْنَ إلَى سَنَةٍ إلَّا يَوْمًا قُلْنَا الْإِجَارَةُ تَبْطُلُ بِالْجَهَالَةِ فَوَجَبَ صَرْفُهُ إلَى الْأَخِيرِ احْتِرَازًا عَنْهُ بِخِلَافِ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالْجَهَالَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَرْكِ الْحَقِيقَةِ وَالنُّقْصَانُ يَكُونُ مِنْ الْآخَرِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ تَأْجِيلِ الدَّيْنِ التَّأْخِيرُ فَلَوْ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَى الْآخَرِ لَمَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ

وَأَوْرَدَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى هَذَا فَقَالَ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا سَنَةً إلَّا يَوْمًا يَنْصَرِفُ إلَى آخِرِ السَّنَةِ مَعَ كَوْنِهِ مُسْتَثْنًى مُنَكَّرًا فِي الْيَمِينِ ثُمَّ أَجَابَ بِجَوَابٍ غَيْرِ شَافٍ فَقَالَ إنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْيَمِينِ الْمُغَايَظَةُ وَهِيَ قَائِمَةٌ فِي الْحَالِ فَيَنْصَرِفُ الْمُسْتَثْنَى إلَى آخِرِ السَّنَةِ، وَهَذَا غَيْرُ مُخَلِّصٍ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْيَمِينِ فِي الْإِيلَاءِ أَيْضًا غَيْظٌ قَائِمٌ فِي الْحَالِ فَبَطَلَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ فَإِنْ قَرُبَهَا يُنْظَرُ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرُ صَارَ مُولِيًا وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً بِأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك إلَّا يَوْمًا لَا يَكُونُ مُولِيًا حَتَّى يَقْرَبَهَا فَإِنْ قَرُبَهَا صَارَ مُولِيًا

وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا أَقْرَبُك فِيهِ لَا يَكُونُ مُولِيًا أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى كُلَّ يَوْمٍ يَقْرَبُهَا فِيهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا أَبَدًا فَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ فِي الْبَصْرَةِ وَامْرَأَتُهُ فِي مَكَّةَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ مَكَّةَ فَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَبَهَا فِي الْمُدَّةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ يُلْزِمُهُ بِأَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ مَكَّةَ وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا فِي النِّهَايَةِ مَا لَوْ قَالَ لِنِسْوَتِهِ الْأَرْبَعِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا مِنْ جَمِيعِهِنَّ فِي الْحَالِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ قُرْبَانُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِقُرْبَانِ جَمِيعِهِنَّ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا حَيْثُ لَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا كَلَّمَهُمْ كُلَّهُمْ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْحَالِفَ مُتَعَنِّتٌ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِمَنْعِ حَقِّهَا فَكَأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَيْهَا وَحْدَهَا إلَّا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ بِقُرْبَانِ بَعْضِهِنَّ؛ لِأَنَّهَا مُوجِبُ الْحِنْثِ وَلَمْ يَحْنَثْ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِالْبِرِّ فِي الْمُدَّةِ وَقَدْ وُجِدَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَتَطْلُقُ

وَقَالَ زُفَرُ لَا يَكُونُ مُولِيًا حَتَّى يَطَأَ الثَّلَاثَ مِنْهُنَّ فَيَكُونُ مُولِيًا مِنْ الرَّابِعَةِ وَحْدَهَا وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ قُرْبَانُ ثَلَاثٍ مِنْهُنَّ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ. وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَلَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا إلَّا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ فَوُجِدَ شَرْطُ الْإِيلَاءِ فِيهَا وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّاهُ. .

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ حَلَفَ بِحَجٍّ أَوْ صَوْمٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَهُوَ مُولٍ) وَصُورَةُ الْيَمِينِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَقُولَ إنْ قَرَبْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ عِتْقُ عَبْدٍ أَوْ عَبْدُهُ الْمُعَيَّنُ حُرٌّ أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ هِيَ أَوْ غَيْرُهَا وَإِنَّمَا صَارَ مُولِيًا بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ بِالْيَمِينِ قَدْ تَحَقَّقَ وَهُوَ ذِكْرُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَهَذِهِ الْأَجْزِيَةُ مَانِعَةٌ مِنْ الْوَطْءِ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِالصَّلَاةِ وَالْغَزْوِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ يَسْهُلُ إيجَادُهُمَا فَلَا يَصْلُحَانِ مَانِعَيْنِ وَفِي عِتْقِ الْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ يَقُولُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَهُ ثُمَّ يَقْرَبَهَا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهُمَا يَقُولَانِ إنَّ الْبَيْعَ مَوْهُومٌ فَلَا يَمْنَعُ الْمَانِعِيَّةُ فِي الْإِيلَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ فَرُبَّمَا لَا يَجِدُ فِي الْمُدَّةِ مَنْ يَشْتَرِيهِ، وَلَوْ بَاعَهُ سَقَطَ الْإِيلَاءُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ يَقْدِرُ عَلَى قُرْبَانِهَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ مُولِيًا مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ جَامَعَهَا بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى قُرْبَانِهَا إلَّا بِعِتْقٍ يَلْزَمُهُ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْبَيْعِ سَقَطَ الْإِيلَاءُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى قُرْبَانِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ مَوْتُ الْمَرْأَةِ الْمُعَلَّقِ طَلَاقُهَا بِالْقُرْبَانِ أَوْ إبَانَتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ بِأَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ مَكَّةَ) أَيْ بِوَكِيلِهِ أَوْ نَائِبِهِ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَيَقْرَبُهَا فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْإِيلَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ حَلَفَ بِحَجٍّ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ فَبَدَأَ بِذِكْرِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِالصَّلَاةِ وَالْغَزْوِ إلَخْ) صُورَةُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ أَنْ يُعَلِّقَهُمَا بِقُرْبَانِهَا اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إلَخْ) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّهُ مَا لَا يَخْلُوَانِ عَنْ نَوْعِ مَشَقَّةٍ فَيَكُونَانِ مَانِعَيْنِ. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَهُمَا يَقُولَانِ أَنَّ الْبَيْعَ مَوْهُومٌ) يَعْنِي: الْأَصْلُ عَدَمُ مَا يَحْدُثُ اهـ

ص: 265

وَقَوْلُهُ أَوْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَهُوَ مُولٍ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ بَاقِيَةٌ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ فَيَتَنَاوَلُهَا قَوْله تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] الْآيَةَ فَإِنْ قِيلَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِالْإِيلَاءِ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ لِكَوْنِهِ ظَلَمَهَا بِمَنْعِهَا حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ لَيْسَ لَهَا حَقٌّ فِيهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قُرْبَانُهَا لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً، وَلِهَذَا لَا تَمْلِكُ مُطَالَبَتَهُ بِهِ فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ جَزَاءُ الظُّلْمِ فِي حَقِّهَا قُلْنَا إنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَنْصُوصِ مُضَافٌ إلَى النَّصِّ لَا إلَى الْمَعْنَى وَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ مِنْ نِسَائِنَا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] وَالْبَعْلُ هُوَ الزَّوْجُ فَكَانَ الْحُكْمُ الْمُرَتَّبُ عَلَى نِسَاءِ الْأَزْوَاجِ شَامِلًا لَهَا فَلَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ بَطَلَ الْإِيلَاءُ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ.

قَالَ رحمه الله (وَمِنْ الْمُبَانَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ لَا) أَيْ لَوْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنَةِ أَوْ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ لَا يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْإِيلَاءِ مَنْ يَكُونُ مِنْ نِسَائِنَا بِالنَّصِّ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْهَا فَلَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لِلطَّلَاقِ أَصْلًا حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُولِيًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَخْرَجِهِ وَقَعَ بَاطِلًا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ وَطِئَهَا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُنْعَقِدَةٌ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَعْتَمِدُ التَّصَوُّرَ دُونَ الْحِلِّ؛ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ عَنْ الْحَرَامِ. .

قَالَ رحمه الله (وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ شَهْرَانِ) لِأَنَّهَا ضَرَبَتْ أَجَلًا لِلْبَيْنُونَةِ فَتَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله مُدَّتُهَا كَمُدَّةِ إيلَاءِ الْحُرَّةِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ ضُرِبَتْ لِإِظْهَارِ الظُّلْمِ بِمَنْعِ الْحَقِّ فِي الْجِمَاعِ عِنْدَهُ وَالْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَعِنْدَنَا ضَرَبَتْ أَجَلًا لِلْبَيْنُونَةِ فَشَابَهَتْ مُدَّةَ الْعِدَّةِ فَتَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ لِكَوْنِهَا مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ. .

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ عَجَزَ الْمُولِي عَنْ وَطْئِهَا بِمَرَضِهِ أَوْ مَرَضِهَا أَوْ بِالرَّتَقِ أَوْ بِالصِّغَرِ أَوْ بِبُعْدِ مَسَافَةٍ فَفَيْؤُهُ أَنْ يَقُولَ فِئْت إلَيْهَا) هَذَا إذَا كَانَ عَاجِزًا مِنْ وَقْتِ الْإِيلَاءِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ حَتَّى لَوْ آلَى مِنْهَا وَهُوَ قَادِرٌ ثُمَّ عَجَزَ عَنْ الْوَطْءِ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَرَضٍ أَوْ بُعْدِ مَسَافَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ جَبٍّ أَوْ أَسْرِ عَدُوٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ كَانَ عَاجِزًا حِينَ آلَى وَزَالَ الْعَجْزُ فِي الْمُدَّةِ لَمْ يَصِحَّ فَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْجِمَاعِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَجْزُ الْمُسْتَوْعِبُ لِلْمُدَّةِ، وَلَوْ آلَى مِنْهَا وَهُوَ مَرِيضٌ وَبَانَتْ بِمُضِيِّ مُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ صَحَّ وَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ فَفَاءَ بِلِسَانِهِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَصَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عَلَى مَا قَالُوا؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ وُجِدَ مِنْهُ وَهُوَ مَرِيضٌ وَعَادَ حُكْمُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ

وَفِي زَمَانِ الصِّحَّةِ هِيَ مُبَانَةٌ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ فَلَا يَعُودُ فِيهِ حُكْمُ الْإِيلَاءِ وَهُمَا يَقُولَانِ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ الْفَيْءُ بِاللِّسَانِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَلَا تَبِينُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَصِحُّ الْفَيْءُ بِاللِّسَانِ أَصْلًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الطَّحَاوِيُّ؛ لِأَنَّهُ ظَلَمَهَا بِمَنْعِ حَقِّهَا وَهُوَ الْوَطْءُ فَيَكُونُ إيفَاؤُهُ بِهِ، وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالْفَيْءِ حُكْمَانِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَامْتِنَاعُ حُكْمِ الْفُرْقَةِ وَالْفَيْءُ بِاللِّسَانِ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ الْآخَرِ وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَكَفَى بِهِمَا قُدْوَةً، وَلِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ بِاعْتِبَارِ التَّعَنُّتِ وَالْإِضْرَارِ بِهَا وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ بِالْفَيْءِ بِاللِّسَانِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْفَيْءِ بِالْجِمَاعِ فَكَانَ الْفَيْءُ بِالْجِمَاعِ أَصْلًا وَبِاللِّسَانِ خَلَفًا؛ لِأَنَّ الْفَيْءَ عِبَارَةٌ عَنْ الرُّجُوعِ وَذَلِكَ يُوجَدُ بِهِمَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَهِيَ حَالَةُ الْعَجْزِ بَلْ نَقُولُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْجِمَاعِ فَحَقُّهَا فِيهِ فَكَانَ قَصْدُهُ الْإِضْرَارَ بِهَا بِمَنْعِهِ نَفْسَهُ عَنْهُ

وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا فَلَيْسَ لَهَا حَقٌّ فِي الْجِمَاعِ وَإِنَّمَا قَصَدَ إيحَاشَهَا وَإِضْرَارَهَا بِهِ فَيَكُونُ فَيْؤُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِإِزَالَةِ مَا قَصَدَ لِأَنَّ التَّوْبَةَ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ، وَلَوْ كَانَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِاعْتِبَارِ مَنْعِ حَقِّهَا فِي الْجِمَاعِ فَقَطْ لَمَا كَانَ مُولِيًا فِي حَالَةِ الْعَجْزِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلِهَذَا لَمْ تَمْلِكْ مُطَالَبَتَهُ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ بِامْتِنَاعِهِ عَنْهُ ظَالِمًا وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُجَوِّزُ الْإِيلَاءَ مِنْ الْمَجْبُوبِ وَكَذَا مِنْ امْرَأَتِهِ الْقَرْنَاءِ وَالرَّتْقَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِمَاعُ فَلَا يَكُونُ ظَالِمًا بِامْتِنَاعِهِ وَالطَّلَاقُ جَزَاءُ الظُّلْمِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: أَوْ آلَى مِنْ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَهُوَ مُولٍ) أَيْ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَالْبَعْلُ هُوَ الزَّوْجُ) أَيْ حَقِيقَةً فَكَانَتْ مِنْ نِسَائِهِ فَيَشْمَلُهَا نَصُّ الْإِيلَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ الْإِيلَاءُ وَإِنْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ لِحَقِّ الْغَيْلِ عَلَى وَلَدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعُلِمَ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالظُّلْمِ بِاعْتِبَارِ بِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْغَالِبِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمِنْ الْمُبَانَةِ إلَخْ) وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا مِنْ الْمُبَانَةِ الْمُعْتَدَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ طَلَاقٌ بَائِنٌ مُعَلَّقٌ وَبَعْدَ الْإِبَانَةِ لَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ؛ لِأَنَّهُ لَهَا وَلَا تَنْجِيزًا؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ لِانْتِقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك إلَخْ) إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِيلَاءُ إلَّا عَقِيبَ التَّزَوُّجِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا إذْ ذَاكَ تَصِيرُ مَحَلًّا لَا قَبْلَهُ. اهـ. كَمَالٌ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ إلَخْ) وَعَنَى بِالْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةَ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ مِنْ أَمَتِهِ لَا يَصِحُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَنَا ضُرِبَتْ أَجَلًا إلَخْ) لَنَا أَنَّ هَذِهِ مُدَّةٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا بِلَفْظِ التَّرَبُّصِ كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ قَالَ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226]، وَقَالَ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] اهـ. .

(قَوْلُهُ وَلَوْ آلَى مِنْهَا وَهُوَ مَرِيضٌ) أَيْ إيلَاءً مُؤَبَّدًا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَالْفَيْءُ بِاللِّسَانِ لَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ) أَيْ: وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَكَذَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ الْآخَرِ) أَيْ: وَهُوَ امْتِنَاعُ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ اهـ (فَرْعٌ) لَوْ كَانَ الْمَانِعُ شَرْعِيًّا بَانَ الْحُكْمُ مُحَرَّمًا وَآلَى وَقْتَ أَفْعَالِ الْحَجِّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا فَالْفَيْءُ بِالْجِمَاعِ وَعِنْدَ زُفَرَ بِاللِّسَانِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مَانِعٌ مِنْ الْجِمَاعِ شَرْعًا فَثَبَتَ الْعَجْزُ فَكَانَ فَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ وَهُمْ اعْتَبَرُوا الْعَجْزَ الْحَقِيقِيَّ وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ بِاخْتِيَارِهِ بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ فِيمَا لَزِمَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ تَخْفِيفًا. اهـ. فَتْحٌ. .

ص: 266