الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً اسْتِثْنَاءٌ لِلْأَقَلِّ فَيَقَعُ ثِنْتَانِ بِالْإِجْمَاعِ
وَقَوْلُهُ إلَّا ثِنْتَيْنِ اسْتِثْنَاءٌ لِلْأَكْثَرِ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ عَلَى الْخِلَافِ. وَقَوْلُهُ إلَّا ثَلَاثًا اسْتِثْنَاءٌ لِلْكُلِّ فَلَا يَصِحُّ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ بَقَاءِ مَا يَصِيرُ بِهِ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ الثَّنِيَّا وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إنَّمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيمَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ أَيْضًا كَالْوَصِيَّةِ وَقَدْ قَالُوا إنَّمَا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِأَنْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي.
وَأَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ اللَّفْظِ فَصَحِيحٌ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا زَيْنَبَ وَهِنْدَ وَعَمْرَةَ وَبَكْرَةَ، وَلَوْ أَتَى عَلَى الْكُلِّ حَتَّى لَا تَطْلُقَ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِزَيْدٍ إلَّا ثُلُثَ مَالِي لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِزَيْدٍ إلَّا أَلْفًا وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ صَحَّ وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا مِنْ جُمْلَةِ الْكَلَامِ لَا مِنْ جُمْلَةِ الْكَلَامِ الَّذِي يَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ عَشْرًا إلَّا تِسْعًا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ لَا صِحَّةَ لِهَذَا الْكَلَامِ حُكْمًا، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَقَعَ ثَلَاثٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلِاشْتِرَاكِ فَكَأَنَّهُ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا
وَقَالَ زُفَرُ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى الِاثْنَيْنِ لَكَانَ صَحِيحًا وَلَوَقَعَتْ الثِّنْتَانِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ زِيَادَةُ الثَّالِثَةِ فَتَبْطُلُ هِيَ وَحْدَهَا فَيَقَعُ مَا قَبْلَهَا وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ تَطْلُقُ ثَلَاثًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلَّمَ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الثَّنِيَّا فَيَكُونُ عِبَارَةً عَنْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَنِصْفٍ فَيَصِيرُ ثَلَاثًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّ الطَّلْقَةَ كَمَا لَا تَتَجَزَّأُ فِي الْإِيقَاعِ لَا تَتَجَزَّأُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا وَاحِدَةً.
(بَابُ الْمَرِيضِ)
قَالَ رحمه الله (طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا فِي مَرَضِهِ وَمَاتَ فِي عِدَّتِهَا وَرِثَتْ وَبَعْدَهَا لَا) أَيْ إذَا مَاتَ بَعْدَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْإِجْمَاعِ) قَالَ الْكَمَالُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ وَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ تَجْوِيزِهِ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى كَوْنِ الْكُلِّ مُخْرَجًا بِغَيْرِ لَفْظِ الصَّدْرِ أَوْ مُسَاوِيهِ كَعَبِيدِي إلَّا مَمَالِيكِي فَيَعْتِقُونَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَاضِي خَانْ وَزِيَادَاتِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ
وَفِي الْبَقَّالِي لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ إلَّا هَذِهِ وَلَيْسَ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا لَا تَطْلُقُ. اهـ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ يَعْنِي الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْكُلِّ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى شَيْءٌ يَكُونُ الْكَلَامُ عِبَارَةً عَنْهُ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْكَلَامِ لَا فِي الْحُكْمِ بَيَانُهُ إذَا قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلَوْ قَالَ إلَّا هَؤُلَاءِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلَوْ قَالَ إلَّا هَؤُلَاءِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ شَيْءٍ يَكُونُ الْكَلَامُ عِبَارَةً عَنْهُ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ عَبِيدٌ مُعْتَقُونَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ وَنِسَاءٌ طَوَالِقُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ وَلَا يُتَوَهَّمُ هَذَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى. اهـ. وَقَالَ الْأَكْمَلُ رحمه الله، وَلَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا زَيْنَبَ وَعَمْرَةَ وَبَكْرَةَ وَسَلْمَى لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَإِنْ كَانَ هُوَ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ
وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَيَصِحُّ فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ اللَّفْظُ فَلَمَّا اسْتَثْنَى الْجَزَاءَ مِنْ الْكُلِّ صَحَّ لَفْظًا فَكَذَا فِيمَا بَقِيَ إذْ لَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ يَتْبَعُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ لَمَا صَحَّ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَشَرَةً إلَّا تِسْعَةً لِمَا أَنَّهُ لَا مَزِيدَ عَلَى الثَّلَاثِ شَرْعًا وَهُوَ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ اهـ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ بَقَاءِ مَا يَصِيرُ بِهِ مُتَكَلِّمًا إلَخْ) وَتَرْكِيبُ الِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يُوضَعْ إلَّا لِلْمُتَكَلِّمِ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا لَا لِنَفْيِ الْكُلِّ كَمَا يُفِيدُهُ الْبَقَاءُ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لِنَفْيِ الْكُلِّ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ أَيْضًا) كَالْوَصِيَّةِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِثُلُثِ مَالِي إلَّا ثُلُثَ مَالِي كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَتَقَعُ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ لَا صِحَّةَ لِهَذَا الْكَلَامِ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ، وَلَوْ قَالَ لِثَلَاثَةٍ أَنْتُمْ أَحْرَارٌ إلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا عَتَقُوا جَمِيعًا وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ، وَذَكَرَ فِي الطَّلَاقِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَتَقَعُ الثَّلَاثَةُ وَيَبْطُلُ اسْتِثْنَاؤُهَا فَعَلَى قِيَاسِ تِلْكَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَجَبَ أَنْ لَا يَعْتِقَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي، وَيَعْتِقُ الثَّالِثُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ وَوَقَعَ الثَّلَاثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ ثِنْتَانِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاحِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ فَكَأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى تَوَقُّفَ صِحَّةِ الْأُولَى إلَى أَنْ يَظْهَرَ أَنَّهُ مُسْتَغْرِقٌ أَوَّلًا وَهُمَا يَرَيَانِ اقْتِصَارَ صِحَّتِهِ عَلَى الْأَوَّلِ وَأَبُو يُوسُفَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُ وَزُفَرُ يَرَيَانِ اقْتِصَارَ صِحَّتِهِ عَلَى الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الصَّدْرَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِخْرَاجِ وَلَوْ قَالَ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا ثَلَاثًا بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ تَعَدُّدٍ يَصِحُّ مَعَهُ إخْرَاجُ شَيْءٍ اهـ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى الِاثْنَتَيْنِ لَكَانَ صَحِيحًا) أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً كَانَ مُسْتَثْنِيًا لِلثِّنْتَيْنِ فَكَانَ صَحِيحًا وَإِنَّمَا بَطَلَ اسْتِثْنَاءُ الثَّالِثَةِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ وَقَعَتْ الْوَاحِدَةُ) فِي نُسْخَةٍ الثِّنْتَانِ أَيْ مُسْتَثْنَاةً فَتَقَعُ الْوَاحِدَةُ. (قَوْلُهُ فَتَقَعُ الثِّنْتَانِ) أَيْ مُسْتَثْنَاةً فَتَقَعُ الْوَاحِدَةُ. وَقَوْلُهُ فَتَقَعُ الثِّنْتَانِ كَذَا هُوَ فِي نُسَخٍ عَدِيدَةٍ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ فَتَقَعُ الْوَاحِدَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. .
[بَابُ الْمَرِيضِ]
(بَابُ الْمَرِيضِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله لَمَّا فَرَغَ مِنْ طَلَاقِ الصَّحِيحِ بِأَقْسَامِهِ مِنْ التَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ وَالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ كُلًّا وَجُزْءًا شَرَعَ فِي بَيَانِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ إذْ الْمَرَضُ مِنْ الْعَوَارِضِ وَتَصَوُّرُ مَفْهُومِهِ ضَرُورِيٌّ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ فَهْمَ الْمُرَادِ مِنْ لَفْظِ الْمَرَضِ أَجْلَى مِنْ فَهْمِهِ مِنْ قَوْلِنَا مَعْنًى يَزُولُ بِحُلُولِهِ فِي بَدَنِ الْحَيِّ اعْتِدَالُ الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ بَلْ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى التَّعْرِيفِ بِالْأَخْفَى فَتْحٌ.
انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لَا تَرِثُ. وَقَوْلُهُ فِي مَرَضِهِ تَقْيِيدٌ لِلْبَائِنِ. وَأَمَّا فِي الرَّجْعِيِّ فَتَرِثُ مِنْهُ مُطْلَقًا إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا، وَلِهَذَا يَرِثُهَا هُوَ إذَا مَاتَتْ بِخِلَافِ الْبَائِنِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وَهُوَ النِّكَاحُ قَدْ زَالَ فَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَرِثَهُ كَمَا لَا يَرِثُهَا هُوَ لَكِنْ إذَا صَارَ فَارًّا بِأَنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ وَكَانَتْ وَقْتَ الطَّلَاقِ مِمَّنْ تَرِثُهُ بِأَنْ كَانَا حُرَّيْنِ مُتَّحِدِي الدِّينَ رُدَّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كَافِرَةً وَهُوَ مُسْلِمٌ أَوْ كَانَا مَمْلُوكَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَقْتَ الطَّلَاقِ ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ حَيْثُ لَا تَرِثُ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ وَقْتَ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ فَارًّا
وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا الْبَائِنَ بِإِسْلَامِهَا بِأَنْ قَالَ إنْ أَسْلَمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنًا تَرِثُ؛ لِأَنَّهُ زَمَانُ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا تَرِثُ الْمُبَانَةُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ ارْتَفَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، وَهَذَا لِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ شَيْئَانِ إمَّا السَّبَبُ أَوْ النَّسَبُ وَقَدْ انْعَدَمَا فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا زَوْجَةَ لَهُ لَا يَحْنَثُ بِهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَرَّثَ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَكَانَ قَدْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَصَارَ إجْمَاعًا وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ قَوْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي خِلَافَتِهِ لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أَقُلْ بِتَوْرِيثِهَا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ
وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَاهُ لَمْ أَقُلْ بِتَوْرِيثِهَا لِجَهْلِي بِالْحُكْمِ، وَلِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ سَبَبُ إرْثِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَالزَّوْجُ قَصَدَ إبْطَالَهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ بِتَأْخِيرِ عَمَلِهِ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِبَقَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَمَا رُدَّ تَبَرُّعَاتُهُ فِي حَقِّ الْغَرِيمِ وَالْوَارِثِ وَكَمَا رُدَّ قَصْدُ الْقَاتِلِ حَتَّى بَطَلَ إرْثُهُ مِنْ الْمَقْتُولِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ هِيَ حَيْثُ لَا يَرِثُهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِإِرْثِهِ مِنْهَا لَا سِيَّمَا إذَا رَضِيَ بِهِ هُوَ وَبِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا وَلَا يُمْكِنُ إبْقَاءُ السَّبَبِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَوْرِيثِهَا مِنْ زَوْجَيْنِ وَإِلَى تَوْرِيثِ ثَمَانِي نِسْوَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَبِهَذَا يُعْلَمُ فَسَادُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا تَرِثُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَلَوْ تَزَوَّجَتْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَأَمَّا فِي الرَّجْعِيِّ فَتَرِثُ مِنْهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بِرِضَاهَا أَمْ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً مُسْلِمَةً وَقْتَ الطَّلَاقِ أَمْ مَمْلُوكَةً أَمْ كِتَابِيَّةً ثُمَّ أُعْتِقَتْ أَمْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ. اهـ. بَدَائِعُ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي الصِّحَّةِ فِي كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةً ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَرِثُهُ الْآخَرُ.
(قَوْلُهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَرِثَهُ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ أَبَانَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ مَاتَتْ لَا يَرِثُهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ بَطَلَتْ بِهَذَا الْعَارِضِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كَافِرَةً إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ كَوْنِهِمَا مِمَّا يَتَوَارَثَانِ حَالَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّهَا بِمَالِهِ إذَا مَرِضَ هُوَ إذْ ذَاكَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا وَقْتَ الطَّلَاقِ لَا يَرِثُ وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ عَتَقَ اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ) أَيْ وَهُوَ النِّكَاحُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ قَدْ ارْتَفَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ) أَيْ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ أَوْ الثَّلَاثِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِلَا سَبَبٍ كَمَا بَعْدَ الْعِدَّةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ تُمَاضِرَ) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ) أَيْ وَالْخِلَافُ الْمُتَأَخِّرُ لَا يَرْفَعُ الْإِجْمَاعَ السَّابِقَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْفُقَهَاءِ) أَيْ إذْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَتْوَى وَلَا شُهْرَةٌ بِفِقْهٍ، وَالْحُكْمُ بِذَلِكَ يَتْبَعُ ظُهُورَ ذَلِكَ فَخِلَافُهُ كَخِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَسْأَلَةِ الْعَوْلِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالزَّوْجُ قَصَدَ إبْطَالَهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ) أَيْ وَيُجْعَلُ كَأَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ فِي حَقِّ الْإِرْثِ حُكْمًا
دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا
يُؤَيِّدُهُ أَنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ زَمَانَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَارِثِ بِمَالِ الْمُوَرِّثِ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنْ التَّبَرُّعِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَبَقِيَ النِّكَاحُ فِي حَقِّ الْإِرْثِ كَمَا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَإِنْ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ أَصْلًا، وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إذَا وَطِئَهَا وَلَا تَرِثُ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بِرِضَاهَا، وَكَذَلِكَ لَا تَرِثُ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَكَذَا لَا تَرِثُ إذَا مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَكَذَا لَا تَرِثُ إذَا بَرَأَ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ حَيْثُ لَا إرْثَ لَهُ مِنْهَا قُلْت أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ وُجُوبِ الْحَدِّ فَنَقُولُ ذَاكَ بِاعْتِبَارِ ارْتِفَاعِ الْحِلِّ وَلَمْ يَقُلْ يَدُلُّ عَلَى ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ أَصْلًا وَهُوَ قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَدَّةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ فَلَمَّا كَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا مِنْ وَجْهٍ فِي حَقِّ بَعْضِ الْآثَارِ جُعِلَ قَائِمًا أَيْضًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ
دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا
وَالْجَوَابُ عَنْ الطَّلَاقِ بِرِضَاهَا فَنَقُولُ رَضِيَتْ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا فَلَا تَرِثُ بِعَدَمِ الْفِرَارِ مِنْ الزَّوْجِ وَالْجَوَابُ عَنْ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَنَقُولُ لَمَّا لَمْ تَجِبْ الْعِدَّةُ لَمْ يَكُنْ إبْقَاءُ النِّكَاحِ حُكْمًا وَلِأَنَّ الزَّوْجَ وَإِنْ قَصَدَ إبْطَالَ حَقِّهَا قَصَدَ إلَى خَلَفٍ؛ لِأَنَّهُ مَكَّنَهَا مِنْ التَّزَوُّجِ بِآخَرَ وَتَحْصِيلِ الْمَهْرِ مِنْهُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ إبْطَالًا وَالْجَوَابُ عَنْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَنَّهَا لَمَّا تَمَكَّنَتْ مِنْ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ وَحَلَّ لَهَا ذَلِكَ وُجِدَ الْمُنَافِي لِلنِّكَاحِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يُجْعَلْ قَائِمًا وَالْجَوَابُ عَمَّا إذَا بَرَأَ ثُمَّ مَاتَ.
(قَوْلُهُ لِبَقَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ) أَيْ، وَلِهَذَا يَجِبُ لَهَا السُّكْنَى وَلَا يَجُوزُ لَهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَوْرِيثِهَا مِنْ زَوْجَيْنِ) وَصُورَةُ إرْثِهَا مِنْ زَوْجَيْنِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ مَاتَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَصُورَةُ إرْثِ الثَّمَانِيَةِ أَنْ يُطَلِّقَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ فَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ ثُمَّ يَتَزَوَّجَ بِأَرْبَعٍ أُخَرَ ثُمَّ يَمُوتَ اهـ. (قَوْلُهُ وَبِهَذَا يُعْلَمُ فَسَادُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا تَرِثُ) قَالَ الرَّازِيّ، وَقَالَ مَالِكٌ امْرَأَةُ الْفَارِّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ تَرِثَ كَقَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى رضي الله عنه أَنَّهَا تَرِثُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ اهـ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ مَالِكٍ كَقَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى اهـ
بِعَشَرَةِ أَزْوَاجٍ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ فِي الشَّرْعِ وَلَمْ يُجْعَلْ الْإِرْثُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا دَامَ بِهِ الْمَرَضُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا تَرِثُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَرِثُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُبَانَةَ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ حَادِثٌ فِي الْعِدَّةِ مِنْ زِنَا، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لَكِنْ تَيَقَّنَّا بَرَاءَةَ الرَّحِمِ بَعْدَ وَضْعِهِ فَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَعِنْدَهُمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ مِنْ زَوْجٍ تَزَوَّجَتْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فِي حَمْلِهِ عَلَى الزِّنَا إضْرَارًا بِالْوَلَدِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَنَّهُ مِنْ الزِّنَا فَتَبَيَّنَ أَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا تَرِثُ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. .
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ أَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِتَفْوِيضِهِ لَمْ تَرِثْ)؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا لِرِضَاهَا بِالْمُبْطِلِ فَيَكُونُ رِضًا بِبُطْلَانِهِ وَهُوَ قَابِلٌ لَهُ فَيَنْعَدِمُ التَّعَدِّي وَالتَّأْخِيرُ لِحَقِّهَا إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَأَجَازَ حَيْثُ تَرِثُ؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لِلْإِرْثِ إجَازَتُهُ وَبِخِلَافِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْإِبْطَالَ، وَقَالَ مَالِكٌ لَهَا الْمِيرَاثُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ لِتُمَاضِرَ إذَا طَهُرْت فَآذِنِينِي فَطَهُرَتْ فَأَعْلَمَتْهُ فَطَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ وَلَمْ يَعْتَبِرْ رِضَاهَا بِهِ مُبْطِلًا قُلْنَا لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى رِضَاهَا بِالطَّلَاقِ الْمُبْطِلِ لِلْإِرْثِ وَإِنَّمَا فِيهِ إعْلَامٌ بِطَهَارَتِهَا عَنْ الْحَيْضِ وَبِمِثْلِهِ لَا يَبْطُلُ إرْثُهَا، وَلَوْ فَارَقَتْهُ بِسَبَبِ الْجُبِّ وَالْعُنَّةِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ لَمْ تَرِثْ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِهَا فَكَانَتْ رَاضِيَةً بِالْبُطْلَانِ، وَكَذَا لَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ ابْنِ زَوْجِهَا لِمَا قُلْنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَقَرُبَهَا الِابْنُ مُكْرَهَةً؛ لِأَنَّهُ بِالْأَمْرِ انْتَقَلَ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْأَبُ كَالْمُبَاشِرِ لَهُ، وَلَوْ وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْهَا وَهِيَ مَرِيضَةٌ وَرِثَهَا الزَّوْجُ لِكَوْنِهَا فَارَّةً. قَالَ رحمه الله (وَفِي طَلِّقْنِي رَجْعِيَّةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي طَلْقَةً رَجْعِيَّةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا تَرِثُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ، وَلِهَذَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا يَحْرُمُ بِهِ الْمِيرَاثُ فَلَمْ تَكُنْ بِسُؤَالِهَا إيَّاهُ رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ حَقِّهَا، وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً لِمَا قُلْنَا، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ إذَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْ اسْتِحْسَانًا وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّجْعَةَ فِي سُؤَالِهَا، وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ قَوْلَهَا طَلِّقْنِي يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ الرَّجْعِيِّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَلِهَذَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ فِي الْوَكَالَةِ وَالتَّفْوِيضِ وَالْإِنْشَاءِ فَلَمْ تَكُنْ بِسُؤَالِهَا رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ حَقِّهَا.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا فِي مَرَضِهِ أَوْ تَصَادَقَا عَلَيْهَا فِي الصِّحَّةِ وَمُضِيِّ الْعِدَّةِ فَأَقَرَّ أَوْ أَوْصَى لَهَا فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْهُ وَمِنْ إرْثِهَا) أَيْ إذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا فِي مَرَضِهِ بِسُؤَالِهَا أَوْ قَالَ لَهَا فِي مَرَضِهِ كُنْت طَلَّقْتُك وَأَنَا صَحِيحٌ فَانْقَضَتْ عِدَّتُك فَصَدَّقَتْهُ ثُمَّ أَوْصَى لَهَا بِمَالٍ أَوْ أَقَرَّ لَهَا بِهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ مِيرَاثِهَا مِنْهُ وَمِنْ الَّذِي أَقَرَّ لَهَا بِهِ أَوْ أَوْصَى لَهَا بِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله لَهَا جَمِيعُ مَا أَقَرَّ لَهَا بِهِ وَمَا أَوْصَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَعَ زُفَرَ فِي الْأُولَى وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الثَّانِيَةِ لِزُفَرَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْإِرْثَ بَطَلَ بِسُؤَالِهَا أَوْ إقْرَارِهَا فَزَالَ الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَهُمَا أَنَّ دَلِيلَ التُّهْمَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ) وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ أَيْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَإِنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِتَفْوِيضِهِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا) إمَّا بِالرِّضَا بِالْعِلَّةِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ كَمَا فِي الْخُلْعِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الْعِلَّةِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَالْإِرْثُ إنَّمَا يَجِبُ بِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا وَلَا تَعَدِّيَ مَعَ الرِّضَا فَثَبَتَ حُكْمُ الْقَاطِعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. اهـ. رَازِيٌّ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْإِبْطَالَ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ سَابِقًا؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا وَهُوَ قَابِلٌ لَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِرْثَ حَقُّهَا وَهُوَ قَابِلٌ لِلْإِبْطَالِ بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ لَا يَقْبَلُ الْإِبْطَالَ أَصْلًا اهـ. (قَوْلُهُ فَكَانَتْ رَاضِيَةً بِالْبُطْلَانِ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ مُضْطَرَّةً؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاضْطِرَارِ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ فَلَمْ يَكُنْ جَانِيًا فِي الْفُرْقَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ وُجِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ) سَتَأْتِي مَعَ زِيَادَةٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ. (قَوْلُهُ، وَلِهَذَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الرَّجْعِيِّ وَإِنْ طَلَّقَهَا بِلَا سُؤَالِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهَا لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ إذْ هُوَ فَارٌّ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا فِي مَرَضِهِ أَوْ تَصَادَقَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَرِيضَ مَرَضَ الْمَوْتِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَدْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا فِي صِحَّتِي وَانْقَضَتْ عِدَّتُك فَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالتَّصَادُقِ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ فِي حَقِّهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَعَ زُفَرَ إلَخْ) هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ وَصَوَابُهُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَوَّلِ وَمَعَ زُفَرَ فِي الثَّانِيَةِ لِمَا عُرِفَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ قَالَ شَيْخُنَا رحمه الله وَلَعَلَّ السَّهْوَ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى الشَّارِحِ حَيْثُ اسْتَمَدَّ مِنْ الْهِدَايَةِ وَفِيهَا مَسْأَلَةُ التَّصَادُقِ قَبْلَ مَسْأَلَةِ الْإِبَانَةِ فِي الْمَرَضِ بِعَكْسِ مَا فِي الْكَنْزِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَأَرَادَ بِهَا مَسْأَلَةَ التَّصَادُقِ وَهِيَ الثَّانِيَةُ فِي الْكَنْزِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَأَرَادَ بِهَا مَسْأَلَةَ الْإِبَانَةِ فِي مَرَضِهِ وَهَذِهِ هِيَ الْأُولَى فِي الْكَنْزِ فَجَاءَهُ الِاشْتِبَاهُ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إلَخْ هَكَذَا فِي شَرْحِ الرَّازِيّ بِخَطِّهِ وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ تَحْتَ خَطِّهِ هَكَذَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ بِخَطِّهِ وَكَتَبَ عَلَى الْهَامِشِ صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَعَ زُفَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأُولَى اهـ أَقُولُ وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَلَهُمَا أَنَّ دَلِيلَ التُّهْمَةِ وَهِيَ الْعِدَّةُ قَائِمَةٌ فِي الْأُولَى يُؤَيِّدُ وَجْهَ الصَّوَابِ اهـ فَتَنَبَّهْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ دَلِيلَ التُّهْمَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْفَرْقُ لَهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ التُّهْمَةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ الدَّاعِي إلَيْهَا وَذَلِكَ قِيَامُ الْعِدَّةِ
وَهِيَ الْعِدَّةُ قَائِمَةٌ فِي الْأُولَى فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَلَا عِدَّةَ فِي الثَّانِيَةِ فَانْعَدَمَتْ التُّهْمَةُ، وَلِهَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَدَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهَا وَالشَّهَادَةُ لَهَا، وَهَذَا لِأَنَّ التُّهْمَةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى دَلِيلِهَا وَهِيَ الْعِدَّةُ كَمَا أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى النِّكَاحِ وَالْقَرَابَةِ حَتَّى امْتَنَعَتْ بِهِمَا هَذِهِ الْأَحْكَامُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمَّا مَرِضَ وَالنِّكَاحُ قَائِمٌ حَقِيقَةً أَوْ ظَاهِرًا صَارَ مُتَّهَمًا بِالْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ لَهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ قَدْ يَتَّفِقَانِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَعَلَى سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ لِيَنْفَتِحَ بَابُ الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ لِيَحْصُلَ لَهَا بِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْإِرْثِ فَتَرُدُّ الزِّيَادَةُ لِهَذِهِ التُّهْمَةِ وَلَا تُهْمَةَ فِي قَدْرِ الْمِيرَاثِ فَيَصِحُّ وَكَذَا لَا تُهْمَةَ فِي حَقِّ الزَّكَاةِ وَالتَّزَوُّجِ وَالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَوَاضَعَانِ عَادَةً لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ أَوْ نَقُولُ إنَّ التُّهْمَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ فَلَا تَتَعَدَّاهُمْ وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ حَقُّ الشَّرْعِ وَلَا تُهْمَةَ فِي حَقِّهِ ثُمَّ مَا تَأْخُذُهُ لَهُ حُكْمُ الْمِيرَاثِ حَتَّى إذَا تَوَى بَعْضُ التَّرِكَةِ يَتْوِي عَلَى الْكُلِّ وَلَهُ حُكْمُ الدَّيْنِ حَتَّى كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهَا مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ اعْتِبَارًا لِزَعْمِهَا. .
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ بَارَزَ رَجُلًا أَوْ قَدِمَ لِيَقْتُلَ بِقَوَدٍ أَوْ رَجْمٍ فَأَبَانَهَا وَرِثَتْ إنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ، وَلَوْ مَحْصُورًا أَوْ فِي صَفِّ الْقِتَالِ لَا) وَأَصْلُهُ مَا مَرَّ أَنَّ امْرَأَةَ الْفَارِّ تَرِثُ إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ اسْتِحْسَانًا بِأَنْ تَجْعَلَ الْبَيْنُونَةَ مَعْدُومَةً حُكْمًا كَمَا جُعِلَتْ الْقَرَابَةُ الثَّابِتَةُ مَعْدُومَةً حُكْمًا بِالْقَتْلِ جَزَاءً لِظُلْمِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ إذَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ حَقُّهَا بِهِ بِمَرَضٍ يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ غَالِبًا بِأَنْ يَكُونَ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَهُوَ الَّذِي لَا يَقُومُ بِحَوَائِجِهِ فِي الْبَيْتِ كَمَا يَعْتَادُهُ الْأَصِحَّاءُ وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِتَكْلِيفٍ وَاَلَّذِي يَقْضِي حَوَائِجَهُ فِي الْبَيْتِ وَهُوَ يَشْتَكِي لَا يَكُونُ فَارًّا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّ مَا يَخْلُو عَنْهُ وَقِيلَ إذَا كَانَ يَخْطُو ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ حُكْمًا وَإِلَّا فَهُوَ مَرِيضٌ
وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ قَضَاءِ حَوَائِجِهِ خَارِجَ الْبَيْتِ فَهُوَ مَرِيضٌ وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ بِهَا فِي الْبَيْتِ إذْ لَيْسَ كُلُّ مَرِيضٍ يَعْجِزُ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا فِي الْبَيْتِ كَالْقِيَامِ لِلْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَقِيلَ الْمَرِيضُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ جَالِسًا وَقِيلَ مَنْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَقْدِرَ أَنْ يَقُومَ إلَّا أَنْ يُقِيمَهُ غَيْرُهُ وَقِيلَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ إلَّا أَنْ يُهَادَى بَيْنَ اثْنَيْنِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَسْلُولِ وَالْمَفْلُوجِ وَأَمْثَالِهِمَا قِيلَ مَا دَامَ يَزْدَادُ مَا بِهِ فَهُوَ مَرِيضٌ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إنْ كَانَ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ بِالتَّدَاوِي فَهُوَ مَرِيضٌ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ، وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ إنْ كَانَ يَزْدَادُ أَبَدًا فَهُوَ مَرِيضٌ وَإِنْ كَانَ يَزْدَادُ مَرَّةً وَيَقِلُّ أُخْرَى فَهُوَ صَحِيحٌ وَقَدْ يَثْبُتُ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ تَوَجُّهُ حَرْفِ الْهَلَاكِ فِي غَيْرِ الْمَرِيضِ فَيَكُونُ فَارًّا إذَا أَبَانَهَا فِيهِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُبَارَزَةِ وَالتَّقْدِيمِ لِلْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الْهَلَاكُ وَالْمَحْصُورُ وَاَلَّذِي فِي صَفِّ الْقِتَالِ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةُ؛ لِأَنَّ الْحَصْرَ لِدَفْعِ بَأْسِ الْعَدُوِّ
وَكَذَا الْمَنَعَةُ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْفِرَارِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ طَلَاقَ الْمُبَارِزِ كَطَلَاقِ الصَّحِيحِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ إذَا قَدِمَ لِلْقِصَاصِ لَا يَكُونُ فَارًّا؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَدِمَ لِلرَّجْمِ وَعَلَى الْأَوَّلِ الِاعْتِمَادُ. وَقَوْلُهُ إنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قُتِلَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا مَاتَ بِذَلِكَ السَّبَبِ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ كَالْمَرِيضِ إذَا قُتِلَ وَفِيهِ خِلَافٌ عِيسَى بْنِ أَبَانَ هُوَ يَقُولُ إنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ وَلَمَّا مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ عَلِمْنَا أَنَّ مَرَضَهُ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ قُلْنَا الْمَوْتُ اتِّصَالٌ بِمَرَضِهِ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ وَقَدْ يَكُونُ لِلْمَوْتِ سَبَبَانِ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ مَرَضَهُ لَمْ يَكُنْ الْمَوْتَ وَأَنَّ حَقَّهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَالِهِ، وَلِهَذِهِ الْمَسَائِلِ أَخَوَاتٌ تَخْرُجُ عَلَى هَذَا الْحَرْفِ فَمَنْ لَا يَكُونُ فَارًّا رَاكِبُ السَّفِينَةِ وَالنَّازِلُ فِي الْمَسْبَعَةِ أَوْ فِي الْمُخِيفِ مِنْ عَدُوِّهِ وَالْمَحْبُوسُ لِيُقْتَلَ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ وَمِمَّنْ يَكُونُ فَارًّا رَاكِبُ السَّفِينَةِ إذَا انْكَسَرَتْ وَبَقِيَ عَلَى لَوْحٍ أَوْ افْتَرَسَهُ السَّبُعُ وَبَقِيَ فِي فَمِهِ
وَالْمَرْأَةُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالرَّجُلِ حَتَّى لَوْ بَاشَرَتْ سَبَبَ الْفِرَاقِ مِنْ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَالتَّمْكِينِ مِنْ ابْنِ الزَّوْجِ وَالِارْتِدَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَعْدَمَا حَصَلَ لَهَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَرَضِ وَغَيْرِهِ يَرِثُهَا الزَّوْجُ لِكَوْنِهَا فَارَّةً وَالْحَامِلُ لَا تَكُونُ فَارَّةً إلَّا إذَا جَاءَهَا الطَّلْقُ خِلَافًا لِمَالِكٍ بَعْدَ مَا تَمَّ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ هُوَ يَقُولُ تَتَوَقَّعُ الْوِلَادَةَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ قُلْنَا لَا يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ قَبْلَ الطَّلْقِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ دَلِيلَ التُّهْمَةِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالتُّهْمَةُ مَعْرُوفَةٌ وَيَجُوزُ فِي عَيْنِهَا السُّكُونُ وَالْفَتْحُ وَالْأَكْثَرُ الْفَتْحُ وَالسُّكُونُ حَسَنٌ كَذَا قَالَ عَبْدُ الْقَاهِرِ فِي الْمُقْتَصَدِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَا لَا يَتَوَاضَعَانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُوَاضَعَةُ عِبَارَةٌ عَنْ وَضْعِ الشَّخْصَيْنِ رَأْيَهُمَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ. .
(قَوْلُهُ وَمَنْ بَارَزَ رَجُلًا إلَخْ) هَذَا لِبَيَانِ أَنَّ حُكْمَ الْفِرَارِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الْمَرَضِ بَلْ كُلُّ شَيْءٍ يُقَرِّبُهُ إلَى الْهَلَاكِ غَالِبًا فَهُوَ فِي مَعْنَى مَرَضِ الْمَوْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ مَحْصُورًا) وَالْمَحْصُورُ الْمَحْبُوسُ يُقَالُ حَصَرْته أَحْصُرُهُ حَصْرًا إذَا حَبَسْته. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ زَمَانَ تَعَلُّقِ حُكْمِ حَقِّ الْوَارِثِ بِمَالِ الْمُوَرِّثِ فَتَرِثُهُ إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ دَفْعًا لِلظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ ثُمَّ كُلُّ سَبَبٍ يَكُونُ الْهَلَاكُ فِيهِ غَالِبًا يَثْبُتُ حُكْمُ الْفِرَارِ فَيَكُونُ ذَلِكَ السَّبَبُ فِي حُكْمِ مَرَضِ الْمَوْتِ وَمَا كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ وَإِنْ كَانَ يُخَافُ الْهَلَاكُ مِنْهُ فَلَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْمَرَضِ. (قَوْلُهُ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ كَالْمَرِيضِ إذَا قُتِلَ)، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ قُلْنَا الْمَوْتُ اتَّصَلَ بِمَرَضِهِ) إنَّمَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ مَرَضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ مَرَضٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْمَتْنِ نَزَلَتْ مَنْزِلَةَ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْنُونَ بِهِ كُلَّ سَبَبٍ يَكُونُ الْهَلَاكُ فِيهِ غَالِبًا اهـ. .
فَلَا يُعْتَبَرُ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ قَبْلَهُ احْتِمَالُ الْإِسْقَاطِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ. .
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ وَالتَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي مَرَضِهِ أَوْ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَهُمَا فِي مَرَضِهِ أَوْ الشَّرْطُ فَقَطْ أَوْ بِفِعْلِهَا وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ وَهُمَا فِي الْمَرَضِ أَوْ الشَّرْطُ وَرِثَتْ وَفِي غَيْرِهَا لَا) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَجِيءِ الزَّمَانِ أَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ الْمَرْأَةِ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ أَوْ كَانَا فِي الْمَرَضِ أَمَّا الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِمَجِيءِ الزَّمَانِ أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ لِلْفِرَارِ وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ لَمْ تَرِثْ
وَقَالَ زُفَرُ تَرِثُ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَكَانَ تَطْلِيقًا بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ وَلَنَا أَنَّهُ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ حُكْمًا لَا قَصْدًا، وَلِهَذَا لَوْ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهُوَ مَجْنُونٌ يَقَعُ، وَلَوْ كَانَ قَصْدًا لَمَا وَقَعَ لِعَدَمِ الْقَصْدِ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ بَعْدَ مَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطٍ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ كَانَ قَصْدًا لَحَنِثَ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ وَلَا هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مَنْعِ فِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ وَمَجِيءِ الزَّمَانِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا وَالْفِرَارُ بِالتَّعَدِّي، وَلِهَذَا شَرَطَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنْ يَكُونَا فِي الْمَرَضِ بِقَوْلِهِ وَالتَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي مَرَضِهِ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَتَرِثُ كَيْفَمَا كَانَ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ سَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ وَكَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاصِدًا إبْطَالَ حَقِّهَا بِالتَّعْلِيقِ وَالشَّرْطِ أَوْ بِالشَّرْطِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ لِلشَّرْطِ شَبَهًا بِالْعِلَلِ لِمَا أَنَّ الْوُجُودَ عِنْدَهُ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا مِنْ وَجْهٍ
صِيَانَةً لِحَقِّهَا
وَاضْطِرَارُهُ لَا يُبْطِلُ حَقَّ غَيْرِهِ كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ أَوْ النَّوْمِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا فَإِنْ كَانَ فِعْلًا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ لَمْ تَرِثْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِالشَّرْطِ وَالرِّضَا بِهِ يَكُونُ رِضًا بِالْمَشْرُوطِ
وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ إنْ ضَرَبْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ كَانَ لِلضَّارِبِ أَنْ يُضَمِّنَ الْحَالِفَ مَعَ رِضَاهُ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ الْإِرْثُ يُثْبِتُ بِمَالِهِ شُبْهَةَ الْعُدْوَانِ فَيُبْطِلُ بِمَالِهِ شُبْهَةً بِالرِّضَا كَذَلِكَ الضَّمَانُ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ الرِّضَا بِالشَّرْطِ إنَّمَا يَكُونُ رِضًا بِالْمَشْرُوطِ إذَا كَانَ الْإِقْدَامُ عَلَى الشَّرْطِ بِاخْتِيَارِهِ وَمَسْأَلَةُ الضَّرْبِ مَوْضُوعَةٌ فِيمَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَضْرِبْهُ الْيَوْمَ فَهُوَ حُرٌّ، وَقَالَ شَرِيكُهُ إنْ ضَرَبْته فَهُوَ حُرٌّ فَكَانَ مُضْطَرًّا فِي الضَّرْبِ فَلَا يَكُونُ الرِّضَا بِهِ رِضًا بِالْعِتْقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَكَلَامِ الْأَبَوَيْنِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَاسْتِيفَائِهِ تَرِثُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَا فِي الْمَرَضِ أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رحمه الله فِيمَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ هُوَ يَقُولُ إنَّ الزَّوْجَ لَمْ يُبَاشِرْ الْعِلَّةَ بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ وَلَا الشَّرْطَ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا وَبِهِ يَثْبُتُ الْفِرَارُ وَأَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنَّ رِضَاهَا قَدْ انْعَدَمَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لَا تَجِدُ مِنْهُ بُدًّا وَذَلِكَ لَا يَجْعَلُهُ فَارًّا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ كَمَا قُلْنَا فِي التَّعْلِيقِ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ وَمَجِيءِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الْمَرَضِ لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ وَهُمَا يَقُولَانِ أَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِي تَحْصِيلِ الشَّرْطِ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا إنْ لَمْ تُقْدِمْ يَخَافُ عَلَى دِينِهَا أَوْ نَفْسِهَا وَإِنْ أَقْدَمَتْ يَسْقُطُ حَقُّهَا
وَهَذَا الِاضْطِرَارُ مِنْ جِهَتِهِ فَيُنْقَلُ إلَيْهِ كَمَا يُنْقَلُ إلَى الْمُكْرَهِ وَإِلَى الشَّاهِدِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْقَاضِي شَيْءٌ عِنْدَ رُجُوعِهِمْ وَلَا عَلَى الْمُكْرَهِ فَإِنْ قِيلَ الضَّرُورَةُ الَّتِي تُوجِبُ نَقْلَ الْفِعْلِ هِيَ الضَّرُورَةُ الْحَامِلَةُ عَلَيْهِ وَهَذِهِ ضَرُورَةٌ مَانِعَةٌ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْمَنْعُ مِنْ تَحْصِيلِ الطَّلَاقِ فَكَيْفَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ قُلْنَا لَمَّا ثَبَتَتْ الضَّرُورَةُ ثَبَتَتْ شُبْهَةُ النَّقْلِ، وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ لِهَذَا الْحُكْمِ لِثُبُوتِهِ بِشُبْهَةِ الْعُدْوَانِ، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ رحمه الله وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى عَلَّقَهُ بِمَجِيءِ الزَّمَانِ أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ يُشْتَرَطُ فِيهِ لِإِرْثِهَا أَنْ يُوجَدَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ كَمَا شَرَطَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ عَلَّقَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يُوجَدَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ أَوْ الشَّرْطُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ بِأَنْ قَالَ إذَا دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ إذَا صَلَّى فُلَانٌ الظُّهْرَ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ كَالْمُنَجَّزِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَنَا أَنَّ التَّعْلِيقَ السَّابِقَ يَصِيرُ تَعْلِيقًا عِنْدَ الشَّرْطِ حُكْمًا لَا قَصْدًا وَلَا ظُلْمَ إلَّا عَنْ قَصْدٍ فَلَا يُرَدُّ تَصَرُّفُهُ، وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْفِرَارُ فَلَا تَرِثُ بَيَانُهُ أَنَّهُ حِينَ عَلَّقَ كَانَ صَحِيحًا وَلَمْ يَكُنْ حَقُّ الْمَرْأَةِ مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ فَلَمْ يُوجَدْ الْفِرَارُ وَحِينَ وُجِدَ الشَّرْطُ لَمْ يُوجَدْ فِعْلٌ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَمْرٌ سَمَاوِيٌّ، أَوْ فِعْلُ الْأَجْنَبِيِّ وَالزَّوْجُ لَيْسَ بِقَادِرٍ عَلَى إبْطَالِ التَّعْلِيقِ وَلَا عَلَى مَنْعِ الْفِعْلِ السَّمَاوِيِّ وَلَا عَلَى مَنْعِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ إيجَادِ الشَّرْطِ فَلَمْ يَكُنْ فَارًّا فَلَا تَرِثُ لِعَدَمِ قَصْدِ الْعُدْوَانِ مِنْ الزَّوْجِ اهـ. (قَوْلُهُ حُكْمًا) أَيْ ضَرُورَةَ تَحَقُّقِ الْمَشْرُوطِ لَا أَنَّهُ قَصَدَ الْإِيقَاعَ عِنْدَ الشَّرْطِ حَتَّى يَكُونَ فَارًّا اهـ. (قَوْلُهُ بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا إلَخْ) لَفْظَةُ مَا لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ فِعْلًا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ) أَيْ كَكَلَامِ زَيْدٍ وَنَحْوِهِ اهـ. (قَوْلُهُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ) أَيْ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَبِهِ يَثْبُتُ) أَيْ بِالتَّعَدِّي اهـ. (قَوْلُهُ فَيُنْقَلُ إلَيْهِ) أَيْ فَصَارَ كَأَنَّ الْفِعْلَ وُجِدَ مِنْ الزَّوْجِ فَتَرِثُ اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا يُنْقَلُ إلَى الْمُكْرَهِ) أَيْ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ اهـ. .
وَحْدَهُ فِي الْمَرَضِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُمَا فِي الْمَرَضِ أَوْ الشَّرْطِ فَقَطْ
وَإِنْ عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ وَأَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ أَوْ الشَّرْطُ وَحْدَهُ فِي الْمَرَضِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَهُمَا فِي الْمَرَضِ أَوْ الشَّرْطِ. وَقَوْلُهُ وَفِي غَيْرِهَا لَا أَيْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرْنَا لَا تَرِثُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الصِّحَّةِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ أَوْ كَيْفَمَا كَانَ إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا الَّذِي لَهَا مِنْهُ بُدٌّ فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا. .
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ فَصَحَّ فَمَاتَ أَوْ أَبَانَهَا فَارْتَدَّتْ فَأَسْلَمَتْ فَمَاتَ لَمْ تَرِثْ) أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّهُ بِالْبُرْءِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَرَضِ الْمَوْتِ وَأَنَّ حَقَّهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَالِهِ إذْ مَرَضُ الْمَوْتِ هُوَ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ الْمَوْتُ وَمَا بَرِئَ مِنْهُ لَيْسَ بِمَرَضِ الْمَوْتِ، وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ تَبَرُّعَاتُهُ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ غُرَمَاءُ الصِّحَّةِ، وَقَالَ زُفَرُ تَرِثُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالْفِرَارِ حِينَ طَلَّقَهَا ظَانًّا أَنَّهُ مَرَضُ الْمَوْتِ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْبُرْءِ الْمُتَخَلِّلِ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّاهُ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّهَا بِالِارْتِدَادِ أَبْطَلَتْ أَهْلِيَّةَ الْإِرْثِ إذْ الْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تَرِثُ بِتَقْدِيرِ بَقَاءِ النِّكَاحِ فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ فَلَمْ يَبْقَ النِّكَاحُ سَبَبًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ فِي حَقِّهَا فَبَطَلَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِذَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ عَوْدُ السَّبَبِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ حَيْثُ تَعُودُ إذَا أَسْلَمَتْ لِأَنَّ سُقُوطَهَا لِفَوَاتِ الِاحْتِبَاسِ بِحَبْسِ الزَّوْجِ لِأَنَّهَا تَكُونُ مَحْبُوسَةً بِحَبْسِ الْقَاضِي فَإِذَا أَسْلَمَتْ عَادَتْ إلَى حَبْسِهِ فَتَعُودُ النَّفَقَةُ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ طَاوَعَتْ ابْنَ الزَّوْجِ أَوْ لَاعَنَ أَوْ آلَى مَرِيضًا وَرِثَتْ) أَمَّا الْمُطَاوَعَةُ فَالْمُرَادُ بِهَا الْمُطَاوَعَةُ بَعْدَ مَا أَبَانَهَا أَمَّا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالْمُطَاوَعَةِ لَا تَرِثُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهَا فَلَمْ يَكُنْ فَارًّا، وَكَذَا إذَا طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا ثُمَّ طَاوَعَتْ لَا تَرِثُ لِمَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ فَتَكُونُ الْحُرْمَةُ مُضَافَةً إلَى الْمُطَاوَعَةِ وَهُوَ فِعْلُهَا بِاخْتِيَارِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا طَاوَعَتْ بَعْدَ مَا أَبَانَهَا؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَبَتَتْ بِفِعْلِهِ فَصَارَ بِهِ فَارًّا لِتَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ وَلَا يَبْطُلُ بِثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُنَافِي الْإِرْثَ بِخِلَافِ الرِّدَّةِ بَعْدَ الْإِبَانَةِ؛ لِأَنَّهَا تُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْإِرْثِ إذْ الْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا. وَأَمَّا اللِّعَانُ فَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ بِسَبَبِ قَذْفٍ وُجِدَ مِنْهُ فَكَانَ فَارًّا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا قَذَفَهَا فِي الصِّحَّةِ وَلَاعَنَهَا فِي الْمَرَضِ لَا تَرِثُ، وَهَذَا مُلْحَقٌ بِفِعْلِهَا الَّذِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ إذْ هِيَ مُلْجَأَةٌ إلَى اللِّعَانِ لِدَفْعِ عَارِ الزِّنَا عَنْ نَفْسِهَا وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بَيَانَ أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِهِ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِلِعَانِهَا وَهُوَ آخِرُ اللِّعَانَيْنِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَكَيْفَ يُضَافُ إلَى فِعْلِهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ اللِّعَانُ شَهَادَةٌ عِنْدَنَا وَالْحُكْمُ بِهَا لَا بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَلْجَأٌ فَكَانَ مَنْسُوبًا إلَيْهَا وَهِيَ مُضْطَرَّةٌ فِيهِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهَا بِهِ. وَأَمَّا الْإِيلَاءُ فَالْمُرَادُ بِهِ إذَا آلَى فِي الْمَرَضِ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ مَرِيضٌ. وَأَمَّا إذَا آلَى وَهُوَ صَحِيحٌ وَبَانَتْ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا وَنَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوْ لَاعَنَ أَوْ آلَى مَرِيضًا وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهَا إذَا مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَأَنْتِ بَائِنٌ وَقَدْ بَيَّنَّا الْحُكْمَ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ فِي الْإِيلَاءِ فِي الصِّحَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَارًّا لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إبْطَالِهِ بِالْفَيْءِ فَإِذَا لَمْ يَفِئْ حَتَّى بَانَتْ كَانَ قَاصِدًا لِإِبْطَالِ حَقِّهَا فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ فَتَرِثُ كَمَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا فِي الصِّحَّةِ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ فِي مَرَضِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهَا تَرِثُ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ مُبَاشِرًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْعَزْلِ قُلْنَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَيْءِ إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مُطْلَقًا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَلَمْ يَبْقَ النِّكَاحُ سَبَبًا فِي حَقِّ الْإِرْثِ) أَيْ إذْ بِارْتِدَادِهَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ مَا بَطَلَ النِّكَاحُ اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ) أَيْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالْمُطَاوَعَةِ لَا تَرِثُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا طَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ أَكْرَهَهَا ابْنُ زَوْجِهَا فَغَلَبَ عَلَى نَفْسِهَا حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهَا الْمِيرَاثُ إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمَّا إذَا طَاوَعَتْ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِ الْفُرْقَةِ، وَكَذَا إذَا أَكْرَهَهَا ابْنُ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمَّا بَطَلَ بِالْمَحْرَمِيَّةِ الْحَاصِلَةِ بِحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ لَمْ يُصَادِفْ طَلَاقُ الزَّوْجِ مَحَلًّا فَلَمْ يَكُنْ فَارًّا إلَّا إذَا أَمَرَ ابْنَهُ بِذَلِكَ فَأَكْرَهَهَا حَيْثُ يَكُونُ لَهَا الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ صَارَ قَاصِدًا إلَى إسْقَاطِ حَقِّهَا فَصَارَ فَارًّا وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُرِيدُ بَعْدَ مَا أَبَانَهَا فَلَا يَبْطُلُ مِيرَاثُهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ لِلْإِرْثِ لَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَتِهَا وَإِنَّمَا تَكَرَّرَ سَبَبُ الْفِرَارِ مِنْ الزَّوْجِ أَعْنِي الرِّدَّةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَبِهِ يَتَقَرَّرُ حَقُّهَا وَلَا يَبْطُلُ اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُنَافِي الْإِرْثَ) أَيْ، وَلِهَذَا يَرِثُ الْمَحْرَمُ مِنْ الْمَحْرَمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ) أَيْ وَلَاعَنَ فِي الْمَرَضِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْ. اهـ. رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ) أَيْ وَزُفَرُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَاعَنَهَا فِي الْمَرَضِ لَا تَرِثُ) أَيْ لِعَدَمِ الْفِرَارِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ قَذْفُ الرَّجُلِ وَلَمْ يَكُنْ قَذْفُهُ فِي زَمَانِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا آلَى وَهُوَ صَحِيحٌ) أَيْ بِأَنْ قَالَ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ مَرِضَ ثُمَّ مَضَتْ الْمُدَّةُ فِي الْمَرَضِ وَحَصَلَتْ الْبَيْنُونَةُ لَمْ تَرِثْ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ تُضَافُ إلَى الْإِيلَاءِ وَقَدْ وُجِدَ الْإِيلَاءُ فِي الصِّحَّةِ وَلَمْ يَصْنَعْ الزَّوْجُ فِي الْمَرَضِ شَيْئًا مِنْ مُبَاشَرَةِ عِلَّةٍ أَوْ شَرْطٍ اهـ رَازِيٌّ. (قَوْلُهُ وَبَانَتْ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا) أَيْ اتِّفَاقًا وَيَحْتَاجُ الشَّيْخَانِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا قَذَفَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَاعَنَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ حَيْثُ قَالَا لَهَا الْمِيرَاثُ وَفَرَّقَ لَهُمَا بِأَنَّ الْقَذْفَ مَحْظُورٌ فَجُوزِيَ بِرَدِّ قَصْدِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ فَلَمْ يَرْتَكِبْ بِهِ مَحْظُورًا فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ اهـ. .