الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آخَرُ لِلْقِرَانِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ لِلْأَوَّلِ، وَلَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: قَارِنٌ ذَبَحَ قَبْلَ الْحَلْقِ عَلَيْهِ دَمَانِ دَمٌ لِلْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَدَمٌ لِلْقِرَانِ يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا دَمُ الْقِرَانِ وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ دَمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ دَمُ الْقِرَانِ لِتَحَقُّقِ سَبَبِهِ ثُمَّ عِنْدَهُ يَجِبُ دَمٌ آخَرُ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ دَمَانِ إجْمَاعًا دَمُ الْقِرَانِ وَدَمٌ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ لَا يَحِلُّ إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ فَإِذَا حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ فَقَدْ صَارَ جَانِيًا عَلَى إحْرَامِهِ وَيَجِبُ دَمٌ آخَرُ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَجِبَ خَمْسَةُ دِمَاءٍ عَلَى قَوْلِهِ ثَلَاثَةٌ مَا ذَكَرَهُ هُوَ وَدَمَانِ لِلْجِنَايَةِ فِي إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْقَارِنِ مَضْمُونٌ بِدَمَيْنِ وَحَلْقُهُ قَبْلَ أَوَانِهِ جِنَايَةٌ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ دَمَانِ لِلْجِنَايَةِ وَكَذَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ دَمَيْنِ لِأَجْلِ الْجِنَايَةِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْكَافِي وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
(فَصْلٌ) اعْلَمْ أَنَّ الصَّيْدَ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُمْتَنِعُ الْمُتَوَحِّشُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَهُوَ نَوْعَانِ بَرِّيٌّ، وَهُوَ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ وَتَنَاسُلُهُ فِي الْبَرِّ، وَبَحْرِيٌّ، وَهُوَ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلِدَ هُوَ الْأَصْلُ، وَالتَّعَيُّشُ بَعْدَ ذَلِكَ عَارِضٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ، وَيَحْرُمُ الْأَوَّلُ عَلَى الْمُحْرِمِ دُونَ الثَّانِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وقَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] الْآيَةَ وَالْخَمْسُ الْفَوَاسِقُ خَارِجَةٌ بِالنَّصِّ عَلَى مَا يَجِيءُ قَالَ رحمه الله (إنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) أَمَّا وُجُوبُهُ بِالْقَتْلِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] وَقَدْ نَصَّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِهِ، وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فَلِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، وَقَالَ عَطَاءٌ: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ عَلَى الدَّالِّ الْجَزَاءَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ بِالدَّلَالَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَتْلِ، وَالدَّلَالَةُ لَيْسَتْ بِقَتْلٍ فَأَشْبَهَ دَلَالَةَ الْحَلَالِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ الدَّلَالَةَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَأَنَّهُ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ عَلَى الصَّيْدِ؛ إذْ هُوَ آمِنٌ بِتَوَحُّشِهِ وَتَوَارِيهِ فَصَارَ كَالْإِتْلَافِ وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ بِإِحْرَامِهِ الْتَزَمَ الِامْتِنَاعَ عَنْ التَّعَرُّضِ فَيَضْمَنُ بِتَرْكِ مَا الْتَزَمَهُ كَالْمُودَعِ إذْ دَلَّ السَّارِقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ الْحَلَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا الْتِزَامَ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِالدَّلَالَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ إذَا دَلَّ السَّارِقَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الدَّالِّ الْحَلَالِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ، وَالدَّلَالَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْجَزَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ وَأَنْ يُصَدِّقَهُ فِي الدَّلَالَةِ وَأَنْ يَبْقَى الدَّالُّ مُحْرِمًا إلَى أَنْ يَقْتُلَهُ، وَأَنْ يَنْفَلِتَ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْفَلَتَ صَارَ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ ثُمَّ انْدَمَلَ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ النَّاسِي وَالْعَامِدُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا كَإِتْلَافِ الْأَمْوَالِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْعَمْدِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] لِأَجْلِ الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ فِي آخِرِ الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: 95] وَالْمُبْتَدِئُ فِي الْحَجِّ، وَالْعَائِدُ فِيهِ سَوَاءٌ وَكَذَا الْمُبْتَدِئُ فِي الْقَتْلِ، وَالْعَائِدُ لِمَا ذَكَرْنَا
قَالَ رحمه الله (وَهُوَ قِيمَةُ الصَّيْدِ بِتَقْوِيمِ عَدْلَيْنِ فِي مَقْتَلِهِ أَوْ أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْهُ فَيَشْتَرِي بِهَا هَدْيًا وَذَبَحَهُ إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ هَدْيًا، أَوْ طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَالْفِطْرِ، أَوْ صَامَ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا) أَيْ الْجَزَاءُ قِيمَةُ الصَّيْدِ بِأَنْ يُقَوِّمَهُ عَدْلَانِ فِي مَوْضِعٍ قُتِلَ فِيهِ أَوْ فِي أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْهُ إنْ كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْقِيمَةِ إنْ شَاءَ ابْتَاعَ بِهَا هَدْيًا وَذَبَحَهُ إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ هَدْيًا أَوْ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا، وَتَصَدَّقَ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ كَمَا قُلْنَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَجِبُ النَّظِيرُ فِيمَا لَهُ نَظِيرٌ فَفِي الظَّبْيِ شَاةٌ، وَفِي الضَّبُعِ شَاةٌ وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ، وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ، وَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ، وَزَادَ الشَّافِعِيُّ فَأَوْجَبَ فِي الْحَمَامَةِ شَاةً، وَزَعَمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُشَابَهَةً مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعُبُّ وَيَهْدُرُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَجِبُ فِيهَا الْقِيمَةُ وَكَذَا قَوْلُهُمَا فِيمَا لَا نَظِيرَ لَهُ كَالْعُصْفُورِ يَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ فَإِذَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ عِنْدَهُمَا كَانَ جَوَابُ مُحَمَّدٍ كَجَوَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَجَوَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ أَنَّهُ يَصُومُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: قَارِنٌ ذَبَحَ قَبْلَ الْحَلْقِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ قَارِنٌ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ اهـ (قَوْلُهُ: وَدَمٌ لِلْقِرَانِ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ جِنَايَةَ الْقَارِنِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا رحمه الله: هَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ إنَّمَا تَتَضَاعَفُ عَلَى الْقَارِنِ إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْجِنَايَةُ تُوجِبُ عَلَى الْمُفْرِدِ دَمًا، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَلَا خِلَافَ أَيْضًا أَنَّ الْمُفْرِدَ لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ بِهِ دَمَانِ فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ عَلَيْهِ دَمَيْنِ لَيْسَ إلَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا دَمٌ وَاحِدٌ. اهـ.
[فَصْلٌ الصَّيْدَ فِي الحرم]
{فَصْلٌ} (قَوْلُهُ {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1] أَيْ مُحْرِمُونَ جَمْعُ حَرَامٍ كَرُدُحٍ فِي جَمْعِ رَدَاحٍ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ أَيْ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ أَوْ عَالِمًا أَنَّ مَا يَقْتُلُهُ مِمَّا يَحْرُمُ قَتْلُهُ عَلَيْهِ فَإِنْ قَتَلَهُ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ، أَوْ رَمَى صَيْدًا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ فَهُوَ مُخْطِئٌ. اهـ. مَدَارِكُ (قَوْلُهُ: وَالتَّقْيِيدُ بِالْعَمْدِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَدَارِكِ: وَإِنَّمَا شُرِطَ التَّعَمُّدُ فِي الْآيَةِ مَعَ أَنَّ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ يَسْتَوِي فِيهَا الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَ الْآيَةِ فِيمَنْ تَعَمَّدَ فَقَدْ رُوِيَ «أَنَّهُ عَنَّ لَهُمْ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ حِمَارُ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو الْيُسْرِ فَقَتَلَهُ فَقِيلَ لَهُ: إنَّك قَتَلْتَ الصَّيْدَ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ فَنَزَلَتْ» وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِعْلُ التَّعَمُّدِ، وَالْخَطَأُ يُلْحَقُ بِهِ لِلتَّغْلِيظِ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ نَزَلَ الْكِتَابُ بِالْعَمْدِ، وَوَرَدَتْ السُّنَّةُ بِالْخَطَأِ. اهـ. مَدَارِكُ
(قَوْلُهُ: يَعُبُّ وَيَهْدُرُ) عَبَّ مِنْ بَابِ طَلَبَ أَيْ شَرِبَ الْمَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْطَعَ الْجَرْعَ، وَالْحَمَامُ يَشْرَبُ هَكَذَا بِخِلَافِ سَائِرِ الطُّيُورِ فَإِنَّهَا تَشْرَبُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَهَدَرَ الْبَعِيرُ وَالْحَمَامُ إذَا صَوَّتَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ انْتَهَى أك (قَوْلُهُ وَكَذَا قَوْلُهُمَا) أَيْ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ اهـ
أَوْ يَتَصَدَّقُ وَلَا يَذْبَحُ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ عِنْدَهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ النَّظِيرِ لِمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] أَوْجَبَ الْمُمَاثَلَةَ مُقَيَّدًا بِكَوْنِهِ نِعْمَةً تَقْدِيرُهُ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ مِنْ النَّعَمِ مِثْلُ الْمَقْتُولِ فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ مِثْلُهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَقَدْ خَالَفَ النَّصَّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ مِنْ النَّعَمِ، وَلَا مِنْ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمِثْلِ مَا يُمَاثِلُ الشَّيْءَ صُورَةً وَمَعْنًى، وَإِنَّمَا يُعْدَلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ وَهُنَا مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ النَّظِيرَ مِثْلٌ صُورَةً وَمَعْنًى، وَالْقِيمَةُ مِثْلٌ مَعْنًى لَا صُورَةً فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظِيرٌ؛ وَلِهَذَا أَوْجَبَتْ الصَّحَابَةُ النَّظِيرَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمِثْلُ، وَالْمِثْلُ الْمُطْلَقُ هُوَ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى وَعِنْدَ تَعَذُّرِهِ يُعْتَبَرُ الْمِثْلُ مَعْنًى، وَأَمَّا الْمِثْلُ صُورَةً بِلَا مَعْنًى فَلَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا مِثَالُهُ إذَا أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا؛ لِأَنَّهُ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ مَعْنًى.
وَيَقُومُ مَقَامَهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ مِثْلُهُ صُورَةً فِي الشَّرْعِ حَتَّى لَوْ أَتْلَفَ دَابَّةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَابَّةٌ مِثْلُهَا مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ لِاخْتِلَافِ الْمَعَانِي فِيهَا فَمَا ظَنُّك مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ؛ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْبَقَرَةُ مِثْلًا لِلْبَقَرَةِ فَكَيْفَ تَكُونُ مِثْلًا لِحِمَارِ الْوَحْشِ، وَكَيْفَ تَكُونُ الشَّاةُ مِثْلًا لِلظَّبْيِ، وَهِيَ لَا تَكُونُ مِثْلًا لِلشَّاةِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَفَسَادُ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، وَهُنَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْمِثْلِ مَعْنًى، وَهُوَ الْقِيمَةُ لِكَوْنِهِ مَعْهُودًا فِي الشَّرْعِ أَوْ لِكَوْنِهِ مُرَادًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ مَا لَا نَظِيرَ لَهُ تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ فَلَا يَكُونُ النَّظِيرُ مُرَادًا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يَتَنَاوَلُ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] عَامٌّ لِجَمِيعِ الصَّيْدِ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] عَائِدٌ إلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمِثْلُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] مِثْلًا لِلْكُلِّ، وَلَيْسَ لَنَا مِثْلٌ يَعُمُّ الْكُلَّ إلَّا الْقِيمَةَ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِثْلِ الْقِيمَةُ وَلِأَنَّ الْمِثْلَ لَوْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَالْمَنْظَرُ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى الْعَدْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ حَكَمُوا بِالْمِثْلِ.
وَهُوَ النَّظِيرُ عَلَى زَعْمِهِمْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَحْكِيمٍ جَدِيدٍ فِي كُلِّ مَقْتُولٍ لِلِاسْتِغْنَاءِ بِحُكْمِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِالنَّعَمِ فِي النَّصِّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الْمَقْتُولُ، وَهُوَ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّ اسْمَ النَّعَمِ يُطْلَقُ عَلَى الْوَحْشِ هَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَصْمَعِيُّ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ فَجَزَاءُ قِيمَةِ مَا قُتِلَ مِنْ النَّعَمِ الْوَحْشِ، وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ التَّقْدِيرُ دُونَ إيجَابِ الْعَيْنِ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ يُفَكُّ الْغُلَامُ بِالْغُلَامِ وَالْجَارِيَةُ بِالْجَارِيَةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ تَقْدِيرُهُمْ لَازِمًا فِي الْأَزْمِنَةِ كُلِّهَا وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَحْكِيمِ الْحَكَمَيْنِ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ بِقَوْلِهِمْ وَرَأْيِهِمْ ثُمَّ إذَا ظَهَرَتْ قِيمَتُهُ بِتَقْوِيمِهِمَا خُيِّرَ الْقَاتِلُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ: الْخِيَارُ إلَى الْحَكَمَيْنِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ حَكَمَا بِالْهَدْيِ يَجِبُ النَّظِيرُ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنْ حَكَمَا بِالطَّعَامِ أَوْ الصَّوْمِ فَعَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَهُمَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْحَكَمَيْنِ لِإِظْهَارِ قِيمَةِ الصَّيْدِ وَبَعْدَ مَا ظَهَرَتْ قِيمَتُهُ يَكُونُ الْخِيَارُ إلَى الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ رِفْقًا بِمَنْ عَلَيْهِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْفِدْيَةِ وَلِمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ قَوْله تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] أَثْبَتَ لَهُمَا الْحُكْمَ فِي الْهَدْيِ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ التَّكْفِيرَ بِالْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ بِكَلِمَةِ أَوْ فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهِمَا ضَرُورَةً قُلْنَا قَوْله تَعَالَى {أَوْ كَفَّارَةٌ} [المائدة: 95] مَعْطُوفٌ عَلَى فَجَزَاءٌ وَكَذَا قَوْلُهُ {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ حُكْمِهِمَا، وَإِنَّمَا كَانَ يَدْخُلُ أَنْ لَوْ كَانَ مَجْرُورًا عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ يَحْكُمُ، وَهَذَا مَرْفُوعٌ فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى اخْتِيَارِ الْحَكَمَيْنِ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ إلَيْهِمَا فِي مَعْرِفَةِ قِيمَتِهِ لَا غَيْرُ وَيُقَوِّمَانِهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي قَتَلَهُ فِيهِ فِي زَمَانِ الْقَتْلِ لِاخْتِلَافِ الْقِيَمِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَالْأَزْمِنَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَرِّيَّةٍ لَا يُبَاعُ فِيهَا الصَّيْدُ يُعْتَبَرُ أَقْرَبُ الْمَوَاضِعِ مِنْهُ مِمَّا يُبَاعُ فِيهِ، وَالْوَاحِدُ يَكْفِي فِي التَّقْوِيمِ.
وَالْمَثْنَى أَحْوَطُ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْغَلَطِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ الْمَثْنَى لِظَاهِرِ النَّصِّ، فَإِنْ اخْتَارَ التَّكْفِيرَ فَعَلَيْهِ الذَّبْحُ فِي الْحَرَمِ وَالتَّصَدُّقُ بِلَحْمِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالنَّقْلِ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَيَجُوزُ الْإِطْعَامُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ هُوَ يَقِيسُهُ عَلَى الْهَدْيِ، وَالْجَامِعُ التَّوْسِعَةُ عَلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ، وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّا وَيَجُوزُ الصَّوْمُ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ عِبَادَةَ قَهْرِ النَّفْسِ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ، وَإِنْ ذَبَحَ فِي
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ النَّظِيرُ مُرَادًا) أَيْ إذْ لَا عُمُومَ لِلْمُشْتَرِكِ. اهـ. مَدَارِكُ
غَيْرِ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ عَنْ الطَّعَامِ يَعْنِي إذَا تَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ، وَفِيهِ وَفَاءٌ، وَأَعْطَى كُلَّ مِسْكِينٍ مِنْ اللَّحْمِ مَا يُسَاوِي نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَبَحَ فِي الْحَرَمِ حَيْثُ يَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْإِرَاقَةِ حَتَّى إذَا تَلِفَ أَوْ سُرِقَ بَعْدَ الذَّبْحِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
وَفِيمَا إذَا ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ تُعْتَبَرُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالتَّصَدُّقِ لَا غَيْرُ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا إلَّا مَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْهَدْيِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] كَمَا انْصَرَفَ إلَيْهِ هَدْيُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَأَوْجَبَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ صِغَارَ النَّعَمِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَوْجَبُوا جَفْرَةً وَعَنَاقًا قُلْنَا: يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِطْعَامِ كَالْمَذْبُوحِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، وَهُوَ تَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْهُمْ، وَإِذَا وَقَعَ الِاخْتِيَارُ عَلَى الْإِطْعَامِ اشْتَرَى بِالْقِيمَةِ طَعَامًا وَأَطْعَمَ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ الْبُرِّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ كَمَا يُطْعِمُ فِي الْكَفَّارَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ، وَلَهُ أَنْ يُطْعِمَ أَكْثَرَ تَبَرُّعًا حَتَّى لَا تُحْسَبَ الزِّيَادَةُ مِنْ الْقِيمَةِ كَيْ لَا يُنْتَقَصَ أَعْدَادُ الْمَسَاكِينِ، وَإِنْ اخْتَارَ الصَّوْمَ يُقَوَّمُ الْمَقْتُولُ طَعَامًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ يُقَوَّمُ النَّظِيرُ فِيمَا لَهُ نَظِيرٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ عِنْدَهُمَا ثُمَّ يَصُومُ مَكَانَ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلصَّوْمِ فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ بِالْمَقْتُولِ فَقُدِّرَ بِالطَّعَامِ.
وَقَدْ عُهِدَ فِي الشَّرْعِ إقَامَةُ طَعَامِ مِسْكِينٍ مَقَامَ صَوْمِ يَوْمٍ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، قَالَ رحمه الله (وَلَوْ فَضَلَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ صَامَ يَوْمًا) أَيْ لَوْ فَضَلَ مِنْ الطَّعَامِ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ صَامَ عَنْهُ يَوْمًا كَامِلًا، وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ؛ لِأَنَّ صَوْمَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَكَذَا إنْ كَانَ الْوَاجِبُ ابْتِدَاءً دُونَ طَعَامِ مِسْكِينٍ بِأَنْ كَانَ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ لِمَا قُلْنَا، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي كَفَّارَةِ الصَّيْدِ الصَّوْمَ أَصْلٌ كَالْإِطْعَامِ حَتَّى يَجُوزَ الصَّوْمُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِطْعَامِ فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَإِكْمَالُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَأَمَّا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ الصَّوْمُ يَدُلُّ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ لِلتَّنَافِي، وَلَا يُتَصَوَّرُ إتْمَامُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَإِنْ اخْتَارَ الْهَدْيَ وَفَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ لَا يَبْلُغُ هَدْيًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي الْفَضْلِ إنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ يَوْمًا، وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ وَأَعْطَى كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ، وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِالْبَعْضِ وَصَامَ عَنْ الْبَعْضِ لِمَا قُلْنَا.
وَعَلَى هَذَا لَوْ بَلَغَ قِيمَتُهُ هَدْيَيْنِ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ذَبَحَهُمَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِمَا أَوْ صَامَ عَنْهُمَا أَوْ ذَبَحَ أَحَدَهُمَا وَأَدَّى بِالْآخَرِ أَيَّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثِ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ قِيلَ: يُنْتَقَضُ هَذَا بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الْآخَرِ وَمَعَ هَذَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ، قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّقْدِيرَ مُتَّحِدٌ فِي كَفَّارَةِ الصَّيْدِ، وَهُوَ قِيمَتُهُ فَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ شَاءَ، وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأَنْوَاعِ بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ قَدْرَ أَحَدِهِمَا مُخَالِفٌ قَدْرَ الْآخَرِ فَلَا يَكُونَانِ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ إذَا كَسَا خَمْسَةً وَأَطْعَمَ خَمْسَةً يُجْزِيهِ عَنْ الطَّعَامِ إنْ كَانَ الطَّعَامُ أَرْخَصَ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ أَعْطَى قِيمَةَ الطَّعَامِ، وَإِنْ كَانَتْ الْكِسْوَةُ أَرْخَصَ يُجْزِيهِ عَنْ الْكِسْوَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَفَرْقٌ آخَرُ أَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَلَا يَجُوزُ دُونَهُ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الصَّيْدِ
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ جَرَحَهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوَهُ أَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ) اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَهَذَا إذَا بَرَأَ، وَبَقِيَ أَثَرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ لَا يَضْمَنُ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ لِلْأَلَمِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَلَعَ سِنَّهُ أَوْ ضَرَبَ عَيْنَهُ فَابْيَضَّتْ فَنَبَتَ لَهُ سِنٌّ، أَوْ زَالَ الْبَيَاضُ وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ بِخِلَافِ جُرْحِ الْآدَمِيِّ إذَا انْدَمَلَ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِزَوَالِ الشَّيْنِ، وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ مَا جَرَحَهُ ضَمِنَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ جُرْحَهُ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ بِهِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَبْرَأْ، وَلَوْ غَابَ الصَّيْدُ، وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ مَاتَ أَوْ بَرَأَ ضَمِنَ نُقْصَانَهُ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ بِالْجُرْحِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ بِالِاحْتِمَالِ وَالشَّكِّ، وَهَذَا قِيَاسٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ احْتِيَاطًا لِمَعْنَى الْعِبَادَةِ كَمَنْ أَخَذَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فَأَرْسَلَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ دُخُولَهُ الْحَرَمَ بِخِلَافِ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ
قَالَ رحمه الله (وَتَجِبُ الْقِيمَةُ بِنَتْفِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فِي الْهَدْيِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ) أَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ -: لَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ لَكِنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ إنْ شَاءَ تَصَدَّقَ فَأَطْلَقَ الشَّارِحُ عَلَيْهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُرَاعَاةً لِمَعْنَاهُ لَكِنْ عَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: وَقَوْلُهُ: إنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِدُونِ الْوَاوِ؛ إذْ لَا وَجْهَ لِلْإِتْيَانِ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ) مَعْنَاهُ لَوْ خَرَجَ الصَّيْدُ الْمَمْلُوكُ، وَلَمْ يُعْلَمْ مَوْتُهُ بِالْخُرُوجِ بِأَنْ انْفَلَتَ مِنْ صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ النُّقْصَانُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِعَدَمِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ.
رِيشِهِ وَقَطْعِ قَوَائِمِهِ وَحَلْبِهِ وَكَسْرِ بَيْضِهِ وَخُرُوجِ فَرْخٍ مَيِّتٍ بِهِ) أَيْ بِالْكَسْرِ أَمَّا وُجُوبُ الْقِيمَةِ بِنَتْفِ رِيشِهِ أَوْ قَطْعِ قَوَائِمِهِ فَلِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْأَمْنَ بِتَفْوِيتِ آلَةِ الِامْتِنَاعِ فَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَلَعَ عَيْنَيْ عَبْدٍ أَوْ قَطَعَ رِجْلَيْهِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْقِيمَةِ بِحَلْبِهِ يَعْنِي قِيمَةَ اللَّبَنِ فَلِأَنَّ اللَّبَنَ مِنْ أَجْزَائِهِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِكُلِّهِ، وَأَمَّا وُجُوبُهَا بِكَسْرِ بَيْضِهِ يَعْنِي وُجُوبَ قِيمَةِ الْبَيْضِ فَلِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِيَكُونَ صَيْدًا فَأُعْطِيَ لَهُ حُكْمَ الصَّيْدِ فِي إيجَابِ الْجَزَاءِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ فِي قَوْله تَعَالَى {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ} [المائدة: 94] الْبَيْضُ، وَرِمَاحُكُمْ الصَّيْدُ، وَلِأَنَّهُ صَيْدٌ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ دُونَ الْحَالِ فَاعْتِبَارُ الْحَالِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْجَزَاءِ، وَاعْتِبَارُ الْمَآلِ يُوجِبُ الْجَزَاءَ فَأَوْجَبْنَاهَا احْتِيَاطًا مَا لَمْ يَفْسُدْ، فَإِنْ فَسَدَ بِأَنْ صَارَ مَذِرَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ مِنْهُ صَيْدٌ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ لَا حَالًا وَلَا مَآلًا وَأَمَّا وُجُوبُ الْقِيمَةِ بِخُرُوجِ فَرْخٍ مَيِّتٍ بِالْكَسْرِ فَلِأَنَّ الْبَيْضَ مُعَدٌّ لِيَخْرُجَ مِنْهُ فَرْخٌ حَيٌّ، وَالتَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ وَاجِبٌ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهُ، وَكَسْرُ الْبَيْضِ قَبْلَ وَقْتِهِ سَبَبٌ لِمَوْتِ الْفَرْخِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَاتَ بِهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ بِهِ سِوَى الْبَيْضَةِ؛ لِأَنَّ حَيَاةَ الْفَرْخِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، وَكَذَا لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ ظَبْيَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ سَبَبٌ صَالِحٌ لِمَوْتِهِمَا بِخِلَافِ مَنْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ حَيْثُ يَجِبُ ضَمَانُ الْأُمِّ، وَلَا يَجِبُ ضَمَانُ الْوَلَدِ غَيْرُ الْغُرَّةِ فِي الْحُرَّةِ، وَفِي الْأَمَةِ يَجِبُ قِيمَةُ الْأُمِّ، وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَةِ الْوَلَدِ لَوْ كَانَ ذَكَرًا أَوْ عُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ أُنْثَى؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ جُزْءٌ مِنْ وَجْهٍ، وَنَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ فَجَزَاءُ الصَّيْدِ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَرَجَّحْنَا فِيهِ جَانِبَ النَّفْسِيَّةِ فَأَوْجَبْنَا فِيهِ ضَمَانَهُمَا بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَإِنْ قَتَلَ خِنْزِيرًا أَوْ قِرْدًا أَوْ فِيلًا تَجِبُ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَحِّشٌ لَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ
قَالَ رحمه الله (وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ غُرَابٍ وَحِدَأَةٍ وَذِئْبٍ وَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَفَارَةٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ بِعِوَضٍ وَنَمْلٍ وَبُرْغُوثٍ وَقُرَادٍ وَسُلَحْفَاةٍ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ بِقَتْلِ خَمْسٍ فَوَاسِقَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَارَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ الذِّئْبُ أَوْ ثَبَتَ جَوَازُ قَتْلِهِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْخَمْسِ فِي الِابْتِدَاءِ بِالْأَذَى وَالْمُرَادُ بِالْغُرَابِ الْأَبْقَعُ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ أَوْ يَخْلِطُ، وَأَمَّا الْعَقْعَقُ فَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ لِلْمُحْرِمِ وَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى غُرَابًا عُرْفًا وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ وَغَيْرَ الْعَقُورِ وَالْمُسْتَأْنِسَ مِنْهُ وَالْمُتَوَحِّشَ سَوَاءٌ، وَالْفَارَةُ الْأَهْلِيَّةُ وَالْبَرِّيَّةُ سَوَاءٌ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ بِقَتْلِ السِّنَّوْرِ وَلَوْ كَانَ بَرِّيًّا وَبِالضَّبِّ وَالْيَرْبُوعِ وَالْأَرْنَبِ يَجِبُ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمُسْتَثْنَاةِ، وَلَا تَبْتَدِئُ بِالْأَذَى، وَأَمَّا الْبَعُوضُ وَالنَّمْلُ وَالْبُرْغُوثُ وَالْقُرَادُ وَالسُّلَحْفَاةُ فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصُيُودٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الْحَشَرَاتِ كَالْخَنَافِسِ وَمَعَ هَذَا الْقُرَادُ وَالْبُرْغُوثُ يَبْتَدِئَانِ بِالْأَذَى، وَالْمُرَادُ بِالنَّمْلِ السَّوْدَاءُ وَالصَّفْرَاءُ الَّتِي تُؤْذِي بِالْعَضِّ، وَمَا لَا يُؤْذِي لَا يَحِلُّ قَتْلُهَا، وَلَكِنْ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَيْدٍ، وَلَا هِيَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْبَدَنِ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ لَيْسَ فِي الْقَنَافِذِ وَالْخَنَافِسِ وَالْوَزَغِ وَالذُّبَابِ وَالزُّنْبُورِ وَالْحَلَمَةِ وَصَيَّاحِ اللَّيْلِ وَالصَّرْصَرِ وَأُمِّ حُبَيْنٍ وَابْنِ عُرْسٍ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ وَحَشَرَاتِهَا وَلَيْسَتْ بِصُيُودٍ وَلَا هِيَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْبَدَنِ
قَالَ رحمه الله (وَبِقَتْلِ قَمْلَةٍ وَجَرَادَةٍ تَصَدُّقٌ بِمَا شَاءَ)؛ لِأَنَّ الْقَمْلَةَ تَتَوَلَّدُ مِنْ الْبَدَنِ فَيَكُونُ قَتْلُهَا مِنْ قَضَاءِ التَّفَثِ، وَالْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ إزَالَةِ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ قَمْلَةً سَاقِطَةً عَلَى الْأَرْضِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ قَتْلِ الصَّيْدِ وَإِزَالَةِ التَّفَثِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَطْعَمَ شَيْئًا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِبَاحَةِ، وَإِنْ قَتَلَ قَمْلًا كَثِيرًا أَطْعَمَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَلَوْ وَقَعَ فِي ثَوْبِهِ قَمْلٌ كَثِيرٌ فَأَلْقَاهُ عَلَى الشَّمْسِ لِيَمُوتَ الْقَمْلُ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ قَتْلَ الْقَمْلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ فِي قَتْلِهِ وَالْجَرَادُ صَيْدٌ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ مَا لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ وَبِقَصْدِهِ بِالْأَخْذِ، وَهُوَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَرُوِيَ أَنَّ أَهْلَ حِمْصَ أَصَابُوا جَرَادًا كَثِيرًا فِي إحْرَامِهِمْ فَجَعَلُوا يَتَصَدَّقُونَ مَكَانَ كُلِّ جَرَادَةٍ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه أَرَى دَرَاهِمَكُمْ كَثِيرَةً يَا أَهْلَ حِمْصَ تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ
قَالَ رحمه الله (وَلَا يُجَاوِزُ عَنْ شَاةٍ بِقَتْلِ السَّبُعِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ بِقَتْلِ السَّبُعِ؛ لِأَنَّهَا جُبِلَتْ عَلَى الْإِيذَاءِ فَكَانَتْ مِنْ الْفَوَاسِقِ الْمُسْتَثْنَاةِ، وَلِأَنَّ اسْمَ الْكَلْبِ يَتَنَاوَلُ السِّبَاعَ بِأَسْرِهَا لُغَةً، وَقَدْ «قَالَ عليه الصلاة والسلام حِينَ دَعَا عَلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِك»
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَخُرُوجُ فَرْخٍ) لَفْظَةُ فَرْخٍ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ بَدَلٌ مِنْ فِي اهـ (قَوْلُهُ مَذِرَةٌ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ
(قَوْلُهُ كَالْخَنَافِسِ) أَيْ وَالْقُنْفُذِ. اهـ. كَرْمَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأُمُّ حُبَيْنٍ) بِحَاءِ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ دُوَيْبَّةٌ عَلَى هَيْئَةِ الْحِرْبَاءِ عَظِيمَةُ الْبَطْنِ. اهـ. تِبْيَانٌ
فَسُلِّطَ عَلَيْهِ أَسَدٌ، وَالْكَلْبُ مِنْ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ بِالْحَدِيثِ، وَالْمُرَادُ بِهِ السِّبَاعُ لَا الْكَلْبُ الْمَعْرُوفُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤْذٍ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95]، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الْمُتَوَحِّشَ مِنْ السِّبَاعِ وَغَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْمُتَوَحِّشِ، قَالَ الشَّاعِرُ
صَيْدُ الْمُلُوكِ أَرَانِبٌ وَثَعَالِبُ
…
وَإِذَا رَكِبْتُ فَصَيْدِي الْأَبْطَالُ
وَالْقِيَاسُ عَلَى الْخَمْسِ الْفَوَاسِقِ مُمْتَنِعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعَدَدِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ وَلِأَنَّ السِّبَاعَ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْخَمْسَةِ؛ لِأَنَّهَا تَبْتَدِئُ بِالْأَذَى، وَتُخَالِطُ النَّاسَ وَتَعِيشُ بَيْنَهُمْ بِالِاخْتِطَافِ وَالْإِفْسَادِ وَالسِّبَاعُ لَا تَبْتَدِئُ بِالْأَذَى، وَهِيَ بَعِيدَةٌ عَنْهُمْ فَكَانَ إيذَاؤُهَا دُونَ إيذَاءِ الْفَوَاسِقِ فَلَا تُلْحَقُ بِهَا، وَاسْمُ الْكَلْبِ لَا يَتَنَاوَلُ السَّبُعَ عُرْفًا فَإِنَّ مَنْ قَالَ: فُلَانٌ يَقْتَنِي الْكِلَابَ أَوْ فِي بَابِهِ كَلْبٌ لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ أَنَّهُ السِّبَاعُ وَالْعُرْفُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ ثُمَّ لَا يُجَاوِزُ بِقِيمَتِهِ شَاةً، وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله: تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّ كُلَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ كَمَأْكُولِ اللَّحْمِ، وَلَنَا أَنَّ قِيمَتَهُ بِاعْتِبَارِ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ لَا تَزِيدُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ، وَلَا تُعْتَبَرُ زِيَادَةُ قِيمَتِهِ لِأَجْلِ تَفَاخُرِ الْمُلُوكِ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي الصَّيْدِ الْمُعَلَّمِ عِلْمُهُ فِي حَقِّ الشَّارِعِ، وَإِنْ كَانَ تَزْدَادُ قِيمَتُهُ، وَيَضْمَنُهُ مُعَلَّمًا فِي حَقِّ مَالِكِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ لِمَالِكِهِ بِاعْتِبَارِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَفِي حَقِّ الشَّارِعِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ صَالَ لَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ) أَيْ وَإِنْ صَالَ عَلَيْهِ السَّبُعُ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله: يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ عِصْمَتَهُ لَا تَزُولُ بِفِعْلِهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» وَلِهَذَا لَوْ صَالَ الْجَمَلُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَتَلَ ضَبُعًا وَأَهْدَى كَبْشًا، وَقَالَ: إنَّا ابْتَدَأْنَاهُ نَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلضَّمَانِ بِقَوْلِهِ: إنَّا ابْتَدَأْنَاهُ وَقَالَ عَلِيٌّ: إنْ قَتَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْدُوَ عَلَيْهِ فَفِيهِ شَاةٌ مُسِنَّةٌ وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّعَرُّضِ لَهُ، وَلَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِتَحَمُّلِ أَذَاهُ بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِقَتْلِ مَا تُوُهِّمَ مِنْهُ الْأَذَى، وَهُوَ الْخَمْسُ الْفَوَاسِقُ لِمَا رَوَيْنَا فَلَأَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِقَتْلِ مَا تَحَقَّقَ مِنْهُ الْأَذَى أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ الْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ فَإِذَا جَازَ قَتْلُ الْمُسْلِمِ وَالْوَالِدِ لِلدَّفْعِ فَمَا ظَنُّك بِالسِّبَاعِ، فَإِذَا ابْتَدَأَ بِالْأَذَى الْتَحَقَ بِالْفَوَاسِقِ فَصَارَ مَأْذُونًا لَهُ فِي قَتْلِهِ، وَمَعَ الْإِذْنِ مِنْ الشَّارِعِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِخِلَافِ الْجَمَلِ الصَّائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا إذْنَ مِنْ مَالِكِهِ، وَهُوَ الْعَبْدُ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا وُجُوبُ الْفِدْيَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَا وُجُوبُ قِيمَةِ الصَّيْدِ إذَا قَتَلَهُ وَأَكَلَهُ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ مَعَ الْإِذْنِ مِنْ الشَّارِعِ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْ الْحَيَوَانِ لَا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ، وَذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ
قَالَ رحمه الله (وَلِلْمُحْرِمِ ذَبْحُ شَاةٍ وَبَقَرَةٍ وَبَعِيرٍ وَدَجَاجَةٍ وَبَطٍّ أَهْلِيٍّ) لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّيْدِ، وَهِيَ لَيْسَتْ بِصُيُودٍ، وَالْمُرَادُ بِالْبَطِّ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمَسَاكِنِ وَالْحِيَاضِ، وَلَا تَطِيرُ؛ لِأَنَّهَا أَلُوفٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالدَّجَاجِ، وَأَمَّا الَّتِي تَطِيرُ فَصَيْدٌ فَيَجِبُ بِقَتْلِهَا الْجَزَاءُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْجَوَامِيسُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فَإِنَّهُ فِي بِلَادِ السُّودَانِ وَحْشِيٌّ، وَلَا يُعْرَفُ مِنْهُ مُسْتَأْنِسٌ عِنْدَهُمْ قَالَ رحمه الله (وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِذَبْحِ حَمَامٍ مُسَرْوَلٍ وَظَبْيٍ مُسْتَأْنَسٍ)؛ لِأَنَّهُمَا صَيْدٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَالِاسْتِئْنَاسُ عَارِضٌ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ كَالْبَعِيرِ إذَا نَدَّ يَأْخُذُ حُكْمَ الصَّيْدِ فِي حَقِّ الذَّكَاةِ لَا غَيْرُ حَتَّى لَا يَحْرُمُ عَقْرُهُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَفِي الْحَمَامِ الْمُسَرْوَلِ خِلَافُ مَالِكٍ هُوَ يَقُولُ: إنَّهُ أَلُوفٌ مُسْتَأْنَسٌ وَلَا يَمْتَنِعُ بِجَنَاحَيْهِ فَصَارَ كَالْبَطِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا يَمْتَنِعُ بِهِ الصَّيْدُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ إمَّا بِالْعَدْوِ أَوْ بِالطَّيَرَانِ أَوْ بِالدُّخُولِ فِي الْجُحَرِ وَالشُّقُوقِ فَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهَا فِيهَا فَلَا تَكُونُ صَيْدًا، وَنَحْنُ نَقُولُ: هُوَ صَيْدٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَإِنَّمَا لَا يَطِيرُ لِثِقَلِهِ وَبُطْءِ نُهُوضِهِ، وَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَيْدًا، وَاشْتِرَاطُ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِلْعَجْزِ، وَقَدْ زَالَ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ ذَبَحَ مُحْرِمٌ صَيْدًا حَرُمَ) يَعْنِي عَلَى الذَّابِحِ وَعَلَى غَيْرِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَحِلُّ لِغَيْرِهِ، وَلَهُ إذَا حَلَّ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ مَوْجُودَةٌ حَقِيقَةً فَتَعْمَلُ عَمَلَهَا غَيْرَ أَنَّهُ حَرُمَ عَلَى الذَّابِحِ لِارْتِكَابِهِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ عُقُوبَةً لَهُ فَيَبْقَى فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْمُحْرِمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَفِي حَقِّ نَفْسِهِ بَعْد مَا حَلَّ عَلَى الْأَصْلِ وَلَنَا أَنَّ الذَّكَاةَ فِعْلٌ مَشْرُوعٌ، وَهَذَا الْفِعْلُ حَرَامٌ فَلَا يَكُونُ ذَكَاةً فَصَارَ كَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ، وَلَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ فَأَقَامَ الشَّارِعُ بَعْضَ الْأَفْعَالِ مَقَامَ التَّمْيِيزِ تَيْسِيرًا، وَهُوَ الْفِعْلُ الْمَشْرُوعُ، فَلَا يُقَامُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ بِالرَّأْيِ فَيَبْقَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ الْحُرْمَةُ لِأَجْلِ عَدَمِ التَّمْيِيزِ قَالَ رحمه الله (وَغَرِمَ بِأَكْلِهِ لَا مُحْرِمٌ آخَرُ) يَعْنِي الْقَاتِلُ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ يَغْرَمُ قِيمَةَ اللَّحْمِ، وَلَا يَضْمَنُ مُحْرِمٌ آخَرُ إذَا أَكَلَ مِنْهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ الْقَاتِلُ أَيْضًا بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ.
وَتَنَاوُلُ الْمَيْتَةِ لَا يُوجِبُ إلَّا الِاسْتِغْفَارَ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَكَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ وَكَالْحَلَالِ إذَا قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَأَكَلَ مِنْهُ وَلَهُ أَنَّ حُرْمَتَهُ بِسَبَبِ إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الصَّيْدَ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ وَالذَّابِحَ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ فِي حَقِّ الذَّكَاةِ فَصَارَ حُرْمَةُ التَّنَاوُلِ مَحْظُورُ إحْرَامِهِ بِهَذِهِ الْوَسَائِطِ وَإِذَا تَنَاوَلَ مَحْظُورَ إحْرَامِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ كَسَائِرِ مَحْظُورَاتِهِ بِخِلَافِ مُحْرِمٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَبِخِلَافِ الْحَلَالِ إذَا قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَأَكَلَهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْجَزَاءِ هُنَاكَ بِاعْتِبَارِ الْأَمْنِ الثَّابِتِ بِسَبَبِ الْحَرَمِ، وَذَلِكَ لِلصَّيْدِ لَا لِلَّحْمِ فَتَكُونُ حُرْمَتُهُ مُضَافًا إلَى كَوْنِهِ مَيْتَةً وَلِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ ذَبْحِ الصَّيْدِ تَنَاوُلُهُ، فَإِذَا وَجَبَ الْجَزَاءُ بِالْوَسِيلَةِ، وَهُوَ الذَّبْحُ فَلَأَنْ يَجِبَ بِالتَّنَاوُلِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ تَحْقِيقُ الْمَقْصُودِ وَلِأَنَّ الْمَقْتُولَ ظُلْمًا كَالْحَيِّ فِي حَقِّ الْقَاتِلِ لَا يَرِثُ مِنْهُ الْقَاتِلُ فَكَذَا هُنَا يُجْعَلُ حَيًّا حَتَّى يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ ثَانِيًا بِأَكْلِهِ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لَا يَضْمَنُهُ لِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ كَمَنْ نَتَفَ رِيشَ طَائِرٍ ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لَا يَضْمَنُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً وَإِطْعَامُ كِلَابِهِ كَأَكْلِهِ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ.
وَإِنْ اضْطَرَّ الْمُحْرِمُ إلَى قَتْلِ صَيْدٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُقَيَّدٌ بِالْكَفَّارَةِ فِي حَقِّ الْمُضْطَرِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] وَالْآيَةُ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي الْحَلْقِ تَتَنَاوَلُ كُلَّ مُضْطَرٍّ دَلَالَةً، وَلَوْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَلَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْحَسَنُ: يَقْتُلُ الصَّيْدَ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ أَخَفُّ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ حُكْمًا وَالْمَيْتَةُ حَرَامٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَيَقُومُ مَقَامَهُ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا فَيَكُونُ كَلَا فَائِتٍ قُلْنَا: فِي أَكْلِ الصَّيْدِ ارْتِكَابُ مَحْظُورَيْنِ الْأَكْلَ وَالْقَتْلَ، وَفِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ ارْتِكَابُ مَحْظُورٍ وَاحِدٍ فَكَانَ أَخَفَّ، وَإِنْ وَجَدَ صَيْدًا ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ يَأْكُلُ وَيَدَعُ الْمَيْتَةَ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ وَجَدَ صَيْدًا حَيًّا وَمَالَ مُسْلِمٍ يَأْكُلُ الصَّيْدَ لَا مَالَ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ حَرَامٌ حَقًّا لِلَّهِ - تَعَالَى، وَالْمَالُ حَرَامٌ حَقًّا لِلْعَبْدِ فَكَانَ التَّرْجِيحُ لِحَقِّ الْعَبْدِ لِافْتِقَارِهِ، وَإِنْ وَجَدَ لَحْمَ إنْسَانٍ وَصَيْدًا أَكَلَ الصَّيْدَ؛ لِأَنَّ لَحْمَ الْإِنْسَانِ حَرَامٌ حَقًّا لِلشَّرْعِ وَحَقًّا لِلْعَبْدِ وَالصَّيْدُ حَقًّا لِلشَّرْعِ لَا غَيْرُ فَكَانَ أَخَفَّ
قَالَ رحمه الله (وَحَلَّ لَهُ لَحْمُ مَا صَادَهُ حَلَالٌ وَذَبْحُهُ إنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِصَيْدِهِ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: إنْ اصْطَادَهُ الْحَلَالُ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِ لَا يَحِلُّ لَهُ تَنَاوُلُهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الصَّيْدُ حَلَالٌ لَكُمْ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادَ لَكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَنَا أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ لَمْ يَصِدْ حِمَارَ الْوَحْشِ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً بَلْ صَادَهُ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ فَأَبَاحَهُ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُحَرِّمْهُ عَلَيْهِمْ بِإِرَادَتِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ هَكَذَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ مِنْهُ، وَلَا بِسَبَبِ مَا كَانَ حَلَالًا لَهُ، وَمَا رَوَاهُ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا صِيدَ لَهُ بِأَمْرِهِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أُهْدِيَ إلَيْهِ الصَّيْدُ الْحَيَّ دُونَ اللَّحْمِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْآثَارِ، وَشَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ دَالًّا عَلَى الصَّيْدِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ بِالدَّلَالَةِ
قَالَ رحمه الله (وَيَذْبَحُ الْحَلَالُ صَيْدَ الْحَرَمِ قِيمَةً يَتَصَدَّقُ بِهَا لَا صَوْمٌ) أَيْ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ إنْ ذَبَحَ الْحَلَالُ صَيْدَ الْحَرَمِ وَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ وَلَا يُجْزِيهِ صَوْمٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا فَقَالَ الْعَبَّاسُ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا قَالَ عليه الصلاة والسلام إلَّا الْإِذْخِرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَإِنَّمَا لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ غَرَامَةٌ وَلَيْسَ بِكَفَّارَةٍ فَأَشْبَهَ غَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ، وَشَجَرُ الْحَرَمِ وَالْجَامِعِ أَنَّهُمَا ضَمَانُ الْمَحَلِّ لِأَجْزَاءِ الْفِعْلِ، وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ رحمه الله هُوَ يَقُولُ وُجُوبُ الْجَزَاءِ إنَّمَا كَانَ بِاعْتِبَارِ الْجِنَايَةِ عَلَى الصَّيْدِ لَا بَدَلًا عَنْ الْمُتْلَفِ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ لَا قِيمَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ، وَالْمُبَاحُ لَا يُتَقَوَّمُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ، فَإِذَا وَجَبَ بِاعْتِبَارِ الْجِنَايَةِ كَانَ كَفَّارَةً كَالْمُحْرِمِ فَيُجْزِيهِ الصَّوْمُ قُلْنَا: إنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْمُحْرِمِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِيهِ، وَهُوَ إحْرَامُهُ فَيَكُونُ جَزَاءَ الْفِعْلِ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَالْحُرْمَةُ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِي الصَّيْدِ فَصَارَ بَدَلَ الْمَحَلِّ وَالصَّوْمِ يَصْلُحُ جَزَاءَ الْأَفْعَالِ لَا ضَمَانَ الْمَحَلِّ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الذَّبْحِ عَنْهُ فَقِيلَ: لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْمَحَلِّ كَضَمَانِ الْأَمْوَالِ إلَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مَذْبُوحًا مِثْلَ قِيمَةِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فَيُجْزِيهِ عَنْ الْإِطْعَامِ كَمَا بَيَّنَّا فِيمَنْ ذَبَحَ فِي غَيْرِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: الْقَاتِلُ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ) أَيْ بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ: وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لَا يَضْمَنُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لَا يَضْمَنُهُ) أَيْ لَا يَضْمَنُ قِيمَةَ اللَّحْمِ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَحَلَّ لَهُ) أَيْ لِلْمُحْرِمِ اهـ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُحْرِمِ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَأْمُرْهُ) أَيْ الْمُحْرِمُ الْحَلَالَ اهـ (قَوْلُهُ لَا يَحِلُّ لَهُ تَنَاوُلُهُ) قَالَ الْأَقْطَعُ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ مَا لَمْ يَصِدْهُ أَوْ يُصَادَ لَهُ» اهـ قَالَ الْكَاكِيُّ رُوِيَ «أَوْ يُصَادُ» بِالرَّفْعِ حِينَئِذٍ لَا تَمَسُّكَ لِلْمُخَالِفِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْحِلَّ إذَا صَادَهُ غَيْرُهُ لِأَجْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُغَيَّا لَا الْغَايَةِ، وَظَاهِرُ الْعَرَبِيَّةِ أَوْ يُصَدْ لَهُ، وَهَكَذَا رُوِيَ فِي الْمَصَابِيحِ وَابْنِ تَيْمِيَّةَ وَلَكِنْ فِي الْحَدِيثِ كَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ «أَوْ يُصَادَ» بِالْأَلِفِ وَقَالَ مَوْلَانَا حُمَيْدٍ الدِّينِ: الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ بِالنَّصْبِ، وَبَيَانُهُ فِي الْخَبَّازِيَّةِ. اهـ. قَوْلُهُ:«أَوْ يُصَدْ لَهُ» ذَكَرَ الْأَكْمَلُ رحمه الله أَنَّ رِوَايَةَ «أَوْ يُصَدْ لَهُ» ضَعِيفَةٌ اهـ
الْحَرَمِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِثْلُ مَا جَنَى؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ كَانَتْ بِإِرَاقَةٍ، وَقَدْ أَتَى بِمِثْلِ مَا فَعَلَ، وَالِاعْتِبَارُ بِمِثْلِ هَذَا الطَّرِيقِ مُعْتَبَرٌ فِي ضَمَانِ الْمَحَالِّ كَالْقِصَاصِ، وَلَوْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدَ الْحَرَمِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَلْزَمَهُ جَزَاءَانِ لِوُجُودِ الْجِنَايَةِ فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْإِحْرَامِ أَقْوَى مِنْ حُرْمَةِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يُحَرِّمُ الْقَتْلَ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا، وَالْحَرَمُ لَا، فَيَجِبُ اعْتِبَارُ الْأَقْوَى، وَتُضَافُ الْحُرْمَةُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا شَجَرُ الْحَرَمِ، وَحَشِيشُهُ فَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ أَرْسَلَهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُرْسِلُهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّرْعِ لَا يَظْهَرُ فِي مَمْلُوكِ الْعَبْدِ لِحَاجَةِ الْعَبْدِ، وَلَنَا أَنَّهُ بِدُخُولِ الْحَرَمِ صَارَ مِنْ صَيْدِهِ فَلَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهُ كَمَا إذَا دَخَلَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ بَازٍ فَأَرْسَلَهُ فِي الْحَرَمِ فَأَتْلَفَ حَمَامَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَلَا يَغْرَمُ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ بَاعَهُ رُدَّ الْبَيْعُ إنْ بَقِيَ وَإِنْ فَاتَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ) أَيْ إذَا بَاعَ الصَّيْدَ بَعْدَ مَا دَخَلَ بِهِ الْحَرَمَ يَجِبُ رَدُّ بَيْعِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ وَإِنْ كَانَ فَائِتًا تَجِبُ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ فَيَجِبُ رَدُّهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ بَاقِيًا، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ فِي الْحَرَمِ صَارَ مِنْ صَيْدِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّعَرُّضُ لَهُ، وَالْبَيْعُ تَعَرُّضٌ فَيُرَدُّ كَبَيْعِ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ بَعْدَ مَا أَخْرَجَهُ مِنْهُ فَبَاعَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْإِدْخَالِ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ، وَلَا يَحِلُّ إخْرَاجُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ تَبَايَعَ الْحَلَالَانِ، وَهُمَا فِي الْحَرَمِ وَالصَّيْدُ فِي الْحِلِّ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّعَرُّضِ لَهُ بِالرَّمْيِ فَكَذَا بِالْبَيْعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْحَرَمِ وَلَهُ أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ بِتَعَرُّضٍ لَهُ حِسًّا، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ شَرْعًا فَلَا يُمْنَعُ عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ بِذَبْحِ هَذَا الصَّيْدِ لَا يَضْمَنُ، وَالْبَيْعُ دُونَ الْأَمْرِ بِالذَّبْحِ
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ صَيْدٌ لَا يُرْسِلُهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَرِّضٌ لِلصَّيْدِ بِإِمْسَاكِهِ فِي مِلْكِهِ وَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِإِحْرَامِهِ فَوَجَبَ تَرْكُهُ بِإِرْسَالِهِ كَمَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ، وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُحْرِمُونَ، وَفِي بُيُوتِهِمْ صُيُودٌ وَدَوَاجِنُ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا إرْسَالَهَا، وَبِذَلِكَ جَرَتْ أَفْعَالُ الْأُمَّةِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا، فَصَارَ إجْمَاعًا فِعْلًا، وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَعَرِّضٍ فِي تَرْكِهِ فِي الْبَيْتِ أَوْ فِي الْقَفَصِ بَلْ هُوَ مَحْفُوظٌ فِي مَوْضِعِهِ لَا بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ فِي مِلْكِهِ، وَهُوَ لَوْ أَرْسَلَهُ فِي الْمَفَازَةِ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِبَقَائِهِ، وَقِيلَ: إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ بِحَيْثُ لَا يَضِيعُ؛ لِأَنَّ الْقَفَصَ كَالْحِقِّ لِلدِّرَّةِ، وَمُمْسِكُ الْحِقِّ مُمْسِكٌ لِلدِّرَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي رَحْلِهِ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ أَخَذَ حَلَالٌ صَيْدًا فَأَحْرَمَ ضَمِنَ مُرْسِلُهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْمُرْسِلَ آمِرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَاهٍ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَخَذَهُ الْمُحْرِمُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ وَلَهُ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْأَخْذِ مِلْكًا مُحْتَرَمًا فَلَا يَبْطُلُ احْتِرَامُهُ بِإِحْرَامِهِ، وَقَدْ أَتْلَفَهُ الْمُرْسِلُ فَيَضْمَنُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ هَذَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ وَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِأَنْ يُخَلِّيَهُ فِي بَيْتِهِ فَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ عَنْهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ، وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُ، وَأَصْلُ هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي كَسْرِ الْمَعَازِفِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ أَخَذَهُ مُحْرِمٌ لَا يَضْمَنُ) أَيْ لَوْ أَخَذَ مُحْرِمٌ صَيْدًا فَأَرْسَلَهُ إنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ فَهُمَا) أَيْ الْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهُ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ أَدْخَلَ صَيْدًا مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ وَجَبَ إرْسَالُهُ، وَإِنْ ذَبَحَهُ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّ الصَّيْدَ كَانَ مِلْكَهُ فِي الْحِلِّ، وَإِدْخَالُهُ فِي الْحَرَمِ لَا يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِهِ فَكَانَ مِلْكُهُ قَائِمًا فَكَانَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ، وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ الصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ رِعَايَةً لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ، وَالصَّيْدُ فِي يَدِهِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، وَقَالَ: لَا خَيْرَ فِيمَا تَرَخَّصَ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ الْحَجَلِ وَالْيَعَاقِيبِ وَلَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْهُ فِي الْحَرَمِ حَيًّا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّيْدَ إذَا حَصَلَ فِي الْحَرَمِ وَجَبَ إظْهَارُ حُرْمَةِ الْحَرَمِ بِتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهُ فِي الْإِرْسَالِ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَبِيعُونَ الْحَجَلَ وَالْيَعَاقِيبَ، وَهِيَ كُلُّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ الْقَيْحِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَظَهَرَ النَّكِيرُ عَلَيْهِمْ فَالْجَوَابُ أَنَّ تَرْكَ النَّكِيرِ عَلَيْهِمْ لَيْسَ لِكَوْنِهِ حَلَالًا بَلْ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ، فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالْإِنْكَارُ لَا يَلْزَمُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْفُرُوعِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْجَزَاءِ بِذَبْحِهِ فَلِأَنَّهُ ذَبَحَ صَيْدًا يَسْتَحِقُّ الْإِرْسَالَ وَأَمَّا فَسَادُ الْبَيْعِ فَلِأَنَّ إرْسَالَهُ وَاجِبٌ.
وَالْبَيْعُ تَرْكُ الْإِرْسَالِ وَلَوْ بَاعَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فَسْخُ الْبَيْعِ، وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ مُسْتَحِقٌّ لِلْفَسْخِ حَقَّا لِلشَّرْعِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى فَسْخِ الْبَيْعِ وَاسْتِرْدَادِ الْمَبِيعِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ فَإِذَا بَاعَهُ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ فَسْخُ الْبَيْعِ، وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ فَكَأَنَّهُ أَتْلَفَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ بَاعَهُ رَدَّ الْبَيْعَ إنْ بَقِيَ إلَخْ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: وَلَا خَيْرَ فِيمَا يَتَرَخَّصُ فِيهِ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ الْحَجَلِ وَالْيَعَاقِيبِ وَلَا يَدْخُلُ مِنْهُمَا شَيْءٌ فِي الْحَرَمِ حَيًّا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِيرُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ إذَا أَدْخَلَهُ حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ وَلَا تَجِبُ تَخْلِيَتُهُ، وَيَحِلُّ ذَبْحُهُ؛ لِأَنَّ بِالدُّخُولِ فِي الْحَرَمِ لَا يَزُولُ مِلْكُ الْمَالِكِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ اهـ قَوْلُهُ: وَالْيَعَاقِيبُ الْيَعْقُوبُ يَفْعُولُ ذَكَرُ الْحَجَلِ، وَالْجَمْعُ يُعَاقِبُ، قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِيهِ الْقَبَجُ الْحَجَلُ الْوَاحِدَةُ قَبْجَةٌ مِثْلُ تَمْرٍ وَتَمْرَةٍ وَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَإِنْ قِيلَ يَعْقُوبُ اخْتَصَّ بِالذَّكَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ) أَيْ الْحَلَالَ اهـ (قَوْلُهُ: لَوْ أَمَرَ بِذَبْحِ هَذَا الصَّيْدِ) أَيْ الَّذِي فِي الْحِلِّ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ هَذَا الْحَلَالُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَصْلُ هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي كَسْرِ الْمَعَازِفِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ آمِرٌ بِالْمَعْرُوفِ نَاهٍ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ الضَّمَانُ لِغَيْرِ لَهْوٍ. اهـ. أَكْمَلُ
الْمُحْرِمَ لَا يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِسَبَبٍ مَا؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] فَصَارَ الصَّيْدُ فِي حَقِّهِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ، وَهُوَ حَلَالٌ، ثُمَّ أَحْرَمَ حَيْثُ يَضْمَنُ مُرْسِلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْأَخْذِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَيَكُونُ الْمُرْسِلُ مُتْلِفًا عَلَيْهِ مِلْكَهُ؛ وَلِهَذَا لَوْ وُجِدَ ذَلِكَ الصَّيْدُ فِي يَدِ إنْسَانٍ بَعْدَ مَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكٍ لَهُ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ ضَمِنَا وَرَجَعَ آخِذُهُ عَلَى قَاتِلِهِ) أَيْ إنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فِي يَدِهِ فِيمَا إذَا أَخَذَهُ الْمُحْرِمُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ يَضْمَنُ الْقَاتِلُ وَالْآخِذُ جَمِيعًا ثُمَّ يَرْجِعُ الْآخِذُ عَلَى الْقَاتِلِ أَمَّا وُجُوبُ الْجَزَاءِ عَلَيْهِمَا فَلِوُجُودِ الْجِنَايَةِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْآخِذَ مُتَعَرِّضٌ لِلصَّيْدِ بِالْأَخْذِ، وَالْآخَرِ بِالْقَتْلِ فَيَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ يَرْجِعُ الْآخِذُ عَلَى الْقَاتِلِ، وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ حَلَالًا، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ مُؤَاخَذٌ بِصُنْعِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الصَّيْدَ لَا قَبْلَ الضَّمَانِ، وَلَا بَعْدَهُ، وَلَا كَانَتْ لَهُ فِيهِ يَدٌ مُحْتَرَمَةٌ، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ بِتَفْوِيتِ يَدٍ أَوْ مِلْكٍ فَلَمْ يُوجَدْ، وَلَنَا أَنَّ يَدَهُ عَلَى هَذَا الصَّيْدِ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً لِتَمَكُّنِهِ بِهِ مِنْ إرْسَالِهِ وَإِسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْقَاتِلُ فَوَّتَ عَلَيْهِ هَذَا الْيَدَ فَيَضْمَنُ وَلِأَنَّهُ قَرَّرَ عَلَيْهِ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ، وَلِلتَّقْرِيرِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا وَلِأَنَّ الْأَخْذَ إنَّمَا يَصِيرُ عِلَّةً لِلضَّمَانِ عِنْدَ اتِّصَالِ الْهَلَاكِ بِهِ، وَهُوَ بِالْقَتْلِ جَعَلَ فِعْلَ الْآخِذِ عِلَّةً فَيَكُونُ مُبَاشِرًا لِعِلَّةِ الْعِلَّةِ فَيُضَافُ الضَّمَانُ إلَيْهِ ثُمَّ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَاتِلِ أَنْ لَوْ كَفَّرَ بِالْمَالِ، وَأَمَّا إذَا كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ، وَلَا مِمَّا يُنْبِتُهُ النَّاسُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إلَّا فِيمَا جَفَّ)؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُمَا تَثْبُتُ بِسَبَبِ الْحَرَمِ «قَالَ عليه الصلاة والسلام لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» فَكَانَ الْمُحَرَّمُ هُوَ الْمَنْسُوبَ إلَى الْحَرَمِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ عَلَى الْكَمَالِ عِنْدَ عَدَمِ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ بِالْإِنْبَاتِ، وَمَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً غَيْرُ مُسْتَحَقِّ الْأَمْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا لَا يَنْبُتُ عَادَةً أَنْبَتَهُ النَّاسُ الْتَحَقَ بِمَا يَنْبُتُ عَادَةً، وَلَوْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ فَعَلَى قَاطِعِهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ حَقًّا لِلشَّرْعِ، وَقِيمَةٌ لِمَالِكِهِ كَالصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي الْإِحْرَامِ، وَلَا يَكُونُ لِلصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْقِيمَةِ مَدْخَلٌ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ تَنَاوُلِهِ بِسَبَبِ الْحَرَمِ لَا بِالْإِحْرَامِ فَكَانَ مِنْ ضَمَانِ الْمَحَالِّ وَإِذَا أَدَّى قِيمَتَهُ مَلَكَهُ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَيُكْرَهُ بَيْعُهُ بَعْدَ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُبِيحَ ذَلِكَ لَتَطَرَّقَ النَّاسُ إلَيْهِ وَلَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَفِيهِ إيحَاشُ صَيْدِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَيَتَّخِذُ الْأَوْكَارَ عَلَى أَغْصَانِهَا وَمَا خَفَّ مِنْهُ لَا ضَمَانَ فِيهِ وَيَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَطَبٌ وَلَيْسَ بِنَامٍ وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِسَبَبِ الْحَرَمِ لِمَا يَكُونُ نَامِيًا فِيهِ
قَالَ رحمه الله (وَحَرُمَ رَعْيُ حَشِيشِ الْحَرَمِ وَقَطْعُهُ إلَّا الْإِذْخِرَ) وَجَوَّزَ أَبُو يُوسُفَ رَعْيَهُ لِمَكَانِ الْحَرَجِ فِي حَقِّ الزَّائِرِينَ وَالْمُقِيمِينَ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا، وَالْقَطْعُ بِالْمَشَافِرِ كَالْقَطْعِ بِالْمَنَاجِلِ، وَحَمْلُ الْحَشِيشِ مُتَيَسِّرٌ فَلَا حَرَجَ وَلَئِنْ كَانَ فِيهِ حَرَجٌ فَلَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ الْحَرَجَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي مَوْضِعٍ لَا نَصَّ فِيهِ وَأَمَّا مَعَ النَّصِّ بِخِلَافِهِ فَلَا وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ الْكَمْأَةِ مِنْ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا هِيَ مُودَعَةٌ فِيهَا وَلِأَنَّهَا لَا تَنْمُو، وَلَا تَبْقَى فَأَشْبَهَتْ الْيَابِسَ مِنْ النَّبَاتِ
قَالَ رحمه الله (وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ فَعَلَى الْقَارِنِ دَمَانِ) دَمٌ لِحَجَّتِهِ وَدَمٌ لِعُمْرَتِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ وَقَالُوا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِالتَّدَاخُلِ وَعِنْدَنَا بِإِحْرَامَيْنِ، وَقَدْ جَنَى عَلَيْهِمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ وَهَذَا كَالْقَتْلِ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ جِنَايَةٌ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ بِإِرَاقَةِ دَمِهِ، وَفِي حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - بِارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ حَقًّا لَهُ، وَالْكَفَّارَةُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ) أَيْ وَلَا يُجْزِي فِيهِ الصَّوْمُ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي قَوْلِهِ: وَبِذَبْحِ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ قِيمَةٌ فَانْظُرْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَلْ يُجْزِي فِي ذَلِكَ الذَّبْحُ اهـ قَوْلُهُ: وَلَا يُجْزِي فِيهِ الصَّوْمُ، وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَكُونُ لِلصَّوْمِ فِي هَذِهِ الْقِيمَةِ مَدْخَلٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ) أَيْ وَكَانَ مِنْ جِنْسِ مَا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَى الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ فَعَلَى الْقَارِنِ بِهِ دَمَانِ إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ) قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الَّذِي عَقَدَهُ لِبَيَانِ الْقِرَانِ مَا نَصُّهُ التَّتْمِيمُ الْخَامِسُ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ صَدَقَةٌ أَوْ صَدَقَتَانِ أَوْ كَفَّارَةٌ أَوْ كَفَّارَتَانِ، فَإِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُحْرِمِ بِحَجَّةٍ، أَوْ عُمْرَةٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِفْرَادِ، وَأَمَّا الْقَارِنُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضِعْفُ ذَلِكَ قَالُوا: إلَّا فِي أَشْيَاءَ مِنْهَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمِنْهَا طَوَافُ الزِّيَارَةِ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا، قُلْت: أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرُوهُمَا؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ كَأَحْكَامِ الْجَنَابَةِ، وَمِنْهَا قَتْلُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَقَطْعُ شَجَرِهِ الْكَائِنِ فِي الصِّفَةِ الْمُحَرَّمَةِ لِقَطْعِهِ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ فِي هَذِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَارِنِ وَالْمُفْرِدِ سَوَاءٌ، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا، وَقَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: الْقَارِنُ وَالْمُفْرِدُ فِي أَحْكَامِ هَذَا الْبَابِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ وَالصَّدَقَاتِ سَوَاءٌ، وَفِي هَذَا الْقَدْرِ كِفَايَةٌ فَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّك لَا تَكَادُ تَظْفَرُ بِهِ مَجْمُوعًا فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا وَاَللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ اهـ فَرَحِمَهُ اللَّهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً وَسَائِرَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، قَوْلُهُ: وَمِنْهَا قَتْلُ صَيْدِ الْحَرَمِ إلَخْ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ رحمه الله فِي مَنَاسِكِهِ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ قَطَعَ رَجُلَانِ شَجَرَةً مِنْ الْحَرَمِ مِمَّا لَا يُقْطَعُ فَعَلَيْهِمَا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ هَذَا ضَمَانُ الْمَحَلِّ، وَأَنَّهُ مُتَّحِدٌ وَالْقَارِنُ وَالْمُفْرِدُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ الْقَارِنُ حَيَوَانًا فَإِنَّ حُرْمَةَ الْحَيَوَانِ أَقْوَى فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ انْتَهَى، فَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ الْقَارِنُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ قَتْلِ الصَّيْدِ وَقَطْعِ شَجَرِ الْحَرَمِ وَلِمَا ذَكَرَ السُّرُوجِيُّ رحمه الله الْمَسَائِلَ الَّتِي يَلْزَمُ الْقَارِنَ فِيهَا دَمٌ وَاحِدٌ كَالْمُفْرِدِ، وَذَكَرَ مِنْهَا قَطْعَ شَجَرِ الْحَرَمِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ قَتْلَ الصَّيْدِ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ تَبِعَ فِيهِ الْأَتْقَانِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رحمه الله: وَالْقَارِنُ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ يَلْزَمُهُ جَزَاءَانِ؛ لِأَنَّهُ جَانٍ عَلَى إحْرَامَيْنِ وَإِذَا لَزِمَتْهُ قِيمَتَانِ فِي السَّبْعِ لَمْ يُجَاوِزْ بِهِمَا دَمَيْنِ وَيَكْفِيهِ دَمَانِ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ فِي حَقِّ الدَّمَيْنِ كَالْمُفْرِدِ فِي حَقِّ دَمٍ وَاحِدٍ. اهـ.
قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَدَاخَلَا كَحُرْمَةِ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ إذَا قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ مَعَ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ لِأَجْلِ إحْرَامِهِ وَلِأَجْلِ الْحَرَمِ قُلْنَا: حُرْمَةُ الْإِحْرَامِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُ الصَّيْدِ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا، وَيَحْرُمُ التَّطَيُّبُ، وَلُبْسُ الْمَخِيطِ فَجَعَلْنَا أَضْعَفَ الْحُرْمَتَيْنِ تَابِعًا لِأَقْوَاهُمَا بِخِلَافِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ إحْرَامًا، وَإِنْ اخْتَلَفَا أَدَاءً؛ إذْ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ يُحَرِّمُ جَمِيعَ مَا يُحَرِّمُهُ إحْرَامُ الْحَجِّ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ كَحُرْمَةِ الْجِمَاعِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ وَعَدَمِ الْمِلْكِ إذَا اجْتَمَعَا بِأَنْ زَنَى صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْكَفَّارَةُ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ وُجُوبَ الدَّمَيْنِ عَلَى الْقَارِنِ فِيمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَأَمَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَفِي الْجِمَاعِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ، وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ، قَالَ رحمه الله (إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ) وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ الْإِحْرَامَيْنِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَيَلْزَمُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَمٌ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ الْمِيقَاتَ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمَانِ لِتَرْكِ الْإِحْرَامِ فِي مِيقَاتِهِ فَكَذَا هَذَا، وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إحْرَامٌ وَاحِدٌ لِتَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِالْعُمْرَةِ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهُوَ قَارِنٌ فَيُتْرَكُ وَاجِبٌ وَاحِدٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الْمِيقَاتُ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ وَقْتِهِ، وَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ صَارَ مِنْهُمْ وَمِيقَاتُهُمْ فِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ، فَإِذَا أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ فَقَدْ تَرَكَ الْمِيقَاتَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ لِذَلِكَ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يُتْرَكْ الْوَقْتُ إلَّا فِي أَحَدِهِمَا بِتَرْكِ تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ قَتَلَ مُحْرِمَانِ صَيْدًا تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَكَ الْمُحْرِمَانِ فِي قَتْلِ صَيْدٍ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ كَامِلٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِمَا جَزَاءٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ بِقَتْلِ الصَّيْدِ بَدَلٌ مَحْضٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَزْدَادُ الْوَاجِبُ بِكِبَرِهِ، وَيَنْقُصُ بِصِغَرِهِ، وَلَوْ كَانَ كَفَّارَةً لَمَا اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ الْمُتْلِفِ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَصَارَ كَالْحَلَالَيْنِ إذَا اشْتَرَكَا فِي صَيْدِ الْحَرَمِ وَلَنَا أَنَّهُ كَفَّارَةُ قَتْلٍ وَبَدَلٌ لِلْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ كَفَّارَةً بِقَوْلِهِ {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: 95] وَاعْتَبَرَ الْمُمَاثَلَةَ بِقَوْلِهِ {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] فَجَمَعْنَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامِهِ فَبِاعْتِبَارِهِ يَكُونُ كَفَّارَةً وَتَفْوِيتٌ لِلصَّيْدِ فَبِاعْتِبَارِهِ يَكُونُ بَدَلًا، وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ بِمُسْتَنْكَرٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِصَاصَ جَزَاءُ الْفِعْلِ حَتَّى إذَا تَعَدَّدَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ وَاحِدٌ أَجْرَى عَلَى جَمِيعِهِمْ وَبَدَّلَ أَيْضًا حَتَّى يُورَثَ كَالدِّيَةِ، وَفِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحْرِمَيْنِ كَامِلٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا مُوجِبُهُ بِخِلَافِ الْحَلَالَيْنِ يَشْتَرِكَانِ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ عَلَى مَا يَجِيءُ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ حَلَالَانِ لَا) أَيْ لَوْ اشْتَرَكَ حَلَالَانِ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ لَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ، وَهُوَ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ بَدَلُ الْمَحَلِّ لِأَجْزَاءِ الْفِعْلِ، وَهُوَ الْجِنَايَةُ حَتَّى لَا مَدْخَلَ لِلصَّوْمِ فِيهِ فَلَا يَتَعَدَّدُ إلَّا بِتَعَدُّدِ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ الْمُحْرِمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ جَزَاءُ الْجِنَايَةِ؛ وَلِهَذَا يَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، وَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْفِعْلِ نَظِيرُهُ رَجُلَانِ قَتَلَا رَجُلًا خَطَأً يَجِبُ عَلَيْهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَحَلِّ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الْفِعْلِ وَلِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي الْمُحْرِمَيْنِ الْإِحْرَامُ، وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ فَيَتَعَدَّدُ الْمُوجِبُ، وَفِي الْحَلَالَيْنِ الْحَرَمُ، وَهُوَ وَاحِدٌ فَيَتَّحِدُ الْوَاجِبُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ وَإِنْ كَانَ بَدَلًا لَكِنَّهُ فِيهِ مَعْنَى الْجَزَاءِ حَتَّى إذَا اخْتَلَفَتْ جِهَةُ الْجِنَايَةِ بِأَنْ أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ كَامِلٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَتْلَفَهُ بِجِهَةِ أَحَدِهِمَا بِالْأَخْذِ الْمُفَوِّتِ لِلْأَمْنِ، وَذَلِكَ اسْتِهْلَاكٌ مَعْنًى، وَالْآخَرُ بِالْإِتْلَافِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَحَلِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ عِوَضٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَرْجِعُ الْآخِذُ هُنَا عَلَى الْقَاتِلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي قَتْلِ الْمُحْرِمِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْقَاتِلَيْنِ مِمَّنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ كَافِرًا يَجِبُ عَلَى الْآخِذِ بِحِسَابِهِ إنْ كَانَ حَلَالًا وَجَمِيعُ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ
قَالَ رحمه الله (وَيَبْطُلُ بَيْعُ الْمُحْرِمِ صَيْدًا وَشِرَاؤُهُ) لِأَنَّ بَيْعَهُ حَيًّا تَعَرُّضٌ لِلصَّيْدِ، وَبَيْعُهُ بَعْدَ قَتْلِهِ بَيْعُ مَيْتَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ لَبَنَ الصَّيْدِ أَوْ بَيْضَهُ أَوْ الْجَرَادَ أَوْ شَجَرَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الذَّكَاةُ ثُمَّ إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي وَعَطِبَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ وَعَلَى الْبَائِعِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ جَنَيَا عَلَيْهِ، الْبَائِعُ بِالتَّسْلِيمِ، وَالْمُشْتَرِي بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ، وَيَضْمَنُ الْمُشْتَرِي أَيْضًا لِلْبَائِعِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ، وَلَوْ رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي الْجَزَاءُ لِلتَّعَدِّي
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .