الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لَهَا: حُجِّي عَنْ أَبِيك وَلَمْ يَسْأَلْهَا هَلْ حَجَّتْ عَنْهَا أَوْ لَا وَهَلْ هِيَ أَمَةٌ أَوْ حُرَّةٌ وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَسَأَلَهَا عليه الصلاة والسلام أَوْ لَبَيَّنَهُ لَهَا وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا رَوَى؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ طَلَبُ الْفِعْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لَقَالَ: وَقَعَ حَجُّك هَذَا عَنْ نَفْسِك فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَجٌّ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَجَّهُ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ مِنْهُ بِخِلَافِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ صَوْمٌ آخَرُ
وَفِي الْحَجِّ شُرِعَ فِيهِ النَّفَلُ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعُمَرِ وَقْتٌ لَهُ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَدَّاهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ لَا يَنْوِي الْقَضَاءَ بَلْ يَنْوِي الْأَدَاءَ، وَلَا كَذَلِكَ الصَّوْمُ، وَيَجُوزُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَهُ بِفَسْخِ حَجِّهِ عَنْ شُبْرُمَةَ ثُمَّ يُحْرِمُ بِحَجٍّ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا لَيْسَ بِبَعِيدٍ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِرَفْضِ الْحَجِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ شُبْرُمَةَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ أَبَا الْفَرَجِ ذَكَرَ لَهُ طُرُقًا وَبَيَّنَ ضَعْفَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا أَحَجُّوا عَنْهُ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ أَحَجُّوا عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، أَوْ حَجَّ عَنْهُ الْوَارِثُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَجُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ فِي الْحَجِّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: نَعَمْ» وَإِنَّمَا قَرَنَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْجَوَازِ مِنْ بَابِ الْعِلْمِ، وَسُقُوطُ الْحَجِّ بِفِعْلِ الْوَارِثِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ قَطْعًا فَعَلَّقَ السُّقُوطَ بِالْمَشِيئَةِ احْتِرَازًا عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى اللَّهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ قَطْعًا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
(بَابُ الْهَدْيِ)
الْهَدْيُ مَا يُهْدَى مِنْ النَّعَمِ إلَى الْحَرَمِ قَالَ رحمه الله (أَدْنَاهُ شَاةٌ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ قَالَ رحمه الله (وَهُوَ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ) أَيْ الْهَدْيُ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ رحمه الله (وَمَا جَازَ فِي الضَّحَايَا جَازَ فِي الْهَدَايَا) وَهُوَ الثَّنِيُّ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا الثَّنِيُّ فَمَا فَوْقَهُ رَوَاهُ مَالِكٌ وَيُجْزِي الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا أَنْ تَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ قَالَ رحمه الله (وَالشَّاةُ تَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي طَوَافِ الرُّكْنِ جُنُبًا وَوَطْءٍ بَعْدَ الْوُقُوفِ) أَرَادَ بِالرُّكْنِ رُكْنَ الْحَجِّ وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَبِالْوَطْءِ بَعْدَ الْوُقُوفِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْحَلْقِ فَإِنَّ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ عَلَيْهِ بَدَنَةً، وَفِي غَيْرِهِمَا شَاةٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ
قَالَ رحمه الله (وَيَأْكُلُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) أَيْ يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْكُلَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 36] أَمَرَ بِالْأَكْلِ مِنْهَا، وَأَقَلُّهُ يُفِيدُ الِاسْتِحْبَابَ وَلِحَدِيثِ «جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ أَيْ مَا بَقِيَ فَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ وَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ رضي الله عنهما وَعَنْ «عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِخَمْسٍ بَقَيْنَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَلَا نَرَى إلَّا الْحَجَّ مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ قَالَتْ فَدَخَلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْت: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَزْوَاجِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَانَ عليه الصلاة والسلام قَارِنًا، وَكَذَا عَائِشَةُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ أَكْلِهِ وَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ كَالْأُضْحِيَّةِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عُرِفَ فِي الْأُضْحِيَّةِ، كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِمَا تَلَوْنَا، وَالْمُرَادُ بِهَدْيِ التَّطَوُّعِ مَا بَلَغَ الْحَرَمَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْلُغْ لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْكُلَهُ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِيهِ بِالْإِرَاقَةِ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْحَرَمِ، وَفِي غَيْرِهِ بِالتَّصَدُّقِ، وَلَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا؛ لِأَنَّهَا دِمَاءُ كَفَّارَةٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يَأْكُلُ هُوَ، وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِنَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ «لَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَرُفْقَتُك مِنْهَا شَيْئًا» وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ ذَلِكَ فِيمَا عَطِبَ مِنْهَا فِي الطَّرِيقِ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ كَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا أَحَجُّوا إلَخْ) اُنْظُرْ إلَى الْحَاشِيَةِ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ: ثُمَّ الْعِبَادَاتُ أَنْوَاعٌ إلَخْ.
[بَابُ الْهَدْيِ]
(بَابُ الْهَدْيِ) لَمَّا جَرَى ذِكْرُ الْهَدْيِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ نُسُكًا وَجَزَاءً وَمُؤْنَةً شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: هَذَا الْبَابُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَبْوَابُ السَّابِقَةُ فَإِنَّ الْهَدْي إمَّا لِمُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ إحْصَارٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ أَوْ كَفَّارَةِ جِنَايَةٍ أُخْرَى فَأَخَّرَهُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ هَدْيِ الْمُتْعَةِ أَوْ الْقِرَانِ فَرْعُ مَعْرِفَةِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَكَذَا الْبَاقِي وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ حَوَالَاتٍ تَسْتَدْعِي سَبْقَ تَصَوُّرَاتِ مَفْهُومَاتِهَا وَتَصْدِيقَاتِ بَعْضِ أَحْكَامٍ مِنْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَهُوَ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ) ذُكُورُهَا وَإِنَاثُهَا وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. ع
(قَوْلُهُ: أَنْ يَأْكُلَهُ) أَيْ يَأْكُلَ مِنْهُ اهـ (فَرْعٌ) وَلَا يَتَصَدَّقُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى وَلَدِهِ وَنَوَافِلِهِ وَلَا عَلَى أَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ عَلَى هَؤُلَاءِ صَرْفٌ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يُوجَدْ الْإِخْرَاجُ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ وَإِنْ أَعْطَى ذِمِّيًّا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّصَدُّقِ عَلَى مُطْلَقِ الْمَسَاكِينِ إلَّا أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّ لَهُ وُصْلَةً لِلدِّينِ. اهـ. كَرْمَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِنَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله: نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدَبٍ الْأَسْلَمِيُّ كَانَ نَازِلًا فِي بَنِي سَلِمَةَ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَبَقِيَ إلَى دَهْرِ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ سَائِقُ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَذَا قَالَ ابْنُ شَاهِينِ فِي كِتَابِ الْمُعْجَمِ وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: اسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى هَدْيِهِ حِينَ تَوَجَّهَ إلَى الْحُدَيْبِيَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُقَدِّمَهَا إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ وَاسْتَعْمَلَهُ أَيْضًا عَلَى هَدْيِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. اهـ.
وَغَيْرِهِمَا، وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا
قَالَ رحمه الله (وَخَصَّ ذَبْحَ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَقَطْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ - ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا} [الحج: 28 - 29] وَقَضَاءُ التَّفَثِ وَالطَّوَافِ يَخْتَصُّ بِأَيَّامِ النَّحْرِ فَكَذَا الذَّبْحُ لِيَكُونَ الْكَلَامُ مَسْرُودًا عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ وَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ كَالْأُضْحِيَّةِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ دَمَ التَّطَوُّعِ يَخْتَصُّ بِأَيَّامِ النَّحْرِ كَدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ مِثْلَهُ، وَفِي الْأَصْلِ ذَبْحُهُ يَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِي التَّطَوُّعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ هَدْيٌ، وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِالْبُلُوغِ إلَى الْحَرَمِ، وَلَكِنَّ ذَبْحَهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ فِيهِ أَظْهَرُ وَيَجُوزُ ذَبْحُ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ دَمُ جَبْرٍ عِنْدَهُ، وَلَنَا أَنَّهُ دَمُ جَبْرٍ فَكَانَ التَّعْجِيلُ بِهَا أَفْضَلَ بِخِلَافِ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ وَكَذَا الْقِرَانُ
قَالَ رحمه الله (وَالْكُلُّ بِالْحَرَمِ) أَيْ كُلُّ دَمٍ يَجِبُ عَلَى الْحَاجِّ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وقَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وَلِأَنَّ الْهَدْيَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَى مَكَان، وَلَا مَكَانَ لَهُ غَيْرُ الْحَرَمِ فَتَعَيَّنَ لَهُ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «كُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ إنَّ الدِّمَاءَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ مِنْهُ مَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَهُوَ دَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَدَمُ التَّطَوُّعِ فِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ وَدَمُ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُمَا، وَمِنْهُ مَا يَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ، وَهُوَ دَمُ الْجِنَايَاتِ، وَدَمُ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُ، وَالتَّطَوُّعُ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَمِنْهُ مَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ، وَهُوَ الْأُضْحِيَّةُ، وَمِنْهُ مَا لَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ، وَلَا بِالْمَكَانِ، وَهُوَ دَمُ النُّذُورِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ دَمُ النُّذُورِ يَتَعَيَّنُ بِالْمَكَانِ قَالَ رحمه الله (لَا بِفَقِيرِهِ) أَيْ لَا يَخْتَصُّ جَوَازُ التَّصَدُّقِ بِالدِّمَاءِ بِفَقِيرِ الْحَرَمِ بَلْ يَجُوزُ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ عَلَى غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الدِّمَاءَ وَجَبَتْ تَوْسِعَةً لِأَهْلِ الْحَرَمِ قُلْنَا: هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى، وَهُوَ سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ
قَالَ رحمه الله (وَلَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ بِالْهَدْيِ) وَهُوَ أَنْ يَذْهَبَ بِهَا إلَى عَرَفَاتٍ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَهُوَ لَا يُنْبِئُ عَنْ التَّعْرِيفِ، وَإِنَّمَا يُنْبِئُ عَنْ النَّقْلِ إلَى مَكَان لِيَتَقَرَّبَ بِإِرَاقَةِ دَمِهِ فِيهِ وَهُوَ الْحَرَمُ لَا التَّعْرِيفُ وَلَوْ عَرَّفَ بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ، وَالْقِرَانِ فَحَسَنٌ لِتَوَقُّتِهِ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَرُبَّمَا لَا يَجِدُ مَنْ يَحْفَظُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّعْرِيفِ بِهِ وَلِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى الْإِشْهَارِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الشَّعَائِرِ، وَلَا كَذَلِكَ دَمُ الْكَفَّارَاتِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا الْجِنَايَةُ فَإِخْفَاؤُهَا أَوْلَى وَيَجُوزُ ذَبْحُهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْرِيفِ بِهَا، وَالْأَفْضَلُ فِي الْجَزُورِ النَّحْرُ، وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] أَيْ انْحَرْ الْجَزُورَ وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] وَقَالَ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وَهُوَ مَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ، وَكَانَ كَبْشًا وَتُنْحَرُ الْإِبِلُ قِيَامًا، وَلَهُ أَنْ يُضْجِعَهَا
وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام وَأَصْحَابُهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا» وَفِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 36] أَيْ سَقَطَتْ إشَارَةً إلَى أَنَّهَا تُنْحَرُ قَائِمَةً؛ إذْ السُّقُوطُ يَكُونُ مِنْ الْقِيَامِ وَلَا يُذْبَحُ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ وَيُضْجِعُهَا؛ لِأَنَّ الْمَذْبَحَ بِهِ أَبْيَنُ، وَاسْتَحَبَّ الْجُمْهُورُ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِهَا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا لَمْ يُسْتَقْبَلْ بِهِ الْقِبْلَةَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَوَلَّى ذَبْحَهَا بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ مِنْ هَدَايَاهُ وَهِيَ كَانَتْ مِائَةَ بَدَنَةٍ، وَوَلَّى الْبَاقِيَ عَلِيًّا رضي الله عنه» وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَالتَّوَلِّي فِي الْقُرَبِ أَوْلَى وَلَوْ وَلَّى غَيْرَهُ جَازَ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يَهْتَدِي لِذَلِكَ وَلَا يُحْسِنُهُ وَقَدْ يَعْسُرُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ الْجَمِيعِ فَجَوَّزَ لَهُ التَّوْلِيَةَ وَيَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْكِتَابِيِّ لَحِلِّ ذَبِيحَتِهِ وَتُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ قُرْبَةٌ فَيُتَشَاءَمُ بِهِ قَالَ رحمه الله (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلَالِهَا وَخِطَامِهَا، وَلَمْ يُعْطِ أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَجِلَالِهَا، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا شَيْئًا» قَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا، وَلِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ إعْطَاءَهُ مِنْهُ بَقِيَ شَرِيكًا لَهُ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ الْكُلُّ لِقَصْدِهِ اللَّحْمَ، وَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا أُجْرَتَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ قَبْلَ الذَّبْحِ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لِلَّحْمِ أَوْ مُعَاوَضَةٌ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا عَلَيْهِ سِوَى أُجْرَتِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلتَّصَدُّقِ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ} [الحج: 28] الْبَائِسَ الَّذِي نَالَهُ بُؤْسٌ أَيْ شِدَّةٌ فِي الْفَقْرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] التَّفَثُ الْأَخْذُ مِنْ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَالْحَلْقُ مِنْ الشَّعْرِ كَأَنَّهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْلَالِ اهـ أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ: فِجَاجِ) الْفِجَاجُ الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ. اهـ. اك (قَوْلُهُ: وَهُوَ دَمُ الْجِنَايَاتِ وَدَمُ الْإِحْصَارِ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ: وَيَجُوزُ ذَبْحُ مَا وَجَبَ مِنْ الدِّمَاءِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَبَعْدَهُ بِمَكَّةَ مَا خَلَا دَمَ الْقِرَانِ وَالْمُتْعَةِ وَكَذَا هَدْيُ الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ أَيْضًا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: يَجُوزُ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ التَّطَوُّعِ وَغَيْرِهِ يُجْزِيهِ أَنْ يَذْبَحَهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَنَاسِكِ الْإِحْرَامِ فَلَا يَخْتَصُّ بِوَقْتِ جُبْرَانٍ بِخِلَافِ دَمِ الْقِرَانِ وَالْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّهُمَا دَمُ نُسُكٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا بِفَقِيرِهِ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: فَإِنْ ذَبَحَهَا ثُمَّ سُرِقَتْ مِنْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْجَزَاءُ بِنَفْسِ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّ بِالذَّبْحِ إخْرَاجَهَا إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - كَفَّارَةٌ وَلِأَنَّ هَذِهِ صِفَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَيْنِ فَتَفُوتُ بِفَوَاتِهَا كَالزَّكَاةِ وَتَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَسْقُطُ، وَكَذَا إنْ اصْطَلَمَتْهُ آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ أَوْ ضَاعَ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْكُلِّ عَلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ بَعْدَ الذَّبْحِ، وَيُجْزِي فِيهِ التَّمْلِيكُ وَإِطْعَامُ الْإِبَاحَةِ، وَإِنْ تَصَدَّقَ أَوْ هَلَكَ قَبْلَ الذَّبْحِ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ لَا بِانْعِدَامِ الْإِرَاقَةِ عَلَى مَا مَرَّ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يُضْجِعَهَا) وَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ فَهُوَ حَسَنٌ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَخِطَامِهَا) الْخِطَامُ هُوَ الزِّمَامُ وَهُوَ مَا يُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
قَالَ رحمه الله (وَلَا يَرْكَبُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ)؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ خَالِصًا لِلَّهِ - تَعَالَى - فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَصْرِفَ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهِ أَوْ مَنَافِعِهِ إلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلِأَنَّ فِي رُكُوبِهَا اسْتِهَانَةً بِهَا وَتَعْظِيمُهَا وَاجِبٌ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -:{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] وَالتَّقْوَى وَاجِبٌ فَيَكُونُ التَّعْظِيمُ وَاجِبًا فَإِنْ احْتَاجَ إلَى رُكُوبِهِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِ أَنَسٍ رضي الله عنه «رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ: ارْكَبْهَا، قَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: ارْكَبْهَا، قَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ: ارْكَبْهَا قَالَ إنَّهَا بَدَنَةٌ ثَلَاثًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الِاضْطِرَارِ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، وَقَدْ أَجْهَدَهُ الْمَشْيُ، فَقَالَ: ارْكَبْهَا، قَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: ارْكَبْهَا، وَإِنْ كَانَتْ بَدَنَةً» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ رُكُوبُهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَلِرِوَايَةِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ارْكَبْهَا» بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الِاضْطِرَارِ عِنْدَنَا، وَإِنْ رَكِبَهَا فَنَقَصَتْ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ بِهَا لِلْأَغْنِيَاءِ مُعَلَّقٌ بِبُلُوغِهَا الْمَحِلَّ قَالَ رحمه الله (وَلَا يَحْلُبُهُ)؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْهَدْيِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ وَلَا غَيْرَهُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ حَلَبَهُ، وَانْتَفَعَ بِهِ أَوْ دَفَعَ إلَى الْغَنِيِّ ضَمِنَهُ لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِوَبَرِهِ أَوْ صُوفِهِ، وَإِنْ وَلَدَتْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ ذَبَحَهُ مَعَهَا، وَإِنْ بَاعَهُ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ رحمه الله (وَيَنْضَحُ ضَرْعَهُ بِالنُّقَّاخِ) أَيْ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ حَتَّى يَنْقَطِعَ اللَّبَنُ قَالُوا: هَذَا إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الذَّبْحِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا يَحْلُبُهَا، وَيَتَصَدَّقُ بِلَبَنِهَا كَيْ لَا يُضِرَّ ذَلِكَ بِهَا
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ عَطِبَ وَاجِبًا أَوْ تَعَيَّبَ أَقَامَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ)؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ حَتَّى يُذْبَحَ فِي مَحَلِّهِ، وَالْمَعِيبُ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعَيُّبِ مَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ كَذَهَابِ الْعَيْنِ أَوْ الْأُذُنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ قَالَ رحمه الله (وَالْمَعِيبُ لَهُ)؛ لِأَنَّهُ بِتَعْيِينِهِ لِذَلِكَ الْوَجْهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ فَإِذَا امْتَنَعَ صَرْفُهُ فِيهِ صَرَفَهُ فِي غَيْرِهِ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ تَطَوَّعَ نَحَرَهُ وَصَبَغَ نَعْلَهُ بِدَمِهِ وَضَرَبَ بِهِ صَفْحَتَهُ، وَلَمْ يَأْكُلَهُ غَنِيٌّ) لِمَا رُوِيَ عَنْ «قَبِيصَةَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ ثُمَّ يَقُولُ: إنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَخَشِيتَ عَلَيْهِ مَوْتًا فَانْحَرْهَا ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِك» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَمِثْلُهُ عَنْ نَاجِيَةَ الْخُزَاعِيِّ وَكَانَ صَاحِبَ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَالْمُرَادُ بِالْعَطَبِ هُنَا مَا قَرُبَ مِنْ الْعَطَبِ وَأَرَادَ بِالنَّعْلِ قِلَادَتَهَا وَفَائِدَتُهُ أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلَ مِنْهُ الْفُقَرَاءُ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ وَلِأَنَّ الْإِذْنَ بِتَنَاوُلِهِ مُعَلَّقٌ بِبُلُوغِهِ مَحِلَّهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا إلَّا أَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَتْرُكَهَا جَزَرًا لِلسِّبَاعِ، وَفِيهِ نَوْعُ تَقَرُّبٍ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَهَا الْفُقَرَاءُ مِنْ رُفْقَتِهِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَاهُ بَلْ يَتْرُكُهَا جَزَرًا لِلسِّبَاعِ قُلْنَا: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ وَرُفْقَتَهُ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ صَاحِبَ هَدْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنْ الْهَدْيِ قَالَ: كُلُّ بَدَنَةٍ عَطِبَتْ مِنْ الْهَدْيِ فَانْحَرْهَا ثُمَّ أَلْقِ قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا ثُمَّ خَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا يَأْكُلُوهَا» رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَعَنْ نَاجِيَةَ الْأَسْلَمِيِّ مِثْلُهُ ذَكَرَ مُطْلَقَ النَّاسِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ رُفْقَتِهِ وَغَيْرِهِمْ وَالْمُرَادُ بِهِ الْفُقَرَاءُ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ بِدَلِيلِ مَا نَصَّ عَلَى تَخْلِيَتِهِ لِلْمَسَاكِينِ فِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَهَدَايَاهُ عليه الصلاة والسلام كَانَتْ تَطَوُّعًا ظَاهِرًا إلَّا الْوَاحِدَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَارِنًا، وَالْقَارِنُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ الْوَاحِدِ، وَلَا يُقَالُ: أَنْتُمْ قَدْ اسْتَدْلَلْتُمْ بِأَكْلِهِ عليه الصلاة والسلام عَلَى جَوَازِ أَكْلِ دَمِ الْقِرَانِ وَكَيْفَ يُمْكِنُكُمْ الْقَوْلُ كَانَتْ هَدَايَاهُ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْقَارِنُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَاقِي تَطَوُّعٌ فَأَكَلَ عليه الصلاة والسلام مِنْ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْمَرْوِيَّ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُقْطَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بَضْعَةٌ فَكَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ دَمِ الْقِرَانِ وَعَلَى جَوَازِ أَكْلِهِ لِلْفُقَرَاءِ إذَا عَطِبَتْ فِي الطَّرِيقِ
قَالَ رحمه الله (وَتُقَلَّدُ بَدَنَةُ التَّطَوُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْمُتْعَةِ فَقَطْ)؛ لِأَنَّهَا دِمَاءُ نُسُكٍ، وَفِي التَّقْلِيدِ إشْهَارُهَا فَحَسُنَتْ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ إظْهَارَ الطَّاعَاتِ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ حَسَنٌ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271]، وَفِي الْمُحِيطِ يُقَلِّدُ دَمَ النَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ وَعِبَادَةٍ وَفِيهِ إظْهَارُ الشَّعَائِرِ وَإِشْهَارُهُ فَيَلِيقُ ذَلِكَ بِالنُّسُكِ مَعَ مُوَافَقَتِهِ السُّنَّةَ وَلَا يُقَلِّدُ دَمَ الْجِنَايَاتِ لِأَنَّ سَبَبَهَا الْجِنَايَةُ فَيَلِيقُ بِهَا السِّتْرُ قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ فَلْيَسْتَتِرْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَيُنْضِحُ ضَرْعَهُ) يُنْضِحُ بِكَسْرِ الضَّادِ أَيْ يَرُشُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَنْقَطِعَ اللَّبَنُ) دَفْعًا لِلضَّرُورَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ