الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَجَعْلُهُ عُرْضَةً لِلْهَلَاكِ، وَيَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ لِلْبَائِعِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ وَهَبَ مُحْرِمٌ صَيْدًا مِنْ مُحْرِمٍ فَهَلَكَ عِنْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءَانِ ضَمَانٌ لِصَاحِبِهِ لِفَسَادِ الْهِبَةِ، وَجَزَاءٌ حَقًّا لِلَّهِ - تَعَالَى، وَإِنْ أَكَلَهُ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَجْزِيَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عِنْدَهُ بِالْأَكْلِ الْجَزَاءُ عَلَى مَا مَرَّ، وَلَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ بَيْنَ الْحَلَالَيْنِ ثُمَّ أَحْرَمَا أَوْ أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لَكِنْ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ، وَلَوْ غَصَبَ مُحْرِمٌ مِنْ مُحْرِمٍ صَيْدًا فَرَدَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْجَزَاءُ لِتَعَدِّيهِمَا بِالتَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ، وَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِمَالِكِهِ وَقِيمَةٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَيَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ أَرْسَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِصَاحِبِهِ وَبَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ لِحَقِّ الشَّرْعِ
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ أَخْرَجَ ظَبْيَةَ الْحَرَمِ فَوَلَدَتْ وَمَاتَا ضَمِنَهُمَا) أَيْ الْوَلَدَ وَالْأُمَّ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَرَمِ مُسْتَحَقُّ الْأَمْنِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ، وَهُوَ الْحَرَمُ وَهَذِهِ الصِّفَةُ شَرْعِيَّةٌ فَتَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَيَضْمَنُ الْوَلَدَ كَالْأُمِّ فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى هَذَا وَلَدُ الْمَغْصُوبِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ، قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوَلَدَ فِي الظَّبْيَةِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ طَالِبٌ لِلرَّدِّ فِي كُلِّ سَاعَةٍ، فَإِذَا لَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى هَلَكَ تَحَقَّقَ الْهَلَاكُ بَعْدَ الْمَنْعِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَطْلُبْهُ حَتَّى لَوْ طَلَبَ وَمَنَعَهُ يَضْمَنُ فَعَلَى هَذَا لَوْ هَلَكَ وَلَدُ الظَّبْيَةِ قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ لَا يَضْمَنُ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبِ، وَالثَّانِي مِنْ الْفَرْقِ: أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ إزَالَةُ الْأَمْنِ وَقَدْ وُجِدَ فِي الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَحْدُثُ يَحْدُثُ مُسْتَحَقًّا لِلْأَمْنِ وَقَدْ أَثْبَتَ فِيهِ الْخَوْفَ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ، وَفِي الْمَغْصُوبِ سَبَبُ الضَّمَانِ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ، وَلَمْ تُوجَدْ فَافْتَرَقَا، وَعَلَى هَذَا يَضْمَنُ وَلَدَ الظَّبْيَةِ كَيْفَمَا كَانَ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهُ فَوَلَدَتْ لَا يَضْمَنُ الْوَلَدَ)؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ حَلَّ، وَقَدْ انْعَدَمَ أَثَرُ فِعْلِهِ بِالتَّكْفِيرِ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ بَدَلُ الصَّيْدِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ فَلَمْ يُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْأَمْنُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وُصُولَ بَدَلِهِ كَوُصُولِ نَفْسِهِ وَكَذَا كُلُّ زِيَادَةٍ فِيهَا مِنْ سِمَنٍ أَوْ شَعْرٍ إنْ كَانَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ لَا يَضْمَنُهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ يَضْمَنُهَا، وَقَالَ فِي الْغَايَةِ: لَا يَضْمَنُ بَعْدَ التَّكْفِيرِ الزِّيَادَةَ، وَيَضْمَنُ الْأَصْلَ، وَلَوْ ذَبَحَ الْأُمَّ أَوْ الْأَوْلَادَ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ صَيْدُ الْحِلِّ لِلْحَلَالِ، وَيُكْرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
{بَابٌ: مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ}
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فَتَسَرَّى إلَى الْوَلَدِ) أَيْ عِنْدَ حُدُوثِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ) أَيْ فَيَصِيرُ خِطَابُ رَدِّ الْوَلَدِ مُسْتَمِرًّا، وَإِذَا تَعَلَّقَ خِطَابُ الرَّدِّ كَانَ الْإِمْسَاكُ تَعَرُّضًا لَهُ مَمْنُوعًا، فَإِذَا اتَّصَلَ الْمَوْتُ بِهِ ثَبَتَ الضَّمَانُ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ لَوْ هَلَكَ وَلَدُ الظَّبْيَةِ إلَخْ) عَلَى هَذَا أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا قَالَهُ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْغَصْبِ وَزَوَائِدُ الْغَصْبِ مَضْمُونَةٌ فَرَاجِعْهُ اهـ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ لَا يَضْمَنُهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ يَضْمَنُهَا) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ رحمه الله وَصَوَابُهُ إنْ كَانَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ يَضْمَنُهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا يَضْمَنُهَا فَتَأَمَّلْ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ التَّكْفِيرَ أَعْنِي أَدَاءَ الْجَزَاءِ إنْ كَانَ حَالَ الْقُدْرَةِ عَلَى إعَادَةِ أَمْنِهَا بِالرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ لَا يَقَعُ كَفَّارَةً، وَلَا يَحِلُّ بَعْدَهُ التَّعَرُّضُ لَهَا بَلْ حُرْمَةُ التَّعَرُّضِ لَهَا قَائِمَةٌ، وَإِنْ كَانَ حَالَ الْعَجْزِ عَنْهُ بِأَنْ هَرَبَتْ فِي الْحِلِّ عِنْدَمَا أَخْرَجَهَا إلَيْهِ خَرَجَ بِهِ عَنْ عُهْدَتِهَا، فَلَا يَضْمَنُ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ التَّكْفِيرِ مِنْ أَوْلَادِهَا إذَا مُتْنَ، وَلَهُ أَنْ يَصْطَادَهَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُتَوَجِّهَ قَبْلَ الْعَجْزِ عَنْ تَأْمِينِهَا إنَّمَا هُوَ خِطَابُ الرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ، وَلَا يَزَالُ مُتَوَجِّهًا مَا كَانَ قَادِرًا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْأَمْنِ إنَّمَا هُوَ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَا لَمْ يَعْجِزْ، وَلَمْ يُوجَدْ فَإِذَا عَجَزَ تَوَجَّهَ خِطَابُ الْجَزَاءِ، وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ بِأَنَّ الْأَخْذَ لَيْسَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ بَلْ الْقَتْلُ بِالنَّصِّ فَالتَّكْفِيرُ قَبْلَهُ وَاقِعٌ قَبْلَ السَّبَبِ فَلَا يَقَعُ إلَّا نَفْلًا، فَإِذَا مَاتَتْ بَعْدَ أَدَاءِ هَذَا الْجَزَاءِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ تَعَيَّنَ خِطَابُ الْجَزَاءِ، هَذَا الَّذِي أَدِينُ بِهِ وَأَقُولُ: يُكْرَهُ اصْطِيَادُهَا إذَا أَدَّى الْجَزَاءَ بَعْدَ الْهَرَبِ ثُمَّ ظَفِرَ بِهَا لِشُبْهَةِ كَوْنِ دَوَامِ الْعَجْزِ شَرْطَ إجْزَاءِ الْكَفَّارَةِ إلَّا إذَا اصْطَادَهَا لِيَرُدَّهَا إلَى الْحَرَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ ذَبَحَ الْأُمَّ، أَوْ الْأَوْلَادَ يَحِلُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي الْغَصْبِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَوَلَدُ الْمَغْصُوبِ إلَخْ فَإِنْ قِيلَ: تَفْوِيتُ الْأَمْنِ فِي حَقِّ صَيْدِ الْحَرَمِ سَبَبٌ صَالِحٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لَا فِي حَقِّ كُلِّ الصُّيُودِ، وَالْوَلَدُ لَيْسَ بِصَيْدِ الْحَرَمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَحِلُّ بَيْعُهُ، وَيَحِلُّ أَكْلُهُ، فَلَوْ كَانَ صَيْدُ الْحَرَمِ لَمَا حَلَّ أَكْلُهُ وَبَيْعُهُ وَلِأَنَّ تَفْوِيتَ الْأَمْنِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَمْنِ، وَلَمْ يُوجَدْ ثُبُوتُ الْأَمْنِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ كَمَا حَدَثَ حَدَثَ خَائِفًا فَلَا يُتَصَوَّرُ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ فِي حَقِّ الْخَائِفِ، قُلْنَا: الْوَلَدُ لَمْ يَكُنْ صَيْدَ الْحَرَمِ مِنْ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ إرْسَالُهُ إلَى الْحَرَمِ وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ، قُلْنَا: نَعَمْ يَحِلُّ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ صَيْدَ الْحَرَمِ يَحِلُّ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَيْدُ الْحَرَمِ يُكْرَهُ، وَالثَّابِتُ مِنْ وَجْهٍ يُلْحَقُ بِالثَّابِتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ احْتِيَاطًا فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ، وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ حَدَثَ خَائِفًا قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَكِنَّ مُسْتَحِقَّ الْأَمْنِ، وَالْمُسْتَحِقُّ لِلْأَمْنِ كَالْآمَنِ حُكْمًا، وَهُوَ لَمَّا أَثْبَتَ يَدَهُ عَلَى الْوَلَدِ فَقَدْ فَوَّتَ الْأَمْنَ حُكْمًا، وَتَفْوِيتُ الْأَمْنِ حُكْمًا سَبَبٌ صَالِحٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ. اهـ.
[بَابٌ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ]
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله: وَصَلَ هَذَا الْبَابَ بِمَا تَقَدَّمَ لِمُنَاسِبَةٍ بَيْنَهُمَا فِي مَعْنَى الْجِنَايَةِ إلَّا أَنَّ مُجَاوَزَةَ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ جِنَايَةٌ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَمَا مَضَى جِنَايَةٌ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَمُطْلَقُ اسْمِ الْجِنَايَةِ فِي بَابِ الْحَجِّ يَنْطَلِقُ عَلَى مَا كَانَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَكَانَ كَامِلًا فَقَدَّمَ ذَاكَ عَلَى هَذَا لِهَذَا اهـ قَالَ الْكَمَالُ: ثُمَّ تَحْقِيقُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْجِنَايَةُ أَمْرَانِ: الْبَيْتُ وَالْإِحْرَامُ لَا الْمِيقَاتُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ الْإِحْرَامُ مِنْهُ إلَّا لِتَعْظِيمِ غَيْرِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أَوْجَبَ تَعْظِيمَ الْبَيْتِ بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي عَيَّنَهُ فَإِذَا لَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ كَانَ مُخِلًّا بِتَعْظِيمِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ فَيَكُونُ جِنَايَةً عَلَى الْبَيْتِ وَنَقْصًا فِي الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ أَنْ يُنْشِئَهُ مِنْ الْمَكَانِ الْأَقْصَى فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ أَوْجَدَهُ نَاقِصًا اهـ
قَالَ رحمه الله (مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ عَادَ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا أَوْ جَاوَزَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَفْسَدَ، وَقَضَى بَطَلَ الدَّمُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ بِعَوْدِهِ إلَى الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا لَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَسْقُطُ لَبَّى أَوْ لَمْ يُلَبِّ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ مَا طَافَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ لِزُفَرَ رحمه الله أَنَّ جِنَايَتَهُ لَمْ تَرْتَفِعْ بِالْعَوْدِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إلَى الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْشِئَ التَّلْبِيَةَ فِيهِ فَإِذَا تَرَكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ ثُمَّ إذَا عَادَ وَلَبَّى لَمْ يَأْتِ بِالْمَتْرُوكِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا وَمَا أَتَى بِهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَهُمَا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ كَوْنُهُ مُحْرِمًا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَمَرَّ بِهِ سَاكِتًا وَلَمْ يُلَبِّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِذَا رَجَعَ فَقَدْ تَلَافَى الْمَتْرُوكَ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ وَلَهُ أَنَّ أَصْلَ الْمِيقَاتِ فِي حَقِّهِ دُوَيْرَةٍ أَهْلِهِ وَلِهَذَا كَانَ الْإِحْرَامُ مِنْهَا أَفْضَلَ وَرُخِّصَ التَّأْخِيرُ إلَى الْمِيقَاتِ فَصَارَ الْمِيقَاتُ آخِرَ الْغَايَاتِ فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّلْبِيَةُ وَالْإِحْرَامُ مِنْهُ فَإِذَا تَرَكَهُ وَأَحْرَمَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ لَبَّى فِيهِ فَقَدْ أَتَى بِعَيْنِ مَا تَرَكَ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ وَإِنْ لَمْ يُلَبِّ لَمْ يَأْتِ بِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ فَإِنَّ الْمَتْرُوكَ هُنَاكَ امْتِدَادُ الْوُقُوفِ فَلَمْ يَتَدَارَكْهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَمَرَّ بِالْمِيقَاتِ، وَهُوَ سَاكِتٌ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْعَزِيمَةِ فَكَانَ أَوْلَى وَعَلَى هَذَا لَوْ خَرَجَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ ثُمَّ لَبَّى يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ الدَّمُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُلَبِّيَ فِي آخِرِ حَدِّ الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ فِيهِ
وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ التَّرَخُّصُ إلَى آخِرِ الْحَدِّ لَا غَيْرُ، وَأَطْلَقَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ: مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ عَادَ مُحْرِمًا، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ، وَهُوَ مَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ أَحْرَمَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةٍ فَأَفْسَدَهَا فَمَضَى فِيهَا وَقَضَاهَا أَيْ أَحْرَمَ فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْمِيقَاتِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ بَعْدَ مَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ فَأَفْسَدَهَا أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ ثُمَّ أَحْرَمَ فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْمِيقَاتِ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله: لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِارْتِكَابِهِ الْمَحْظُورَ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالِاجْتِنَابِ فِي الْقَضَاءِ كَسَائِرِ الْمَحْظُورَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ صَيْدًا، أَوْ حَلَقَ أَوْ تَطَيَّبَ فِي إحْرَامِهِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ وَقَضَاهُ وَاجْتَنَبَهُ فِي الْقَضَاءِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فَكَذَا هَذَا، وَلَنَا أَنَّهُ لَمَّا قَضَى مِنْ الْمِيقَاتِ انْجَبَرَ ذَلِكَ النُّقْصَانُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَيَصِيرُ قَاضِيًا حَقَّهُ بِالْقَضَاءِ مِنْهُ فَانْعَدَمَ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَدِمُ بِالْقَضَاءِ فَاتَّضَحَ الْفَرْقُ قَالَ رحمه الله (فَلَوْ دَخَلَ الْكُوفِيُّ الْبُسْتَانَ لِحَاجَةٍ لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ)؛ لِأَنَّ الْبُسْتَانَ غَيْرُ وَاجِبِ التَّعْظِيمِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِقَصْدِهِ فَإِذَا دَخَلَهُ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ وَلِلْبُسْتَانِيِّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِلْحَاجَةِ لِمَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْإِحْرَامِ فَكَذَا لِهَذَا الدَّاخِلِ إلَيْهِمْ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ جَمِيعُ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ فِي الْبُسْتَانِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِيهِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَكُونُ مِنْهُمْ، وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ الْبُسْتَانِ لِلْحَجِّ وَلَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ حَتَّى وَقَفَ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ نُسُكًا وَاجِبًا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَأَهْلِ الْبُسْتَانِ
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ) يَعْنِي الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ مَكَّةَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا وُجِدَ مِنْهُ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ كَمَنْ نَذَرَ بِالْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ إنْ لَمْ يُرِدْ أَدَاءَ النُّسُكِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ رحمه الله (ثُمَّ حَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ فِي عَامِهِ ذَلِكَ صَحَّ عَنْ دُخُولِهِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ فَإِنْ تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ لَا) يَعْنِي إذَا دَخَلَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ ثُمَّ أَفْسَدَ) أَيْ تِلْكَ الْعُمْرَةَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ فِي عَامِهِ ذَلِكَ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ) أَيْ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ دُونَ زُفَرَ نَبَّهَ عَلَيْهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - آمِينَ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ عَادَ بَعْدَ مَا ابْتَدَأَ الطَّوَافَ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ: وَلَوْ عَادَ بَعْدَ مَا ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ، وَلَوْ شَوْطًا لَا يَسْقُطُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ بِاعْتِبَارِهِ مُبْتَدَأَ الْإِحْرَامِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ، وَهَذَا الِاعْتِبَارُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَفْعَالِ يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَ بُطْلَانِ مَا وُجِدَ مِنْهُ مِنْ الطَّوَافِ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ مُعْتَدًّا بِهِ، فَكَانَ اعْتِبَارًا مَلْزُومًا لِلْفَاسِدِ، وَمَلْزُومُ الْفَاسِدِ فَاسِدٌ، وَكَذَا إذَا لَمْ يُعِدْ حَتَّى شَرَعَ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطُوفَ لِمَا ذَكَرْنَا بِعَيْنِهِ اهـ {فَرْعٌ} وَفِي مُجَاوَزَةِ الْمَرْقُوقِ مَعَ مَوْلَاهُ بِلَا إحْرَامٍ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ دَمٌ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ جَاوَزَهُ صَبِيٌّ أَوْ كَافِرٌ فَأَسْلَمَ وَبَلَغَ وَأَحْرَمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا قَالَهُ الْكَمَالُ رحمه الله (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) أَيْ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ التَّلْبِيَةُ عِنْدَ الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّ مَكَانَ إحْرَامِهِ جُعِلَ مِيقَاتًا فِي حَقِّهِ وَقَدْ لَبَّى هُنَا لَك فَلَمْ يُشْتَرَطْ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ سَابِقًا أَمَّا الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ وَأَمَّا الثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ: فَأَفْسَدَهَا) أَيْ أَفْسَدَهَا بِالْجِمَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ دَخَلَ الْكُوفِيُّ الْبُسْتَانَ) أَيْ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ، وَهِيَ قَرْيَةٌ فِي دَاخِلِ الْمِيقَاتِ وَخَارِجَ الْحَرَمِ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لِحَاجَتِهِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَحْرَمَ) أَيْ الدَّاخِلُ لِلْبُسْتَانِ لِحَاجَةٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ مَكَّةَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْإِحْرَامِ) أَيْ سَوَاءٌ قَصَدَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ التِّجَارَةَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا اهـ عَيْنِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ حَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ) أَيْ مِنْ حَجَّةٍ مَنْذُورَةٍ اهـ ع قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: إذَا دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ عَلَيْهِ نَذْرًا وَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ عُمْرَةٍ مَنْذُورَةٍ سَقَطَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْعُمْرَةِ أَوْ الْحَجَّةِ بِسَبَبِ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ اهـ