الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مَذْهَبُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَجْمَعِينَ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةٌ، وَحَدِيثُ عُقْبَةَ حُجَّةٌ لَنَا أَيْضًا فَإِنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَعْرَضَ عَنْهُ مَرَّتَيْنِ فَلَوْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمَّا رَأَى مِنْهُ طُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ إلَى قَوْلِهِمَا حَيْثُ كَرَّرَ السُّؤَالَ أَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا احْتِيَاطًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ كَانَتْ عَنْ ضِغْنٍ فَإِنَّهُ قَالَ جَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ تَسْتَطْعِمُنَا فَأَبَيْنَا أَنْ نُطْعِمَهَا فَجَاءَتْ تَشْهَدُ عَلَى الرَّضَاعِ وَبِالْإِجْمَاعِ بِمِثْلِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فَعَرَفْنَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ تَنَزُّهًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ عليه الصلاة والسلام بِقَوْلِهِ «كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ» ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِالتَّنَزُّهِ إذَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهَا صَادِقَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(كِتَابُ الطَّلَاقِ)
.
قَالَ رحمه الله (هُوَ رَفْعُ الْقَيْدِ الثَّابِتِ شَرْعًا بِالنِّكَاحِ) وَهَذَا فِي الشَّرِيعَةِ، وَقَوْلُهُ شَرْعًا يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ الثَّابِتِ حِسًّا وَهُوَ حَلُّ الْوَثَاقِ، وَقَوْلُهُ بِالنِّكَاحِ يُحْتَرَزُ بِهِ مِنْ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ رَفْعُ قَيْدٍ ثَابِتٍ شَرْعًا لَكِنَّهُ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ الْقَيْدُ بِالنِّكَاحِ وَفِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْقَيْدِ مُطْلَقًا يُقَالُ أَطْلَقَ الْفَرَسَ وَالْأَسِيرَ وَلَكِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي النِّكَاحِ بِالتَّفْعِيلِ وَفِي غَيْرِهِ بِالْأَفْعَالِ وَلِهَذَا فِي قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى النِّيَّةِ وَبِتَخْفِيفِهَا يَحْتَاجُ
، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ النِّكَاحَ لِمَصْلَحَةِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَظِمُ بِهِ مَصَالِحَهُمْ الدِّينِيَّةَ وَالدُّنْيَوِيَّةَ. ثُمَّ شُرِعَ الطَّلَاقُ إكْمَالًا لِلْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُوَافِقُهُ النِّكَاحُ فَيَطْلُبُ الْخَلَاصَ فَمَكَّنَهُ مِنْ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ عَدَدًا وَحُكْمَهُ مُتَأَخِّرًا لِيُجَرِّبَ نَفْسَهُ فِي الْفِرَاقِ كَمَا جَرَّبَهَا فِي النِّكَاحِ، ثُمَّ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ لِيَتَأَدَّبَ بِمَا فِيهِ غَيْظُهُ وَهُوَ الزَّوْجُ الثَّانِي عَلَى مَا عَلَيْهِ جِبِلَّةُ الْفُحُولَةِ بِحِكْمَتِهِ وَلُطْفِهِ بِعِبَادِهِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يَحْتَاجُ هُنَا إلَى مَعْرِفَةِ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ مَعْنَى الطَّلَاقِ لُغَةً وَشَرِيعَةً، وَقَدْ بَيَّنَّاهُمَا وَرُكْنُهُ وَهُوَ اللَّفْظُ وَسَبَبُهُ وَهُوَ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَشَرْطُهُ وَهُوَ الْأَهْلِيَّةُ وَالْمَحَلُّ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا وَالْمَرْأَةُ فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ وَحُكْمُهُ وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْ الْمَحَلِّ مَعَ انْتِقَاصِ الْعَدَدِ وَالسَّابِعُ أَنْوَاعُهُ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ رحمه الله (تَطْلِيقُهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ وَتَرْكُهَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا أَحْسَنُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ كِتَاب الطَّلَاق]
لَمَّا فَرَغَ مِنْ النِّكَاحِ وَبَيَانِ أَحْكَامِهِ اللَّازِمَةِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَالْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ وَهِيَ أَحْكَامُ الرَّضَاعِ شَرَعَ فِيمَا بِهِ يَرْتَفِعُ؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ تَقَدَّمَ وُجُودُهُ وَاسْتِعْقَابُ أَحْكَامَهُ وَأَيْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّضَاعِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ إلَّا أَنَّ مَا بِالرَّضَاعِ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ وَمَا بِالطَّلَاقِ حُرْمَةٌ مُغَيَّاةٌ بِغَايَةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَدَّمَ بَيَانَ الْحُكْمِ الْأَشَدِّ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْآخَرِ وَأَيْضًا التَّرْتِيبُ الْوُجُودِيُّ يُنَاسِبُ التَّرْتِيبَ الْوَضْعِيَّ، وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ فِي الْوُجُودِ بِأَحْكَامِهِ وَيَتْلُوهُ الطَّلَاقُ فَأَوْجَدَهُ فِي التَّعْلِيمِ كَذَلِكَ وَالطَّلَاقُ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ التَّطْلِيقُ كَالسَّلَامِ وَالسَّرَاحِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسْرِيحِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] أَيْ التَّطْلِيقُ أَوْ هُوَ مَصْدَرُ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ بِضَمِّ اللَّامِ أَوْ فَتْحِهَا كَالْفَسَادِ، وَعَنْ الْأَخْفَشِ نَفْيُ الضَّمِّ وَفِي دِيوَانِ الْأَدَبِ أَنَّهُ لُغَةٌ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: هُوَ رَفْعُ الْقَيْدِ الثَّابِتِ شَرْعًا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: وَفِي الشَّرْعِ رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَادَّةِ ط ل ق صَرِيحًا كَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ كِنَايَةً كَمُطْلَقَةٍ بِالتَّخْفِيفِ وَهِجَاءِ طَالِقٍ بِلَا تَرْكِيبٍ كَأَنْتِ ط ال ق عَلَى مَا سَيَأْتِي وَغَيْرِهِمَا كَقَوْلِ الْقَاضِي فَرَّقْت بَيْنَهُمَا عِنْدَ إبَاءِ الزَّوْجِ الْإِسْلَامَ، وَالْعُنَّةِ وَاللِّعَانِ وَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ الْمُفِيدَةِ لِلرَّجْعَةِ وَالْبَيْنُونَةِ وَلَفْظِ الْخُلْعِ فَخَرَجَ تَفْرِيقُ الْقَاضِي فِي إبَائِهَا وَرِدَّةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَتَبَايُنُ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَخِيَارُ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقُ وَعَدَمُ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانُ الْمَهْرِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ طَلَاقًا فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْفُسُوخِ وَمُشْتَمِلٌ عَلَى مَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ مِنْ شَرْطِ وُجُودِهِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي حَقِيقَتِهِ وَالتَّعْرِيفُ لِمُجَرَّدِهَا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَكِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي النِّكَاحِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَاسْتُعْمِلَ فِعْلُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْأَفْعَالِ أَطْلَقْت بَعِيرِي وَأَسِيرِي وَفِيهِ مِنْ التَّفْعِيلِ طَلَّقْت امْرَأَتِي يُقَالُ ذَلِكَ إخْبَارًا عَنْ أَوَّلِ طَلْقَةٍ أَوْقَعَهَا، فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّأْكِيدُ، أَمَّا إذَا قَالَهُ فِي الثَّالِثَةِ فَلِلتَّكْثِيرِ كَغَلَّقَتْ الْأَبْوَابَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْ الْمَحَلِّ) أَيْ مُؤَجَّلًا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعِيِّ وَبِدُونِهِ فِي الْبَائِنِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: تَطْلِيقُهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ) أَيْ وَلَا فِي الْحَيْضِ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِمَا، وَهَذَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا سَيَأْتِي اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَتَرْكُهَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا أَحْسَنُ) أَيْ بِلَا طَلَاقٍ آخَرَ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قِلَّةِ ضَرَرِ هَذَا وَاسْتِحْبَابِهِ عِنْدَ الصَّحَابَةِ كَانَ أَحْسَنَ اهـ. وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قِيلَ الْأَصْلُ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْحَظْرَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، وَأَمَّا كَوْنُهُ حَسَنًا وَأَحْسَنُ فَمِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْأَصْلِ عَلَى نَوْعَيْنِ طَلَاقُ
أَنْ لَا يَزِيدُوا فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا وَأَنَّ هَذَا أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ؛ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ النَّدَمِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّدَارُكِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] وَأَقَلُّ ضَرَرًا بِالْمَرْأَةِ حَيْثُ لَمْ تَطُلْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَمْ تَبْطُلْ مَحَلِّيَّتُهَا؛ لِأَنَّ اتِّسَاعَ الْمَحَلِّيَّةِ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهِنَّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ مَكْرُوهٌ إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ وَفِي النِّهَايَةِ لِلسِّغْنَاقِيِّ أَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَا يُبَاحُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَعَنَ اللَّهُ كُلَّ ذَوَّاقٍ مِطْلَاقٍ» . وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ» ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «تَزَوَّجُوا وَلَا تُطَلِّقُوا» ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا تُطَلِّقُوا النِّسَاءَ إلَّا مِنْ رِيبَةٍ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الذَّوَّاقِينَ وَلَا الذَّوَّاقَاتِ» وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، وَقَالَ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 236] وَهَذَا يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ «وَطَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَفْصَةَ» وَالصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - كَانُوا يُطَلِّقُونَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ مُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَأَقَامَهُنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ صَفًّا فَقَالَ أَنْتُنَّ حَسَنَاتُ الْأَخْلَاقِ نَاعِمَاتُ الْأَرْزَاقِ طَوِيلَاتُ الْأَعْنَاقِ اذْهَبْنَ فَأَنْتُنَّ الطَّلَاقُ.
قَالَ رحمه الله (وَثَلَاثًا فِي أَطْهَارٍ حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ) أَيْ تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ، وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْظُورٌ فَلَا يُبَاحُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إلَّا لِدَفْعِ حَاجَةِ التَّخَلُّصِ عَنْهَا بِتَنَافُرِ الْأَخْلَاقِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْوَاحِدَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الزِّيَادَةِ وَلَنَا «قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام لِعُمَرَ مُرْ ابْنَك
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
سُنَّةٍ وَطَلَاقُ بِدْعَةٍ وَالْأَوَّلُ عَلَى قِسْمَيْنِ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ وَالثَّانِي وَهُوَ الْبِدْعِيُّ عَلَى قِسْمَيْنِ أَيْضًا بِحَسَبِ الْعَدَدِ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَجُمْلَةٍ أَوْ عَلَى التَّفْرِيقِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ وَبِحَسَبِ الْوَقْتِ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ اهـ. وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَاعْلَمْ أَنَّ السُّنِّيَّ الْمَسْنُونَ وَهُوَ كَالْمَنْدُوبِ فِي اسْتِعْقَابِ الثَّوَابِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمُبَاحُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ عِبَادَةً فِي نَفْسِهِ لِيَثْبُتَ لَهُ ثَوَابٌ فَمَعْنَى الْمَسْنُونِ مِنْهُ مَا ثَبَتَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَوْجِبُ عِتَابًا نَعَمْ لَوْ وَقَعَتْ لَهُ دَاعِيَةٌ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَقِيبَ جِمَاعِهَا أَوْ حَائِضًا أَوْ ثَلَاثًا فَمَنَعَ نَفْسَهُ إلَى الطُّهْرِ الْآخَرِ وَالْوَاحِدَةُ تَقُولُ إنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهَا لَا عَلَى الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الْخَالِي، بَلْ عَلَى كَفِّ نَفْسِهِ عَنْ ذَلِكَ الْإِيقَاعِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ امْتِنَاعًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَذَلِكَ الْكَفُّ غَيْرُ فِعْلِ الْإِيقَاعِ، وَلَيْسَ الْمَسْنُونُ يَلْزَمُ تِلْكَ الْحَالَةَ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ وَاحِدَةً فِي الطُّهْرِ الْخَالِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْطِرَ لَهُ دَاعِيَةُ ذَلِكَ الْإِيقَاعِ سَمَّيْنَاهُ طَلَاقًا مَسْنُونًا مَعَ انْتِفَاءِ سَبَبِ الثَّوَابِ وَهُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ بَعْدَ تَهَيُّؤِ أَسْبَابِهَا وَقِيَامِ دَاعِيَتِهَا، وَهَذَا كَمَنْ اسْتَمَرَّ عَلَى عَدَمِ الزِّنَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَخْطِرَ لَهُ دَاعِيَتُهُ وَتَهَيُّؤُهُ لَهُ مَعَ الْكَفِّ عَنْهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَقَعَتْ لَهُ دَاعِيَتُهُ وَطَلَبُ النَّفْسِ لَهُ وَتَهَيُّؤُهُ لَهُ وَكَفَّ تَجَافِيًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ أُثِيبَ اهـ.
(قَوْلُهُ: لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّدَارُكِ) أَيْ حَيْثُ يُمْكِنُهُ التَّزَوُّجُ بِهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا بِلَا تَخَلُّلِ زَوْجٍ آخَرَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] أَيْ تَبْدُو لَهُ مُرَاجَعَتُهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَبْطُلْ مَحَلِّيَّتُهَا) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ إلَخْ) رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ مِنْهَا يَسَعُهُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا سَرَّحَهَا بِالْإِحْسَانِ وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ لَهَا مَهْرَهَا وَنَفَقَةَ عِدَّتِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ النِّكَاحِ كَثِيرَ الطَّلَاقِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لِأَنِّي أُحِبُّ الْغِنَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى جَمَعَ الْغِنَى فِي هَذَيْنِ يَعْنِي النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ، أَمَّا النِّكَاحُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32]. وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] اهـ.
كُبْرَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ النَّفَقَةِ فِي فَصْلِ حُقُوقِ الزَّوْجَيْنِ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ إنْ أَوْفَاهَا الْمَهْرَ وَنَفَقَةَ الْعِدَّةِ وُسِّعَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ اهـ. (قَوْلُهُ: «وَقَالَ صلى الله عليه وسلم أَبْغَضُ الْحَلَالِ» إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَأَمَّا وَصْفُهُ فَهُوَ أَبْغَضُ الْمُبَاحَاتِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «إنَّ أَبْغَضَ الْمُبَاحَاتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ» فَنَصَّ عَلَى إبَاحَتِهِ وَكَوْنِهِ مَبْغُوضًا وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَرَتُّبَ لَازِمِ الْمَكْرُوهِ الشَّرْعِيِّ إلَّا لَوْ كَانَ مَكْرُوهًا بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ مِنْ وَصْفِهِ بِالْبُغْضِ إلَّا لَوْ لَمْ يَصِفْهُ بِالْإِبَاحَةِ لَكِنَّهُ وَصَفَهُ بِهَا؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بَعْضُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ مَبْغُوضٌ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ مَا رَتَّبَ عَلَى الْمَكْرُوهِ اهـ.
قَوْلُهُ: وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ إلَخْ يَعْنِي مِنْ اللَّوْمِ عَلَى التَّرْكِ فِي التَّنْزِيهِ وَالْعِقَابِ فِي كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحَابَةُ كَانُوا يُطَلِّقُونَ إلَخْ) فَإِنَّ عُمَرَ طَلَّقَ أُمَّ عَاصِمٍ وَابْنُ عَوْفٍ طَلَّقَ تَمَاضُرَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَتَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً أَوْ غَيْرَ مُسْلِمَةٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِإِيقَاعِهِ كَذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَى الْغَائِبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ أَنْ يَكْتُبَ إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا وَأَنْتِ طَاهِرَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كُنْت حَائِضًا فَإِذَا طَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ اهـ. كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، ثُمَّ إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ فَقَدْ مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَتَانِ إنْ كَانَتْ حُرَّةً فَإِذَا حَاضَتْ حَيْضَةً انْقَضَتْ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَبِالطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ بَانَتْ وَوَقَعَ عَلَيْهَا ثِنْتَانِ اهـ. كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ بِدْعَةٌ) أَيْ الطَّلَاقُ الْمُفَرَّقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا بِدْعَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام لِعُمَرَ مُرْ ابْنَك إلَخْ)، ثُمَّ الْوُجُوبُ لَيْسَ بِمُرَادٍ مِنْ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ بِالْإِجْمَاعِ فَيَتَعَيَّنُ مَا دُونَهُ وَهُوَ السُّنَّةُ فَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ الْمُفَرَّقُ عَلَى الْأَطْهَارِ سُنَّةً فَيَكُونُ الطَّلَاقُ الْمُوقَعُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ جُمْلَةً أَوْ عَلَى التَّفْرِيقِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّهَا نَقِيضُ السُّنَّةِ، وَقَدْ «شَرَطَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التَّطْلِيقَ قَبْلَ الْمَسِيسِ» كَمَا تَرَى وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْحُسْنُ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُسْنَ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ قَضِيَّةِ حُكْمِ الْأَمْرِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي التَّبْيِينِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله.
فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يَدَعْهَا حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، ثُمَّ تَحِيضُ وَتَطْهُرُ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا إنْ أَحَبَّ».
«وَقَالَ عليه الصلاة والسلام لِابْنِهِ إنَّك أَخْطَأَتْ السُّنَّةَ مَا هَكَذَا أَمَرَك اللَّهُ تَعَالَى إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا وَتُطَلِّقَ لِكُلِّ قُرْءٍ وَاحِدَةً فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تُطَلِّقَ لَهَا النِّسَاءَ» يُرِيدُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَبَيَانُهُ أَنَّهُ تَعَالَى قَابَلَ الطَّلَاقَ بِالْعِدَّةِ وَهُمَا ذُو عَدَدٍ فَيُقْسَمُ آحَادُ أَحَدِهِمَا عَلَى آحَادِ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ أَعْطِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَكَانَ هَذَا أَمْرًا بِالتَّفْرِيقِ وَأَقَلُّهُ الْإِبَاحَةُ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْظُورٌ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ، بَلْ مُبَاحٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَنَقُولُ إنَّهُ يُسْتَبَاحُ لِلْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ إلَى إيقَاعِ الثَّلَاثِ ثَابِتَةٌ لِيَتَخَلَّصَ مِنْهَا وَلَا يَقَعُ فِي عِدَّتِهَا بِالْمُرَاجَعَةِ وَلَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَاجَةِ لِخَفَاءِ تَنَافُرِ الطِّبَاعِ وَتَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ فَأُقِيمَ دَلِيلُ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ مَقَامَهَا كَمَا فِي الطَّلْقَةِ الْأُولَى وَالْحَاجَةُ مُتَكَرِّرَةٌ نَظَرًا إلَى دَلِيلِهَا فَيُدَارُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قِيلَ يُؤَخِّرُ الطَّلْقَةَ الْأُولَى إلَى آخِرِ الطُّهْرِ كَيْ لَا تَتَضَرَّرَ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، وَقِيلَ يُطَلِّقُهَا عَقِيبَ الطُّهْرِ كَيْ لَا يُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوَقَاعِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ.
قَالَ رحمه الله
(وَثَلَاثًا فِي طُهْرٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ بِدْعِيٌّ) أَيْ تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ طَلَاقٌ بِدْعِيٌّ، وَكَذَلِكَ الثِّنْتَانِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ رَجْعَةٌ وَإِنْ تَخَلَّلَتْ فَلَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ تَخَلَّلَ التَّزَوُّجُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ الثَّلَاثُ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ بِدْعَةً؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ وَهُوَ لَا يُجَامِعُ الْحَظْرَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَظْرَ فِيهِ لِغَيْرِهِ.
وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّفْرِيقِ وَالْإِيقَاعُ جُمْلَةً يُضَادُّهُ، فَيَكُونُ مُفَوِّتًا لِلْمَأْمُورِ بِهِ، فَيَكُونُ بِدْعَةً ضَرُورَةً وَفِي مُصَنَّفِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي حَدِيثِ «ابْنِ عُمَرَ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْت لَوْ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا، قَالَ: إذًا قَدْ عَصَيْت رَبَّك وَبَانَتْ مِنْك امْرَأَتُك»؛ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا جُعِلَ مُتَعَدِّدًا لِيُمْكِنَهُ التَّدَارُكُ عِنْدَ النَّدَمِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ تَفْوِيتُهُ كَمَا قُلْنَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهَا زَمَانُ النَّفْرَةِ فَلَعَلَّهُ يَنْدَمُ فِي زَمَانِ الطُّهْرِ عِنْدَ تَوَقَانِ النَّفْسِ إلَى الْجِمَاعِ فَلَا يَمْلِكُ تَفْوِيتَ مَا جَعَلَ الشَّرْعُ نَظَرًا لَهُ وَلَا يُقَالُ إنَّمَا كُرِهَ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لِأَجْلِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ كَانَ مَكْرُوهًا، وَلَيْسَ فِيهِ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَامَ غَضْبَانَ، ثُمَّ قَالَ أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ» ، ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِرَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا يُطَلِّقُ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ يَرْكَبُ الْحَمُوقَةَ، ثُمَّ يَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ اللَّهُ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]، وَإِنَّك لَمْ تَتَّقِ اللَّهَ فَلَمْ أَجِدْ لَك مَخْرَجًا عَصَيْت رَبَّك وَبَانَتْ مِنْك امْرَأَتُك، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ) أَيْ وَهُوَ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الطُّهْرَ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ زَمَانُ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ زَمَانُ النَّفْرَةِ، وَكَذَا الطُّهْرُ إذَا وُجِدَ فِيهِ الْجِمَاعُ تَفْتُرُ رَغْبَةُ الرَّجُلِ فِيهَا فَلَا يَكُونُ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي الطُّهْرِ بَعْدَ الْجِمَاعِ دَلِيلُ الْحَاجَةِ فَلَا يَكُونُ مُبَاحًا اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ يُؤَخِّرُ الطَّلْقَةَ الْأُولَى إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: ثُمَّ قِيلَ الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِيقَاعَ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا كَمَا طَهُرَتْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ رُبَّمَا يُجَامِعُهَا، وَمَنْ قَصْدُهُ التَّطْلِيقُ فَيُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوِقَاعِ اهـ.
فَقَوْلُهُ: يُطَلِّقُهَا كُلَّمَا طَهُرَتْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ عَقِيبَ الطُّهْرِ إذْ رُبَّمَا أَوْهَمَ قَوْلُهُ: عَقِيبَ الطُّهْرِ الْحَيْضَ إذْ لَا يَعْقُبُ الطُّهْرَ إلَّا الْحَيْضُ لَكِنْ هَذَا لَيْسَ بِمُرَادٍ، بَلْ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ عَقِيبَ الطُّهْرِ عَقِيبَ أَوَّلِ الطُّهْرِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ. اك (قَوْلُهُ: كَيْ لَا يُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ أَخَّرَ الطَّلَاقَ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُجَامِعَ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ زَمَانُ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ فَإِذَا جَامَعَ، وَمَنْ قَصْدُهُ تَطْلِيقُهَا يُبْتَلَى الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ ضَرُورَةً اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ) أَيْ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً إذَا طَهُرَتْ وَرَجَّحَهُ بِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ رُبَّمَا يُجَامِعُهَا فِيهِ، وَمَنْ قَصْدُهُ تَطْلِيقُهَا فَيُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوِقَاعِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَقَلُّ ضَرَرًا فَكَانَ أَوْلَى وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.
فَتْحٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَاخْتَارَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا تَأْخِيرَ الطَّلَاقِ إلَخْ، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.
(قَوْلِهِ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا أَعْرِفُ فِي الْجَمْعِ بِدْعَةً وَلَا فِي التَّفْرِيقِ سُنَّةً، بَلْ الْكُلُّ مُبَاحٌ وَرُبَّمَا يَقُولُ إيقَاعُ الثَّلَاثِ جُمْلَةً سُنَّةٌ حَتَّى إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعَ الْكُلُّ فِي الْحَالِ عِنْدَهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَنَا يُعْتَبَرُ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ التَّفْرِيقُ كَالْوَقْتِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ تُعْتَبَرُ الْوَاحِدَةُ وَالْوَقْتُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْتَبَرُ الْوَقْتُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الْعَدَدِ اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَظْرَ فِيهِ لِغَيْرِهِ) أَيْ وَهُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فِي الْأَوَّلِ وَتَلْبِيسُ وَجْهِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا أَهُوَ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ الْوَضْعِ لِاحْتِمَالِ الْحَبَلِ فِي الثَّانِي قَوْلُهُ: وَهُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فِي الْأَوَّلِ أَيْ لِأَنَّ الْحَيْضَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ لَيْسَ بِمَحْسُوبٍ مِنْ الْعِدَّةِ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا زَمَانُ النَّفْرَةِ) أَيْ نَفْرَةِ الطَّبِيعَةِ لِتَلَوُّثِهَا بِالدَّمِ (قَوْلُهُ: كَانَ مَكْرُوهًا) أَيْ بِاتِّفَاقٍ، وَلَيْسَ ثَمَّ تَطْوِيلٌ وَلَا تَلْبِيسٌ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ:«أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» ) وَاللَّعِبُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ حَرَامٌ فَيَكُونُ إيقَاعُ الثَّلَاثِ جُمْلَةً حَرَامًا اهـ أَتْقَانِيٌّ
وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشِّيعَةُ أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَاحِدَةً فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ عُمَرُ رضي الله عنه» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «طَلَّقَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدٍ يَزِيدَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَحَزِنَ عَلَيْهَا حُزْنًا شَدِيدًا فَسَأَلَهُ عليه الصلاة والسلام كَيْفَ طَلَّقْتهَا قَالَ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ قَالَ إنَّمَا تِلْكَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَارْتَجِعْهَا» .
وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْعَجْلَانِيُّ وَفِيهِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْقَلْ إنْكَارُهُ، وَكَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ «امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي وَبَتَّ طَلَاقِي»، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ، وَكَذَا حَدِيثُ «بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ زَوْجَهَا أَرْسَلَ لَهَا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ» ، وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي ثَمَانِي تَطْلِيقَاتٍ فَقَالَ مَاذَا قِيلَ لَك فَقَالَ قِيلَ لِي بَانَتْ مِنْك قَالَ صَدَقُوا هُوَ مِثْلُ مَا يَقُولُونَ، ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَقَوْلُ الرَّجُلِ قِيلَ لِي بَانَتْ مِنْك وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ صَدَقُوا دَلِيلٌ عَلَى إجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ أَجْمَعِينَ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْنِ:.
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إنْكَارٌ عَلَى مَنْ يَخْرُجُ عَنْ سُنَّةِ الطَّلَاقِ بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ وَإِخْبَارٍ عَنْ تَسَاهُلِ النَّاسِ فِي مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ فِي الزَّمَانِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْعَصْرَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ الطَّلَاقُ الْمُوقَعُ الْآنَ ثَلَاثًا كَانَ فِي ذَيْنِك الْعَصْرَيْنِ وَاحِدَةً كَمَا يُقَالُ كَانَ الشُّجَاعُ الْآنَ جَبَانًا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَ الزَّوْجِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ كَانَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً فِي الْعَصْرَيْنِ لِقَصْدِهِمْ التَّأْكِيدَ وَالْإِخْبَارَ وَصَارَ النَّاسُ بَعْدَهُمْ يَقْصِدُونَ بِهِ التَّجْدِيدَ وَالْإِنْشَاءَ فَأَلْزَمَهُمْ عُمَرُ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِقَصْدِهِمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ عُمَرَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ.
وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّهُ مُنْكَرٌ قَالَهُ أَبُو جَعْفَرٍ فَإِنَّهُ رَوَى جَمَاعَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَدْ عَصَى رَبَّهُ وَبَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَنَافِعٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَمَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ أَنَّ «رُكَانَةَ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَحَلَّفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إلَيْهِ فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَالثَّالِثَةَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ» . وَقَالَ أَبُو دَاوُد وَهَذَا أَصَحُّ
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ إنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ إذْ لَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ زِيَادَةِ صِفَةٍ فِي الْخَلَاصِ وَفِي زِيَادَاتِ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ نَاجِزًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْخُلْعَ مَشْرُوعٌ سُنِّيٌّ وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
قَالَ رحمه الله (وَغَيْرُ الْمَوْطُوءَةِ تَطْلُقُ لِلسُّنَّةِ، وَلَوْ حَائِضًا) أَيْ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا جَازَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّةِ وَهِيَ الطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا، وَقَالَ زُفَرُ لَا يُطَلِّقُهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَنَا أَنَّ الرَّغْبَةَ فِيهَا صَادِقَةٌ مَا لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُهُ مِنْهَا بِالْوَطْءِ عَادَةً فَصَارَ إقْدَامُهُ عَلَى الطَّلَاقِ دَلِيلَ الْحَاجَةِ فَيُبَاحُ لَهُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنَّ الرَّغْبَةَ فِيهَا تَتَجَدَّدُ بِالطُّهْرِ فَلَمْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إلَخْ)، وَعَنْ الْإِمَامِيَّةِ لَا يَقَعُ بِلَفْظِ الثَّلَاثِ وَلَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» اهـ.
فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَأَنَّهُ قَالَ الطَّلَاقُ الْمُوقَعُ الْآنَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَمَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ إنَّ الثَّلَاثَ الَّتِي يُوقِعُونَهَا الْآنَ إنَّمَا كَانَتْ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ وَاحِدَةً، تَنْبِيهٌ عَلَى تَغَيُّرِ الزَّمَانِ وَمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ فَيُشْكِلُ إذْ لَا يُتَّجَهُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ: فَأَمْضَاهُ عُمَرُ اهـ. (قَوْلُهُ: كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ إلَخْ) أَنَاةٌ عَلَى وَزْنِ حَصَاةٍ. اهـ. مِصْبَاحٌ وَالْأَنَاةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ مُهْمَلَةٌ. اهـ. شَرْحُ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ) أَيْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَصْحَابِنَا فِيمَا إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ طَلْقَةً وَاحِدَةً بَائِنَةٌ فَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْأَصْلِ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَخْطَأَ السُّنَّةَ اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْعِمَادِيُّ رحمه الله فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ، وَلَوْ قَالَ خوشتين خُوَيْدِم فَقَالَ مَنْ يَكُ طَلَاقٌ بِسَبَبٍ وَآدَم وَأَنَّهَا مَدْخُولٌ بِهَا تَقَعْ رَجْعِيَّةً عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ عَلَى رِوَايَتِهِ الْبَائِنُ لَيْسَ بِسُنِّيٍّ وَيَقَعُ بَائِنًا عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ فَإِنَّ الْبَائِنَ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ سُنِّيٌّ اهـ.
(قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْأَصْلِ) يَعْنِي أَصْلَ الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ أَبِي الْفَضْلِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: أَخْطَأَ السُّنَّةَ) أَيْ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ نَاجِزًا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا أَنَّ «رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَالْوَاقِعُ بِهَا بَائِنٌ وَلَمْ يُنْكِرْ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ» ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْخُلْعِ، وَالْجَوَابُ تَجْوِيزُ أَنْ يَكُونَ رُكَانَةُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ أَنَّهُ أَخَّرَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ لِحَالٍ اقْتَضَتْ تَأْخِيرَهُ إذْ ذَاكَ وَالْخُلْعُ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ وَبُلُوغِهَا النِّهَايَةَ وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يُكْرَهُ حَالَةَ الْحَيْضِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ حَائِضًا) فَإِنْ قُلْت الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَقَدْ «قَالَ عليه الصلاة والسلام لِابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه مَا هَكَذَا أَمَرَك اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا السُّنَّةُ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا» فَكَيْفَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْحَائِضِ وَغَيْرِ الْحَائِضِ بِالدُّخُولِ وَعَدَمِهِ فِي الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا قُلْت الْمُرَادُ مِنْهُ الْمَدْخُولُ بِهَا بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَا مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ «فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» وَلَا عِدَّةَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَيُكْرَهُ فَلَا تَكُونُ مُرَادَةً إلَّا أَنَّ زُفَرَ يَقِيسُهَا عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا فَيَكْرَهُ طَلَاقَهَا وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ مَعَ وُجُودِ الْفَارِقِ فَاسِدٌ اهـ.
أَتْقَانِيٌّ
يُوجَدْ دَلِيلُ الْحَاجَةِ فَلَا يُبَاحُ لَهُ وَعَلَى هَذَا لَا يُكْرَهُ لَهُ تَخْيِيرُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَأَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا وَأَنْ يُفَرِّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَغَيْرِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَفَرَّقَ عَلَى الْأَشْهُرِ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ) أَيْ فَرَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ عَلَى أَشْهُرِ الْعِدَّةِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ حَمْلٍ؛ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ فُصُولُ عِدَّةِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ لِإِقَامَتِهَا مَقَامَ فُصُولِ الْعِدَّةِ وَهِيَ الْحَيْضُ فِي حَقِّ مَنْ تَحِيضُ فَيُفَرِّقُ عَلَيْهَا، وَكَذَا فِي حَقِّ الْحَامِلِ يُفَرِّقُ عَلَى الْأَشْهُرِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْأَشْهُرُ مِنْ فُصُولِ عِدَّتِهَا لِتَتَجَدَّدَ الرَّغْبَةُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ، ثُمَّ قِيلَ: الْأَشْهُرُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ الْحَيْضُ دُونَ الطُّهْرِ إلَّا أَنَّ تَكَرُّرَ الْحَيْضِ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ تَخَلُّلِ الطُّهْرِ فَاحْتِيجَ إلَيْهِ ضَرُورَةً وَانْعَدَمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي حَقِّهِمَا فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ الِاسْتِبْرَاءُ بِالشَّهْرِ وَهُوَ بِحَيْضَةٍ.
وَكَذَا الْفَصْلُ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ يَكُونُ بِحَيْضَةٍ بِدَلِيلِ جَوَازِ الْإِيقَاعِ قُبَيْلَ الْحَيْضَةِ وَبَعْدَهَا فَيُقَامُ مَقَامَ مَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَلَا يُقَالُ عَلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فِي أَيِّ شَهْرٍ وَقَعَ مِنْ الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْخُلْفُ تَبَعٌ لِلْأَصْلِ بِحَالِهِ لَا بِذَاتِهِ فَإِنَّ ذَاتَه طُهْرٌ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا أُقِيمَ مَقَامَ الْحَيْضِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَإِلَّا لَزِمَ الطَّلَاقُ فِي حَيْضٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ إلَّا فِي حَقِّ لُزُومِ الْحُجَّةِ حَتَّى يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَحْجُوجًا، وَلَوْ طَلَّقَ الصَّغِيرَةَ، ثُمَّ حَاضَتْ وَطَهُرَتْ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِلسُّنَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَكَذَا لَوْ طَلَّقَ الْحَائِضَ، ثُمَّ أَيِسَتْ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِتَبَدُّلِ الْحَالِ ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ فَبِالْأَيَّامِ فِي حَقِّ التَّفْرِيقِ وَالْعِدَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الْأَوَّلُ بِالْأَخِيرِ وَالْمُتَوَسِّطَاتُ بِالْأَهِلَّةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِجَارَةِ قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ طَلَاقُهُنَّ بَعْدَ الْوَطْءِ) أَيْ جَازَ طَلَاقُ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ وَالْحَامِلِ عَقِيبَ الْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا بِشَهْرٍ كَمَا يُفْصَلُ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ بِالْجِمَاعِ تَفْتُرُ الرَّغْبَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لِتَجَدُّدِهَا كَذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ بِخِلَافِ الْحَامِلِ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِيهَا وَإِنْ فَتَرَتْ مِنْ وَجْهٍ بَقِيَتْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ يَدْعُو إلَى إمْسَاكِهَا لِمَكَانِ الْوَلَدِ مِنْهَا. وَلَنَا أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ بِاعْتِبَارِ تَوَهُّمِ الْحَبَلِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ يُشْتَبَهُ وَجْهُ الْعِدَّةِ لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى هُنَا وَصَارَتْ كَالْحَامِلِ، وَالرَّغْبَةُ وَإِنْ فَتَرَتْ مِنْ وَجْهٍ كَثُرَتْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِي وَطْءٍ غَيْرِ مُعَلَّقٍ؛ لِأَنَّ الطِّبَاعَ تَمِيلُ إلَيْهِ فَصَارَتْ كَالْحَامِلِ عَلَى مَا مَرَّ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ قِيلَ إذَا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ يُرْجَى مِنْهَا الْحَيْضُ أَوْ الْحَبَلُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ) أَيْ بِأَنْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْحَيْضِ وَهُوَ تِسْعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ ثَمَانٌ وَسَبْعٌ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: أَوْ كِبَرٍ) بِأَنْ كَانَتْ آيِسَةً بِنْتَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الْأَظْهَرِ أَوْ لَا لَهُمَا بِأَنْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَصْلًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ الْأَشْهُرُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ الْمَنَافِعِ وَغَيْرُهُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ لَا غَيْرُ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ تَبَعًا لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَهَذَا الْخِلَافُ قَلِيلُ الْجَدْوَى لَا ثَمَرَةَ لَهُ فِي الْفُرُوعِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّهْرَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ وَحْدَهُ وَلَئِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إقَامَةِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مَقَامَ ثَلَاثِ حِيَضٍ، بَلْ يَكْفِي إقَامَةُ شَهْرٍ وَاحِدٍ مَقَامَ ثَلَاثِ حِيَضٍ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ أَكْثَرُهُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ وَمُدَّةُ ثَلَاثِ حِيَضٍ تَحْصُلُ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ الِاسْتِبْرَاءُ بِالشَّهْرِ) أَيْ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَحْجُوجًا) أَيْ أَحَدُ الْمُخْتَلِفَيْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ) أَيْ وَهُوَ أَنْ يَقَعَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ رُئِيَ فِيهَا الْهِلَالُ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ اتِّفَاقًا فِي التَّفْرِيقِ وَالْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَ وَقَعَ فِي وَسَطِهِ فَبِالْأَيَّامِ فِي التَّفْرِيقِ أَيْ تَفْرِيقِ الطَّلْقَاتِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يُطَلِّقُ الثَّانِيَةَ فِي الْيَوْمِ الْمُوفِي ثَلَاثِينَ مِنْ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ، بَلْ فِي الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فَمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ مُعْتَبَرٌ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الْيَوْمِ الْمُوفِي ثَلَاثِينَ كَانَ جَامِعًا بَيْنَ طَلَاقَيْنِ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ وَفِي حَقِّ الْعِدَّةِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إلَّا بِمُضِيِّ تِسْعِينَ يَوْمًا، وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الْأَوَّلُ بِالْأَخِيرِ وَالشَّهْرَانِ الْمُتَوَسِّطَانِ بِالْأَهِلَّةِ وَقَوْلُهُ: فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى تُعْتَبَرُ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَهِلَّةِ بِالْإِجْمَاعِ يُخَالِفُ نَقْلَ الْخِلَافَ اهـ. فَتْحٌ (تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ نَاقِصًا كَانَ الشَّهْرُ أَوْ كَامِلًا اهـ.
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْإِجَارَةِ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ اُعْتُبِرَ بِالْأَهِلَّةِ اتِّفَاقًا نَاقِصَةً كَانَتْ أَوْ كَامِلَةً وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ تُعْتَبَرُ الْأَشْهُرُ الثَّلَاثَةُ بِالْأَيَّامِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَكْمُلُ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ بِالْأَخِيرِ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بِالْأَهِلَّةِ، وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْهُرِ الْأَهِلَّةُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَهِيَ مُنْدَفِعَةٌ بِتَكْمِيلِ الْأَوَّلِ بِالْأَخِيرِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي الْأَشْهُرِ الْعَرَبِيَّةِ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْأَسْمَاءِ وَهُوَ لَمْ يَسْتَأْجِرْ مُدَّةَ جُمَادَيَيْنِ وَرَجَبٍ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مَثَلًا، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْأَهِلَّةُ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تِسْعِينَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ مُسَمَّى اللَّفْظِ الْأَهِلَّةُ صَارَ مَعْنَاهُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ فَلَا يَنْقَضِي هَذَا الشَّهْرُ حَتَّى يَدْخُلَ مِنْ الْآخَرِ أَيَّامٌ ثُمَّ يَبْتَدِئُ الْآخَرُ مِنْ حِينِ انْتِهَاءِ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُ كَذَلِكَ فِي الثَّلَاثَةِ اهـ.
فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَرْغَبُ فِي وَطْءٍ غَيْرِ مُعَلَّقٍ) أَيْ فِرَارًا عَنْ مُؤَنِ الْوَلَدِ اهـ. فَتْحٌ
فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِشَهْرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ طَلَاقَ الْحَامِلِ مُفْرَدًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَهَا بِقَوْلِهِ وَفَرَّقَ عَلَى الْأَشْهُرِ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ أَيْ فَرَّقَ طَلَاقَ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْحَامِلِ عَلَى الْأَشْهُرِ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ وَحُكْمُهَا أَيْضًا عِنْدَهُمَا كَحُكْمِ مَنْ لَا تَحِيضُ فِي حَقِّ إيقَاعِ الطَّلَاقِ ابْتِدَاءً وَفِي حَقِّ التَّفْرِيقِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْعَدَدِ عِنْدَ التَّفْرِيقِ عَلَى فُصُولِ الْعِدَّةِ وَالشَّهْرِ فِي حَقِّهَا لَيْسَ مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ فَلَا يُبَاحُ فَصَارَتْ كَالْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا وَلَنَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى إيقَاعِ الثَّلَاثِ مَاسَّةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِهَا فَأُقِيمَ دَلِيلُهَا وَهُوَ مُضِيُّ الشَّهْرِ مَقَامَهَا كَمَا فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ وَلِهَذَا لَا يَفْصِلُ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا بِزَمَانٍ كَمَا لَا يَفْصِلُ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَحِيضُ بِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بَاقِيَةٌ مَا دَامَ حَيْضُهَا مَرْجُوًّا فَأَمْكَنَ التَّفْرِيقُ عَلَى الْأَطْهَارِ، ثُمَّ قِيلَ لَا يُطَلِّقُهَا حَتَّى يَسْتَبِينَ حَمْلُهَا.
قَالَ رحمه الله (وَطَلَاقُ الْمَوْطُوءَةِ) حَائِضًا (بِدْعِيٌّ) لِمَا ذَكَرْنَا، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا وَلَنَا «قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام لِعُمَرَ مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا» وَكَانَ طَلَاقُهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ، وَالْمُرَاجَعَةُ بِدُونِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مُحَالٌ؛ وَلِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ فَلَا يُنَافِي الْمَشْرُوعِيَّةَ كَالسَّوْمِ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ قَالَ رحمه الله (فَيُرَاجِعُهَا وَيُطَلِّقُهَا فِي طُهْرٍ ثَانٍ) يَعْنِي إذَا طَهُرَتْ مِنْ تِلْكَ الْحَيْضَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّلَاقُ، ثُمَّ حَاضَتْ، ثُمَّ طَهُرَتْ وَهُوَ الطُّهْرُ الثَّانِي وَالْكَلَامُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:.
أَحَدُهُمَا فِي صِفَةِ الْمُرَاجَعَةِ، وَالثَّانِي فِي وَقْتِهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ عَلَى مَا مَرَّ وَالْأَمْرُ قَدْ يَكُونُ لِلنَّدْبِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى، أَوْ لِأَنَّهُ شُرِعَ نَظَرًا لَهُ فَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْوُجُوبِ لَعَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَدَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ بِرَفْعِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْعِدَّةُ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَصَارَ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ وَقْتُ الْمُرَاجَعَةِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ قَوْلُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَالْكَرْخِيُّ مَعَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله، وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ مَا رَوَاهُ نَافِعٌ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ» وَفِي رِوَايَةٍ «تَطْلِيقَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عُمَرُ رضي الله عنه رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ وَتَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ؛
وَلِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِحَيْضَةٍ وَالْفَاصِلُ هُنَا بَعْضُ الْحَيْضَةِ فَيَكْمُلُ بِالثَّانِيَةِ وَهِيَ لَا تَتَجَزَّأُ فَتَتَكَامَلُ؛ وَلِأَنَّ بَعْضَ الْحَيْضَةِ بِمَنْزِلَةِ الطُّهْرِ الَّذِي بَعْدَهَا وَلِهَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْعِدَّةِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْفَصْلِ بَيْنَ الطَّلْقَتَيْنِ فَإِذَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوقِعَ بِهِ طَلْقَتَيْنِ وَوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مَا رَوَى سَالِمٌ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا إذَا طَهُرَتْ أَوْ وَهِيَ حَامِلٌ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ»
؛ وَلِأَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ قَدْ انْعَدَمَ بِالْمُرَاجَعَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ، ثُمَّ رَاجَعَهَا فِيهِ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِيهِ أُخْرَى عِنْدَهُ لِارْتِفَاعِ الْأَوَّلِ بِالْمُرَاجَعَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَهُوَ يَمَسُّهَا بِشَهْوَةٍ وَقَعَتْ الثَّلَاثُ لِلسُّنَّةِ مُتَعَاقِبًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ وَبَعْدَ تَخَلُّلِ النِّكَاحِ لَا يُكْرَهُ اتِّفَاقًا، وَقِيلَ عِنْدَهُ خَاصَّةً، وَقِيلَ فِي تَخَلُّلِ الرَّجْعَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ اتِّفَاقًا، ثُمَّ جُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ النِّسَاءَ صِنْفَانِ، مَدْخُولٌ بِهَا وَغَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا وَالْمَدْخُولُ بِهَا نَوْعَانِ حَبَالَى وَحَيَالَى، وَالْحَيَالَى نَوْعَانِ ذَوَاتُ الْأَقْرَاءِ وَذَوَاتُ الْأَشْهُرِ وَالطَّلَاقُ نَوْعَانِ سُنِّيٌّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ وَطْئِهَا وَطَلَاقِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ) وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَصَارَتْ كَالْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا) أَيْ وَفِيهَا لَا يُفَرَّقُ الطَّلَاقُ عَلَى الْأَشْهُرِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَمَا لَا يَفْصِلُ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَحِيضُ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْحَامِلُ لَا تَحِيضُ وَالشَّهْرُ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَحِيضُ فَصْلٌ مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ فِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَتَفْرِيقِ الطَّلَاقِ، وَلَكِنْ هَهُنَا فِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَجَدْنَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ الشَّهْرِ وَهُوَ وَضْعُ الْحَمْلِ وَفِي حَقِّ تَفْرِيقِ الطَّلَاقِ لَمْ نَجِدْ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْ الشَّهْرِ فَبَقِيَ الشَّهْرُ فَصْلًا مِنْ فُصُولِ الْعِدَّةِ فَلَا يُفَرَّقُ الطَّلَاقُ عَلَى الْأَشْهُرِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْقُدُورِيُّ بِالصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ؛ لِأَنَّ الَّتِي يَمْتَدُّ طُهْرُهَا لَا تَطْلُقُ لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ لَيْسَ مِنْ فُصُولِ عِدَّتِهَا اهـ.
(قَوْلُهُ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ إلَخْ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي الْكَافِي، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا؛ لِأَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ قَدْ انْتَفَى بِالرَّجْعَةِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا، وَإِذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا جَازَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ كَذَا هُنَا وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا: لَا يُطَلِّقُهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ لَمْ يَضْمَحِلَّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ. (قَوْلُهُ: حِينَ تَطْهُرُ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ حَتَّى تَطْهُرَ اهـ.
وَبِدْعِيٌّ فَالسُّنِّيُّ مِنْ وَجْهَيْنِ:.
أَحَدُهُمَا مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ وَالْآخَرُ مِنْ جِهَةِ الْوَقْتِ فَالسُّنَّةُ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ شَامِلٌ لِلْكُلِّ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ رَجْعَةٍ، أَوْ نِكَاحُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَالسُّنَّةُ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتِ يَخْتَصُّ بِالْمَدْخُولِ بِهَا الْحَائِلِ ذَاتِ الْأَقْرَاءِ وَالْبِدْعِيُّ أَنْوَاعٌ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلٍ مَا ذَكَرْنَا أَوْ يُطَلِّقُ الْمَدْخُولَ بِهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَكُلُّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْمَتْنِ فَتَأَمَّلْهُ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوءَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةٌ)؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى أَنْ يَقَعَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةٌ وَكَانَتْ هِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ يَقَعُ لِلْحَالِ طَلْقَةٌ وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى، وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَقَعَتْ لِلْحَالِ طَلْقَةٌ، ثُمَّ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ هَذَا الْكَلَامِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِوَقْتِ السُّنَّةِ فَيَنْصَرِفُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ نَوَى أَنْ يَقَعَ الثَّلَاثُ السَّاعَةَ أَوْ عِنْدَ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ صَحَّتْ).
وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ نَوَى ضِدَّ السُّنَّةِ وَالشَّيْءُ لَا يَحْتَمِلُ ضِدَّهُ وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ سُنِّيٌّ وُقُوعًا مِنْ حَيْثُ إنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً عُرِفَ بِالسُّنَّةِ لَا إيقَاعًا فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ مُطْلَقُ كَلَامِهِ إذْ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ السُّنِّيُّ وُقُوعًا وَإِيقَاعًا وَيَنْتَظِمُهُ عِنْدَ نِيَّتِهِ كَمَا إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لَا يَتَنَاوَلُ الْمُكَاتَبَ وَلَا لَحْمَ السَّمَكِ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقُصُورٍ فِيهِ، وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَإِذَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِلْحَالِ فَأَوْلَى أَنْ تَصِحَّ عِنْدَ كُلِّ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سُنِّيًّا مُطْلَقًا بِأَنْ يُصَادِفَ طُهْرَ الْإِجْمَاعِ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا كَانَ اللَّامُ لِلْوَقْتِ كَانَ تَقْدِيرُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْقَاتَ السُّنَّةِ فَلَوْ قَالَ ذَلِكَ وَنَوَى الْوُقُوعَ جُمْلَةً لَا تَصِحُّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ قُلْنَا اللَّامُ هُنَا لَيْسَتْ بِصَرِيحٍ لِلْوَقْتِ، بَلْ هِيَ مُحْتَمِلَةٌ تَحْتَمِلُ الْعِلَّةَ وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهَا عَلَى الْوَقْتِ بِذِكْرِ السُّنَّةِ.
وَالسُّنَّةُ الْمُطْلَقَةُ هِيَ الْكَامِلَةُ فَإِذَا نَوَى مُحْتَمَلَهُ صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَأَمَّا ذِكْرُ أَوْقَاتِ السُّنَّةِ صَرِيحًا فَلَا يَحْتَمِلُ خِلَافَهُ فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْوُقُوعِ جُمْلَةً، بَلْ يَقَعُ مُتَفَرِّقًا عَلَى الْأَطْهَارِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ سُنِّيًّا مِنْ حَيْثُ الْوُقُوعُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ سُنِّيًّا مِنْ حَيْثُ الْإِيقَاعُ وَلَا يَكُونُ بِدْعَةً؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِدُونِ الْإِيقَاعِ مُمْتَنِعٌ، قُلْنَا الْوُقُوعُ لَا يُوصَفُ بِالْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ لِلْحَالِفِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ سُنِّيًّا بِخِلَافِ الْإِيقَاعِ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ بَعْدَ هَذَا التَّحْرِيرِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا جُمْلَةً لِأَجْلِ أَنَّا عَرَفْنَا وُقُوعَهُ جُمْلَةً بِالسُّنَّةِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَنَوَى ثَلَاثًا جُمْلَةً أَوْ مُتَفَرِّقًا عَلَى الْأَطْهَارِ صَحَّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلسُّنَّةِ عِبَارَةٌ عَنْ زَمَانِ وَقْتِ الْوُقُوعِ، وَوَقْتُ الْوُقُوعِ أَنْوَاعُ مُسْتَحَبٌّ وَبِدْعَةٌ وَكِلَاهُمَا عُرِفَ بِالسُّنَّةِ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّ هَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْأَسْرَارِ، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْجُمْلَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْوَقْتِ فَيُفِيدُ تَعْمِيمَ الْوَقْتِ وَمِنْ ضَرُورَةِ تَعْمِيمِ الْوَقْتِ أَنْ يَتَعَمَّمَ الْوَاقِعُ فِيهِ، فَيَكُونُ نَاوِيًا مُحْتَمِلَ لَفْظِهِ فَيَجُوزُ أَمَّا لَوْ نَوَى وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً فَقَدْ لَغَا قَضِيَّةَ اللَّامِ وَهُوَ عُمُومُ الْوَقْتِ الْمُسْتَفَادِ مِنْهَا، فَيَكُونُ هَذَا إيقَاعًا لِلْحَالِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ ثَمَّ ثَبَتَ نَصًّا وَأَلْفَاظُ السُّنَّةِ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ فِي السُّنَّةِ أَوْ مَعَ السُّنَّةِ أَوْ عَلَى السُّنَّةِ أَوْ طَلَاقَ السُّنَّةِ أَوْ طَلَاقَ الْعِدَّةِ أَوْ لِلْعِدَّةِ أَوْ الدِّينِ أَوْ الْإِسْلَامِ أَوْ الْحَقِّ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ الْكِتَابِ أَوْ أَحْسَنِ الطَّلَاقِ أَوْ أَجْمَلِهِ أَوْ أَعْدَلِهِ، وَلَوْ قَالَ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ نَوَى السُّنَّةَ فَهُوَ سُنَّةٌ
. قَالَ رحمه الله (وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ، وَلَوْ مُكْرَهًا وَسَكْرَانَ وَأَخْرَسَ بِإِشَارَتِهِ حُرًّا أَوْ عَبْدًا) لَا طَلَاقُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ وَالسَّيِّدِ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ» ؛ وَلِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ عَنْ وَلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِوُقُوعِهِ، وَقَوْلُهُ يَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ لَا يُنْتَقَضُ بِالْمُبَانَةِ حَيْثُ لَا يَلْحَقُهَا الْبَائِنُ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ لِعَارِضٍ لِاسْتِحَالَةِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ حَتَّى لَوْ كَانَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً عُرِفَ بِالسُّنَّةِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْفًا بَانَتْ بِثَلَاثٍ» اهـ. كَافِي وَلِهَذَا مَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً يُنْسَبُ إلَى مَذْهَبِ الرَّفْضِ وَالْبِدْعَةِ وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَإِذَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِلْحَالِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَكَذَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ إذَا نَوَى أَنْ يَقَعَ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى السُّنِّيَّ فِي الْوُقُوعِ دُونَ الْإِيقَاعِ يَصِحُّ عِنْدَنَا وَهُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُنِّيًّا فِي الْوُقُوعِ وَالْإِيقَاعِ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ فِيهِ طَاهِرَةً فَيَكُونُ الطَّلَاقُ سُنِّيًّا وُقُوعًا وَإِيقَاعًا وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ حَائِضًا فَيَكُونُ سُنِّيًّا وُقُوعًا لَا إيقَاعًا وَنِيَّةُ السُّنِّيِّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْإِيقَاعَ بِحَسَبِ السُّنَّةِ تَصِحُّ كَمَا إذَا نَوَى الثَّلَاثَ جُمْلَةً فَمَا يَحْتَمِلُهُ أَوْلَى اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَنَوَى ثَلَاثًا) فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يَقَعُ وَاحِدَةً إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ مُكْرَهًا وَسَكْرَانَ) وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي وُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ كَذَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَطَلَاقُ السَّكْرَانِ وَاقِعٌ قَالَ الْكَمَالُ: وَكَذَا إعْتَاقُهُ وَخُلْعُهُ وَهُوَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْعَقْلِ مَا يَقُومُ بِهِ التَّكْلِيفُ فَهُوَ كَالصَّاحِي اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يُنْتَقَضُ إلَخْ) هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ بَدْرِ الدِّينِ حَيْثُ قَالَ لَا يُنْتَقَضُ بِإِلْحَاقِ الْبَائِنِ الْبَائِنَ حَيْثُ لَا يُعْمَلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرٍ خَارِجٍ
صَرِيحًا لِحَقِّهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْمُرَادُ هُوَ الزَّوْجُ مُطْلَقًا وَالْمَعْتُوهُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالنَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ أَوْ الْعَقْلِ، وَالْمَعْتُوهُ مَنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَهْمِ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَجْنُونُ، وَقِيلَ فِي الْفَاصِلِ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْعَاقِلَ مَنْ يَسْتَقِيمُ كَلَامُهُ وَأَفْعَالُهُ وَغَيْرُهُ نَادِرٌ وَالْمَجْنُونُ ضِدُّهُ وَالْمَعْتُوهُ مَنْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى السَّوَاءِ، وَقِيلَ الْمَجْنُونُ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ لَا عَنْ قَصْدٍ وَالْعَاقِلُ قَدْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ الْمَجَانِينُ أَحْيَانًا لَا عَنْ قَصْدٍ عَلَى ظَنِّ الصَّلَاحِ، وَالْمَعْتُوهُ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ الْمَجَانِينُ عَنْ قَصْدٍ مَعَ ظُهُورِ الْفَسَادِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: طَلَاقُ الْمُكْرَهِ لَا يَقَعُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ، وَالْمُرَادُ حُكْمُهُ فَيَشْمَلُ حُكْمَ الدَّارَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ يَسْلُبُ الِاخْتِيَارَ وَالتَّصَرُّفَ الشَّرْعِيَّ لَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ الِاخْتِيَارِ فَصَارَ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْهَازِلِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي التَّكَلُّمِ بِهِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَلَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الِاخْتِيَارِ، بَلْ لَهُ اخْتِيَارٌ؛ لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّرَّيْنِ فَاخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا إلَّا أَنَّهُ فَاتَ رِضَاهُ وَذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ كَالْهَازِلِ؛ وَلِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ أَمَّا فِي غَيْرِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا فِيمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ الْفِعْلُ تَارَةً وَفُرِضَ عَلَيْهِ أُخْرَى وَحُرِّمَ عَلَيْهِ تَارَةً وَالْخِطَابُ بِدُونِ الْأَهْلِيَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَقِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ يُرَجِّحُ جَانِبَ الْكَذِبِ وَالْمُرَادُ بِمَا رَوَاهُ أَحْكَامُ الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ لِوُجُودِهِ حَقِيقَةً.
وَحُكْمُهُ نَوْعَانِ دُنْيَوِيٌّ وَأُخْرَوِيٌّ فَلَا يَتَنَاوَلُهُمَا اللَّفْظُ الْوَاحِدُ؛ لِأَنَّهُمَا كَالْمُشْتَرَكِ وَحُكْمُ الْآخِرَةِ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ فَانْتَفَى الْأُخَرُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ عَلَى أَنَّ طَلَاقَهُ وَاقِعٌ بِحَدِيثِ «حُذَيْفَةَ وَابْنِهِ حِينَ حَلَّفَهُمَا الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ عَلَيْهِمْ» فَقَالَ الطَّحَاوِيُّ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الطَّوَاعِيَةِ وَالْإِكْرَاهِ سَوَاءٌ، فَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَرْقِ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ هَذَا صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
وَقَالَ فِي الْغَايَةِ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الرِّضَا، ثُمَّ جُمْلَةُ مَا يَصِحُّ مِنْ الْأَحْكَامِ مَعَ الْإِكْرَاهِ عَشْرَةٌ الْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْعَفْوُ عَنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَهُوَ إثْبَاتُ الثَّابِتِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ حَتَّى لَوْ كَانَ صَرِيحًا يُعْمَلُ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ يَقَعُ كُلُّ طَلَاقِ كُلِّ زَوْجٍ، بَلْ نَقُولُ يَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ وَطَلَاقُ هَذَا الزَّوْجِ مِمَّا يَقَعُ فِي الْجُمْلَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ فِي الْفَاصِلِ إلَخْ) نَقَلَهُ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ اهـ. وَذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ نَادِرٌ) أَيْ غَيْرُ الْمُسْتَقِيمِ مِنْ كَلَامِهِ وَأَفْعَالِهِ نَادِرٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْمَجْنُونُ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله: وَفِيهِ أَيْضًا أَيْ فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ إذَا طَلَّقَ إنْسَانٌ امْرَأَةَ الصَّبِيِّ فَبَلَغَ الصَّبِيُّ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَقَالَ أَجَزْت لَا يَقَعُ، وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت عَلَيْهَا الطَّلَاقَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فُلَانٌ يَقَعُ، وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى: النَّائِمُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي الْمَنَامِ لَا يَقَعُ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلَّقْتُك فِي الْمَنَامِ لَا يَقَعُ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ يَقَعُ، وَكَذَا الصَّبِيُّ لَوْ قَالَ أَوْقَعْت مَا تَلَفَّظْت بِهِ فِي حَالِ النَّوْمِ لَا يَقَعُ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ، وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمُبَرْسَمُ وَالْمَدْهُوشُ وَالنَّائِمُ وَالْمُعْتَقَلُ وَاَلَّذِي شَرِبَ الدَّوَاءَ مِثْلَ الْبَنْجِ وَنَحْوِهِ فَتَغَيَّرَ عَقْلُهُ إذَا طَلَّقَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ زَوْجَتَهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ طَلَاقَ الصَّغِيرِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَسْتَثْنِهِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ الصَّلَاةَ جَازَ طَلَاقُهُ إلَى هُنَا لَفْظُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَ لَزِمَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ يُرَجِّحُ جَانِبَ الْكَذِبِ) أَيْ فِيمَا كَانَ كَذِبًا فَلَا يَكُونُ صِدْقًا بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ هَازِلًا لَمْ يَقَعْ، وَإِذَا أَنْشَأَ بِهِ هَازِلًا يَقَعُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ جُمْلَةُ مَا يَصِحُّ مِنْ الْأَحْكَامِ مَعَ الْإِكْرَاهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: وَقَدْ جَمَعْتهَا لِتَسْهِيلِ حِفْظِهَا فِي قَوْلِي
يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ عِتْقٌ وَرَجْعَةُ
…
نِكَاحٌ وَإِيلَاءٌ طَلَاقُ مُفَارِقٍ
وَفَيْءٌ ظِهَارٌ وَالْيَمِينُ وَنَذْرُهُ
…
وَعَفْوٌ لِقَتْلِ شَابٍّ عَنْهُ مُفَارِقِيٌّ
، وَهَذَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَبِالْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ تَتِمُّ أَحَدَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَصِحُّ مَعَهُ اهـ.
قَوْلُهُ: وَهَذَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ قَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِيمَا يَكُونُ كُفْرًا مِنْ الْمُسْلِمِ وَمَا لَا يَكُونُ مَا نَصُّهُ، وَكَذَا إسْلَامُ الْمُكْرَهِ إسْلَامٌ عِنْدَنَا إنْ كَانَ حَرْبِيًّا وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا يَكُونُ إسْلَامًا اهـ. فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ لِمَا أَطْلَقُوهُ مِنْ قَوْلِهِمْ إسْلَامُ الْمُكْرَهِ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، وَالْعَجَبُ أَنَّ قَاضِي خَانْ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ أَطْلَقَ كَمَا أَطْلَقُوا فَقَالَ: وَإِذَا أُجْبِرَ الْكَافِرُ عَلَى الْإِسْلَامِ صَحَّ إسْلَامُهُ فَشَمِلَ كَمَا تَرَى الْحَرْبِيَّ وَالذِّمِّيَّ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ الْخَبَّازِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ مَا نَصُّهُ: أُكْرِهَ الذِّمِّيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ يَصِحُّ إسْلَامُهُ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قِيَاسًا، وَلَوْ أُكْرِهَ الْحَرْبِيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ صَحَّ إسْلَامُهُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ أُكْرِهَ الذِّمِّيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ يَصِحُّ إسْلَامُهُ اهـ.
فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا يَكُونُ أَصْلًا مَا هُوَ جَوَابُ الْقِيَاسِ، وَالِاسْتِحْسَانُ يَكُونُ إسْلَامًا وَعَلَى هَذَا فَالْمَذْهَبُ الْإِطْلَاقُ وَلِهَذَا لَمْ تُقَيِّدْهُ الْمَشَايِخُ بِالْحَرْبِيِّ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ: وَلَوْ أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى إرْضَاعِ صَغِيرٍ أَوْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَرْضَعَ مِنْ لَبَنِ امْرَأَتِهِ صَغِيرًا فَفَعَلَ يَثْبُتُ أَحْكَامُ الرَّضَاعِ اهـ.
(فَرْعٌ) السُّلْطَانُ إذَا أَكْرَهَ رَجُلًا لِيُوَكِّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ الضَّرْبِ وَالْحَبْسِ أَنْتِ
الْقِصَاصِ وَالرَّجْعَةُ وَالْإِيلَاءُ وَالْفَيْءُ فِي الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارُ وَالْيَمِينُ وَالنَّذْرُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ تَصَرُّفَاتٌ لَا يَفْتَقِرُ وُقُوعُهَا إلَى الرِّضَا بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ وَالْخَطَأِ وَاخْتَارَ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ كَالنَّائِمِ، وَهَذَا لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ الْعَقْلُ، وَقَدْ زَالَ فَصَارَ كَزَوَالِهِ بِالْبَنْجِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ وَلَنَا أَنَّهُ مُخَاطَبٌ شَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] فَوَجَبَ نُفُوذُ تَصَرُّفِهِ؛ وَلِأَنَّهُ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ فَيُجْعَلُ بَاقِيًا زَجْرًا لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا زَالَ بِالْمُبَاحِ حَتَّى لَوْ صُدِعَ رَأْسُهُ وَزَالَ بِالصُّدَاعِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَبِخِلَافِ رِدَّتِهِ حَيْثُ لَا تَعْتَبِرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُهُ أَنَّ عَقْلَهُ بَاقٍ فِي حَقِّ حُكْمٍ لَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ فَأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ بَاقِيًا فِي حَقِّ حُكْمٍ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ مُكْرَهًا فَسَكِرَ وَطَلَّقَ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ زَالَ بِالْمُبَاحِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَقَعُ لِوُجُودِ التَّلَذُّذِ بِهِ وَلَا إكْرَاهَ عِنْدَهُ، وَمِثْلُهُ إذَا شَرِبَهَا لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ سَكِرَ مِنْ الْأَنْبِذَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ أَوْ الْعَسَلِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقَعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَرَامٌ أَمْ لَا، وَلَوْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ لَا يَقَعُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ إنْ كَانَ يَعْلَمُ حِينَ يَشْرَبُ أَنَّهُ بَنْجٌ يَقَعُ وَإِلَّا فَلَا وَطَلَاقُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ إنْ كَانَتْ تُعْرَفُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاطِقُ، وَلَوْ لَمْ تُجْعَلْ إشَارَتُهُ كَعِبَارَةِ النَّاطِقِ لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهِ بِالْإِشَارَةِ إنْ كَانَتْ تُعْرَفُ كَإِعْتَاقِهِ وَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَغَيْرِهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي الْيَنَابِيعِ هَذَا إذَا وُلِدَ أَخْرَسَ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ وَدَامَ وَإِنْ لَمْ يَدُمْ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَإِنَّمَا وَقَعَ طَلَاقُ الْعَبْدِ عَلَى امْرَأَتِهِ دُونَ طَلَاقِ مَوْلَاهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «جَاءَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَيِّدِي زَوَّجَنِي أَمَتَهُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا فَصَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يُزَوِّجُ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا عَنْ غَيْرِهِ
وَفِي الْمَنَافِعِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ وَلَا الْمُكَاتَبُ شَيْئًا إلَّا الطَّلَاقَ» ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ وَالْعَبْدُ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةِ دُونَ الْآدَمِيَّةِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِالدَّمِ وَالْحُدُودِ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فَوَقَعَ طَلَاقُهُ لِكَوْنِهِ مَالِكًا لِإِطْلَاقِ مَوْلَاهُ عَلَى امْرَأَتِهِ لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِهِ بِدُونِ الْمِلْكِ
قَالَ رحمه الله (وَاعْتِبَارُهُ بِالنِّسَاءِ) أَيْ اعْتِبَارُ عَدَدِ الطَّلَاقِ بِالنِّسَاءِ حَتَّى كَانَ طَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثًا وَطَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَيْنِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَدَدُ الطَّلَاقِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الرَّجُلِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ» ؛ وَلِأَنَّ صِفَةَ الْمَالِكِيَّةِ كَرَامَةٌ وَالْآدَمِيَّةُ مُسْتَدْعِيَةٌ لَهَا وَمَعْنَى الْآدَمِيَّةِ فِي الْحُرِّ أَكْمَلُ فَكَانَتْ مَالِكِيَّتُهُ أَبْلَغَ وَأَكْثَرَ وَلَنَا مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَيُرْوَى قُرْآنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ عَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَهَذَا إجْمَاعٌ، وَقَالَ مَالِكٌ شُهْرَةُ الْحَدِيثِ بِالْمَدِينَةِ تُغْنِي عَنْ صِحَّةِ سَنَدِهِ
وَلَا يُقَالُ أَرَادَ بِهِ الْأَمَةَ الَّتِي تَحْتَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ عِدَّةُ الْإِمَاءِ لَا تَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ وَتَقْيِيدُهُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ يُوجِبُ تَقْيِيدَهُ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَكَانَ بَاطِلًا؛ وَلِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ نِعْمَةٌ فِي حَقِّهَا وَلِلرِّقِّ أَثَرٌ فِي تَنْصِيفِ النِّعْمَةِ فَالْحُرَّةُ تَمْلِكُ التَّزَوُّجَ بِرَجُلٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَوَجَبَ أَنْ تَمْلِكَ الْأَمَة مَرَّةً وَنِصْفًا، إلَّا أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَتَتَكَامَلُ، وَمَا رَوَاهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ مَرْفُوعٍ ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ وَتَأْوِيلُهُ عَلَى تَقْدِيرِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَكِيلِي فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَمْ أُرِدْ بِقَوْلِي أَنْتَ وَكِيلِي الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ وَتَطْلُقُ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الرَّجُلِ خَرَجَ جَوَابًا لِقَوْلِ السُّلْطَانِ وَكِّلْنِي بِطَلَاقِ امْرَأَتِك اهـ. قَاضِي خَانْ فِي الْوَكَالَةِ (قَوْلُهُ: فَأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ بَاقِيًا فِي حَقِّ حُكْمِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَلَى هَذَا لَوْ شَرِبَهَا مُكْرَهًا أَوْ لِإِسَاغَةِ لُقْمَةٍ لَا يَقَعُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَقَعُ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ زَالَ عِنْدَ كَمَالِ التَّلَذُّذِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ مُكْرَهًا وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ الْوُقُوعَ عِنْدَ زَوَالِ الْعَقْلِ لَيْسَ إلَّا التَّسَبُّبُ فِي زَوَالِهِ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّكْرَ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الْأَشْرِبَةِ الْأَرْبَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ اُضْطُرَّ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ، وَمَنْ سَكِرَ مِنْهَا مُخْتَارًا اُعْتُبِرَتْ عِبَارَتُهُ.
وَأَمَّا مَنْ شَرِبَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْعَسَلِ فَسَكِرَ وَطَلَّقَ لَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَيُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ مُحَرَّمٌ اهـ. وَقَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوِيهِ: أَمَّا إذَا شَرِبَهُ مُكْرَهًا وَسَكِرَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ كَمَا لَا يُحَدُّ اهـ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي التُّحْفَةِ الْمُكْرَهُ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الْمُضْطَرُّ إذَا شَرِبَ فَسَكِرَ فَإِنَّ طَلَاقَهُ لَا يَقَعُ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، ثُمَّ قَالَ وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ قَالُوا يَقَعُ وَفِي الْإِيضَاحِ يَقَعُ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ حَصَلَ بِفِعْلٍ هُوَ مَحْظُورٌ فِي الْأَصْلِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحِ اهـ.
قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي طَلَاقِ مَنْ لَا يَعْقِلُ: وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ لِضَرُورَةٍ وَسَكِرَ فَطَلَّقَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَالَ بِالْبَنْجِ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ: وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ لَا يَنْفُذُ طَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ اهـ. قَالَ فِي بَابِ حَدِّ الشُّرْبِ مِنْ النِّهَايَةِ: الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا عَلَى أَنَّ مَنْ سَكِرَ مِنْ الْبَنْجِ يَقَعُ طَلَاقُهُ وَيُحَدُّ شَارِبُهُ لِفُشُوِّ هَذَا الْفِعْلِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ، وَكَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ اهـ