الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذَا زَوَّجَهُ عَمْيَاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْيَدَيْنِ أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ مَفْلُوجَةً أَوْ مَجْنُونَةً وَلَهُمَا أَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ كَمَا فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ الْفَحْمِ وَالْجَمَدِ حَيْثُ يَتَقَيَّدُ بِأَيَّامِهِ، وَكَالتَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ اللَّحْمِ حَيْثُ يَتَقَيَّدُ بِالنِّيءِ إنْ كَانَ مُقِيمًا بِالْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعُرْفَ مُشْتَرَكٌ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَتَزَوَّجُ الْكُفْءَ وَغَيْرَ الْكُفْءِ طَلَبًا لِتَخْفِيفِ الْمُؤْنَةِ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ وَإِلْغَاءُ إطْلَاقِهِ أَوْ هُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَلَبِسَ ثَوْبَ حَرِيرٍ أَوْ أَكَلَ لَحْمَ خِنْزِيرٍ أَوْ لَحْمَ إنْسَانٍ أَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا فَرَكِبَ إنْسَانًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ وَتَنَاوُلِهِ إيَّاهُ لُغَةً
وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ بِخِلَافِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ إنْسَانًا حَيْثُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الدَّابَّةِ فِي الْعُرْفِ لَا يَتَنَاوَلُ الْإِنْسَانَ فَصَلُحَ مُقَيَّدًا لِكَوْنِهِ عُرْفًا لَفْظِيًّا وَلَفْظُ الْمَرْأَةِ يَتَنَاوَلُ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ عَلَى السَّوَاءِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً فَتَزَوَّجَ أَمَةً يَحْنَثُ، وَالْعُرْفُ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ الْفَحْمِ وَالْجَمَدِ وَاللَّحْمِ مُشْتَهِرٌ وَفِي الْمَرْأَةِ مُشْتَرَكٌ وَذُكِرَ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّ اعْتِبَارَ الْكَفَاءَةِ فِي هَذَا اسْتِحْسَانٌ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَعْجِزُ عَنْ التَّزَوُّجِ بِمُطْلَقِ الْمَرْأَةِ فَكَانَتْ الِاسْتِعَانَةُ فِي التَّزَوُّجِ بِالْكُفْءِ وَلَوْ زَوَّجَهُ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا جَازَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمَرْأَةِ يَتَنَاوَلُهَا وَلِهَذَا دَخَلَتْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ} [النساء: 12]، وَكَذَا الْعُرْفُ جَارٍ بِتَزَوُّجِ الصَّغِيرَةِ كَتَزَوُّجِهِ عليه الصلاة والسلام بِعَائِشَةَ وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَلَوْ زَوَّجَهُ الْوَكِيلُ ابْنَتَهُ الْكَبِيرَةَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُقَيَّدُ بِغَيْرِ مَوَاضِعِ التُّهَمِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَلَوْ زَوَّجَهُ أُخْتَهُ الْكَبِيرَةَ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَهُ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ أَوْ بِنْتَ أَخِيهِ الصَّغِيرَةَ وَهُوَ وَلِيُّهَا لَمْ يَجُزْ
وَكَذَا إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ امْرَأَةً أَنْ تُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهَا فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا إذَا زَوَّجَهَا غَيْرَ كُفْءٍ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُعَيَّرُ بِعَدَمِ الْكُفْءِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُمَا، وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِلْإِطْلَاقِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ، وَلَوْ كَانَ كُفْئًا إلَّا أَنَّهُ أَعْمَى أَوْ مُقْعَدٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ خَصِيٌّ أَوْ عِنِّينٌ أَوْ مَعْتُوهٌ فَهُوَ جَائِزٌ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ إجْمَاعًا، وَكَذَا بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ بِالْعُرْفِ وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى مُوَكِّلِهِ فَتَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ فِي تَصَرُّفِهِ بِأَنْ وَجَدَ الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً وَحَوَّلَهَا إلَى مُوَكِّلِهِ وَفِي النِّكَاحِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَتِهِ إلَى مُوَكِّلِهِ فَلَا تُهْمَةَ فِيهِ
وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْمُوَكِّلِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ وَفِي التَّحْرِيرِ يَكُونُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ، ثُمَّ كُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا فِيهِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بَلْ يَكُونُ مَوْقُوفًا لِكَوْنِهِ فُضُولِيًّا فِيهِ وَلَا تَنْتَهِي بِهِ الْوَكَالَةُ لِلْعَدَمِ مِنْ وَجْهٍ فَصَارَ كَمَا إذَا زَوَّجَهُ الْوَكِيلُ امْرَأَةً بِغَيْرِ رِضَاهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(بَابُ الْمَهْرِ)
.
لَمَّا ذَكَرَ رُكْنَ النِّكَاحِ وَشَرْطَهُ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَعِنْدَهُمَا مُعْتَبَرَةٌ اسْتِحْسَانًا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ إنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا لِأَجْلِ مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ وَلَا دَلَالَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ، وَلَيْسَ فِي الْعُرْفِ تَزَوُّجُ الْأُمَرَاءِ بِالْإِمَاءِ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي وَكَالَةِ الْأَصْلِ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلًا عَلَى اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا قُرَشِيَّةٌ فَظَهَرَتْ نَبَطِيَّةً فَلَهُ الْخِيَارُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا خِيَارَ لَهُ وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ الْكَفَاءَةُ فِي النِّسَاءِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا مُعْتَبَرَةٌ وَيُرْوَى غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ حَتَّى لَمْ يَكُنْ لِأَوْلِيَائِهِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْأَمِيرِ إذَا تَزَوَّجَ وَضِيعَةً وَفِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعُرْفَ مُشْتَرَكٌ) أَيْ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا قُلْتُمْ وَيُسْتَعْمَلُ فِيمَا قُلْنَا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالْوَاقِعُ مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ تَزَوُّجُهُمْ بِالْمُكَافِئَاتِ وَغَيْرِ الْمُكَافِئَاتِ، فَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِتَزْوِيجِ الْمُكَافِئَاتِ لِيَنْصَرِفَ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: أَوْ هُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ) أَيْ لَا لَفْظِيٌّ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: جَازَ بِالْإِجْمَاعِ)، وَقِيلَ هُوَ عَلَى قَوْلِهِ خِلَافًا لَهُمَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ إلَّا بِرِضَا الزَّوْجِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ وَلِيُّهَا لَمْ يَجُزْ) أَيْ لَمْ يَنْفُذْ عَلَى الْمُوَكِّلِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ) يُنْظَرُ فِي هَذَا وَفِي قِصَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَبِنْتِ قَارِظٍ عَلَى مَا مَرَّ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا زَوَّجَهَا غَيْرَ كُفْءٍ) أَيْ لَمْ يَنْفُذْ عَلَيْهَا بَلْ يَتَوَقَّفُ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَعْتُوهٌ فَهُوَ جَائِزٌ) كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَفِي الْمُحِيطِ عِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ إلَخْ) وَفِي الْمُحِيطِ الْوَكِيلُ بِشِرَاءٍ مُعَيَّنٍ إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ الثَّمَنَ يَشْتَرِيهِ لِمُوَكِّلِهِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ اهـ. غَايَةٌ
[بَابُ الْمَهْرِ]
قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله الْمَهْرُ حُكْمُ الْعَقْدِ فَيَتَعَقَّبُهُ فِي الْوُجُودِ فَعَقَّبَهُ إيَّاهُ فِي الْبَيَانِ لِيُحَاذِيَ بِتَحْقِيقِهِ الْوُجُودِيِّ تَحْقِيقَهُ التَّعْلِيمِيَّ اهـ. وَالْمَهْرُ لَهُ تِسْعَةُ أَسْمَاءٍ، الصَّدَاقُ وَالصَّدَقَةُ وَالْمَهْرُ وَالنِّحْلَةُ وَالْأَجْرُ وَالْفَرِيضَةُ وَالْعَلَائِقُ وَالْعُقْرُ وَهُوَ غَالِبٌ فِي الْإِمَاءِ وَالْحِبَاءِ، قَالَ عليه الصلاة والسلام «أَدُّوا الْعَلَائِقَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْعَلَائِقُ قَالَ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ لَهَا عُقْرُ نِسَائِهَا يُقَالُ أَصْدَقَهَا
مُوجَبُهُ النِّكَاحُ قَالَ رحمه الله (صَحَّ النِّكَاحُ بِلَا ذِكْرِهِ) أَيْ بِلَا ذِكْرِ الْمَهْرِ، وَكَذَا مَعَ نَفْيِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ مَعَ نَفْيِ الْمَهْرِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّ تَزْوِيجَهَا بِلَا مَهْرٍ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الثَّانِي لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ كَالْمَوْهُوبَةِ وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ انْضِمَامٍ وَازْدِوَاجٍ وَذَلِكَ يَتِمُّ بِالزَّوْجَيْنِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ التَّوَالُدُ وَالِازْدِوَاجُ دُونَ الْمَالِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذِكْرُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَكَذَا بِتَرْكِ الْمَهْرِ.
قَالَ رحمه الله (وَأَقَلُّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) أَيْ أَقَلُّ الْمَهْرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ سَوَاءٌ كَانَتْ مَضْرُوبَةً أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ حَتَّى يَجُوزَ وَزْنُ عَشَرَةٍ تِبْرًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ بِخِلَافِ نِصَابِ السَّرِقَةِ، وَقَالَ مَالِكٌ: مُقَدَّرٌ بِرُبْعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: أَقَلُّهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ: أَقَلُّهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَعَنْهُ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَقَلُّهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدَّرَهُ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ عِنْدَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا، وَقَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ: مَا جَازَ أَنْ يُمْلَكَ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْمِيرَاثِ جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ
وَاسْتَدَلَّتْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِحَدِيثِ «عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لَمَّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَمْ سُقْت إلَيْهَا؟ فَقَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ عليه الصلاة والسلام: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ:«مَنْ أَعْطَى فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ مِلْءَ كَفَّيْهِ سَوِيقًا أَوْ تَمْرًا فَقَدْ اسْتَحَلَّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَعَنْهُ عليه الصلاة والسلام «أَدُّوا الْعَلَائِقَ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْعَلَائِقُ؟ قَالَ: مَا تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ
وَعَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ عليه الصلاة والسلام
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَلَا يُقَالُ أَمْهَرَهَا بَلْ مَهَرَهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَفِي الصِّحَاحِ أَمْهَرَهَا وَمَهَرَهَا وَفِي الْمُغْرِبِ مَهَرَ الْمَرْأَةَ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ وَأَمْهَرَهَا إذَا سَمَّى لَهَا مَهْرًا وَتَزَوَّجَهَا بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: صَحَّ النِّكَاحُ بِلَا ذِكْرِهِ) لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ إلَخْ) وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ وَالْمَهْرُ كَالثَّمَنِ، وَالْبَيْعُ بِشَرْطِ أَنْ لَا ثَمَنَ لَا يَصِحُّ فَكَذَا النِّكَاحُ بِشَرْطِ أَنْ لَا مَهْرَ وَكَانَ مُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَفْسُدَ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ أَيْضًا إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِالنَّصِّ السَّابِقِ، ثُمَّ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُفَوِّضَةِ وَسَنَذْكُرُهُ قُلْنَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ اُعْتُبِرَ حُكْمًا شَرْعًا وَإِلَّا لَمَا تَمَّ بِدُونِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ إذْ لَا وُجُودَ لِلشَّيْءِ بِلَا رُكْنِهِ وَشَرْطِهِ، فَحَيْثُ كَانَ وَاجِبًا وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَيْهِ الْوُجُودُ كَانَ حُكْمًا، وَإِذَا ثَبَتَ بِهِ كَوْنُهُ حُكْمًا كَانَ شَرْطُ عَدَمِهِ شَرْطًا فَاسِدًا وَبِهِ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ رُكْنُهُ فَلَا يَتِمُّ دُونَ رُكْنِهِ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ بِعْت بِكَذَا لَا مُجَرَّدُ بِعْت هَذَا وَيَصِحُّ الرَّهْنُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُسَمَّى فِي كَوْنِهِ دَيْنًا فَإِنْ هَلَكَ وَبِهِ وَفَاءٌ كَانَتْ مُسْتَوْفِيَةً فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَهَا أَنْ تَرُدَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْمُتْعَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ قَائِمًا وَقْتَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَهُ بِالْمُتْعَةِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَهَا حَبْسُهُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا خَلَفُهُ وَالرَّهْنُ بِالشَّيْءِ يُحْبَسُ بِخَلَفِهِ كَالرَّهْنِ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ يَكُونُ مَحْبُوسًا بِالْقِيمَةِ، وَجْهُ الْآخَرِ أَنَّهَا دَيْنٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهَا ثِيَابٌ وَهِيَ غَيْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْكَفِيلَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَكُونُ كَفِيلًا بِالْمُتْعَةِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ طَلَبِ الزَّوْجِ الرَّهْنَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَمَنَعَتْهُ حَتَّى هَلَكَ هَلْ تَضْمَنُ تَمَامَ قِيمَتِهِ فَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا حَبَسَتْهُ بِحَقٍّ وَفِي الْأَخِيرِ تَضْمَنُ تَمَامَهُ؛ لِأَنَّهَا غَاصِبَةٌ وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ مَنْعِهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهَا وَلَكِنَّهَا فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ تَصِيرُ مُسْتَوْفِيَةً لِلْمُتْعَةِ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِهَا اهـ. كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ انْضِمَامٍ) يَعْنِي لَيْسَ مَأْخُوذًا فِي مَفْهُومِهِ الْمَالُ جُزْءًا فَيَتِمُّ بِدُونِهِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ عَقْدٌ يَسْتَلْزِمُهُ إلَّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ فِي مَفْهُومِهِ زِيَادَةُ شُرُوطٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ إذْ قَدْ يَثْبُتُ زِيَادَةُ عَدَمِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَنَحْوَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ شَرْعًا عَلَى الدَّعْوَى وَيُرَدُّ حِينَئِذٍ أَنَّ الْمَهْرَ أَيْضًا وَاجِبٌ شَرْعًا فِيهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ وَجَبَ شَرْعًا حُكْمًا لَهُ حَيْثُ أَفَادَ بِقَوْلِهِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ إنْ لَمْ يُسَمِّ إبَانَةَ شَرَفِ الْمَحَلِّ أَمَّا أَنَّهُ وَجَبَ شَرْعًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24]، قَيَّدَ الْإِحْلَالَ بِهِ وَأَمَّا اعْتِبَارُهُ حُكْمًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236]، فَإِنَّ رَفْعَ الْجُنَاحِ عَنْ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْفَرْضِ فَرْعُ صِحَّةِ النِّكَاحِ قَبْلَهُ وَكَانَ وَاجِبًا لَيْسَ مُتَقَدِّمًا وَهُوَ الْحُكْمُ وَأَمَّا أَنَّهُ إبَانَةٌ لِشَرَفِهِ فَلِعَقْلِيَّةِ ذَلِكَ إذْ لَمْ يُشْرَعْ بَدَلًا كَالثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ وَإِلَّا لَوَجَبَ تَقْدِيمُ تَسْمِيَتِهِ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْبَدَلَ النَّفَقَةُ، وَهَذَا لِإِظْهَارِ خَطَرِهِ فَلَا يُسْتَهَانُ بِهِ، وَإِذَا فُقِدَ تَأَكَّدَ شَرْعًا بِإِظْهَارِ شَرَفِهِ مَرَّةً بِاشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ وَمَرَّةً بِإِلْزَامِ الْمَالِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمَهْرَ حُكْمُ الْعَقْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ التَّنْصِيصُ عَلَى حُكْمِهِ كَالْمِلْكِ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ ذِكْرُهُ، ثُمَّ يَثْبُتُ هُوَ كَذَلِكَ يَثْبُتُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَ عَدَمِ تَسْمِيَةِ مَهْرٍ انْتَهَى كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَازْدِوَاجٍ) أَيْ لُغَةً اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ يَتِمُّ بِالزَّوْجَيْنِ)، ثُمَّ الْمَهْرُ وَاجِبٌ شَرْعًا إبَانَةً لِشَرَفِ الْمَحَلِّ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ انْتَهَى هِدَايَةٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَقَلُّ الْمَهْرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) لَوْ تَزَوَّجَهَا بِدِينَارٍ قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ يُكْمِلُ لَهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ ذَكَرَهُ الْوَبَرِيُّ اهـ. غَايَةٌ السُّرُوجِيِّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ) أَيْ مِنْ عَشَرَةٍ مَضْرُوبَةٍ (قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ) هُوَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى نَقَلَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ عَنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَاسْتَدَلَّتْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) أَيْ وَمَنْ لَمْ يُقَدِّرْ الْعَشَرَةَ اهـ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ) أَيْ فَقَدْ أَجَازَهُ عليه الصلاة والسلام بِأَقَلَّ مِمَّا حَدَّهُ أَبُو حَنِيفَةَ إذْ النَّوَاةُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُمَا: تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ) أَيْ وَلَوْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ) أَيْ وَالطَّبَرَانِيُّ اهـ. فَتْحٌ
هَلْ مَعَك شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: نَعَمْ سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ سَمَّاهَا، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: قَدْ مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ.» وَيُرْوَى «أَنْكَحْتُكهَا وَزَوَّجْتُكهَا» وَبِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ امْرَأَةً تَزَوَّجَتْ بِنَعْلَيْنِ فَأَجَازَهُ عليه الصلاة والسلام» ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْعِوَضِ فِيهِ إلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَاعْتِبَارُهُ بِالْإِجَارَةِ أَشْبَهُ لِكَوْنِ الْمَهْرِ بَدَلَ الْمَنْفَعَةِ، وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام فِي حَدِيثِ جَابِرٍ:«لَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَفِيهِ مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ لَكِنْ الْبَيْهَقِيُّ رَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ وَضَعَّفَهَا فِي سُنَنِهِ الْكَبِيرِ وَالضَّعِيفُ إذَا رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ يَصِيرُ حَسَنًا يُحْتَجُّ بِهِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ
، وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: أَقَلُّ مَا تُسْتَحَلُّ بِهِ الْمَرْأَةُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ؛ وَلِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَسَائِرِ حُقُوقِهِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ، وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ سَاقَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَالنَّوَاةُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ وَهُوَ يَزِيدُ عَلَى دِينَارَيْنِ فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْفَلَسِ، وَقِيلَ النَّوَاةُ هِيَ نَوَاةُ التَّمْرِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، وَعَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعَجَّلِ وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ تَعْجِيلَ بَعْضِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ نَظِيرُ «قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِعَلِيٍّ لَمَّا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ وَأَرَادَ الْبِنَاءَ بِهَا: أَعْطِهَا شَيْئًا، فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: أَيْنَ دِرْعُك الْحُطَمِيَّةُ وَفِي رِوَايَةٍ أَعْطِهَا دِرْعَك فَأَعْطَاهَا دِرْعَهُ»
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَهْرَهَا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فِي ذِمَّةِ عَلِيٍّ وَهِيَ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ؛ وَلِأَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ كَانَ فِي الْمُتْعَةِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ جَابِرٌ فِي آخِرِهِ وَهُوَ مَنْسُوخٌ وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُ النِّكَاحِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا صَلَحَ بَدَلًا لِوَطْئِهِ لَا يَلْزَمُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَيُرْوَى «أَنْكَحْتُكهَا وَزَوَّجْتُكهَا» ) مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَبِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ) أَيْ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَنَا قَوْلُهُ: عليه الصلاة والسلام مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «أَلَا لَا يُزَوِّجُ النِّسَاءَ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ وَلَا يُزَوَّجْنَ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ وَلَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ) أَيْ فِي التَّمْهِيدِ اهـ. وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ حَافِظُ الْمُغْرِبِ تُوُفِّيَ بِشَاطِبَةَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَةٍ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي آخِرِ الْمُبْهَمَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَزِيدُ عَلَى دِينَارَيْنِ) أَيْ وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ اسْتَدَلَّ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا عَلَى أَقَلِّ الْمَهْرِ فِي الْغَايَةِ قَالَ عِيَاضٌ لَا يَصِحُّ لَهُمْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ مَنْ ذَهَبٍ وَذَلِكَ يَزِيدُ عَلَى دِينَارَيْنِ وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ وَهُوَ غَفْلَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ النَّوَاةُ هِيَ نَوَاةُ التَّمْرِ إلَخْ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا عِنْدِي لَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ وَزْنَهَا مَجْهُولٌ وَالصَّدَاقُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ قَالَ السُّرُوجِيُّ رحمه الله قُلْت بَلْ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعَجَّلِ وَلَا جَهَالَةَ فِيهِ عِنْدَ تَعْجِيلِهَا وَقَبْضِهَا وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ تَعْجِيلَ بَعْضِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ تَعْجِيلَ بَعْضِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) حَتَّى ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بِهَا حَتَّى يُقَدِّمَ لَهَا شَيْئًا رُوِيَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ فِي الْغَايَةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَاسْتَدَلُّوا بِمَنْعِهِ عليه الصلاة والسلام عَلِيًّا مِنْ الدُّخُولِ عَلَى فَاطِمَةَ حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا قَالَ الْكَمَالُ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ الْجَوَازُ قَبْلَهُ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أُدْخِلَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَيُحْمَلُ الْمَنْعُ الْمَذْكُورُ عَلَى النَّدْبِ أَيْ نَدْبِ تَقْدِيمِ شَيْءٍ إدْخَالًا لِلْمَسَرَّةِ عَلَيْهَا تَأَلُّفًا لِقَلْبِهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْهُودًا وَجَبَ حَمْلُ مَا خَالَفَ مَا رَوَيْنَاهُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَكَذَا يُحْمَلُ أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم بِالْتِمَاسِ خَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ عَلَى أَنَّهُ تَقْدِيمُ شَيْءٍ تَأَلُّفًا وَلَمَّا عَجَزَ قَالَ قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأَتُك، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهُوَ مَحْمَلُ رِوَايَةِ الصَّحِيحِ «زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» فَإِنَّهُ لَا يُنَافِيهِ وَبِهِ تَجْتَمِعُ الرِّوَايَاتُ اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ عليه الصلاة والسلام «أَيْنَ دِرْعُك الْحُطَمِيَّةُ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي دَاوُد «أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بِفَاطِمَةَ مَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يُعْطِيَهَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي شَيْءٌ، فَقَالَ: أَعْطِهَا دِرْعَك فَأَعْطَاهَا دِرْعَهُ، ثُمَّ دَخَلَ بِهَا» اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ كَانَ فِي الْمُتْعَةِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَحَدِيثُ النَّعْلَيْنِ وَإِنْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فِيهِ عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فَاحِشُ الْخَطَأِ فَتُرِكَ وَحَدِيثُ الْعَلَائِقِ مَعْلُولٌ بِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَيْلَمَانِيِّ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ضَعِيفٌ مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِ تَيْنِكَ النَّعْلَيْنِ تُسَاوِيَانِ عَشَرَةً وَكَوْنِ الْعَلَائِقِ يُرَادُ بِهَا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَنَحْوُهَا إلَّا أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَاحْتِمَالُ الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا فِي الْمُعَجَّلِ وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ الظَّاهِرُ لَكِنْ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِيهِ بَعْدَهُ زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى تَعْلِيمِهِ إيَّاهَا مَا مَعَهُ أَوْ نَفْيِ الْمَهْرِ بِالْكُلِّيَّةِ عَارَضَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى بَعْدَ عَدِّ الْمُحَرَّمَاتِ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ} [النساء: 24] فَقَيَّدَ الْإِحْلَالَ بِالِابْتِغَاءِ بِالْمَالِ فَوَجَبَ كَوْنُ الْخَبَرِ غَيْرَ مُخَالِفٍ لَهُ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ مَا لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ التَّوَاتُرِ وَهُوَ قَطْعِيٌّ فِي دَلَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ نَسْخٌ لِلْقَطْعِيِّ فَيَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا تَامًّا كَانَ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَلَا يَكْفِي وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ غَيْرَ تَامِّ الْمَهْرِ ثَابِتٌ بِنَاءً عَلَى مَا عُهِدَ مِنْ أَنَّ لُزُومَ تَقْدِيمِ شَيْءٍ أَوْ نَدْبَهُ كَانَ وَاقِعًا فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ يَنْبَغِي كَوْنُ الْحَمْلِ عَلَى ذَلِكَ إعْمَالًا لِخَبَرٍ وَاحِدٍ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ يَسْتَلْزِمُ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَقْيِيدَ الْإِحْلَالِ بِمُطْلَقِ الْمَالِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِمَالٍ مُقَدَّرٍ زِيَادَةً عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ اُقْتُرِنَ النَّصُّ نَفْسُهُ بِمَا يُفِيدُ تَقْدِيرَهُ بِمُعَيَّنٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى عَقِيبَهُ
أَنْ يَصْلُحَ لِلْأَبَدِ؛ وَلِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ مُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» فَمَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ جَعَلَهُ مَهْرًا وَلِهَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يُعَلِّمَهَا وَإِنَّمَا قَالَ: بِمَا مَعَك أَيْ بِسَبَبِ مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ لِحَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ وَفِيهِ فَكَانَ صَدَاقُ مَا بَيْنَهُمَا الْإِسْلَامُ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ صَدَاقًا بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْغَايَةِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّدَاقِ حَدٌّ لَكَانَ الدَّانَقُ وَالْحَبَّةُ وَالْفَلْسُ صَدَاقًا لِلْبُضْعِ، فَيَكُونُ دُونَ مَهْرِ الْبَغِيِّ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ
وَهَذَا الْكَلَامُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ كَانَ النَّهْيُ عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ لِقِلَّتِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِحُرْمَتِهِ فَلَا يَسْتَقِيمُ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَيْضًا إذَا كَانَتْ الْحَبَّةُ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَهْرًا فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ عَدَمِ طَوْلِ الْحُرَّةِ لِجَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ إذْ كُلُّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْحُرَّةِ يَقْدِرُ عَلَى الْأَمَةِ، وَهَذَا أَيْضًا غَيْرُ جَيِّدٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي الْجَوَازِ أَيْ هَلْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَدْرُ الْمُسَمَّى فِي النِّكَاحِ إذَا رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ أَمْ لَا، وَلَيْسَ كَلَامُهُمْ أَنَّ مَهْرَهَا لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ الْمَرْأَةُ قَدْ لَا تَرْضَى أَنْ تَتَزَوَّجَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ غَالِبًا وَهُوَ الْعَادَةُ وَمَهْرُ مِثْلِ الْحُرَّةِ أَكْثَرُ مِنْ مَهْرِ مِثْلِ الْأَمَةِ فَلَا يَلْزَمُهُمْ مَا قَالَ وَمَا يَقْطَعُ شَغَبَهُمْ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمَهْرَ شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ وَلَمْ يُشْرَعْ بِدُونِهِ إظْهَارًا لِشَرَفِ الْمَحَلِّ وَخَطَرِهِ وَلَوْ صَلُحَ الْفَلْسُ وَأَمْثَالُهُ مِمَّا لَيْسَ بِخَطِيرٍ مَهْرًا لَمْ يَظْهَرْ خَطَرُهُ وَلَجَازَ بِدُونِ الْمَهْرِ إذْ ذَلِكَ الْقَدْرُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ
وَقَوْلُ الظَّاهِرِيَّةِ فِي هَذَا أَفْسَدُ؛ لِأَنَّ حَبَّةَ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ لَا يَعُدُّهَا أَحَدٌ مَالًا، وَلِهَذَا لَوْ سَقَطَتْ لَا يَأْخُذُهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى شَرَّعَ ابْتِغَاءَ النِّكَاحِ بِالْمَالِ بِقَوْلِهِ عز وجل {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] وَلَمْ يُشَرِّعْهُ بِدُونِ الْمَالِ.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ سَمَّاهَا أَوْ دُونَهَا) أَيْ فَإِنْ سَمَّى الْعَشَرَةَ أَوْ دُونَ الْعَشَرَةِ (فَلَهَا عَشَرَةٌ بِالْوَطْءِ أَوْ الْمَوْتِ) فَأَمَّا إذَا سَمَّى عَشَرَةً؛ فَلِأَنَّهُ سَمَّى مَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَيَتَأَكَّدُ بِالدُّخُولِ لِتَحَقُّقِ تَسْلِيمِ الْبَدَلِ بِهِ، وَكَذَا بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَهِي بِهِ النِّكَاحُ نِهَايَتَهُ؛ لِأَنَّهُ يُعْقَدُ لِلْأَبَدِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ بِجَمِيعِ مُوَاجِبِهِ وَأَمَّا إذَا سَمَّى مَا دُونَ الْعَشَرَةِ؛ فَلِأَنَّهَا قَدْ رَضِيَتْ بِالْعَشَرَةِ لِرِضَاهَا بِمَا دُونَهَا فَيَتَأَكَّدُ بِهِمَا عَلَى مَا مَرَّ، وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَصَارَ كَعَدَمِهِ قُلْنَا فَسَادُ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَقَدْ صَارَ مَقْضِيًّا بِالْعَشَرَةِ فَلَا مَعْنَى لِلزِّيَادَةِ؛ وَلِأَنَّ الْعَشَرَةَ لَا تَتَجَزَّأُ حَقًّا لِلشَّرْعِ، وَذِكْرُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أَوْ سَمَّى مَا لَيْسَ بِمَالٍ حَيْثُ يَجِبُ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ لِعَدَمِ رِضَاهَا بِالْقَلِيلِ
ثُمَّ الْمُصَنِّفُ رحمه الله ذَكَرَ الْوَطْءَ وَالْمَوْتَ حَيْثُ يَجِبُ جَمِيعُ الْمُسَمَّى وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَلْوَةَ وَهِيَ كَالْوَطْءِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِيمَا بَعْدُ مُفْرَدًا بِشُرُوطِهِ فَلِقَصْدِهِ ذَلِكَ تَرَكَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَكَذَا ذَكَرَ فِيمَا إذَا سَمَّى عَشَرَةً وَمَا دُونَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيمَا إذَا سَمَّى أَكْثَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ ظَاهِرٌ يُعْرَفُ بِمَعْرِفَةِ الْعَشَرَةِ.
قَالَ رحمه الله (وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَتَنَصَّفُ) وَالْمُرَادُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ وَإِنَّمَا تَرَكَهَا لِمَا قُلْنَا وَإِنَّمَا يَتَنَصَّفُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
{ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [الأحزاب: 50]، ثُمَّ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ مُجْمَلٌ فَيَلْتَحِقُ بَيَانًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ قُلْنَا إنَّمَا أَفَادَ النَّصُّ مَعْلُومِيَّةَ الْمَفْرُوضِ لَهُ سُبْحَانَهُ وَالِاتِّفَاقَ أَنَّ فِي الزَّوْجَاتِ وَالْمَمْلُوكِينَ كُلًّا مِنْ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فَهُوَ مُرَادٌ مِنْ الْآيَةِ قَطْعًا وَكَوْنُ الْمَهْرِ أَيْضًا مُرَادًا بِالسِّيَاقِ؛ لِأَنَّهُ عَقِيبَ قَوْله تَعَالَى {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50] يَعْنِي نَفْيَ الْمَهْرِ خَالِصَةً لَك وَغَيْرِك {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} [الأحزاب: 50] مِنْ ذَلِكَ فَخَالَفَ حُكْمُهُمْ حُكْمَك لَا يَسْتَلْزِمُهُ تَقْدِيرُهُ بِمُعَيَّنٍ اهـ. مَعَ حَذْفٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ) قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ: فَلَهَا عَشَرَةٌ بِالْوَطْءِ أَوْ بِالْمَوْتِ) وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَوْتُهَا وَمَوْتُهُ وَاقْتِصَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ عَلَى مَوْتِهِ اتِّفَاقِيٌّ قَالَهُ الْكَمَالُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَتَأَكَّدُ بِالدُّخُولِ) أَيْ يَتَأَكَّدُ لُزُومُهُ فَإِنَّهُ كَانَ قَبْلُ لَازِمًا لَكِنْ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِارْتِدَادِهَا وَتَقْبِيلِهَا ابْنَ الزَّوْجِ بِشَهْوَةٍ اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله عِنْدَ قَوْلِهِ فَلَهَا الْمُسَمَّى إنْ دَخَلَ بِهَا إلَخْ هَذَا إذَا لَمْ تَكْسُدْ الدَّرَاهِمُ الْمُسَمَّاةُ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الدَّرَاهِمِ الَّتِي هِيَ نَقْدُ الْبَلَدِ فَكَسَدَتْ وَصَارَ النَّقْدُ غَيْرَهَا فَإِنَّمَا عَلَى الزَّوْجِ قِيمَتُهَا يَوْمَ كَسَدَتْ عَلَى الْمُخْتَارِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ يَبْطُلُ بِكَسَادِ الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ عَلَى مَا سَيُعْرَفُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ) أَيْ لِأَنَّ انْتِهَاءَهُ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُودِهِ بِتَمَامِهِ فَيَسْتَعْقِبُ مُوَاجِبَهُ الْمُمْكِنَ إلْزَامُهَا مِنْ الْمَهْرِ وَالْإِرْثِ وَالنَّسَبِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّ مَوْتَهَا أَيْضًا كَذَلِكَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَعَدَمِهِ) كَمَا لَوْ سَمَّى خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَارَ مَقْضِيًّا بِالْعَشَرَةِ) فَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهَا فَقَدْ رَضِيَتْ بِالْعَشَرَةِ لِرِضَاهَا بِمَا دُونَهَا اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَذِكْرُ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ كَالطَّلَاقِ) أَيْ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَكَمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِنِصْفِهَا حَيْثُ يَنْفُذُ قَالَهُ الْكَمَالُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ) أَيْ كَمَا لَوْ عَفَا عَنْ نِصْفِ الْقِصَاصِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ) أَيْ كَمَا لَوْ أَسْقَطَ بَعْضَ الشُّفْعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ كَالْوَطْءِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ كَالْوَطْءِ
اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَتَنَصَّفُ)، ثُمَّ إنْ كَانَتْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ فَحُكْمُ هَذَا التَّنْصِيفِ يَثْبُتُ عِنْدَ زُفَرَ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ وَيَعُودُ النِّصْفُ إلَى مِلْكِ الزَّوْجِ، وَعِنْدَنَا لَا يَبْطُلُ مِلْكُ الْمَرْأَةِ فِي النِّصْفِ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْجَبَ فَسَادَ سَبَبِ مِلْكِهَا فِي النِّصْفِ وَفَسَادُ السَّبَبِ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ مِلْكِهَا بِالْقَبْضِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ بَقَاءَهُ فَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَ الزَّوْجُ الْجَارِيَةَ الْمَهْرَ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ لِلْمَرْأَةِ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي نِصْفِهَا عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا لَا يَنْفُذُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بَعْدَ عِتْقِهَا بِنِصْفِهَا لَهُ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ سَبَقَ مِلْكَهُ كَالْمَقْبُوضِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ إذَا أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعِتْقُ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الرَّدِّ وَلَوْ أَعْتَقَتْهَا الْمَرْأَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ نَفَذَ فِي الْكُلِّ، وَكَذَا إذَا بَاعَتْ وَوَهَبَتْ لِبَقَاءِ مِلْكِهَا فِي الْكُلِّ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ التَّرَاضِي عِنْدَنَا، وَإِذَا نَفَذَ
{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وَنِصْفُ الْمُسَمَّى خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَعِنْدَ زُفَرَ رحمه الله تَجِبُ الْمُتْعَةُ إذَا سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ كَانْعِدَامِهِ وَفِي الْعَشَرَةِ يَجِبُ النِّصْفُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا تَلَوْنَا
وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: الْأَقْيِسَةُ مُتَعَارِضَةٌ وَمُرَادُهُ قِيَاسَانِ بَيَانُهُ أَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ الزَّوْجِ الْمِلْكَ عَلَى نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَمُقْتَضَاهُ وُجُوبُ جَمِيعِ الْمَهْرِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ بَعْدَ عَرْضِ نَفْسِهَا عَلَيْهِ كَالْمُشْتَرِي إذَا أَتْلَفَ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَفِيهِ أَيْضًا عَوْدُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبُضْعُ إلَيْهَا سَالِمًا وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَجِبَ لَهَا شَيْءٌ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ بِسُؤَالِهَا كَالتَّقَايُلِ فِي الْبَيْعِ فَتَعَارَضَا فَرَجَعْنَا إلَى النَّصِّ فَإِنْ قِيلَ هَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْقِيَاسَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّصِّ حَيْثُ رُجِعَ إلَى النَّصِّ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ قُلْنَا النَّصُّ مَخْصُوصٌ بِالْخَلْوَةِ وَتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهَا حَيْثُ لَا يَتَنَصَّفُ الْمُسَمَّى فِيهِمَا بَلْ يَجِبُ كُلُّ الْمَهْرِ فِي الْأَوَّلِ وَالْمُتْعَةُ فِي الثَّانِي وَالْقِيَاسُ يُعَارِضُ مِثْلَهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَرَدَّ فِي الْغَايَةِ هَذَا الْجَوَابَ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ تَرْكُ النَّصِّ الْمَخْصُوصِ بِالْقِيَاسِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ زِيَادَةُ التَّخْصِيصِ بِهِ، وَهَذَا لَا يَكَادُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الْقِيَاسَ يُعَارِضُ النَّصَّ الْمَخْصُوصَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ فَمَذْهَبُ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ لَا يَبْقَى حُجَّةً أَصْلًا عَارَضَهُ الْقِيَاسُ أَوْ لَا
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْقَى حُجَّةً لَا عَلَى الْيَقِينِ فَيُعْمَلُ بِهِ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ وَالْقِيَاسِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَرْكُ النَّصِّ الْمَخْصُوصِ بِالْقِيَاسِ هُنَا فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْحَوَاشِي سُؤَالًا فَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ التَّعَارُضِ بَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ تَرْكُهُمَا بَلْ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا قُلْنَا إنَّمَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا إذَا لَمْ يُخَالِفْهُمَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّنْصِيفَ عَمَلٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ الْمُقْتَضِيَ لِوُجُوبِ الْكُلِّ يُعْمَلُ بِهِ فِي إيجَابِ النِّصْفِ وَالْقِيَاسُ الْمُقْتَضِي لِسُقُوطِ الْكُلِّ يُعْمَلُ بِهِ فِي إسْقَاطِ النِّصْفِ وَهُوَ مُقْتَضَى النَّصِّ أَيْضًا
وَقَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ رَدًّا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَوَاشِي الْأَصْلُ إذَا تَعَارَضَ الْحُجَّتَانِ وَلَمْ يُمْكِنْ تَرْجِيحُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى تَهَاتَرَتَا وَتَسَاقَطَتَا وَلَا يُعْمَلُ بِإِحْدَاهُمَا وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْآيَتَيْنِ أَوْ السُّنَّتَيْنِ، أَمَّا إذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ أَوْ بَيْنَ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ لَا يَسْقُطَانِ بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّعَارُضَ مِنْ حُكْمِ جَهْلِنَا بِالنَّاسِخِ فَيَخْتَصُّ بِمَحَلٍّ يَقْبَلُ النَّسْخَ وَهُوَ الْكِتَابُ أَوْ السُّنَّةُ وَأَمَّا الْقِيَاسُ وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ نَسْخُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَلَا يَتَعَارَضَانِ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا هُوَ يُشْبِهُ التَّعَارُضَ صُورَةً فَلَا يَبْطُلُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ فَيَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ فَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ وَالْأَقْيِسَةُ مُتَعَارِضَةٌ إشْكَالًا مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُعْتَبَرُ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فَكَيْفَ اعْتَبَرَهُ هُنَا، وَالثَّانِي أَنَّ الْقِيَاسَيْنِ إذَا تَعَارَضَا لَا يُتْرَكَانِ بَلْ يُعْمَلُ بِأَحَدِهِمَا فَكَيْفَ تَرْكُهُمَا هُنَا، وَالثَّالِثُ أَنَّ الْقِيَاسَيْنِ لَا يَتَعَارَضَانِ فِي الْحَقِيقَةِ فَكَيْفَ قَالَ مُتَعَارِضَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُ الثَّلَاثَةِ
وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنَّ الْحُجَّتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا يُصَارُ إلَى الْأَضْعَفِ لَا إلَى الْأَقْوَى كَالْآيَتَيْنِ مَثَلًا إذَا تَعَارَضَتَا يُصَارُ إلَى السُّنَّةِ، وَإِذَا تَعَارَضَ السُّنَّتَانِ يُصَارُ إلَى قَوْلِ الصَّحَابَةِ أَوْ الْقِيَاسِ فَكَيْفَ صَارَ هُنَا لِتَعَارُضِ الْقِيَاسَيْنِ إلَى الْكِتَابِ فَجَوَابُ هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا وَهُوَ أَنَّ النَّصَّ الْمَخْصُوصَ أَضْعَفُ مِنْ الْقِيَاسِ فَلِهَذَا صَارَ إلَيْهِ بَعْدَ التَّعَارُضِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ أَوْ نَفَاهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَهْرَ فِي الْعَقْدِ أَوْ نَفَاهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ وَطِئَ أَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَكَذَا إذَا مَاتَتْ هِيَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْعَقْدِ فِي مِثْلِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلِهَذَا كَانَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَتَأَكَّدُ وَيَتَقَرَّرُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ بِالدُّخُولِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْمَهْرِ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لَا يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ شَيْءٌ، وَكَذَا بِالدُّخُولِ وَالْمَوْتِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ خَالِصُ حَقِّهَا فَتَتَمَكَّنُ مِنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
تَصَرُّفُهَا فَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا رَدُّ النِّصْفِ بَعْدَ وُجُوبِهِ فَتَضَمَّنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِلزَّوْجِ يَوْمَ قَبَضَتْ وَلَوْ وُطِئَتْ الْجَارِيَةُ بِشُبْهَةٍ فَحُكْمُ الْعَقْدِ كَحُكْمِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْأَصْلِ كَالْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْ عَيْنِهَا فَإِنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ وَسَنَذْكُرُ لِحُكْمِ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِزَالَةِ الْبَكَارَةِ بِلَا دُخُولٍ كَمَنْ تَزَوَّجَ بِبِكْرٍ فَدَفَعَهَا فَزَالَتْ بَكَارَتُهَا لَيْسَ كَالدُّخُولِ فَلَا يُوجِبُ إلَّا نِصْفَ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ كَمَا لَهُ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَقِيلَ هُوَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ هُوَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ زُفَرَ تَجِبُ الْمُتْعَةُ إذَا سَمَّى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ) وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثَوْبٍ يُسَاوِي خَمْسَةً فَلَهَا الثَّوْبُ وَالْخَمْسَةُ خِلَافًا لَهُ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الثَّوْبِ وَدِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ، وَعِنْدَهُ الْمُتْعَةُ وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الثَّوْبِ يَوْمَ التَّزَوُّجِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ سَمَّى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْمَهْرِ وَاعْتِبَارَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ فِي الثَّوْبِ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ وَفِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَالثَّوْبُ لَا يَثْبُتُ ثُبُوتًا صَحِيحًا بَلْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِيمَةِ فَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْقَبْضِ اهـ. وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْمُرَادَ ثَوْبٌ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَمَّا لَوْ كَانَ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهَا تَمْلِكُهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَمَا سَيُعْلَمُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: قُلْنَا) أَيْ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ الْمَخْصُوصِ جَائِزٌ، وَهَذَا النَّصُّ إلَخْ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ يُعَارِضُ) أَيْ مَا إذَا سَمَّى بَعْدَ الْعَقْدِ الْخَالِي عَنْ التَّسْمِيَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يُعْمَلُ بِإِحْدَاهُمَا) أَيْ لِلتَّرْجِيحِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ اهـ. (قَوْلُهُ: فَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ) أَيْ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: إشْكَالًا) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ إشْكَالٌ وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَهْرَ فِي الْعَقْدِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ: إنْ وَطِئَ أَوْ مَاتَ) اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ لَا يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ شَيْءٌ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ اهـ.
نَفْيِهِ ابْتِدَاءً كَمَا تَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ انْتِهَاءً وَلَنَا حَدِيثُ عَلْقَمَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ وَلَمْ يَمَسَّ حَتَّى مَاتَ فَرَدَّدَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ أَرَى لَهَا مَهْرَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ فَقَالَ:«أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي رُؤَاسٍ حَيٍّ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ» ، رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فَقَامَ نَاسٌ مِنْ أَشْجَعَ فِيهِمْ الْجَرَّاحُ وَأَبُو سِنَانٍ فَقَالُوا يَا ابْنَ مَسْعُودٍ نَحْنُ نَشْهَدُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَاهَا فِينَا فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ وَأَنَّ زَوْجَهَا هِلَالَ بْنَ مُرَّةَ الْأَشْجَعِيَّ كَمَا قَضَيْت» قَالَ: فَفَرِحَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَرَحًا شَدِيدًا حِينَ وَافَقَ قَضَاؤُهُ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: جَمِيعُ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ أَسَانِيدُهَا صِحَاحٌ
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لَا يُقْبَلُ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى عَقِبَيْهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَمْ يَصِحَّ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْمَهْرَ خَالِصُ حَقِّهَا إلَخْ مَمْنُوعٌ بَلْ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إلَى الْعَشَرَةِ وَفِيهِ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَفِيهِ حَقُّهَا ابْتِدَاءً وَبَقَاءً، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ الْوُجُوبَ لِتَضَمُّنِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ وَلَهَا أَنْ تُبْرِئَهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهَا فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ.
قَالَ رحمه الله (وَالْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ) أَيْ وَلَهَا الْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا أَوْ نَفَاهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الْخَلْوَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا كَالدُّخُولِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، وَهَذِهِ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ، وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: مُسْتَحَبَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236]، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180] وَالْوَاجِبُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْمُحْسِنِ وَالْمُتَّقِي وَغَيْرِهِمَا وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] أَمْرٌ بِهِ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ، وَكَذَا كَلِمَةُ حَقًّا وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْوُجُوبِ وَاللُّزُومِ وَذِكْرُ الْمُحْسِنِينَ وَالْمُتَّقِينَ لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات: 45] مَعَ أَنَّهُ مُنْذِرٌ لِلْكُلِّ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ إلَّا مَنْ يَخْشَى صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُنْذِرْ غَيْرَهُ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمَّا لَمْ يَأْتَمِرْ إلَّا الْمُتَّقِي وَالْمُحْسِنُ خُصَّا بِالذِّكْرِ وَمَا ذَكَرُوهُ يَلْزَمُهُمْ أَيْضًا فَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْمُحْسِنِ وَالْمُتَّقِي وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا.
قَالَ رحمه الله (وَهِيَ دِرْعٌ وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ) أَيْ الْمُتْعَةُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَيُعْتَبَرُ فِيهَا حَالُهَا لِقِيَامِهَا مَقَامَ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، وَقِيلَ حَالُهُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: هُوَ الصَّحِيحُ عَمَلًا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236]، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِحَالِهِمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَفِي الْآيَةِ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178]، وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ كَمَا قُلْنَا فِي النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اُعْتُبِرَتْ بِحَالِهِ وَحْدَهُ لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الشَّرِيفَةِ وَالْوَضِيعَةِ فِي الْمُتْعَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بَيْنَ النَّاسِ بَلْ هُوَ مُنْكَرٌ، ثُمَّ هِيَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ الْمُسَمَّى أَقْوَى وَمَعَ هَذَا لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِهِ فَهَذَا أَوْلَى وَلَا يَنْقُصُ عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَلَا تَجِبُ إلَّا إذَا حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهِ كَالطَّلَاقِ وَالْفُرْقَةِ بِالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَرِدَّتِهِ وَإِبَائِهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: كَمَا تَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِهِ انْتِهَاءً) أَيْ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَرَدَّدَهُمْ) أَيْ شَهْرًا وَكَانَ يَجْتَهِدُ وَيَطْلُبُ الْحَقَّ مُدَّةَ الشَّهْرِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ) الْوَكْسُ النَّقْصُ وَالشَّطَطُ الْعُدْوَانُ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الْحَقِّ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ) وَبِرْوَعُ بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ تِزْوَعُ بِكَسْرِ التَّاءِ وَسُكُونِ الزَّايِ اهـ. غَايَةٌ وَفِي الْمُغْرِبِ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَالْكَسْرُ خَطَأٌ وَفِي الصِّحَاحِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فَعُوِّلَ إلَّا خروع وَعَتُودٌ اسْمُ وَادٍ اهـ. قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُرْوَى بِفَتْحِهَا هَكَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُنَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: رَوَاهُ الْخَمْسَةُ)، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْمُتْعَةُ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَهَا الْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا إلَخْ) أَيْ وَلَا يَتَنَصَّفُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ فِي الْمَفْرُوضِ بِالْعَقْدِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَهَذَا لَيْسَ بِمَفْرُوضٍ عِنْدَهُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْمُتْعَةُ وَاجِبَةٌ) أَيْ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] أَيْ وَهُمْ الْمُتَطَوِّعُونَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ قَرِينَةَ صَرْفِ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ إلَى النَّدْبِ، وَالْجَوَابُ مَنْعُ قَصْرِ الْمُحْسِنِ عَلَى الْمُتَطَوِّعِ بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ الْقَائِمِ بِالْوَاجِبَاتِ أَيْضًا فَلَا يُنَافِي الْوُجُوبَ فَلَا يَكُونُ صَارِفًا لِلْأَمْرِ عَنْ الْوُجُوبِ مَعَ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ لَفْظِ حَقًّا وَعَلَى اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَهِيَ دِرْعٌ إلَخْ) دِرْعُ الْمَرْأَةِ قَمِيصُهَا اهـ. صِحَاحٌ (قَوْلُهُ: وَخِمَارٌ) وَهُوَ مَا يُخَمَّرُ بِهِ الرَّأْسُ أَيْ يُغَطَّى اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَمِلْحَفَةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهِيَ مَا تَلْتَحِفُ بِهِ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا اهـ. ع (قَوْلُهُ: لِقِيَامِهَا مَقَامَ نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ) أَيْ وَمَهْرُ الْمِثْلِ يُعْتَبَرُ فِيهِ فَكَذَا خَلَفُهُ اهـ. وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ مِنْ كِسْوَةِ مِثْلِهَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: عَلَى {الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ أَنَّ الْمُتْعَةَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا خَلَفُهُ فَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَالْوَاجِبُ الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّهَا الْفَرِيضَةُ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَإِنْ كَانَ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِنْ الْمُتْعَةِ فَالْوَاجِبُ الْأَقَلُّ إلَّا أَنْ تَنْقُصَ عَنْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَيُكْمِلُ لَهَا الْخَمْسَةَ، وَهَذَا كُلُّهُ نَصُّ الْأَصْلِ وَالْمَبْسُوطِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ حَالِهَا، وَهَذَا لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ هُوَ الْعِوَضُ الْأَصْلِيُّ لَكِنَّهُ تَعَذَّرَ تَنْصِيفُهُ لِجَهَالَتِهِ فَصُيِّرَ إلَى الْمُتْعَةِ خَلَفًا عَنْهُ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا تَنْقُصُ عَنْ الْخَمْسَةِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْمَهْرِ عَشَرَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ هِيَ لَا تُزَادُ عَلَى نِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ) أَيْ الْمُتْعَةُ (قَوْلُهُ: كَالطَّلَاقِ) أَيْ بِالطَّلَاقِ لَفْظًا أَوْ حُكْمًا وَإِنْ وُحِّدَتْ بِمَا هُوَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَلَا حُكْمُهُ فَلَا مُتْعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الصَّدَاقِ اهـ.
الْإِسْلَامَ وَتَقْبِيلِهِ أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا بِشَهْوَةٍ، وَإِنْ جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا فَلَا تَجِبُ كَرِدَّتِهَا وَإِبَائِهَا الْإِسْلَامَ وَتَقْبِيلِهَا ابْنَ الزَّوْجِ بِشَهْوَةٍ وَالرَّضَاعِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَكَذَا لَوْ فَسَخَهُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ
وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مَنْكُوحَتَهُ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ اشْتَرَاهَا وَكِيلُهُ مِنْهُ وَلَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ مِنْهُ تَجِبُ الْمُتْعَةُ وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ فِيهِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ لَا يَجِبُ نِصْفُ الْمُسَمَّى عِنْدَ وُجُودِهَا وَكُلُّ مَوْضِعٍ تَجِبُ فِيهِ يَجِبُ وَالْوَاجِبُ بِالْعَقْدِ هُوَ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يُسَمِّ، ثُمَّ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَسْقُطُ نِصْفُهُ، وَقِيلَ كُلُّهُ وَيَجِبُ النِّصْفُ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ.
قَالَ رحمه الله (وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ لَا يَتَنَصَّفُ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا أَوْ نَفَاهُ، ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى التَّسْمِيَةِ وَسَمَّى لَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى، ثُمَّ زَادَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَتَنَصَّفُ الْمُسَمَّى بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَا الزَّائِدُ عَلَى الْمُسَمَّى بَعْدَهُ بَلْ تَجِبُ الْمُتْعَةُ فِي الْأَوَّلِ وَنِصْفُ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ فِي الثَّانِي وَيَسْقُطُ الزَّائِدُ، وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا يَقُولُ يَتَنَصَّفُ الْمَفْرُوضُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَالزَّائِدُ بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَفْرُوضِ بَعْدَهُ دُونَ الزَّائِدِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الزِّيَادَةِ عِنْدَهُ
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَفْرُوضٌ فَيَتَنَصَّفُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وَلَنَا أَنَّ هَذَا الْمَفْرُوضَ تَعْيِينٌ لِلْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَذَلِكَ لَا يَتَنَصَّفُ فَكَذَا مَا نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَعْيِينٌ لِمَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَسْقُطُ بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا وَالْمَوْتِ عَنْهَا وَيَجِبُ هَذَا الْمُسَمَّى وَهُوَ الْمَفْرُوضُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَوْلَا أَنَّهُ تَعْيِينٌ لَهُ لَوَجَبَ مَعَهُ كَمَا إذَا سَمَّى لَهَا مَهْرًا، ثُمَّ زَادَهَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ مَعَ الْمُسَمَّى فَيَجِبَانِ جَمِيعًا إذَا دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَالْمُرَادُ بِمَا تُلِيَ الْفَرْضُ الْمَوْجُودُ عَنْ الْعَقْدِ وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ فِي الْغَايَةِ: وَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ لَا عُمُومَ لَهُ وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الْمُتَنَاوِلُ لِلذَّاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلصِّفَاتِ إلَّا بِقَيْدٍ فَلَا يُقَيَّدُ بِوَصْفٍ دُونَ وَصْفٍ فَيَتَنَاوَلُ الذَّاتَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ عُمُومٌ وَلَا خُصُوصٌ فَاسْتَحَالَ كَلَامُهُ
قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ حَطُّهَا) يَعْنِي مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَقَاءُ حَقِّهَا وَالْحَطُّ يُلَاقِيهِ حَالَةَ الْبَقَاءِ، ثُمَّ الْمُصَنِّفُ رحمه الله ذَكَرَ جَوَازَ الْحَطِّ وَلَمْ يَذْكُرْ جَوَازَ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ جَوَازَهَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ لَا يَتَنَصَّفُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَإِنْ جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا فَلَا تَجِبُ) أَيْ وَلَا تُسْتَحَبُّ أَيْضًا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ فَسَخَهُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ) أَيْ الصَّغِيرُ إذَا زَوَّجَهُ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ، ثُمَّ بَلَغَ فَفَسَخَ النِّكَاحَ لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ، وَلَيْسَ لَنَا فُرْقَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ إلَّا هَذِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ امْرَأَتِهِ فَاشْتَرَاهَا الْوَكِيلُ مِنْ الْمَوْلَى حَتَّى فَسَدَ النِّكَاحُ فَلَا مَهْرَ لِلْمَوْلَى عَلَى الزَّوْجِ وَلَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ لِلْمَوْلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ مِنْ قِبَلِهِ عَلَى فَسَادِ النِّكَاحِ وَلَوْ وَكَّلَ الزَّوْجُ مَنْ يَشْتَرِيهَا لَهُ وَوَكَّلَ الْمَوْلَى مَنْ يَبِيعُهَا فَاشْتَرَاهَا وَكِيلُ الزَّوْجِ مِنْ وَكِيلِ الْمَوْلَى فَقَدْ بَطَلَ الْمَهْرُ وَبِهَذَا يَظْهَرُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي الْمُتْعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ كُلُّهُ وَيَجِبُ النِّصْفُ إلَخْ)، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ فِي بَابِ الزِّيَادَةِ فِي الْمُهُورِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ لَا يَتَنَصَّفُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا فُرِضَتْ بَعْدَ الْعَقْدِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَتَنَصَّفُ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ أَصْلَ الْمَهْرِ وَالزِّيَادَةَ عَلَيْهِ اهـ. مُجْتَبَى (قَوْلُهُ: وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا يَقُولُ) إشَارَةً إلَى أَنَّ قَوْلَهُ الْآخَرَ كَقَوْلِهِمَا اهـ فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] أَيْ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا فُرِضَ بِالْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِفَرْضِ الْقَاضِي فَإِنَّ لَهَا أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى الْقَاضِي لِيَفْرِضَ لَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فَرَضَ لَهَا فِي الْعَقْدِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ هَذَا الْمَفْرُوضَ إلَخْ) قَالَ الرَّازِيّ وَقُلْنَا إنَّ الْفَرْضَ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُعْتَادِ وَذَا فِي الْعَقْدِ وَالْمُسَمَّى بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ مُسَمًّى فِيهِ فَلَا يَتَنَصَّفُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ) حَتَّى كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِنَا فُرِضَ لَهَا الصَّدَاقُ أَنَّهُ أَوْجَدَهُ فِي الْعَقْدِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ: وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ تَقْيِيدٌ بِالْعُرْفِ الْعَمَلِيِّ بَعْدَمَا مَنَعَ مِنْهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ حَيْثُ قَالَ أَوْ هُوَ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ وَلَا يَصْلُحُ مُقَيَّدُ اللَّفْظِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْحَقَّ التَّقْيِيدُ بِهِ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْمُسَمَّى) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] وَالْفَرْضُ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ الْمُقَدَّرُ لَدَى الْعَقْدِ وَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ لَا عُمُومَ لَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْمُسَمَّى) أَيْ غَيْرَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مُرَادٌ اتِّفَاقًا فَلَا يُرَادُ غَيْرُهُ وَإِلَّا يَلْزَمُ تَعْمِيمُ الْمُطْلَقِ وَلَا عُمُومَ لَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الْمُتَنَاوِلُ لِلذَّاتِ إلَخْ) أَمَّا الْعُمُومُ فَقَدْ نَفَاهُ وَلَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ خَاصٌّ لِيَسْتَحِيلَ كَلَامُهُ، وَقَوْلُهُ: فَلَا يَتَقَيَّدُ إلَّا بِمُقَيَّدٍ قُلْنَا يُقَيَّدُ بِالْعُرْفِ فَانْتَفَى الْإِطْلَاقُ اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِفَرْضِ الْقَاضِي عَلَيْهِ لَوْ رَافَعَتْهُ لِيَفْرِضَ لَهَا فَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمَفْرُوضَ بَعْدَ الْعَقْدِ نَفْسُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَأَنَّ الْفَرْضَ لِتَعْيِينِ كَمِّيَّتِهِ لِيُمْكِنَ دَفْعُهُ وَهُوَ لَا يَتَنَصَّفُ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الْمُرَادِ بِهِ فِي النَّصِّ الْمُتَعَارَفِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ لُغَةً لِمَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ غَيْرَهُ غَيْرُ مُتَبَادَرٍ لِنُدْرَةِ وُجُودِهِ.
1 -
(فَرْعٌ).
لَوْ عَقَدَ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ، ثُمَّ فَرَضَ لَهَا دَارًا بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا لِلشَّفِيعِ لِمَا قُلْنَا إنَّ الْمَفْرُوضَ بَعْدَهُ تَقْدِيرُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ بَدَلُ الْبُضْعِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ الدَّارَ وَتَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجِ بِالْمُتْعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ، ثُمَّ بَاعَهَا بِهِ الدَّارَ فَإِنَّ فِيهَا الشُّفْعَةَ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ الدَّارَ شِرَاءً بِالْمَهْرِ وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَالدَّارُ لَهَا فَتَرُدُّ نِصْفَ الْمُسَمَّى عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُسْتَوْفِيَةً لِلصَّدَاقِ بِالشِّرَاءِ، وَالشِّرَاءُ لَا يَبْطُلُ بِالطَّلَاقِ اهـ. كَمَالٌ رحمه الله
(قَوْلُهُ: وَمَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ إلَخْ) وَلَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ النِّكَاحِ حَالَةَ الزِّيَادَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ خِلَافًا لَهُمَا لَكِنْ الْقُدُورِيُّ ذَكَرَ
فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ مَقْصُودًا، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ مَلَكَ الْبُضْعَ بِالْمَهْرِ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ عِوَضَ مِلْكِهِ فَلَا تَصِحُّ فَتَكُونُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً فَيُشْتَرَطُ فِيهَا شُرُوطُ الْهِبَةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24]؛ وَلِأَنَّ مَا بَعْدَ الْعَقْدِ زَمَنٌ لِفَرْضِ الْمَهْرِ وَلِهَذَا جَازَ فَرْضُهُ فِيهِ إذَا لَمْ يُفْرَضْ عِنْدَ الْعَقْدِ فَكَانَ حَالَةَ الزِّيَادَةِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ فَيُسْتَنَدُ إلَى حَالَةِ الْعَقْدِ
وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ يَبْطُلُ بِمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ فِي الْعَقْدِ شَيْئًا، ثُمَّ فَرَضَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ بُضْعَهَا بِلَا مَهْرٍ عِنْدَهُ فَإِذَا فَرَضَ لَهَا يَجِبُ الْمَهْرُ بِالْفَرْضِ لَا بِالْعَقْدِ، فَيَكُونُ الْمَفْرُوضُ بِإِزَاءِ مِلْكِهِ الْحَاصِلِ قَبْلَ فَرْضِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَالْخَلْوَةُ بِلَا مَرَضِ أَحَدِهِمَا وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَإِحْرَامٍ وَصَوْمِ فَرْضٍ كَالْوَطْءِ) حَتَّى يَجِبَ الْمَهْرُ بِهِ كَامِلًا كَمَا يَجِبُ بِالْوَطْءِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْجَدِيدِ: يَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237]، الْآيَةَ. وَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَوْفًى بِالْوَطْءِ فَلَا يَتَأَكَّدُ الْمَهْرُ دُونَهُ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ كَشَفَ خِمَارَ امْرَأَةٍ وَنَظَرَ إلَيْهَا وَجَبَ الصَّدَاقُ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ» ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِهِ وَحَكَى الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَمُعَاذٍ، وَمِثْلُهُ حَكَى أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ
وَقَالَ أَيْضًا هُوَ اتِّفَاقُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ؛ وَلِأَنَّهَا سَلَّمَتْ الْمُبْدَلَ حَيْثُ رَفَعَتْ الْمَوَانِعَ وَذَلِكَ وُسْعُهَا فَيَتَأَكَّدُ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ، وَقَالَ تَعَالَى {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21] أَوْجَبَ جَمِيعَ الْمَهْرِ بَعْدَ الْإِفْضَاءِ وَهُوَ الْخَلْوَةُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْفَضَاءِ قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] فَقَدْ دَخَلَهَا خُصُوصٌ عَلَى مَا مَرَّ فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهَا بِمَا ذَكَرْنَا أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمَسِّ الْخَلْوَةَ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، ثُمَّ الْمُصَنِّفُ رحمه الله شَرَطَ أَنْ تَكُونَ الْخَلْوَةُ بِلَا مَانِعٍ مِنْ الْمَوَانِعِ الَّتِي ذَكَرَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْوَطْءِ مَعَ الْمَانِعِ، وَالْخَلْوَةُ إنَّمَا جُعِلَتْ كَالدُّخُولِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْهُ وَمَعَ الْمَانِعِ لَا يَتَمَكَّنُ فَلَا تَكُونُ صَحِيحَةً وَالْمَوَانِعُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ حِسِّيٌّ وَطَبْعِيٌّ وَشَرْعِيٌّ وَالْمُرَادُ بِالْمَرَضِ مَرَضُ أَحَدِهِمَا أَيَّهُمَا كَانَ إذَا كَانَ مَرَضًا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ، وَقِيلَ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي مَرَضِهَا وَأَمَّا مَرَضُهُ فَمَانِعٌ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَرِّي عَنْ تَكَسُّرٍ وَفُتُورٍ عَادَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَالْحَيْضُ مَانِعٌ طَبْعًا وَشَرْعًا، وَكَذَا النِّفَاسُ وَالْإِحْرَامُ بِحَجِّ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ عُمْرَةٍ مَانِعٌ شَرْعًا لِمَا يَلْزَمُهُ بِالْجِمَاعِ مِنْ الدَّمِ وَالْقَضَاءِ لِفَسَادِ الْإِحْرَامِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ مَانِعٌ بِالِاتِّفَاقِ لِمَا يَلْزَمُهُمَا بِالْجِمَاعِ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ
وَأَمَّا صَوْمُ التَّطَوُّعِ وَالْمَنْذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْقَضَاءِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِالْإِفْسَادِ فَإِنْ قِيلَ فِي النَّفْلِ لُزُومُ الْقَضَاءِ فَصَارَ كَرَمَضَانَ قُلْنَا اللُّزُومُ لِضَرُورَةِ صِيَانَةِ الْمُؤَدَّى فَيَتَقَدَّرُ بِهَا فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَالصَّلَاةِ كَالصَّوْمِ فَرْضُهَا كَفَرْضِهِ وَنَفْلُهَا كَنَفْلِهِ، وَمِنْ الْمَوَانِعِ لِصِحَّةِ الْخَلْوَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ عَفْلَاءَ أَوْ شَعْرَاءَ أَوْ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ لَا يَجِبُ بِخَلْوَتِهِ كَمَالُ الْمَهْرِ
وَقَالَ شَرَفُ الْأَئِمَّةِ: إنْ كَانَ يَشْتَهِي وَتَتَحَرَّكُ آلَتُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُكْمِلَ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ لَا تَكُونُ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً وَسَوَاءٌ كَانَ الثَّالِثُ بَصِيرًا أَمْ أَعْمَى يَقْظَانَ أَوْ نَائِمًا بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى يَحُسُّ وَالنَّائِمُ يَسْتَيْقِظُ أَوْ يَتَنَاوَمُ إنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
صُورَةَ الْمَوْتِ وَلَمْ يَذْكُرْ الزِّيَادَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَى حَالَةِ الْمَوْتِ بَلْ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي الْمَوْتِ انْقَطَعَ النِّكَاحُ وَفَاتَ مَحَلُّ التَّمْلِيكِ وَبَعْدَ الطَّلَاقِ الْمَحَلُّ قَابِلٌ اهـ. طَرْسُوسِيٌّ
(قَوْلُهُ: حَتَّى يَجِبَ الْمَهْرُ بِهِ) أَيْ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ اهـ. قُنْيَةٌ وَمِنْ فُرُوعِ لُزُومِ الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ عَلَى بَطْنِهَا فَعَلَيْهِ مَهْرَانِ مَهْرٌ بِالزِّنَا؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْحَدُّ بِالتَّزَوُّجِ قَبْلَ تَمَامِ الزِّنَا وَالْمَهْرُ الْمُسَمَّى بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَزِيدُ عَلَى الْخَلْوَةِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهَا سَلَّمَتْ الْمُبْدَلَ إلَخْ) يَتَضَمَّنُ مَنْعَ تَوَقُّفِ وُجُوبِ الْكَمَالِ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ بَلْ عَلَى التَّسْلِيمِ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ) أَيْ وَالْإِجَارَةِ يَعْنِي أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْبَدَلِ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ لَا حَقِيقَةُ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ الْمُوجَبُ فِيهِمَا التَّسْلِيمُ وَهُوَ رَفْعُ الْمَوَانِعِ وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ الْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرُ مَنْفَعَةً أَصْلًا فَكَذَا فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ يَكُونُ تَسْلِيمُ الْبُضْعِ بِذَلِكَ بَلْ أَوْلَى اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَقَدْ دَخَلَهَا خُصُوصٌ) أَيْ بِمَا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى غَيْرَ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَنَحْوِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَتَنَصَّفُ اهـ. (قَوْلُهُ: بِطَرِيقِ إطْلَاقِ الْمُسَبَّبِ) أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَسُّ اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى السَّبَبِ) أَيْ الَّذِي هُوَ الْخَلْوَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: حِسِّيٌّ) أَيْ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَطَبْعِيٌّ) قَالَ الْعَيْنِيُّ كَكَوْنِ الْمَرْأَةِ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ شَعْرَاءَ أَوْ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ اهـ. وَقَالَ الرَّازِيّ أَمَّا الْمَانِعُ الْحِسِّيُّ فَكَمَرَضِ أَحَدِهِمَا اهـ. (فَرْعٌ). وَلَوْ أَزَالَ بَكَارَةَ امْرَأَتِهِ بِحَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ اهـ. دِيَاتُ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا صَوْمُ التَّطَوُّعِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَائِمًا تَطَوُّعًا فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى، وَهَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. فَقَوْلُهُ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَيْ رِوَايَةُ الْمُنْتَقَى فِي حَقِّ كَمَالِ الْمَهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا أَمَّا فِي حَقِّ جَوَازِ الْإِفْطَارِ فَالصَّحِيحُ غَيْرُهَا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا بِعُذْرٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ بَحْثًا أَنَّ رِوَايَةَ الْمُنْتَقَى فِي جَوَازِ الْإِفْطَارِ بِلَا عُذْرٍ، ثُمَّ وُجُوبُ الْقَضَاءِ أَقْعَدُ بِالدَّلِيلِ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ وَيَجْعَلُهُ إثْمًا لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: أَوْ شَعْرَاءَ) أَيْ خَشِنَةً اهـ. قَامُوسٌ
أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ، وَقِيلَ الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يَمْنَعَانِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعَهُمَا زَوْجَتُهُ الْأُخْرَى تَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا لَا تَمْنَعُ وَرُوِيَ أَنَّهُ رَجَعَ قَالَ هِشَامٌ كَانَ مُحَمَّدٌ يَرَى لَهُ أَنْ يَطَأَهَا بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى، ثُمَّ رَجَعَ قَالَ مُحَمَّدٌ: كُنْت قُلْت بِالرِّقَّةِ هَذَا، ثُمَّ رَجَعْت وَقُلْت يُكْرَهُ أَنْ يَطَأَ إحْدَاهُمَا بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى وَفِي الْجَوَارِي لَا يُكْرَهُ وَتَكُونُ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً، وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ جَارِيَتُهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ بِخِلَافِ جَارِيَتِهِ
وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا كَلْبٌ عَقُورٌ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَقُورًا فَإِنْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لِلزَّوْجِ صَحَّتْ الْخَلْوَةُ مَعَهُ، ثُمَّ إنَّمَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ إذَا كَانَا فِي مَكَان يَأْمَنَانِ عَنْ اطِّلَاعِ غَيْرِهِمَا عَلَيْهِمَا أَوْ يَهْجُمُ كَالدَّارِ وَالْبَيْتِ وَلَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ وَالْحَمَّامِ، وَكَانَ شَدَّادٌ يَقُولُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ يَصِحُّ الْخَلْوَةُ إذَا كَانَتْ فِي الظُّلْمَةِ وَهُمَا كَالسُّتْرَةِ
وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ ذَهَبَ بِامْرَأَتِهِ إلَى رُسْتَاقٍ فَرْسَخَيْنِ بِاللَّيْلِ فِي طَرِيقِ الْجَادَّةِ لَا تَكُونُ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً، وَإِنْ عَدَلَ بِهَا عَنْ الطَّرِيقِ إلَى مَكَان خَالٍ كَانَتْ صَحِيحَةً وَلَوْ حَجَّ بِهَا فَنَزَلَ فِي مَفَازَةٍ مِنْ غَيْرِ خَيْمَةٍ، فَلَيْسَتْ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً، وَكَذَا فِي الْجَبَلِ وَفِي الْبَيْتِ غَيْرِ الْمُسَقَّفِ تَصِحُّ، وَكَذَا عَلَى سَطْحِ الدَّارِ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى مُطْلَقًا قَالُوا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى جَوَانِبِهِ سَاتِرٌ لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَالَهُ شَدَّادٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ تَصِحُّ إذَا كَانَتْ فِي ظُلْمَةٍ وَلَوْ خَلَا بِهَا فِي بُسْتَانٍ لَيْسَ عَلَيْهِ بَابٌ لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَفِي مَحْمَلٍ عَلَيْهِ قُبَّةٌ مَضْرُوبَةٌ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى وَطْئِهَا فَهِيَ خَلْوَةٌ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ مِنْ ثَوْبٍ رَقِيقٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ، وَكَذَا السُّتْرَةُ الْقَصِيرَةُ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ رَجُلٌ رَآهُمَا وَلَوْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْرِفْهَا، ثُمَّ خَرَجَتْ أَوْ دَخَلَ هُوَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَعْرِفْهَا لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ هَكَذَا اخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ تَصِحُّ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ نَائِمَةً وَلَوْ عَرَفَهَا هُوَ وَلَمْ تَعْرِفْهُ هِيَ تَصِحُّ الْخَلْوَةُ وَلَوْ رَدَّتْ أُمُّهَا الْبَابَ وَلَمْ تَغْلِقْ وَهُمَا فِي خَانٍ يَسْكُنُهُ النَّاسُ وَالنَّاسُ قُعُودٌ فِي سَاحَةِ الْخَانِ يَنْظُرُونَ مِنْ بَعِيدٍ فَإِنْ كَانُوا مُتَرَصِّدِينَ لَهُمَا فِي النَّظَرِ لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ وَإِلَّا فَتَصِحُّ؛ لِأَنَّهُمَا يَقْدِرَانِ عَلَى الِانْتِقَالِ إلَى زَاوِيَةٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى سُتْرَةٍ لَا تَقَعُ أَبْصَارُهُمْ عَلَيْهِمَا
وَقَدْ قِيلَ لَوْ كَانَ الْبَيْتُ فِي دَارٍ بَابُهُ مَفْتُوحٌ لَا يَدْخُلُهُ أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنٍ تَصِحُّ الْخَلْوَةُ وَفِي الْبَدَائِعِ الْخَلْوَةُ فِي الْحَجَلَةِ وَالْقُبَّةِ صَحِيحَةٌ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ خَلَوْت بِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَلَا بِهَا طَلُقَتْ فَيَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ.
(فَرْعٌ).
وَفِي الْمُحِيطِ قِيلَ يَدْخُلُ بِهَا إذَا بَلَغَتْ، وَقِيلَ إذَا كَانَتْ بِنْتَ تِسْعٍ، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ سَمِينَةً جَسِيمَةً تُطِيقُ الْجِمَاعَ يَدْخُلُ بِهَا وَإِلَّا فَلَا هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ الْخِتَانِ قِيلَ لَا يُخْتَنُ حَتَّى يَبْلُغَ؛ لِأَنَّهُ لِلطَّهَارَةِ وَلَا طَهَارَةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ، وَقِيلَ إذَا بَلَغَ عَشْرًا، وَقِيلَ تِسْعًا.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا) يَعْنِي خَلْوَتُهُ بِهَا بِلَا مَانِعٍ مِنْ الْمَوَانِعِ الَّتِي ذَكَرَهَا صَحِيحَةٌ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا وَفِي الْمَجْبُوبِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِنْ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ الْعِنِّينِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ جَارِيَتُهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ) وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَلَوْ كَانَ فِي الْبَيْتِ مَعَهَا جَارِيَتُهَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ تَصِحُّ الْخَلْوَةُ اهـ. خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ جَارِيَتِهِ) وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَفِي أَمَتِهِ رِوَايَتَانِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ لِلزَّوْجِ صَحَّتْ الْخَلْوَةُ) قَالَ الْكَمَالُ وَعِنْدِي أَنَّ كَلْبَهُ لَا يَمْنَعُ وَإِنْ كَانَ عَقُورًا؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ قَطُّ لَا يَتَعَدَّى عَلَى سَيِّدِهِ وَلَا عَلَى مَنْ يَمْنَعُهُ سَيِّدُهُ عَنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ: تَصِحُّ الْخَلْوَةُ إذَا كَانَتْ فِي الظُّلْمَةِ إلَخْ) وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ الْإِحْسَاسُ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْبَصَرِ أَلَا تَرَى إلَى الْمَنْعِ لِوُجُودِ الْأَعْمَى وَالْإِبْصَارُ لِلْإِحْسَاسِ اهـ. كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ: دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْرِفْهَا) أَيْ فَمَكَثَتْ اهـ. خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ) هَذَا الْفَرْعُ نَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْفَتَاوَى، ثُمَّ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْعِدَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ الْخِتَانِ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ بَلَغَ وَلَدِي الْخِتَانَ فَلَمْ أَخْتِنْهُ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إذَا أَخَّرَ الْخِتَانَ عَنْ عَشْرِ سِنِينَ يَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ؛ لِأَنَّ عَشْرَ سِنِينَ نِهَايَةُ وَقْتِ الْخِتَانِ فَإِنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ يُضْرَبُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ فَيُؤْمَرُ بِالْخِتَانِ حَتَّى يَكُونَ أَبْلَغَ فِي التَّطْهِيرِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ قَالَ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُؤَخِّرْ الْخِتَانَ عَنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ هَذَا أَدْنَى مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ فِيهَا بُلُوغُ الْغُلَامِ فَإِنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ هَذَا الْمَبْلَغَ، وَقَالَ احْتَلَمْت يُقْبَلُ قَوْلُهُ: وَيُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ، وَقَبْلَ ذَلِكَ لَوْ قَالَ احْتَلَمْت لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: وَلَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مَجْبُوبًا) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَهُوَ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ وَالْخُصْيَتَيْنِ وَالْخَصِيُّ هُوَ الَّذِي قُلِعَتْ خُصْيَتَاهُ اهـ. عَيْنِيٌّ، وَقَدْ فَسَّرَ الْعَيْنِيُّ فِي بَابِ الْعِنِّينِ الْمَجْبُوبَ بِمَا فَسَّرَهُ هُنَا، وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ فِي فَصْلِ الْعِنِّينِ مَا نَصُّهُ وَالْمَجْبُوبُ وَهُوَ الَّذِي قُطِعَ ذَكَرُهُ أَصْلًا فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّأْجِيلِ وَالْخَصِيُّ كَالْعِنِّينِ؛ لِأَنَّ لَهُ آلَةً تَنْتَصِبُ وَيُجَامِعُ بِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَحْبَلُ وَهُوَ الَّذِي سُلَّتْ أُنْثَيَاهُ اهـ. فَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَحْبَلُ يُشْكِلُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ الْمَجْبُوبِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالْمَجْبُوبِ الَّذِي يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ مِنْ قَطْعِ ذَكَرِهِ فَقَطْ وَبَقِيَتْ أُنْثَيَاهُ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَقِيمُ مَا قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارِ وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَمْلِ الْمَجْبُوبِ الَّذِي يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ عَلَى مَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ فَقَطْ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الطَّوَاشِي اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ عِنِّينًا) أَيْ وَهُوَ الَّذِي فِي آلَتِهِ فُتُورٌ اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَجْبُوبِ خِلَافٌ) قَالَ الْحَدَّادِيُّ، وَإِذَا خَلَا الْمَجْبُوبُ بِامْرَأَتِهِ فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ احْتِيَاطًا إجْمَاعًا اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِنْ الْمَرِيضِ) أَيْ لِأَنَّ الْمَرِيضَ رُبَّمَا يُجَامِعُ وَالْمَجْبُوبُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَصْلًا لِعَدَمِ الْآلَةِ فَلَمَّا لَمْ تَصِحَّ خَلْوَةُ الْمَرِيضِ فَلَأَنْ لَا تَصِحَّ خَلْوَةُ الْمَجْبُوبِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْعِنِّينِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْهُ مُتَصَوَّرٌ اهـ.
يُدَارُ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَةِ كَالْخَصِيِّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا التَّسْلِيمُ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ، وَقَدْ أَتَتْ بِهِ وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَاسْتَحَقَّتْ كَمَالَ الْمَهْرِ بِالِاتِّفَاقِ، قِيلَ هَذَا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ يُنْزِلُ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُنْزِلُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ.
قَالَ رحمه الله (وَتَجِبُ الْعِدَّةُ فِيهَا) أَيْ تَجِبُ الْعِدَّةُ فِي الْخَلْوَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً اسْتِحْسَانًا لِتَوَهُّمِ الشَّغْلِ؛ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ الشَّرْعِ وَالْوَلَدِ فَلَا يَصْدُقَانِ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ حَيْثُ لَا يَجِبُ إلَّا إذَا صَحَّتْ الْخَلْوَةُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يُحْتَاطُ فِي إيجَابِهِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمَانِعَ إنْ كَانَ شَرْعِيًّا تَجِبُ الْعِدَّةُ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ حَقِيقِيًّا كَالْمَرَضِ وَالصِّغَرِ لَا تَجِبُ لِانْعِدَامِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً
وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا رحمهم الله أَقَامُوا الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ دُونَ الْبَعْضِ فَأَقَامُوهَا فِي حَقِّ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ وَالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ وَنِكَاحِ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا وَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُرَاعَاةِ وَقْتِ الطَّلَاقِ فِي حَقِّهَا وَلَمْ يُقِيمُوهَا مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ الْإِحْصَانِ وَحُرْمَةِ الْبَنَاتِ وَحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ وَالرَّجْعَةِ وَالْمِيرَاثِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ وُقُوعِ طَلَاقٍ آخَرَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَقَعَ.
قَالَ رحمه الله (وَتُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِلْمُفَوِّضَةِ قَبْلَ الْوَطْءِ) أَيْ الَّتِي لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا فَإِنَّ الْمُتْعَةَ لَهَا وَاجِبَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَخْرَجَ الْمُتْعَةَ لَهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَبَّةً، وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ مُسْتَحَبًّا وَزِيَادَةً؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْوَاجِبِ، وَهَذَا ظَاهِرُهُ يَتَنَاوَلُ الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَتَكُونُ الْمُتْعَةُ لَهَا مُسْتَحَبَّةً ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْحَصْرِ
وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ الْمُتْعَةَ مُسْتَحَبَّةٌ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا وَفِي
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: يُدَارُ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَةِ) يُعْطِي أَنَّ خَلْوَةَ الْخَصِيِّ صَحِيحَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ اهـ. كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا التَّسْلِيمُ إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ الْمُطَلَّقَةُ الثَّلَاثُ إذَا تَزَوَّجَتْ بِمَجْبُوبٍ فَطَلَّقَهَا إنْ لَمْ تَحْبَلْ مِنْ الْمَجْبُوبِ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الدُّخُولُ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَإِنْ حَبِلَتْ وَوَلَدَتْ حَلَّتْ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَصَارَتْ مُحْصَنَةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الدُّخُولُ حُكْمًا لِثَبَاتِ النَّسَبِ مِنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي بَابِ الْعِنِّينِ أَنَّ امْرَأَةَ الْمَجْبُوبِ إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ التَّفْرِيقِ إلَى سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يَبْطُلُ تَفْرِيقُ الْقَاضِي اهـ.
(قَوْلُهُ: تَجِبُ الْعِدَّةُ فِي الْخَلْوَةِ) أَيْ احْتِيَاطًا اهـ. ع (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَتْ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً) أَيْ لِلْمَوَانِعِ الْمَذْكُورَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِتَوَهُّمِ الشَّغْلِ إلَخْ) نَظَرًا إلَى التَّمَكُّنِ الْحَقِيقِيِّ، وَكَذَا فِي الْمَجْبُوبِ لِقِيَامِ احْتِمَالِ الشَّغْلِ بِالْمُسْتَحَقِّ وَلِذَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ إنْ عُلِمَ أَنَّهُ يُنْزِلُ يَثْبُتُ وَإِنْ عُلِمَ بِخِلَافِهِ فَلَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَعِلْمُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ يُنْزِلُ أَوْ لَا رُبَّمَا يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ قَالَ الْعَتَّابِيُّ تَكَلَّمَ مَشَايِخُنَا فِي الْعِدَّةِ الْوَاجِبَةِ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ ظَاهِرًا أَوْ حَقِيقَةً فَقِيلَ لَوْ تَزَوَّجَتْ وَهِيَ مُتَيَقِّنَةٌ بِعَدَمِ الدُّخُولِ حَلَّ لَهَا دِيَانَةً لَا قَضَاءً، وَقَوْلُهُ: وَالْعِدَّةُ حَقُّ الشَّرْعِ وَلِذَا لَا تَسْقُطُ لَوْ أَسْقَطَاهَا وَلَا يَحِلُّ لَهَا الْخُرُوجُ وَلَوْ أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ وَتَتَدَاخَلَ الْعِدَّتَانِ وَلَا يَتَدَاخَلُ حَقُّ الْعَبْدِ وَالْوَلَدِ أَيْ وَحَقُّ الْوَلَدِ وَلِذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي إبْطَالِهَا بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ فَلَا يُحْتَاطُ فِي إيجَابِهِ غَيْرَ أَنَّ فِي وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهَا حَقُّ الْوَلَدِ تَأَمُّلًا اهـ. كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ إلَخْ) مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ أَوْ لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ خَلْوَةٍ فَاسِدَةٍ تَجِبُ الْعِدَّةُ فِيهَا بَلْ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْبَعْضِ مِنْهَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ بَعْدَ ذِكْرِ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ وَالْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ، وَقِيلَ إنْ كَانَ الْمَانِعُ شَرْعِيًّا وَسَاقَ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَظَاهِرُهُ ضَعْفُ مَا قَالَ الْقُدُورِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا تَجِبُ لِانْعِدَامِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً) فَكَانَ كَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ حَيْثُ قِيَامُ الْيَقِينِ بِعَدَمِ الشَّغْلِ وَمَا قَالَهُ قَالَ بِهِ التُّمُرْتَاشِيُّ وَقَاضِي خَانْ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ الْعَتَّابِيُّ إلَّا أَنَّ الْأَوْجَهَ عَلَى هَذَا أَنْ يُخَصَّ الصَّغِيرُ بِغَيْرِ الْقَادِرِ وَالْمَرِيضُ بِالْمُدْنِفِ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً فِي غَيْرِهِمَا، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُوبِ الْعِدَّةِ بِالْخَلْوَةِ إنَّمَا هُوَ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بِالْخَلْوَةِ فِيهِ بَلْ بِحَقِيقَةِ الدُّخُولِ اهـ. كَمَالٌ وَفِي فُصُولِ الْأَسْرُوشَنِيُّ قَالَ وَرَأَيْت فِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ إذَا خَلَا بِهَا فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ هَلْ يَكُونُ إجَازَةً قَالَ يَكُونُ إجَازَةً؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ حَرَامٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ نَفْسُ الْخَلْوَةِ لَا تَكُونُ إجَازَةً اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ رحمه الله عِنْدَ قَوْلِهِ وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إنَّمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَحُرْمَةِ الْبَنَاتِ) يَعْنِي إذَا اخْتَلَى بِامْرَأَتِهِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا تَحْرُمُ بَنَاتُهَا اهـ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْخَلْوَةِ بِالْأُمِّ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالرَّجْعَةِ) يَعْنِي إذَا خَلَا بِالْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ لَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمِيرَاثِ) أَيْ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَرِثُ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ لَا يَرِثُ مِنْهَا لِلِاحْتِيَاطِ الْوَاجِبِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَقْرَبُ أَنْ يَقَعَ) أَقُولُ الْقَوْلُ بِالْوُقُوعِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ بَائِنٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكِفَايَةِ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ بَائِنٌ فَالثَّانِي أَوْلَى فَيَلْزَمُ لُحُوقُ الْبَائِنِ الْبَائِنَ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَفْيُهُ اهـ. مُجْتَبَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ فِي هَذَا الْبَابِ وَجَبَ أَنْ تَقَعَ احْتِيَاطًا اهـ. قَوْلُهُ: مُشْكِلٌ لَا إشْكَالٌ وَانْظُرْ مَا كَتَبْته عَلَى هَامِشِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَيُسْتَحَبُّ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ إلَّا لِلْمُفَوِّضَةِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا مُتْعَةَ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ اهـ. وَقَوْلُهُ: إلَّا لِلْمُفَوِّضَةِ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَوَقَعَ بِهِ السَّمَاعُ؛ لِأَنَّهَا مُفَوِّضَةٌ نَفْسَهَا لِوَلِيِّهَا وَلِلزَّوْجِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا أَيْ فَوَّضَهَا وَلِيُّهَا لِلزَّوْجِ وَهِيَ الَّتِي زُوِّجَتْ بِلَا مَهْرٍ مُسَمًّى اهـ. كَمَالٌ
بَعْضِ النُّسَخِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا، وَذَكَرَ فِي بَعْضِ مُشْكِلَاتِ الْقُدُورِيِّ أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ وَاجِبَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمُسْتَحَبَّةٌ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا، وَسُنَّةٌ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا، وَالرَّابِعَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا مُسْتَحَبَّةٍ وَهِيَ الَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ قَامَ فِي حَقِّهِنَّ مَقَامَ الْمُتْعَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: تَجِبُ الْمُتْعَةُ لِلْمَدْخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّ مَا سُلِّمَ لَهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَهْرِ فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ لَا فِي مُقَابَلَةِ الْعَقْدِ وَالطَّلَاقِ؛ وَلِأَنَّهُ أَوْحَشَهَا بِالطَّلَاقِ فَتَجِبُ دَفْعًا لِلْوَحْشَةِ غَيْرَ أَنَّ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ فَلَا يَجِبُ لَهَا ثَانِيًا وَلَنَا أَنَّ الْمُتْعَةَ خَلَفٌ عَنْ الْمَهْرِ فَلَا تُجَامِعُهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَا سُلِّمَ لَهَا فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ لَا فِي مُقَابَلَةِ الْعَقْدِ مَمْنُوعٌ بَلْ نَقُولُ وَجَبَ كُلُّ الْمَهْرِ بِالْعَقْدِ وَلِهَذَا كَانَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْجَمِيعِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَإِنَّمَا الدُّخُولُ يَتَقَرَّرُ بِهِ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَهُوَ غَيْرُ جَانٍ فِي الْإِيحَاشِ لِمَشْرُوعِيَّةِ الطَّلَاقِ.
قَالَ رحمه الله (وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الشِّغَارِ وَخِدْمَةِ زَوْجٍ حُرٍّ لِلْأَمْهَارِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ) أَيْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِبُطْلَانِ التَّسْمِيَةِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فِي نِكَاحِ الشِّغَارِ وَفِي التَّزْوِيجِ عَلَى خِدْمَةِ الزَّوْجِ الْحُرِّ وَعَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَمَّا نِكَاحُ الشِّغَارِ وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ أَوْ أَمَتَهُ لِيَكُونَ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ؛ فَلِأَنَّهُ سَمَّى مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا إذْ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ مَيْتَةٍ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: يَفْسُدُ النِّكَاحُ لِحَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ الشِّغَارِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ» ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الْبُضْعِ مَهْرًا وَالنِّصْفَ مَنْكُوحًا وَلَا اشْتِرَاكَ فِي هَذَا الْبَابِ فَيَبْطُلُ بِهِ الْإِيجَابُ وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَهَذَا شَرْطٌ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِتَسْمِيَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالدَّمِ وَنَحْوِهِ وَلَا بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَالنَّهْيِ الْوَارِدِ فِيهِ إنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ إخْلَائِهِ عَنْ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ وَاكْتِفَائِهِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِبَ فِيهِ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ الْمَالِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ عَادَتُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ جَعَلَ نِصْفَ الْبُضْعِ مَهْرًا وَالنِّصْفَ مَنْكُوحًا فَلَا وَجْهَ لَهُ إذْ لَمْ يَجْتَمِعْ النِّكَاحُ وَالصَّدَاقُ فِي بُضْعٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْبُضْعِ صَدَاقًا فَلَا يُتَصَوَّرُ الِاشْتِرَاكُ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلَيْنِ حَيْثُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيهِ لِصَلَاحِيَّةِ الِاشْتِرَاكِ؛ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ مَنْكُوحَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
وَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ؛ فَلِأَنَّ الْمُسَمَّى أَيْضًا لَيْسَ بِمَالٍ وَالشَّارِعُ إنَّمَا شَرَّعَ ابْتِغَاءَ النِّكَاحِ بِالْمَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] وَخِدْمَةُ الْحُرِّ وَتَعْلِيمُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: غَيْرَ أَنَّ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا إلَخْ) وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالتَّسْمِيَةِ فَالْمُتْعَةُ لَهَا وَاجِبَةٌ اتِّفَاقًا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بِالنَّصِّ اهـ. (قَوْلُهُ: لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ بِطَرِيقِ الْمُتْعَةِ) أَيْ بِطَرِيقِ إيجَابِ الْمُتْعَةِ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ جَبْرُ صَدْعِ الْإِيحَاشِ لَا الْمَهْرُ لِعَدَمِ اسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ بُضْعِهَا فَلَا تَجِبُ مُتْعَةٌ أُخْرَى وَإِلَّا تَكَرَّرَتْ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: يَتَقَرَّرُ بِهِ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ) وقَوْله تَعَالَى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241] أَمَّا إنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ فِي الْمُطَلَّقَاتِ الَّتِي لَمْ يُسَمَّ لَهُنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُنَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236]، ثُمَّ قَالَ {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] أَوْ يُرَادُ بِمَتِّعُوهُنَّ إيجَابُ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ وَكِسْوَتِهَا وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا الْمُسَمَّى لَهَا فَمَحَلُّ الِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا الِاسْتِحْبَابَ فِي الْمَدْخُولَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 28] وَهُنَّ مَدْخُولَاتٌ اهـ. كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ: وَهُوَ غَيْرُ جَانٍ فِي الْإِيحَاشِ لِمَشْرُوعِيَّةِ الطَّلَاقِ) وَعُلِمَ أَنْ لَا جِنَايَةَ فِي الطَّلَاقِ بَلْ قَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا فِي الَّتِي لَا تُصَلِّي وَالْفَاجِرَةِ اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ: لِيَكُونَ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ) أَيْ صَدَاقًا فِيهِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ كُلٍّ صَدَاقًا لِلْأُخْرَى أَوْ مَعْنَاهُ بَلْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَك وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَقِيلَ جَازَ النِّكَاحُ اتِّفَاقًا وَلَا يَكُونُ شِغَارًا وَلَوْ زَادَ قَوْلَهُ: عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ بِنْتِي صَدَاقًا لِبِنْتِك فَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ بَلْ زَوَّجَهُ بِنْتَه وَلَمْ يَجْعَلْهَا صَدَاقًا كَانَ نِكَاحُ الثَّانِي صَحِيحًا اتِّفَاقًا وَالْأَوَّلُ عَلَى الْخِلَافِ اهـ. كَمَالٌ (فَرْعٌ مِنْ الْغَايَةِ) لَوْ زَوَّجَهُ بِنْتَه بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ بِنْتَه بِأَلْفٍ جَازَ النِّكَاحُ بِالْمُسَمَّى فَإِنْ لَمْ يُزَوِّجْهُ الْآخَرُ فَلِلْمُزَوَّجَةِ تَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ لِذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ فَإِنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لِلْأَجْنَبِيِّ لَا يُكْمِلُ مَهْرَهَا عِنْدَ فَوَاتِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: إذْ الْمُسَمَّى) أَيْ وَهُوَ الْبُضْعُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِمَالٍ) أَيْ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا إيجَارُهُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ الشِّغَارِ» إلَخْ) وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالْفَاسِدُ فِي هَذَا الْعَقْدِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ اتِّفَاقًا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا شِغَارَ إلَخْ) وَالنَّفْيُ رَفْعُ الْوُجُودِ فِي الشَّرْعِ اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالشِّغَارُ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مِنْ أَنْكِحَةِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِبَ صَدَاقٌ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الثَّانِي وَهُوَ مِنْ الشُّغُورِ وَهُوَ الْخُلُوُّ فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى فِيهِ فَأَيْنَ الْخُلُوُّ، وَكَذَا إذَا وَجَبَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا يُقَالُ شَغَرَ الْبَلَدُ إذَا خَلَا مِنْ النَّاسِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الْبُضْعِ مَهْرًا وَالنِّصْفَ مَنْكُوحًا)، فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الزَّوْجِ وَمُسْتَحِقِّ الْمَهْرِ وَهُوَ بَاطِلٌ اهـ. فَتْحٌ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ بِنْتِهِ مَنْكُوحَةً كُلَّهَا صَدَاقًا وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ إذَا دُفِعَ لِشَخْصَيْنِ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ) قَالَ الرَّازِيّ فِي مَسْأَلَةِ الشِّغَارِ وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بَعْدَ وُجُودِهِ وَهُوَ تَسْمِيَةُ مَا لَيْسَ لَهُ صَلَاحِيَّةُ الْمَهْرِ، وَالنَّهْيُ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ خُلُوُّ الْعَقْدِ عَنْ الْمَهْرِ، وَالنَّهْيُ لِغَيْرِهِ فِي الْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ
الْقُرْآنِ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَجِبُ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ إلَّا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّسْلِيمِ لِمَكَانِ الْمُنَاقَضَةِ فَصَارَ كَالتَّزَوُّجِ عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَلَهُمَا أَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجِ الْحُرِّ لَيْسَتْ بِمَالٍ حَقِيقَةً إذْ لَا تَسْتَحِقُّ فِيهِ بِحَالٍ وَإِنَّمَا تَصِيرُ مَالًا لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ عَيْنِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا فَعِنْدَ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ عَيْنِهَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهَا فَلَا تُجْعَلُ مَالًا فَصَارَتْ كَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهَا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَخِدْمَةُ الزَّوْجِ وَجْهُ قَوْلِهِ فِي التَّعْلِيمِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ عليه الصلاة والسلام لَهُ: هَلْ مَعَك شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ نَعَمْ: سُورَةُ كَذَا وَكَذَا السُّوَرُ الَّتِي سَمَّاهَا فَقَالَ: قَدْ مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ، وَيُرْوَى أَنْكَحْتُكهَا وَزَوَّجْتُكهَا» وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ بِبَرَكَةِ مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ بِسَبَبِ مَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ أَجْلِ أَنَّك مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَهُ مَهْرًا كَتَزَوُّجِ أَبِي طَلْحَةَ عَلَى إسْلَامِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ؛ وَلِأَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ عِبَادَةٌ فَلَا يَصْلُحُ صَدَاقًا لِكَوْنِهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ كَتَعْلِيمِ الْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَفِي قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَفْرُوضَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَهُ نِصْفٌ حَتَّى يُمْكِنَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَهْرِ وَعَلَى مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْمُسَمَّى إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ التَّعْلِيمِ، فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ
وَوَجْهُ قَوْلِهِ فِي الْخِدْمَةِ أَنَّ الْمَنَافِعَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَهُ وَلِهَذَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَهُ؛ وَلِأَنَّهَا مِمَّا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ أَوْ عَلَى رَعْيِ الْغَنَمِ وَكَمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا فَتَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ وَلَنَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ إنَّمَا هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْمَنَافِعُ لَيْسَتْ بِمَالٍ عَلَى أَصْلِنَا حَتَّى لَا تُضْمَنَ بِالْغُصُوبِ وَإِنَّمَا تَصِيرُ مَالًا بِالْعَقْدِ لِلضَّرُورَةِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا وَأَمْكَنَ تَسْلِيمُهَا وَهُنَا لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ فَلَا تَسْتَحِقُّ خِدْمَتَهُ بِحَالٍ فَانْعَدَمَتْ الضَّرُورَةُ بِخِلَافِ خِدْمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَسْلِيمِ رَقَبَتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ يَخْدُمُ مَوْلَاهُ مَعْنًى حَيْثُ يَخْدُمُهَا بِأَمْرِهِ فَلَا تَنَاقُضَ وَبِخِلَافِ رَعْيِ الْغَنَمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الزَّوْجَةِ وَلِقِصَّةِ مُوسَى عليه السلام وَبِخِلَافِ خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ بِرِضَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَاقَضَةَ هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ
وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَخْدُمُهَا، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ فَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ وَيَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَخْدُمُهَا؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخَلْوَةُ مَعَهَا وَلَا يُؤْمَنُ مِنْ انْكِشَافِ مَا لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَلَمْ يَجُزْ فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ وَلَمْ يُجِزْ مَوْلَاهُ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ وَقَعَ بِرِضَاهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ خِدْمَتِهِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ بِرِضَا مَوْلَاهُ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى تَسْلِيمُهُ قَالَ رحمه الله (وَلَهَا خِدْمَتُهُ لَوْ عَبْدًا) أَيْ وَلَهَا خِدْمَةُ الزَّوْجِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا وَالْتَزَمَهُ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ قَبَضَتْ أَلْفَ الْمَهْرِ وَوَهَبَتْ لَهُ فَطَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
إذَا كَانَ مُجَاوَزًا كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ) أَيْ فِي الْجَامِعِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: تَجِبُ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ إلَخْ) وَلَمْ يَذْكُرْ الْقُدُورِيُّ خِلَافًا وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَإِلَّا لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى خِلَافِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: وَقَالَ الثَّلَاثَةُ تَجِبُ الْخِدْمَةُ اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَالٌ) أَيْ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ إيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا أَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجِ الْحُرِّ إلَخْ) وَقُلْنَا الْمَنَافِعُ لَيْسَتْ بِمُتَقَوِّمَةٍ حَقِيقَةً لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ وَتَقَوُّمُهَا فِي الْعُقُودِ لِضَرُورَةِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَإِذَا مَنَعْنَا الشَّرْعَ مِنْ تَسْلِيمِهَا لَمْ يَثْبُتْ تَقَوُّمُهَا وَبَقِيَتْ عَلَى أَصْلِهَا وَقِيمَةُ الشَّيْءِ خَلَفٌ عَنْهُ وَشَرْطُ الْخَلَفِ تَصَوُّرُ الْأَصْلِ وَالْمُسَمَّى لَا يَصْلُحُ مُسْتَحَقًّا بِحَالٍ فَلَا يَقُومُ الْخَلَفُ مَقَامَهُ قَوْلُهُ: لِدَعْمِ الْإِحْرَازِ أَيْ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى وَلَا يُتَصَوَّرُ إحْرَازُهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَهُ مَهْرًا) وَلِهَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يُعَلِّمَهَا اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَفِي قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] كَذَا بِخَطِّهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَيْ لَهُنَّ اهـ. (قَوْلُهُ: إنَّ الْمَنَافِعَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَهُ) أَيْ حَيْثُ يَجُوزُ فِي الصَّحِيحِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى رَعْيِ الْغَنَمِ) أَيْ عَلَى أَنْ يَرْعَى لَهَا غَنَمَهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا فَتَزَوَّجَهَا) أَيْ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَتَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ) أَيْ سَنَةً اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْمَنَافِعُ إلَخْ) وَفِي الْمُحِيطِ وَيَجُوزُ إصْدَاقُ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ كَالدُّورِ وَالْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ النَّاسِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ تَسْلِيمِ رَقَبَتِهِ) أَيْ وَهِيَ مَالٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ رَعْيِ الْغَنَمِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ تَتَمَحَّضْ خِدْمَتُهُ لَهَا إذْ الْعَادَةُ اشْتِرَاطُ الزَّوْجَيْنِ فِي الْقِيَامِ عَلَى مَصَالِحِ مَالِهِمَا أَيْ يَقُومُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَصَالِحِ مَالِ الْآخَرِ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ فِي الدِّرَايَةِ بِخِلَافِ رَعْيِ الْغَنَمِ وَالزِّرَاعَةِ حَوْلًا لَا يَجُوزُ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ يَعْنِي أَنْ يَزْرَعَ لَهَا أَرْضًا وَيَجُوزُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْخِدْمَةِ لِمَا ذَكَرْنَا أَلَا تَرَى أَنَّ الِابْنَ إذَا اسْتَأْجَرَ أَبَاهُ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلزِّرَاعَةِ وَالرَّعْيِ يَصِحُّ اهـ. كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الزَّوْجَةِ) أَيْ فَلَا مُنَاقَضَةَ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ اهـ. هِدَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي رَعْيِ غَنَمِهَا وَزِرَاعَةِ أَرْضِهَا لِلتَّرَدُّدِ فِي تَمَحُّضِهَا خِدْمَةً وَعَدَمِهِ، وَكَوْنُ الْأَوْجَهِ الصِّحَّةَ لَقَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قِصَّةَ شُعَيْبٍ وَمُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ غَيْرِ بَيَانِ نَفْيِهِ فِي شَرْعِنَا إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَتْ الْغَنَمُ مِلْكَ الْبِنْتِ دُونَ شُعَيْبٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَخْدُمُهَا) أَيْ وَيَرْجِعُ الْحُرُّ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهَا اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ) أَيْ صَاحِبِ الْمُحِيطِ اهـ.
رَجَعَ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ) مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ الْمَهْرِ فَقَبَضَتْهَا كُلَّهَا، ثُمَّ وَهَبَتْ الْمَقْبُوضَ كُلَّهُ لِلزَّوْجِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ الْمَقْبُوضِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ نِصْفَ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ فَكَذَا فِي الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ يَرِدُ عَلَى عَيْنِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا آخَرَ فِي الذِّمَّةِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا قَالَ رحمه الله (فَإِنْ لَمْ تَقْبِضْ الْأَلْفَ أَوْ قَبَضَتْ النِّصْفَ وَوَهَبَتْ الْأَلْفَ أَوْ وَهَبَتْ الْعَرْضَ الْمَهْرَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَطَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ) هَذِهِ جُمْلَةٌ تَضَمَّنَتْ ثَلَاثَةَ فُصُولٍ، الْأَوَّلُ: فِيمَا إذَا لَمْ تَقْبِضْ مِنْ الْمَهْرِ شَيْئًا فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ جَمِيعِهِ وَهُوَ أَلْفٌ فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ
وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْأَلْفِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ بِالْهِبَةِ وَلَمْ تَبْرَأْ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ يَسْتَحِقُّ الْبَرَاءَةَ بِهِ عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا يَسْتَحِقُّ، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ اخْتِلَافَ السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْعَيْنِ فَكَأَنَّهَا وَهَبَتْهُ عَيْنًا أُخْرَى غَيْرَ الْمَهْرِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: وَهَبْتَنِي جَارِيَتَك فَقَالَ الْمَوْلَى: لَا بَلْ زَوَّجْتُكهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى حِلِّهِ لِمَا قُلْنَا فَصَارَ كَمَا لَوْ وَهَبَ الْمَرِيضُ عَبْدًا لِأَحَدِ ابْنَيْهِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ وَهَبَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِأَخِيهِ، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ فَإِنَّ الْأَخَ الْوَاهِبَ يَضْمَنُ لِأَخِيهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ، وَإِنْ سُلِّمَ لَهُ جَمِيعُ الْعَبْدِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ النِّصْفُ بِجِهَةِ الْإِرْثِ فَكَذَا هَذَا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ فَلَا يُبَالَى بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ نَظِيرُهُ بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ، ثُمَّ وَهَبَهُ لِلْبَائِعِ لَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلَا اعْتِبَارَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَلَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي حَيْثُ لَا يَبْرَأُ الْمُشْتَرِي مِنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مِنْ الْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ وَهِيَ جِهَةُ الْمُشْتَرِي
وَكَذَا فِي هِبَةِ الْمَرِيضِ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ وَهِيَ الْجِهَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ لَهُ وَإِنَّمَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ أَخِيهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ وَهِيَ فِي يَدِ ثَالِثٍ يَدَّعِي أَنَّهَا مِلْكُهُ وَنَقَدَ الثَّمَنَ، ثُمَّ وَصَلَتْ إلَيْهِ مِنْ ذِي الْيَدِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ تَصَرُّفِ ذِي الْيَدِ وَيَدَّعِي حُصُولَهَا لَهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ الْبَائِعِ وَالْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ مُخْتَلِفَةٌ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِإِنْكَارِهِ الْآخَرَ وَعَدَمِ الْحُجَّةِ فَلَا يَثْبُتُ الْحِلُّ، وَالْفَصْلُ الثَّانِي: فِيمَا إذَا قَبَضَتْ نِصْفَ الْمَهْرِ، ثُمَّ وَهَبَتْ لِلزَّوْجِ جَمِيعَ الْمَهْرِ الْمَقْبُوضِ وَغَيْرَهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ قَبَضَتْ الْكُلَّ كَأَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ فَكَذَا إذَا قَبَضَتْ النِّصْفَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَقْبِضْ شَيْئًا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَلَوْ قَبَضَتْ الْكُلَّ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ فَيَتَنَصَّفُ فَيَجِبُ عَلَيْهَا نِصْفُ النِّصْفِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ؛ وَلِأَنَّ هِبَةَ مَا فِي الذِّمَّةِ حُطَّ وَهُوَ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا فَكَانَ الْمَقْبُوضُ هُوَ كُلُّ الْمَهْرِ حُكْمًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَقْصُودَ الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ سَلَامَةُ نِصْفِ الْمَهْرِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ عَلَيْهَا وَالْحَطُّ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَوْ كَانَ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ) وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ التَّعَيُّنِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَلْزَمُهَا رَدُّ عَيْنِ مَا أَخَذَتْ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَحِينَئِذٍ فَمَا وَهَبَتْهُ لِلزَّوْجِ غَيْرُ مَا قَبَضَتْهُ فَصَارَتْ هِبَةُ الْمَقْبُوضِ كَهِبَةِ مَالٍ آخَرَ فَلَمْ يُسَلَّمْ لِلزَّوْجِ نِصْفُ الصَّدَاقِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ نِصْفَ مَا قَبَضَتْ اهـ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ) أَيْ وَلَا هِيَ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْأَلْفِ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا وَهَبَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ إلَخْ) وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ بِالْهِبَةِ مِنْ الزَّوْجِ صَارَتْ مُسْتَهْلِكَةً لِلصَّدَاقِ وَكَأَنَّهَا قَبَضَتْ، ثُمَّ اسْتَهْلَكَتْ فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ بِالنِّصْفِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لَمْ يَحْصُلْ لَهُ النِّصْفُ بِجِهَةِ الْإِرْثِ) أَيْ بَلْ بِالْهِبَةِ (قَوْلُهُ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ إلَخْ) إذْ مَقْصُودُ الزَّوْجِ سَلَامَةُ نِصْفِ الْمَهْرِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ السَّبَبِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ الْأَسْبَابَ لَا تُرَادُ لِأَعْيَانِهَا بَلْ لِمَقَاصِدِهَا فَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ كَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إذَا عَجَّلَهُ لَا يُطَالَبُ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِشَيْءٍ آخَرَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ؛ وَلِأَنَّ هِبَةَ الْمَهْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ إسْقَاطٌ لِلدَّيْنِ وَالدَّيْنُ يَتَعَيَّنُ فِي الْإِسْقَاطِ فَلَمَّا تَعَيَّنَ وَصَلَ إلَى الزَّوْجِ عَيْنُ الْمَهْرِ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَمُحَالٌ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ بِعَيْنِ مَا سُلِّمَ لَهُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ: فَلَا يُبَالِي بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ) وَلَا يُقَالُ اخْتِلَافُ السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْعَيْنِ كَمَا فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ؛ لِأَنَّ ذَا بِالنَّظَرِ إلَى غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَمَا فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ أَمَّا بِالنَّظَرِ إلَيْهِمَا فَلَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ اخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: وَلَا اعْتِبَارَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ إلَخْ) قَالَ فِي الْإِيضَاحِ، وَنَظِيرُهُ مَنْ ادَّعَى أَنَّك غَصَبْت مِنِّي أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ اسْتَقْرَضْتهَا لَا يُعْتَبَرُ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا لِمَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَلْفِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً إلَخْ) وَفِي قَاضِي خَانْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرَيْتهَا مِنْك فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ جَارِيَتُك وَلِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ بِسَبَبٍ آخَرَ لَزِمَهُ الْمَالُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الدَّيْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَ سَبَبُهُ، وَفِي الْجَامِعِ قَالَ لَك هَذَا الْأَلْفُ وَدِيعَةً أَوْ مُضَارَبَةً فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَيْسَ لِي عِنْدَك وَدِيعَةٌ وَلَا مُضَارَبَةٌ بَلْ أَقْرَضْتُكهَا فَلَهُ أَخْذُهَا وَإِنْ كَذَّبَهُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْعَيْنِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ) أَيْ وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ اهـ. (قَوْلُهُ: فَكَانَ الْمَقْبُوضُ هُوَ كُلُّ الْمَهْرِ حُكْمًا) أَيْ فَيَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَأْخُذُ الزَّوْجُ نِصْفَهُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْحَطُّ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ) أَيْ كَالزِّيَادَةِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ
الْعَقْدِ لَمَا جَازَ كَمَا لَا يَجُوزُ الْإِنْشَاءُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ وَلِهَذَا لَا تَتَنَصَّفُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَهْرِ بَعْدَ الْعَقْدِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَلَوْ كَانَ يَلْتَحِقُ لَتَنَصَّفَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ عَقْدَ مُبَادَلَةٍ وَمُغَابَنَةٍ فَلَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى دَفْعِ الْغَبْنِ، وَالْبَيْعُ عَقْدُ مُعَايَنَةٍ وَمُرَابَحَةٍ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى دَفْعِ الْغَبْنِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِالِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ وَهَبَتْ النِّصْفَ الْبَاقِيَ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ تَهَبْ مِنْ الْمَقْبُوضِ شَيْئًا وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ وَلَوْ وَهَبَتْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَقَبَضَتْ الْبَاقِيَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا إلَى تَمَامِ النِّصْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا آخَرَ غَيْرَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي الذِّمَّةِ فَحُكْمُهُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَحُكْمِهَا لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ
وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَرْضٍ بِعَيْنِهِ فَقَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ وَوَهَبَتْهُ لَهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِجِهَةِ الطَّلَاقِ عَلَى مَا مَرَّ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لِتَعَيُّنِهِ فِي الْفَسْخِ كَمَا تَعَيَّنَ فِي الْعَقْدِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَفْعُ شَيْءٍ آخَرَ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ رَدُّهُ بِأَنْ دَخَلَهُ عَيْبٌ كَبِيرٌ يُمْنَعُ رَدُّهُ فَوَهَبَتْهُ لَهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا نِصْفَ قِيمَةِ الْعَرْضِ يَوْمَ قَبَضَتْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّبَ عَيْبًا فَاحِشًا امْتَنَعَ الرَّدُّ وَبَطَلَ اسْتِحْقَاقُهُ الْعَيْنَ فَصَارَ كَأَنَّهَا وَهَبَتْهُ عَيْنًا أُخْرَى غَيْرَ الْمَهْرِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ أَوْ عَرْضٍ فِي الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ أَيْ مِثْلُ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِعَرْضٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مُتَعَيِّنٌ فِي الرَّدِّ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى ثُبُوتَ الْحَيَوَانِ فِي الذِّمَّةِ
وَكَذَا الْعَرْضُ لِلْجَهَالَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ لَكِنَّهَا جُوِّزَتْ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِيهِ فَيَجْرِي فِيهِ التَّسَامُحُ فِي الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ فَلَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَإِذَا عَيَّنَهُ فِي التَّسْلِيمِ يَصِيرُ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ آخَرَ فِي الذِّمَّةِ حَيْثُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهَا رَدُّ مَا قَبَضَتْ لِمَا بَيَّنَّا وَيَأْتِي خِلَافُ زُفَرَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِمَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ وُصُولُهُ مِنْ الْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ وَفِي الْغَايَةِ قَالَ زُفَرُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمُعَيَّنَةِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي تَعَيُّنِهَا، وَهَذَا بَعِيدٌ لَا يَكَادُ يَصِحُّ عَنْ زُفَرَ؛ لِأَنَّ وُصُولَهُ بِالْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ شَرْطٌ عِنْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَهْرُ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ أَوْ لَا، وَهَذَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ أَوْ يَكُونُ لَهُ رِوَايَتَانِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ نَكَحَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا فَإِنْ وَفَّى وَأَقَامَ فَلَهَا الْأَلْفُ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ) لِلْمَسْأَلَةِ صُورَتَانِ، إحْدَاهُمَا أَنْ يُسَمِّيَ لَهَا مَهْرًا وَيَشْتَرِطَ لَهَا مَعَهُ شَيْئًا آخَرَ يَنْفَعُهَا بِأَنْ تَزَوَّجَهَا مَثَلًا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُسَمِّيَ لَهَا مَهْرًا عَلَى تَقْدِيرٍ وَيُسَمِّي خِلَافَهُ عَلَى تَقْدِيرٍ آخَرَ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا، وَقَوْلُهُ: فَإِنْ وَفَّى أَيْ وَفَّى بِالشَّرْطِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَلَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ مَهْرًا، وَقَدْ تَمَّ رِضَاهَا بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِالشَّرْطِ بِأَنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ أَخْرَجَهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: يَرْجِعُ عَلَيْهَا إلَى تَمَامِ النِّصْفِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ عَلَى التَّمَامِ مِثْلَ مَا لَوْ قَبَضَتْ سِتَّمِائَةٍ وَوَهَبَتْ لَهُ أَرْبَعَمِائَةٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْمِائَةِ، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْمَقْبُوضِ وَهُوَ ثَلَثُمِائَةٍ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَحُكْمُهُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَحُكْمِهَا) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ مَا نَصُّهُ وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ إذَا كَانَ عَيْنًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ، وَإِذَا كَانَ دَيْنًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَرْضٍ بِعَيْنِهِ) أَيْ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ كَمَا إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ كَمَا سَيَجِيءُ بَعْدَ سِتَّةِ أَسْطُرٍ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ لَا هُوَ يَدْفَعُهَا غَيْرُهُ وَلَا هِيَ تَرُدُّ غَيْرَهُ اهـ، مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى دَيْنٍ لَا يَجْرِي فِيهِ الْقَرْضُ كَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ لَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ مَا وَهَبَتْ الْمَهْرَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْهِبَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الْإِسْقَاطِ يَتَعَيَّنُ، وَكَذَا بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا قَبَضَتْ الْمُسَمَّى وَهُوَ الْحَيَوَانُ أَوْ الْعَرْضُ صَارَ كَأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى عَيْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ، وَهَذَا فِيمَا إذَا بَيَّنَ نَوْعَ الْحَيَوَانِ وَنَوْعَ الْعَرْضِ بِأَنْ قَالَ عَلَى فَرَسٍ أَوْ عَلَى حِمَارٍ أَوْ عَلَى ثَوْبٍ مَرْوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ مُطْلَقَ الْحَيَوَانِ وَمُطْلَقَ الْعَرْضِ تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ مَوْزُونٍ آخَرَ) أَيْ مَوْزُونٍ غَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ يَعْنِي يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ إذَا وَهَبَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ دَيْنًا أَعْنِي إذَا كَانَ دَيْنًا مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْقَرْضُ كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ فَقَبَضَتْهُ فَوَهَبَتْهُ فَطَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ كَهِبَةِ مَالٍ آخَرَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَتْ عَرْضَ الصَّدَاقِ مِنْ الزَّوْجِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ بِعِوَضٍ وَكَانَ حَقُّهُ فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ بِلَا عِوَضٍ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ قَبَضَتْ الصَّدَاقَ وَوَهَبَتْهُ لِأَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ وَهَبَهُ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ الزَّوْجِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ، الْعَيْنُ وَالدَّيْنُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الزَّوْجِ سَلَامَةُ نِصْفِ الصَّدَاقِ لَهُ مِنْ جِهَتِهَا عِنْدَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ إنَّمَا سُلِّمَ لَهُ مَالٌ مِنْ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ بِالْهِبَةِ وَتَبَدُّلُ الْمَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ) يُرِيدُ إذَا سَمَّى لَهَا أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ أَكْثَرَ فَلَا شَيْءَ لَهَا غَيْرُهُ اهـ. غَايَةٌ
لَهَا شَيْئًا لَهَا فِيهِ نَفْعٌ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لِعَدَمِ رِضَاهَا بِهِ، وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله إنْ كَانَ الْمَضْمُومُ إلَى الْمَهْرِ مَالًا كَالْهَدِيَّةِ وَنَحْوِهَا يُكْمِلُ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ عِنْدَ فَوَاتِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ إنْ لَمْ يَفِ بِهِ يُفْسَخُ النِّكَاحُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَحَقُّ الشُّرُوطِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» ، وَلَيْسَ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ
وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» وَهَذِهِ الشُّرُوطُ تُحَرِّمُ الْحَلَالَ كَالتَّزَوُّجِ وَالْمُسَافَرَةِ بِهَا وَالتَّسَرِّي وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَانَتْ مَرْدُودَةً وَلَا دَلِيلَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مُدَّعَاهُمْ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام جَعَلَهُ أَحَقَّ أَيْ بِالْإِيفَاءِ فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ الْفَسْخُ عِنْدَ فَوَاتِهِ، وَقَوْلُهُ: وَأَقَامَ بِهَا أَيْ أَقَامَ بِهَا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا وَإِنَّمَا وَجَبَ الْأَلْفُ فِيهِ لِوُجُودِ رِضَاهَا بِهِ وَصَلَاحِيَّتِهِ مَهْرًا، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ أَيْ إنْ لَمْ يَفِ بِالشَّرْطِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَلَمْ يَقُمْ بِهَا فِي الثَّانِيَةِ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ، فَلَيْسَ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ إنْ أَخْرَجَهَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى الْأَلْفَيْنِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْأَلْفِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا الشَّرْطَانِ جَمِيعًا جَائِزَانِ حَتَّى كَانَ لَهَا الْأَلْفُ عِنْدَ الْإِقَامَةِ وَالْأَلْفَانِ عِنْدَ إخْرَاجِهَا
وَقَالَ زُفَرُ الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ، فَيَكُونُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يُزَادُ عَلَى الْأَلْفَيْنِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْأَلْفِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ لِزُفَرَ رحمه الله أَنَّهُ ذَكَرَ لِلْبُضْعِ بَدَلَانِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ، فَيَكُونُ مَجْهُولًا فَيَفْسُدُ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقَامَةَ إنَّمَا تُذْكَرُ لِلتَّرْغِيبِ فَعِنْدَ فَوَاتِهَا لَا تَنْعَدِمُ التَّسْمِيَةُ، وَكَذَا الْإِخْرَاجُ فَيَجْتَمِعُ فِي الْحَالِ تَسْمِيَتَانِ فَتَفْسُدُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقَامَةَ وَالْإِخْرَاجَ مَقْصُودٌ عُرْفًا فَاخْتِلَافُهُمَا كَاخْتِلَافِ النَّوْعِ فَلَا يَجْتَمِعُ فِي كُلِّ حَالَةٍ تَسْمِيَتَانِ بَلْ فِيهِ تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ قَبِيحَةً وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ جَمِيلَةً وَكَمَا إذَا اشْتَرَى أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَبَيْنَ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى التَّفَاوُتِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إحْدَى التَّسْمِيَتَيْنِ مُنْجَزَةٌ وَالْأُخْرَى مُعَلَّقَةٌ فَلَا يَجْتَمِعُ فِي الْحَالِ تَسْمِيَتَانِ فَإِذَا أَخْرَجَهَا فَقَدْ اجْتَمَعَا فَتَفْسُدَانِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ لَا يُوجَدُ قَبْلَ شَرْطِهِ، وَالْمُنْجَزُ لَا يَنْعَدِمُ بِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ فَيَتَحَقَّقُ الِاجْتِمَاعُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا قَبْلَهُ وَتَمَامُهُ يَجِيءُ فِي الْإِجَارَةِ فِي قَوْلِهِ إنْ خَطَّتْهُ الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خَطَّتْهُ غَدًا فَبِدِرْهَمَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ قَبِيحَةً وَعَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ جَمِيلَةً أَنَّ الْخَطَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ دَخَلَ عَلَى التَّسْمِيَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَعْرِفُ هَلْ يُخْرِجُهَا أَوْ لَا وَلَا مُخَاطَرَةَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ، لَكِنَّ الزَّوْجَ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ وَجَهَالَتُهُ لَا تُوجِبُ خَطَرًا هَكَذَا ذَكَرَ الْفَرْقَ فِي الْغَايَةِ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ عَلَى أَلْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْلَاةً عَلَى أَلْفٍ أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ إنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَعَلَى أَلْفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مُخَاطَرَةَ هُنَا وَلَكِنْ جُهِلَ الْحَالُ
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الشِّرَاءِ فَإِنَّ الثَّمَنَيْنِ لَمْ يَجْتَمِعَا بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ بَلْ جُعِلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا مَعْلُومًا فَيَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَ بِثَمَنِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ حُكِّمَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: لِعَدَمِ رِضَاهَا بِهِ) أَيْ بِالْمُسَمَّى وَهُوَ الْأَلْفُ اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْهَدِيَّةِ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَكَرَامَتِهَا أَوْ عَلَى أَلْفٍ وَعَلَى أَنْ يُهْدِيَ لَهَا هَدِيَّةً فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَا يُنْقِصُ مِنْ الْأَلْفِ وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ سَقَطَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا كَطَلَاقِ امْرَأَةٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلَدِ، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمُسَمَّى، وَعِنْدَنَا مَتَى كَانَ الْمَضْمُومُ إلَيْهِ لَهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ فِيهِ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يُكْمِلُ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ لَا يُكْمِلُ، مِثَالُ الْأَوَّلِ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ وَعَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَخَاهَا يُكْمِلُ عِنْدَ إبَائِهِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ وَعَلَى أَنْ يُعْتِقَ أَجْنَبِيًّا لَا يُكْمِلُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الزِّيَادَاتِ اهـ. غَايَةٌ قَوْلِهِ، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمُسَمَّى أَيْ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَاسْتَحْكَمَ الْمُسَمَّى مَهْرًا فَلَا يَجِبُ الرُّجُوعُ بِعِوَضٍ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مَالًا وَجَبَ الرُّجُوعُ بِعِوَضِهِ عِنْدَ فَوَاتِهِ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَنَا أَنَّهَا إنْ لَمْ تَرْضَ بِالْمُسَمَّى إلَّا بِمَنْفَعَةٍ أُخْرَى فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِانْعِدَامِ الرِّضَا بِالْمُسَمَّى كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَكَرَامَتِهَا أَوْ يُهْدِي إلَيْهَا هَدِيَّةً أَمَّا إذَا كَانَ شَيْئًا لَا يُبَاحُ لَهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى عَشْرَةً فَصَاعِدًا يَجِبُ ذَلِكَ وَيَبْطُلُ الْحَرَامُ وَلَا يُكْمِلُ مَهْرَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْتَفِعُ بِالْحَرَامِ فَلَا يَجِبُ عِوَضُهُ بِفَوَاتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ:«أَحَقُّ الشُّرُوطِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» ) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ») أَيْ وَلَوْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَفِ بِالشَّرْطِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى) أَيْ بِأَنْ أَخْرَجَهَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْأَلْفِ) أَيْ لِرِضَاهَا بِإِسْقَاطِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَلْفَيْنِ وَرِضَاهُ بِالْأَلْفِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: ذُكِرَ لِلْبُضْعِ بَدَلَانِ) أَيْ وَهُمَا الْأَلْفُ وَالْأَلْفَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ) أَيْ الْمَهْرُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَفْسُدُ) أَيْ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى التَّفَاوُتِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ قَدْ صَحَّ لِعَدَمِ الْجَهَالَةِ فِيهِ فَتَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِهِ، ثُمَّ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ نَشَأَتْ مِنْهُ وَلَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ لَا يُؤَثِّرُ فِي النِّكَاحِ فَلَمَّا خَالَفَ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ وَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الشَّرْطِ نَفْعًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُرَدُّ عَلَيْهِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا اهـ.
الْعَبْدِ وَأَحَدُهُمَا أَوْكَسُ حُكِّمَ مَهْرُ الْمِثْلِ) يَعْنِي إذَا كَانَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ أَرْفَعَ مِنْ الْآخَرِ وَمَعْنَى التَّحْكِيمِ أَنَّ مَهْرَ مِثْلِهَا إنْ كَانَ مِثْلَ أَرْفَعْهُمَا أَوْ أَكْثَرَ فَلَهَا الْأَرْفَعُ لِرِضَاهَا بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَ أَوْكَسِهِمَا أَوْ أَقَلَّ فَلَهَا الْأَوْكَسُ لِرِضَاهَا بِذَلِكَ
وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا لَهَا الْأَوْكَسُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفَيْنِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ الْبَدَلَ الْأَصْلِيَّ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا يُعْدَلُ عَنْهُ عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ، وَعِنْدَهُمَا الْمُسَمَّى هُوَ الْأَصْلُ وَلَا يُصَارُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إلَّا إذَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ يُمْكِنْ إيجَابُ الْمُسَمَّى، وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا إيجَابُ الْأَوْكَسِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ لِكَوْنِهِ أَقَلَّ فَلَا تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ وَصَارَ كَالْخُلْعِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ وَالْأَقَارِيرِ وَلِهَذَا يَجِبُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا نِصْفُ الْأَوْكَسِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُوجَبَ الْأَصْلِيَّ مَهْرُ الْمِثْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْبُضْعِ كَالْقِيمَةِ فِي الْمَبِيعِ إذْ الْبُضْعُ مُتَقَوِّمٌ حَالَةَ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا إذَا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ يُقْسَمُ الْأَلْفُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهِمَا كَمَا فِي الْمَبِيعِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجَبَ لَهُمَا فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْبَدَلُ فِيهِمَا بِالتَّسْمِيَةِ
وَكَذَا الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمُقَرَّ بِهِ لَيْسَ بِعِوَضٍ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْأَوْكَسِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا تُحَكَّمُ مُتْعَةُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيهِ كَمَهْرٍ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَلَكِنْ نِصْفُ الْأَوْكَسِ يَزِيدُ عَلَى الْمُتْعَةِ عَادَةً فَيَجِبُ فِيهِ بِطَرِيقِ التَّحْكِيمِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ تَأْخُذُ أَيَّهُمَا شَاءَتْ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ يُعْطِي أَيَّهُمَا شَاءَ لِانْقِطَاعِ الْمُنَازَعَةِ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ سَوَاءً تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ حَالَّةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ إلَى سَنَةٍ، وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ فَلَهَا الْحَالَّةُ وَإِلَّا فَالْمُؤَجَّلَةُ، وَعِنْدَهُمَا الْمُؤَجَّلَةُ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ حَالَّةٍ أَوْ أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ، وَمَهْرُ مِثْلِهَا كَالْأَكْثَرِ فَالْخِيَارُ لَهَا، وَإِنْ كَانَ كَالْأَقَلِّ فَالْخِيَارُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَعِنْدَهُمَا الْخِيَارُ لَهُ لِوُجُوبِ الْأَقَلِّ عِنْدَهُمَا.
قَالَ رحمه الله (وَعَلَى فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ يَجِبُ الْوَسَطُ أَوْ قِيمَتُهُ) يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى فَرَسٍ فَقَطْ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ فَرَسًا وَسَطًا وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ لَهَا قِيمَتَهُ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى حِمَارٍ فَقَطْ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ ذُكِرَ جِنْسُهُ دُونَ نَوْعِهِ وَأَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ بِمَعْنَى التَّرَدُّدِ بَيْنَهُمَا فَالْجَوَابُ فِيهِمَا كَالْجَوَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ تَحْكِيمِ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ وَوُجُوبِ الْأَقَلِّ عِنْدَهُمَا وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَيَوَانٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ جِنْسَهُ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَابَّةٍ بَطَلَ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ مَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ لَا يَصْلُحُ مُسَمًّى فِي النِّكَاحِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَلَنَا أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ فَجَعَلْنَاهُ بِمَنْزِلَةِ الْتِزَامِ الْمَالِ ابْتِدَاءً حَتَّى لَا تَفْسُدَ بِمُطْلَقِ الْجَهَالَةِ كَالدِّيَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: حُكِّمَ مَهْرُ مِثْلِهَا) بِتَشْدِيدِ الْكَافِ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَقَالَا لَهَا الْأَوْكَسُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا الْمُسَمَّى هُوَ الْأَصْلُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْأَقَلَّ مُتَيَقَّنٌ وَالْفَضْلَ مَشْكُوكٌ فَيَجِبُ الْأَخْذُ بِالْمُتَيَقَّنِ كَمَا فِي الْخُلْعِ وَالْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقِ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ اهـ (قَوْلُهُ: وَصَارَ كَالْخُلْعِ) أَيْ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْإِعْتَاقِ) أَيْ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَقَارِيرِ) أَيْ بِأَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يَجِبُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا نِصْفُ الْأَوْكَسِ) أَيْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْإِجْمَاعِ اهـ هِدَايَةٌ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ كَانَ بِاعْتِبَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَقَدْ سَقَطَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَقِيَ مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ فِي حُكْمِ الْمُسَمَّى فَوَجَبَ تَنْصِيفُهُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ مَهْرُ الْمِثْلِ) أَيْ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ بِخِلَافِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهَا تَقْبَلُهَا اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي بَابِ النِّكَاحِ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى رُبَّمَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْبُضْعِ أَوْ أَكْثَرَ بِخِلَافِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ مُعَادِلٌ كَالْقِيمَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْهُ إلَى الْمُسَمَّى إذَا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ فَلَمَّا فَسَدَتْ صُيِّرَ إلَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ وَلَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَيْسَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ مَا قَاسَا؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ وَالْإِعْتَاقَ وَالطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ لَيْسَ لَهُ مُوجِبٌ أَصْلِيٌّ يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ فَوَجَبَ الْأَقَلُّ لِكَوْنِهِ يَقِينًا وَبِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِأَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ لَيْسَ بِعِوَضٍ، وَالصَّدَاقُ عِوَضٌ عَنْ الْبُضْعِ فَلَوْ عَيَّنَ الْأَقَلَّ فِي الصَّدَاقِ يَلْزَمُ الْبَخْسُ بِحَقِّهَا فَعُيِّنَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَفِي الْمُقَرِّ بِهِ لَوْ عَيَّنَ الْأَقَلَّ لَا يَلْزَمُ الْبَخْسُ بِحَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ فَافْتَرَقَا اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا إذَا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ كَمَا فِي الْبَيْعِ) أَيْ لَا يُعْدَلُ فِيهِ عَنْ الْقِيمَةِ إلَّا إذَا صَحَّ الثَّمَنُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: وَقَدْ فَسَدَتْ لِمَكَانِ الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِيهِ كَلِمَةَ الشَّكِّ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْأَصْلِ) وَلِهَذَا لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِ الْبَدَلِ وَلَا كَذَلِكَ النِّكَاحُ وَلِهَذَا أَوْجَبْنَا الْأَوَّلَ فِيهِمَا اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ عِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ أَصْلٌ كَمَهْرِ الْمِثْلِ قَبْلَ الطَّلَاقِ عِنْدَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: بِطَرِيقِ التَّحْكِيمِ) أَيْ تَحْكِيمِ الْمُتْعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ سَوَاءً تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا مِثْلَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُمَا بِالْمُسَمَّى اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَعَلَى فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ) كَلِمَةُ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ اهـ. (قَوْلُهُ: إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ) أَيْ وَالْعَبْدُ الْمُطْلَقُ لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي النِّكَاحِ اهـ. رَازِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ عِوَضًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ وَهُوَ الْبُضْعُ وَالْحَيَوَانُ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مُطْلَقًا فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ كَمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ فِي الدِّيَةِ وَإِيجَابِ غُرَّةٍ فِي الْجَنِينِ عَبْدًا أَوْ أَمَةً فَصَحَّ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ شَرْطًا أَيْضًا وَفِي الْمَهْرِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ فَجَعَلْنَاهُ الْتِزَامَ الْمَالِ ابْتِدَاءً
وَالْأَقَارِيرِ، وَشَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى مَالًا وَسَطُهُ مَعْلُومٌ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطُ ذُو حَظٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْأَرْفَعِ وَفَوْقَ الْأَدْنَى كَانَ أَعْدَلَ مِنْ إيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَفْحَشُ؛ لِأَنَّهُ جَهَالَةٌ فِي الْجِنْسِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ جَهَالَةٌ فِي النَّوْعِ، وَلَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ أَنْ يُنْقَضَ شَيْءٌ لِأَجْلِ الْجَهَالَةِ، ثُمَّ يُصَارُ إلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ جَهَالَةً مِنْهُ وَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُضَايَقَةِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ غَيْرُ الْمَالِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِمَالٍ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْتِزَامِ الْمَالِ ابْتِدَاءً كَالْمَنْذُورِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ عُمُومُ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْعَلَائِقُ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ فَيُعْمَلُ بِهِ مَا أَمْكَنَ
ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ جَهَالَةٍ دُونَ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ وَكُلَّ جَهَالَةٍ مِثْلُ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ فَوْقَهَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَجَهَالَةُ مَهْرِ الْمِثْلِ جَهَالَةُ جِنْسٍ، هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ كُلُّ جَهَالَةٍ هِيَ نَظِيرُ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ وَجَهَالَةُ الْوَصْفِ نَظِيرُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ دَفْعِ الْمُسَمَّى وَبَيْنَ دَفْعِ قِيمَتِهِ وَأَيُّهُمَا أَدَّى تُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى قَبُولِهِ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْقِيمَةِ فَصَارَتْ أَصْلًا إيفَاءً وَالْعَيْنُ أَصْلًا تَسْمِيَةً فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ.
قَالَ رحمه الله (وَعَلَى ثَوْبٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ عَلَى هَذَا الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَصْلُحُ عِوَضًا لِلْجَهَالَةِ أَوْ لِحُرْمَتِهَا شَرْعًا، وَجُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ، نَوْعٌ يَبْطُلُ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى كَالثَّوْبِ، وَنَوْعٌ لِحُرْمَتِهِ شَرْعًا، وَنَوْعٌ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْمُشَارِ إلَيْهِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ ذَكَرَ الثَّوْبَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذِهِ جَهَالَةُ الْجِنْسِ إذْ الثِّيَابُ أَجْنَاسٌ شَتَّى كَالْحَيَوَانِ وَلَوْ سَمَّى جِنْسًا بِأَنْ قَالَ هَرَوِيٌّ أَوْ مَرْوِيٌّ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ الْوَسَطُ وَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْحَيَوَانِ، وَكَذَا إذَا بَالَغَ فِي وَصْفِ الثَّوْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ يَجِبُ تَسْلِيمُ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ مَوْصُوفَهُ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ ذَكَرَ لَهُ أَجَلًا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ مُؤَجَّلَهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مُتَحَتِّمًا كَمَا فِي السَّلَمِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ أَجَلًا يُخَيَّرُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُهُ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ غَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِنْ ذَكَرَ جِنْسَهُ وَصِفَتَهُ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ مَوْصُوفَهُ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا، وَإِنْ ذَكَرَ جِنْسَهُ دُونَ وَصْفِهِ يُخَيَّرُ بَيْنَ تَسْلِيمِهِ وَتَسْلِيمِ قِيمَتِهِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَإِنَّ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَكَانَ شَرْطُ قَبُولِهِ شَرْطًا فَاسِدًا غَيْرَ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ
وَقَالَ مَالِكٌ يَفْسُدُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ لَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَتَسْمِيَتُهُ تَمْنَعُ وُجُوبَ غَيْرِهِ بِالْعَقْدِ فَتَعَيَّنَ الْفَسَادُ كَالْبَيْعِ وَنَحْنُ نَقُولُ تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِلَا تَسْمِيَةِ ثَمَنٍ وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ فَالْمَذْكُورُ هُنَا أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهَا مِثْلُ وَزْنِ الْخَمْرِ مِنْ الْخَلِّ وَقِيمَةُ الْحُرِّ لَوْ كَانَ عَبْدًا وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَبْدِ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْخَلِّ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَطْمَعَهَا مَالًا وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ وَاسْتُحِقَّ أَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِشَارَةَ قَدْ اجْتَمَعَتْ مَعَ التَّسْمِيَةِ فَتُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ لِكَوْنِهَا أَبْلَغَ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّعْرِيفُ فَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ حُرٍّ وَلِمُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّ الْأَصْلَ مَتَى كَانَ الْمُسَمَّى مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِيهِ ذَاتًا وَالْوَصْفُ يَتْبَعُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْمُشَارِ إلَيْهِ، وَلَيْسَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَلَا تَمْنَعُ الْجَهَالَةُ الْمُسْتَدْرَكَةُ صِحَّةَ الِالْتِزَامِ كَالْإِقْرَارِ بِعَبْدٍ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا رحمه الله لَا يَحْكُمُ ثَمَّةَ بِالْوَسَطِ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ لَيْسَ بِعِوَضٍ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ حَظُّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ السَّوَاءَ أَوْجَبْنَا الْوَسَطَ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ ذُو حَظٍّ مِنْهُمَا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ كَمَا اُعْتُبِرَ الْوَسَطُ فِي الزَّكَاةِ نَظَرًا إلَى الْفَقِيرِ وَرَبِّ الْمَالِ اهـ. فَقَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا لَا يَحْكُمُ ثَمَّةَ بِالْوَسَطِ إلَخْ يَعْنِي أَنَّ الْإِقْرَارَ الْتِزَامٌ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ فَلَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْوَسَطُ بَلْ يَكُونُ بَيَانُ الْمُقَرِّ فِيهِ مَقْبُولًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ: وَوَجْهُهُ) أَيْ وَجْهُ وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ الْوَسَطُ وَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ) أَيْ بَيْنَ دَفْعِ الْوَسَطِ مِنْهُ وَبَيْنَ قِيمَتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا بَالَغَ) مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِيهِ هُوَ أَنْ يُوَصِّلَهُ إلَى حَدٍّ يَجُوزُ فِيهِ عَقْدُ السَّلَمِ اهـ. اك (قَوْلُهُ: فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) قَيْدٌ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ احْتِرَازًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزَّوْجَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَسَطِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ بِالْمُبَالَغَةِ فِيهِ يَلْتَحِقُ بِذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَلِهَذَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ) أَيْ بِدَلِيلِ أَنَّ مُسْتَهْلِكَهَا لَا يَضْمَنُ الْمِثْلَ اهـ. اك (قَوْلُهُ: وَإِنْ ذَكَرَ جِنْسَهُ دُونَ وَصْفِهِ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ تَزَوَّجْتُك عَلَى كُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: فَكَانَ شَرْطَ قَبُولِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ تَزَوَّجْتُك عَلَى خَمْرٍ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ تَزَوَّجْتُك بِشَرْطِ قَبُولِك الْخَمْرَ، وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ لَا يَرْبُو عَلَى تَرْكِ التَّسْمِيَةِ أَصْلًا وَذَلِكَ لَا يَفْسُدُ فَهَذَا أَوْلَى اهـ. اك (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ إلَخْ)، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى شَاةٍ ذَكِيَّةٍ فَظَهَرَتْ مَيْتَةً فَالْخِلَافُ فِيهَا كَالْخِلَافِ فِي الْحُرِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيمَةِ الْحُرِّ لَوْ كَانَ عَبْدًا) أَيْ وَقِيمَةِ الْمَيْتَةِ لَوْ كَانَتْ مَذْبُوحَةً اهـ. (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا أَبْلَغَ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّعْرِيفُ إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِهَا قَاطِعَةً لِلشَّرِكَةِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِمُحَمَّدٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَخَّرَ دَلِيلَ مُحَمَّدٍ وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ وَكَأَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَهُ، وَكَذَا أَخَّرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ.
بِتَابِعٍ لَهُ وَالتَّسْمِيَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُعَرِّفُ الْمَاهِيَّةَ وَالْإِشَارَةُ تُعَرِّفُ الذَّاتَ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى يَاقُوتًا أَحْمَرَ فَإِذَا هُوَ أَخْضَرُ يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ زُجَاجٌ لَا يَنْعَقِدُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْحُرُّ مَعَ الْعَبْدِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَنَافِعِ، وَالْخَلُّ مَعَ الْخَمْرِ جِنْسَانِ لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَحَاصِلُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ هُوَ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فِي أَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَلَّقُ بِالتَّسْمِيَةِ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ فِي إيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ دُونَ التَّسْمِيَةِ، وَهَذَا الْكَلَامُ لَا يَكَادُ يَصِحُّ أَبَدًا؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا رحمه الله لَمْ يُعَلِّقْ الْحُكْمَ بِكَوْنِهِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَوْ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ هَذِهِ الْجِهَةَ أَصْلًا وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ كَوْنَ الْمُسَمَّى مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسَمَّى، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَوْ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ
وَقَالَ أَيْضًا، ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْإِشَارَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُشَارُ إلَيْهِ مَالًا كَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ تُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ وَفِي الْجِنْسَيْنِ تُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا، وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِمَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ الْمُسَمَّى، وَعِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي النِّكَاحِ وَالْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَالْأَجْوَدُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمُشَارَ إلَيْهِ إذَا كَانَ الْمُسَمَّى مِنْ جِنْسِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَالْمُعْتَبَرُ الْمُسَمَّى كَمَا ذُكِرَ لِمُحَمَّدٍ هُنَا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي التَّخْرِيجِ وَهُوَ أَنَّ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ جِنْسٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا الْخَلُّ وَالْخَمْرُ فَتُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ فِيهِمَا
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ، وَكَذَا الْخَلُّ وَالْخَمْرُ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى يَصْلُحُ مَهْرًا وَالْمُشَارُ إلَيْهِ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَتَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْحُرُّ مَعَ الْعَبْدِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالْخَلُّ مَعَ الْخَمْرِ جِنْسَانِ كَمَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِ، وَهَذَا أَصْلٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا، ثُمَّ إذَا تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مَهْرًا وَيَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَإِلَّا فَيُنْظَرُ أَيْضًا فَإِنَّ بَيَّنَ جِنْسَهُ دُونَ وَصْفِهِ فَلَهَا الْوَسَطُ مِنْهُ وَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلِهَذَا أَوْجَبَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْخَلِّ مِثْلَهُ وَفِي الْعَبْدِ الْقِيمَةَ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ قِيمَةُ عَبْدٍ وَسَطٍ لِاعْتِبَارِ الْإِشَارَةِ مِنْ وَجْهٍ.
قَالَ رحمه الله (وَإِذَا أَمْهَرَ عَبْدَيْنِ وَأَحَدُهُمَا حُرٌّ فَمَهْرُهَا الْعَبْدُ) يَعْنِي إذَا كَانَ يُسَاوِي الْعَبْدُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَإِنْ لَمْ يُسَاوِ الْعَشَرَةَ يُكْمِلُ لَهَا الْعَشَرَةَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهَا الْعَبْدُ وَقِيمَةُ الْحُرِّ لَوْ كَانَ عَبْدًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهَا الْعَبْدُ الْبَاقِي وَتَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا لَوْ ظَهَرَا حُرَّيْنِ تَجِبُ قِيمَتُهُمَا عِنْدَهُ فَكَذَا إذَا ظَهَرَ أَحَدُهُمَا حُرًّا اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا حُرَّيْنِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَهُ فَكَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا يَجِبُ الْعَبْدُ وَتَمَامُ مَهْرِ الْمِثْلِ لِعَدَمِ رِضَاهَا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ إلَّا بِسَلَامَةِ الْعَبْدَيْنِ لَهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلَدِ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَنْ يُهْدِيَ لَهَا هَدِيَّةً وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَاقِيَ صَلُحَ مَهْرًا لِكَوْنِهِ مَالًا فَيَجِبُ وَوُجُوبُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ قَلَّ يُمْنَعُ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ تَرْكَ التَّزَوُّجِ عَلَيْهَا وَتَرْكَ إخْرَاجِهَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ فَلَمْ تَكُنْ رَاضِيَةً بِالْمُسَمَّى بِدُونِهَا، وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِالْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَكَانَتْ رَاضِيَةً بِالْعَبْدِ الْبَاقِي
وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى الْمَشْرُوطِ هُنَاكَ فِي الْحَالِ وَيُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْحُرِّ قَبْلَ الْعَقْدِ فَيَلْزَمُهَا الضَّرَرُ بِتَقْصِيرٍ مِنْهَا، فَيَكُونُ غَارًّا لَهَا فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ حَيْثُ صَيَّرَ فِيهِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ مَعَ إمْكَانِ وُجُوبِ الْمُسَمَّى وَهُوَ الْأَقَلُّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ الثَّابِتَ هُنَاكَ إحْدَى التَّسْمِيَتَيْنِ، وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَلَمْ تَثْبُتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَمَّا هُنَا فَتَسْمِيَةُ الْعَبْدِ الْبَاقِي ثَابِتَةٌ قَطْعًا فَيُمْنَعُ الْمَصِيرُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ.
قَالَ رحمه الله (وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إنَّمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْوَطْءِ)؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ إنَّمَا يَجِبُ فِيهِ بِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ لَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لِفَسَادِهِ وَلَا بِالْخَلْوَةِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ مِنْ صِحَّةِ الْخَلْوَةِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ إنَّمَا أُقِيمَتْ مَقَامَ الْوَطْءِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْهُ وَلَا تَمَكُّنَ مَعَ الْحُرْمَةِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِهَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَلَا الْعِدَّةِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ) أَيْ وَلِأَنَّهُ أَطْمَعَهَا سَلَامَةَ الْعَبْدَيْنِ وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ أَحَدِهِمَا فَتَجِبُ قِيمَتُهُ كَمَا لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الزَّوْجِ وَهُوَ عَبْدُهُ اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إلَخْ) وَأَرَادَ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ تَزَوُّجَ الْأُخْتَيْنِ مَعًا، وَالنِّكَاحَ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَنِكَاحَ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ وَنِكَاحَ الْمُعْتَدَّةِ وَنِكَاحَ الْخَامِسَةِ فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ وَنِكَاحَ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فَاسِدٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ التَّفْرِيقُ عَلَى الْقَاضِي كَيْ لَا يَلْزَمَ ارْتِكَابُ الْمَحْظُورِ اغْتِرَارًا بِصُورَةِ الْعِدَّةِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: إنَّمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْوَطْءِ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا، ثُمَّ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ التَّفْرِيقُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَهْرَ إنَّمَا يَجِبُ فِيهِ بِاسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ دُونَ الْعَقْدِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ الْوَطْءَ فِي مَحَلٍّ مَعْصُومٍ بِسَبَبٍ لِلضَّمَانِ الْجَابِرِ أَوْ الْحَدِّ الزَّاجِرِ وَتَعَذَّرَ الثَّانِي لِلشُّبْهَةِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا تُمْكِنُ مَعَ الْحُرْمَةِ) أَيْ لَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ نِصْفُ الْمُسَمَّى بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَاكَ فِي التَّطْلِيقِ بَعْدَ النِّكَاحِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَلَمْ يُوجَدْ النِّكَاحُ هَاهُنَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ نَقُولُ نِصْفُ الْمُسَمَّى ثَبَتَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِهَا) أَيْ بِالْخَلْوَةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَوْ كَانَتْ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً اهـ.
لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ إلَّا بِحَضْرَةٍ مِنْ صَاحِبِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الْقَبْضِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْمُسَمَّى) أَيْ إنْ زَادَ مَهْرُ مِثْلِهَا عَلَى الْمُسَمَّى لَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَلَنَا أَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا فِي الزِّيَادَةِ لِرِضَاهَا بِمَا دُونَهَا فَلَا يَجِبُ؛ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَإِنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ أَوْ شُبْهَةِ الْعَقْدِ لِلضَّرُورَةِ وَفِيمَا لَوْ يُوجَدُ فِيهِ الْعَقْدُ أَوْ شُبْهَتُهُ لَا يَتَقَوَّمُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي نَفْسِهِ فَيَتَقَدَّرُ بَدَلُهُ بِقِيمَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مُسَمًّى أَوْ كَانَ مَجْهُولًا يَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ بِالِاتِّفَاقِ.
قَالَ رحمه الله (وَيَثْبُتُ النَّسَبُ) أَيْ نَسَبُ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ إحْيَاءً لِلْوَلَدِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى الثَّابِتِ مِنْ وَجْهٍ وَيُعْتَبَرُ مُدَّةُ النَّسَبِ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَعِنْدَهُمَا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِدَاعٍ إلَى الْوَطْءِ لِحُرْمَتِهِ، وَلِهَذَا لَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بِدُونِ الْوَطْءِ أَوْ اللَّمْسِ أَوْ التَّقْبِيلِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ الْأَصْلِ إذَا تَزَوَّجَتْ الْأَمَةُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ وَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ فَهُوَ ابْنُ الزَّوْجِ فَقَدْ اعْتَبَرَهُ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ لَا مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا، قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِرَاشَ يَنْعَقِدُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الْبَعْضُ إنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِالدُّخُولِ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْفِرَاشَ لَا يَنْعَقِدُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إلَّا بِالدُّخُولِ وَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الدُّخُولَ كَانَ عَقِيبَ النِّكَاحِ بِلَا مُهْلَةٍ فَحِينَئِذٍ تَسْتَوِي الْمُدَّتَانِ.
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْغَايَةِ قَدْ اعْتَبَرُوا الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ فَكَانَ الْأَحْوَطُ فِي النَّسَبِ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ أَيْضًا لَا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لِلنَّسَبِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ وَهْمٌ لَا تَحَقُّقَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا اعْتَبَرُوا مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ لِيَثْبُتَ نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إقَامَةً لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ مَقَامَ الْوَطْءِ حَتَّى لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَلِأَقَلَّ مِنْهَا مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ كَمَا فِي الصَّحِيحِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ اعْتِبَارَهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ وَلَمْ يُفَارِقْهَا بَلْ هِيَ مَعَهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَوْ كَانَ الِاعْتِبَارُ لِوَقْتِ التَّفْرِيقِ لَا غَيْرُ لِمَا ثَبَتَ، وَكَذَا لَوْ فَارَقَهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَلَوْ خَلَا بِهَا، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَيَجِبُ الْمَهْرُ وَالْعِدَّةُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْهُ لَا يَثْبُتُ وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ وَلَا الْعِدَّةُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَإِنْ لَمْ يَخْلُ بِهَا لَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ.
قَالَ رحمه الله (وَالْعِدَّةُ) أَيْ وَتَجِبُ الْعِدَّةُ يَعْنِي إذَا دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ تَحَرُّزًا عَنْ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ كَالطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَرَفْعِهَا بِالتَّفْرِيقِ أَوْ بِمُتَارَكَةِ الزَّوْجِ، وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله مِنْ آخِرِ الْوَطْآتِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ حَتَّى لَوْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ مِنْ آخِرِ الْوَطْآتِ قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَقَدْ انْقَضَتْ وَلَا يَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَلْ هُوَ مُتَارَكَةٌ فِيهِ، وَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُتَارَكَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ بِأَنْ يَقُولَ تَارَكْتُك أَوْ تَارَكْتهَا أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَك أَوْ خَلَّيْتهَا، وَعِلْمُ غَيْرِ الْمُتَارِكِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْمُتَارَكَةِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الصَّحِيحِ، وَإِنْكَارُ النِّكَاحِ إنْ كَانَ بِحَضْرَتِهَا فَهُوَ مُتَارَكَةٌ وَإِلَّا فَلَا رُوِيَ ذَلِكَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى) أَيْ لَا يَجِبُ الْمُسَمَّى قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إذَا كَانَ أَنْقَصَ مِنْ الْمُسَمَّى لَا يَجِبُ الْمُسَمَّى بَلْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ مُتَقَوِّمٌ فِي نَفْسِهِ لَا يُزَادُ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَهَذَا أَوْلَى اهـ.
(قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ تَسْتَوِي الْمُدَّتَانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْمَوْلُودِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إذَا جَاءَتْ بِهِ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَوْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ قَبْلَ النِّكَاحِ اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ شَمْسُ الدِّينِ) وَهُوَ أَحْمَدُ السُّرُوجِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ الْمَهْرُ) أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ) أَيْ وَهِيَ قَوْلُهُ: زَوَّجْت وَتَزَوَّجْت اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ مِنْ آخِرِ الْوَطْآتِ) سَيَأْتِي هَذَا الْخِلَافُ فِي الْعِدَّةِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي إيجَابِ الْعِدَّةِ هُوَ الْوَطْءُ لَا الْعَقْدُ فَيُعْتَبَرُ آخِرُ الْوَطْءِ وَلَنَا أَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا تَجِبُ لِشُبْهَةِ النِّكَاحِ، وَرَفْعُ مِلْكِ الشُّبْهَةِ يَحْصُلُ بِالتَّفْرِيقِ لَا بِالْوَطْءِ وَلِهَذَا لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ مِرَارًا لَا يَجِبُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ وَبَعْدَ التَّفْرِيقِ لَوْ وَطِئَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً يَجِبُ الْحَدُّ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ هُوَ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ فَفِي الصَّحِيحِ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ فَكَذَا فِي الْفَاسِدِ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ بِالْمُتَارَكَةِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ) أَيْ وَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِمَا قُلْنَا اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ بِالتَّفْرِيقِ أَوْ بِالِافْتِرَاقِ بِالْمُتَارَكَةِ اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْضًا حَتَّى لَوْ طَلَّقَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَقَالَ الْمَوْلَى طَلِّقْهَا أَوْ فَارِقْهَا، فَلَيْسَ بِإِجَازَةٍ اهـ. وَالطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالْمَوْقُوفِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ بَلْ هُوَ مُتَارَكَةٌ لِلنِّكَاحِ وَفَسْخٌ لَهُ حَتَّى لَا يَنْقُصَ شَيْءٌ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ، وَذَاكَ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ يَخْتَصُّ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ اهـ. وَقَدْ نُقِلَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَيْضًا فِيمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: أَوْ خَلَّيْتهَا) أَيْ أَوْ تَرَكْتهَا أَمَّا لَوْ تَرَكَهَا وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ سُنُونَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ قَالَ الشَّيْخُ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ هَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا أَمَّا غَيْرُهَا فَبِتَفَرُّقِ الْأَبْدَانِ بِأَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهَا اهـ. كَمَالٌ
عَنْ أَبِي يُوسُفَ.
قَالَ رحمه الله (وَمَهْرُ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ بِقَوْمِ أَبِيهَا إذَا اسْتَوَيَا سِنًّا وَجَمَالًا وَمَالًا وَبَلَدًا وَعَصْرًا وَعَقْلًا وَدِينًا وَبَكَارَةً)؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ وَقِيمَةُ الشَّيْءِ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالنَّظَرِ فِي قِيمَةِ جِنْسِهِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه لَهَا مَهْرُ مِثْلِ نِسَائِهَا وَهُنَّ أَقَارِبُ الْأَبِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَوْلَادَ الْخُلَفَاءِ يَصْلُحُونَ لِلْإِمَامَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أُمَّهَاتُهُمْ جِوَارِي وَيُشْتَرَطُ الِاسْتِوَاءُ فِي الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ لِاخْتِلَافِ الرَّغَبَاتِ فِيهَا، وَكَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ وَكَمَالِ الْخَلْقِ وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا وَلَدٌ وَقَالُوا يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ أَيْضًا، وَقِيلَ لَا يُعْتَبَرُ الْجَمَالُ فِي بَيْتِ الْحَسَبِ وَالشَّرَفِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي أَوْسَاطِ النَّاسِ إذْ الرَّغْبَةُ فِيهِنَّ لِلْجَمَالِ بِخِلَافِ بَيْتِ الشَّرَفِ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَمِنْ الْأَجَانِبِ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ قَبِيلَتِهَا مَنْ هِيَ مِثْلُ حَالِهَا يُعْتَبَرُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا مِنْ الْأَجَانِبِ مِنْ قَبِيلَةٍ هِيَ مِثْلُ قَبِيلَةِ أَبِيهَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ بِالْأَجْنَبِيَّاتِ.
قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ ضَمَانُ الْوَلِيِّ الْمَهْرَ وَتُطَالِبُ زَوْجَهَا أَوْ وَلِيَّهَا)، وَهَذَا اللَّفْظُ يَتَنَاوَلُ وَلِيَّ الصَّغِيرِ بِأَنْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ امْرَأَةً، ثُمَّ ضَمِنَ عَنْهُ مَهْرَهَا صَحَّ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فِيهِ، وَلَيْسَ بِمُبَاشِرٍ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى لَهُ شَيْئًا، ثُمَّ ضَمِنَ عَنْهُ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ ضَمِنَ أَوْ لَمْ يَضْمَنْ، ثُمَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَ الْوَلِيَّ بِالْمَهْرِ فَإِذَا أَدَّى الْوَلِيُّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ يُؤَدِّيهِ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ اسْتِحْسَانًا فَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ فِي مَالِهِ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَ الزَّوْجَ مَا لَمْ يَبْلُغْ فَإِذَا بَلَغَ تُطَالِبُ أَيَّهُمَا شَاءَتْ وَيَتَنَاوَلُ وَلِيَّ الصَّغِيرَةِ أَوْ الْكَبِيرَةِ بِأَنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ أَوْ الْكَبِيرَةَ وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ رَجُلًا وَضَمِنَ عَنْهُ مَهْرَهَا صَحَّ ضَمَانُهُ لِمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ هِيَ بِالْخِيَارِ إنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمَهْرُ مِثْلِهَا يُعْتَبَرُ بِقَوْمِ أَبِيهَا) أَيْ كَأَخَوَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا وَبَنَاتِ عَمِّهَا وَالْمُرَادُ بِأَخَوَاتِهَا لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا أَوْ لِأَبِيهَا، وَكَذَا عَمَّاتُهَا هُنَّ أَخَوَاتُ أَبِيهَا لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ أَوْ لِأَبِيهِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِأُمِّهَا وَخَالَتِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ قَبِيلَةِ أَبِيهَا بِأَنْ تَكُونَا بَنَاتَ عَمِّهِ اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا اسْتَوَيَا سِنًّا وَجَمَالًا إلَخْ) وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ كُلُّهَا فِي قَوْمِ أَبِيهَا يُعْتَبَرُ الْمَوْجُودُ مِنْهَا اهـ. عَيْنِيٌّ وَفِي النُّتَفِ تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً: الْجَمَالُ وَالْحَسَبُ وَالْمَالُ وَالْعَقْلُ وَالدِّينُ وَالْعِلْمُ وَالْأَدَبُ وَالتَّقْوَى وَالْعِفَّةُ وَكَمَالُ الْخَلْقِ وَحَدَاثَةُ السِّنِّ وَالْبَكَارَةُ وَحَالُ الْوَقْتِ وَحَالُ الزَّوْجِ وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا وَلَدٌ اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ: وَالتَّقْوَى ذِكْرُ التَّقْوَى بَعْدَ ذِكْرِهِ الدِّينَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، وَقَدْ فَسَّرَ الْعَيْنِيُّ الدِّينَ بِالتَّقْوَى فَتَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَصْرًا) أَيْ زَمَانًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَقْلًا) فَلَا يُعْتَبَرُ بِالْمَجْنُونَةِ اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَدِينًا) فَلَا يُعْتَبَرُ بِالْفَاسِقَةِ اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَهُنَّ أَقَارِبُ الْأَبِ) لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِ بَلْ تَفْسِيرُ نِسَائِهَا مِنْ الْمُصَنِّفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ إضَافَةِ النِّسَاءِ إلَيْهَا بِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ قَرَابَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ اهـ. كَمَالٌ رحمه الله وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ كُلُّهَا فِي قَوْمِ أَبِيهَا يُعْتَبَرُ الْمَوْجُودُ مِنْهَا اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ الِاسْتِوَاءُ فِي الْأَوْصَافِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَيُعْتَبَرُ اتِّحَادُ الْبَلَدِ وَالْعَصْرِ حَتَّى لَا يُعْتَبَرَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِامْرَأَةٍ أُخْرَى مِنْ عَشِيرَتِهَا فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَالْعَصْرِ، وَهَذَا لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ تَقْوِيمُ الْبُضْعِ وَالِاعْتِبَارُ فِي التَّقْوِيمِ لِلْمَوْضِعِ وَالزَّمَانِ اللَّذَيْنِ يَقَعُ فِيهِمَا التَّقْوِيمُ كَمَا فِي تَقْوِيمِ السِّلْعَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ وَيُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْبَكَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ بِحَسَبِ الْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَفِي الْمُنْتَقَى يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَيُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عَلَى ذَلِكَ شُهُودٌ عُدُولٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ اهـ. مَعَ حَذْفٍ
(قَوْلُهُ: فَإِذَا أَدَّى الْوَلِيُّ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله أَمَّا إذَا زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَضَمِنَ عَنْهُ لِزَوْجَتِهِ الْمَهْرَ يَصِحُّ إذَا قَبِلَتْ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لِهَذَا أَيْضًا فَإِذَا أَدَّى الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الِابْنِ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْأَبِ لَوْ ضَمِنَ بِإِذْنِ الْأَبِ وَأَدَّى يَرْجِعُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ فَكَذَا الْأَبُ؛ لِأَنَّ قِيَامَ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فِي الصِّغَرِ بِمَنْزِلَةِ أَمْرِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْآبَاءَ يَتَحَمَّلُونَ الْمُهُورَ عَنْ أَبْنَائِهِمْ عَادَةً وَلَا يَطْمَعُونَ فِي الرُّجُوعِ وَالثَّابِتُ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ إلَّا إذَا شُرِطَ الرُّجُوعُ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ أَعْنِي دَلَالَةَ الْعُرْفِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ إذَا أَدَّى الْمَهْرَ عَنْ الصَّغِيرِ بِحُكْمِ الضَّمَانِ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ مِنْ الْوَصِيِّ لَا يُوجَدُ عَادَةً هَذَا إذَا أَدَّى الْأَبُ بَعْدَ الضَّمَانِ أَمَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَلِلْمَرْأَةِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ الْمَهْرَ مِنْ الزَّوْجِ وَإِنْ شَاءَتْ اسْتَوْفَتْ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ كَانَتْ صَحِيحَةً فَلَا تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، ثُمَّ إذَا اسْتَوْفَتْ مِنْ التَّرِكَةِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ رَجَعَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ بِذَلِكَ فِي نَصِيبِ الِابْنِ أَوْ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَبَضَ نَصِيبَهُ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَرْجِعُونَ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ أَيْضًا والْوَلْوَالِجِيِّ فِي فَتَاوِيهِ ذَكَرَ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ زُفَرَ، وَكَذَا أَثْبَتَ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى مَنْقُولًا عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْخَصَّافَ ذَكَرَهُ كَذَلِكَ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَمْ تَنْعَقِدْ مُوجِبَةً لِلضَّمَانِ فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً وَلِهَذَا لَوْ أَدَّى الْأَبُ حَالَ حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ لَا يَرْجِعُ فَكَذَا لَا رُجُوعَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَنَا أَنَّ الرُّجُوعَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ إنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ لِمَعْنَى الصِّلَةِ، وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، ثُمَّ التَّبَرُّعُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَدَاءِ لَا بِمُجَرَّدِ الْكَفَالَةِ فَإِذَا حَصَلَ الْأَدَاءُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ يَقَعُ ذَلِكَ تَبَرُّعًا فِي حَقِّ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فَيَرْجِعُونَ فَإِنْ كَانَ الضَّمَانُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا قُلْنَا، وَالْمَجْنُونُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ كَالصَّغِيرِ سَوَاءٌ كَانَ الْجُنُونُ أَصْلِيًّا أَوْ طَارِئًا اهـ.
شَاءَتْ طَالَبَتْ زَوْجَهَا أَوْ وَلِيَّهَا إنْ كَانَتْ أَهْلًا لِذَلِكَ وَيَرْجِعُ الْوَلِيُّ بَعْدَ الْأَدَاءِ عَلَى الزَّوْجِ إنْ ضَمِنَ بِأَمْرِهِ
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَضَمِنَ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِيهِ حَتَّى تَرْجِعَ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ وَالْحُقُوقُ إلَيْهِ وَيَصِحُّ إبْرَاؤُهُ الْمُشْتَرِيَ عَنْ الثَّمَنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَكِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِلْوَلَدِ لِتَعَدِّيهِ بِالْإِبْرَاءِ وَيَمْلِكُ قَبْضَ الثَّمَنِ بَعْدَ بُلُوغِهِ، فَلَوْ صَحَّ الضَّمَانُ لَصَارَ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ وَفِي النِّكَاحِ تَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ لِانْعِكَاسِ الْمَعْنَى وَهُوَ كَوْنُهُ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا وَلَا يُقَالُ إنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ قَبْضَ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا مَلَكَهُ بِحُكْمِ الْأُبُوَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَاقِدٌ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ بُلُوغِهَا إلَّا بِرِضَاهَا، وَقَوْلُهُ: وَتُطَالِبُ زَوْجَهَا أَوْ وَلِيَّهَا هَذَا إذَا كَانَ الضَّامِنُ وَلِيَّهَا بِأَنْ زَوَّجَهَا، ثُمَّ ضَمِنَ مَهْرَهَا وَأَمَّا إذَا كَانَ الضَّامِنُ وَلِيَّ الزَّوْجِ بِأَنْ زَوَّجَهُ امْرَأَةً وَضَمِنَ مَهْرَهَا فَالْمُطَالَبَةُ إلَى وَلِيِّ الزَّوْجِ مَكَانَ وَلِيِّهَا، وَقَدْ مَضَى بَيَانُهُ.
قَالَ رحمه الله (وَلَهَا مَنْعُهُ مِنْ الْوَطْءِ وَالْإِخْرَاجِ لِلْمَهْرِ، وَإِنْ وَطِئَهَا) أَيْ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا أَوْ يَطَأَهَا حَتَّى تَأْخُذَ مَهْرَهَا مِنْهُ وَلَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا وَوَطِئَهَا بِرِضَاهَا لَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِي الْبَدَلِ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الزَّوْجِ فِي الْمُبْدَلِ وَصَارَ كَالْبَيْعِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ السَّفَرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ حَتَّى يُوَفِّيَهَا مَهْرَهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ، وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ قَبْلَ الْإِيفَاءِ، وَالْخَلْوَةُ بِرِضَاهَا فِي هَذَا كَالْوَطْءِ، سَوَّى الْمُصَنِّفِ رحمه الله بَيْنَهُمَا أَعْنِي قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا دَخَلَ بِهَا بِرِضَاهَا أَوْ خَلَا بِهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ لَهُمَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَدْ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِالْوَطْأَةِ أَوْ بِالْخَلْوَةِ وَلِهَذَا يَتَأَكَّدُ جَمِيعُ الْمَهْرِ فَلَمْ يَبْقَ لَهَا حَقُّ الْحَبْسِ كَالْبَائِعِ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً وَلَهُ أَنَّهَا مَنَعَتْ مِنْهُ مَا قَابَلَ الْبَدَلَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَطْأَةٍ تَصَرُّفٌ فِي الْبُضْعِ الْمُحْتَرَمِ فَلَا تَخْلُو عَنْ الْعِوَضِ إبَانَةً لِخَطَرِهِ
وَالتَّأَكُّدُ بِالْوَطْأَةِ الْوَاحِدَةِ لِجَهَالَةِ مَا وَرَاءَهَا فَلَا يَصْلُحُ مُزَاحِمًا لِلْمَعْلُومِ مَا لَمْ يُوجَدْ فَإِذَا وُجِدَ صَارَ مَعْلُومًا فَتَحَقَّقَتْ الْمُزَاحَمَةُ وَصَارَ الْمَهْرُ مُقَابَلًا بِالْكُلِّ كَالْمُدَبَّرِ إذَا جَنَى جِنَايَةً يَدْفَعُ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ، ثُمَّ إذَا جَنَى أُخْرَى يَتْبَعُ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ وَلِيَّ الْأُولَى لِتَحَقُّقِ الْمُزَاحَمَةِ، اعْلَمْ أَنَّ الْمَهْرَ الْمَذْكُورَ هُنَا مَا تُعُورِفَ تَعْجِيلُهُ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا فِيمَا تُعُورِفَ تَأْجِيلُهُ إلَى الْمَيْسَرَةِ أَوْ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ حَالًّا؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ كَالْمَشْرُوطِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَشْخَاصِ هَذَا إذَا لَمْ يَنُصَّا عَلَى التَّعْجِيلِ أَوْ التَّأْجِيلِ وَأَمَّا إذَا، نَصَّا عَلَى تَعْجِيلِ جَمِيعِ الْمَهْرِ أَوْ تَأْجِيلِهِ فَهُوَ عَلَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ الْوَلِيُّ بَعْدَ الْأَدَاءِ عَلَى الزَّوْجِ إنْ ضَمِنَ بِأَمْرِهِ)، وَهَذَا إذَا كَانَ الضَّمَانُ فِي صِحَّةِ الْأَبِ فَإِنْ كَانَ ضَمَانُ الْأَبِ فِي مَرَضِهِ وَمَاتَ مِنْهُ فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ فِيمَا يَكُونُ فِيهِ نَفْعٌ لِوَارِثِهِ لَا يَصِحُّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَذُكِرَ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَبُ إذَا زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ امْرَأَةً فَلَهَا أَنْ تُطَالِبَ الْأَبَ بِالْمَهْرِ فَيُؤَدِّي الْأَبُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ بِاللَّفْظِ صَرِيحًا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُطَالِبُهُ بِالْمَهْرِ مَا لَمْ يَضْمَنْ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى تَرْجِعَ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ وَيُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَمْلِكُ) أَيْ الْأَبُ اهـ. اك (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَوْنُهُ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا) أَيْ فِي بَابِ النِّكَاحِ وَلِهَذَا وَكِيلُ الزَّوْجَةِ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا وَوَكِيلُ الزَّوْجِ لَا يُطَالَبُ بِالْمَهْرِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَالْمُطَالَبَةُ إلَى وَلِيِّ الزَّوْجِ) أَيْ مُتَوَجِّهَةٌ إلَى وَلِيِّ الزَّوْجِ اهـ. (قَوْلُهُ: مَكَانَ زَوْجِهَا) أَيْ فَإِذَا بَلَغَ الزَّوْجُ طَالَبَتْ أَيَّهُمَا شَاءَتْ. اهـ.
. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَخْ) وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ قَبَضَتْ مَهْرَهَا، ثُمَّ رَدَّتْهُ بِالزِّيَافَةِ أَوْ اُسْتُحِقَّ مَا اشْتَرَتْ مِنْ الزَّوْجِ بِالْمَهْرِ لَا تَمْنَعُ نَفْسَهَا بِلَا خِلَافٍ، وَفِي الذَّخِيرَةِ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ كَانَ الْمَهْرُ حَالًّا فَأَحَالَتْ عَلَيْهِ غَرِيمًا لَهَا بِمَهْرِهَا فَلَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْهُ حَتَّى يَأْخُذَهُ غَرِيمُهَا بِمَنْزِلَةِ وَكِيلِهَا وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَ أَحَالَهَا عَلَى غَرِيمٍ لَهُ (قَوْلُهُ: كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الزَّوْجِ فِي الْمُبْدَلِ) يَعْنِي وَلَا يَتَعَيَّنُ حَقُّهَا إلَّا بِالتَّسْلِيمِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الصَّدَاقِ الدَّيْنِ أَمَّا الْعَيْنُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَلَا؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ وَتَعَيَّنَ حَقُّهَا فِيهِ حَتَّى مَلَكَتْ عِتْقَهُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ) أَيْ وَزِيَارَةِ أَهْلِهَا اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ (اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ) أَيْ تَسْتَحِقُّهَا مُدَّةَ الْمَنْعِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِحَقٍّ وَلَا تَسْتَحِقُّ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهَا نَاشِزَةٌ اهـ. أَكْمَلُ (قَوْلُهُ: كَالْبَائِعِ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ) أَيْ بِاخْتِيَارِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الدُّخُولُ بِرِضَاهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ كَانَتْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْحَبْسِ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ وَطْأَةٍ تَصَرُّفٌ فِي الْبُضْعِ الْمُحْتَرَمِ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ إخْلَاؤُهُ عَنْ شَيْءٍ يُقَابِلُهُ فَهِيَ بِالْحَبْسِ تَمْنَعُ مَا يُقَابِلُ الْمَهْرَ وَهُوَ الْوَطْءُ الثَّانِي فَلَهَا ذَلِكَ كَمَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: فِيمَا تُعُورِفَ تَأْجِيلُهُ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ تَأْخِيرُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ حَالًّا) أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ وَلَوْ كَانَ حَالًّا بِالشَّرْطِ لِنَاقِضٍ قَوْلُهُ: بَعْدَهُ وَأَمَّا إذَا نَصَّ عَلَى تَعْجِيلِ جَمِيعِ الْمَهْرِ فَهُوَ عَلَى مَا شُرِطَ إذْ شَرْطُ التَّعْجِيلِ مُرَادِفٌ لِشَرْطِ الْحُلُولِ حُكْمًا وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَادَةُ فِي مَمْلَكَةِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَمَا وَالَاهُمَا مِنْ الْبِلَادِ هُوَ التَّأْخِيرُ إلَى اخْتِيَارِ الْمُطَالَبَةِ كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُ شَيْخِنَا زَيْنُ الدِّينِ قَاسِمٌ الْمِصْرِيُّ رحمه الله -
مَا شَرَطَا حَتَّى كَانَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا إلَى أَنْ تَسْتَوْفِيَ كُلَّهُ فِيمَا إذَا شَرَطَ تَعْجِيلَ كُلِّهِ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ فَكَانَ أَوْلَى
وَشَدَّدَ أَبُو يُوسُفَ آخِرًا فِيمَا رَوَى عَنْهُ الْمُعَلَّى فَقَالَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا إذَا كَانَ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ فِي مُقَابَلَةِ تَسْلِيمِ الْمَهْرِ فَإِذَا طَلَبَ تَأْجِيلَ الْمَهْرِ فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ الْفَتْوَى بِهَذَا الْقَوْلِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِتَأْخِيرِ الدُّخُولِ عِنْدَ تَأْخِيرِ جَمِيعِ الْمَهْرِ، وَإِذَا أَوْفَاهَا مَهْرَهَا أَوْ كَانَ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا يَنْقُلُهَا حَيْثُ شَاءَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6]، وَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ بِهَا بِرِضَاهَا عِنْدَهُمَا لِسُقُوطِ حَقِّ الْحَبْسِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِبَقَائِهِ وَكَانَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَنْعِ مِنْ السَّفَرِ وَبِقَوْلِهِمَا فِي عَدَمِ الْمَنْعِ مِنْ الْوَطْءِ، وَقِيلَ لَا يُخْرِجُهَا إلَى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهَا إلَّا بِرِضَاهَا؛ لِأَنَّ الْغُرْبَةَ تُؤْذِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا فِيهَا عَشِيرَةٌ وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَقَالَ صَاحِبُ مُلْتَقَى الْبِحَارِ: وَأُفْتِي أَنَا بِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْلِهَا إذَا أَوْفَاهَا الْمُعَجَّلَ وَالْمُؤَجَّلَ وَكَانَ مَأْمُونًا وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ إذَا أَوْفَاهَا الْمُعَجَّلَ دُونَ الْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَرْضَى بِالتَّأْجِيلِ إذَا أَخْرَجَهَا إلَى بِلَادِ الْغُرْبَةِ لِعِلْمِهَا أَنَّ الْغُرْبَةَ تُؤْذِي.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ حُكِّمَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَالْمُتْعَةِ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ) وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يُجْعَلُ حَكَمًا بَيْنَهُمَا فَمَنْ شَهِدَ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ كَانَ يَشْهَدُ لَهُ بِأَنْ كَانَ مِثْلَ مَا يَدَّعِيهِ أَوْ أَقَلَّ يَحْلِفُ فَإِنْ حَلَفَ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ تَسْمِيَةً، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى أَنَّهُ مُسَمًّى لِإِقْرَارِهِ أَوْ بَذْلِهِ بِالنُّكُولِ، وَإِنْ كَانَ يَشْهَدُ لَهَا بِأَنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ مَا تَدَّعِيهِ أَوْ أَكْثَرَ تَحْلِفُ فَإِنْ نَكَلَتْ فَلَهَا مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ تَسْمِيَةً لِإِقْرَارِهَا بِهِ، وَإِنْ حَلَفَتْ فَلَهَا جَمِيعُ مَا ادَّعَتْ بِقَدْرِ مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ عَلَى أَنَّهُ مُسَمًّى لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَالزَّائِدُ بِحُكْمِ أَنَّهُ مَهْرُ الْمِثْلِ لَا بِالْيَمِينِ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ فِيهِ الزَّوْجُ بَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهَا لِدَفْعِ الْحَطِّ الَّذِي يَدَّعِيهِ الزَّوْجُ، ثُمَّ الْوُجُوبُ بِحُكْمِ أَنَّهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ يُقْبَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِهَا وَيَجِبُ مَا يَدَّعِيهِ تَسْمِيَةً لِثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ الظَّاهِرُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْحَطَّ أَوْ الزِّيَادَةَ وَيَجِبُ عَلَى أَنَّهُ مُسَمًّى؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ كَاسْمِهَا مُبَيِّنَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ مَهْرُ الْمِثْلِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ وَأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا فَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ أَوْ بَذْلٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا) أَيْ لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ اهـ. هِدَايَةٌ قَالَ الْأَكْمَلُ، وَقَوْلُهُ: لِإِسْقَاطِهَا حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا الْمَنْعُ لَا قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَا بَعْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَمَّا قَبْلَ الْحُلُولِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا بَعْدَهُ؛ فَلِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مَا أَوْجَبَ حَقَّ الْحَبْسِ فَلَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُدَّةُ قَصِيرَةً أَوْ طَوِيلَةً اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ) هُوَ الْوَلْوَالِجِيُّ (قَوْلُهُ: يَنْقُلُهَا حَيْثُ شَاءَ) أَيْ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمِنْ فِي الْآيَةِ لِلتَّبْعِيضِ أَيْ أَسْكِنُوهُنَّ بَعْضَ مَكَانِ سُكْنَاكُمْ كَذَا فِي الْكَشَّافِ {مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] أَيْ بِقَدْرِ سَعَتِكُمْ وَالْوُجْدُ الْمَقْدِرَةُ وَالْغِنَى {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: 6] أَيْ لَا تَسْتَعْمِلُوا مَعَهُنَّ الضِّرَارَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ) قَالَ الْأُسْتَاذُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْأَخْذُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِقَوْلِهِ أَيْ أَبِي اللَّيْثِ اهـ. خُلَاصَةٌ وَرُدَّ بِأَنَّ الْفَقِيهَ هُوَ الَّذِي أَخَذَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] مَخْصُوصٌ بِدَلِيلٍ مُسْتَقِلٍّ مُقَارِنٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: 6] وَفِي قُرَى الْمِصْرِ الْقَرِيبَةِ لَا تَتَحَقَّقُ الْغُرْبَةُ (سُئِلَ) أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ عَمَّنْ يُخْرِجُهَا مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى قَرْيَةٍ وَمِنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ ذَلِكَ تَبْوِئَةٌ وَلَيْسَ بِسَفَرٍ وَإِخْرَاجُهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ سَفَرٌ، وَلَيْسَ بِتَبْوِئَةٍ اهـ. اك قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ السَّفَرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ وَزِيَارَةِ أَهْلِهَا حَتَّى يُوفِيَهَا الْمَهْرَ كُلَّهُ أَيْ الْمُعَجَّلَ قَالَ الْكَمَالُ، وَقَوْلُهُ: أَيْ الْمُعَجَّلَ يَتَنَاوَلُ الْمُعَجَّلَ عُرْفًا وَشَرْطًا فَإِذَا كَانَ قَدْ شَرَطَ تَعْجِيلَ كُلِّهِ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ فَبَعْضُهُ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ تَعْجِيلُ شَيْءٍ بَلْ سَكَتُوا عَنْ تَعْجِيلِهِ وَتَأْجِيلِهِ فَإِنْ كَانَ عُرْفٌ فِي تَعْجِيلِ بَعْضِهِ وَتَأْخِيرِ بَاقِيهِ إلَى الْمَوْتِ أَوْ الْمَيْسَرَةِ أَوْ الطَّلَاقِ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ إلَّا إلَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ الْقَدْرِ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنُوا قَدْرَ الْمُعَجَّلِ يُنْظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ وَإِلَى الْمَهْرِ أَنَّهُ كَمْ يَكُونُ الْمُعَجَّلُ لِمِثْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْمَهْرِ فَيَتَعَجَّلُ ذَلِكَ وَلَا يَتَقَدَّرُ بِالرُّبْعِ وَلَا بِالْخُمْسِ بَلْ يُعْتَبَرُ الْمُتَعَارَفُ فَإِنَّ الثَّابِتَ عُرْفًا كَالثَّابِتِ شَرْطًا بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَا تَعْجِيلَ الْكُلِّ إذْ لَا عِبْرَةَ بِالْعُرْفِ إذَا جَاءَ الصَّرِيحُ بِخِلَافِهِ وَمَثَلُهُ هَذَا فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ فَمَا وَقَعَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ يَعْنِي الْمَهْرَ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ أَوْ مَسْكُوتًا عَنْهُ يَجِبُ حَالًّا وَلَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا لَيْسَ بِوَاقِعٍ بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمَسْكُوتِ الْعُرْفُ هَذَا وَلِلْأَبِ أَنْ يُسَافِرَ بِالْبِكْرِ قَبْلَ إيفَائِهِ (فِي الْفَتَاوَى) رَجُلٌ زَوَّجَ بِنْتَه الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ بِعِيَالِهِ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَهَا مَعَهُ وَإِنْ كَرِهَ الزَّوْجُ فَإِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا اهـ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ حُكِّمَ) أَيْ حُكِّمَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ أَيْ وَالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يُجْعَلُ حَكَمًا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا سَيَأْتِي اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَلَفَ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ تَسْمِيَةً) أَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ دَفْعُ الدَّرَاهِمِ وَلَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَفْعِ الدَّنَانِيرِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْوُجُوبُ) أَيْ وُجُوبُ الزَّائِدِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا) الزَّوْجُ لِنَفْيِ الزِّيَادَةِ وَالْمَرْأَةُ لِنَفْيِ الْحَطِّ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَبْدَأَ فِي الْحَلِفِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَالْمُسْتَحَبُّ الْقُرْعَةُ اهـ. سَرُوجِيٌّ رحمه الله -
وَإِنْ حَلَفَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِقَدْرِ مَا أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ يَجِبُ عَلَى أَنَّهُ مُسَمًّى لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَالزَّائِدُ بِحُكْمِ مَهْرِ الْمِثْلِ حَتَّى يَتَخَيَّرَ فِيهِ الزَّوْجُ بَيْنَ دَفْعِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَلَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَيَّهُمَا كَانَ ثَبَتَ مَا يَدَّعِيهِ عَلَى أَنَّهُ مُسَمًّى؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ
وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ تَهَاتَرَتَا فِي الصَّحِيحِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدَّعْوَى وَالْإِثْبَاتِ، ثُمَّ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كُلُّهُ فَيَتَخَيَّرُ فِيهِ الزَّوْجُ بَيْنَ دَفْعِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِخِلَافِ التَّحَالُفِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَنْفِي تَسْمِيَةَ صَاحِبِهِ فَخَلَا الْعَقْدُ عَنْ التَّسْمِيَةِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا كَذَلِكَ التَّحَالُفُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ قَدْرِ مَا يُقِرُّ بِهِ الزَّوْجُ بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ، وَالزَّائِدُ بِحُكْمِ مَهْرِ الْمِثْلِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ، وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ يَجِبُ قَدْرُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ مُسَمًّى وَالزَّائِدُ عَلَى أَنَّهُ مَهْرُ الْمِثْلِ فَيَتَخَيَّرُ فِي الزَّائِدِ كَمَا فِي التَّحَالُفِ
وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا تُحَكَّمُ مُتْعَةُ مِثْلِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي تَحْكِيمِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْمُتْعَةُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ أَيْ تُحَكَّمُ الْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، ثُمَّ ذَكَرَ هُنَا تَحْكِيمَ الْمُتْعَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَكَذَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي نِصْفِ الْمَهْرِ، وَكَذَا فِي الْأَصْلِ وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَصْلِ فِي الْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ، وَمُتْعَةُ مِثْلِهَا لَا تَبْلُغُ نِصْفَ الْأَلْفِ الَّذِي يُقِرُّ بِهِ الزَّوْجُ عَادَةً فَلَا يُفِيدُ التَّحْكِيمُ بَلْ الظَّاهِرُ يَشْهَدُ لَهُ وَوَضَعَهَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فِي الْعَشَرَةِ وَالْمِائَةِ وَمُتْعَةُ مِثْلِهَا تَزِيدُ عَلَى نِصْفِ الْعَشَرَةِ عَادَةً فَيُفِيدُ التَّحْكِيمَ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سَاكِتٌ عَنْ ذِكْرِ الْمِقْدَارِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ، وَكَذَا الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْكِتَابِ سَاكِتٌ عَنْ ذِكْرِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَهَذَا تَخْرِيجُ الرَّازِيّ
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يَتَحَالَفَانِ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا، ثُمَّ يُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفَاصِيلِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَذَلِكَ بَعْدَ التَّحَالُفِ فَإِنَّ مَا يَدَّعِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْمُسَمَّى يَنْتَفِي بِيَمِينِ صَاحِبِهِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ بِلَا تَسْمِيَةٍ فَحِينَئِذٍ يُصَارُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِخُلُوِّ الْعَقْدِ عَنْ التَّسْمِيَةِ وَقَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ مَا يَنْفِي التَّسْمِيَةَ فَلَا يُعْتَبَرُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ مَا قَالَهُ الرَّازِيّ أَوْلَى؛ لِأَنَّا نَحْتَاجُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لَأَنْ نُوجِبَهُ بَلْ لِنُصَحِّحَ بِهِ مَا سَمَّيَاهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحَالُفِ مَعَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَخْرِيجُ الرَّازِيّ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ وَهُوَ مَا لَا يُتَعَارَفُ مَهْرًا لَهَا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَنْكَرٌ عُرْفًا قَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا شَرْعًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا قَالَ الْوَبَرِيُّ هَذَا أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ وَهِيَ تَدَّعِي أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ، ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ لَمْ يَضْمَنُوا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الشَّهَادَةُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ الْمِائَةَ مُسْتَنْكَرًا فِي حَقِّهَا فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرْنَا لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَدَّعِي زِيَادَةً وَالزَّوْجَ يُنْكِرُهَا، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ إلَّا إذَا أَكْذَبَهُ الظَّاهِرُ؛ وَلِأَنَّ تَقَوُّمَ مَنَافِعِ الْبُضْعِ ضَرُورِيٌّ فَمَتَى أَمْكَنَ إيجَابُ شَيْءٍ لَا يُصَارُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فَصَارَ كَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى مَالٍ وَكَالْإِجَارَةِ وَلَهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ فِي الدَّعَاوَى قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَالظَّاهِرُ يَشْهَدُ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ إذْ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي بَابِ النِّكَاحِ فَصَارَ كَالصَّبَّاغِ مَعَ صَاحِبِ الثَّوْبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْأُجْرَةِ تُحَكَّمُ قِيمَةُ الصَّبْغِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ حَالَةَ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْأَعْيَانِ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ وَلَا قِيمَةَ لِلْمَنَافِعِ وَلَا لِلْبُضْعِ حَالَةَ الْخُرُوجِ، وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْعِتْقُ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ عِنْدَ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ) أَيْ لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى بِأَنْ نَفَاهُ أَحَدُهُمَا وَادَّعَاهُ الْآخَرُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَدَّعِي التَّسْمِيَةَ وَالْآخَرَ يُنْكِرُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِالْمُسَمَّى بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْقَضَاءُ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَقَلُّ مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكَرًا، وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ التَّسْمِيَةَ هِيَ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إيجَابِ الْمُسَمَّى وَهُوَ مَعَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: قَدْرِ مَا يُقِرُّ بِهِ الزَّوْجُ) أَيْ فِي صُورَةِ التَّحَالُفِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ) أَيْ وَفِي الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِهِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْكَرْخِيُّ يَتَحَالَفَانِ فِي الْفُصُولِ) أَيْ الثَّلَاثَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مَهْرُ الْمِثْلِ شَاهِدًا لَهَا أَوْ شَاهِدًا لَهُ أَوْ بَيْنَهُمَا اهـ. اك (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ) أَيْ وَالْمُحِيطِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ مَا يَدَّعِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَخْ) قَالَ السُّرُوجِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ يَبْقَى نِكَاحًا بِلَا تَسْمِيَةٍ بِالتَّحَالُفِ، فَيَكُونُ مُوجِبُهُ مَهْرَ الْمِثْلِ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَخُيِّرَ الزَّوْجُ بَيْنَ دَفْعِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ الْأَصَحُّ) أَيْ تَفْسِيرُ الْمُسْتَنْكِرِ بِهَذَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ) أَيْ وَدَخَلَ بِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَجْعَلْ الْمِائَةَ مُسْتَنْكَرًا فِي حَقِّهَا) أَيْ مَعَ أَنَّ مَهْرَ مِثْلِهَا أَلْفٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَالْإِجَارَةِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُحَكَّمُ فِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: تُحَكَّمُ قِيمَةُ الصَّبْغِ إلَخْ)، وَإِذَا لَمْ يَشْهَدْ الصَّبْغُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا تَحَالَفَا وَيُبْدَأُ بِيَمِينِ صَاحِبِ الثَّوْبِ فَإِذَا حَلَفَ يَغْرَمُ صَاحِبُ الثَّوْبِ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِي ثَوْبِهِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ الْإِجَارَةُ اهـ.
أَبِي يُوسُفَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَحْدَهُ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ
وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ، قِيلَ هَذَا فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَأَحَدُهُمَا أَرْفَعُ مِنْ الْآخَرِ إلَخْ، وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي حَيَاتِهِمَا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ مَاتَا وَلَوْ فِي الْقَدْرِ فَالْقَوْلُ لِوَرَثَتِهِ) أَيْ إنْ مَاتَ الزَّوْجَانِ وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ فِي مِقْدَارِ الْمُسَمَّى فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ وَلَا يُسْتَثْنَى الْمُسْتَنْكِرُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا كَالِاخْتِلَافِ فِي حَيَاتِهِمَا وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَهُ حُكْمٌ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا فِي أَصْلِ التَّسْمِيَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُهُ عِنْدَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْمَرْأَةِ، وَإِنْ مَاتَا، وَقَدْ كَانَ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَهُوَ لِوَرَثَتِهَا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَّى لَهَا شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَقَالَا لِوَرَثَتِهَا يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ إذَا كَانَ النِّكَاحُ ظَاهِرًا إلَّا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إيفَاءِ الْمَهْرِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهَا بِهِ أَوْ إقْرَارِ وَرَثَتِهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْمُسَمَّى وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَوْتَهُمَا يَدُلُّ عَلَى انْقِرَاضِ أَقْرَانِهِمَا ظَاهِرًا فَبِمَهْرِ مَنْ يُقَدِّرُ الْقَاضِي مَهْرَ الْمِثْلِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يُقَدَّرُ بِحَالِهَا وَبِحَالِ نِسَاءِ عَشِيرَتِهَا، وَمَوْتُهُمَا يَدُلُّ عَلَى مَوْتِ نِسَاءِ عَشِيرَتِهَا وَمَوْتُ نِسَاءِ زَمَانِهَا فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ مَهْرِهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ سَمِعَ الدَّعْوَى فِي ذَلِكَ لَسَمِعَ مِنْ وَارِثِ وَارِثِ وَارِثِ مَنْ مَاتَ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ نِكَاحُهُمَا ظَاهِرًا مَشْهُورًا فِي زَمَانِنَا وَبِهَذَا احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ أَرَأَيْت لَوْ ادَّعَتْ وَرَثَةُ أُمِّ كُلْثُومِ بِنْتِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما مَهْرَ الْمِثْلِ عَلَى وَرَثَةِ عُمَرَ رضي الله عنه أَكُنْت أَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ فِي ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بِهِ يُؤَدِّي إلَى اسْتِيفَاءِ مَهْرِ الْمِثْلِ مِرَارًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَالشُّهْرَةِ فَيُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ آخَرُونَ فَيَدَّعُونَ ذَلِكَ فَيُقْضَى لَهُمْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، ثُمَّ وَثُمَّ فَيَتَسَلْسَلُ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ؛ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِهِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فَكَانَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى سُقُوطِهِ بِمَوْتِهِمَا؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ الِاسْتِيفَاءُ وَالْإِبْرَاءُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ هُوَ الْعَادَةُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا يَثْبُتُ، وَقِيلَ إذَا لَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ بِمَوْتِهِمَا يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ: فَبِمَهْرِ مَنْ يُقَدِّرُ الْقَاضِي مَهْرَ الْمِثْلِ يُشِيرُ إلَيْهِ
وَفِي الْمَبْسُوطِ الْمُسْتَحَقُّ بِالنِّكَاحِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى وَهُوَ أَقْوَاهَا وَالنَّفَقَةُ وَهِيَ أَضْعَفُهَا وَمَهْرُ الْمِثْلِ وَهُوَ الْمُتَوَسِّطُ فَالْأَقْوَى لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَالْأَضْعَفُ يَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَالْمُتَوَسِّطُ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِمَا لَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَقَالَ مَشَايِخُنَا: هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُسَلِّمْ نَفْسَهَا فَإِنْ سَلَّمَتْ، ثُمَّ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ بَلْ يُقَالُ لَهَا لَا بُدَّ أَنْ تُقِرِّي بِمَا تَعَجَّلْت وَإِلَّا حَكَمْنَا عَلَيْك بِالْمُتَعَارَفِ فِي الْمُعَجَّلِ، ثُمَّ يُعْمَلُ فِي الْبَاقِي كَمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَلِّمُ نَفْسَهَا إلَّا بَعْدَ قَبْضِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ عَادَةً.
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا فَقَالَتْ: هُوَ هَدِيَّةٌ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ الْمَهْرِ فَالْقَوْلُ لَهُ فِي غَيْرِ الْمُهَيَّأِ لِلْأَكْلِ)؛ لِأَنَّهُ الْمُمَلِّكُ فَكَانَ أَعْرَفَ بِجِهَةِ التَّمْلِيكِ كَمَا إذَا قَالَ: أَوْدَعْتُك هَذَا الشَّيْءَ، فَقَالَتْ: بَلْ وَهَبْته لِي، وَكَذَا الظَّاهِرُ يَشْهَدُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْعَى فِي إسْقَاطِ مَا فِي ذِمَّتِهِ إلَّا فِي الطَّعَامِ الْمُهَيَّأِ لِلْأَكْلِ كَالشِّوَاءِ وَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَالْفَوَاكِهِ الَّتِي لَا تَبْقَى فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِيهِ اسْتِحْسَانًا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِإِهْدَائِهَا فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُهَيَّأً لِلْأَكْلِ كَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ، وَقِيلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ مِنْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ بِخِلَافِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَالْخُفِّ وَالْمُلَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَهَا مِنْ الْخُرُوجِ بَلْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا، ثُمَّ إذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ تَرُدُّ عَلَيْهِ الْمَتَاعَ إنْ كَانَ قَائِمًا وَتَرْجِعُ بِمَهْرِهَا؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِالْمَهْرِ فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ الزَّوْجُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَهْرِ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا تَرْجِعُ، وَلَوْ قَالَتْ: هِيَ مِنْ الْمَهْرِ
وَقَالَ: هُوَ وَدِيعَةٌ فَإِنْ كَانَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: بِأَنْ نَفَاهُ أَحَدُهُمَا وَادَّعَاهُ الْآخَرُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ تَجِبُ الْمُتْعَةُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ. كَمَالٌ
(قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ) أَيْ وَلَا يُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يُقِرُّوا بِشَيْءٍ لَا يُقْضَى لَهُمْ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَإِذَا أَقَرُّوا بِشَيْءٍ قُضِيَ بِهِ اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا عِنْدَهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ فِيمَا أَقَرُّوا بِهِ إلَّا أَنْ يَأْتُوا بِشَيْءٍ قَلِيلٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْقَوْلُ لِوَرَثَةِ الْمَرْأَةِ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَالْقَوْلُ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ فِي الْفَضْلِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَفِي الِاخْتِلَافِ فِي الْأَصْلِ الْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الزَّوْجِ عِنْدَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمُتَحَقِّقٍ وَمَهْرُ الْمِثْلِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ عِنْدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا، وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا فِي حَالِ حَيَاتِهِمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. رَازِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ: كَالِاخْتِلَافِ فِي حَيَاتِهِمَا) أَيْ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقْضَى بِمَا تَدَّعِيهِ وَرَثَةُ الزَّوْجِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَ مُوَرِّثِهِمْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُهُ) أَيْ الْمُسَمَّى وَالْمُنْكِرُ وَرَثَةُ الزَّوْجِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ لِوَرَثَتِهَا) أَيْ مِنْ تَرِكَةِ الزَّوْجِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَا لِوَرَثَتِهَا إلَخْ) وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ. قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: فَلَا يَثْبُتُ) أَيْ الْبَقَاءُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ إقْرَارِ وَرَثَتِهِ كَذَا عَلَّلَ فِي الْبَدَائِعِ اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَقَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ مُشْكِلٌ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَالْمُتَوَسِّطُ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ فَقَالَتْ هُوَ هَدِيَّةٌ) أَيْ الْمَبْعُوثُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ مَعَ يَمِينِهِ اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الطَّعَامِ الْمُهَيَّأِ) أَيْ الْمُعَدِّ لِلْأَكْلِ مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ) أَيْ وَالدَّجَاجِ الْمَطْبُوخِ اهـ. وَالْحَلْوَى وَالْخَبِيصَةِ وَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَسَائِرِ الْأَطْعِمَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ) أَيْ وَالدَّقِيقِ وَالسُّكَّرِ وَالشَّاةِ الْحَيَّةِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا تَرْجِعُ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا تَرْجِعُ بِالْمَهْرِ بَلْ بِمَا بَقِيَ إنْ كَانَ يَبْقَى بَعْدَ قِيمَتِهِ شَيْءٌ اهـ
مِنْ جِنْسِ الْمَهْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَوْ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا وَبَعَثَ إلَيْهِ أَبُوهَا شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: هُوَ مِنْ الْمَهْرِ فَلِأَبِيهَا أَنْ يَرْجِعَ بِمَا بَعَثَ إنْ كَانَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَكَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الْبِنْتِ بِإِذْنِهَا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ؛ لِأَنَّهُ هِبَةٌ مِنْهَا لِزَوْجِهَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبَعَثَ إلَيْهَا بِهَدَايَا وَعَوَّضَتْهُ الْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ عِوَضًا، ثُمَّ زُفَّتْ إلَيْهِ، ثُمَّ فَارَقَهَا، وَقَالَ: إنَّمَا بَعَثْت إلَيْك عَارِيَّةً وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَرِدَّ ذَلِكَ وَأَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَسْتَرِدَّ الْعِوَضَ فَالْقَوْلُ لَهُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ التَّمْلِيكَ فَإِذَا اسْتَرَدَّ ذَلِكَ مِنْهَا كَانَ لَهَا أَنْ تَسْتَرِدَّ مَا عَوَّضَتْهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ جَهَّزَ بِنْتَهُ وَزَوَّجَهَا، ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهَا مَالُهُ وَكَانَ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ عِنْدَهَا فَقَالَتْ: هُوَ مِلْكِي جَهَّزْتنِي بِهِ، أَوْ قَالَ الزَّوْجُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا دُونَ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ بِمِلْكِ الْبِنْتِ إذْ الْعَادَةُ دَفْعُ ذَلِكَ إلَيْهَا بِطَرِيقِ الْمِلْكِ وَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ السُّغْدِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ
وَذَكَرَ مِثْلَهُ السَّرَخْسِيُّ وَأَخَذَ بِهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ: إنْ كَانَ الْعُرْفُ ظَاهِرًا بِمِثْلِهِ فِي الْجِهَازِ كَمَا فِي دِيَارِنَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبِ وَلَوْ أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا مِنْ مَهْرِهَا أَوْ وَهَبَتْهُ إيَّاهُ، ثُمَّ مَاتَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَبْرَأَتْهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَدَّعِي سُقُوطَ مَا كَانَ ثَابِتًا وَهُمْ يُنْكِرُونَ، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَقٌّ وَإِنَّمَا كَانَ لَهَا وَهُمْ يَدَّعُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ نَكَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً بِمَيْتَةٍ أَوْ بِغَيْرِ مَهْرٍ، وَذَا جَائِزٌ عِنْدَهُمْ فَوُطِئَتْ أَوْ طَلُقَتْ قَبْلَهُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَكَذَا الْحُرُّ بَيَانُ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَهُوَ قَوْلُهُمَا فِي الْحَرْبِيِّينَ، وَأَمَّا فِي الذِّمِّيَّةِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَالْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله، وَقَالَ زُفَرُ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْحَرْبِيِّينَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ وَالنِّكَاحُ لَمْ يُشْرَعْ بِغَيْرِ الْمَالِ وَلَهُمَا أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ غَيْرُ مُلْتَزِمِينَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ مُنْقَطِعَةٌ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّ أَحْكَامَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ جَارِيَةٌ عَلَيْهِمْ مِنْ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ فِي النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ وَالتَّوَارُثِ بِالنَّسَبِ وَبِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَثُبُوتِ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَحُرْمَةِ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ وَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَالزِّنَا وَالرِّبَا وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ، وَقَدْ تَحَقَّقَتْ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ مَعَ تَحَقُّقِ الِالْتِزَامِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَا يَلْتَزِمُونَ أَحْكَامَنَا فِي الدِّيَانَاتِ وَفِيمَا يَعْتَقِدُونَ خِلَافَهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، وَلِهَذَا لَا نَمْنَعُهُمْ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَبَيْعِهِمَا
وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامُ بِالسَّيْفِ وَالْمُحَاجَّةِ وَكُلُّ ذَلِكَ مُنْقَطِعٌ عَنْهُمْ بِاعْتِبَارِ عَقْدِ الذِّمَّةِ فَإِنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَصَارُوا كَأَهْلِ الْحَرْبِ فَلَا فَائِدَةَ لِلْمُحَاجَّةِ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالتَّرْكِ وَرَفْعِ السَّيْفِ عَنْهُمْ بِخِلَافِ بَائِعٍ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ وَنَحْوِهِ حَيْثُ نُبْطِلُهُ بِالْحُجَّةَ؛ وَلِأَنَّ الْمَهْرَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْكَافِرُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهِ بِخِلَافِ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرَ عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَرِيبٍ، وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ أَوْ بِغَيْرِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَكَانَ قَائِمًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا يَرْجِعُ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ إلَخْ) وَلَوْ خَطَبَ بِنْتَ رَجُلٍ وَبَعَثَ إلَيْهَا شَيْئًا وَلَمْ يُزَوِّجْ الْأَبُ الْبِنْتَ قَالُوا مَا بُعِثَ لِلْمَهْرِ وَهُوَ قَائِمٌ أَوْ هَالِكٌ يُسْتَرَدُّ، وَكَذَا مَا بُعِثَ هَدِيَّةً وَهُوَ قَائِمٌ فَأَمَّا الْهَالِكُ وَالْمُسْتَهْلَكُ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي ذَلِكَ اهـ. أُسْرُوشَنِيٌّ (قَوْلُهُ: وَبَعَثَ إلَيْهَا بِهَدَايَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله هَذَا وَاَلَّذِي يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي دِيَارِنَا أَنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَاللَّوْزِ وَالدَّقِيقِ وَالسُّكَّرِ وَالشَّاةِ الْحَيَّةِ وَبَاقِيهَا يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إرْسَالُهُ هَدِيَّةً فَالظَّاهِرُ مَعَ الْمَرْأَةِ لَا مَعَهُ وَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ إلَّا فِي نَحْوِ الثِّيَابِ وَالْجَارِيَةِ وَفِيمَا إذَا بَعَثَ الْأَبُ بَعْدَ الزَّوْجِ تَعْوِيضًا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ثَبَتَ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ، وَكَذَا الْبِنْتُ فِيمَا أَذِنَتْ فِي بَعْثِهِ تَعْوِيضًا هَذَا إذَا كَانَ بَعْثُهُمَا عَقِيبَ بَعْثِ الزَّوْجِ فَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هَدِيَّةٌ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ فِيهِ لِلزَّوْجِ إلَّا إنْ كَانَ قَائِمًا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: إذْ الْعَادَةُ دَفْعُ ذَلِكَ إلَيْهَا بِطَرِيقِ الْمِلْكِ)، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي كَانَ يُفْتِي بِهِ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - لِلْعَادَةِ الْفَاشِيَةِ فِي دِيَارِنَا بِالْمِلْكِ وَتَجِدُ الزَّوْجَةُ تَتَصَرَّفُ فِي الْجِهَازِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ مِنْ اسْتِمْتَاعٍ وَبَيْعٍ وَهِبَةٍ عَلَى طُولِ السِّنِينَ وَلَا يُوجَدُ نَهْيٌ مِنْ أَبَوَيْهَا عَنْ ذَلِكَ بَلْ وَلَا يُسْمَعُ مِنْهُمَا شَيْءٌ مِنْ ذِكْرِ الْعَارِيَّةِ، وَقَدْ اتَّفَقَتْ فَتْوَايَ وَفَتَاوَى قَاضِي الْقُضَاةِ نُورِ الدِّينِ الطَّرَابُلُسِيِّ مَتَّعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ مِثْلَهُ السَّرَخْسِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِ السِّيَرِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ فَقَالَتْ الْعَارِيَّةُ تَبَرُّعٌ وَالْهِبَةُ تَبَرُّعٌ وَالْأُولَى أَدْنَاهُمَا (قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ) أَيْ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَوْ نَكَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً إلَخْ) لَمَّا ذَكَرَ مُهُورَ الْمُسْلِمِينَ شَرَعَ فِي ذِكْرِ مُهُورِ الْكُفَّارِ اهـ. كَمَالٌ وَلَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ بَيْنَهُمْ أَيْضًا ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَلَا مَهْرَ لَهَا)، وَكَذَا إذَا أَسْلَمَا بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ) أَيْ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ) سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً فُرِّقَ مَا يُؤَيِّدُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَلْتَزِمُونَ أَحْكَامَنَا فِي الدِّيَانَاتِ) أَيْ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ اهـ. وَحُرْمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَفِيمَا يَعْتَقِدُونَ خِلَافَهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ) أَيْ كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمَهْرَ) أَيْ وَلِأَنَّ تَسْمِيَةَ الْمَهْرِ عِنْدَ الْعَقْدِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى اهـ. (قَوْلُهُ: حَقُّ اللَّهِ) أَيْ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَهْرَ لَا يَسْقُطُ بِتَرَاضِيهِمَا عَلَى إسْقَاطِهِ اهـ. غَايَةٌ
مَهْرٍ يَحْتَمِلُ نَفْيَ الْمَهْرِ وَيَحْتَمِلُ السُّكُوتَ عَنْهُ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا يُرْجَعُ إلَى اعْتِقَادِهِمْ
وَقِيلَ فِي الْمَيْتَةِ وَالسُّكُوتِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ فِي رِوَايَةٍ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ فَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِدُونِ اعْتِقَادِهِمْ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا قِيمَةَ لَهُ فَقَدْ رَضِيَتْ بِغَيْرِ بَدَلِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَالْكَافِرُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهِ وَلَا يَجِبُ حَقًّا لَهَا لِرِضَاهَا بِدُونِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي خِطَابِ الْكُفَّارِ بِالشَّرَائِعِ وَفِي جَوَازِ خِطَابِهِمْ بِهَا عَقْلًا، وَذَكَرَ صَاحِبُ كِفَايَةِ الْفُحُولِ اخْتِلَافَهُمْ فِي جَوَازِهِ عَقْلًا وَأَمَّا وُقُوعُهُ فَفِي مُخْتَصَرِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ الْكَافِرَ أَهْلٌ لِأَحْكَامٍ لَا يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِوُجُوبِ الشَّرَائِعِ وَفِي أُصُولِ أَبِي الْحَسَنِ الْبُسْتِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ: إنَّ الْخِطَابَ بِالْحُرُمَاتِ وَمَا يُوجِبُ الْعُقُوبَاتِ يَتَنَاوَلُ الْكُفَّارَ وَخِطَابُ الْعِبَادَاتِ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ وَلَا خِلَافَ فِي تَنَاوُلِهِمْ الْأَمْرَ بِالْإِيمَانِ وَفِي أُصُولِ السَّرَخْسِيِّ الْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِالْإِيمَانِ وَالْمَشْرُوعِ مِنْ الْعُقُوبَاتِ فِيمَا اعْتَقَدُوا حُرْمَتَهُ، وَلِهَذَا تُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ بِطَرِيقِ الْجَزَاءِ وَالزَّجْرِ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى أَسْبَابِهَا وَلَا يُحَدُّونَ حَدَّ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالسُّكْرِ لِعَدَمِ اعْتِقَادِهِمْ حُرْمَتَهُ، وَكَذَا يَتَنَاوَلُهُمْ الْخِطَابُ بِالْمُعَامَلَاتِ كَالْبَيْعِ لِوُجُودِ الْتِزَامِهِمْ قَالَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْخِطَابَ بِالشَّرَائِعِ يَتَنَاوَلُهُمْ فِي حُكْمِ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْأَمْرِ اعْتِقَادُ لُزُومِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُمْ يُنْكِرُونَ اللُّزُومَ وَذَلِكَ كُفْرٌ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ إنْكَارِ التَّوْحِيدِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ بِالتَّوْحِيدِ لَا يَكُونُ مَعَ إنْكَارِ شَيْءٍ مِنْ الشَّرَائِعِ
وَفِي الْمِيزَانِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ: لَا يَتَنَاوَلُهُمْ الْخِطَابُ أَصْلًا لَا فِي حَقِّ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَا فِي حَقِّ الْعِبَادَاتِ إلَّا مَا قَامَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَيْهِ نَصًّا، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّحْقِيقِ مِنْهُمْ إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْحُرُمَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ دُونَ الْعِبَادَاتِ وَفِي الْمَحْصُولِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنَّا، وَمِنْ الْمُعْتَزِلَةِ الْأَمْرُ بِفُرُوعِ الشَّرَائِعِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِيمَانِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَمَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْجَصَّاصُ إلَى تَنَاوُلِهِمْ الْخِطَابَ بِالْفُرُوعِ وَلَا يُمْكِنُهُمْ الِاحْتِجَاجُ بِمِثْلِ قَوْله تَعَالَى {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [فصلت: 6]{الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [فصلت: 7]؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْجُحُودُ أَيْ يَجْحَدُونَ الزَّكَاةَ، وَقَدْ عُرِفَ الْحَجِيجُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي مَوْضِعِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ تَزَوَّجَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ عَيْنٍ فَأَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا لَهَا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ وَفِي غَيْرِ الْعَيْنِ لَهَا قِيمَةُ الْخَمْرِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْخِنْزِيرِ) مَعْنَاهُ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ قَوْلُهُ الْآخَرُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهَا قِيمَتُهَا فِي الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، لَهُمَا أَنَّ الْقَبْضَ مُؤَكِّدٌ لِلْمِلْكِ فِي الْمُعَيَّنِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَثْبُتُ مِلْكُ الزَّوْجِ فِي النِّصْفِ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ التَّرَاضِي عَلَى الِاسْتِرْدَادِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ يَثْبُتُ لَهُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ عَلَى الزَّوْجِ وَبَعْدَهُ عَلَيْهَا فَكَانَ لِلْقَبْضِ شُبْهَةٌ بِالْعَقْدِ فَيَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ إلْحَاقًا لِلشُّبْهَةِ بِالْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مُوجِبٌ لِلْمِلْكِ إذْ لَا يُمْلَكُ قَبْلَهُ فَكَانَ الْقَبْضُ ابْتِدَاءً تَمَلُّكًا لِلْعَيْنِ فَيَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ كَالْعَقْدِ فَإِذَا امْتَنَعَ تَسْلِيمُ الْمُعَيَّنِ فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ أَنْشَأَ الْعَقْدَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَمُحَمَّدٌ رحمه الله يَقُولُ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ لِكَوْنِ الْمُسَمَّى مَالًا عِنْدَهُمْ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ التَّسْلِيمُ بِالْإِسْلَامِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ كَمَا إذَا هَلَكَ الْمُسَمَّى قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْمِلْكَ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ يَتِمُّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا تَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَبِالْقَبْضِ يَنْتَقِلُ مِنْ ضَمَانِ الزَّوْجِ إلَى ضَمَانِهَا وَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ كَاسْتِرْدَادِ الْخَمْرِ الْمَغْصُوبِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ مِلْكَ التَّصَرُّفِ فِيهِ قَدْ ثَبَتَ بِالْقَبْضِ فَصَارَ كَالْعَقْدِ وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ الْقَبْضُ يُوجِبُ مِلْكَ الْعَيْنِ فَيَمْتَنِعُ بِالْإِسْلَامِ فَيَتَعَذَّرُ قَبْضُهُ فَإِذَا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ لَا تَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ، فَيَكُونُ أَخْذُ قِيمَتِهِ كَأَخْذِ عَيْنِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَتَى بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ تُجْبَرُ عَلَى الْأَخْذِ وَلَا كَذَلِكَ الْخَمْرُ
وَقَالَ فِي الْغَايَةِ يُرَدُّ عَلَى هَذَا مَا لَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ دَارًا مِنْ ذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، وَشَفِيعُهَا مُسْلِمٌ يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَلَمْ تُجْعَلْ قِيمَةُ الْخِنْزِيرِ كَعَيْنِهِ وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ بِشَيْءٍ وَالْجَوَابُ أَنَّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَقِيلَ فِي الْمَيْتَةِ وَالسُّكُوتِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ صَاحِبُ كِفَايَةِ الْفُحُولِ) أَيْ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إلَّا مَا قَامَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَيْهِ نَصًّا) أَيْ كَعُقُودِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ حُرْمَةِ الرِّبَا وَوُجُوبِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَزَوَّجَ) كَذَا فِي الْمُتُونِ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ قَوْلِهِ وَلَوْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِ الْعَيْنِ) أَيْ وَهُوَ الدَّيْنُ وَهُوَ الْمَوْصُوفُ فِي الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ: كَانَ عَلَى الزَّوْجِ) أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا تَمْلِكُ) أَيْ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ التَّصَرُّفَ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ إيضَاحٌ لِتَمَامِ الْمِلْكِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ إنَّ الْمِلْكَ فِي الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ إلَخْ يَعْنِي بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ أَوْ اشْتَرَى، ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَبْضُ بَلْ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ يُسْتَفَادُ مِلْكُ التَّصَرُّفِ فِيهِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ وَالْإِسْلَامُ مَانِعٌ مِنْهُ اهـ. اك (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَوْ أَتَى بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ) أَيْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ اهـ. هِدَايَةٌ