الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعَامَّةُ هُمْ خَصَّصُوهَا بِرَأْيِهِمْ حَتَّى اشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا رِفْقَةٌ وَنِسَاءٌ ثِقَاتٌ وَنَحْنُ خَصَّصْنَاهَا بِمَا رَوَيْنَا وَجَازَ ذَلِكَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ أَوْ لِكَوْنِهِ مَخْصُوصًا بِالْإِجْمَاعِ عِنْدَ عَدَمِ الرِّفْقَةِ وَالنِّسَاءُ الثِّقَاتُ وَالْمُهَاجِرَةُ وَالْمَأْسُورَةُ لَا تَنْشِآنِ سَفَرًا، وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُمَا النَّجَاةُ لَا غَيْرُ خَوْفًا مِنْ تَبَدُّلِ الدِّينِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ وَجَدَتَا عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ تُسَافِرَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ لِحُصُولِ الْأَمْنِ بِذَلِكَ وَلِهَذَا لَا تَقْصِدَانِ مَكَانًا مُعَيَّنًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ وَلِأَنَّ لَهُمَا ضَرُورَةً إلَيْهِ، وَهِيَ تُبِيحُ الْمَحْظُورَ وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا أَنَّهُمَا لَوْ كَانَتَا مُعْتَدَّتَيْنِ لَا نَمْنَعُهُمَا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ أَقْوَى فِي مَنْعِ الْخُرُوجِ مِنْ عَدَمِ الْمَحْرَمِ حَتَّى مَنَعَتْ مَا دُونَ السَّفَرِ بِخِلَافِ عَدَمِ الْمَحْرَمِ؛ وَلِهَذَا لَا تَخْرُجُ الْمُعْتَدَّةُ لِلْحَجِّ بِالْإِجْمَاعِ وَحَدِيثُ عَدِيٍّ يَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْجَوَازِ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سَاقَ الْكَلَامُ لِبَيَانِ أَمْنِ الطَّرِيقِ مِنْ الْعَدْلِ لَا لِبَيَانِ أَنَّهَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ نَظِيرُهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام فَبِهِ «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَسِيرُ الظَّعِينَةُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْحِيرَةِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ بِخِطَامِ رَاحِلَتِهَا» الْحَدِيثَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَسِيرَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْحِيرَةِ وَلَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُنَا خُرُوجُهَا إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ لِأَيِّ حَاجَةٍ شَاءَتْ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَرَاهَةُ خُرُوجِهَا وَحْدَهَا مَسِيرَةَ يَوْمٍ، وَإِذَا وَجَدَتْ مَحْرَمًا فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهُ إذَا خَرَجَتْ عِنْدَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهَا أَوْ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَقَبْلَهُ يَمْنَعُهَا وَيَمْنَعُهَا مِنْ الْإِحْرَامِ إلَى أَدْنَى الْمَوَاقِيتِ وَبِمَكَّةَ إلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ.
وَإِنْ أَحْرَمَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا وَتَصِيرَ كَالْمُحْصَرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله لَهُ مَنْعُهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ فِي الْخُرُوجِ تَفْوِيتَ حَقِّهِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَجَّتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ فِي حَجٍّ مَنْذُورٍ أَوْ تَطَوُّعٍ وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ وَالْحَجُّ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهَا وَبِخِلَافِ الْحَجِّ الْمَنْذُورِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهَا بِالْتِزَامِهَا فَلَا يَظْهَرُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ فَصَارَ نَفْلًا فِي حَقِّهِ، وَإِذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا، وَإِنْ خَرَجَتْ بِلَا مَحْرَمٍ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمَحْرَمِ فِيهِ، وَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ مَعَ كُلِّ مَحْرَمٍ عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا وَكَافِرًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَجُوسِيًّا أَوْ فَاسِقًا لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْفِتْنَةِ أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الصِّيَانَةُ وَالصَّبِيَّةُ الَّتِي بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ مِثْلَ الْبَالِغَةِ حَتَّى لَا يُسَارُ بِهَا إلَّا مَعَ الْمَحْرَمِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الزَّوْجَ أَوْ الْمَحْرَمَ شَرْطًا لِوُجُوبٍ أَمْ شَرْطًا لِأَدَاءٍ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَفِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْمَحْرَمِ وَرَاحِلَتِهِ إذَا أَبَى أَنْ يَحُجَّ مَعَهَا إلَّا بِالزَّادِ مِنْهَا وَالرَّاحِلَةِ وَفِي وُجُوبِ التَّزَوُّجِ عَلَيْهَا لِيَحُجَّ بِهَا إنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا فَمَنْ قَالَ هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ قَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ وَلِهَذَا لَوْ مَلَكَ الْمَالَ كَانَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْقَبُولِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ
وَكَذَا لَوْ أُبِيحَ لَهُ وَمَنْ قَالَ إنَّهُ شَرْطُ الْأَدَاءِ أَوْجَبَ عَلَيْهَا جَمِيعَ ذَلِكَ.
قَالَ رحمه الله (فَلَوْ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ أَوْ عَبْدٌ فَبَلَغَ أَوْ عَتَقَ فَمَضَى لَمْ يَجُزْ عَنْ فَرْضِهِ)؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ لِأَدَاءِ النَّفْلِ فَلَا يَنْقَلِبُ لِلْفَرْضِ كَالضَّرُورَةِ إذَا أَحْرَمَ لِلنَّفْلِ لَا يُؤَدِّي بِهِ الْفَرْضَ وَكَإِحْرَامِ الصَّلَاةِ إذَا عَقَدَ لِلنَّفْلِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ الْفَرْضَ فَإِنْ قِيلَ الْإِحْرَامُ شَرْطٌ عِنْدَكُمْ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ أَدَاءُ الْفَرْضِ بِهِ كَالصَّبِيِّ إذَا تَوَضَّأَ ثُمَّ بَلَغَ جَازَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ قُلْنَا الْإِحْرَامُ يُشْبِهُ الرُّكْنَ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ اتِّصَالُ الْأَدَاءِ بِهِ فَأَخَذْنَا بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله إذَا مَضَى يَكُونُ عَنْ الْفَرْضِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بِالسِّنِّ يَكُونُ عَنْ الْفَرْضِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا يَكُونُ عَنْهُ وَلَوْ جَدَّدَ الصَّبِيُّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَنَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ فَعَلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الصَّبِيِّ غَيْرُ لَازِمٍ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَيُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ وَإِحْرَامُ الْعَبْدِ لَازِمٌ فَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّبِيَّ لَوْ أُحْصِرَ وَتَحَلَّلَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ بِارْتِكَابِ مَحْظُورَاتِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ الصَّبِيُّ لَوْ أَحْرَمَ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ يَعْقِلُ أَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ صَارَ مُحْرِمًا وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُجَرِّدَهُ وَيُلْبِسَهُ إزَارًا وَرِدَاءً.
قَالَ رحمه الله (وَ
مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ
ذُو الْحُلَيْفَةِ وَذَاتُ عِرْقٍ وَالْجُحْفَةُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لِبَيَانِ أَمْنِ الطَّرِيقِ مِنْ الْعَدْلِ) أَيْ بِسَبَبِ الْعَدْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ نَظِيرُهُ: قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم فِيهِ) أَيْ فِي مِثْلِهِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا) أَيْ أَوْ عَبْدًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الزَّوْجَ أَوْ الْمُحْرِمَ إلَخْ) صَحَّحَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ الْأَوَّلَ وَصَحَّحَ السِّغْنَاقِيُّ الثَّانِيَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي وُجُوبِ التَّزْوِيجِ عَلَيْهَا) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ لِيَحُجَّ بِهَا كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ اكْتِسَابُ الْمَالِ لِأَجْلِ الْحَجِّ اهـ.
(قَوْلُهُ فَبَلَغَ أَوْ عَتَقَ فَمَضَى) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إحْرَامِهِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ وَإِحْرَامُ الْعَبْدِ لَازِمٌ) أَيْ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا حَتَّى لَوْ أَصَابَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ الصِّيَامُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ جَانِيًا عَلَى إحْرَامِهِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ بِالْإِرَاقَةِ أَوْ بِالْإِطْعَامِ، وَإِنْ كَانَ تَكْفِيرُهُ بِالصَّوْمِ. اهـ. كَاكِيٌّ.
فَائِدَةٌ قَالَ فِي الْكَافِي وَاعْلَمْ أَنَّ فُرُوضَ الْحَجِّ الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ وَوَاجِبُهُ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ وَرَمْيُ الْجِمَارِ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ وَطَوَافُ الصَّدْرِ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ وَغَيْرُهَا سُنَنٌ وَآدَابٌ اهـ.
[مَوَاقِيت الْإِحْرَام]
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَمَنْ لَا وَعَنْ شَرَائِطِهِ أَخَذَ فِي بَيَانِ مَوَاقِيتِ الْإِحْرَامِ اهـ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْوَقْتُ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُبْهَمَةِ وَالْمَوَاقِيتُ جَمْعُ الْمِيقَاتِ، وَهُوَ الْوَقْتُ الْمَحْدُودُ فَاسْتُعِيرَ لِلْمَكَانِ وَمِنْهُ مَوَاقِيتُ الْحَجِّ لِمَوَاضِع الْإِحْرَامِ وَقَدْ فَعَلَ بِالْوَقْتِ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله مَنْ تَعَدَّى وَقْتُهُ إلَى وَقْتٍ أَقْرَبَ مِنْهُ أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ أَيْ مِيقَاتُهُ بُسْتَانُ بَنِي عَامِرٍ ثُمَّ
وَقَرْنٌ وَيَلَمْلَمَ لِأَهْلِهَا وَلِمَنْ مَرَّ بِهَا) أَيْ الْمَوَاقِيتُ الَّتِي لَا يَتَجَاوَزُهَا الْإِنْسَانُ إلَّا مُحْرِمًا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةُ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ وَقْتٌ لِأَهْلِهَا وَلِمَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ فَقَالَ هُنَّ لَهُمْ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ وَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد فِي أَكْثَرِ طُرُقِهِ هُنَّ لَهُنَّ وَالْأَوَّلُ الْأَصَحُّ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالثَّانِي بِطَرِيقِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ تَقْدِيرُهُ هُنَّ لِأَهْلِهِنَّ فَحَذَفَ الْأَهْلَ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَمَنْ سَلَكَ مِيقَاتًا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ أَحْرَمَ مِنْهُ لِمَا رَوَيْنَا، وَإِنْ سَلَكَ مِيقَاتَيْنِ فِي الْبَحْرِ أَوْ الْبَرِّ اجْتَهَدَ أَوْ أَحْرَمَ إذَا حَاذَى مِيقَاتًا مِنْهُمَا وَأَبْعَدُهُمَا أَوْلَى بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ وَمَنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَحْرَمَ مِنْ الْجُحْفَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا مَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا وَكَذَا كُلَّمَا كَانَ الثَّانِي أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَكَانَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها إذَا أَرَادَتْ الْحَجَّ أَحْرَمَتْ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَإِذَا أَرَادَتْ الْعُمْرَةَ أَحْرَمَتْ مِنْ الْجُحْفَةِ فَكَأَنَّهَا طَلَبَتْ زِيَادَةَ الْأَجْرِ فِي الْحَجِّ لِزِيَادَةِ فَضْلِهِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْجُحْفَةُ مِيقَاتًا لَهَا لَمَا جَازَ لَهَا تَأْخِيرُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ فِي الْمِيقَاتِ ثُمَّ الْآفَاقِيُّ إذْ انْتَهَى إلَى الْمِيقَاتِ عَلَى قَصْدِ دُخُولِ مَكَّةَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ قَصَدَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ عِنْدَنَا
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ، وَإِذَا أَرَادَ غَيْرَهُمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ شُرِعَ لِأَدَاءِ النُّسُكِ فَإِذَا نَوَاهُ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ لِتَحِيَّةِ الْبُقْعَةِ فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَالَ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ إلَّا بِالْإِحْرَامِ» الْحَدِيثَ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ لِتَعْظِيمِ هَذِهِ الْبُقْعَةِ الشَّرِيفَةِ فَيَسْتَوِي فِيهِ التَّاجِرُ وَالْمُعْتَمِرُ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْبَيْتَ مُعَظَّمًا وَجَعَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِنَاءً لَهُ وَجَعَلَ مَكَّةَ فِنَاءً لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَجَعَلَ الْمِيقَاتَ فِنَاءً لِلْمُحْرِمِ وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِكَيْفِيَّةِ تَعْظِيمِهِ، وَهُوَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَمَا رَوَاهُ كَانَ مُخْتَصًّا بِتِلْكَ السَّاعَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ «مَكَّةُ حَرَامٌ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ حَرَامًا» يَعْنِي الدُّخُولَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حِلِّ الدُّخُولِ بَعْدَهُ عليه الصلاة والسلام لِلْقِتَالِ وَقَوْلُهُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَالْإِحْرَامُ وَاجِبٌ عِنْدَنَا؛ وَلِهَذَا وَجَبَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ عِنْدَ إرَادَةِ النُّسُكِ إجْمَاعًا وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِحَاجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُكْثِرُ دُخُولَهُ مَكَّةَ وَفِي إيجَابِ الْإِحْرَامِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَرَجٌ بَيِّنٌ فَأَلْحَقُوا بِأَهْلِ مَكَّةَ حَيْثُ يُبَاحُ لَهُمْ الدُّخُولُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ بَعْدَمَا خَرَجُوا مِنْهَا لِحَاجَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلِهَذَا أُلْحِقُوا بِهِمْ فِي عَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدُوا أَدَاءَ النُّسُكِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ مِنْ مِيقَاتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوهُ.
قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا لَا عَكْسُهُ) أَيْ جَازَ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ، وَهُوَ تَأْخِيرُهُ عَنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا كَانَ التَّقْدِيمُ أَفْضَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَفَسَّرَتْ الصَّحَابَةُ الْإِتْمَامَ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَمِنْ الْأَمَاكِنِ الْقَاصِيَةِ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَهَلَّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
اُسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ حَدٍّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ هَلْ فِي ذَلِكَ وَقْتٌ أَيْ حَدٌّ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَقَدْ اشْتَقُّوا فِيهِ فَقَالُوا وَقَتَ اللَّهُ الصَّلَاةَ وَوَقَّتَهَا بِالتَّشْدِيدِ أَيْ بَيَّنَ وَقْتَهَا وَحَدَّدَهُ (قَوْلُهُ وَقَرَنَ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْقَرَنُ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَوْضِعٌ، وَهُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ نَجْدٍ وَمِنْهُ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ وَالْقَرْنُ بِالسُّكُونِ الْجَبَلُ الصَّغِيرُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ عَلَيْهِ فِي مَكَانَيْنِ فِيهِ فِي تَحْرِيكِ الرَّاءِ وَنِسْبَةُ أُوَيْسٍ إلَى الْمَكَانِ، وَإِنَّمَا نُسِبَ إلَى قَرَنٍ، وَهُوَ بَطْنٌ مِنْ مُرَادِ قَبِيلَةٍ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ ذُو الْحُلَيْفَةِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَلِأَهْلِ النَّجْدِ) بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي خَطِّهِ (قَوْلُهُ فَقَالَ هُنَّ لَهُمْ) هُنَّ ضَمِيرُ جَمَاعَةِ الْمُؤَنَّثِ الْعَاقِلِ فِي الْأَصْلِ وَقَدْ يُعَادُ عَلَى مَا لَا يَعْقِلُ وَأَكْثَرُ ذَلِكَ فِي الْعَشَرَةِ فَدُونٍ فَإِذَا جَاوَزَهَا قَالُوهُ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36] ثُمَّ قَالَ {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] اهـ شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلْقُرْطُبِيِّ (قَوْلُهُ فَمُهَلُّهُ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ مَوْضِعُ إهْلَالِهِمْ. اهـ. تَنْقِيحٌ الزَّرْكَشِيّ وَضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْهَاءِ (قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ إلَخْ) الْمُتَبَادِرُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمَوَاقِيتِ لَكِنَّ الْوَاقِعَ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ بَعْدَهَا أَوْ فِيهَا نَفْسِهَا فِي نَصِّ الرِّوَايَةِ. اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ أَيْ جَازَ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ إلَخْ) بِخِلَافِ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ أَجْمَعُوا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ وَغَيْرِهِ فَيَجِبُ حَمْلُ الْأَفْضَلِيَّةِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ مِنْ دَارِهِ إلَى مَكَّةَ دُونَ أَشْهُرِ الْحَجِّ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي قَاضِي خَانْ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ، وَإِنَّمَا كَانَ التَّقْدِيمُ أَفْضَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَفَسَّرَتْ الصَّحَابَةُ إلَخْ) ثُمَّ هَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِهِ إيجَابَ الْإِتْمَامِ عَلَى مَنْ شَرَعَ فِي بَحْثِ الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي أَوَّلَ كِتَابِ الْحَجِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) هِيَ تَصْغِيرُ الدَّارِ وَعَنْ شَيْخِ شَيْخِي، وَإِنَّمَا قَالَ بِلَفْظِ التَّصْغِيرِ لِمُقَابَلَةِ بَيْتِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْبُيُوتِ مُحَقَّرٌ بِنِسْبَتِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ