الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الزَّرَكْشِيُّ فِي "الْبَحْرِ": وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِي كِتَابِ "الْوَدَائِعِ"1 فَقَالَ: وَحَقِيقَةُ الْإِجْمَاعِ، هُوَ الْقَوْلُ بِالْحَقِّ وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ فَهُوَ إِجْمَاعٌ وَكَذَا إِنْ حَصَلَ مِنِ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ.
وَالْحُجَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ إِجْمَاعٌ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ النَّاسُ فِي أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه "لما منعت بنو حنيفة من الزكاة"* فكانت "بمطالبة"** أَبِي بَكْرٍ لَهَا حَقًّا عِنْدَ الْكُلِّ، وَمَا انْفَرَدَ لِمُطَالَبَتِهَا غَيْرُهُ، هَذَا كَلَامُهُ، وَخِلَافُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ أَوْلَى، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنِ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَنَقَلَ ابْنُ الْقَطَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ حُجَّةٌ.
قَالَ إِلْكِيَا: الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَصَوُّرِ اشْتِمَالِ الْعَصْرِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ الْوَاحِدِ، وَالصَّحِيحُ تَصَوُّرُهُ، وَإِذَا قُلْنَا بِهِ فَفِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ خِلَافٌ، وَبِهِ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ. قَالَ: وَالَّذِي حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ "لَمْ يَرَ فِي اخْتِصَاصِ"*** الْإِجْمَاعِ بِمَحَلٍّ مَعْنًى يَدُلُّ عَلَيْهِ، فسوى بين العدد والفرد. وأما المحققون سواء فإنهم يعبرون الْعَدَدَ، ثُمَّ يَقُولُونَ: الْمُعْتَبَرُ عَدَدُ التَّوَاتُرِ، فَإِذَا مُسْتَنِدُ الْإِجْمَاعِ مُسْتَنِدٌ إِلَى طَرْدِ الْعَادَةِ بِتَوْبِيخِ مَنْ يُخَالِفُ الْعَصْرَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ يَسْتَدْعِي وُفُورَ عَدَدٍ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا إِذَا كَانَ فِي الْعَصْرِ إِلَّا مُجْتَهِدٌ وَاحِدٌ، فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِيهِ اسْتِيعَابُ مَدَارِكِ الِاجْتِهَادِ.
* في "أ": لما امتنعت بنو حنيفة من الزكاة.
** في "أ": مطالبة.
*** في "أ": لم يكن لاختصاص الإجماع.
_________
1 واسمه: "الوادئع لمنصوص الشرائع" لأبي العباس بن سريج، أحمد بن عمر، الشافعي، في مجلد متوسط يشتمل على أحكام مجردة عن الأدلة.
خَاتِمَةٌ:
قَوْلُ الْقَائِلِ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي كَذَا، قَالَ الصَّيْرَفِيُّ: لَا يَكُونُ إِجْمَاعًا، لِجَوَازِ الِاخْتِلَافِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ حزم في "الأحكام"؛ وَقَالَ فِي كِتَابِ "الْإِعْرَابِ"1: أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي "الرِّسَالَةِ"2، وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: قَوْلُ الْقَائِلِ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَهُوَ حُجَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الَّذِينَ كَشَفُوا الْإِجْمَاعَ وَالِاخْتِلَافَ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا قَالَ لَا أَعْرِفُ بَيْنَهُمْ خِلَافًا، فَإِنْ لَمْ يكن من أهل الاجتهاد وممن أحاط
1 وهو لابن حزم، علي بن أحمد بن سعيد، وهو مخطوط، يتألف من "214" ورقة، كتب سنة إحدى وستين وسبعمائة في شستربتي "3482" ا. هـ. الأعلام "4/ 255".
2 وهي في أصول الفقه، للإمام محمد بن إدريس، الشافعي، صاحب المذهب، منها نسخة كتبت سنة "265" هـ في دار الكتب. ا. هـ. الأعلام "6/ 26".
بِالْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ، لَمْ يَثْبُتِ الْإِجْمَاعُ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَأَثْبَتَ الْإِجْمَاعَ "بِهِ قَوْمٌ، وَنَفَاهُ آخَرُونَ"*.
"قَالَ ابْنُ حَزْمٍ"**: وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ الْعَالِمَ إِذَا قَالَ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فَهُوَ إِجْمَاعٌ، وَهُوَ قَوْلٌ فاسد، و"لو"*** قَالَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ1 فَإِنَّا لا نعلم أحدًا مِنْهُ لِأَقَاوِيلِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَكِنْ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ مِنْهَا تَبِيعٌ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ فَإِنَّ قَوْمًا يَرَوْنَ الزَّكَاةَ عَلَى خَمْسٍ كَزَكَاةِ الْإِبِلِ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي "مُوَطَّئِهِ" -وَقَدْ ذَكَرَ الْحُكْمَ بِرَدِّ الْيَمِينِ-: وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَا بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ. وَالْخِلَافُ فِيهِ شَهِيرٌ. وَكَانَ عُثْمَانُ رضي الله عنه لَا يَرَى رَدَّ الْيَمِينِ، وَيَقْضِي بِالنُّكُولِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمِنَ التَّابِعِينَ الْحَكَمُ2 وَغَيْرُهُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَهُمْ كَانُوا الْقُضَاةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِذَا كَانَ مِثْلَ مَنْ ذَكَرْنَا يَخْفَى عَلَيْهِ الْخِلَافُ فَمَا ظَنُّكَ بغيره.
* في "أ": تكرار حاصل في العبارة وأيضًا ما بين قوسين ساقط منها.
** ما بين قوسين ساقط من "أ".
*** ما بين قوسين ساقط من "أ".
_________
1 هو محمد بن نصر بن الحجاج، المروزي، شيخ الإسلام، أبو عبد الله ولد ببغداد في سنة اثنتين ومائتين هـ، من آثاره:"تعظيم قدر الصلاة""رفع اليدين" توفي سنة أربع وتسعين ومائتين هـ. ا. هـ. سير أعلام النبلاء "14/ 33" تهذيب التهذيب "9/ 489"، شذرات الذهب "2/ 216".
2 الحكم بن عتيبة، الإمام الكبير عالم أهل الكوفة، أبو محمد الكندي ويقال: أبو عمرو وأبو عبد الله، ولد نحو سنة ست وأربعين هـ، وتوفي سنة خمس عشرة ومائة هـ، "وترجح عندنا على غيره لتقدمه على غيره في الولادة والله أعلم" ا. هـ. سير أعلام النبلاء "5/ 208"، تهذيب التهذيب "2/ 432"، شذرات الذهب "1/ 151".