الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا لَوِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ عَلَى عَمَلٍ، وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُمْ قَوْلٌ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، فَقِيلَ إِنَّهُ كَفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأن العصمة ثابتة لإجماعهم كثوبتها لِلشَّارِعِ، فَكَانَتْ أَفْعَالُهُمْ كَأَفْعَالِهِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ: إِنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَقِيلَ بِالْمَنْعِ وَنَقَلَهُ الْجُوَيْنِيُّ عَنِ الْقَاضِي إِذْ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُ قَوْمٍ لَا يُحْصَوْنَ عَدَدًا عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ "أَرَبٍ"* فَالتَّوَاطُؤُ عَلَيْهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ مُمْكِنٌ، وَلَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى النَّدْبِ أَوِ الْوُجُوبِ، وَبِهِ قَالَ الْجُوَيْنِيُّ.
قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ، وَقِيلَ إِنَّ كُلَّ فِعْلٍ خَرَجَ مَخْرَجَ الْبَيَانِ أَوْ مَخْرَجَ الْحُكْمِ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِجْمَاعُ، وبه قال ابن السمعاني
* في "أ": أرباب وهو تحريف.
الفصل الثاني عشر: حكم الإجماع على شيء بعد الإجماع على خلافه
…
البحث الثاني عشر: حكم الإجماع على شيء بعد الإجماع على خلافه
هل يجوز الإجماع على شيء قد وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ؟
فَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ الثَّانِي مِنَ الْمُجْمِعِينَ عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ كما لو اجتمع أهل "عصر"* عَلَى حُكْمٍ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُمْ مَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَأَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ الَّذِي ظَهَرَ لَهُمْ فَفِي جَوَازِ الرُّجُوعِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي اشْتِرَاطِ انْقِرَاضِ عَصْرِ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ، فَمَنِ اعْتَبَرَهُ جَوَّزَ ذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ لَمْ يُجَوِّزْهُ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ مِنْ غَيْرِهِمْ فَمَنَعَهُ الْجُمْهُورُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَصَادُمُ الْإِجْمَاعَيْنِ، وَجَوَّزَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، قَالَ الرَّازِيُّ: وَهُوَ الْأَوْلَى، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ "الْأَوَّلِ"** حُجَّةً يَقْتَضِي امْتِنَاعَ حُصُولِ إِجْمَاعٍ آخَرَ مُخَالِفٍ لَهُ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ: إِنَّهُ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، لِإِمْكَانِ تَصَوُّرِ كَوْنِهِ حُجَّةً إِلَى غَايَةٍ هِيَ حُصُولُ إِجْمَاعٍ آخَرَ، قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: وَمَأْخَذُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَوِيٌّ. وَحَكَى أَبُو الْحَسَنِ السُّهَيْلِيُّ فِي"أَدَبِ*** الْجَدَلِ" لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا إِذَا أَجْمَعَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى قَوْلٍ ثُمَّ أَجْمَعَ التَّابِعُونَ عَلَى قَوْلٍ آخَرَ، فَعَنِ الشَّافِعِيِّ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وُقُوعُ مثله لأن النبي صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ أَنَّ أُمَّتَهُ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ
وَالثَّانِي: لَوْ صَحَّ وُقُوعُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ على التابعين الرجوع إلى قول الصحابة، قال: وَقِيلَ: إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقٌّ وَصَوَابٌ، عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مصيب، وليس بشيء. انتهى.
* في "أ": مصر.
** ما بين قوسين ساقط من "أ".
*** في "أ": آداب الجدل.