الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني في الحاكم
…
الْبَحْثُ الثَّانِي: فِي الْحَاكِمِ
اعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي كَوْنِ الْحَاكِمِ الشَّرْعَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ، وَبُلُوغِ الدَّعْوَةِ.
وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ: فَقَالَتِ الْأَشْعَرِيَّةُ1: لَا يَتَعَلَّقُ لَهُ سُبْحَانَهُ حُكْمٌ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، فَلَا يَحْرُمُ كُفْرٌ وَلَا يَجِبُ إِيمَانٌ.
وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ2: إِنَّهُ يَتَعَلَّقُ لَهُ تَعَالَى حُكْمٌ بِمَا أَدْرَكَ الْعَقْلُ فِيهِ صِفَةَ حُسْنٍ، أَوْ قُبْحٍ لِذَاتِهِ، أَوْ لِصِفَتِهِ، أَوْ لِوُجُوهٍ وَاعْتِبَارَاتٍ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ.
قَالُوا: وَالشَّرْعُ كَاشِفٌ عَمَّا أَدْرَكَهُ الْعَقْلُ قَبْلَ وُرُودِهِ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْأَشْعَرِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ يُدْرِكُ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ فِي شَيْئَيْنِ:
الْأَوَّلُ: مُلَاءَمَةُ الْغَرَضِ لِلطَّبْعِ وَمُنَافَرَتُهُ لَهُ، فَالْمُوَافِقُ حَسَنٌ عِنْدَ الْعَقْلِ، وَالْمُنَافِرُ قبيح عنده.
الثاني: صفة الْكَمَالِ وَالنَّقْصِ، فَصِفَاتُ الْكَمَالِ حَسَنَةٌ عِنْدَ الْعَقْلِ، وَصِفَاتُ النَّقْصِ قَبِيحَةٌ عِنْدَهُ.
وَمَحَلُّ النِّزَاعِ بَيْنَهُمْ -كَمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا كَانَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ- هُوَ كَوْنُ الْفِعْلِ مُتَعَلَّقَ الْمَدْحِ، وَالثَّوَابِ، وَالذَّمِّ، وَالْعِقَابِ، آجِلًا وَعَاجِلًا.
فَعِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالشَّرْعِ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ: أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِكَوْنِ الْفِعْلِ وَاقِعًا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، لِأَجْلِهِ يَسْتَحِقُّ فاعله الذم.
قالوا: وذلك الوجه قيد يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ بِإِدْرَاكِهِ، وَقَدْ لَا يَسْتَقِلُّ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَالْعَقْلُ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ حُسْنَ الصِّدْقِ النَّافِعِ، وَقُبْحَ الْكَذِبِ الضَّارِّ، وَيَعْلَمُ نَظَرًا حُسْنَ الصِّدْقِ الضَّارِّ، وَقُبْحَ الْكَذِبِ النَّافِعِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَكَحُسْنِ صَوْمِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَقُبْحِ صَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ، فَإِنَّ الْعَقْلَ لَا طَرِيقَ لَهُ إِلَى الْعِلْمِ بِذَلِكَ، لَكِنَّ الشَّرْعَ لَمَّا وَرَدَ علمنا الحسن والقبح فيهما.
1 وهم أصحاب أبي الحسن على بن إسماعيل الأشعري، وهم فرقة من أهل السنة والجماعة ولهم أقوال تخالف أقوال الماتريدية منها أن الناشئ في شاهق عال إذا لم يؤمن لا يحاسبه الله لأنه ليس آثما لقوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} والماتريدية خالفوهم فقالوا يحاسبه الله لأن الرسول في الآية المراد به العقل. ا. هـ الملل والنحل "1/ 94" تحفة المريد "30-31".
2 هم أصحاب واصل بن عطاء الغزال الذي اعتزل مجلس الحسن البصري، ويسمون بأصحاب العدل والتوحيد، وهم فرقة خالفت أهل السنة والجماعة ببعض الاعتقادات منها: خلق أفعال العباد - وجوب الصلاح والأصلح على الله- خلق القرآن الكريم ا. هـ الملل والنحل "1/ 43" التعريفات "282".
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ دُخُولَ هَذِهِ الْقَبَائِحِ فِي الْوُجُودِ. إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الِاضْطِرَارِ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الِاتِّفَاقِ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْقَوْلُ بِالْقُبْحِ بَاطِلٌ.
بَيَانُ الْأَوَّلِ: أَنَّ فَاعِلَ الْقَبِيحِ. إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنَ التَّرْكِ أَوْ لَا يَكُونَ فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ التَّرْكِ فَقَدْ ثَبَتَ الِاضْطِرَارُ، وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنَ التَّرْكِ. فَإِمَّا يَتَوَقَّفُ رُجْحَانُ الْفَاعِلِيَّةِ عَلَى التَّارِكِيَّةِ، عَلَى مُرَجِّحٍ أَوْ لَا يَتَوَقَّفُ، إِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ فَاتِّفَاقِيٌّ، لَا اخْتِيَارِيٌّ، لِعَدَمِ الْإِرَادَةِ، وَإِنْ تَوَقَّفَ، فَذَلِكَ الْمُرَجِّحُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ لَا مِنْهُ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ، فَالْأَوَّلُ مُحَالٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ كَمَا فِي الْأَوَّلِ، فَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلَ1، وَهُوَ مُحَالٌ، وَالثَّانِي يُقَالُ فِيهِ: إِنَّ عِنْدَ حُصُولِ ذَلِكَ الْمُرَجِّحِ إِمَّا أَنْ يَجِبَ "وُقُوعُ"*، الْأَثَرِ أَوْ لَا، فَإِنْ وَجَبَ فَقَدْ ثَبَتَ الِاضْطِرَارُ؛ لِأَنَّ قَبْلَ وُجُودِ هَذَا الْمُرَجِّحِ كَانَ الْفِعْلُ مُمْتَنِعَ الْوُقُوعِ، وَعِنْدَ وُجُودِهِ صَارَ وَاجِبَ الْوُقُوعِ، وَلَيْسَ وُقُوعُ هَذَا الْمُرَجِّحِ بِالْعَبْدِ أَلْبَتَّةَ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ تَمَكُّنٌ فِي شَيْءٍ مِنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَلَا مَعْنًى لِلِاضْطِرَارِ إِلَّا ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ حُصُولُ هَذَا الْمُرَجِّحِ لَا يَمْتَنِعُ وُجُودُ الْفِعْلِ تَارَةً، وَعَدَمُهُ أُخْرَى، فَتَرْجِيحُ جَانِبِ الْوُجُودِ عَلَى جَانِبِ الْعَدَمِ، إِمَّا أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى انْضِمَامِ مُرَجِّحٍ إِلَيْهِ أَوْ لَا يَتَوَقَّفَ، إِنْ تَوَقَّفَ لَمْ يَكُنِ الْحَاصِلُ قَبْلَ ذَلِكَ مُرَجِّحًا تَامًّا، وَقَدْ فَرَضْنَاهُ مُرَجِّحًا تَامًّا هَذَا خُلْفٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ فَلَا تَرْجِيحَ أَلْبَتَّةَ وَإِلَّا لَعَادَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ.
وَإِنْ كَانَ حُصُولُ ذَلِكَ الْمُرَجِّحِ لَا مِنَ الْعَبْدِ وَلَا مِنْ غَيْرِ الْعَبْدِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ وَاقِعًا لَا لِمُؤَثِّرٍ فَيَكُونُ اتِفَاقِيًّا.
وَرُدَّ هَذَا الْجَوَابُ: بِأَنَّ الْقَادِرَ يُرَجِّحُ الْفَاعِلِيَّةَ عَلَى التَّارِكِيَّةِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ.
وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الرَّدِّ: بِأَنَّ تَرْجِيحَ الْقَادِرِ إِنْ كَانَ لَهُ مَفْهُومٌ زَائِدٌ عَلَى كَوْنِهِ قَادِرًا، كَانَ تَسْلِيمًا لِكَوْنِ رُجْحَانِ الْفَاعِلِيَّةِ عَلَى التَّارِكِيَّةِ لَا يُمْكِنُ إِلَّا عِنْدَ انْضِمَامِ آخَرَ إِلَى الْقَادِرِيَّةِ، فَيَعُودُ الْكَلَامُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَفْهُومٌ زَائِدٌ "لَمْ يَبْقَ"** لِقَوْلِكُمْ: الْقَادِرُ يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ عَلَى الْآخَرِ إِلَّا مُجَرَّدَ أَنَّ صِفَةَ الْقَادِرِيَّةِ مُسْتَمِرَّةٌ فِي الْأَزْمَانِ كُلِّهَا، ثُمَّ إِنَّهُ يُوجَدُ الْأَثَرُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَزْمِنَةِ دُونَ بَعْضٍ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَادِرُ قَدْ رَجَّحَهُ، وَقَصَدَ إِيقَاعَهُ، وَلَا مَعْنَى لِلِاتِّفَاقِ إِلَّا ذَلِكَ.
وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْجَوَابِ مِنَ التَّعَسُّفِ2، لِاسْتِلْزَامِهِ نَفْيَ الْمُرَجِّحِ مُطْلَقًا، وَالْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ حَاصِلٌ لِكُلِّ عَاقِلٍ، بِأَنَّ الظُّلْمَ وَالْكَذِبَ وَالْجَهْلَ قَبِيحَةٌ عِنْدَ الْعَقْلِ، وَأَنَّ العدل والصدق
* في "أ": قبول.
** في "أ": لم يكن.
_________
1 هو ترتيب أمور غير متناهية ا. هـ التعريفات "80".
2 تعسف في كلام، أي: تكلف. ا. هـ المعجم الوسيط مادة عسف.
وَالْعِلْمَ حَسَنَةٌ عِنْدَهُ، لَكِنَّ حَاصِلَ مَا يُدْرِكُهُ العقل من "قبيح هذا القبح"*، وَحُسْنِ هَذَا الْحَسَنِ هُوَ أَنَّ فَاعِلَ الْأَوَّلِ يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ وَفَاعِلَ الثَّانِي يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ، وَأَمَّا كَوْنُ الْأَوَّلِ مُتَعَلِّقًا لِلْعِقَابِ الْأُخْرَوِيِّ، وَالثَّانِي مُتَعَلِّقًا لِلثَّوَابِ الْأُخْرَوِيِّ فَلَا.
وَاحْتَجَّ الْمُثْبِتُونَ لِلتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ، بِأَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ لَوْ لَمْ يَكُونَا مَعْلُومَيْنِ قَبْلَ الشَّرْعِ لَاسْتَحَالَ أَنْ يُعْلَمَا عِنْدَ وُرُودِهِ؛ لِأَنَّهُمَا إِنْ لَمْ يَكُونَا مَعْلُومَيْنِ قَبْلَهُ فَعِنْدَ وُرُودِهِ بِهِمَا، يَكُونُ وَارِدًا بِمَا لَا يَعْقِلُهُ السَّامِعُ وَلَا يَتَصَوَّرُهُ، وَذَلِكَ مُحَالٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَا مَعْلُومَيْنِ قَبْلَ وُرُودِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى الشَّرْعِ لَيْسَ تَصَوُّرَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، فَإِنَّا قَبْلَ الشَّرْعِ نَتَصَوَّرُ مَاهِيَّةَ تَرَتُّبِ الْعِقَابِ وَالثَّوَابِ، وَالْمَدْحِ وَالذَّمِّ عَلَى الْفِعْلِ، وَنَتَصَوَّرُ عَدَمَ هَذَا التَّرَتُّبِ، فَتَصَوُّرُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْعِ، إِنَّمَا الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ هُوَ التَّصْدِيقُ، فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ؟ وَاحْتَجَّ الْمُثْبِتُونَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ بِالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ إِلَّا بِالشَّرْعِ لَحَسُنَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَلَوْ حَسُنَ مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ لَحَسُنَ مِنْهُ إِظْهَارُ الْمُعْجِزَةِ عَلَى يَدِ الْكَاذِبِ، وَلَوْ حَسُنَ مِنْهُ ذَلِكَ لَمَا أَمْكَنَنَا التَّمْيِيزُ بَيْنَ النَّبِيِّ وَالْمُتَنَبِّئِ، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى بُطْلَانِ الشَّرَائِعِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْمُعْجِزِ عَلَى الصِّدْقِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا خَلَقَ ذَلِكَ الْمُعْجِزَ لِلصِّدْقِ، وَكُلُّ مَنْ صَدَّقَهُ اللَّهُ فَهُوَ صَادِقٌ، وَبِأَنَّ الْعَقْلَ يَمْنَعُ مِنْ خَلْقِ الْمُعْجِزِ عَلَى يَدِ الْكَاذِبِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ خَلْقَهُ عِنْدَ الدَّعْوَى يُوهِمُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّصْدِيقُ، فَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا لَكَانَ ذَلِكَ إِيهَامًا لِتَصْدِيقِ الْكَاذِبِ، وَأَنَّهُ قَبِيحٌ، وَاللَّهُ لَا يَفْعَلُ الْقَبِيحَ.
وَاحْتَجَّ الْمُثْبِتُونَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ حَسُنَ مِنَ اللَّهِ كُلُّ شَيْءٍ لَمَا قَبُحَ مِنْهُ الْكَذِبُ، وَعَلَى هَذَا لَا يَبْقَى اعْتِمَادٌ عَلَى وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ هَذَا وَارِدٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ قَدْ يَحْسُنُ فِي مِثْلِ الدَّفْعِ بِهِ عَنْ قَتْلِ إِنْسَانٍ ظُلْمًا، وَفِي مِثْلِ مَنْ تَوَعَّدَ غَيْرَهُ بِأَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ هُنَا يَحْسُنُ الْكَذِبُ وَيَقْبُحُ الصِّدْقُ.
ورُدَّ بِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَتَخَلَّفُ عَنِ الْمُقْتَضِي الْمَانِعِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِالنَّادِرِ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ الدَّفْعُ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ مَا لَا يَحِلُّ بِإِيرَادِ الْمَعَارِيضِ، فَإِنَّ فِيهَا مَنْدُوحَةً1 عَنِ الْكَذِبِ.
وَاحْتَجَّ الْمُثْبِتُونَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ لِلْعَاقِلِ: إِنْ صَدَقْتَ أَعْطَيْنَاكَ دِينَارًا، وَإِنْ كَذَبْتَ أَعْطَيْنَاكَ دِينَارًا، فَإِنَّا نَعْلَمُ -بِالضَّرُورَةِ- أَنَّ الْعَاقِلَ يَخْتَارُ الصِّدْقَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَسَنًا لَمَا اختاره.
* في "أ": قبيح هذا القبح.
_________
1 الندح بالضم: الأرض الواسعة، والجمع: أنداح، والمتندح: المكان الواسع، ولي عن هذا الأمر مندوحة ومنتدح، أي: سعة. يقال: "إن المعاريض لمندوحة عن الكذب". ا. هـ الصحاح مادة ندح.