الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّالِثُ:
اللَّفْظُ الْوَاحِدُ لِلْمَعْنَى الْمُتَعَدِّدِ فَإِنْ وُضِعَ لِكُلٍّ، فَمُشْتَرَكٌ، وَإِلَّا فَإِنِ اشْتَهَرَ فِي الثَّانِي فَمَنْقُولٌ يُنْسَبُ إِلَى نَاقِلِهِ، وَإِلَّا فَحَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ.
الرَّابِعُ:
اللَّفْظُ الْمُتَعَدِّدُ لِلْمَعْنَى الْوَاحِدِ، وَيُسَمَّى الْمُتَرَادِفَ.
وَكُلٌّ مِنَ الْأَرْبَعَةِ يَنْقَسِمُ إِلَى مُشْتَقٍّ، وَغَيْرِ مُشْتَقٍّ، وَإِلَى صِفَةٍ وَغَيْرِ صِفَةٍ.
ثُمَّ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى تَمَامِ مَا وُضِعَ لَهُ مُطَابَقَةٌ، وَعَلَى جُزْئِهِ تَضَمُّنٌ، وَعَلَى الْخَارِجِ الْتِزَامٌ.
وَجَمِيعُ ما ذكرنا ههنا قَدْ بُيِّنَ فِي عُلُومٍ مَعْرُوفَةٍ فَلَا نُطِيلُ البحث فيه، ولكنا نذكرها ههنا خَمْسَ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْعِلْمِ تَعَلُّقًا تَامًّا.
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي الِاشْتِقَاقِ
الِاشْتِقَاقُ: أَنْ تَجِدَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ تَنَاسُبًا فِي الْمَعْنَى وَالتَّرْكِيبِ، فَتَرُدَّ أَحَدَهُمَا إِلَى الْآخَرِ.
وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ:
أَحَدُهَا: اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِمَعْنًى.
وَثَانِيهَا: شَيْءٌ آخَرُ لَهُ نِسْبَةٌ إِلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى.
وَثَالِثُهَا: مُشَارَكَةٌ بَيْنَ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ فِي الْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ.
وَرَابِعُهَا: تَغْيِيرٌ يَلْحَقُ ذَلِكَ الِاسْمَ فِي حَرْفٍ فَقَطْ، أَوْ حَرَكَةٍ فَقَطْ، أَوْ فِيهِمَا مَعًا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالزِّيَادَةِ أَوِ النُّقْصَانِ، أَوْ بِهِمَا مَعًا، فَهَذِهِ تِسْعَةُ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: زِيَادَةُ الْحَرَكَةِ.
ثَانِيهَا: زِيَادَةُ الْحَرْفِ.
ثَالِثُهَا: زِيَادَتُهُمَا.
رَابِعُهَا: نُقْصَانُ الْحَرَكَةِ.
خَامِسُهَا: نُقْصَانُ الحرف.
سادسها: نقصانهما.
سابعها: زيادة لحركة مَعَ نُقْصَانِ الْحَرْفِ.
ثَامِنُهَا: زِيَادَةُ الْحَرْفِ مَعَ نُقْصَانِ الْحَرَكَةِ.
تَاسِعُهَا: أَنْ يُزَادَ فِيهِ حَرَكَةٌ وَحَرْفٌ، وَيُنْقَصَ عَنْهُ حَرَكَةٌ وَحَرْفٌ.
وَقِيلَ: تَنْتَهِي أَقْسَامُهُ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَكُونُ إِمَّا بِحَرَكَةٍ، أَوْ حَرْفٍ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، أَوْ بِهِمَا، وَالتَّرْكِيبُ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ.
وَيَنْقَسِمُ إِلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْأَكْبَرِ لِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ أَعَمُّ مِنَ الْمُوَافَقَةِ، فَمَعَ الْمُوَافَقَةِ فِي الْحُرُوفِ وَالتَّرْتِيبِ صَغِيرٌ، وَبِدُونِ التَّرْتِيبِ كَبِيرٌ، نَحْوَ: جَذَبَ وَجَبَذَ1، وَكَنَى "وَنَكَى"*2 وَبِدُونِ الْمُوَافَقَةِ أَكْبَرُ لِمُنَاسَبَةٍ مَا كَالْمَخْرَجِ فِي ثَلَمَ وَثَلَبَ3، أَوِ الصِّفَةِ، كَالشِّدَّةِ4 فِي الرَّجْمِ وَالرَّقْمِ5 فَالْمُعْتَبَرُ فِي الْأَوَّلَيْنِ الْمُوَافَقَةُ وَفِي الْأَخِيرِ الْمُنَاسَبَةُ.
وَالِاشْتِقَاقُ الْكَبِيرُ وَالْأَكْبَرُ لَيْسَ مِنْ غَرَضِ الْأُصُولِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَبْحُوثَ عَنْهُ فِي الْأُصُولِ إِنَّمَا هُوَ الْمُشْتَقُّ بِالِاشْتِقَاقِ الصَّغِيرِ.
وَاللَّفْظُ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:
صِفَةٌ: وَهِيَ مَا دَلَّ عَلَى ذَاتٍ مُبْهَمَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، بِتَعْيِينٍ شَخْصِيٍّ، وَلَا جِنْسِيٍّ، مُتَّصِفَةٍ بِمُعَيَّنٍ كَضَارِبٍ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا الضَّرْبُ.
وَغَيْرُ صِفَةٍ وَهُوَ مَا لَا يَدُلُّ عَلَى ذَاتٍ مُبْهَمَةٍ مُتَّصِفَةٍ بِمُعَيَّنٍ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا، هَلْ بَقَاءُ وَجْهِ الِاشْتِقَاقِ شَرْطٌ لِصِدْقِ الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ، فَيَكُونُ لِلْمُبَاشِرِ حَقِيقَةً اتِّفَاقًا، وَفِي الِاسْتِقْبَالِ مَجَازًا اتِّفَاقًا، وَفِي الْمَاضِي الَّذِي قَدِ انْقَطَعَ خِلَافٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ:
فَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: مَجَازٌ.
وَقَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ: حَقِيقَةٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ سِينَا6 مِنَ الْفَلَاسِفَةِ7، وأبو هشام من المعتزلة.
* في "أ": ناك وهو تحريف.
_________
1 جبذت الشيء: مثل جذبته، مقلوب منه. ا. هـ. الصحاح مادة جبذ.
2 نكيت في العدو نكاية: إذا قتلت فيهم وجرحت. ا. هـ. الصحاح مادة نكى.
3 الثلب: شدة اللوم والأخذ باللسان، وثلبه ثلبًا: إذا صرح بالعيب وتنقصه. ا. هـ. لسان العرب والصحاح مادة ثلب.
والثلم: الخلل في الحائط وغيره.
4 لغة: القوة، وسميت حروفها شديدة "يعني خص ضغط قظ" لمنعها النفس أن يجري معها لقوتها في مخارجها. ا. هـ. الدقائق المحكمة في شرح المقدمة الجزرية 39.
5 القتل، وإنما قيل للقتل رجم: لأنهم كانوا إذا قتلوا رجلًا رموه بالحجارة حتى يقتلوه، ثم قيل لكل قتل رجم. ا. هـ. لسان العرب مادة رجم.
والرقم: والترقيم: تعجيم الكتاب، ورقم الكتاب يرقمه رقمًا: أعجمه وبينه. ا. هـ. اللسان مادة رقم.
6 هو الحسين بن عبد الله، أبو علي، العلامة الشهير، الفيلسوف، المعروف، بابن سينا الرئيس، ولد سنة سبعين وثلاثمائة هـ، وتوفي سنة ثمان وعشرين وأربعمائة هـ، بهمذان، من تآليفه:"الأدوية القلبية"، "الإشارات" وغيرها. ا. هـ. هدية العارفين "1/ 308"، سير أعلام النبلاء "17/ 531"، إيضاح المكنون "2/ 555".
7 الفلسفة: مشتقة من كلمة يونانية: وهي: فيلاسوفيا وتفسيرها: محبة الحكمة، فلما عربت قيل: فيلسوف، ثم اشقت الفلسفة منه، ومعنى الفلسفة: علم حقائق الاشياء، والعمل بما هو أصلح.
والفلاسفة أنكروا حدوث العلم، وعلمه تعالى بالجزئيات، وحشر الأجساد، فكفروا بذلك. ا. هـ. مفاتيح العلوم "153"، تحفة المريد "68".
احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالِاشْتِرَاطِ: بِأَنَّ الضَّارِبَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الضَّرْبِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِضَارِبٍ، وَإِذَا صَدُقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَجَبَ أَنْ لَا يَصْدُقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ ضَارِبٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَنَا ضَارِبٌ يُنَاقِضُهُ -فِي الْعُرْفِ- قَوْلُنَا لَيْسَ بِضَارِبٍ.
وَأُجِيبَ: بِمَنْعِ أَنَّ نَفْيَهُ فِي الْحَالِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَهُ مُطْلَقًا، فَإِنَّ الثُّبُوتَ فِي الْحَالِ أَخَصُّ مِنَ الثُّبُوتِ مُطْلَقًا، وَنَفْيُ الْأَخَصِّ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْأَعَمِّ، إِلَّا أَنْ يُرَادَ النَّفْيُ الْمُقَيَّدُ بِالْحَالِ لَا نَفْيُ الْمُقَيَّدِ بِالْحَالِ.
وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ اللَّازِمَ النَّفْيُ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَا يُنَافِي الثُّبُوتَ فِي الجملة، إلا أن يقال: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمُنَافَاةِ فِي اللُّغَةِ لَا فِي الْعَقْلِ.
وَاحْتَجُّوا ثَانِيًا: بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ إِطْلَاقُ الْمُشْتَقِّ إِطْلَاقًا حَقِيقِيًّا، بِاعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ، لَصَحَّ بِاعْتِبَارِ مَا بَعْدَهُ، وَلَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا.
وَأُجِيبَ: بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ فَإِنَّهُ قَدْ يُشْتَرَطُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْمَاضِي وَالْحَالِ، وَهُوَ كَوْنُهُ ثَبَتَ لَهُ الضَّرْبُ.
وَاحْتَجَّ النَّافُونَ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى صِحَّةِ ضَارِبٌ أَمْسِ وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ مَجَازٌ بِدَلِيلِ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى صِحَّةِ ضَارِبٌ غَدًا وَهُوَ مَجَازٌ اتِّفَاقًا.
وَيُجَابُ عَنْهُ: بِأَنَّ مَجَازِيَّتَهُ لِعَدَمِ تَلَبُّسِهِ بِالْفِعْلِ، لَا فِي الْحَالِ، وَلَا فِي الْمَاضِي، فَلَا يَسْتَلْزِمُ مَجَازِيَّةَ ضَارِبٌ أَمْسِ.
وَالْحَقُّ: أَنَّ إِطْلَاقَ الْمُشْتَقِّ عَلَى الْمَاضِي الَّذِي قَدِ انْقَطَعَ حَقِيقَةً؛ لِاتِّصَافِهِ بِذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ.
وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى التَّفْصِيلِ فَقَالُوا: إِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مُمْكِنَ الْبَقَاءِ اشْتُرِطَ بَقَاؤُهُ، فَإِذَا مَضَى وَانْقَطَعَ فَمَجَازٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمْكِنِ الْبَقَاءِ لَمْ يُشْتَرَطْ بَقَاؤُهُ، فَيَكُونُ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى الْوَقْفِ وَلَا وَجْهَ لَهُ، فَإِنَّ أَدِلَّةَ صِحَّةِ الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقِيِّ عَلَى مَا مَضَى وَانْقَطَعَ ظَاهِرَةٌ قَوِيَّةٌ.