الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذِهِ الْقَرِينَةُ الَّتِي تَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ إِمَّا لَفْظٌ خَارِجٌ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي يَكُونُ الْمَجَازُ فِيهِ بِأَنْ يَكُونَ فِي كَلَامٍ آخَرَ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إِرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَوْ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ بَلْ هُوَ عَيْنُهُ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ يَكُونُ دَالًّا عَلَى عَدَمِ إِرَادَةِ الْحَقِيقَةِ.
ثُمَّ هَذَا الْقِسْمُ عَلَى نَوْعَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَفْرَادِ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فِي دَلَالَةِ ذَلِكَ اللَّفْظِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى الْمُكَاتَبِ مَعَ أَنَّهُ عَبَدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَيَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ مَجَازًا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى بَعْضِ الْأَفْرَادِ "أَوْ لَا يَكُونُ أَوْلَى وَهُوَ ظَاهِرٌ"*.
أَمَّا الْقَرِينَةُ الَّتِي تَكُونُ لِمَعْنًى فِي الْمُتَكَلِّمِ فَكَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم} الآية [64 من سورة الإسراء] فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَأْمُرُ بِالْمَعْصِيَةِ.
وَأَمَّا الْقَرِينَةُ الْخَارِجَةُ عَنِ الْكَلَامِ فَكَقَوْلِهِ: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِن} فَإِنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {إِنَّا أَعْتَدْنَا} [الكهف: 29] يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لِلتَّخْيِيرِ.
"وَنَحْوُ"**: طَلِّقِ امْرَأَتِي إِنْ كُنْتَ رَجُلًا فَإِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ تَوْكِيلًا لِأَنَّ قَوْلَهُ إِنَّ كُنْتَ رَجُلًا يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ فَانْحَصَرَتِ الْقَرِينَةُ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ.
ثُمَّ الْقَرِينَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ إِرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ قَدْ تَكُونُ عَقْلِيَّةً وَقَدْ تَكُونُ حِسِّيَّةً وَقَدْ تَكُونُ عَادِيَّةً وَقَدْ تَكُونُ شَرْعِيَّةً فَلَا تَخْتَصُّ قَرَائِنُ الْمَجَازِ بِنَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الأنواع دون نوع.
* ما بين قوسين ساقط "من "أ".
** في "أ": ونحو قوله.
الْبَحْثُ السَّابِعُ: فِي الْأُمُورِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا الْمَجَازُ وَيَتَمَيَّزُ عِنْدَهَا عَنِ الْحَقِيقَةِ
اعْلَمْ: أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إِمَّا أَنْ يَقَعَ بالنص أو الاستدلال:
أما "النص"* فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَقُولَ الْوَاضِعُ: هَذَا حَقِيقَةٌ وَذَاكَ مَجَازٌ.
الثَّانِي: أَنْ يَذْكُرَ الْوَاضِعُ حَدَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا وُضِعَ لَهُ، وَذَاكَ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ، وَيَقُومُ مَقَامَ الْحَدِّ ذكر خاصة كل واحد منهما.
* في "أ": بالنص.
وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ فَمِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ:
الْأَوَّلُ أَنْ يَسْبِقَ الْمَعْنَى إِلَى أَفْهَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ عِنْدَ سَمَاعِ اللَّفْظِ بِدُونِ قَرِينَةٍ فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ فَإِنْ كَانَ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَعْنَى الْمُرَادُ إِلَّا بِالْقَرِينَةِ فَهُوَ الْمَجَازُ.
وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِالْمُشْتَرَكِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَبَادَرُ أَحَدُهُمَا أَوْ أَحَدُهَا لَوْلَا الْقَرِينَةُ الْمُعَيِّنَةُ لِلْمُرَادِ مَعَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّهَا "تَتَبَادَرُ"* جَمِيعُهَا عِنْدَ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ وَيَتَبَادَرُ أَحَدُهَا لَا بِعَيْنِهِ عِنْدَ مَنْ مَنَعَ مِنْ حَمْلِهُ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ.
وَرُدَّ بِأَنَّ عَلَامَةَ الْمَجَازِ تَصْدُقُ حِينَئِذٍ عَلَى الْمُشْتَرَكِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْمُعَيَّنِ إِذْ يَتَبَادَرُ غَيْرُهُ وَهُوَ عَلَامَةُ الْمَجَازِ مَعَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ.
وَدُفِعَ هَذَا الرَّدُّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ لَوْ تَبَادَرَ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ وَاللَّفْظُ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ.
وَأَمَّا إِذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ إِذِ اللَّفْظُ يَصْلُحُ لَهُمَا وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي أَحَدِهِمَا وَلَا يَعْلَمُهُ فَذَلِكَ كافٍ فِي كَوْنِ الْمُتَبَادَرِ غَيْرَ الْمَجَازِ فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ لِلْمُعَيَّنِ مَجَازًا.
الثَّانِي: صِحَّةُ النَّفْيِ لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَعَدَمُ صِحَّتِهِ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْعِلْمَ بِعَدَمِ صِحَّةِ النَّفْيِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ حَقِيقَةً فَإِثْبَاتُ كَوْنِهِ حَقِيقَةً بِهِ دَوْرٌ ظَاهِرٌ وَكَذَا الْعِلْمُ بِصِحَّةِ النَّفْيِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْعِلْمِ بِأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَيْسَ مِنَ الْمَعَانِي الْحَقِيقِيَّةِ وَذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ مَجَازًا فَإِثْبَاتُ كَوْنِهِ مَجَازًا بِهِ دَوْرٌ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ سَلْبَ بَعْضِ الْمَعَانِي الْحَقِيقِيَّةِ كافٍ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ مَجَازٌ فِيهِ وَإِلَّا لَزِمَ الِاشْتِرَاكُ وَأَيْضًا إِذَا عُلِمَ مَعْنَى اللَّفْظِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ وَلَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا الْمُرَادُ أَمْكَنَ أَنْ يُعْلَمَ "بِصِحَّةِ"** نَفْيِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ وَبِعَدَمِ صِحَّتِهِ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ.
الثَّالِثُ: عَدَمُ اطِّرَادِ الْمَجَازِ وَهُوَ أَنْ لَا يَجُوزَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَحَلٍّ مَعَ وُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِعْمَالِ الْمُسَوِّغِ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ كَالتَّجَوُّزِ بِالنَّخْلَةِ لِلْإِنْسَانِ الطَّوِيلِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا فِيهِ طُولٌ وَلَيْسَ الاطراد دليل الحقيقية فَإِنَّ الْمَجَازَ قَدْ يَطَّرِدُ كَالْأَسَدِ لِلشُّجَاعِ.
وَاعْتُرِضَ: بِأَنَّ عَدَمَ الِاطِّرَادِ قَدْ يُوجَدُ فِي الْحَقِيقَةِ كالسخي، والفاضل، فإنهما لا يطلقان
* في "أ": يتبادر.
** في "أ": بصحته.
عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ مَعَ وُجُودِهِمَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فِيهِ، وَكَذَا الْقَارُورَةُ لَا تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الزُّجَاجَةِ، مِمَّا يُوجَدُ مَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ فِيهِ كَالدَّنِّ1. وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ الْأَمَارَةَ عَدَمُ الِاطِّرَادِ لَا لِمَانِعٍ لُغَةً أَوْ شَرْعًا، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِيمَا ذَكَرْتُمْ مِنَ الْأَمْثِلَةِ فَإِنَّ الشَّرْعَ مَنَعَ مِنْ إِطْلَاقِ السَّخِيِّ، وَالْفَاضِلِ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَاللُّغَةَ مَنَعَتْ مِنْ إِطْلَاقِ الْقَارُورَةِ عَلَى غَيْرِ الزُّجَاجَةِ.
وَقَدْ ذَكَرُوا غَيْرَ هَذِهِ الْوُجُوهِ مِثْلَ قَوْلِهِمْ مِنَ الْعَلَامَاتِ الْفَارِقَةِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَنَّهَا إِذَا عُلِّقَتِ الْكَلِمَةُ بِمَا يَسْتَحِيلُ تَعْلِيقُهَا بِهِ عُلِمَ أَنَّهَا فِي أَصْلِ اللُّغَةِ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لَهُ فَيُعْلَمُ أَنَّهَا مَجَازٌ فِيهِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَضَعُوا اللَّفْظَةَ لِمَعْنًى، ثُمَّ يَتْرُكُوا اسْتِعْمَالَهُ إِلَّا فِي بَعْضِ مَعَانِيهِ الْمَجَازِيَّةِ، ثُمَّ اسْتَعْمَلُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَإِنَّا نَعْلَمُ كَوْنَهُ مِنَ الْمَجَازِ الْعُرْفِيِّ مِثْلَ: اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الدَّابَّةِ فِي "الْحِمَارِ"*.
وَمِنْهَا: امْتِنَاعُ الِاشْتِقَاقِ، فإنه دليل على كون اللفظ مجازًا.
منها: أَنْ تَخْتَلِفَ صِيغَةُ الْجَمْعِ عَلَى الِاسْمِ، فَيُجْمَعُ عَلَى صِيغَةٍ مُخَالِفَةٍ لِصِيغَةِ جَمْعِهِ لِمُسَمًّى آخَرَ، هُوَ فِيهِ حَقِيقَةٌ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ إِذَا كَانَ مُتَعَلِقًا بِالْغَيْرِ، فَإِنَّهُ إِذَا اسْتُعْمِلَ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ كَانَ مَجَازًا، وَذَلِكَ كَالْقُدْرَةِ إِذَا أُرِيدَ بِهَا الصِّفَةُ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْمَقْدُورِ وَإِذَا أُطْلِقَتْ عَلَى النَّبَاتِ الْحَسَنِ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُتَعَلِّقٌ فَيُعْلَمُ كَوْنُهَا مَجَازًا فِيهِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ إِطْلَاقُهُ عَلَى أَحَدِ مُسَمَّيَيْهِ مُتَوَقِّفًا عَلَى تَعَلُّقِهِ بِالْآخَرِ نَحْوَ: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} 2؛ ولا يقال: مكر الله ابتداء.
ومنها: لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا مُقَيْدًا وَلَا يُسْتَعْمَلُ لِلْمَعْنَى المطلق كنار الحرب، وجناح الذل.
* في "أ": الحمال.
_________
1 إناء كهيئة الحب، "الجرة" إلا أنه أطول منه، وأوسع رأسًا، والجمع دنان، ا. هـ. المصباح المنير مادة دنن.
2 جزء من الآية "54" من سورة آل عمران.