المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة السادسة: في الاستدلال على أن كل صيغة من تلك الصيغ للعموم وفيه فروع - إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول - جـ ١

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌المقدمة

- ‌مقدمة سماحة مفتي زحلة والبقاع والغربي الشيخ خليل الميس

- ‌مقدمة الدكتور ولي الدين صالح فرفور الدمشقي:

- ‌مقدمة التحقيق:

- ‌مقدمة المؤلف:

- ‌‌‌مدخلإلى علم الأصول

- ‌مدخل

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَمَوْضُوعِهِ وفائدته واستمداده

- ‌موضوع علم أُصُولِ الْفِقْهِ:

- ‌فائدة علم أصول الفقه وثمرته:

- ‌استمداد علم أصول الفقه:

- ‌الفصل الثاني في الأحكام

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول في الحكم

- ‌المبحث الثاني في الحاكم

- ‌المبحث الثالث في المحكوم به

- ‌مدخل

- ‌الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌المبحث الرابع في المحكوم عليه وهو المكلف

- ‌الفصل الثالث في المبادئ اللغوية

- ‌المبحث الأول: عن ماهية الكلام

- ‌المبحث الثاني: عن الْوَاضِعُ

- ‌المبحث الثالث: عن الْمَوْضُوعُ

- ‌المبحث الرابع: عن الْمَوْضُوعُ لَهُ

- ‌المبحث الْخَامِسُ: عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا الْوَضْعُ

- ‌الفصل الرابع في تقسم اللفظ إلى مفرد ومركب

- ‌مدخل

- ‌الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي الِاشْتِقَاقِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي التَّرَادُفِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي الْمُشْتَرَكِ

- ‌المسألة الرابعة: الخلاف في استعمال المشترك في أكثر من معنى

- ‌المسألة الخامسة: في الحقيقة والمجاز وفيها عشر أَبْحَاثٍ

- ‌الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: فِي تَفْسِيرِ لَفْظَيِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ

- ‌الْبَحْثُ الثَّانِي فِي حَدِّهِمَا:

- ‌البحث الثالث: الحقائق اللغوية والعرفية والشرعية والخلاف في ثبوتها وثمرة ذلك:

- ‌البحث الرابع: المجاز في لغة العرب

- ‌البحث الخامس: علاقات الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ

- ‌الْبَحْثُ السَّادِسُ: فِي قَرَائِنِ الْمَجَازِ

- ‌الْبَحْثُ السَّابِعُ: فِي الْأُمُورِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا الْمَجَازُ وَيَتَمَيَّزُ عِنْدَهَا عَنِ الْحَقِيقَةِ

- ‌البحث الثامن: عدم اتصاف اللفظ قبل الاستعمال بالحقيقة والمجاز

- ‌الْبَحْثُ التَّاسِعُ: فِي اللَّفْظِ إِذَا دَارَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا أَوْ مُشْتَرَكًا

- ‌الْبَحْثُ الْعَاشِرُ: فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ

- ‌الخلاف في بَعْضِ حُرُوفِ الْمَعَانِي:

- ‌الْمَقْصِدُ الْأَوَّلُ: فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتَعْرِيفِهِ

- ‌الفصل الثاني: حكم المنقول آحَادًا

- ‌الْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ مِنَ الْقُرْآنِ

- ‌الْفَصْلُ الرَّابِعُ: فِي الْمُعَرَّبِ هَلْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ أَمْ لَا

- ‌المقصد الثاني: في السنّة

- ‌الفصل الأول: في معنى السنّة لغة وشرعا

- ‌الفصل الثاني: في حجية السنة واستقلالها بالتشريع

- ‌الفصل الثالث: في عِصْمَةُ الْأَنْبِيَاءِ

- ‌الفصل الرَّابِعُ: فِي أَفْعَالِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الخامس: في تَعَارُضُ الْأَفْعَالِ

- ‌الفصل السادس: في حكم التعارض بين القول والفعل

- ‌الفصل السابع: في التَّقْرِيرُ

- ‌الفصل الثامن: فيما هم بفعله ولم يفعله صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل التاسع: في حكم إشارته وكتابته صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل العاشر: فيما تركه صلى الله عليه وسلم والقول في الحوادث التي لم يحكم بها

- ‌الفصل الحادي عشر: في الأخبار وَفِيهِ أَنْوَاعٌ

- ‌النَّوْعُ الْأَوَّلُ: فِي مَعْنَى الْخَبَرِ لغة واصطلاحا

- ‌النوع الثاني: أقسام الخبر من حيث الصدق والكذب

- ‌النَّوْعُ الثَّالِثُ: فِي تَقْسِيمِ الْخَبَرِ

- ‌النوع الرابع: أقسام الخبر من حيث التواتر وعدمه

- ‌القسم الأول: المتواتر

- ‌الْقِسْمُ الثَّانِي: الْآحَادُ

- ‌في ألفاظ الرواية

- ‌مدخل

- ‌أَمَّا أَلْفَاظُ الرِّوَايَةِ مِنْ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ:

- ‌فصل: الحديث الصحيح والمرسل

- ‌حكم الحديث المنقطع والمعضل:

- ‌فصل: طرق ثبوت العدالة

- ‌مدخل

- ‌فرع: الخلاف في عدالة الْمُبْهَمِ

- ‌فرع آخر: الخلاف فِي قَبُولِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مَنْ دُونِ ذِكْرِ السَّبَبِ

- ‌فرع ثالث: تعارض الجرح والتعديل والجمع بينهما

- ‌فصل: عدالة الصحابة

- ‌فرع: التعريف بالصحابي

- ‌فرع آخر: طرق معرفة الصحابي

- ‌المقصد الثالث: الإجماع

- ‌الفصل الأول: في مسماه لغة واصطلاحا

- ‌الفصل الثاني: في إِمْكَانُ الْإِجْمَاعِ فِي نَفْسِهِ

- ‌الفصل الثالث: في ظنية الإجماع أو قطعيته

- ‌الفصل الرابع: فيماينعقد به الإجماع

- ‌الفصل الخامس: في اعتبار المجتهد المبتدع في الإجماع

- ‌الفصل السادس: اعتبار التابعي المجتهد في الإجماع

- ‌الفصل السابع: حكم إجماع الصحابة

- ‌الفصل الثامن: حكم إجماع أهل المدينة

- ‌الفصل التاسع: في عدم اعتبار من سيوجد في الإجماع

- ‌الفصل العاشر: في حكم انْقِرَاضُ عَصْرِ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ فِي حُجِّيَّةِ إِجْمَاعِهِمْ

- ‌الفصل الْحَادِيَ عَشَرَ: الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ

- ‌الفصل الثاني عشر: حكم الإجماع على شيء بعد الإجماع على خلافه

- ‌الفصل الثَّالِثَ عَشَرَ: فِي حُدُوثِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ سَبْقِ الْخِلَافِ

- ‌الفصل الرابع عشر: إذا اختلفت أهل العصر في مسألة على قولين

- ‌الفصل الخامس عشر: في حكم إحداث دليل أو تأويل من غير إلغاء الدليل أو التأويل الأول

- ‌الفصل السادس عشر: في وُجُودِ دَلِيلٍ لَا مُعَارِضَ لَهُ لَمْ يَعْلَمْهُ أهل الإجماع

- ‌الفصل السابع عشر: قول العوام في الإجماع

- ‌مدخل

- ‌فرع: إِجْمَاعِ الْعَوَامِّ

- ‌الفصل الثامن عشر: الإجماع المعتبر

- ‌الفصل التاسع عشر: مخالفة واحد من المجتهدين لأهل الإجماع

- ‌الفصل الموفي عشرين: الإجماع المنقول بطريق الآحاد وحجيته

- ‌خَاتِمَةٌ:

- ‌المقصد الرابع: في الأوامر والنواهي والعموم

- ‌الفصل الأول: في مَبَاحِثُ الْأَمْرِ

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: حَقِيقَةُ لَفْظِ الْأَمْرِ

- ‌الفصل الثاني: الخلاف فِي حَدِّ الْأَمْرِ بِمَعْنَى الْقَوْلِ

- ‌الفصل الثالث: حقيقة صيغة أفعل

- ‌مدخل

- ‌صيغ الأمر ومعانيه:

- ‌الفصل الرابع: هل الأمر يفيد تكرار أم لا

- ‌الفصل الخامس: هل يقتضي الأمر الفور أم لا

- ‌الْفَصْلُ السَّادِسُ: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ

- ‌الفصل السابع: الإتيان بالمأمور به

- ‌الفصل الثامن: هل يجب القضاء بأمر جديد أم بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ

- ‌الفصل التاسع: هل الأمر بالأمر بالشيء أمر به أم لا

- ‌الفصل العاشر: الأمر بالماهية ومقتضاه

- ‌الفصل الحادي عشر: تعاقب الأمرين المتماثلين والمتغايرين

- ‌الفصل الثاني: في النواهي

- ‌الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ: فِي مَعْنَى النَّهْيِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا

- ‌المبحث الثاني: النهي الحقيقي ومعناه

- ‌الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ: فِي اقْتِضَاءِ النَّهْيِ لِلْفَسَادِ

- ‌الفصل الثالث: في الْعُمُومُ

- ‌الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي حَدِّهِ

- ‌المسألة الثانية: "العموم من عوارض الألفاظ

- ‌المسألة الثالثة: "تَصَوُّرِ الْعُمُومِ فِي الْأَحْكَامِ

- ‌المسألة الرابعة: "الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ

- ‌المسألة الخامسة: "صيغ العموم

- ‌الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ كُلَّ صِيغَةٍ مِنْ تِلْكَ الصِّيَغِ لِلْعُمُومِ وَفِيهِ فُرُوعٌ

- ‌الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: فِي عُمُومِ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ لِلْقِلَّةِ أَوْ لِلْكَثْرَةِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ

- ‌المسألة التاسعة: "الخلاف فِي عُمُومِ الْفِعْلِ الْمُثْبَتِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: فِي عُمُومِ نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً

- ‌المسألة الحادية عشر: الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى الْجَمْعِ

- ‌المسألة الثانية عشر: في عموم الخطاب بمثل يا أيها الناس

- ‌المسألة الثالثة عشرة: "دُخُولِ الْكَافِرِ فِي الْخِطَابِ الصَّالِحِ لَهُ وَلِلْمُسْلِمِينَ

- ‌المسألة الرابعة عشرة: "الْخِطَابِ الشَّفَاهِيِّ

- ‌المسألة الخامسة عشرة: "الْخِطَابِ الْخَاصِّ بِالْأُمَّةِ

- ‌المسألة السادسة عشرة: حكم الخطاب الخاص بواحد من الأمة

- ‌المسألة السابعة عشرة: حكم دخول المخاطِب تحت عموم خطابه

- ‌المسألة الثامنة عشرة: عُمُومِ الْمُقْتَضَى

- ‌المسألة التاسعة عشرة: عُمُومِ الْمَفْهُومِ

- ‌المسألة الموفية للعشرون: الاستفصال

- ‌المسألة الحادية والعشرون: حذف المتعلق

- ‌المسألة الثانية والعشرون: حكم الكلام الوراد في جهة المدح أو الذم

- ‌المسألة الثالثة والعشرون: حكم الْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ

- ‌المسألة الرابعة والعشرون: خلاف العلماء فيما إذا ذِكْرُ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ الْمُوَافِقِ لَهُ فِي الحكم

- ‌المسألة الخامسة والعشرون: في عموم العلة المعلقة بالحكم

- ‌الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ هَلْ هُوَ حقيقة في الباقي أم مجاز

- ‌المسألة السابعة والعشرون: حجية العام بعد التخصيص

- ‌المسألة الثامنة والعشرون: عَطْفِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ عَلَيْهِ

- ‌المسألة التاسعة والعشرون: هل يجوز العمل بالعام قَبْلَ الْبَحْثِ عَنِ الْمُخَصِّصِ

- ‌المسألة الموفية للثلاثين: فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ وَالْعَامِّ الَّذِي أريد به الخصوص

- ‌الفصل الرَّابِعُ: فِي الْخَاصِّ وَالتَّخْصِيصِ وَالْخُصُوصِ وَفِيهِ ثَلَاثُونَ مسألة

- ‌الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي حَدِّهِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي الْفَرْقِ بَيْنَ النَّسْخِ وَالتَّخْصِيصِ

- ‌المسألة الثالثة: تخصيص العمومات وجوازه

- ‌المسألة الرابعة: قولهم فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْ بَقَائِهِ بعد التخصيص

- ‌المسألة الخامسة: الْمُخَصِّصِ

- ‌المسألة السادسة: حكم الاستثناء من الجنس

- ‌المسألة السابعة: إقامة الحجة عَلَى مَنْ أَنْكَرَ الِاسْتِثْنَاءَ

- ‌المسألة الثامنة: شُرُوطِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ

- ‌المسألة التاسعة: الاستثناء من النفي والخلاف فيه

- ‌المسألة العاشرة: اختلاف العلماء فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْوَارِدِ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ، هَلْ يعود إلى الجميع أم لا

- ‌المسألة الحادية عشرة: حكم الوصف الوارد بعد المستثنى

- ‌المسألة الثانية عشرة: التخصيص بالشرط

- ‌مدخل

- ‌أَقْسَامُ الشَّرْطِ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: التَّخْصِيصُ بِالصِّفَةِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: التَّخْصِيصُ بِالْغَايَةِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: التَّخْصِيصُ بِالْبَدَلِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: التَّخْصِيصُ بِالْحَالِ

- ‌المسألة السابعة عشرة: التخصيص بالظرف وَالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ

- ‌المسألة الثامنة عشرة: التَّخْصِيصِ بِالتَّمْيِيزِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: "التَّخْصِيصُ" * بِالْمَفْعُولِ لَهُ وَالْمَفْعُولِ مَعَهُ

- ‌المسألة الموفية عشرون: التخصيص بالفعل

- ‌الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: التَّخْصِيصُ بِالْحِسِّ

- ‌المسألة الثانية والعشرون: التخصيص بالكتاب العزيز وبالنسبة المطهرة والتخصيص لهما

- ‌مدخل

- ‌جواز تخصيص السنة بالكتاب:

- ‌جواز تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ:

- ‌جواز تَخْصِيصُ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِالْمُتَوَاتِرَةِ:

- ‌جواز تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ:

- ‌التخصيص بموافقة العام وبعطف الخاص على العام

- ‌المسألة الثانية والعشرون: في التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: فِي التَّخْصِيصِ بِالْمَفْهُومِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: فِي التَّخْصِيصِ بِالْإِجْمَاعِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: فِي التَّخْصِيصِ بِالْعَادَةِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: فِي التَّخْصِيصِ بِمَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ: فِي التَّخْصِيصِ بِالسِّيَاقِ

- ‌الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: فِي التَّخْصِيصِ بِقَضَايَا الْأَعْيَانِ

- ‌المسألة الموفية للثلاثون: في بِنَاءُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ

- ‌فهرس المحتويات:

الفصل: ‌المسألة السادسة: في الاستدلال على أن كل صيغة من تلك الصيغ للعموم وفيه فروع

‌الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ كُلَّ صِيغَةٍ مِنْ تِلْكَ الصِّيَغِ لِلْعُمُومِ وَفِيهِ فُرُوعٌ

الْفَرْعُ الْأَوَّلُ فِي:

مَنْ، وَمَا، وَأَيْنَ، وَمَتَى، للاستفهاز؟

فَهَذِهِ الصِّيَغُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ لِلْعُمُومِ فَقَطْ، أو للخصوص فقط أَوْ لَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ، أَوْ لَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ وَالْكُلُّ بَاطِلٌ إِلَّا الْأَوَّلَ.

أَمَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْخُصُوصِ فَقَطْ فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا حَسُنَ مِنَ الْمُجِيبِ أَنْ يُجِيبَ بِذِكْرِ كُلِّ الْعُقَلَاءِ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ، لَكِنْ لَا نِزَاعَ فِي حُسْنِ ذَلِكَ.

وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِالِاشْتِرَاكِ، فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا حَسُنَ الْجَوَابُ إِلَّا بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ عَنْ جَمِيعِ الْأَقْسَامِ الْمُمْكِنَةِ.

مَثَلًا إِذَا قَالَ: مَنْ عِنْدَكَ؟ فَلَا بُدَّ أَنْ تَقُولَ: سَأَلْتَنِي عَنِ الرِّجَالِ أَوِ النِّسَاءِ، فَإِذَا قَالَ: عَنِ الرِّجَالِ، فَلَا بُدَّ أَنْ تقول: سألتني عن العرب أو الْعَجَمِ، فَإِذَا قَالَ: عَنِ الْعَرَبِ، فَلَا بُدَّ أَنْ تَقُولَ: عَنْ رَبِيعَةَ أَوْ مُضَرَ، وَهَكَذَا إلى أن تأتي على جميع "التقسيمات"* الْمُمْكِنَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّفْظَ إِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الِاسْتِغْرَاقِ وَبَيْنَ مَرْتَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي الْخُصُوصِ، أَوْ بَيْنَ الِاسْتِغْرَاقِ وَبَيْنَ جَمِيعِ الْمَرَاتِبِ الْمُمْكِنَةِ فِي الْخُصُوصِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ بِهِ، وَالثَّانِي يَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْسُنَ مِنَ الْمُجِيبِ ذِكْرُ الْجَوَابِ إِلَّا بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ عَنْ كُلِّ تِلْكَ الْأَقْسَامِ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ، فَإِذَا كَانَ السُّؤَالُ مُحْتَمِلًا لِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ فَلَوْ أَجَابَ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ مَا عَنْهُ وَقَعَ السُّؤَالُ لَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ الْجَوَابُ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، فَثَبَتَ أَنْ لَوْ صَحَّ الِاشْتِرَاكُ لَوَجَبَتْ هَذِهِ الِاسْتِفْهَامَاتُ، لَكِنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ.

أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّهُ لَا عَامَّ إِلَّا وَتَحْتَهُ عَامٌّ آخَرُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتِ التقسيمات الممكنة غير

* في "أ": الأقسام.

ص: 295

مُتَنَاهِيَةٍ، وَالسُّؤَالُ عَنْهَا عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ مُحَالٌ.

وَأَمَّا ثَانِيًا: فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ اللِّسَانِ أَنَّهُمْ يَسْتَقْبِحُونَ مِثْلَ هَذِهِ الِاسْتِفْهَامَاتِ.

وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصِّيغَةُ غَيْرَ مَوْضُوعَةٍ لِلْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَبَطَلَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ.

الْفَرْعُ الثَّانِي:

فِي صِيغَةِ مَنْ وَمَا فِي الْمُجَازَاةِ فَإِنَّهَا لِلْعُمُومِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَأُكْرِمُهُ؛ لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ لَمَا حَسُنَ مِنَ الْمُخَاطَبِ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى مُوجِبِ الْأَمْرِ إِلَّا عِنْدَ الِاسْتِفْهَامِ عَنْ جَمِيعِ الْأَقْسَامِ، لَكِنَّهُ قَدْ حَسُنَ ذَلِكَ بِدُونِ اسْتِفْهَامٍ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاكِ كَمَا سَبَقَ فِي الْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا.

وَأَيْضًا لَوْ قَالَ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَأُكْرِمُهُ، حَسُنَ مِنْهُ اسْتِثْنَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعُقَلَاءِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ، وَحُسْنُ ذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ اللُّغَةِ ضَرُورَةً، وَالِاسْتِثْنَاءُ يُخْرِجُ مِنَ الْكَلَامِ مَا لَوْلَاهُ لَوَجَبَ دُخُولُهُ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنَ الْجِنْسِ "لَا بُدَّ أَنْ"* يَصِحَّ دُخُولُهُ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَإِمَّا أَنْ لَا يُعْتَبَرَ مَعَ الصِّحَّةِ الْوُجُوبُ أَوْ يُعْتَبَرَ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ كَقَوْلِكَ: جَاءَنِي فُقَهَاءُ إِلَّا زَيْدًا، وَبَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ، كَقَوْلِكَ: جَاءَنِي الْفُقَهَاءُ إِلَّا زَيْدًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ يَقْتَضِي إِخْرَاجَ مَا لَوْلَاهُ لَوَجَبَ دُخُولُهُ تَحْتَ اللَّفْظِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

الْفَرْعُ الثَّالِثُ:

فِي أَنَّ صِيغَةَ كُلٌّ وَجَمِيعٌ يُفِيدَانِ الِاسْتِغْرَاقَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: جَاءَنِي كُلُّ عَالِمٍ فِي الْبَلَدِ أَوْ جَمِيعُ عُلَمَاءِ الْبَلَدِ، فَإِنَّهُ يُنَاقِضُهُ قَوْلُكُ: مَا جَاءَنِي كُلُّ عَالِمٍ فِي الْبَلَدِ، وَمَا جَاءَنِي جَمِيعُ عُلَمَاءِ الْبَلَدِ، وَلِذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْكَلَامَيْنِ فِي تَكْذِيبِ الْآخَرِ، وَالتَّنَاقُضُ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا إِذَا أَفَادَ الْكُلُّ الِاسْتِغْرَاقَ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ عَنِ الْكُلِّ لَا يُنَاقِضُ الثُّبُوتَ فِي الْبَعْضِ، وَأَيْضًا صِيغَةُ الْكُلِّ وَالْجَمِيعِ مُقَابِلَةٌ لِصِيغَةِ الْبَعْضِ، وَلَوْلَا أَنَّ صِيغَتَهُمَا غَيْرُ مُحْتَمِلَةٍ لِلْبَعْضِ، لَمْ تَكُنْ مُقَابِلَةً، وَأَيْضًا إِذَا قَالَ الْقَائِلُ: ضَرَبْتُ كُلَّ مَنْ فِي الدَّارِ أَوْ ضَرَبْتُ جَمِيعَ مَنْ فِي الدَّارِ سَبَقَ إِلَى الْفَهْمِ الِاسْتِغْرَاقُ، ولو كانت صيغة الكل أو الجمع مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ لَمَّا كَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَفْهُومَيْنِ عَلَى السَّوِيَّةِ امْتَنَعَ أَنْ تَكُونَ مُبَادَرَةُ الْفَهْمِ إِلَى أَحَدِهِمَا أَقْوَى مِنْهَا إِلَى الْآخَرِ."وَأَيْضًا إِذَا"** قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: اضْرِبْ كُلَّ مَنْ دَخَلَ دَارِي، أَوْ جَمِيعَ مَنْ دَخَلَ دَارِي، فَضَرَبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّنْ دَخَلَ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ بِضَرْبِ جَمِيعِهِمْ، وَلَهُ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ إِذَا تَرَكَ الْبَعْضَ مِنْهُمْ، وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: أَعْتِقْ كُلَّ عَبِيدِي، أَوْ جَمِيعَ عَبِيدِي ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَحْصُلِ الِامْتِثَالُ إِلَّا بِعِتْقِ كُلِّ عَبْدٍ له، ولا يحصل

* ما بين قوسين ساقط من "أ".

** في "أ": وإذا.

ص: 296

امْتِثَالُهُ بِعِتْقِ الْبَعْضِ، وَأَيْضًا لَا يَشُكُّ عَارِفٌ بِلُغَةِ الْعَرَبِ أَنَّ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ: جَاءَنِي رِجَالٌ، وَجَاءَنِي كُلُّ الرِّجَالِ، وَجَمِيعُ الرِّجَالِ، فَرْقًا ظَاهِرًا، وَهُوَ دَلَالَةُ الثَّانِي عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ دُونَ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ إِذَا أَرَادُوا التَّعْبِيرَ عَنِ الِاسْتِغْرَاقِ جَاءُوا بِلَفْظِ كُلٌّ، وَجَمِيعٌ، وَمَا يُفِيدُ مَفَادَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَكُونَا لِلِاسْتِغْرَاقِ لَكَانَ اسْتِعْمَالُهُمْ لَهُمَا عِنْدَ إِرَادَتِهِمْ لِلِاسْتِغْرَاقِ عَبَثًا.

قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَيْسَ بَعْدَ كُلٌّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَلِمَةٌ أَعَمُّ مِنْهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَقَعَ مُبْتَدَأً بِهَا أَوْ تَابِعَةً، تَقُولُ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، وَجَاءَنِي الْقَوْمُ كُلُّهُمْ، فَيُفِيدُ أَنَّ الْمُؤَكَّدَ بِهِ عَامٌّ وَهِيَ تَشْمَلُ الْعُقَلَاءَ، وَغَيْرَهُمْ وَالْمُذَكَّرَ وَالْمُؤَنَّثَ، وَالْمُفْرَدَ وَالْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعَ فَلِذَلِكَ كَانَتْ أَقْوَى صِيَغِ الْعُمُومِ، وَتَكُونُ فِي الْجَمِيعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، تَقُولُ كُلُّ النِّسَاءِ، وَكُلُّ الْقَوْمِ، وَكُلُّ رَجُلٍ، وَكُلُّ امْرَأَةٍ.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: مَعْنَى قَوْلِهِمْ: كُلُّ رَجُلٍ: كُلُّ رِجَالٍ، فَأَقَامُوا رَجُلًا مَقَامَ رِجَالٍ؛ لِأَنَّ رَجُلًا شَائِعٌ في الجنس، والرجال الجنس، ولا يؤكد بها المثنى استغناء عنه بكل، وَلَا يُؤَكَّدُ بِهَا إِلَّا ذُو أَجْزَاءٍ، وَلَا يُقَالُ: جَاءَ زَيْدٌ كُلُّهُ. انْتَهَى.

وَقَدْ ذَكَرَ عُلَمَاءُ النَّحْوِ وَالْبَيَانِ الْفَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَقَدَّمَ النَّفْيُ عَلَى كُلٌّ، وَبَيْنَ أَنْ تَتَقَدَّمَ هِيَ عَلَيْهِ، فَإِذَا تَقَدَّمَتْ عَلَى حَرْفِ النَّفْيِ نَحْوَ: كُلُّ الْقَوْمِ لَمْ يَقُمْ أَفَادَتِ التَّنْصِيصَ عَلَى انْتِفَاءِ قِيَامِ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ، وَإِنْ تَقَدَّمَ النَّفْيُ عَلَيْهَا مِثْلَ: لَمْ يَقُمْ كُلُّ الْقَوْمِ لَمْ تَدُلَّ إِلَّا عَلَى نَفْيِ الْمَجْمُوعِ، وَذَلِكَ بصدق بِانْتِفَاءِ الْقِيَامِ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ عُمُومَ السَّلْبِ وَالثَّانِي سَلْبَ الْعُمُومِ، مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ يُحْكَمُ فِيهِ بِالسَّلْبِ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ، وَالثَّانِيَ لَمْ يُفِدِ الْعُمُومَ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ إِنَّمَا أَفَادَ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ بَعْضِهِمْ.

قَالَ "الْقَرَافِيُّ"*: وَهَذَا شَيْءٌ اخْتُصَّتْ بِهِ كُلٌّ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ صِيَغِ الْعُمُومِ، قَالَ: وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا عِنْدَ أَرْبَابِ الْبَيَانِ، وَأَصْلُهَا قوله صلى الله عليه وسلم:"كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ" لَمَّا قَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أَقُصِرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ1. انتهى.

* في "أ": الفراء.

_________

1 أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة، كتاب الأذان، باب هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس "714". مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له "573". والنسائي في السنن، كتاب السهو، باب ما يفعل من سلم في ركعتين ناسيًا وتكلم "1225""3/ 22". الترمذي، كتاب الصلاة باب ما جاء في الرجل يسلم في الركعتين من الظهر والعصر "399". مالك في الموطأ، كتاب الصلاة، باب ما يفعل من سلم من ركعتين ساهيًا "1/ 93". أبو داود، كتاب الصلاة، باب السهو في السجدتين "1008"، وابن حبان في الصحيح "2249".

ص: 297

وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فِي مَعْنَى كُلٌّ فَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ لَفْظَ جَمِيعٌ هُوَ بِمَعْنَى كُلٌّ الْإِفْرَادِيِّ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: أَنَّهَا لِلْعُمُومِ الْإِحَاطِيِّ، وقيل: يفترقان من جهة كون دلالة على كل فَرْدٍ بِطْرِيقِ النُّصُوصِيَّةِ بِخِلَافِ جَمِيعٌ.

وَفَرَّقَتِ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ كُلٌّ تَعُمُّ الْأَشْيَاءَ عَلَى سَبِيلِ الانفراد، وجميع تَعُمُّهَا عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الزَّجَّاجَ1 حَكَى هَذَا الْفَرْقَ عَنِ الْمُبَرِّدِ2.

الْفَرْعُ الرَّابِعُ:

لَفْظُ أَيُّ فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ صِيَغِ العموم، إذا كانت شريطة أَوِ اسْتِفْهَامِيَّةً، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنى} 3 وقوله تعالى: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} 4؛ وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي صِيَغِ الْعُمُومِ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ، وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِيُّ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَسُلَيْمٌ الرَّازِيُّ، وَالْقَاضِيَانِ أَبُو بَكْرٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ وَالرَّازِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَالصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ، قَالُوا: وَتَصْلُحُ لِلْعَاقِلِ وَغَيْرِهِ.

قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي "التَّخْلِيصِ"5: إِلَّا أَنَّهَا تتناول على جهة الانفراد دُونَ الِاسْتِغْرَاقِ، وَلِهَذَا إِذَا قُلْتَ: أَيُّ الرَّجُلَيْنِ عِنْدَكَ، لَمْ يُجِبْ إِلَّا بِذِكْرِ وَاحِدٍ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي "الْقَوَاطِعِ"6: وَأَمَّا كَلِمَةُ أَيُّ فَقِيلَ: كَالنَّكِرَةِ لِأَنَّهَا تَصْحَبُهَا لَفْظًا وَمَعْنًى، تَقُولُ: أَيُّ رَجُلٍ فَعَلَ هَذَا وَأَيَّ دَارٍ دَخَلَ؟ قال الله تعالى: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} وَهِيَ فِي الْمَعْنَى نَكِرَةٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ. انْتَهَى.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي "الْبَحْرِ": وَحَاصِلُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهَا لِلِاسْتِغْرَاقِ الْبَدَلِيِّ لَا الشُّمُولِيِّ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهَا للعموم والشمولي، وَتَوَسَّعَ الْقَرَافِيُّ فَعَدَّى عُمُومَهَا إِلَى الْمَوْصُولَةِ وَالْمَوْصُوفَةِ فِي النِّدَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُعَدِّهِ كَالْغَزَالِيِّ وَابْنِ الْقُشَيْرِيِّ لِأَجْلِ قَوْلِ النُّحَاةِ: إِنَّهَا بِمَعْنَى بَعْضُ إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى مَعْرِفَةٍ، وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ أَيَّ وَقْتٍ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يتكرر

1 هو إبراهيم بن السيري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج، عالم بالنحو واللغة كان في فتوته يخرط الزجاج، مال إلى النحو فعلمه المبرد، توفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة، من آثاره:"معاني القرآن""الاشتقاق""الأمالي" في الأدب واللغة. ا. هـ. الأعلام "1/ 40"، سير أعلام النبلاء "14/ 360"، معجم المؤلفين "1/ 33"، شذرات الذهب "2/ 259".

2 هو محمد بن يزيد، أبو العباس، إمام النحو، البصري، النحوي، الأخباري، أخذ عن المازني والسجستاني، من آثاره:"الكامل في الأدب"، توفي سنة ست وثمانين ومائتين. ا. هـ. سير أعلام النبلاء "13/ 576"، شذرات الذهب "2/ 190".

3 جزء من الآية "110" من سورة الإسراء.

4 جزء من الآية "38" من سورة النمل.

5 هو "التخليص في أصول الفقه"، انظر شجرة النور الزكية لمحمد مخلوف، ترجمة رقم "266".

6 واسمه: "القواطع في اصول الفقه"، لأبي المظفر، منصور بن محمد، السمعاني، المتوفى سنة تسع وثمانين وأربعمائة. ا. هـ. كشف الظنون "2/ 1357".

ص: 298

الطَّلَاقُ بِتَكْرَارِ الدُّخُولِ كَمَا فِي كُلَّمَا.

وَالْحَقُّ: أَنَّ عَدَمَ التَّكْرَارِ لَا يُنَافِي الْعُمُومَ، وَكَوْنُ مَدْلُولِهَا أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الصِّيَغِ فِي الِاسْتِفْهَامِ.

وَقَالَ صَاحِبُ "اللُّبَابِ"1 مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَبُو زَيْدٍ فِي "التَّقْوِيمِ": كَلِمَةُ أَيُّ نَكِرَةٌ لَا تَقْتَضِي الْعُمُومَ بِنَفْسِهَا إِلَّا بِقَرِينَةٍ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ:{أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} ولم يقل يأتوني، لو قَالَ لِغَيْرِهِ: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْتَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُمْ لَمْ يُعْتَقْ إِلَّا وَاحِدٌ، فَإِنَّ وَصْفَهَا بِصِفَةٍ عَامَّةٍ كَانَتْ لِلْعُمُومِ بِقَوْلِهِ: أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَكَ فَهُوَ حُرٌّ، فَضَرَبُوهُ جَمِيعًا عَتَقُوا، لِعُمُومِ فِعْلِ الضَّرْبِ، وَصَرَّحَ إِلْكِيَا الطَّبَرِيُّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَقَالَ: وَأَمَّا أَيُّ فَهِيَ اسْمٌ مُفْرَدٌ يَتَنَاوَلُ جُزْءًا مِنَ الْجُمْلَةِ الْمُضَافَةِ، قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} فَجَاءَ بِهِ وَاحِدٌ وَقَالَ: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} 2، وَصَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَالشَّاشِيُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَأَنَّ الْعَبِيدَ يُعْتَقُونَ جَمِيعًا فِيهِمَا وَجَزَمَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي "التَّحْرِيرِ"3 بِأَنَّهَا في الشرط والاستفهام ككل مَعَ النَّكِرَةِ، وَكَالْبَعْضِ مَعَ الْمَعْرِفَةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا "قَرَّرَهُ"* النُّحَاةُ فِيهَا فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَيَّ رَجُلٍ تَضْرِبْ أَضْرِبْ، وَبَيْنَ أَيَّ "الرَّجُلَيْنِ"** تَضْرِبْ أَضْرِبْ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى.

الْفَرْعُ الْخَامِسُ:

النَّكِرَةُ فِي النَّفْيِ فَإِنَّهَا تَعُمُّ وَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا قَالَ: أَكَلْتُ الْيَوْمَ شَيْئًا، فَمَنْ أَرَادَ تَكْذِيبَهُ قَالَ: مَا أَكَلْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا، فَذِكْرُهُمْ هَذَا النَّفْيَ عن تَكْذِيبِ ذَلِكَ الْإِثْبَاتِ يَدُلُّ عَلَى اتِّفَاقِهِمْ عَلَى كَوْنِهِ مُنَاقِضًا لَهُ فَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ: مَا أَكَلْتُ الْيَوْمَ شَيْئًا لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ لَمَا تَنَاقَضَا؛ لِأَنَّ السَّلْبَ الْجُزْئِيَّ لَا يُنَاقِضُ الْإِيجَابَ الْجُزْئِيَّ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنِ النَّكِرَةُ فِي النَّفْيِ لِلْعُمُومِ لَمَا كَانَ قَوْلُنَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ نَفْيًا لِجَمِيعِ الْآلِهَةِ سِوَى اللَّهِ سبحانه وتعالى، فَتَقَرَّرَ بِهَذَا أَنَّ النَّكِرَةَ الْمَنْفِيَّةَ بِمَا أَوْ لَنْ أَوْ لَمْ أو ليس أو

* في "أ": جوزه.

** في "أ": الرجل.

_________

1 هو الإمام، جلال الدين مطهر بن الحسن، ويقال المطهر بن الحسن اليزدي، أبو سعد، المتوفى سنة إحدى وتسعين وخمسمائة هـ، وله شرح على مختصر القدوري "الكتاب" سماه "اللباب"، وهو في مجلدين، ا. هـ. كشف الظنون "2/ 1632". وهو مطبوع.

2 جزء من الآية "7" من سورة الكهف.

3 واسمه "التحرير" في أصول "الفقه" للعلامة كمال الدين الشهير بابن الهمام، المتوفى سنة إحدى وستين وثمانمائة هـ، وهو مجلد، رتب على مقدمة وثلاث مقالات، جمع فيه علمًا جمًّا وله شروح كثيرة. ا. هـ. كشف الظنون "1/ 358".

ص: 299

لَا مُفِيدَةٌ لِلْعُمُومِ، وَسَوَاءٌ دَخَلَ حَرْفُ النَّفْيِ عَلَى فِعْلٍ نَحْوَ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا، أَوْ عَلَى الِاسْمِ نَحْوَ: لَا رَجُلَ فِي الدَّارِ، وَنَحْوَ مَا أَحَدٌ قَائِمًا وَمَا قَامَ أَحَدٌ.

وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي "الْإِفَادَةِ": قَدْ فَرَّقَ أَهْلُ اللُّغَةِ بَيْنَ النَّفْيِ فِي قَوْلِهِ: مَا جَاءَنِي أَحَدٌ، وَمَا جَاءَنِي مِنْ أَحَدٍ، وَبَيْنَ دُخُولِهِ عَلَى النَّكِرَةِ مِنْ أَسْمَاءِ الْجِنْسِ، فيما جَاءَنِي رَجُلٌ، وَمَا جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ، فَرَأَوْا تَسَاوِيَ اللَّفْظَيْنِ فِي الْأَوَّلِ، وَأَنَّ مِنْ زَائِدَةٌ فِيهِ، وَافْتِرَاقُ الْمَعْنَى فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مَا جَاءَنِي رَجُلٌ يَصْلُحُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْكُلُّ، وَأَنْ يُرَادَ بِهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا دَخَلَتْ مِنْ أَخْلَصَتِ النَّفْيَ لِلِاسْتِغْرَاقِ.

وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِيُّ: هِيَ لِلْعُمُومِ ظَاهِرًا عِنْدَ تَقْدِيرِ مِنْ، فَإِنْ دَخَلَتْ مِنْ كَانَتْ نَصًّا، وَالْمَشْهُورُ فِي عِلْمِ النَّحْوِ الْخِلَافُ بَيْنَ سِيبَوَيْهِ وَالْمُبَرِّدِ، فَسِيبَوَيْهِ قَالَ: إِنَّ الْعُمُومَ مُسْتَفَادٌ مِنَ النَّفْيِ قَبْلَ دُخُولِ مِنْ، وَالْمُبَرِّدُ قَالَ: أَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ لَفْظِ مِنْ؛ وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ سِيبَوَيْهِ، وَكَوْنُ مِنْ تُفِيدُ النُّصُوصِيَّةَ بِدُخُولِهَا، لَا يُنَافِي الظُّهُورَ الْكَائِنَ قَبْلَ دُخُولِهَا.

قَالَ أَبُو حَيَّانَ1: مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّ مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَدٍ، وَمَا جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ؛ مِنْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِتَأْكِيدِ اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. انْتَهَى.

وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ قَبْلَ دُخُولِ مِنْ لَمَّا كَانَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّة} 2 و {لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} 3 مُقْتَضِيًا لِلْعُمُومِ، وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ حُرُوفِ النَّفْيِ الدَّاخِلَةِ عَلَى النَّكِرَةِ بِفَرْقٍ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ فَلَا نُطَوِّلُ بِذِكْرِهِ.

وَاعْلَمْ: أَنَّ حُكْمَ النَّكِرَةِ الْوَاقِعَةِ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ حُكْمُ النَّكِرَةِ الْوَاقِعَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، وَمَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ مِنَ الصُّوَرِ فَهُوَ لِنَقْلِ الْعُرْفِ لَهُ عَنِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ.

الْفَرْعُ السَّادِسُ:

لَفْظُ مَعْشَرُ وَمَعَاشِرُ وَعَامَّةُ، وَكَافَّةُ وَقَاطِبَةً، وَسَائِرُ مِنْ صِيَغِ العموم في مثل قوله تعالى:

1 هو محمد بن يوسف بن علي، الغرناطي، الأندلسي، أثير الدين، أبو حيان، من كبار العلماء بالعربية والتفسير والحديث والتراجم واللغات، ولد سنة أربع وخمسين وستمائة هـ، وتوفي سنة خمس وأربعين وسبعمائة هـ في القاهرة، بعد أن كف بصره، من آثاره:"البحر المحيط - طبقات نحاة الأندلس". ا. هـ. شذرات الذهب "6/ 145" إيضاح المكنون "1/ 24". ذيل تذكرة الحفاظ "23" معجم المؤلفين "12/ 130".

2 جزء من الآية "3" من سورة سبأ.

3 جزء من الآية "48" من سورة البقرة.

ص: 300

{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْس} 1 و"نحن معاشر الأنبياء لا نورث" 2 وجاءني القوم عامة، {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة} و"ارتدت العرب قاطبة"4 وجاءني سَائِرُ النَّاسِ إِنْ كَانَتْ مَأْخُوذَةً مِنْ سُورِ الْبَلَدِ وَهُوَ الْمُحِيطُ بِهَا كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ5، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَسْأَرَ بِمَعْنَى أَبْقَى فَلَا تَعُمُّ.

وَقَدْ حَكَى الْأَزْهَرِيُّ6 الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْمَعْنَى الثَّانِي، وَغَلَّطُوا الْجَوْهَرِيَّ.

وَأُجِيبَ عَنِ الْأَزْهَرِيِّ بِأَنَّهُ قَدْ وَافَقَ الْجَوْهَرِيَّ عَلَى ذَلِكَ السِّيرَافِيُّ فِي "شَرْحِ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ"7 وَأَبُو مَنْصُورٍ الْجَوَالِيقِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْكَاتِبِ"8 وَابْنُ بري وغيرهم والظاهر أنها للعموم

1 جزء من الآية "33" من سورة الرحمن.

2 أخرجه البخاري من حديث عائشة في فضائل الصحابة، باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم "3711". ومسلم، كتاب الاجتهاد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا نورث، ما تركنا فهو صدقة""1759". وأبو داود، كتاب الخراج والإمارة، باب صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم "2969". والبيهقي، كتاب قسم الفيء والغنيمة "6/ 300". وأحمد في والإمارة "1/ 9". وابن حبان في صحيحه "4823".

3 جزء من الآية "36" من سورة التوبة.

4 أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب الإيمان باب كفر المرتدين بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم "32". والبخاري في الزكاة باب وجوب الزكاة "1399"، وأبو داود في الزكاة باب وجوبها "1556". والترمذي في الإيمان باب ما جاء أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله "2607". والنسائي في الزكاة باب مانع الزكاة "2442""5/ 14".

5 هو إسماعيل بن حماد، أبو نصر بن حماد التركي، الأتراري، أحد من يضرب به المثل في ضبط اللغة، وهو أول من حاول الطيران ومات في سبيله، سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، من آثاره:"الصحاح". ا. هـ. سير أعلام النبلاء "17/ 80" الأعلام "1/ 313"، شذرات الذهب "3/ 142".

6 هو محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة، الأزهري، أبو منصور، العلامة اللغوي، الشافعي، كان رأسًا في اللغة والفقه، ثقة، ثبتًا، دينًا، من آثاره:"تهذيب اللغة""التفسير""تفسير ألفاظ المزني""علل القراءات"، توفي سنة سبعين وثلاثمائة، ا. هـ. سير أعلام النبلاء "16/ 315"، هدية العارفين "2/ 49"، شذرات الذهب "3/ 72".

7 هو الحسن بن عبد الله بن المرزبان، أبو سعيد، العلامة، إمام النحو، صاحب التصانيف، من آثاره:"ألفات القطع والوصل""الإقناع""أخبار النحاة".

وله كتاب يسمى: "شرح كتاب سيبويه"، وهو شرح أعجب المعاصرين له، حتى حسده الفارسي لظهور مزاياه على تعليقته التي علقها عليه. ا. هـ. سير أعلام النبلاء "16/ 247"، كشف الظنون "2/ 1427"، شذرات الذهب "3/ 65".

8 هو موهوب بن أحمد بن محمد، الإمام العلامة، اللغوي النحوي أبو منصور، إمام الخليفة المقتفى، ولد سنة ست وستين وأربعمائة هـ، من آثاره:"المعرب" و"التكملة في لحن العامة"، توفي سنة أربعين وخمسمائة هـ.

وله كتاب: "شرح أدب الكاتب"، طبع بمصر سنة "1350" هـ مصدرًا بمقدمة بليغة وافية لشيخ الأدب مصطفى صادق الرافعي، وأدب الكاتب لأبي محمد عبد الله بن مسلم، المعروف، بابن قتيبة النحوي، المتوفى سنة سبعين ومائتين هـ، ا. هـ. سير أعلام النبلاء "20/ 89" هدية العارفين "2/ 483"، كشف الظنون "1/ 48".

9 هو عبد الله بن بري بن عبد الجبار بن بري، المقدسي، ثم البصري، النحوي، الشافعي، أبو محمد، ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة هـ، من آثاره:"جواب المسائل العشر""حواش على الصحاح" توفي سنة اثنتين وثمانيين وخمسمائة هـ. ا. هـ. سير أعلام النبلاء "21/ 137" الكامل لابن الأثير "9/ 175".

ص: 301

وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا شمول ما "دلت"* عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِمَعْنَى الْجَمِيعِ أَوِ الْبَاقِي كَمَا نَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْقَرَافِيُّ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ.

الْفَرْعُ السَّابِعُ:

الْأَلِفُ وَاللَّامُ الْحَرْفِيَّةُ لَا الِاسْمِيَّةُ، تُفِيدُ الْعُمُومَ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى الْجَمْعِ، سَوَاءٌ كَانَ سَالِمًا أَوْ مُكَسَّرًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ جُمُوعِ الْقِلَّةِ أَوِ الْكَثْرَةِ، وَكَذَا إِذَا دَخَلَتْ عَلَى اسْمِ الْجَمْعِ كَرَكْبٍ وَصَحْبٍ، وَقَوْمٍ وَرَهْطٍ، وَكَذَا إِذَا دَخَلَتْ عَلَى اسْمِ الْجِنْسِ

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي اقْتِضَائِهَا لِلْعُمُومِ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ عَلَى مَذَاهِبَ ثَلَاثَةٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ إذا كان هناك معهود حمل عَلَى الْعَهْدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُمِلَتْ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ.

الثَّانِي: أَنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ إِلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى الْعَهْدِ.

الثَّالِثُ: أَنَّهَا تُحْمَلُ عِنْدَ فَقْدِ الْعَهْدِ عَلَى الْجِنْسِ مِنْ غَيْرِ اسْتِغْرَاقٍ، وَحَكَاهُ صَاحِبُ "الْمِيزَانِ"1، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ وَأَبِي هَاشِمٍ.

وَالرَّاجِحُ الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ هُوَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ.

قَالَ فِي "الْمَحْصُولِ" مُسْتَدِلًّا عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ: لَنَا وُجُوهٌ.

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَنْصَارَ لَمَّا طَلَبُوا الْإِمَامَةَ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ أبو بكر بقوله صلى الله عليه وسلم: "الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ" 2، وَالْأَنْصَارُ سَلَّمُوا تِلْكَ الْحُجَّةَ، وَلَوْ لَمْ يَدُلَّ الْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِلَامِ الْجِنْسِ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ لَمَا صَحَّتْ تِلْكَ الدَّلَالَةُ؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم:"الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ"، لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ مِنْ قُرَيْشٍ لَوَجَبَ أَنْ لَا ينافي وجود إمام من قوم آخرين.

* في "أ": دخلت.

_________

1 صاحب "ميزان الأصول في نتائج العقول" في أصول الفقه، هو الشيخ الإمام علاء الدين، شمس النظر، أبو بكر محمد بن أحمد السمرقندي، الحنفي، الأصولي، المتوفى سنة ثلاثة وخمسين وخمسمائة. ا. هـ. كشف الظنون "2/ 1916".

2 أخرجه البيهقي من حديث أنس بن مالك، كتاب قتال أهل البغي، باب الأئمة من قريش "8/ 144". وأحمد في مسنده "3/ 183". والحاكم في المستدرك "4/ 75"، وسكت عنه الذهبي. وأبو يعلى في مسنده "3644". والطبراني في الأوسط "6606".

ص: 302

فال: الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ يُؤَكَّدُ بِمَا يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ، فَوَجَبَ أَنْ يُفِيدَ فِي أَصْلِهِ الاستغراق، أما أنه يؤكد فكقوله تعالى:{فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُون} 1 وَأَمَّا أَنَّهُ بَعْدَ التَّأْكِيدِ يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ فَبِالْإِجْمَاعِ.

"الْوَجْهُ الثَّالِثُ"*: الْأَلِفُ وَاللَّامُ إِذَا دَخَلَا فِي الاسم صار "بهما"** مَعْرِفَةً كَمَا نُقِلَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فَيَجِبُ صَرْفُهُ إِلَى مَا بِهِ تَحْصُلُ الْمَعْرِفَةُ، وَإِنَّمَا تَحْصُلُ الْمَعْرِفَةُ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ بِالصَّرْفِ إِلَى الْكُلِّ معلوم للمخاطب، فأما الصرف إلى ما دون فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمَعْرِفَةَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْمَجْمُوعِ لَيْسَ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَكَانَ مَجْهُولًا.

قَالَ: الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ أَيِّ وَاحِدٍ كَانَ مِنْهُ "ذَلِكَ"***.

وَذَلِكَ يُفِيدُ الْعُمُومَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَمِمَّنْ حَكَى إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى إِفَادَةِ هَذَا التَّعْرِيفِ لِلْعُمُومِ ابْنُ الْهُمَامِ فِي "التَّحْرِيرِ"، وَحَكَى أَيْضًا إِجْمَاعَ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي "الْبَحْرِ": وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ لِعُمُومِ فَائِدَتِهِ وَلِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ عَنِ الْمُعْظَمِ، وَصَاحِبُ "الْمِيزَانِ" عَنْ أَبِي بَكْرٍ السَّرَّاجِ النَّحْوِيِّ2، فَقَالَ: إِذَا تَعَارَضَ جِهَةُ الْعَهْدِ وَالْجِنْسِ يُصْرَفُ إِلَى الْجِنْسِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ قالا لأن الجنس يدخل تحته العهد، والعهد لا يدخل تحت الْجِنْسُ، وَرُوِيَ عَنْ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّهُ مُجْمَلٌ؛ لِأَنَّ عُمُومَهُ لَيْسَ مِنْ صِيغَتِهِ، بَلْ مِنْ قَرِينَةِ نَفْيِ الْمَعْهُودِ فَتَعَيَّنَ الْجِنْسُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقُشَيْرِيِّ.

قَالَ إِلْكِيَا الْهَرَّاسُ3: إِنَّهُ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلتَّعْرِيفِ وَلَيْسَتْ إِحْدَى جِهَتَيِ التَّعْرِيفِ بِأَوْلَى مِنَ الثَّانِيَةِ، فَيَكْتَسِبُ اللَّفْظُ جِهَةَ الْإِجْمَالِ لِاسْتِوَائِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا. انْتَهَى.

وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَحْثِ يَطُولُ جِدًّا فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ أَهْلُ الْأُصُولِ، وَأَهْلُ النَّحْوِ، وَأَهْلُ الْبَيَانِ، بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا إِلَّا بَيَانَ مَا هُوَ الْحَقُّ وَتَعْيِينَ الرَّاجِحِ مِنَ الْمَرْجُوحِ، وَمَنْ أَمْعَنَ

* ما قوسين ساقط من "أ". ومكانها: أما أنه بعد التأكيد وهو تكرار.

** ما بين قوسين ساقط من "أ".

*** ما بين قوسين ساقط من "أ".

_________

1 الآية "30" من سورة الحجر و"73" من سورة ص.

2 هو: محمد بن السري، البغدادي، النحوي، أبو بكر، صاحب المبرد، انتهى إليه علم اللسان، من آثاره:"أصول العربية""شرح سيبويه""احتجاج القراء" وغيرها، توفي سنة ست عشرة وثلاثمائة هـ، ا. هـ. سير أعلام النبلاء "14/ 483"، شذرات الذهب "2/ 273".

3 هو إليكا الطبري المتقدم ترجمته في الصفحة "98".

ص: 303

النَّظَرَ وُجَوَّدَ التَّأَمُّلَ عَلِمَ أَنَّ الْحَقَّ الْحَمْلُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ، إِلَّا أَنْ يُوجَدَ هُنَاكَ مَا يَقْتَضِي الْعَهْدَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي تَعْرِيفِ الْجِنْسِ.

وَأَمَّا تَعْرِيفُ الْجَمْعِ مُطْلَقًا وَاسْمُ الْجَمْعِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ يَهْدِمُ الْجَمْعِيَّةَ وَيُصَيِّرُهَا لِلْجِنْسِ، وَهَذَا يَدْفَعُ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ اسْتِغْرَاقَ الْمُفْرَدِ أَشْمَلُ.

الْفَرْعُ الثَّامِنُ:

تَعْرِيفُ الْإِضَافَةِ: وَهُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعُمُومِ، كَالْأَلِفِ وَاللَّامِ، مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ كَوْنِ الْمُضَافِ جَمْعًا نَحْوَ عَبِيدُ زَيْدٍ أَوِ اسْمَ جَمْعٍ، نَحْوَ جَاءَنِي رَكْبُ الْمَدِينَةِ، أَوِ اسْمَ جِنْسٍ نَحْوَ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} 1، وَمَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّامُ قَفِيزَهَا، وَصَاعَهَا، وَقَدْ صَرَّحَ الرَّازِيُّ: بِأَنَّ الْمُفْرَدَ الْمُضَافَ يَعُمُّ مَعَ اخْتِيَارِهِ بِأَنَّ الْمُعَرَّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لَا يَعُمُّ.

قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ فِي "النِّهَايَةِ"2: وَكَوْنُ الْمُفْرَدِ الْمُضَافِ لِلْعُمُومِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا "لَهُمْ"*، لَكِنَّ نَفْيَهُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَلَامِ التَّعْرِيفِ يَقْتَضِي الْعُمُومَ.

وَالْحَقُّ: أَنَّ عُمُومَ الْإِضَافَةِ أَقْوَى، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ حَنَثَ بِشُرْبِ الْقَلِيلِ مِنْهُ، لِعَدَمِ تَنَاهِي أَفْرَادِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءَ الْبَحْرِ لَا يَحْنَثُ إِلَّا بِكُلِّهِ. انْتَهَى.

وَفِي هَذَا الْفَرْقِ نَظَرٌ، وَلَا يُنَافِي إِفَادَةَ إِضَافَةِ اسْمِ الْجِنْسِ لِلْعُمُومِ مَا وَقَعَ مِنَ الْخِلَافِ فِيمَنْ قَالَ: زَوْجَتِي طَالِقٌ، وَلَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا لَا تُطَلَّقُ إِلَّا وَاحِدَةٌ اسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْعُرْفَ قَدْ خَصَّ هَذِهِ الصُّورَةَ وَأَمْثَالَهَا عَنِ الْمَوْضُوعِ اللُّغَوِيِّ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ حَكَى الرُّويَانِيُّ فِي "الْبَحْرِ" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهَا تُطَلَّقُ الْأَرْبَعُ جَمِيعًا، بِخِلَافِ مَا عَدَا هَذِهِ الصُّورَةَ وَأَمْثَالَهَا، فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْعُمُومِ، كَمَا لَوْ قَالَ: مَالِي صَدَقَةٌ، وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُم} 3 وقوله صلى الله عليه وسلم: "هو الطهور ماؤه الحل مَيْتَتُهُ"4.

الْفَرْعُ التَّاسِعُ:

الْأَسْمَاءُ الْمَوْصُولَةُ، كَالَّذِي، وَالَّتِي، والذين، واللات، وذو الطائية5،

* ما بين قوسين ساقط من "أ".

_________

1 جزء من الآية "34" من سورة إبراهيم.

2 واسمه: "نهاية الوصول إلى علم الأصول"، لصفي الدين محمد بن عبد الرحيم الهندي، وهو كتاب حسن جدًّا، ذكره السبكي، ا. هـ. كشف الظنون "2/ 1991".

3 جزء من الآية "187" من سورة البقرة.

4 تقدم تخريجه في الصفحة "155".

5 وهي خاصة ببني طيئ، والمشهور بناؤها، وقد تعرب، كقوله: فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا. ا. هـ. أوضح المسالك "1/ 159".

ص: 304

وَجَمْعُهَا، وَقَدْ صَرَّحَ الْقَرَافِيُّ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ بِأَنَّهَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ.

وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ تَقْتَضِي الْعُمُومَ.

وَقَالَ أَصْحَابُ الْأَشْعَرِيِّ: إِنَّهَا تَجْرِي فِي بَابِهَا مَجْرَى اسْمٍ مَنْكُورٍ "كَقَوْلِنَا: رَجُلٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا، فَلَا يُصَارُ إِلَى أَحَدِهِمَا إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَالْإِبْهَامُ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ، بَلْ يَحْتَاجُ إِلَى قَرِينَةٍ، وَالْحَقُّ أَنَّهَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ"* كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِك} 1 {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى} {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} 3، وَمَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ فَلِقَرِينَةٍ تُخَصِّصُهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ اللُّغَوِيِّ.

الْفَرْعُ الْعَاشِرُ:

نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الشيئين كقوله تعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّة} 4، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَطَوَائِفُ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي الْعُمُومَ.

وَذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّازِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِعَامٍّ.

اسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ نَكِرَةٌ بِاتِّفَاقِ النُّحَاةِ، وَكَذَلِكَ تُوصَفُ بِهَا النَّكِرَاتُ دُونَ الْمَعَارِفِ.

وَاسْتَدَلَّ الرَّازِيُّ فِي "الْمَحْصُولِ" لِلْآخَرِينَ بِوَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ نَفْيَ الِاسْتِوَاءِ مُطْلَقًا -أَيْ: فِي الْجُمْلَةِ- أَعَمُّ مِنْ نَفْيِ الِاسْتِوَاءِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، أَوْ مِنْ بَعْضِهَا وَالدَّالُّ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لَا إِشْعَارَ فِيهِ بِهِمَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ نَفْيُهُمَا.

الثَّانِي: أَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكْفِيَ فِي إِطْلَاقِ لَفْظِ الْمُسَاوَاةِ الِاسْتِوَاءُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، أَوْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الِاسْتِوَاءِ مِنْ كُلِّ الوجوه، والأول باطل، وإلا لوجوب إِطْلَاقُ لَفْظِ الْمُسَاوَاةِ عَلَى جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، مِنْ كَوْنِهِمَا مَعْلُومَيْنِ، وَمَوْجُودَيْنِ، وَمَذْكُورَيْنِ، وَفِي سَلْبِ مَا عَدَاهُمَا عَنْهُمَا، وَمَتَى صَدَقَ عَلَيْهِ الْمُسَاوِي وَجَبَ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْمُسَاوِي؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْعُرْفِ كَالْمُتَنَاقِضَيْنِ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ: هَذَا يُسَاوِي ذَاكَ، فَمَنْ أَرَادَ تَكْذِيبَهُ قال: لا يساويه، والمناقضان لا يصدقان معًا فوجب أن لا يصدق عَلَى شَيْئَيْنِ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ، وَغَيْرُ مُتَسَاوِيَيْنِ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا عَلِمْنَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ في المساواة المساواة من كل الوجوه

* ما بين قوسين ساقط من "أ".

_________

1 جزء من الآية "4" من سورة البقرة.

2 جزء من الآية "101" من سورة الأنبياء.

3 جزء من الآية "10" من سورة النساء.

4 جزء من الآية "20" من سورة الحشر.

ص: 305

وحينئذ يكفي في نفي المساواة نفي الِاسْتِوَاءُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ نَقِيضَ الْكُلِّيِّ هُوَ الْجُزْئِيُّ، فَإِذَا قُلْنَا لَا يَسْتَوِيَانِ لَا يُفِيدُ نَفْيَ الِاسْتِوَاءِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ.

وَأُجِيبَ عَنِ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ: بِأَنَّ عَدَمَ إِشْعَارِ الْأَعَمِّ بِالْأَخَصِّ إِنَّمَا هُوَ فِي طَرِيقِ الْإِثْبَاتِ لَا في طريق النفي، فإن نفي الْأَعَمَّ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْأَخَصِّ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَجَازَ مثله في كل نفي، فلا يعم نَفْيٌ أَبَدًا إِذْ يُقَالُ فِي لَا رَجُلَ: رَجُلٌ أَعَمُّ مِنَ الرَّجُلِ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ، فَلَا يُشْعَرُ بِهِ وَهُوَ خِلَافُ مَا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ.

وَأُجِيبَ عَنِ الدَّلِيلِ الثَّانِي: بِأَنَّهُ إِذَا قِيلَ: لَا مُسَاوَاةَ فَإِنَّمَا يُرَادُ نَفْيُ مُسَاوَاةٍ يَصِحُّ انْتِفَاؤُهَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي الْعُمُومِ، وَهُوَ من قبيل ما يخصصه العقل نحو قوله تعالى:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء} 1 أَيْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ يُخْلَقُ.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَرْجِعَ الْخِلَافِ إِلَى أَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْإِثْبَاتِ هَلْ مَدْلُولُهَا لُغَةً الْمُشَارَكَةُ فِي كُلِّ الْوُجُوهِ حَتَّى يَكُونَ اللَّفْظُ شَامِلًا أَوْ مَدْلُولُهَا الْمُسَاوَاةُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ، حَتَّى يَصْدُقَ بِأَيِّ وَجْهٍ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لَمْ يَكُنِ النَّفْيُ لِلْعُمُومِ؛ لِأَنَّ نَقِيضَ الْكُلِّيِّ الْمُوجَبِ جُزْئِيٌّ سَالِبٌ، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي كَانَ لِلْعُمُومِ؛ لِأَنَّ نَقِيضَ الْجُزْئِيِّ الْمُوجَبِ كُلِّيٌّ سَالِبٌ.

وَخُلَاصَةُ هَذَا أَنَّ صِيغَةَ "لا يستوي"* الاستواء إِمَّا لِعُمُومِ سَلْبِ التَّسْوِيَةِ، أَوْ لِسَلْبِ عُمُومِ التَّسْوِيَةِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ شَيْءٍ مِنْ أفرادها، وعلى الثاني ثُبُوتُ الْبَعْضِ، وَهَذَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْمَذْهَبِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ حَرْفَ النَّفْيِ سَابِقٌ وَهُوَ يُفِيدُ سَلْبَ العموم لا عموم السلب، وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي وَقَعَ الْمِثَالُ بِهَا فَقَدْ صُرِّحَ فِيهَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفْيَ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ الْأُمُورِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} 2 فَإِنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْفَوْزِ بِالْجَنَّةِ، وَقَدْ رَجَّحَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ بِأَنَّ نَفْيَ الِاسْتِوَاءِ مِنْ بَابِ الْمُجْمَلِ مِنَ الْمُتَوَاطِئِ لَا مِنْ بَابِ الْعَامِّ، وَتَقَدَّمَهُ إِلَى تَرْجِيحِ الإجمال إليكا الطَّبَرِيُّ.

الْفَرْعُ الْحَادِي عَشَرَ:

إِذَا وَقَعَ الْفِعْلُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَوِ الشَّرْطِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ فَهَلْ يَكُونُ النَّفْيُ لَهُ نَفْيًا لِمَصْدَرِهِ، وَهُوَ نَكِرَةٌ فَيَقْتَضِي الْعُمُومَ أَمْ لَا؟ حَكَى الْقَرَافِيُّ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَعُمُّ، وَقَالَ: إِنَّ الْقَاضِيَ عَبْدَ الْوَهَّابِ فِي "الْإِفَادَةِ" نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَلَمْ يُصَرَّحْ بِمَفْعُولِهِ نَحْوَ: لَا أَكَلْتُ، وَإِنْ أَكَلْتُ، وَلَا كَانَ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى مَفْعُولٍ مُعَيَّنٍ، فَذَهَبَتِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَغَيْرُهُمْ إِلَى أنه يعم.

* في "أ": الاستواء.

_________

1 جزء من الآية "62" من سورة الزمر.

2 جزء من الآية "20" من سورة الحشر.

ص: 306

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَعُمُّ وَاخْتَارَهُ الْقُرْطُبِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالرَّازِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَجَعَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ اللَّازِمَةِ نَحْوَ: يُعْطِي وَيَمْنَعُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى مَفْعُولٍ لَا بِالْخُصُوصِ وَلَا بِالْعُمُومِ.

قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُتَعَدِّي وَاللَّازِمِ، وَالْخِلَافُ فِيهِمَا عَلَى السَّوَاءِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِيِّ، وَالْغَزَالِيِّ، وَالْآمِدِيِّ وَالصَّفِيِّ الْهِنْدِيِّ، أَنَّ الْخِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي إِذَا وَقَعَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، أَوِ الشَّرْطِ هَلْ يَعُمُّ مَفَاعِيلَهُ أَمْ لَا، لَا فِي الْفِعْلِ اللَّازِمِ فَإِنَّهُ لَا يَعُمُّ.

وَالَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي نَفْسِ مَصْدَرَيْهِمَا، فَيَكُونُ النَّفْيُ لَهُمَا نَفْيًا لَهُمَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ وُقُوعِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، وَأَمَّا فِيمَا عَدَا الْمَصْدَرَ فَالْفِعْلُ الْمُتَعَدِّي لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَفْعُولٍ بِهِ فَحَذْفُهُ مُشْعِرٌ بِالتَّعْمِيمِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي.

وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِتَعْمِيمِهِ قَالُوا لَا يَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا عَلَى جِهَةِ الْجَمْعِ، بَلْ عَلَى جِهَةِ الْبَدَلِ. قَالَ: وَهَؤُلَاءِ أَخَذُوا الْمَاهِيَّةَ مُقَيَّدَةً، وَلَا يَنْبَغِي لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُنَازِعَ فِي ذلك.

الفرع الثاني عشر:

الأمر للجميع بصيغة الجمع كقوله: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاة} 1 عُمُومُهُ وَخُصُوصُهُ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ مَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ، "وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ"* أَنَّ السَّيِّدَ إِذَا أَشَارَ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنْ غِلْمَانِهِ وَقَالَ: قُومُوا، فَمَنْ تَخَلَّفَ عَنِ الْقِيَامِ مِنْهُمُ اسْتَحَقَّ الذَّمَّ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ لِلشُّمُولِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ ذَلِكَ إِلَى الْقَرِينَةِ.

قَالَ فِي "الْمَحْصُولِ": لِأَنَّ تِلْكَ الْقَرِينَةَ إِنْ كَانَتْ مِنْ لَوَازِمِ هَذِهِ الصِّيغَةِ فَقَدْ حَصَلَ مُرَادُنَا، وَإِلَّا فَلْنَفْرِضْ هَذِهِ الصِّيغَةَ مُجَرَّدَةً عَنْهَا وَيَعُودُ الْكَلَامُ. انْتَهَى.

وَمِمَّنْ صَرَّحَ أَنَّ عُمُومَ صِيغَةِ الْجَمْعِ فِي الْأَمْرِ وَخُصُوصَهَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ مَرْجِعِهَا الْإِمَامُ الرَّازِيُّ فِي "الْمَحْصُولِ"، وَالصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ فِي "النِّهَايَةِ"، وَذَكَرَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ، أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ افْعَلُوا يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ، وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ: الْأَوْلَى أَنْ يُصْرَفَ إِلَى الْمُخَاطَبِينَ، سَوَاءٌ كَانُوا ثَلَاثَةً أَوْ أَكَثَرَ، وَأَطْلَقَ سُلَيْمٌ الرَّازِيُّ فِي "التقريب"2 أن المطلقات لا عموم فيها

* في "أ": يدل عليه.

_________

1 جزء من الآية "110" من سورة البقرة.

2 واسمه "التقريب في الفروع"، للإمام أبي الفتح، سليم بن أيوب الرازي، الذي تقدمت ترجمته "110" ا. هـ. كشف الظنون "1/ 446".

ص: 307