الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي إِجْمَاعِ مَنْ بَعْدَهُمْ؟ قُلْنَا: هَذَا لَا يَجُوزُ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أَنْبَأَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ"1.
وَالثَّانِي: أَنَّ سِعَةَ أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَكَثْرَةَ الْعَدَدِ لَا تُمَكِّنُ مِنْ ضَبْطِ أَقْوَالِهِمْ، وَمَنِ ادَّعَى هَذَا لا يخفى على أحد كذبه.
1 تقدم تخريجه في الصفحة "207".
الفصل الثامن: حكم إجماع أهل المدينة
…
البحث الثامن: حكم إِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
إِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى انْفِرَادِهِمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُمْ بَعْضُ الْأُمَّةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا أَجْمَعُوا لَمْ يُعْتَدَّ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ "اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ"1: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنَّهُ حُجَّةٌ، وَمَا سمعت أحد ذَكَرَ قَوْلَهُ إِلَّا عَابَهُ وَإِنَّ ذَلِكَ عِنْدِي مَعِيبٌ. وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: إِنَّمَا أَرَادَ مَالِكٌ الْفُقَهَاءَ السَّبْعَةَ2 وَحْدَهُمْ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ الْأَوَّلُ.
وَيُشْكِلُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ حُجِّيَّةِ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ "أَنَّهُ نَقَلَ فِي الْمُوَطَّأِ3 فِي بَابِ: الْعَيْبِ فِي الرَّقِيقِ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ"*عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ لَا يَجُوزُ، ولا يبرئ من
* من بين قوسين ساقط من "أ".
_________
1 وهو للإمام محمد بن إدريس، الشافعي، ذكره ابن الجمع المؤسس. ا. هـ. كشف الظنون "1/ 32".
2 وهم: أ- سعيد بن المسيب: المولود قبل موت عمر بأربع سنين المتوفى سنة أربع وتسعين هـ.
ب- عروة بن الزبير: ولد سنة تسع وعشرين هـ، وتوفي سنة أربع وتسعين هـ.
ج- أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: الملقب براهب قريش لعبادته توفي سنة أربع وتسعين هـ.
د- القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي: توفي سنة سبع ومائة هـ.
هـ- عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: توفي سنة ثمانٍ وتسعين هـ.
و سليمان بن يسار: توفي سنة سبع ومائة هـ.
ز- خارجة بن زيد بن ثابت: توفي سنة "مائة هـ".
وسموا بالفقهاء السبعة: لأنهم كانوا في المدينة في عصر واحد، ينشر عنهم العلم، والفتيا، وكان في عصرهم جماعة من الفقهاء التابعين، فلم يكن لهم مثل ما لهم. ا. هـ. شذرات الذهب "1/ 104".
3 وهو في الحديث للإمام مالك بن أنس، وهو كتاب قديم، مبارك، قصد فيه: جمع الصحيح لكن إنما جمع الصحيح عنده، لا على اصطلاح أهل الحديث، لأنه: يرى المراسيل والبلاغات صحيحة وللكتاب شروح كثيرة منها: شرح للسيوطي سماه: "كشف المغطا في شرح الموطا". ا. هـ. كشف الظنون "2/ 1907".
الْعَيْبِ أَصْلًا عِلْمُهُ أَوْ جَهْلُهُ، ثُمَّ خَالَفَهُمْ فَلَوْ كَانَ يَرَى أَنَّ إِجْمَاعَهُمْ حُجَّةٌ لَمْ تَسَعْ مُخَالَفَتُهُ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ: إِنَّمَا أَرَادَ ذَلِكَ بِحُجِّيَّةِ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فِيمَا كَانَ طَرِيقُهُ النَّقْلَ الْمُسْتَفِيضَ، كَالصَّاعِ وَالْمُدِّ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَعَدَمِ وجوب الزكاة في الخضراوات مِمَّا تَقْتَضِي الْعَادَةُ بِأَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ النبي صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ لَعَلِمَ، فَأَمَّا مَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ فَهُمْ وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ عَنْ شَيْخِهِ الْأَبْهَرِيِّ، وَقِيلَ: يُرَجَّحُ نَقْلُهُمْ عَنْ نَقْلِ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ إِلَى هَذَا فِي الْقَدِيمِ وَرَجَّحَ رِوَايَةَ "أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى غَيْرِهِمْ"*، وَحَكَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى1 قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا وَجَدْتَ مُتَقَدِّمِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى شَيْءٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي قَلْبِكَ شَكٌّ أَنَّهُ الْحَقُّ وَكُلَّمَا جَاءَكَ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا تَلْتَفِتْ إِلَيْهِ وَلَا تَعْبَأْ بِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: إِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ نَقْلِيٍّ وَاسْتِدْلَالِيٍّ.
فَالْأَوَّلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ، مِنْهُ نَقْلُ شَرْعٍ مُبْتَدَأٍ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "مِنْ"** قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ إِقْرَارٍ فَالْأَوَّلُ: كَنَقْلِهِمُ الصَّاعَ وَالْمُدَّ وَالْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ وَالْأَوْقَاتَ والأجناس ونحوه.
وَالثَّانِي: نَقْلُهُمُ الْمُتَّصِلُ كَعُهْدَةِ الرَّقِيقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كتركهم أخذ الزكاة من الخضراوات مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ تُزْرَعُ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ لَا "يَأْخُذُونَهَا مِنْهَا"*** قَالَ: وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ إِجْمَاعِهِمْ حُجَّةٌ يَلْزَمُ عِنْدَنَا الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَتَرْكُ الْأَخْبَارِ وَالْمَقَايِيسِ بِهِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِيهِ قَالَ:
وَالثَّانِي: وَهُوَ إِجْمَاعُهُمْ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَلَا بِمُرَجَّحٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي يَعْقُوبَ الرَّازِيِّ2، وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ فَوْرَكٍ، وَالطَّيَالِسِيِّ3، وَأَبِي الْفَرَجِ وَالْأَبْهَرِيِّ وَأَنْكَرَ كَوْنَهُ مَذْهَبًا لمالك.
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
** في "أ": إما.
*** في "أ": يأخذون منها.
_________
1 هو ابن ميسرة بن حفص بن حيان، الإمام، شيخ الإسلام، المصري ولد سنة سبعين ومائة هـ، حدث عن ابن عيينة، وابن وهب، توفي سنة أربع وستين ومائتين هـ، ا. هـ. سير أعلام النيلاء "12/ 348"، شذرات الذهب "2/ 149"، تهذيب التهذيب "11/ 440".
2 لم أجد بعد البحث المطول في كتب التراجم التي بين أيدينا أحدًا يعرف بأبي يعقوب الرازي سوى يوسف بن الحسين، الإمام العارف، أبي يعقوب، الصوفي، المكثر من الترحال، الذي أخذ عن أحمد بن حنبل وذي النون المصري المتوفى سنة أربع وثلاثمائة هـ، ا. هـ. سير أعلام النبلاء "14/ 248"، شذرات الذهب "2/ 245"، والله أعلم.
3 سليمان بن داود بن الجارود، الحافظ الكبير، صاحب المسند، أبو داود الفارسي البصري، كان يقول: كتبت عن ألف شيخ، وكان يسرد من حفظه ثلاثين ألف حديث توفي سنة ثلاث ومائيتين هـ، ا. هـ. سير أعلام النبلاء "9/ 338"، شذرات الذهب "2/ 12"، تهذيب التهذيب "4/ 176".
ثَانِيهَا: أَنَّهُ مُرَجَّحٌ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشافعي.
ثالثها: أنه حجة "وإن لم"* ولم يُحَرَّمْ خِلَافُهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو الحسين بن عمر1 قال أبي الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ2: أَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْتَلَفَ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالْإِقْرَارِ كُلُّ ذَلِكَ نَقْلُ مُحَصَّلٍ لِلْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ فَإِنَّهُمْ عَدَدٌ كَثِيرٌ وَجَمٌّ غَفِيرٌ تُحِيلُ الْعَادَةُ عَلَيْهِمُ التَّوَاطُؤَ عَلَى خِلَافِ الصِّدْقِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا كَانَ هَذَا سَبِيلَهُ أَوْلَى مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ وَالْأَقْيِسَةِ وَالظَّوَاهِرِ.
ثُمَّ قَالَ: وَالنَّوْعُ الِاسْتِدْلَالِيُّ إِنْ عَارَضَهُ خَبَرٌ فَالْخَبَرُ أَوْلَى عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا. وَقَدْ صَارَ جَمَاعَةٌ "مِنْ أَصْحَابِنَا"** إِلَى أَنَّهُ أَوْلَى مِنَ الْخَبَرِ، بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ إِجْمَاعٌ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ بِالْعِصْمَةِ إِجْمَاعُ كُلِّ الْأُمَّةِ لَا بَعْضُهَا.
وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْمِصْرَيْنِ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِأَنَّهُمْ بَعْضُ الْأُمَّةِ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْأُصُولِ أَنَّ إِجْمَاعَ أَهْلِ الحرمين و"أهل"*** المصرين حُجَّةٌ وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ بِحُجِّيَّةِ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَمَنْ قَالَ بِذَلِكَ فَهُوَ قَائِلٌ بِحُجِّيَّةِ إِجْمَاعِ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْمِصْرَيْنِ بِالْأَوْلَى، قَالَ الْقَاضِي: وَإِنَّمَا خَصُّوا هَذِهِ الْمَوَاضِعَ يَعْنِي: الْقَائِلِينَ بِحُجِّيَّةِ إِجْمَاعِ أَهْلِهَا لِاعْتِقَادِهِمْ تَخْصِيصَ الْإِجْمَاعِ بِالصَّحَابَةِ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْبِلَادُ مَوَاطِنَ الصَّحَابَةِ مَا خَرَجَ مِنْهَا إِلَّا الشُّذُوذُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ لَمْ يُعَمِّمُوا فِي كُلِّ عَصْرٍ، بَلْ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ فَقَطْ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ قِيلَ: إِنَّ الْمُخَالِفَ أَرَادَ زَمَنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَإِنْ كَانَ هَذَا مُرَادَهُ فَمُسَلَّمٌ لَوِ اجْتَمَعَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْبِقَاعِ وَغَيْرُ مُسَلَّمٍ أَنَّهُمُ اجْتَمَعُوا فِيهَا. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ "إِلَى أَنَّ إِجْمَاعَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِأَنَّهُمْ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ"**** وذهب "الجمهور أيضًا إلى أن إجماع
* في "أ": ولم.
** ما بين قوسين ساقط من "أ".
*** ما بين قوسين ساقط من "أ".
**** ما بين قوسين ساقط من "أ".
_________
1 لم أجد ترجمته فيما بين يدي من المصادر.
2 هو أحمد بن عمر بن إبراهيم، الأنصاري، القرطبي، فقيه مالكي، من رجال الحديث يعرف بابن المزين ولد سنة ثمانٍ وسبعين وخمسمائة هـ، وتوفي سنة ست وخمسين هـ، من آثاره:"المفهم" وقد تقدم. ا. هـ. شذرات الذهب "5/ 273".
الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِأَنَّهُمْ بَعْضُ الْأُمَّةِ"*.
وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ لِمَا وَرَدَ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ" 1، وَقَوْلِهِ:"اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ" 2 وَهُمَا حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ فِي الْحَدِيثَيْنِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُمْ أَهْلٌ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، لَا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ حجة على غيرهم، فإن المجتهد "متعبد"** بِالْبَحْثِ عَنِ الدَّلِيلِ حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ مَا يَظُنُّهُ حَقًّا، وَلَوْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ يُفِيدُ حُجِّيَّةَ قَوْلِ الْخُلَفَاءِ أَوْ بَعْضِهِمْ لَكَانَ حَدِيثُ:"رَضِيتُ لِأُمَّتِي مَا رَضِيَ لَهَا ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ" 3 يُفِيدُ حُجِّيَّةَ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَحَدِيثُ:"إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ" 4 يُفِيدُ حُجِّيَّةَ قَوْلِهِ وَهُمَا، حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ.
وَهَكَذَا حَدِيثُ: "أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ" 5 يُفِيدُ حُجِّيَّةَ قَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَفِيهِ مَقَالٌ مَعْرُوفٌ؛ لِأَنَّ فِي رِجَالِهِ عَبْدَ الرَّحِيمِ "بْنَ زَيْدٍ6"*** الْعَمِّيِّ عَنْ أَبِيهِ وَهُمَا ضَعِيفَانِ
* ما بين قوسين متكرر من "أ".
** في "أ": مستعبد.
*** ما ين قوسين ساقط من "أ".
_________
1 تقدم تخريجه في الصفحة "95".
2 أخرجه الترمذي من حديث حذيفة، كتاب المناقب، باب مناقب أبي بكر وعمر "3663". وأحمد في المسند "5/ 399". وابن أبي شيبة "12/ 11". ابن سعد عن وكيع "2/ 324". وابن حبان في صحيحه "2/ 690". وذكره الطحاوي في "شرح مشكل الآثار""2/ 85".
3 أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث عبد الله بن مسعود، كتاب معرفة الصحابة "3/ 317". وقال: هذا إسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي على ذلك. المناوي في فيض الكبير "4458". وصححه السيوطي. البزار "مختصر زوائد المسند""2016". والطبراني في المعجم الكبير "8458".
4 أخرجه ابن ماجه من حديث أنس بلفظ: "وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" المقدمة، باب فضائل أصحاب رسول اله صلى الله عليه وسلم "154". والنيهقي، كتاب الفرائض، باب ترجيح قول زيد بن ثابت على غيره من الصحابة في الفرائض "6/ 210". والحاكم في المستدرك، كتاب معرفة الصحابة "3/ 422"، وقال: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وأحمد في المسند "3/ 184".
وابن حبان في صحيحه "7131".
5 تقدم في الصفحة "186".
6 هو ابن الحواري العمي، البصري، أحد المتروكين، وهو من طبقة الرازي، يروي عن مالك بن دينار، وعن والده، قال عنه أبو زرعة: مضعف الحديث، والنسائي قال عنه: ليس بثقة، ولا مأمون، ولا يكتب حديثه. ا. هـ. سير أعلام النبلاء "8/ 358" تهذيب التهذيب "6/ 305" وسمي أبوه بالعمي: لأنه كلما سئل عن شيء قال: حتى أسال عمي.
جِدًّا، بَلْ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحِيمِ كَذَّابٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مَتْرُوكٌ وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى فِيهَا حَمْزَةُ النَّصِيبِيُّ1 وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا. قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا يُسَاوِي فَلْسًا. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ2: عَامَّةُ مَرْوِيَّاتِهِ مَوْضُوعَةٌ، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَمِيلِ بْنِ زَيْدٍ3 وَهُوَ مجهول.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ أَيْضًا إِلَى أَنَّ إِجْمَاعَ الْعِتْرَةِ وَحْدَهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَقَالَتِ الزَّيْدِيَّةُ4 وَالْإِمَامِيَّةُ: هُوَ حجة، واستدلوا بقوله سبحانه وتعالى:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} 5، وَالْخَطَأُ رِجْسٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُوا مُطَهَّرِينَ عَنْهُ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ يُفِيدُ أَنَّهُ فِي نسائه صلى الله عليه وسلم.
وَيُجَابُ عَنْ هَذَا الْجَوَابِ: بِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ الدَّلِيلُ الصَّحِيحُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنَيْنِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا فِي تَفْسِيرِنَا الَّذِي سَمَّيْنَاهُ "فَتْحَ الْقَدِيرِ"6 فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ وَلَكِنْ لَا يَخْفَاكَ أَنَّ كَوْنَ الْخَطَأِ رِجْسٌ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لُغَةٌ وَلَا شَرْعٌ فَإِنَّ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ الْقَذِرُ، وَيُطْلَقُ فِي الشَّرْعِ عَلَى الْعَذَابِ كَمَا فِي قَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَب} 7 وقوله: {مِنْ رِجْزٍ أَلِيم} 8 والرجز الرجس. واستدلوا بمثل قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} 9، وَبِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ جِدًّا تَشْتَمِلُ عَلَى مَزِيدِ شَرَفِهِمْ وَعَظِيمِ فَضْلِهِمْ، وَلَا دِلَالَةَ فِيهَا عَلَى حُجِّيَّةِ قَوْلِهِمْ وَقَدْ أَبْعَدَ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ عَرَّفْنَاكَ فِي حُجِّيَّةِ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْأُمَّةِ مَا هُوَ الْحَقُّ، وَوُرُودُهُ عَلَى الْقَوْلِ بحجية بعضها أولى.
1 هو حمزة بن أبي حمزة، ميمون، الجعفي، الجزري، النصيبي، نسبة إلى بلدة نصيبين في الجزيرة، روى عن عمر بن دينار وابن أبي مليكة، وجماعة، وروى عنه حمزة الزيات ويحيى بن أيوب وجماعة. ا. هـ. تهذيب التهذيب "3/ 28".
2 هو الإمام الحافظ الناقد، الجوال، عبد الله بن عدي بن عبد الله، أبو أحمد صاحب كتاب "الكامل" في الجرح والتعديل، ولد سنة سبع وسبعين ومائتين، وتوفي سنة خمس وستين وثلاثمائة هـ، ا. هـ. سير أعلام النبلاء "16/ 154"، شذرات الذهب "3/ 51"، هدية العارفين "1/ 447".
3 هو الطائي، الكوفي، روى عن ابن عمر وكعب بن زيد، وروى عنه الثوري، وابن عياش، ذكره العقيلي في الضعفاء، قال عنه ابن حبان: واهي الحديث. ا. هـ. تهذيب التهذيب "2/ 114".
4 هى فرقة من الشيعة وهم أتباع زيد بن علي بن الحسين، ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة رضي الله عنها، ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرهم. ا. هـ. الملل والنحل "1/ 154".
5 جزء من الآية "33" من سورة الأحزاب.
6 واسمه: "فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من التفسير" للقاضي أبي عبد الله محمد بن علي الشوكاني. ا. هـ. ذيل كشف الظنون "2/ 169".
7 جزء من الآية "71" من سورة الأعراف.
8 جزء من الآية "5" من سورة سبأ، والآية "11" من سورة الجاثية.
9 جزء من الآية "23" من سورة الشورى.