الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ هَلْ هُوَ حقيقة في الباقي أم مجاز
اخْتَلَفُوا فِي الْعَامِّ إِذَا خُصَّ هَلْ يَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْبَاقِي أَمْ مَجَازًا، فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ مَجَازٌ فِي الْبَاقِي مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ التَّخْصِيصُ بِمُتَّصِلٍ أَوْ مُنْفَصِلٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظٍ أَوْ بِغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْبَيْضَاوِيُّ، وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَالصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ.
قَالَ ابْنُ بُرْهَانٍ فِي "الْأَوْسَطِ": وَهُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ، وَنَسَبَهُ إِلْكِيَا الطَّبَرِيُّ إِلَى الْمُحَقِّقِينَ وَوَجَّهَهُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْمَجْمُوعِ، فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْبَعْضُ فَقَدْ أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ مَا وُضِعَ لَهُ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَجَازُ.
وَأَيْضًا لَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الْبَعْضِ كَمَا كَانَ حَقِيقَةً فِي الْكُلِّ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا فَيَكُونَ حَقِيقَةً فِي مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَالْمَفْرُوضُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ.
وَأَيْضًا قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَجَازَ خَيْرٌ مِنَ الِاشْتِرَاكِ كَمَا تَقَدَّمَ1، فيكون مقدمًا عليه.
وذهب جماعة عن أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيمَا بَقِيَ مُطْلَقًا، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفِرَايِينِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَنَقَلَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ عَنْ أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ.
وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: هُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنِ الْحَنَابِلَةِ.
قَالُوا: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظَ إِذَا كَانَ مُتَنَاوِلًا حَقِيقَةً بِاتِّفَاقٍ فَالتَّنَاوُلُ باقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَلَا يَضُرُّهُ طَرْدُ عَدَمِ تَنَاوُلِ الْغَيْرِ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ كَانَ يَتَنَاوَلُهُ مَعَ غَيْرِهِ، وَالْآنَ يَتَنَاوَلُهُ وَحْدَهُ وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ.
وَقَالُوا أَيْضًا: إِنَّهُ يَسْبِقُ إِلَى الْفَهْمِ مِنْ غَيْرِ قرينة.
1 انظر صفحة: "241".
وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَسْبِقُ إِلَى الْفَهْمِ مَعَ الْقَرِينَةِ؛ إِذِ السَّابِقُ مَعَ عَدَمِهَا هُوَ الْعُمُومُ، وَهَذَا دَلِيلُ الْمَجَازِ.
قَالَ الْعَضُدُ: وَقَدْ يُقَالُ إِرَادَةُ الْبَاقِي مَعْلُومَةٌ دُونَ الْقَرِينَةِ، إِنَّمَا الْمُحْتَاجُ إِلَى الْقَرِينَةِ عَدَمُ إِرَادَةِ الْإِخْرَاجِ. انْتَهَى.
وَيُجَابُ عَنْهُ: بِأَنَّ إِرَادَةَ الْبَاقِي وَحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ يَحْتَاجُ إِلَى قَرِينَةٍ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ: إِلَى أَنَّهُ إِنْ خُصَّ بِمُتَّصِلٍ لَفْظِيٍّ كَالِاسْتِثْنَاءِ فَحَقِيقَةٌ، وَإِنَّ خُصَّ بِمُنْفَصِلٍ فَمَجَازٌ، حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَابْنُ بُرْهَانٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ عَنِ الْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ. قَالَ ابْنُ بُرْهَانٍ: وَإِلَيْهِ مَالَ الْقَاضِي، وَنَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي "اللُّمَعِ".
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ مَعَ التَّخْصِيصِ بِمُتَّصِلٍ كَلَامٌ وَاحِدٌ.
وَيُجَابُ: بِأَنَّ ذَلِكَ الْمُخَصِّصَ الْمُتَّصِلَ هُوَ الْقَرِينَةُ الَّتِي كَانَتْ سَبَبًا لِفَهْمِ إِرَادَةِ الْبَاقِي مِنْ لَفْظِ الْعُمُومِ وَهُوَ مَعْنَى الْمَجَازِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَرِينَةٍ قَرِيبَةٍ أَوْ بَعِيدَةٍ مُتَّصِلَةٍ أَوْ مُنْفَصِلَةٍ.
وَذَهَبَ عَبْدُ الْجَبَّارِ إِلَى عَكْسِ هَذَا الْقَوْلِ، حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ بُرْهَانٍ فِي "الْأَوْسَطِ" وَلَا وَجْهَ لَهُ، وَحَكَى الْآمِدِيُّ أَنَّهُ إِنْ خُصَّ بِدَلِيلٍ لَفْظِيٍّ كَانَ حَقِيقَةً في الباقي، سواء كان ذلك المخصص اللفظ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا، وَإِنْ خُصَّ بِدَلِيلٍ غَيْرِ لَفْظِيٍّ كَانَ مَجَازًا، وَلَا وَجْهَ لِهَذَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ قَدْ تَكُونُ لَفْظِيَّةً وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ لَفْظِيَّةٍ، وَحَكَى أَبُو الْحُسَيْنِ فِي "الْمُعْتَمَدِ" عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ أَنَّهُ: إِنْ خُصَّ بِالشَّرْطِ وَالصِّفَةِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ، وَإِلَّا فَهُوَ مَجَازٌ، وَلَا وَجْهَ لَهُ أَيْضًا، وَقَدِ اسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ.
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ: إِنْ كَانَ الْمُخَصِّصُ مُسْتِقَلًّا فَهُوَ مَجَازٌ، سَوَاءٌ كَانَ عَقْلِيًّا أَوْ لَفْظِيًّا، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْمُتَكَلِّمِ بِالْعَامِّ أَرَدْتُ بِهِ الْبَعْضَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِلًّا فَهُوَ حَقِيقَةٌ، كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ، وَالصِّفَةِ.
وَاخْتَارَ هَذَا فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي "الْمَحْصُولِ": وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ، وَهُوَ أَنَّ الْقَرِينَةَ الْمُخَصِّصَةَ إِنِ اسْتَقَلَّتْ بِنَفْسِهَا صَارَ مَجَازًا وَإِلَّا فَلَا، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْقَرِينَةَ الْمُخَصِّصَةَ الْمُسْتَقِلَّةَ ضَرْبَانِ: عَقْلِيَّةٌ وَلَفْظِيَّةٌ، أَمَّا الْعَقْلِيَّةُ فَكَالدَّلَالَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْقَادِرِ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْخِطَابِ بِالْعِبَادَاتِ، وَأَمَّا اللَّفْظِيَّةُ فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الْمُتَكَلِّمُ بِالْعَامِّ أَرَدْتُ بِهِ الْبَعْضَ الْفُلَانِيَّ، وَفِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ يَكُونُ الْعَامُّ مَجَازًا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ، فَإِذَا اسْتُعْمِلَ هُوَ بِعَيْنِهِ فِي الْبَعْضِ فَقَدْ صَارَ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِي غَيْرِ مُسَمَّاهُ لِقَرِينَةٍ مُخَصِّصَةٍ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَجَازُ.
فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَفْظُ الْعُمُومِ وَحْدَهُ حَقِيقَةٌ فِي الِاسْتِغْرَاقِ، وَمَعَ الْقَرِينَةِ