الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا الْخُصُوصُ: فَقِيلَ هُوَ كَوْنُ اللَّفْظِ مُتَنَاوِلًا لِبَعْضِ مَا يَصْلُحُ لَهُ لَا لِجَمِيعِهِ.
وَيُعْتَرَضُ عَلَيْهِ: بِالْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ.
وَقِيلَ: هُوَ كَوْنُ اللَّفْظِ مُتَنَاوِلًا لِلْوَاحِدِ الْمُعَيَّنِ، الَّذِي لَا يَصْلُحُ إِلَّا لَهُ.
وَيُعْتَرَضُ عَلَى تَقْيِيدِهِ بِالْوَحْدَةِ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ.
قَالَ الْعَسْكَرِيُّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْخُصُوصِ، بِأَنَّ الْخَاصَّ هُوَ مَا يُرَادُ بِهِ بَعْضُ مَا يَنْطَوِي عَلَيْهِ لَفْظُهُ بِالْوَضْعِ، وَالْخُصُوصُ مَا اخْتَصَّ بِالْوَضْعِ لَا بِالْإِرَادَةِ.
وَقِيلَ: الْخَاصُّ مَا يَتَنَاوَلُ أَمْرًا وَاحِدًا بِنَفْسِ الْوَضْعِ، وَالْخُصُوصُ أَنْ يَتَنَاوَلَ شَيْئًا دُونَ غَيْرِهِ، وَكَانَ يَصِحُّ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ.
وَأَمَّا الْمُخَصِّصُ: فَيُطْلَقُ عَلَى معانٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَيُوصَفُ الْمُتَكَلِّمُ بِكَوْنِهِ مُخَصِّصًا لِلْعَامِّ، بِمَعْنَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ بَعْضَ مَا تَنَاوَلَهُ، وَيُوصَفُ النَّاصِبُ لِدَلَالَةِ التَّخْصِيصِ بِأَنَّهُ مُخَصِّصٌ، وَيُوصَفُ الدَّلِيلُ بِأَنَّهُ مُخَصِّصٌ، كَمَا يُقَالُ: السُّنَّةُ تُخَصِّصُ الْكِتَابَ، وَيُوصَفُ الْمُعْتَقِدُ لِذَلِكَ بِأَنَّهُ مُخَصِّصٌ.
وَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي هَذَا الْبَابِ ذِكْرُ حَدِّ التَّخْصِيصِ دُونَ الْخَاصِّ وَالْخُصُوصِ، فَالْأَوْلَى فِي حَدِّهِ أَنْ يُقَالَ هُوَ إِخْرَاجُ بَعْضِ مَا كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ الْعُمُومِ، على تقدير عدم المخصص.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي الْفَرْقِ بَيْنَ النَّسْخِ وَالتَّخْصِيصِ
اعْلَمْ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّخْصِيصُ شَدِيدَ الشَّبَهِ بالنسخ لاشتراكهما في اختصاص الحكم بعض مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ، احْتَاجَ أَئِمَّةُ الْأُصُولِ إِلَى بَيَانِ الْفِرَقِ بَيْنَهُمَا مِنْ وُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ التَّخْصِيصَ تَرْكُ بَعْضِ الْأَعْيَانِ، وَالنَّسْخَ تَرْكُ "بَعْضِ الْأَزْمَانِ"*، كَذَا قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ.
الثَّانِي: أَنَّ التَّخْصِيصَ يَتَنَاوَلُ الْأَزْمَانَ، وَالْأَعْيَانَ، وَالْأَحْوَالَ بِخِلَافِ النَّسْخِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إِلَّا الْأَزْمَانَ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ الْأَعْيَانَ وَالْأَزْمَانَ لَيْسَا مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، وَالنَّسْخُ يَرِدُ عَلَى الْفِعْلِ فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ، وَالتَّخْصِيصُ يَرِدُ عَلَى الْفِعْلِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ. انْتَهَى.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ فَرْقٌ مُسْتَقِلٌّ، فَيَنْبَغِي أَنْ يكون هو الوجه الثالث.
* في "أ": ترك الأعيان.
الرَّابِعُ: أَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ، بِخِلَافِ النَّسْخِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِكُلِّ الْأَفْرَادِ ذكره البيضاوي.
الْخَامِسُ: أَنَّ النَّسْخَ تَخْصِيصُ الْحُكْمِ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ، بِطَرِيقٍ خَاصٍّ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ، قَالَهُ أَيْضًا الْأُسْتَاذُ، واختاره البيضاوي. واعترض عليه إمام الحرمين.
السَّادِسُ: أَنَّ التَّخْصِيصَ تَقْلِيلٌ، وَالنَّسْخَ تَبْدِيلٌ، حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ قَلِيلُ الْفَائِدَةِ.
السَّابِعُ: أَنَّ النَّسْخَ يَتَطَرَّقُ إِلَى كُلِّ حُكْمٍ، سَوَاءً كَانَ ثَابِتًا فِي حَقِّ شَخْصٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَشْخَاصٍ كَثِيرَةٍ، وَالتَّخْصِيصَ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَّا إِلَى الْأَوَّلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ عَنْ هَذَا بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَقَالَ: التَّخْصِيصُ لَا يَدْخُلُ فِي الْأَمْرِ بِمَأْمُورٍ، وَاحِدٍ وَالنَّسْخُ يَدْخُلُ فِيهِ.
الثَّامِنُ: أَنَّ التَّخْصِيصَ يُبْقِي دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى مَا بَقِيَ تَحْتَهُ، حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا، عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ، وَالنَّسْخَ يُبْطِلُ دَلَالَةَ حَقِيقَةِ الْمَنْسُوخِ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ بالكلية.
الوجه التَّاسِعُ: أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ النَّسْخِ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْمَنْسُوخِ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ التَّخْصِيصِ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْمَخْصُوصِ.
الْعَاشِرُ: أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ شَرِيعَةٍ بِشَرِيعَةٍ أُخْرَى، وَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ.
قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَهَذَا الْإِطْلَاقُ وَقَعَ فِي كُتُبِ الْعُلَمَاءِ كثيرًا "وهو غَيْرُ مُسَلَّمٍ"*."وَالْمُرَادُ"** أَنَّ الشَّرِيعَةَ الْمُتَأَخِّرَةَ قَدْ تَنْسَخُ بَعْضَ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، أَمَّا كُلَّهَا فَلَا؛ لِأَنَّ قَوَاعِدَ الْعَقَائِدِ لَمْ تُنْسَخْ "وَكَذَلِكَ حِفْظُ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ"***.
الْحَادِي عَشَرَ: أَنَّ النَّسْخَ رَفْعُ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ، فَإِنَّهُ بَيَانُ الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ، ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ، وَالْعَبَّادِيُّ فِي "زِيَادَاتِهِ"1.
الثَّانِي عَشَرَ: أَنَّ التَّخْصِيصَ بَيَانُ مَا أُرِيدَ بِالْعُمُومِ، وَالنَّسْخَ بَيَانُ مَا لم يرد بالمنسوخ؛ ذكره الماوردي.
* وفي العبارة ولعله: "وهو غير مسلم"، كما تدل عليه عبارة القرافي في شرح التنقيح. كما في هامش النسخة "أ".
** في "أ": أو المراد.
*** ما بين قوسين ساقط من "أ".
_________
1 وهو في فروع الشافعية، لأبي عاصم، محمد بن أحمد العبادي، وله:"زيادة الزيادات على زيادة الزيادات" وأصله في مجلد لطيف، يعبر عنه الرافعي بفتاوى العبادي ا. هـ. كشف الظنون "2/ 974".