الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُتَعَبِّدُونَ بِرِوَايَتِهِ لَا بِرَأْيِهِ كَمَا تَقَدَّمَ1.
وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ: إِلَى أَنَّهُ يُعْمَلُ بِمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الصَّحَابِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرُ بِمُرَادِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ قَدْ يَحْمِلُهُ "على"* على ذلك عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ اجْتِهَادًا مِنْهُ، وَالْحُجَّةُ إِنَّمَا هِيَ رِوَايَتُهُ لَا فِي رَأْيِهِ، وَقَدْ يَحْمِلُهُ "عَلَى ذَلِكَ"** وَهْمًا مِنْهُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْرَى إِلَّا بِشَوَاهِدِ الْأَحْوَالِ وَالْقَرَائِنِ الْمُقْتَضِيَةِ لِذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغٌ كَانَ الْعَمَلُ بِمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنًا، وَإِنْ كَانَ صَرْفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِضَرْبٍ مِنَ الِاجْتِهَادِ، كَانَ الرُّجُوعُ إِلَى الظَّاهِرِ مُتَعَيِّنًا لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ اجْتِهَادُهُ مُطَابِقًا لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا يَتْرُكُ الظَّاهِرَ بِالْمُحْتَمَلِ.
وَيُجَابُ عَنْهُ: بِأَنَّ ذَلِكَ الْحَمْلَ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ فِيمَا لَيْسَ مِنْ مَسَارِحِ الِاجْتِهَادِ قَدْ يَكُونُ وَهْمًا، فَلَا يَجُوزُ اتِّبَاعُهُ عَلَى الْغَلَطِ، بِخِلَافِ الْعَمَلِ بِمَا يَقْتَضِيهِ الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ عَمِلَ بِمَا يَقْتَضِيهِ كلام الشارع، فكان "الحمل"*** عَلَيْهِ أَرْجَحَ.
وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ إِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِمَذْهَبِ الرَّاوِي وَتَأْوِيلِهِ وَجْهٌ سِوَى عِلْمِهِ بِقَصْدِ النبي صلى الله عليه وسلم لِذَلِكَ التَّأْوِيلِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ بَلْ جُوِّزَ فَقَدْ وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَهَذَا مُسَلَّمٌ إِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا إِذَا تَرَكَ الصَّحَابِيُّ الْعَمَلَ بِمَا رَوَاهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَقَدْ قَدَّمْنَا2 الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الشُّرُوطِ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى مَدْلُولِ الْخَبَرِ وَلَا وَجْهَ لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ "يُحْتَمَلُ أَنَّهُ"**** قَدِ اطَّلَعَ عَلَى نَاسِخٍ لِذَلِكَ الْخَبَرِ الَّذِي رَوَاهُ لِأَنَّا لَمْ نَتَعَبَّدْ بِمُجَرَّدِ هذا الاحتمال وأيضًا "ربما"***** ظن أنه منسوخ ولم يكن كذلك
* في "أ": يحمله على ذلك على خلاف.
** ما بين قوسين ساقط من "أ".
*** في "أ": العمل.
**** ما بين قوسين ساقط من "أ".
***** في "أ": فربما.
_________
1 انظر صفحة: "154".
2 انظر صفحة: "155".
في ألفاظ الرواية
مدخل
…
فصل: في ألفاظ الرواية
اعلم أن الصحابي إِذَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَخْبَرَنِي، أَوْ حَدَّثَنِي، فَذَلِكَ لَا يحتمل
الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وما كان مرويًّا بهذه الألفاظ "أو مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهَا"1 كَشَافَهَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ كَذَا فَهُوَ حُجَّةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا إِذَا جَاءَ الصَّحَابِيُّ بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُ الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنْ يَقُولَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَذَا أَوْ أَمَرَ بِكَذَا أَوْ نَهَى عَنْ كَذَا أَوْ قَضَى بِكَذَا، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ سَوَاءٌ كَانَ الرَّاوِي مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ أَوْ مِنْ كِبَارِهِمْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ رَوَى ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ ثَمَّ وَاسِطَةً فَمَرَاسِيلُ الصَّحَابَةِ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْحَقُّ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ دَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ فَقَالَ: إِنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ حَتَّى يَنْقُلَ لَفْظَ الرَّسُولِ وَلَا حُجَّةَ لِهَذَا؛ فَإِنَّ الصَّحَابِيَّ عَدْلٌ عَارِفٌ بِلِسَانِ الْعَرَبِ، وَقَدْ أَنْكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ دَاوُدَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَإِنْ قَالَ الصَّحَابِيُّ أُمِرْنَا بِكَذَا أَوْ نُهِينَا عَنْ كَذَا بِصِيغَةِ "الْفِعْلِ"2 الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْآمِرَ وَالنَّاهِيَ هُوَ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ3 وَالْجُوَيْنِيُّ وَالْكَرْخِيُّ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ أَوِ النَّاهِي بعض الخلفاء "أو"4 الأمراء.
وَيُجَابُ عَنْهُ: بِأَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ بَعِيدٌ لَا يَنْدَفِعُ بِهِ الظُّهُورُ.
وَحَكَى ابْنُ السَّمْعَانِيِّ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ الْوَقْفُ وَلَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ رُجْحَانَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَظُهُورَ وَجْهٍ يَدْفَعُ الْوَقْفَ إِذْ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ تَعَادُلِ الْأَدِلَّةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَعَدَمِ وِجْدَانِ مُرَجِّحٍ لِأَحَدِهِمَا.
وَحَكَى ابْنُ الْأَثِيرِ فِي "جَامِعِ الْأُصُولِ"5 قَوْلًا رَابِعًا، وَهُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يكون قائل ذلك
1 ما بين قوسين ساقط "أ".
2 ما بين قوسين ساقط من "أ".
3 هو الإمام، أحمد بن إبراهيم، الجرجاني الإسماعيلي، الشافعي، شيخ الإسلام أبو بكر، الحافظ الحجة، شيخ الشافعية، ولد سنة سبع وسبعين ومائتين هـ، وتوفي سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة هـ، ا. هـ. سير أعلام النبلاء "16/ 292"، تذكرة الحافظ "3/ 947"، شذرات الذهب "3/ 72".
4 في "أ": والأمراء.
5 هو المبارك بن محمد بن محمد الشيباني الجزري، أبو السعادات، مجد الدين المحدث، اللغوي، الأصولي ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة هـ، وتوفي سنة ست وستمائة هـ، من آثاره:"الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف""المختار في مناقب الأخيار"، ومن مؤلفاته "جامع الأصول لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم" وهو كتاب بناه على ثلاثة أركان، الأول: في المبادئ والثاني: في المقاصد والثالث: في الخواتيم، ولهذا الكتاب مختصرات كثيرة، منها: مختصر لهبة الله ابن البارزي. ا. هـ. سير أعلام النبلاء "21/ 488"، كشف الظنون "1/ 535"، شذرات الذهب "5/ 22"، الأعلام "5/ 272".
هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَيَكُونُ مَا رَوَاهُ بهذه الصيغة حُجَّةً لِأَنَّهُ لَمْ يَتَأَمَّرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ غَيْرَهُ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً وَلَا وَجْهَ لِهَذَا التَّفْصِيلِ لِمَا عَرَفْنَاهُ مِنْ ضعف احتمال كون الآمر "أو"1 الناهي غَيْرَ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ.
وَذَكَرَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي "شَرْحِ الْإِلْمَامِ"2 قَوْلًا خَامِسًا وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ كَوْنِ قَائِلِهِ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ كَالْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَعُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ كَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فَيَكُونُ حُجَّةً وَبَيْنَ كَوْنِ قَائِلِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً ولا وجه لهذا أيضًا تَقَدَّمَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الصَّحَابِيَّ إِنَّمَا يُورِدُ ذَلِكَ مَوْرِدَ الِاحْتِجَاجِ وَالتَّبْلِيغِ لِلشَّرِيعَةِ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا التَّكْلِيفُ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ وَيَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَيُرِيدَ غَيْرَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ غَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ الصَّحَابِيُّ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّ لَهَا حُكْمَ الرَّفْعِ وَبِهَا تَقُومُ الْحُجَّةُ.
وَمِثْلُ هَذَا إِذَا قَالَ مِنَ السُّنَّةِ كَذَا فَإِنَّهُ لَا يُحْمَلُ إِلَّا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى ابْنُ فَوْرِكٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الظَّاهِرِ وَإِنْ جَازَ خِلَافُهُ. وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى سُنَّةِ الْبَلَدِ وَسُنَّةِ الْأَئِمَّةِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا احْتِمَالٌ بَعِيدٌ وَالْمَقَامُ مَقَامُ تَبْلِيغٍ لِلشَّرِيعَةِ إِلَى الْأُمَّةِ لِيَعْمَلُوا بِهَا. فَكَيْفَ يَرْتَكِبُ مِثْلَ ذَلِكَ مَنْ هُوَ مِنْ خَيْرِ الْقُرُونِ؟ قَالَ الْكَرْخِيُّ وَالرَّازِيُّ وَالصَّيْرَفِيُّ إِنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِأَنَّ الْمُتَلَقِّيَ مِنَ الْقِيَاسِ قَدْ يُقَالُ إِنَّهُ سُنَّةٌ لِاسْتِنَادِهِ إِلَى الشَّرْعِ، وَحَكَى هَذَا الْجُوَيْنِيُّ عَنِ الْمُحَقِّقِينَ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ إِطْلَاقَ السُّنَّةِ عَلَى مَا هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقِيَاسِ مُخَالِفٌ لِاصْطِلَاحِ أَهْلِ الشَّرْعِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيِّ الْوَقْفَ وَلَا وَجْهَ لَهُ. وَأَمَّا التَّابِعِيُّ إِذَا قَالَ مِنَ السُّنَّةِ كَذَا فَلَهُ حُكْمُ مَرَاسِيلِ التَّابِعِينَ هَذَا أَرْجَحُ مَا يُقَالُ فِيهِ وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ "أَرَادَ"3 مَذَاهِبَ الصَّحَابَةِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ العمل في عصرهم خلاف الظاهر، فإن
1 في "أ": والناهي.
2 واسمه: "الإمام في شرح الإلمام في أحاديث الأحكام"، للإمام محمد بن علي، المعروف بابن دقيق العيد، قيل: إنه لم يؤلف في هذا النوع أعظم منه لما فيه من الاستنباطات والفوائد. ا. هـ. كشف الظنون "1/ 158".
3 ما بين قوسين ساقط من "أ".
إِطْلَاقَ ذَلِكَ فِي مَقَامِ الِاحْتِجَاجِ وَتَبْلِيغَهُ إِلَى النَّاسِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ سُنَّةَ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِذَا أَطْلَقَ الصَّحَابِيُّ السُّنَّةَ فَالْمُرَادُ بِهِ سُنَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وكذلك إذا أطلقها غَيْرُهُ مَا لَمْ تُضَفْ إِلَى صَاحِبِهَا كَقَوْلِهِمْ سُنَّةُ الْعُمَرَيْنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَإِنْ قَالَ الصَّحَابِيُّ: كُنَّا نَفْعَلُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَذَا أَوْ كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَا فَأَطْلَقَ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ، وَوَجَّهَ أَنَّهُ نَقْلٌ لِفِعْلِ جَمَاعَتِهِمْ مَعَ تَقْرِيرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ مِثْلُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتَكُونُ الْحُجَّةُ فِي التَّقْرِيرِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ فِي حُكْمِ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ فَلَا، فَقَدْ يُضَافُ فِعْلُ الْبَعْضِ إِلَى الْكُلِّ.
وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَفْعَلُ فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فَقَالَ قَبِلَهُ أَبُو الْفَرَجِ1 مِنْ أَصْحَابِنَا وَرَدَّهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ2 وَالْوَجْهُ التفصيل بين أن يكون شرعًا "مستقرًا"3 كَقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ: كُنَّا نُخْرِجُ صَدَقَةَ عِيدِ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. الْحَدِيثَ4، فَمِثْلُ هَذَا يَسْتَحِيلُ خَفَاؤُهُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ خَفَاؤُهُ فَلَا يَقْبَلُ كَقَوْلِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ كُنَّا نُخَابِرُ عَلَى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّى رَوَى لَنَا بَعْضُ عُمُومَتِي أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ذَلِكَ5 وَرَجَّحَ هَذَا التَّفْصِيلَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ، وَقِيلَ إِنَّ "ذِكْرَ الصَّحَابِيِّ ذَلِكَ"6 فِي مَعْرِضِ الْحُجَّةِ حُمِلَ عَلَى الرَّفْعِ وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا لَوْ قَالَ الصَّحَابِيُّ: كَانُوا يَفْعَلُونَ أَوْ كُنَّا نَفْعَلُ وَلَا يَقُولُ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فَلَا تَقُومُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْحُجَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْنَدٍ إِلَى تَقْرِيرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَا هُوَ حِكَايَةٌ لِلْإِجْمَاعِ، "وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ إِجْمَاعٌ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: إِذَا قَالَ التَّابِعِيُّ: كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَا فَلَا يَدُلُّ عَلَى فِعْلِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَلَا حَجَّةَ فِيهِ، إِلَّا أن يصرح بنقل الإجماع"7.
1 انظر ترجمته في الصفحة "175" حيث هو نفسه أبو الفرج المالكي.
2 هو القاضي عبد الوهاب بن علي الذي تقدمت ترجمته في الصفحة "142"
3 في "أ": مستقلًّا.
4 أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر "985". وأبو داود، كتاب الزكاة، باب كم يؤدي في صدقة الفطر "1616". والنسائي، كتاب الزكاة، باب الزبيب "2512""5/ 51". والبيهقي في السنن، كتاب الزكاة، باب من قال لا يخرج من الحنطة في صدقة الفطر إلا صاعًا "4/ 165". والدارقطني "2/ 146". وأحمد في مسنده "3/ 98". وابن خزيمة "2418". وابن حبان "3305".
5 أخرجه مسلم، كتاب البيوع، باب كراء الأرض "1543". والنسائي، بنحوه في كتاب الأيمان، باب ذكر الأحاديث المختلفة في النهي عن كراء الأرض "3909""7/ 44". وابن ماجه، كتاب الرهون، باب المزارعة بالثلث والربع "2450". وأحمد في مسنده "2/ 463". والحميدي في مسنده "405". وذكره البغوي في المصابيح "2188". والمخابرة هي مزارعة الأرض على الثلث أو الربع أو بعض ما يخرج منها.
6 ما بين قوسين ساقط من "أ".
7 في "أ": ذكره الصحابي.