الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقِيلَ فِي حَدِّهِ: هُوَ الْكَلَامُ الْمُنَزَّلُ لِلْإِعْجَازِ بِسُورَةٍ مِنْهُ، فَخَرَجَ الْكَلَامُ الَّذِي لَمْ يُنَزَّلْ، وَالَّذِي نُزِّلَ لَا لِلْإِعْجَازِ كَسَائِرِ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَالسُّنَّةِ. وَالْمُرَادُ بِالْإِعْجَازِ: ارْتِقَاؤُهُ فِي الْبَلَاغَةِ إِلَى حَدٍّ خَارِجٍ عَنْ طَوْقِ الْبَشَرِ، وَلِهَذَا عَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَتِهِ عِنْدَ تَحَدِّيهِمْ، وَالْمُرَادُ بِالسُّورَةِ: الطَّائِفَةُ مِنْهُ الْمُتَرْجَمُ أَوَّلُهَا وَآخِرُهَا تَوْقِيفًا. وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الْحَدِّ: بِأَنَّ الْإِعْجَازَ لَيْسَ لَازِمًا بَيِّنًا، وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ فِيهِ رَيْبٌ، وَبِأَنَّ مَعْرِفَةَ السُّورَةِ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْقُرْآنِ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ اللُّزُومَ بَيِّنٌ وَقْتَ التَّعْرِيفِ لِسَبْقِ الْعِلْمِ بِإِعْجَازِهِ، وَبِأَنَّ السُّورَةَ اسْمٌ لِلطَّائِفَةِ الْمُتَرْجَمَةِ مِنَ الْكَلَامِ الْمُنَزَّلِ، قُرْآنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، بِدَلِيلِ سُورَةِ الْإِنْجِيلِ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ فِي حَدِّهِ: هُوَ مَا نُقِلَ إِلَيْنَا بَيْنَ دَفَّتَيِ الْمُصْحَفِ تَوَاتُرًا.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ: هُوَ الْقُرْآنُ الْمُنَزَّلُ عَلَى رَسُولِنَا، الْمَكْتُوبُ فِي الْمَصَاحِفِ، الْمَنْقُولُ تَوَاتُرًا بِلَا شُبْهَةٍ.
فَالْقُرْآنُ تَعْرِيفٌ لَفْظِيٌّ لِلْكِتَابِ، وَالْبَاقِي رَسْمِيٌّ وَيُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا سَبَقَ، وَيُجَابُ عَنِ الِاعْتِرَاضِ بِمَا مَرَّ.
وَقِيلَ: هُوَ كَلَامُ اللَّهِ الْعَرَبِيُّ الثَّابِتُ في اللوم الْمَحْفُوظِ لِلْإِنْزَالِ.
وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ: بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْقُدْسِيَّةَ وَالْقِرَاءَاتِ الشَّاذَّةَ بَلْ وَجَمِيعُ الْأَشْيَاءِ ثَابِتَةٌ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِين} 1 وَأُجِيبَ بِمَنْعِ كَوْنِهَا أُثْبِتَتْ فِي اللَّوْحِ لِلْإِنْزَالِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: هُوَ كَلَامُ اللَّهِ الْمُنَزَّلُ عَلَى مُحَمَّدٍ الْمَتْلُوُّ الْمُتَوَاتِرُ، وَهَذَا لَا يَرِدُ عليه ما ورد على الحدود فتدبر.
1 جزء من الآية "59" من سورة الأنعام.
الفصل الثاني: حكم المنقول آحَادًا
اخْتُلِفَ فِي الْمَنْقُولِ آحَادًا هَلْ هُوَ قُرْآنٌ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ:" لَيْسَ بِقُرْآنٍ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ "مِمَّا"* تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، لِكَوْنِهِ كَلَامَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ، وَكَوْنِهُ مُشْتَمِلًا عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَكَوْنِهِ مُعْجِزًا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَوَاتَرَ، فَمَا لَمْ يَتَوَاتَرْ "لَيْسَ"** بقرآن.
* وقع في "أ": ما.
** في "أ": فليس.
هَكَذَا قَرَّرَ أَهْلُ الْأُصُولِ "دَلِيلَ"* التَّوَاتُرِ، وَقَدِ ادَّعَى تَوَاتُرَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو1، وَنَافِعٍ2، وَعَاصِمٍ3، وَحَمْزَةَ4 وَالْكِسَائِيِّ5، وَابْنِ كَثِيرٍ6، وَابْنِ عَامِرٍ7 دُونَ غَيْرِهَا، وَادَّعَى أَيْضًا تَوَاتَرَ الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ، وَهِيَ هَذِهِ مَعَ قِرَاءَةِ يَعْقُوبَ8، وَأَبِي جَعْفَرٍ9، وَخَلَفٍ10 وَلَيْسَ عَلَى ذَلِكَ أَثَارَةٌ مَنْ عِلْمٍ، فَإِنَّ هَذِهِ القراءات كل واحدة منها منقولة
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
_________
1 هو زبان بن العلاء بن عمار، التميمي ثم المازني البصري، شيخ القراء والعربية، ولد سنة سبعين هجرية، وتوفي سنة سبع وخمسين ومائة هـ، كان أعلم الناس بالقرآن والعربية وأيامها والشعر، قال فيه الفرزدق.
ما زلت أفتح أبوابًا وأغلقها
…
حتى رأيت أباعمرو بن عمار
ا. هـ. سير أعلام النبلاء "6/ 407"، تهذيب التهذيب "12/ 178".
2 هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، الليثي، المدني، أحد القراء السبعة، واشتهر في المدينة، وانتهت إليه رياسة القراءة فيها، توفي سنة تسع وستين ومائة هـ، ا. هـ. الأعلام "8/ 5".
3 هو عاصم بن أبي النجود، الإمام المقرئ، أبو بكر الأسدي الكوفي، ما كان في الكوفة أقرأ منه، توفي سنة سبع وعشرين ومائة هـ، ا. هـ. سير أعلام النبلاء "5/ 256"، تهذيب التهذيب "5/ 38".
4 هو حمزة بن حبيب بن عمارة، الإمام القدوة، شيخ القراء، أبو عمارة التميمي الكوفي، قال ابن فضيل: ما أحسب أن الله يدفع البلاء عن أهل الكوفة إلا بحمزة، توفي سنة ست وخمسين ومائتين هـ، ا. هـ. سير أعلام النبلاء "7/ 92"، تهذيب التهذيب "3/ 27"، شذرات الذهب "1/ 240".
5 هو علي بن حمزة بن عبد الله، الأسدي الكوفي، الملقب بالكسائي لكساء أحرم فيه، وكان ذا منزلة رفيعة عند الرشيد، وأدب ولده الأمين، توفي سنة تسع وثمانين ومائة هـ. ا. هـ. سير أعلام النبلاء "9/ 131"، شذرات الذهب "1/ 321".
6 هو عبد الله بن كثير بن عمرو، مقرئ مكة، الإمام العلم، أحد القراء السبعة، توفي سنة اثنتين وعشرين ومائة هـ، وكان عطارًا، وكانت ولادته سنة ثمان وأربعين هجرية ا. هـ. سير أعلام النبلاء "5/ 318"، تهذيب التهذيب "65/ 367".
7 هو عبد الله بن عامر بن يزيد، الإمام الكبير، مقرئ الشام، اليحصبي الدمشقي، ولد سنة أحدى وعشرين هجرية، وكانت وفاته سنة ثماني عشرة ومائة هحرية ا. هـ. سير أعلام النبلاء "5/ 292"، تهذيب التهذيب "5/ 274".
8 هو يعقوب بن إسحاق بن زيد، مقرئ البصرة، الإمام المجود الحافظ، أبو محمد، أحد القراء العشرة، ولد بعد سنة ثلاثين ومائة، ورجحه بعض الأئمة عل الكسائي، توفي سنة خمس ومائتين هـ، ا. هـ. سير أعلام النبلاء "10/ 169"، شذرات الذهب "2/ 14".
9 هو يزيد بن القعقاع، احد الأئمة العشرة، روى إسحاق المسيبي: لما غسل أبو جعفر نظروا ما بين نحوه إلى فؤاده كورقة المصحف فما شك من حضره أنه نور القرآن، وكانت وفاته سنة سبع وعشرين ومائة هـ. ا. هـ. شذرات الذهب "1/ 176"، سير أعلام النبلاء "5/ 287".
10 هو خلف بن هشام بن ثعلب، أبو محمد، الإمام الحافظ الحجة، البغدادي البزار المقرئ ولد سنة خمسين ومائة هـ، توفي سنة تسع وعشرين ومائتين هـ، ا. هـ. سير أعلام النبلاء "10/ 576"، شذرات الذهب "2/ 67"، تهذيب التهذيب "3/ 156".
نَقْلًا آحَادِيًا، كَمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُ أَسَانِيدَ هَؤُلَاءِ الْقُرَّاءِ لِقِرَاءَاتِهِمْ، وَقَدْ نَقَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ فِي هَذِهِ القرءات مَا هُوَ مُتَوَاتِرٌ، وَفِيهَا مَا هُوَ آحَادٌ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِتَوَاتُرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ السَّبْعِ، فَضْلًا عَنِ الْعَشْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلٌ قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْأُصُولِ، وَأَهْلُ الْفَنِّ أَخْبَرُ بِفَنِّهِمْ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْمُصْحَفُ الشَّرِيفُ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقُرَّاءُ الْمَشْهُورُونَ فَهُوَ قُرْآنٌ، وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَإِنِ احْتَمَلَ رَسْمُ الْمُصْحَفِ قِرَاءَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُخْتَلِفِينَ مَعَ مُطَابَقَتِهَا لِلْوَجْهِ الْإِعْرَابِيِّ. وَالْمَعْنَى الْعَرَبِيِّ، فَهِيَ قُرْآنٌ كُلُّهَا. وَإِنِ احْتَمَلَ بَعْضَهَا دُونَ بَعْضٍ، فَإِنْ صَحَّ إِسْنَادُ مَا لَمْ يَحْتَمِلْهُ، وَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِلْوَجْهِ الْإِعْرَابِيِّ، وَالْمَعْنَى الْعَرَبِيِّ، فَهِيَ الشَّاذَّةُ، وَلَهَا حُكْمُ أَخْبَارِ الْآحَادِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَدْلُولِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِنَ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا.
وَأَمَّا مَا لَمْ يَصِحَّ إِسْنَادُهُ مِمَّا لَمْ يَحْتَمِلْهُ الرَّسْمُ فَلَيْسَ بِقُرْآنٍ، وَلَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ أَخْبَارِ الْآحَادِ.
أَمَّا انْتِفَاءُ كَوْنِهِ قُرْآنًا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا انْتِفَاءُ تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ أَخْبَارِ الْآحَادِ، فَلِعَدَمِ صِحَّةِ إِسْنَادِهِ، وَإِنْ وَافَقَ الْمَعْنَى الْعَرَبِيَّ وَالْوَجْهَ الْإِعْرَابِيَّ فَلَا اعْتِبَارَ بِمُجَرَّدِ الْمُوَافَقَةِ، مَعَ عَدَمِ صِحَّةِ الْإِسْنَادِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أحرف1، وصح عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:"أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ حَتَّى أَقْرَأَنِي عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ"2.
وَالْمُرَادُ بِالْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ: لُغَاتُ الْعَرَبِ، فَإِنَّهَا بَلَغَتْ إِلَى سَبْعِ لُغَاتٍ، اخْتَلَفَتْ فِي قَلِيلٍ مِنَ الْأَلْفَاظِ، وَاتَّفَقَتْ فِي غَالِبِهَا، فَمَا وَافَقَ لُغَةً مِنْ تِلْكَ اللُّغَاتِ، فَقَدْ وَافَقَ الْمَعْنَى الْعَرَبِيَّ وَالْإِعْرَابِيَّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُحْتَاجَةٌ إِلَى بَسْطٍ تَتَّضِحُ بِهِ حَقِيقَةُ مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ أَفْرَدْنَاهَا بِتَصْنِيفٍ3 مُسْتَقِلٍّ فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ فِي هَذَا الْبَحْثِ مَا وَقَعَ مِنَ الِاخْتِلَافِ بين القراء في
1 أخرجه مسلم من حديث عمر بن الخطاب، كتاب صلاة المسافرين، باب بيان أن القرآن أنزل على سبعة أحرف "818 ". والبخاري، كتاب الخصومات، باب كلام الخصوم بعضهم في بعض "2419". والترمذي، كتاب القراءات. باب ما جاء أنزل القرآن على سبعة أحرف "2943". وقال حسن صحيح. والنسائي، كتاب الصلاة، باب جامع ما جاء في القرآن "935""2/ 150". وأبو داود. كتاب الصلاة، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف "1475" ابن حبان في صحيحه "741".
2 أخرجه البخاري من حديث ابن عباس، كتاب فضائل القرآن، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف برقم "4991". مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب بيان أن القرآن أنزل على سبعة أحرف "819". والإمام أحمد في المسند "1/ 263". والطبراني في الأوسط "1813". وعبد الرزاق في المصنف "2370".
3 لم أجد فيما بين يدي من المراجع من صرح باسم هذا التصنيف في مصنفات الشوكاني.
الْبَسْمَلَةِ، وَكَذَلِكَ مَا وَقَعَ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِيهَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ هَلْ هِيَ آيَةٌ مَنْ كُلِّ سُورَةٍ1، أَوْ آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ فَقَطْ2، أَوْ آيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ3، أَوْ لَيْسَتْ بِآيَةٍ4، وَلَا هِيَ مِنَ الْقُرْآنِ5، وَأَطَالُوا الْبَحْثَ فِي ذَلِكَ. وَبَالَغَ بَعْضُهُمْ فَجَعَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ مَسَائِلِ الِاعْتِقَادِ وَذَكَرَهَا في مسائل أصول الدين.
الحق أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ لِوُجُودِهَا فِي رَسْمِ الْمَصَاحِفِ، وَذَلِكَ هُوَ الرَّكْنُ الْأَعْظَمُ فِي إِثْبَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ لِلْقُرْآنِ، ثُمَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى ثُبُوتِهَا خطأ في المصحف في أوائل السور، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ مَنْ لَمْ يُثْبِتْ كَوْنَهَا قُرْآنًا مِنَ الْقُرَّاءِ وَغَيْرِهِمْ.
وَبِهَذَا الْإِجْمَاعِ حَصَلَ الرُّكْنُ الثَّانِي وَهُوَ النَّقْلُ، مَعَ كَوْنِهِ نَقْلًا إِجْمَاعِيًّا بَيْنَ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ.
وَأَمَّا الرُّكْنُ الثالث: وهو موافقها للوجه الإعرابي والمعنى فَذَلِكَ ظَاهِرٌ.
إِذَا تَقَرَّرَ لَكَ هَذَا عَلِمْتَ أَنَّ نَفْيَ كَوْنِهَا مِنَ الْقُرْآنِ مَعَ تَسْلِيمِ وَجُودِهَا فِي الرَّسْمِ مُجَرَّدُ دَعْوَى غَيْرِ مَقْبُولَةٍ. وَكَذَلِكَ دَعْوَى كَوْنِهَا آيَةً وَاحِدَةً، أَوْ آيَةً مِنَ الْفَاتِحَةِ، مَعَ تَسْلِيمِ وُجُودِهَا فِي الرَّسْمِ في أول كل سورة، فإنها دعوى مجرد عَنْ دَلِيلٍ مَقْبُولٍ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِنَ الْخِلَافِ فِي كَوْنِهَا تُقْرَأُ6 فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا تُقْرَأُ7، وَعَلَى الْقَوْلِ بِكَوْنِهَا تُقْرَأُ هَلْ يُسَرُّ بِهَا مُطْلَقًا8 أَوْ تكون على صفة ما يقرأ مِنَ الْإِسْرَارِ فِي السِّرِّيَّةِ، وَالْجَهْرِ فِي الْجَهْرِيَّةِ9، فلا يَخْفَاكَ أَنَّ هَذَا خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فِي رِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ10، وَذَكَرْنَا فِي "شَرْحِ الْمُنْتَقَى"11 مَا إِذَا رجعت إليه تحتج إلى غيره.
1 وهو مذهب عبد الله بن المبارك.
2 وهو مذهب الإمام الشافعي.
3 وهو مذهب الإمام أبي حنيفة.
4 وهو مذهب الإمام مالك.
5 وهو مذهب الحسن البصري. ا. هـ. القرطبي عند تفسير الفاتحة "بسم الله الرحمن الرحيم".
6 وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد.
7 وهو مذهب الإمام مالك وفي بعض أقواله أنها تقرأ في النفل.
8 وهو قول أبي حنيفة وأحمد بن حنبل.
9 وهو قول غير أبي حنيفة وأحمد. ا. هـ. القرطبي عند ذكر أحكام البسملة.
10 واسمها: "الرسالة المكملة في أدلة البسملة" ا. هـ. إيضاح المكنون "1/ 569"، البدر الطالع "2/ 221".
11 واسمه: "نيل الأوطار بشرح المنتقى في الأخبار"، للشوكاني محمد بن علي، وهو في مجلدات، مطبوع في مصر، وهو في إبطال دعوى الإجماع. ا. هـ. ذيل كشف الظنون "2/ 697".