الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ مُبَاحٌ
نَقَلَهُ الدَّبُوسِيُّ فِي "التَّقْوِيمِ"1، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ، وَقَالَ: إِنَّهُ الصَّحِيحُ، وَاخْتَارَهُ الْجُوَيْنِيُّ فِي "الْبُرْهَانِ" وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ2 قَرِيبًا.
الْقَوْلُ الرَّابِعُ: الْوَقْفُ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ
نَقَلَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ أَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ، قَالَ وَاخْتَارَهُ الدَّقَّاقُ وَأَبُو الْقَاسِمِ، بْنُ كَجِّ3 قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ ابْنُ فُورَكَ: إِنَّهُ الصَّحِيحُ، وَكَذَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي "شَرْحِ الْكِفَايَةِ"4، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَصَائِصِهِ كَانَ التَّوَقُّفُ مُتَعَيِّنًا، وَيُجَابُ عنهم بمنع احتماله للإباحة لما قدمنا5، منع احْتِمَالِ الْخُصُوصِيَّةِ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهُ كُلَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّشْرِيعِ، مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِلتَّوَقُّفِ وَالْعَجَبُ مِنِ اخْتِيَارِ مثل الغزالي والرازي له.
1 واسمه "تقويم الأدلة في الأصول" للقاضي الإمام أبي زيد، عبد الله "وقيل: عبيد الله" بن عمر الدبوسي، مجلد واحد، أوله الحمد لله رب العالمين وشرحه فخر الإسلام البزدوي. ا. هـ. كشف الظنون "1/ 467".
2 انظر صفحة: "109".
3 هو يوسف بن أحمد بن كج الدينوري، أبو القاسم، القاضي العلامة، شيخ الشافعية، توفي سنة خمس وأربع مائة هـ، من آثاره:"التجريد". ا. هـ. سير أعلام النبلاء "17/ 184"، هدية العارفين "2/ 550". شذرات الذهب "3/ 177".
4 لم أجد أحدًا ممن ترجم له، ينسب إليه شرح الكفاية، ولكن له شرح على مختصر المزني في فروع الشافعية، وله مصنفات في الأصول والجدل والخلاف أيضًا، ا. هـ. انظر صفحة "110" حيث تقدمت ترجمته هناك.
5 انظر صفحة: "109".
الفصل الخامس: في تَعَارُضُ الْأَفْعَالِ
…
الْبَحْثُ الْخَامِسُ: فِي تَعَارُضِ الْأَفْعَالِ
اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْأَفْعَالِ، بحيث يكون البعث مِنْهَا نَاسِخًا لِبَعْضٍ أَوْ مُخَصِّصًا لَهُ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَاجِبًا وَفِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا عُمُومَ لَهُ، فَلَا يَشْمَلُ جَمِيعَ الْأَوْقَاتِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى التِّكْرَارِ، هَكَذَا قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْأُصُولِ عَلَى اخْتِلَافِ طَبَقَاتِهِمْ وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ1 فِي كِتَابِ "الْمَحْصُولِ"2 ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ:
1 هو محمد بن عبد الله بن محمد، أبو بكر، الإمام العلامة، الحافظ القاضي، الأندلسي الإشبيلي المالكي، ولد سنة ثمان وستين وأربعمائة هـ، من آثاره:"أحكام القرآن""العواصم من القواصم""عارض الأحوذي""الأصناف" وغيرها، توفي سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة هـ، سير أعلام النبلاء "20/ 197"، شذرات الذهب "4/ 141"، كشف الظنون "553"، هدية العارفين "20 90" الأعلام "6/ 230".
2 واسمه "المحصول على علم الأصول". ا. هـ. إيضاح المكنون "2/ 442".
الْأَوَّلُ التَّخْيِيرُ.
الثَّانِي: تَقْدِيمُ الْمُتَأَخِّرِ، كَالْأَقْوَالِ إِذَا تَأَخَّرَ بَعْضُهَا.
الثَّالِثُ: حُصُولُ التَّعَارُضِ وَطَلَبُ التَّرْجِيحِ مِنْ خَارِجٍ، قَالَ: كَمَا اتُّفِقَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ صُلِّيَتْ عَلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ صِفَةً، قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: إِنَّهُ يُرَجَّحُ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ مَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَى هَيْئَةِ الصَّلَاةِ وَقَدَّمَ بَعْضُهُمُ الْأَخِيرَ مِنْهَا إِذَا عُلِمَ، انْتَهَى.
وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ رُشْدٍ1 أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَفْعَالِ كَالْحُكْمِ فِي الْأَقْوَالِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ2: يَجُوزُ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْفِعْلَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ فَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ، وَإِنْ جُهِلَ فَالتَّرْجِيحُ وَإِلَّا فَهُمَا مُتَعَارِضَانِ كَالْقَوْلَيْنِ.
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ أَوِ الْإِبَاحَةِ فَلَا تَعَارُضَ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي "الْمَنْخُولِ": إِذَا نُقِلَ فِعْلٌ وَحُمِلَ عَلَى الْوُجُوبِ ثُمَّ نُقِلَ فِعْلٌ يُنَاقِضُهُ فَقَالَ الْقَاضِي3: لَا يُقْطَعُ بِأَنَّهُ نَاسِخٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ انْتَهَى "لِمُدَّةِ"* الْفِعْلِ الْأَوَّلِ. قَالَ: وَذَهَبَ ابْنُ مُجَاهِدٍ4 إِلَى أَنَّهُ نَسْخٌ وَتَرَدَّدَ فِي الْقَوْلِ الطَّارِئِ عَلَى الْفِعْلِ وَجَزَمَ إِلْكِيَا بِعَدَمِ تَصَوُّرِ تَعَارُضِ الْفِعْلَيْنِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا عُلِمَ بِدَلِيلٍ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ إِدَامَتُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، بِأَنَّهُ يَكُونُ مَا بَعْدَهُ نَاسِخًا لَهُ، قَالَ: وَعَلَى مِثْلِهِ بَنَى الشَّافِعِيُّ مَذْهَبَهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ.
وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَعَارُضُ الْأَفْعَالِ، فَإِنَّهُ لَا صِيَغَ لَهَا يُمْكِنُ النَّظَرُ فِيهَا وَالْحُكْمُ عَلَيْهَا، بَلْ هِيَ مُجَرَّدُ أَكْوَانٍ مُتَغَايِرَةٍ وَاقِعَةٍ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَهَذَا إِذَا لَمْ تَقَعْ بَيَانَاتٌ لِلْأَقْوَالِ، أَمَّا إِذَا وَقَعَتْ بَيَانَاتٌ لِلْأَقْوَالِ فَقَدْ تَتَعَارَضُ فِي الصُّورَةِ وَلَكِنَّ التَّعَارُضَ فِي الْحَقِيقَةِ رَاجِعٌ إلى المبينات من
* في "أ": مدة.
_________
1 هو محمد بن أحمد بن رشد المالكي، أبو الوليد، قاضي الجماعة بقرطبة، توفي سنة عشرين وخمسمائة هـ، وكان من أوعية العلم، وله تصانيف مشهورة. منها:"حجب المواريث""المقدمات" ا. هـ. شذرات الذهب "4/ 62"، معجم المؤلفين "8/ 228"، سير أعلام النبلاء "19/ 501"، هدية العارفين "2/ 85".
2 هو محمد بن أحمد بن أبي بكر: الأنصاري الخزرجي الأندلسي، أبوعبد الله، من كبار المفسرين، توفي سنة إحدى وسبعين وستمائة هـ، من آثاره:"الجامع لأحكام القرآن""التذكرة بأحوال الموتى والآخرة". ا. هـ. شذرات الذهب "5/ 335"، كشف الظنون "1/ 534"، الأعلام "5/ 322"، معجم المؤلفين "8/ 239".
3 ستأتي ترجمته في الصفحة "119" حيث صرح به هناك.
4 هو محمد بن أحمد بن محمد، أبو عبد الله، الأستاذ، ابن مجاهد، الطائي البصري، توفي سنة سبعين وثلاثمائة هـ، وله من التصانيف الكثير. ا. هـ. سير أعلام النبلاء "16/ 305"، هدية العارفين "2/ 49".