الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلرِّوَايَةِ"* تَفْصِيلًا فِي اتِّصَافِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا بِأَنَّهَا طَرِيقٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ.
وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ الْإِحْكَامِ إِنَّهُ بِدْعَةٌ غَيْرُ جَائِزَةٍ.
وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ لِلتِّلْمِيذِ أَنْ يَقُولَ فِي الْإِجَازَةِ حَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي أَوْ حَدَّثَنَا أَوْ أَخْبَرَنَا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِ ذَلِكَ إِجَازَةً فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ إِلَّا بِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ حَدَّثَنِي إِجَازَةً أَوْ أَخْبَرَنِي إِجَازَةً. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَأَجْوَدُ الْعِبَارَاتِ فِي الْإِجَازَةِ أَنْ يَقُولَ أَجَازَ لَنَا "قِيلَ"**: ويجوز أَنْ يَقُولَ أَنْبَأَنِي بِالِاتِّفَاقِ.
وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ عَلَى أَنْوَاعٍ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: أَنْ يُجِيزَ فِي مُعَيَّنٍ لِمُعَيَّنٍ، نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: أَجَزْتُ لَكَ أَوْ لَكُمْ رِوَايَةَ الْكِتَابِ الْفُلَانِيِّ عَنِّي؛ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَعْلَى "أَنْوَاعِ"*** الْإِجَازَةِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يُجِيزَ "لِمُعَيَّنٍ"**** فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ، نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: أَجَزْتُ لَكَ أَوْ لَكُمْ جَمِيعَ مَسْمُوعَاتِي، فَجَوَّزَ هَذَا الْجُمْهُورُ وَمَنَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْجُوَيْنِيُّ.
النَّوْعُ الثالث: أن يجيز غير معين بغير مُعَيَّنٍ "لِغَيْرِ"***** مُعَيَّنٍ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: أَجَزْتُ لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ لِمَنْ أَدْرَكَ حَيَاتِي، جَمِيعَ مَرْوِيَّاتِي، وَقَدْ جَوَّزَ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْخَطِيبُ وَأَبُو الطيب الطبري، ومنعه آخرون وهذا فِيمَا إِذَا كَانَ الْمَجَازُ لَهُ أَهْلًا لِلرِّوَايَةِ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهَا كَالصَّبِيِّ فَجَوَّزَ ذَلِكَ قَوْمٌ وَمَنَعَهُ آخَرُونَ.
وَاحْتَجَّ الْخَطِيبُ لِلْجَوَازِ: بِأَنَّ الْإِجَازَةَ إِبَاحَةُ الْمُجِيزِ لِلْمُجَازِ لَهُ أن يرو ي عَنْهُ، وَالْإِبَاحَةُ تَصِحُّ لِلْمُكَلَّفِ وَغَيْرِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ بِأَنْ لَا يَرْوِيَ مَنْ لَيْسَ بِمُتَأَهِّلٍ لِلرِّوَايَةِ إِلَّا بعد أن يصير متأهلًا لها.
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
** في "أ": وقيل يجوز.
*** في "أ": طرق.
**** ما بين قوسين ساقط من "أ".
***** في "أ": بغير.
فصل: الحديث الصحيح والمرسل
الصَّحِيحُ مِنَ الْحَدِيثِ: هُوَ مَا اتَّصَلَ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ عَدْلٍ ضَابِطٍ مِنْ غَيْرِ شُذُوذٍ وَلَا عِلَّةٍ قَادِحَةٍ.
فَمَا لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ. وَمِنْ ذَلِكَ الْمُرْسَلُ، وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَ التَّابِعِيُّ.
الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَيَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا اصْطِلَاحُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا جُمْهُورُ أَهْلِ الْأُصُولِ فَقَالُوا: الْمُرْسَلُ، قَوْلُ مَنْ لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ التَّابِعِينَ أَوْ مِنْ تَابِعِي التَّابِعِينَ أَوْ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ.
وَإِطْلَاقُ الْمُرْسَلِ على هذا وإن كان اصطلاحا، ً وَلَا مُشَاحَّةَ فِيهِ لَكِنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ هُوَ الْمُرْسَلُ بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى ضَعْفِهِ، وَعَدَمِ قِيَامِ الْحُجَّةِ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ التَّابِعِيُّ سَمِعَهُ مِنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَنَّ الْوَاسِطَةَ صَحَابِيٌّ لَا غَيْرَ حَتَّى يُقَالَ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الصَّحَابَةَ عُدُولٌ فَلَا يَضُرُّ حَذْفُ الصَّحَابِيِّ، وَأَيْضًا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مُدَّعٍ يَدَّعِي أَنَّ لَهُ صُحْبَةً وَلَمْ تَصِحَّ صُحْبَتُهُ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ، وَجُمْهُورُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ إِلَى قَبُولِهِ وَقِيَامِ الْحُجَّةِ بِهِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِقَبُولِ الْمُرْسَلِ: إِنَّهُ أَقْوَى مِنَ الْمُسْنَدِ لِثِقَةِ التَّابِعِيِّ بِصِحَّتِهِ وَلِهَذَا أَرْسَلَهُ وَهَذَا غُلُوٌّ خَارِجٌ عَنِ الْإِنْصَافِ.
وَالْحَقُّ عَدَمُ الْقَبُولِ لِمَا "ذَكَرْنَا"* مِنَ الِاحْتِمَالِ.
قَالَ الْآمِدِيُّ: وَفَصَلَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ، فَقَبِلَ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِي التَّابِعِينَ دُونَ مَنْ عَدَاهُمْ وَلَعَلَّهُ يَسْتَدِلُّ عَلَى هَذَا بِحَدِيثِ "خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الذين يلونهم ثم يفشو الكذب" 1، وقيل هذا من قال به بأن يكون "ذلك"** الرَّاوِي مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِنْ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ "فِي"*** أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْمُرْسَلِ إِذَا كَانَ مُرْسَلُهُ غَيْرَ مُحْتَرِزٍ، يُرْسَلُ عَنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ، قَالَ: وَهَذَا الِاسْمُ وَاقِعٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى حَدِيثِ التَّابِعِيِّ الْكَبِيرِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ أَنْ يَقُولَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ2 أَوْ أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سهل بن حنيف3، أو
* في "أ": ذكرت.
** ما بين قوسين ساقط من "أ".
*** ما بين قوسين ساقط من "أ".
_________
1 أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بلفظ "خير الناس قرني": في الأيمان باب إذا قال أشهد بالله أو شهدت بالله "6658" ومسلم في الفضائل باب فضل الصحابة "2533" وأحمد في مسنده "1/ 434"، والترمذي في المناقب، باب ما جاء في فضل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه "3859" وقال: حسن صحيح. وابن ماجه: في الأحكام باب كراهية الشهادة لمن لم يستشهد "2362" وابن حبان في صحيحه "4330".
2 ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أبوه من الطلقاء، حدث عن عمر، وعثمان، وعلي، وكعب، وطائفة، كان من فقهاء قريش وعلمائهم، وهو ثقة، قليل الحديث مات في خلافة الوليد بن عبد الملك. ا. هـ. سير أعلام النبلاء "3/ 514"، تهذيب التهذيب "7/ 36"، الجرح والتعديل "5/ 329".
3 الأنصاري الأوسي المدني، الفقيه، المعمر، الحجة، واسمه أسعد باسم جده لأمه، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ورآه فيما قيل، توفي سنة مائة هـ، على ما اتفقوا عليه. ا. هـ. سير أعلام النبلاء "3/ 517"، تهذيب التهذيب "1/ 263".
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ1 وَمَنْ كَانَ مِثْلَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَذَلِكَ مَنْ دُونَ هَؤُلَاءِ كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ2 وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ3 وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ4 وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ5 وَمَنْ كَانَ مِثْلَهُمْ وَكَذَلِكَ عَلْقَمَةُ6 وَمَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ7 والحسن8 وابن سيرين والشعبي9
1 هو أبو عبد الرحمن الأموي، الذي افتتح إقليم خراسان، رأى سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن خال سيدنا عثمان، ولي البصرة لعثمان، تزوج بهند بنت معاوية، توفي سنة تسع وخمسين هـ، فقال معاوية: بمن نفاخر وبمن نباهي بعده. ا. هـ. سير أعلام النبلاء "3/ 18"، تهذيب التهذيب "5/ 272".
2 هو ابن حزن بن أبي وهب المخرومي، القرشي، أبو محمد، سيدنا التابعين، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، جمع بين الحديث والفقه والزهد والورع، كان أحفظ الناس لأحكام عمر بن الخطاب، وأقضيته، حتى سمي راوية عمر، توفي بالمدينة سنة أربع وتسعين هـ. ا. هـ. سير أعلام النبلاء "4/ 217"، تهذيب التهذيب "4/ 84"، الأعلام "3/ 102".
3 هو ابن عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، الإمام الزاهد، الحافظ، مفتي المدينة، أبو عمر، وأبو عبد الله، القرشي العدوي المدني، توفي بالمدينة سنة ست ومائة هـ، ا. هـ. سير أعلام النبلاء "4/ 457"، الأعلام "3/ 71"، تهذيب التهذيب "3/ 436"، شذرات الذهب "1/ 133".
4 القرشي الزهري، الحافظ، أحد الأعلام بالمدينة، قيل: اسمه عبد الله وقيل: إسماعيل، ولد سنة بضع وعشرين هـ، وتوفي بالمدينة سنة أربع وتسعين هـ، في خلافة الوليد، كان قاضيًا في إمارة سعيد بن العاص على المدينة. ا. هـ. سير أعلام النبلاء "4/ 287"، تهذيب التهذيب "12/ 115"، تذكرة الحفاظ "1/ 59".
5 حفيد أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. الإمام القدوة، الحافظ الحجة، ولد في خلافه علي رضي الله عنه، واختلف في وفاته، فقيل سنة خمس ومائة هـ، وقيل سبع وقيل اثنتي عشرة ومائة هـ، ا. هـ. سير أعلام النبلاء "5/ 53"، تهذيب التهذيب "8/ 333"، شذرات الذهب "1/ 135".
6 هو ابن قيس بن عبد الله، فقيه الكوفة، وعالمها ومقرئها، الإمام، الحافظ المجود، المجتهد الكبير، أبو شبل، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وعداده في المخضرمين، وتوفي سنة اثنتين وستين هـ، ا. هـ. سير أعلام النبلاء "4/ 53"، تهذيب التهذيب "7/ 276"، شذرات الذهب "1/ 70".
7 هو ابن مالك بن أمية الإمام، القدوة، العلم، أبو عائشة الوداعي الهمذاني، عداده في كبار التابعين والمخضرمين الذين أسلموا في حياة سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم توفي سنة اثنتين وستين وقيل ثلاث وستين هـ، ا. هـ. سير أعلام النبلاء "4/ 63"، تذكرة الحفاظ "1/ 49"، شذرات الذهب "1/ 71".
8 هو الحسن بن يسار البصري، أبو سعيد، تابعي كان إمام أهل البصرة وحبر الأمة في زمنه، مولى زيد بن ثابت، له كتاب في "فضائل مكة"، توفي بالبصرة سنة عشرة ومائة هـ، ا. هـ. سير أعلام النبلاء "4/ 563"، الأعلام "2/ 226"، شذرات الذهب "1/ 136"، تهذيب التهذيب "2/ 236".
9 هو عامر بن شراحيل الشعبي، علامة عصره، أبو عمرو، راوية من التابعين، يضرب المثل بحفظه، ولد سنة تسع عشرة هـ، في الكوفة، وتوفي فيها سنة ثلاث ومائة هـ، ا. هـ، سير أعلام النبلاء "4/ 294"، الأعلام "3/ 251"، تذكرة الحفاظ "1/ 79"، شذرات الذهب "1/ 126".
وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ1 وَمَنْ كَانَ مِثْلَهُمُ الَّذِينَ صَحَّ لَهُمْ لِقَاءُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمُجَالَسَتُهُمْ وَنَحْوُهُ مُرْسَلُ مَنْ دُونَهُمْ كَحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ2، وَأَبِي حَازِمٍ3، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ4 عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَيُسَمَّى مُرْسَلًا، كَمُرْسَلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَقَالَ آخَرُونَ: حَدِيثُ هَؤُلَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُسَمَّى مُنْقَطِعًا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْقَوْا مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا الْوَاحِدَ وَالِاثْنَيْنِ وَأَكْثَرُ رِوَايَتِهِمْ عَنِ التَّابِعِينَ انْتَهَى.
وَفِي هَذَا التَّمْثِيلِ نَظَرٌ فَأَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ مَعْدُودَانِ فِي الصَّحَابَةِ.
وَأَيْضًا قَوْلُهُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: إِنَّ الزُّهْرِيَّ، وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ لَمْ يَلْقَوْا إِلَّا الْوَاحِدَ وَالِاثْنَيْنِ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَقَدْ لَقِيَ الزُّهْرِيُّ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا، وَأَصْلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّ مُرْسَلَ الثِّقَةِ يَجِبُ بِهِ الْحُجَّةُ وَيَلْزَمُ بِهِ الْعَمَلُ كَمَا يَجِبُ بِالْمُسْنَدِ سَوَاءً، قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: مَرَاسِيلُ الثِّقَاتِ مَقْبُولَةٌ بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَاعْتَلُّوا بِأَنَّ مَنْ أَسْنَدَ لَكَ فَقَدْ أَحَالَكَ عَلَى الْبَحْثِ عَنْ أَحْوَالِ مَنْ سَمَّاهُ لَكَ وَمَنْ أَرْسَلَ مِنَ الْأَئِمَّةِ حَدِيثًا مَعَ عِلْمِهِ وَدِينِهِ وَثِقَتِهِ فَقَدْ قَطَعَ لَكَ بِصِحَّتِهِ.
قَالَ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْحُجَّةِ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ فَعَلُوا الْأَمْرَيْنِ قَالَ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو الْفَرَجِ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِكِيُّ5 وأبو بكر الأبهري وهو قول أبي جعفر الطبري، وزعم
1 الكوفي المقرئ الفقيه، أحد الأعلام، المفسر، الحافظ، الشهيد، أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله، ولد في خلافة سيدنا علي رضي الله عنه، توفي سنة خمس وتسعين شيهدًا على يدي الحجاج بن يوسف الثقفي. ا. هـ. سير أعلام النبلاء "4/ 231"، تذكرة الحفاظ "1/ 76"، شذرات الذهب "1/ 108".
2 هو قتادة بن دعامة، حافظ العصر، قدوة المفسرين والمحدثين، أبو الخطاب السدوسي البصري الضرير الأكمه، ولد سنة ستين هـ، جاء إلى سعيد بن المسيب ومكث عنده ثمانية أيام، فقال له في اليوم الثالث: ارتحل يا أعمى فقد أنزفتني "أي أخذت علمي كله". توفي سنة ثماني عشرة ومائة هـ، ا. هـ. سير أعلام النبلاء "5/ 269"، شذرات الذهب "1/ 153".
3 هو سلمة بن دينار، المخزومي، المديني، الإمام القدوة، الأعرج، ولد في أيام الزبير، روى عن سعيد بن المسيب، ووثقه ابن معين، وروى عنه ابن عيينة، وتوفي سنة أربعين ومائة، وكانت أمه رومية وهو فارسي. ا. هـ. سير أعلام النبلاء "6/ 96"، تذكرة الحفاظ "1/ 133".
4 هو ابن قيس بن عمرو، الإمام، العلامة المجود، عالم المدينة في زمانه، تلميذ الفقهاء السبعة، سمع من أنس بن مالك، وأبي أمامة بن سهل، توفي سنة ثلاث وأربعين هـ، ولي قضاء المنصور، ومات بالهاشمية. ا. هـ. سير أعلام النبلاء "5/ 468"، تهذيب التهذيب "11/ 221"، شذرات الذهب "1/ 212".
5 هو عمر "أبو عمرو" بن محمد الليثي، البغدادي "أبو الفرج"، لغوي فقيه، أصولي، أصله من البصرة نشأ ببغداد، توفي سنة ثلاثين وثلاثمائة هـ وقيل إحدى وثلاثين هـ، من آثاره:"الحاوي في مذهب مالك". "اللمع في أصول الفقه" اهـ. معجم المؤلفين "8/ 12".
الطَّبَرِيُّ أَنَّ التَّابِعِينَ بِأَسْرِهِمْ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ الْمُرْسَلِ وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُمْ إِنْكَارُهُ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُمْ إِلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ انتهى.
ويجاب عن قوله من أرسل مَعَ عِلْمِهِ وَدِينِهِ
وَثِقَتِهِ فَقَدْ قَطَعَ لَكَ بِصِحَّتِهِ إِنَّ الثِّقَةَ قَدْ يَظُنُّ مَنْ لَيْسَ بِثِقَةٍ ثِقَةً عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَيَعْلَمُ غَيْرُهُ مِنْ حَالِهِ مَا يَقْدَحُ فِيهِ وَالْجَرْحُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيلِ وَيُجَابُ عَنْ قَوْلِ الطَّبَرِيِّ إِنَّهُ لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ إِلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ "صَحِيحِهِ" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ مُرْسَلَ بَعْضِ التَّابِعِينَ مَعَ كَوْنِ ذَلِكَ التَّابِعِيِّ ثِقَةً مُحْتَجًّا بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَبِمَا نَقَلَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ: كَانُوا لَا يَسْأَلُونَ عَنِ الْإِسْنَادِ فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ قِيلَ سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ عَنْهُمْ وَإِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلَا يُؤْخَذُ عَنْهُمْ.
وَنَقَلَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ1: أَنَّ الْمُرْسَلَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَنْ إِمَامِ التَّابِعِينَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ. وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَغَيْرِهِ.
قَالَ الْخَطِيبُ: لَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ إِرْسَالَ الْحَدِيثِ الَّذِي لَيْسَ بِتَدْلِيسٍ هُوَ رِوَايَةُ الرَّاوِي عَمَّنْ لَمْ يُعَاصِرْهُ أَوْ لَمْ يَلْقَهُ كَرِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ2 وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ3 وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ التَّابِعِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ قِيلَ: هُوَ مَقْبُولٌ إِذَا كَانَ الْمُرْسَلُ ثِقَةً عَدْلًا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ وَغَيْرِهِمْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ الْعَمَلُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ.
وَاخْتَلَفَ مُسْقِطُو الْعَمَلِ بِالْمُرْسَلِ فِي قَبُولِ رِوَايَةِ الصَّحَابَةِ خَبَرًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ولم يسمعه
1 هو محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه، الإمام الحافظ، العلامة النيسابوري الناقد، شيخ المحدثين، ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة هـ، وتوفي سنة خمس وأربعمائة هـ، له تآليف تبلغ نحو "1500" مؤلفًا، منها:"تاريخ نيسابور""المستدرك على الصحيحين""الإكليل""المدخل". ا. هـ. سير أعلام النبلاء "17/ 162"، معجم المؤلفين "10/ 238"، الأعلام "6/ 227".
2 هو ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية: ابن الزبير بن العوام. عالم المدينة، أبو عبد الله القرشي، أحد الفقهاء السبعة، ولد سنة ثلاث وعشرين وتوفي سنة ثلاث وتسعين هـ، من كلامه: رب كلمة ذل احتملتها فأورثتني عزًّا طويلًا ا. هـ. سير أعلام النبلاء "4/ 421"، تهذيب التهذيب "7/ 180"، شذرات الذهب "1/ 103".
3 هو ابن عبد الله، الإمام الحافظ القدوة، شيخ الإسلام، أبو عبد الله القرشي التيمي المدني، ولد سنة بضع وثلاثين هـ، حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم وسلمان وعائشة وغيرهم، وتوفي سنة ثلاثين ومائة هـ، ا. هـ. سير أعلام النبلاء "5/ 353"، شذرات الذهب "1/ 177"، تذكرة الحفاظ "1/ 127".