الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقصد الرابع: في الأوامر والنواهي والعموم
…
الفصل الأول: في مَبَاحِثُ الْأَمْرِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: حَقِيقَةُ لَفْظِ الْأَمْرِ
…
الْمَقْصِدُ الرَّابِعُ: فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، والإطلاق والتقييد، والإجمال والتبيين، والناسخ والمنسوخ، والمؤول والمنطوق والمفهوم.
الفصل الأول: حَقِيقَةِ لَفْظِ الْأَمْرِ
قَالَ فِي "الْمَحْصُولِ": اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي غَيْرِهِ، فَزَعَمَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْفِعْلِ أَيْضًا، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ فِيهِ، وَزَعَمَ أَبُو الْحُسَيْنِ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ، وَبَيْنَ الشَّيْءِ، وَبَيْنَ الصِّفَةِ، وَبَيْنَ الشَّأْنِ وَالطَّرِيقِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ فَقَطْ. لنا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ حَقِيقَةً فِي غَيْرِهِ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ. انْتَهَى.
وَيُجَابُ عَنْهُ: بِأَنَّ مُجَرَّدَ الْإِجْمَاعِ عَلَى كَوْنِ أَحَدِ الْمَعَانِي حَقِيقَةً لَا ينفي حقيقة ما عداه، والأولى أَنْ يُقَالَ: أَنَّ الَّذِي سَبَقَ إِلَى الْفَهْمِ مِنْ لَفْظِ أَلِفٍ، مِيمٍ، رَاءٍ، عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هُوَ الْقَوْلُ الْمَخْصُوصُ، وَالسَّبْقُ إِلَى الْفَهْمِ دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ، وَلَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا لَتَبَادَرَ إِلَى الْفَهْمِ جَمِيعُ مَا هُوَ مُشْتَرَكٌ فِيهِ وَلَوْ كَانَ مُتَوَاطِئًا لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ الْقَوْلُ الْمَخْصُوصُ عَلَى انْفِرَادِهِ "وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا"* عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ: بِأَنَّهُ لَوْ كان حقيقة في الفعل لاطرد و"كان"** يُسَمَّى الْأَكْلُ أَمْرًا، وَالشُّرْبُ أَمْرًا، وَلَكَانَ يَشْتَقُّ لِلْفَاعِلِ اسْمَ الْأَمْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ قَامَ أَوْ قَعَدَ لَا يُسَمَّى آمِرًا.
وَأَيْضًا الْأَمْرُ لَهُ لَوَازِمُ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا شَيْءٌ فِي الْفِعْلِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَمْرُ حَقِيقَةً فِي الْفِعْلِ.
وَأَيْضًا يَصِحُّ نَفْيُ الْأَمْرِ عَنِ الْفِعْلِ، فَيُقَالُ: مَا أَمَرَ بِهِ وَلَكِنَ فَعَلَهُ.
وَأُجِيبَ: بِمَنْعِ كَوْنِ مِنْ شَأْنِ الْحَقِيقَةِ الِاطِّرَادُ، وَبِمَنْعِ لُزُومِ الِاشْتِقَاقِ فِي كُلِّ الْحَقَائِقِ، وَبِمَنْعِ عَدَمِ وُجُودِ شَيْءٍ مِنَ اللَّوَازِمِ فِي الْفِعْلِ وَبِمَنْعِ تَجْوِيزِهِمْ لِنَفْيِهِ مُطْلَقًا.
وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْفِعْلِ بِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ:
أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ الْأَمْرِ فِي الْفِعْلِ، وظاهر الاستعمال الحقيقة، ومن ذلك
* في "أ": واستدلاله.
** ما بين قوسين ساقط من "أ".
قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّور} 1 وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا الْعَجَائِبُ الَّتِي أَظْهَرَهَا اللَّهُ عز وجل وَقَوْلُهُ: {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} 2 أَيْ: مِنْ فِعْلِهِ، وَقَوْلُهُ:{وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَر} 3 وقوله: {تَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِه} 4 وقوله: {مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِه} 5، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
لِأَمْرٍ مَا يَسُودُ مَنْ يَسُودُ6
وَقَوْلُ الْعَرَبِ فِي أَمْثَالِهَا الْمَضْرُوبَةِ: لِأَمْرٍ مَا جُدِعَ قَصِيرُ أَنْفِهِ7، وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي:
أَنَّهُ قَدْ خُولِفَ بَيْنَ جَمْعِ الْأَمْرِ بِمَعْنَى الْقَوْلِ "وَبَيْنَ جَمْعِهِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ"* فَقِيلَ فِي الْأَوَّلِ: أَوَامِرُ وَفِي الثَّانِي أُمُورٌ، وَالِاشْتِقَاقُ عَلَامَةُ الْحَقِيقَةِ.
وَأُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ: بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي الْفِعْلِ، مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ فَعَلَ أَمَّا قَوْلُهُ:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا} فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُرَادَ مِنْهُ الْقَوْلُ أَوِ الشَّأْنُ، وَإِنَّمَا يُطْلَقُ اسْمُ الْأَمْرِ عَلَى الْفِعْلِ لِعُمُومِ كَوْنِهِ شَأْنًا لَا لِخُصُوصِ كَوْنِهِ فِعْلًا، وَكَذَا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ.
وَأَمَّا قوله سبحانه: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيد} 8 فلمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُوَ الْقَوْلُ، بَلِ الْأَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قوله:{فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْن} أَيْ أَطَاعُوهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ.
سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْقَوْلَ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ شَأْنَهُ وَطَرِيقَتَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ:{وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَة} فلمَ لَا يَجُوزُ إِجْرَاؤُهُ عَلَى الظَّاهِرِ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ: أَنَّ مِنْ شَأْنِهِ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ إِذَا أراد
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
_________
1 جزء من الآية "40" من سورة هود.
2 جزء من الآية "73" من سورة هود.
3 الآية "50" من سورة القمر.
4 جزء من الآية "65" من سورة الحج.
5 جزء من الآية "54" من سورة الأعراف.
6 عجز بيت وصدره.
عزمت على إقامة ذي صباح
…
..................................
والبيت لأنس بن مدركة. ا. هـ. شرح المفصل "3/ 12".
7 "لأمر ما جدع قصير أنفه" قالته الزباء عندما قيل لها إن قصيرًا بالباب فأمرت به فأدخل عليها، فإذا أنفه قد جدع، وظهره وقد ضرب، وذلك عندما أراد عمرو بن الظرب الملك المعروف أن يغزوها فجدع أنف قصير وضرب ظهره وأرسله إلى الزباء ليدخل عليها بحيلة أنه قد آذاه الملك، ولجأ إليها ومعه هدايا فإذا هذه الهدايا مليئة بجنود مختفين فاستطاع بهذه الحيلة أن يغزوها ا. هـ. الكامل لابن الأثير "1/ 200".
8 جزء من الآية "97" من سورة هود.