الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَتَرَجَّحُ الصِّدْقُ عَلَى الْكَذِبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ اتَّفَقُوا عَلَى قُبْحِ الْكَذِبِ، وَحُسْنِ الصِّدْقِ، لِمَا أَنَّ نِظَامَ الْعَالَمِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِذَلِكَ وَالْإِنْسَانُ لَمَّا نَشَأَ عَلَى هَذَا الِاعْتِقَادِ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ، لَا جَرَمَ تَرَجَّحَ الصِّدْقُ عِنْدَهُ عَلَى الْكَذِبِ.
وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ، إِذَا فَرَضَ نَفْسَهُ خَالِيَةً عَنِ الْإِلْفِ، وَالْعَادَةِ، وَالْمَذْهَبِ، وَالِاعْتِقَادِ، ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهَا عِنْدَ هَذَا الْفَرْضِ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ، وَجَدَهَا جَازِمَةً بِتَرْجِيحِ الصِّدْقِ عَلَى الْكَذِبِ.
وَبِالْجُمْلَةِ: فَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَحْثِ يَطُولُ، وَإِنْكَارُ مُجَرَّدِ إِدْرَاكِ الْعَقْلِ لِكَوْنِ الْفِعْلِ حَسَنًا أَوْ قَبِيحًا مُكَابَرَةٌ1، وَمُبَاهَتَةٌ2. وَأَمَّا إِدْرَاكُهُ لِكَوْنِ ذَلِكَ الْفِعْلِ الْحَسَنِ مُتَعَلَّقًا لِلثَّوَابِ، وَكَوْنِ ذَلِكَ الْفِعْلِ الْقَبِيحِ مُتَعَلَّقًا لِلْعِقَابِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ.
وَغَايَةُ مَا تُدْرِكُهُ الْعُقُولُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ الْحَسَنَ يُمْدَحُ فَاعِلُهُ، وَهَذَا الْفِعْلَ الْقَبِيحَ يُذَمُّ فَاعِلُهُ، وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ كَوْنِهِ مُتَعَلَّقًا لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.
وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجُمْلَةِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} 3 وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} 4 وَقَوْلُهُ: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل} ونحو هذا.
1 المكابرة: هي المنازعة في المسألة العلمية، لا لإظهار الصواب بل لإلزام الخصم وقيل: المكابرة: هي موافقة الحق بعد العلم به. ا. هـ. التعريفات "292".
2 قال أبو إسحاق: البهتان: الباطل الذي يتحير من بطلانه وهو من البهت التحير وبهتانًا موضع المصدر وقوله تعالى: {أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} حال المعنى أتأخذونه مباهتين آثمين. ا. هـ لسان العرب مادة بهت.
3 هو جزء من آية في سورة الإسراء رقم "15".
4 هو آية من سورة طه رقمها "134".
المبحث الثالث في المحكوم به
مدخل
…
الْبَحْثُ الثَّالِثُ: فِي الْمَحْكُومِ بِهِ
هُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ، فَمُتَعَلِّقُ الْإِيجَابِ يُسَمَّى وَاجِبًا، وَمُتَعَلِّقُ النَّدْبِ يُسَمَّى مَنْدُوبًا، وَمُتَعَلِّقُ الْإِبَاحَةِ يُسَمَّى مُبَاحًا، وَمُتَعَلِّقُ الْكَرَاهَةِ يُسَمَّى مَكْرُوهًا، وَمُتَعَلِّقُ التَّحْرِيمِ يُسَمَّى حَرَامًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ1 حَدُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا.
وَفِيهِ مسائل ثلاث:
1 انظر صفحة "26".