الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُقْتَرِنًا بِوَلِيٍّ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ التَّقْدِيرَاتِ.
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي "شَرْحِ الْإِلْمَامِ": وَكُلُّ هَذَا عِنْدِي تَشْغِيبٌ. وَمُرَاوَغَاتٌ جَدَلِيَّةٌ وَالشَّرْعُ خَاطَبَ النَّاسَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، يَعْنِي كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ، وَأَمَرَهُمْ بِهَا لِإِثْبَاتِ مَقْصُودِ التَّوْحِيدِ وَحَصَلَ الْفَهْمُ مِنْهُمْ بِذَلِكَ وَالْقَبُولُ لَهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا احْتِيَاجٍ إِلَى أَمْرٍ آخَرَ، وَلَوْ كَانَ وَضْعُ اللَّفْظِ لَا يُفِيدُ التَّوْحِيدُ لَكَانَ أَهَمُّ الْمُهِمَّاتِ تَعْلِيمَ اللَّفْظِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الأعظم.
المسألة العاشرة: اختلاف العلماء فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْوَارِدِ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ، هَلْ يعود إلى الجميع أم لا
اخْتَلَفُوا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْوَارِدِ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ، هَلْ يَعُودُ إِلَى الْجَمِيعِ، أَوْ إِلَى الْأَخِيرَةِ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقّ} إلى قوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ} 1.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، إِلَى أَنَّهُ يَعُودُ إِلَى جَمِيعِهَا، مَا لَمْ يَخُصَّهُ دَلِيلٌ.
وَقَدْ نَسَبَ ابْنُ الْقَصَّارِ2 هَذَا الْمَذْهَبَ إِلَى مَالِكٍ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذَاهِبَ أَصْحَابِ مَالِكٍ.
وَنَسَبَهُ صَاحِبُ "الْمَصَادِرِ" إِلَى الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ عَنْ الْحَنَابِلَةِ قَالَ: وَنَقَلُوهُ عَنْ نَصِّ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ قَالَ: فِي قوله صلى الله عليه وسلم: "لَا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يُقْعَدُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ" 3 قَالَ: أَرْجُو أن يكون الاستثناء على كله.
1 الآيات "68-69-70" من سورة الفرقان.
2 هو علي بن عمر بن أحمد، البغدادي، المعروف بابن القصار، أبو الحسن، شيخ المالكية، فقيه أصولي، ولي قضاء بغداد، كان ثقة، قليل الحديث، توفي سنة سبع وتسعين وثلاثمائة هـ، من آثاره:"كتاب في مسائل الخلاف وعيون الأدلة". ا. هـ. سير أعلام النبلاء "17/ 107"، شذرات الذهب "3/ 149"، معجم المؤلفين "7/ 12".
3 أخرجه مسلم من حديث أبي مسعود البدري عقبة بن عمرو رضي الله عنه، في كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة "673". وأبو داود: في كتاب الصلاة، باب من أحق بالإمامة "582". والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في من أحق بالإمامة "235": وقال: حسن صحيح. وابن ماجه: في كتاب إقامة الصلاة، باب من أحق بالإمامة "980" والنسائي في كتاب الإمامة، باب من أحق بالإمامة "779""2/ 72" والحميدي في مسنده "457".
وذهب أبو حنيفة، وجمهور أصحابه "أَنَّهُ يَعُودُ"* إِلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ، إِلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى التَّعْمِيمِ، وَاخْتَارَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ.
وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي "الْقَوَاعِدِ"1: أَنَّهُ الْأَشْبَهُ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ "الْمُعْتَمَدِ" عَنِ الظَّاهِرِيَّةِ.
وَحَكَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ، وَأَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ إِلْكِيَا الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ بُرْهَانٍ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةً إِلَى الْوَقْفِ، حَكَاهُ صَاحِبُ "الْمَحْصُولِ" عَنِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَالْمُرْتَضَى مِنَ الشِّيعَةِ.
قَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيُّ فِي "التَّقْرِيبِ": وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَشْعَرِيَّةِ، وَاخْتَارَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِيُّ، وَالْغَزَالِيُّ، وَفَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ.
قَالَ فِي "الْمَحْصُولِ" بَعْدَ حِكَايَةِ الْوَقْفِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَالْمُرْتَضَى: إِلَّا أَنَّ الْمُرْتَضَى تَوَقَّفَ لِلِاشْتِرَاكِ، وَالْقَاضِي لَمْ يَقْطَعْ بِذَلِكَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ الْقَوْلَ فِيهِ، وَذَكَرُوا وُجُوهًا.
وَأَدْخَلَهَا فِي التَّحْقِيقِ: مَا قِيلَ إِنَّ الْجُمْلَتَيْنِ مِنَ الْكَلَامِ إِمَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، أَوْ مِنْ نَوْعَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ مُتَعَلِّقَةً بِالْأُخْرَى، أَوْ لَا تَكُونُ كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَا مُخْتَلِفَتَيِ الِاسْمِ وَالْحُكْمِ، أَوْ مُتَّفِقَتَيِ الِاسْمِ مُخْتَلِفَتَيِ الحكم، أو مخنلفتي الِاسْمِ مُتَّفِقَتَيِ الْحُكْمِ.
فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِكَ: أَطْعِمْ رَبِيعَةَ، واخلع على مضر، إلى الطوال، والأظهر ههنا اخْتِصَاصُ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنِ الْجُمْلَةِ الْمُسْتَقِلَّةِ بِنَفْسِهَا "إِلَى جُمْلَةٍ أُخْرَى مُسْتَقِلَّةٍ بِنَفْسِهَا"** إِلَّا وَقَدْ تَمَّ غرضه من الْأُولَى، فَلَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعًا إِلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ، لَمْ يَكُنْ قَدْ تَمَّ غَرَضُهُ وَمَقْصُودُهُ من الجملة الأول.
وَالثَّانِي: كَقَوْلِنَا أَطْعِمْ رَبِيعَةَ وَاخْلَعْ عَلَى رَبِيعَةَ إِلَّا الطُّوَالَ.
وَالثَّالِثُ: كَقَوْلِنَا أَطْعِمْ رَبِيعَةَ، وَأَطْعِمْ مضر، إلا الطوال، والحكم أيضًا ههنا كَمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْجُمْلَتَيْنِ مُسْتَقِلَّةٌ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ إِلَى أُخْرَاهُمَا إِلَّا وَقَدْ تَمَّ غَرَضُهُ مِنَ الْأُولَى بِالْكُلِّيَّةِ.
* في "أ": عوده.
** ما بين قوسين ساقط من "أ".
_________
1 واسمه: "القواعد في الجدل والمنطق والأصلين" للشيخ شمس الدين الأصفهاني وتقدمت ترجمته في الصفحة: "46" وهو من أحسن تصانيفه. ا. هـ. كشف الظنون "2/ 1359".
وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ إِحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ مُتَعَلِّقَةً بِالْأُخْرَى، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْأُولَى مُضْمَرًا فِي الثَّانِيَةِ كَقَوْلِهِ: أَكْرِمْ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ، إِلَّا الطِّوَالَ، أَوِ اسْمُ الْأُولَى مُضْمَرًا فِي الثَّانِيَةِ، كَقَوْلِهِ: أَكْرِمْ رَبِيعَةَ وَاخْلَعْ عَلَيْهِمْ، إِلَّا الطِّوَالَ فَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إِلَى الْجُمْلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَا "تَسْتَقِلُّ إِلَّا"* مَعَ الْأُولَى، فَوَجَبَ رُجُوعُ حُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَيْهِمَا.
وَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الْجُمْلَتَانِ نَوْعَيْنِ مِنَ الْكَلَامِ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الْقِصَّةُ وَاحِدَةً أَوْ مُخْتَلِفَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فَهُوَ كَقَوْلِنَا: أَكْرِمْ رَبِيعَةَ، وَالْعُلَمَاءُ هُمُ الْمُتَكَلِّمُونَ، إِلَّا أَهْلَ الْبَلْدَةِ الْفُلَانِيَّةِ، فَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إِلَى مَا يَلِيهِ، لِاسْتِقْلَالِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الْجُمْلَتَيْنِ بِنَفْسِهَا.
وَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الْقِصَّةُ وَاحِدَةً فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات} الْآيَةَ1، فَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ، وَأَنْوَاعُ الْكَلَامِ مُخْتَلِفَةٌ، فَالْجُمْلَةُ الْأُولَى أَمْرٌ، وَالثَّانِيَةُ نَهْيٌ، وَالثَّالِثَةُ خَبَرٌ، فَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهَا يَرْجِعُ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ؛ لِاسْتِقْلَالِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الْجُمْلَتَيْنِ بِنَفْسِهَا، "وَالْإِنْصَافُ أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ"** حَقٌّ، لَكِنَّا إِذَا أَرَدْنَا الْمُنَاظَرَةَ اخْتَرْنَا التَّوَقُّفَ، لَا بِمَعْنَى "دَعْوَى"*** الِاشْتِرَاكِ، بَلْ بِمَعْنَى أَنَّا لَا نَعْلَمُ حُكْمَهُ فِي اللُّغَةِ مَاذَا، وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي. انْتَهَى.
قَالَ ابن فارس في كتاب "فقه الْعَرَبِيَّةِ": إِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى عَوْدِهِ إِلَى الْجَمِيعِ عَادَ كَآيَةِ الْمُحَارِبَةِ2، وَإِنْ دَلَّ عَلَى مَنْعِهِ امْتَنَعَ كَآيَةِ الْقَذْفِ3، انْتَهَى.
وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ هَذَا خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ إِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ كَانَ الْمُعْتَمَدُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ حَيْثُ لَمْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ.
وَاسْتَدَلَّ أَهْلُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ: بِأَنَّ الْجُمَلَ إِذَا تَعَاطَفَتْ صَارَتْ كَالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ، قَالُوا بِدَلِيلِ الشَّرْطِ، وَالِاسْتِثْنَاءِ، بِالْمَشِيئَةِ، فَإِنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إِلَى مَا تَقَدَّمَ إِجْمَاعًا.
وأجيب: بأن ذلك مسلم في المفردات، وأما في الجمل فممنوع.
* في "أ": لا تستقل كلامًا إلا.
** ما بين قوسين ساقط من "أ": ومكانه: تكرار لقوله: وأما إذا كانت القصة واحدة.
*** ما بين قوسين ساقط من "أ".
_________
2 وهي قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} "33" من سورة المائدة.
3 أي الآيتين "4-5" من سورة النور. انظر الحاشية "1".