الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (9)
* * *
* قَالَ اللهُ عز وجل: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الشورى: 9].
* * *
{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} (أَمْ) هذه منقطعةٌ و (أم) المنقطعةُ تكونُ بمعنى (بل) وهمزةِ الإستفهامِ، هناك (أمْ) متصلةٌ، وهي التي تقعُ بيْنَ شيئيْن متقابِليْن، وتكونُ بمعنى (أو)، مثالُ ذلك:{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [المنافقون: 6]، هذه (أَمْ) يُسَمُّونها متصلةً؛ لأنَّها بيْن شيئيْن متقابليْن؛ ولأنَّها بمعنى (أو) سواءٌ عليهم أَسْتَغْفَرْتَ لهم أم لم تستغفرْ لهم، في غير القرآنِ لو وُضِعَ بَدَلَ (أم)(أو) لاستقامَ الكلامُ.
فإذن نقولُ: إن (أمْ) تكونُ منقطعةً وتكون متصلةً، والفَرْقُ بينهما:
أولًا: أن (أَمِ) المتصلةَ بمعنى (أوْ)، و (أم) المنقطعةُ بمعنى (بل) وهمزةِ الإستفهامِ.
ثانيًا: (أَمِ) المتصلةُ تَكُونُ بيْنَ شيئيْن متقابِلَيْن، و (أَمِ) المنقطعةُ بخلافِ ذلك.
هنا يقولُ عز وجل: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} ليس فيه شيئان متقابلان، إذن؛ فهي منقطعةٌ بمعنى: بل والهمزةِ، {أَمِ اتَّخَذُوا} الضميرُ يَعُودُ على المُشْركين {مِنْ دُونِهِ} الضميرُ يَعُودُ على الرَّبِّ عز وجل {أَوْلِيَاءَ} يقولُ الشارحُ رحمه الله: [أيِ:
الأصنامَ] إشارةٌ منه إلى أن المفعولَ الأولَ لـ {اتَّخَذُوا} محذوفٌ والتقديرُ: أَمِ اتخذوا من دونه الأصنامَ أولياءَ؛ لأنَّ {اتَّخَذُوا} تَنْصِبُ مَفْعُولَيْن، فقولُهُ تعالى:{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125].
ففي هذه الآيةُ ليس أمام أعيننا إلا مفعولٌ واحدٌ: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} نقولُ: المفعولُ الأولُ محذوفٌ، والتقديرُ: أَمِ اتخذوا الأصنامَ أولياءَ.
وقوله: {أَوْلِيَاءَ} يعني: أنصارًا يستغيثون بهم ويستنصرون بهم ويوالونهم ويتقربون إليهم كأنهم رَبٌّ.
قال المفسِّر رحمه الله: [{أَمِ} منقطعةٌ بمعنى (بل) التي للإنتقالِ والهمزةُ للإنكارِ؛ أي: ليس المتخذونَ أولياء] يعني: هؤلاء اتخذوا أولياءَ الأصنامَ، والأصنامُ بعضُها شجَرٌ، وبعضها حَجَرٌ، وبعضها مخلوقاتٌ كونيَّةٌ، كالشمسِ والقمرِ، وبعضُها مخلوقاتٌ بشريَّةٌ، كلُّ هذه لا تنفعُ صاحبَها؛ ولذلك تجدُ المشركين إذا وقعوا في الضرورةِ من يَدْعُونَ اللهَ عز وجل {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [لقمان: 32]، فهي لا تنفعُ، وهم أيضًا مقرونٌ بهذا يقولون:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3].
وقوله: {فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} قال المُفسِّر رحمه الله: [أي: الناصرُ للمؤمنين، والفاءُ لمجردِ العطفِ](الفاءُ) في قولِهِ: {فَاللَّهُ} يعني: أنها ليست جوابًا لشرطٍ، ولكنها لمجردِ العطفِ، {فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} انتبهْ في إعرابِ الجملةِ هذه (الله) مبتدأٌ، و {وهُوَ} ضميرُ فَصْلٍ، و {الْوَلِيُّ} خبرُ المبتدأِ.
واعلمْ أنَّ ضميرَ الفصلِ حرفٌ وليس اسمًا، هذه واحدةٌ، وله ثلاثُ فوائدَ:
الفائدةُ الأولى: الحصرُ.
الفائدةُ الثانيةُ: التوكيدُ.
والفائدةُ الثالثةُ: الفصلُ بين الخبرِ والصفةِ.
يعني: مثلًا إذا قلتَ: فلانٌ الكريمُ، فـ (فلانٌ) مبتدأٌ، و (الكريمُ) خبرٌ، ويحتملُ أن تكونَ (فلانٌ) مبتدأً، و (الكريمُ) صِفَتَهُ والخبرُ محذوفٌ، فلانٌ الكريمُ حاضرٌ، فإذا قلتَ: فلانٌ هو الكريمُ. تَعَيَّنَ أن تكونَ (الكريمُ) خبرًا وليست صفةً؛ ولهذا يُسَمُّونه ضميرَ الفصْلِ؛ لأنَّه يَفْصِلُ؛ أي: يُمَيِّزُ بين الخبرِ وبَيْنَ الصفةِ.
إذن: هو يفيدُ الحصرَ، والتوكيدَ، والتمييزُ بينَ الخبرِ والصفةِ، نَزيدُ ذلك بالمثالِ: محمدٌ الرسولُ. يَحْتَملُ أن تكونَ (الرسولُ) صفة لـ (محمدٌ)، وأن التقديرَ: محمدٌ الرسولُ صادقٌ.
فإذا أتيتَ بِـ (هو) وقلتَ: محمدٌ هو الرسولُ. يتعيَّنُ أن (الرسولُ) خبرٌ هذه واحدةٌ، أيضًا هو الرسولُ يفيدُ الحصرَ يعني: لا غيرُهُ، ولا شكَّ أن محمَّدَ بنَ عبدِ اللهِ عليه الصلاة والسلام هو الرسولُ لهذه الأمةِ، ولا رسولَ غيرُهُ.
فـ (هو) ليس له محلٌّ من الإعرابِ؛ لأَنَّه حَرْفٌ؛ ولهذا نقولُ: (اللهُ) مبتدأٌ، و {الْوَلِيُّ} خبرُهُ، و {هُوَ} ضميرُ فصلٍ لا محلَّ له من الإعرابِ.
قال المُفسِّر رحمه الله: [{هُوَ الْوَلِيُّ} أي: الناصرُ للمؤمنين]. وفي هذا نظرٌ؛ لأنَّ المُفسِّر الآنَ قَصَرَ الولايةَ على الولايةِ الخاصَّةِ، والصوابُ أنها عامَّةٌ، هو الوليُّ لكلِّ أحدٍ بالوَلايةِ العامَّةِ والوَلايةِ الخاصَّةِ، الوَلايةُ العامَّةُ لكلِّ أحدٍ، فإنه لا يتولى شؤونَ الخَلْقِ إلا اللهُ عز وجل والوَلايةُ الخاصَّةُ هي وَلايةُ النُّصْرةِ والتأييدِ، وعلى هذا فاقتصارُ