الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:
الْفَائِدَة الأُولَى: رحمةُ اللهِ تعالى بعبادِهِ؛ حيث حَثَّهم على التوبةِ، وجهه في قولِهِ تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} فإن هذا ليس مجرَّدَ خبرٍ أن الله يَقْبَلُ، بل هو حثٌّ من اللهِ عز وجل أن نتوبَ إلى الله. اللهمَّ وَفِّقْنا للتوبةِ يا ربَّ العالمين، نظيرُ ذلك أن أقولَ: من زارني أعطيْتُه مئةَ درهمٍ. معنى هذا حثُّ الناسِ على الزيارةِ، كلُّ إنسانٍ سوف يُقْبِلُ على الزيارةِ {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} حثٌّ للناسِ بلا شكَّ على التوبةِ إلى اللهِ عز وجل.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: بيانُ كرمِ الربِّ عز وجل؛ حيث يَقْبَلُ التوبةَ عن عبادِهِ مهما كان الذنبُ، واقرأ قولَ الله تعالى:{قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]. التوبةُ من الكفرِ مقبولةٌ، والإسلامُ يَهْدِمُ ما قبله مهما عَظَم، حتى من سَبَّ اللهَ أو رسولَهُ ثم أسلم تُقْبَلُ توبتُه؛ لعمومِ الأدلةِ، وقد قال الله تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا} يعني عن كفرِهم {يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفالِ: 38]. ما قد سلف وإن عظُمَتْ، لقولِهِ:{مَا قَدْ سَلَفَ} (ما) اسمٌ موصولٌ يُفيدُ العمومَ، حتى لو قَتَلَ هذا الكافرُ ألفَ رجلٍ مؤمنٍ ثم أَسْلَمَ؛ تاب اللهُ عليه، ولذلك إذا أسلم الكفارُ وقد أتلفوا أموالَ المسلمين في الحربِ لا يَضْمَنُون أموالَ المسلمين؛ لأنَّ الإسلامَ يَهْدِمُ ما قبله.
مسألةٌ: الكافرُ حربيٌّ - ما لم يكن بيننا وبينه عَهْدٌ - فلنا أن نَقْتُلَه وله أن يَقْتُلَنا. بمعنى أنه لو قَتَلَنا لم يَضْمَن، وإلا حَرَّمْنَا عليه أن يَقْتُلَنا وحرامٌ عليه أن يَكْفُرَ؛ ولهذا كان القولُ الراجحُ: أن الكفارَ مخاطَبون بفروعِ الشريعةِ كما أنهم مخاطَبون بالتوحيدِ،
بل أقولُ: إن الكافرَ آثمٌ حتى في المباحِ، الآن الكافرُ يأكلُ ويشربُ وآمِنٌ ويلبَسُ وكلُّ شيءٍ كلُّ نعمةٍ فإنه معاقَبٌ عليها، زيادةً على عقوبةِ الكفرِ {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمرانَ: 196 - 197]، وإذا سُئِلَ أصحابُ النارِ {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدَّثرِ: 42 - 47]، إذن فَهُمْ آثمون، وقال عز وجل:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدةِ: 93] وغيرهم عليهم جناحٌ، قال عز وجل:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعرافِ: 32] للذين آمنوا، وغيرِ الذين آمنوا ليست لهم ولا خالصة لهم يومَ القيامةِ.
انتبهوا: الكافِرُ عدُوُّ اللهِ، ولو ساوت الدنيا جناحَ بعوضةٍ عند اللهِ ما سقى منها كافرًا شربةَ ماءٍ، فهم إذا أكلوا، أو شربوا، أو أَمِنُوا، أو صحوا، أو أي نعمةٍ تصيبُهُم فإنهم معاقبون عليها.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: الإشارةُ إلى لطفِ الله تبارك وتعالى حيث قال {عَنْ عِبَادِهِ} يعني: كأنه - والله أعلمُ - لما كانوا عبيدًا له عامَلَهُم بالرفقِ والعفوِ والتوبةِ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن الله إذا تاب على العبدِ عفا عن سيئاتِهِ مهما عظمت؛ لقولِهِ: {وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} .
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: إثباتُ عمومِ علمِ الله سبحانه وتعالى لكلِّ ما نفعَلُ؛ لقولِهِ تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} يتفرعُ على هذه الفائدةِ التحذيرُ من المخالفةِ؛ وجْهُ ذلك: {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} ؛ يعني: فاحذروا أن تفعلوا شيئًا يُغْضِبُه فإنه عالمٌ بكم.