الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (28)
* * *
* قَالَ اللهُ عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى: 28].
* * *
قوله: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ} يُنَزِّلُه من السماءِ، {الْغَيْثَ} أي: ما يَحْصُلُ به الإغاثةُ وهي الإنقاذُ من الشدَّةِ، أما المطرُ فقد يَنْزِلُ ولا تزولُ به الشدَّةُ، دليلُ ذلك قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"ليس السَّنَةُ أن لا تُمْطِرَ ولكن السَّنَةَ أن تُمْطِرَ فلا تُنْبِتُ الأرضُ شيئًا"
(1)
.
{مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} أي: ما قَنَط العبادُ، قال المفسِّرُ رحمه الله:[{الْغَيْثَ} المطرُ، {مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا}؛ أي: يَئِسُوا من نزولِهِ]؛ لتأخُّرِه عن وقتِه قالوا: إذن هذا العامُ لا مَطَرَ، فيُنْزلُ اللهُ المطرَ، وإنزالُ المطرِ على حينِ شفقةٍ له وقنوطٍ من نزولِهِ يكونُ أشدَّ وقْعًا في النفوسِ، وأبْيَنَ لرحمةِ الله تبارك وتعالى وفَضْلِهِ.
وقولُهُ: {مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} بيانٌ للواقِعِ وليس تقريرًا للقنوتِ؛ لأنَّ القنوطَ حُكْمُه الشرعيُّ لا يَجُوزُ، بل هو من كبائرِ الذنوبِ. الإخبارُ بالواقعِ أو عن الواقعِ لا يعني إقرارَهُ، ودليلُ هذا قولُهُ صلى الله عليه وسلم: "ليكونَنَّ من أمتي أقوامٌ يستحلُّونَ الحِرَّ والحريرَ
(1)
أخرجه مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في سكنى المدنية وعمارتها قبل الساعة، رقم (2904)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
والمعازفَ"
(1)
. وقولُهُ: "لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ من كان قَبْلَكم اليهودِ والنصارى"
(2)
، وإخبارُهُ بأن الظعينةَ تخرُجُ من كذا إلى كذا لا تخشى إلا اللهَ
(3)
. فهذا الإخبارُ عن الواقِعِ لا يقتضي حِلَّهُ وإِقرارَهُ.
قال رحمه الله: [{وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} يَبْسُطُ مَطَرَه] هكذا قال المفَسِّرُ، ولو كان المرادُ كما قال لقال: يُنَزِّلُ الغيثَ من بَعْدِ ما قَنَطُوا ويَنْشُرُه، ولكن الصوابَ: ينشرُ رَحْمَتَه؛ أي: الرحمةَ التي تَحْصُلُ بهذا الغيْثِ، من نباتِ الزرعِ، ودَرِّ الضَّرْعِ، وسَعَةِ الرزقِ، وغيرِ ذلك مما ينشأُ عن المطرِ.
وقال بعضُ العلماءِ: يَنْشُرُ رحمتُه؛ أي: يجعلُ السماءَ صحوًا حتى تَخْرُجَ الشمسُ، وفي هذا نظرٌ، اللهمَّ إلا إذا وصلتِ الأمطارُ إلى حدٍّ يُخْشَى من ضَرَرِها، فحينئذٍ يكونُ انجلاءُ الغَيْمِ، وخروجُ الشمسِ يكونُ رحمةً، أما مجرَّدُ خروجِ الشمسِ وانجلاءُ الغيْمِ فإنه ليس برحمةٍ، لكنه حِكْمَةٌ، نَعْلَمُ بأن الله تعالى يَفْعَلُ هذا لحكمةٍ وينْشُرُ رحْمَتَه، فالمسألةُ أعمُّ مما ذَكَرَ المُفسِّر.
قال المُفسِّر رحمه الله: [{وَهُوَ الْوَلِيُّ} المُحْسِنُ للمؤمنين {الْحَمِيدُ} المحمودُ عندهم]. قولُهُ: [{وَهُوَ الْوَلِيُّ} المُحْسِنُ للمؤمنين] فَسَّرَ الوَلايةَ بالإحسانِ، والصوابُ أن الولايةَ أعمُّ، فقولُهُ:{وَهُوَ الْوَلِيُّ} ؛ أي: الذي يتولَّى أمورَ عبادِهِ. وقولُهُ:
(1)
أخرجه معلقًا البخاري: كتاب الأشربة، باب فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه، رقم (5590)، من حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، رقم (3456)، ومسلم: كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى، رقم (2669)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(3)
أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم (3595)، من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه.