الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبادي من لو أفقرْتُه لأفسده الفقرُ"
(1)
، فاللهُ تبارك وتعالى حكيمٌ. وكم من إنسانٍ رجع إلى اللهِ تعالى بسببِ المصائبِ من فقرٍ، أو موتِ قريبٍ، أو صديقٍ، أو ما أَشْبَهَ ذلك.
قولُهُ: {مَا يَشَاءُ} قال المُفسِّر رحمه الله: [فيبسُطُها لبعضِ عبادِه دون بعضٍ، وينشأ عن البسطِ] يعني توزيعَ الرزقِ [البغيُ]، هذا كالتعليلِ؛ لكونِ الجواب: لو بسطَ اللهُ الرزقَ لعبادِهِ لَبَغَوْا؛ بأنه ينشأُ عن البسطِ البغيُ والطغيانُ والإستكبارُ عن العبادةِ والتكذيبُ بالحقِّ.
قولُهُ: {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} الجملةُ استئنافيَّةٌ تُبيِّنُ أن بَسْطَه الرِّزْقَ وعدَمَه ناشئٌ عن عِلْمٍ وخبرةٍ، والخبرةُ أخصُّ من العِلْمِ؛ لأنَّها العلمُ ببواطنِ الأمورِ، ولكن نقولُ: إن العلمَ ببواطِنِ الأمورِ يدلُّ بالإلتزامِ على العِلْمِ بظواهرِ الأمورِ من بابِ أولى.
{بَصِيرٌ} مأخوذةٌ من الإبصارِ بالعيْنِ، ومن البصيرةِ وهي العِلْمُ، فيكونُ بصيرٌ لها معنيان: الأولُ: من الإبصارِ وهو الرؤيا بالعيْنِ، والثاني: من البصيرةِ وهي العلمُ {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} ، وهذا يعني أنه يُضَيِّقُ على من شاء ويوسِّعُ على من شاء.
من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:
الْفَائِدَة الأُولَى: أن بَسْطَ الرزقِ وتضييقَهُ من عندِ اللهِ وحده؛ لقولِهِ: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} .
(1)
أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 318 - 319)، والبيهقي في الأسماء والصفات رقم (231)، من حديث أنس رضي الله عنه.
فإن قال قائلٌ: ألا يَرِدُ على هذا أننا نرى الرجلَ يعملُ ويكدحُ ويتَّجِرُ فيزيدُ مالُهُ؟
قلنا: لا يرِدُ؛ لأنَّ أَصْلَ عَمَلِه من عندِ اللهِ عز وجل هو الذي أَوْقَعَ في قلبِهِ النِّيَّةَ وأَقْدَرَهُ على العملِ، فهو من فَضْلِ اللهِ عز وجل هذا وَجْهٌ.
وجهٌ آخرُ أننا نجدُ بعضَ الناسِ يَكْدَحُ ويَتْعَبُ ويعملُ، ولكن لا يُوفَّقُ، كلما ضرب وجهًا ازداد خسرانًا وحينئذٍ ينتفي هذا الإيرادُ.
إذن فالبسطُ كلُّهُ من اللهِ عز وجل؛ لا من أَصْلِهِ، ولا مما يتفرَّعُ عنه.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: الحذرُ من الترفِ وسَعةِ الرزقِ، وجْهُ ذلك أن الله تعالى أخبر بأن بَسْطَ الرزقِ سببٌ للبغْيِ، وهذا كقولِهِ تعالى:{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلقِ: 6 - 7]، وأخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن أَخْوَفَ ما يخافُ علينا ما يُفْتَحُ علينا من زَهْرَةِ الدنيا
(1)
، فليحذرِ الإنسانُ ما يُبْسَطُ له من الرزقِ، فلعل شقاءه يكونُ بسببِه، نسألُ اللهَ السلامة والعافيَة.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: حكمةُ اللهِ تبارك وتعالى فيما يُنَزِّلُ من الرزقِ، لقولِهِ:{وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} .
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: إثباتُ المشيئةِ للهِ تبارك وتعالى حتى فيما يَحْصُلُ للعبدِ.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: الإشارةُ إلى أن توسيعَ الرزقِ لشخصٍ وتضييقَهُ لآخَرَ مبنيٌّ على خبرةٍ وعلمٍ؛ لقولِهِ: {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} .
(1)
أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، رقم (6425)، ومسلم: كتاب الزهد والرقائق، رقم (2961)، من حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه.