الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:
الْفَائِدَة الأُولَى: بيانُ عظمةِ اللهِ عز وجل وأن هذه السَّمواتِ على شدَّتِها وقُوَّتِها تكادُ تتفطرُ من عظمةِ اللهِ، وهذا كقولِهِ لمَّا سأل موسى أن يرى ربَّه قال:{قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف: 143]. بلْ إنَّ كلامَ اللهِ عز وجل وهو كلامُهُ لو نَزَلَ على جبلٍ {لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر: 21]، ففي هذه الآيةِ: بيانُ عظمةِ اللهِ عز وجل.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: بيانُ علوِّ اللهِ عز وجل الذاتيِّ في قولِهِ: {مِنْ فَوْقِهِنَّ} .
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثباتُ الملائكةِ؛ لقولِهِ: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} ويجبُ علينا أن نؤمنَ بالملائكةِ على أنهم عالمٌ غيبيٌّ وأن لهم أجسادًا، وأن لهم أجنحةً، كما قال اللهُ تبارك وتعالى.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: كمالُ عبادةِ الملائكةِ للهِ عز وجل؛ لقولِهِ: {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} فيجمعون له بَيْنَ التنزيهِ والتمجيدِ، التنزيهِ في قولِهِ:{يُسَبِّحُونَ} ، والتمجيدِ في قولِهِ:{بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} .
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن الملائكةَ أَفْضَلُ من بني آدمَ؛ لأنَّ بني آدمَ ليست حالُهُم هذه - أي: التسبيحُ بحمدِ اللهِ - بل منهم مؤمنٌ ومنهم كافرٌ، فيكون الملائكةُ أفضلَ من بني آدَمَ، وهذا هو أحدُ الأقوالِ في هذه المسألةِ، ومن العلماءِ من يقولُ: بل صالحُ البشرِ أفضلُ؛ يعني: أن المؤمنين من البشرِ أفضلُ من المؤمنين من الملائكةِ؛ ولهذا كانت الملائكةُ مسخَّرةً لهم.
وهذا القولُ هو الذي نصَّ عليه الإمامُ أحمدُ
(1)
: أن صالحَ البشرِ أَفْضَلُ من الملائكةِ؛ لأنَّ الملائكةَ خُلِقُوا للعبادةِ، فليس عندهم صوارفُ تَصْرِفُهُم عن عبادةِ اللهِ، والبشرُ خُلِقُوا للعبادةِ لا شكَّ، لكن هناك صوارفَ تَصْرِفُهُم، وهي الشُّبُهاتُ والشَّهَواتُ.
ومن المعلومِ أن تحقيقَ الإيمانِ مع الصوارفِ أشدُّ معاناةً ومجاهدةً من تحقيقِ الإيمانِ مع عدمِ الصوارفِ؛ ولهذا كان الرجلُ المتمسكُ بدينِ اللهِ في آخرِ الزمانِ أَفْضَلَ من خمسين من الصحابةِ؛ كما قال النبيُّ - صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ -: "للعامِلِ فيهنّ أجرُ خمسين منكم"
(2)
، وإنما كان كذلك لمشقَّةِ العبادةِ على هذا الذي بَيْنَ أمةٍ فاسدةٍ، واختار شيخُ الإسلامِ
(3)
رحمه الله التفصيلَ في ذلك، فقال: الملائكةُ أفضلُ باعتبارِ البدايةِ، والبشرُ أفضلُ باعتبارِ كمالِ النهايةِ؛ لأنَّ البشرَ في النهايةِ يدخلون الجنَّةَ، والملائكةُ يدخلون عليهم من كلِّ بابٍ {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد: 24]، كأنما خُلِقُوا لتهنئتِهم وتطمينِهِم، فيكونُ في هذا تفصيلٌ.
فالملائكةُ أفضلُ باعتبارِ البدايةِ؛ لأنَّهم خُلِقُوا من نورٍ وبنو آدمَ من طينٍ؛ ولأنهم في عبادةِ اللهِ عز وجل لكنهم باعتبارِ النهايةِ الْبَشَرُ أفضَلُ.
وبعد هذا، فإن الخوضَ في ذلك ليس من الأمور المهمَّةِ؛ لأننا قد نقولُ: ما عَلِمْنَا من فضائِلِهِم وفضائلِ البشرِ نؤمنُ به، وأمَّا التفضيلُ عندَ اللهِ فهم درجاتٌ
(1)
انظر: العقيدة السفارينية (ص: 90).
(2)
أخرجه أبو داود: كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، رقم (4341)، والترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة المائدة، رقم (3058)، وابن ماجه: كتاب الفتن، باب قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} ، رقم (4014)، من حديث أبي ثعلبة رضي الله عنه.
(3)
الإختيارات العلمية [المطبوع مع الفتاوى الكبرى](5/ 379).
عندَ اللهِ {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 96]، لا ندري، باعتبارِ ما يَظْهَرُ لنا نعطي كلَّ إنسانٍ ما تَمَيَّزَ به، وباعتبارِ ما عند اللهِ اللهُ عليمٌ به، ولسنا مؤاخَذين فيما إذا تَوَقَّفْنَا في هذا الأمرِ.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: فضيلةُ الجمعِ بين التسبيحِ والتحميدِ؛ لقولِهِ: {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} ، وقد ثَبَتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قولُهُ:"كلِمتانِ حَبيبتان إلى الرحمنِ، خفيفتان على اللسانِ، ثقيلتان في الميزانِ: سبحانَ اللهِ وبحمْدِه، سبحانَ اللهِ العظيمِ"
(1)
. فما أَجْدَرَنَا أن تكونَ هاتان الكلمتان على ألسنتِنا دائمًا؛ لأنَّهما خفيفتانِ على اللسانِ لا تَعَبَ فيهما، حبيبتانِ إلى الرحمنِ ثقيلتانِ في الميزانِ، فماذا علينا لو كان الإنسانُ يُديمُ هذا القولَ: سبحانَ اللهِ وبحمْدِهِ سبحانَ اللهِ العظيمِ، وهو يشتغلُ، وهو يعملُ، وهو يمشي، وهو مضطجعٌ، وهو قاعدٌ! لحصَّلْنَا خيرًا كثيرًا، ولَوَصَلْنا بإذنِ اللهِ عز وجل إلى محبَّةِ اللهِ لنا؛ لأننا ما دُمْنا نأتي ونلازمُ ما نحبُّه فهو أكرمُ منا عز وجل.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أن الملائكةَ مربوبون ليس لهم حقٌّ من الربوبية؛ لقولِهِ: {بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} ، وعلى هذا فمن دعا جبريلَ، أو ميكائيلَ، أو إسرافيلَ، أو مالِكًا، أو غير ذلك؛ فإنه كافرٌ مشركٌ باللهِ؛ ولهذا أهلُ النارِ لم يقولوا:{يَامَالِكُ} أَخْرِجْنَا من النارِ، ولكنهم قالوا كما قال اللهُ عنهم:{وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77]، وقال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ} [غافر: 49].
وانظرْ إلى الحياءِ والخجلِ - والعياذُ باللهِ - لم يقولوا: ادْعُوا ربَّنَا بل قالوا: {ادْعُوا
(1)
أخرجه البخاري: كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح، رقم (6406)، ومسلم: كتاب الذكر والدعاء، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، رقم (2694)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ} لأنهم أَحْقَرُ في أَنْفُسِهم من أن يدْعوا اللهَ عز وجل فيقولون: يا رَبَّنَا خَفِّفْ عنا يومًا من العذابِ.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: فَضْلُ الملائكةِ على البشرِ، بمعنى: أن لهم مِنَّةً ونعمةً؛ لقولِهِ: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} ، ولا شك أن من استغفر لك فله عليك منَّةٌ وفَضْلٌ.
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: نعمةُ اللهِ علينا بأن سَخَّرَ لنا الملائكةَ يستغفرون لنا؛ لأنَّ الملائكةَ لولا أن اللهَ سَخَّرَهم لنا ما استغفَروا لنا، لكنَّ اللهَ سَخَّرَهم، ففيه فضلٌ ونعمةٌ من اللهِ سبحانه وتعالى على المؤمنين؛ حيث إن الملائكةَ يستغفرون لهم.
الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: التوكيدُ على أن الله سبحانه وتعالى غفورٌ رحيمٌ، بثلاثةِ مؤكِّداتٍ في الآيةِ {أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} .
الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: إثباتُ ثلاثةِ أسماءٍ من أسماءِ اللهِ، وهي:{اللَّهَ} {الْغَفُورُ} {الرَّحِيمُ} ، وهل أسماءُ اللهِ عز وجل مُشْتَقَّةٌ؟
الجوابُ: نعم مشتقةٌ بلا شكَّ، {اللَّهَ} من الألوهيَّةِ، {الْغَفُورُ} من المغفرةِ، {الرَّحِيمُ} من الرحمةِ.
فهو لم يُسمَّ بهذه الأسماءِ إلا وهو متصفٌ بما دلت عليه من صفاتٍ؛ ولهذا نقولُ: كلُّ اسمٍ من أسماءِ اللهِ فهو متضمِّنٌ لصفةٍ أو صفتيْن أو أكثرَ، حسَبَ ما تدلُّ عليه هذه الأسماءُ من المطابقةِ والتضمنِ والإلتزامِ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أننا إذا عَلِمْنَا أن اللهَ غفورٌ رحيمٌ فجديرٌ بنا أن نَسْأَلَهُ المغفرةَ والرحمةَ؛ لأَنَّه أهلٌ لذلك، فيكون في هذا تربيةٌ للإنسانِ وسلوكِهِ في وصولِهِ إلى اللهِ عز وجل أن يَعْلَمَ بأنه غفورٌ فَيَسْتَغْفِرُ، وأنه رحيمٌ فَيَسْتَرْحِمُ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أن فيها حثًّا للإنسانِ على ترْكِ الذنوبِ وعلى فعْلِ الطاعاتِ، وجْهُ ذلك: أن المغفرةَ تحتاجُ إلى عملٍ صالحٍ، إلى توبةٍ يغفرُ اللهُ بها الذنبَ، والرحمةُ تحتاجُ إلى طاعاتٍ يتوصَّلُ بها الإنسانُ إلى رحمةِ اللهِ عز وجل.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: بيانُ الحكمةِ في حُكْمِ اللهِ الكونيِّ القَدَرِيِّ؛ لأنَّ قولَهُ: {أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} كالتعليلِ لقولِهِ: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} كأنَّ قائلًا يقولُ: لماذا يستغفرون لمن في الأرضِ؟ قال: لأنَّ اللهَ هو الغفورُ الرحيمُ.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةَ عَشْرَةَ: أن الأسماءَ الحسنى تكونُ كاملةً بانفرادِها واجتماعِها؛ لأَنَّه لمَّا جَمَعَ بيْنَ الغفورِ والرحيمِ تَوَلَّدَ منهما صفةٌ ثالثةٌ غيرُ المغفرةِ والرحمةِ، وهي اجتماعُ هذيْن الوصفيْن - أو هذيْن الإسميْن - الدَّالَّيْنِ على الوصفِ في حقِّ اللهِ عز وجل، فبالمغفرةِ تُمْحَى الذنوبُ، وبالرحمةِ يَحْصُلُ المطلوبُ.
* * *