المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (25) * * *   * قَالَ اللهُ عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي - تفسير العثيمين: الشورى

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآيات (1 - 3)

- ‌من فوائدِ الآياتِ الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (5)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (6)

- ‌من فوائدِ الآيَةِ الكريمة:

- ‌الآية (7)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (8)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (9)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (10)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (11)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمة:

- ‌الآية (12)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (13)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (14)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمَةِ:

- ‌الآية (15)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (16)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (17)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (18)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (19)

- ‌الآية (20)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (21)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (22، 23)

- ‌الآية (24)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (26)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (27)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (30)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (31)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيات (32 - 35)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة:

- ‌الآية (36)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (37)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمة:

- ‌الآية (38)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (39)

- ‌من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (40)

- ‌من فوائِدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (41)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (42)

- ‌من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآية (43)

- ‌من فوائِدِ الآيةِ الكريمةِ:

- ‌الآيتان (44، 45)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية: (46)

- ‌من فوائدِ الآية الكريمةِ:

- ‌(الآية: 47)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (48)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان: (49، 50)

- ‌من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (51)

- ‌من فوائِدِ الآية الكريمةِ:

- ‌الآيتان (52، 53)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

الفصل: ‌ ‌الآية (25) * * *   * قَالَ اللهُ عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي

‌الآية (25)

* * *

* قَالَ اللهُ عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: 25].

* * *

قال: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ} الله عز وجل يَقْبَلُ توبةَ التائبين، بل ويجبُّ توبةَ التائبين، كما قال الله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرةِ: 222]، والتوبةُ: هي الرجوعُ من معصيةِ الله إلى طاعةِ الله، وتقعُ كليَّةً وجزئيَّةً، كليَّةً بأن يتوبَ الإنسانُ من كلِّ ذنبٍ، ومنها توبةُ الكافرِ فإنها كليَّةٌ، يمحو الله تعالى بها كلَّ ما سَلَفَ من ذَنْبِه، كما قال جَلَّ وَعَلَا:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفالِ: 38].

ويقول المسلمُ: اللهمَّ إني أستغفرُكَ من جميعِ الذنوبِ، وأتوبُ إليك، هذه كليَّةٌ.

التوبةُ الخاصَّةٌ: أن يتوبَ من ذنبٍ معيَّنٍ؛ كإنسانٍ تاب من أكْلِ الرِّبَا لكنه مصرٌّ على شربِ الخمرِ - والعياذُ بالله - فهذه توبةٌ خاصَّةٌ جزئيَّةٌ ليست شاملةً، وسيأتي إن شاء اللهُ الكلامُ عليها قريبًا.

وللتوبة شروطٌ خمسةٌ:

الأول: الإخلاصُ لله.

ص: 220

والثاني: الندمُ على ما فَعَلَ.

والثالث: الإقلاعُ عنه.

والرابع: العزمُ على ألا يعودَ.

والخامس: أن تكونَ التوبةُ قبل غلقِ الأبوابِ.

الإخلاصُ: بأن يكون الحاملُ على التوبةِ خَوْفَ اللهِ عز وجل ورجاءَ التقرُّبِ إليه بألا يَقْصِدَ بذلك دنيا ولا جاهًا ولا شيئًا من مخلوقاتِ اللهِ عز وجل، لا يريدُ إلا الوصولَ إلى رضا اللهِ عز وجل ودارِ كرامَتِهِ، والإخلاصُ شرطٌ في كلِّ عملٍ.

الثاني: الندمُ على ما مضى من الذنبِ؛ بحيث يشعرُ الإنسانُ بالحزنِ والتأثُّرِ كيف وَقَعَ منه هذا الذنبُ، والندمُ هو انفعالٌ في النفسِ يَحْصُلُ بفعلِ الإنسانِ وبغيرِ فعلِهِ، لكن كلامَنَا في الندمِ بالتوبةِ الذي يكونُ بفعلٍ، بمعنى أنه يتحَسَّرُ ويتأسفُ أن وقع منه الذنبُ، ولا يكونُ حالُه كحالِ من لم يُذْنِبْ.

الثالثُ: الإقلاعُ عن الذنبِ فإن كان معصيةً في مُحَرَّمٍ فليجتنبْه، وإن كان إفراطًا في واجبٍ فليفعلْه، وعلى هذا فمن زعم أنه تائبٌ من الغِيبةِ ولكنه لا يَدَعُ فرصةً تَحْصُلُ فيها الغِيبةُ إلا اغتاب، فلا نقولُ: إنه تائبٌ؛ لأنَّه لم يُقْلِعْ.

كذلك من جَحَدَ مالَ شخصٍ وأنكره وقال: إنه تائبٌ فلا بدَّ أن يَرُدَّ المالَ إلى صاحِبِه، وإلا فلا تُقْبَلُ توبَتُه، ومن اغتاب شخصًا؛ أي: ذَكَرَه بما يَكْرَهُ في غِيبَتِه فلا بدَّ أن يُقْلِعَ عن ذلك ويتحلَّلَ صاحبَ الغِيبةِ، يذهبُ إليه ويقولُ: سامحني، حَلِّلْني، فقد قلتُ فيك قولًا قد تُبْتُ منه، لا بدَّ من هذا، فإن قال: إن ذَهَبْتُ إليه أستحلُّه أخشى أن يظنَّ الأمرَ أكبرَ مما قلتُ، تقعُ العداوةُ.

ص: 221

فالجوابُ: وإن كان كذلك أنت أبرئْ ذِمَّتَك. وكونُهُ يترتبُ على ذلك عداوةٌ، أو ما أَشْبَهَ ذلك ليس إليك، نعم لو أن صاحبَك لم يَعْلَمْ بغِيبتِكَ إياه فهنا يكفي أن تندمَ وتُقْلِعَ عن غِيبتِه في المستقبلِ، وتذكُرُه في المجلس الذي اغْتَبْتَه فيه بما له من صفاتٍ حميدةٍ.

الرابعُ: العزمُ على ألا يعودَ، بأن يقعَ في قلبِهِ أنه لن يعودَ لهذه المعصيةِ، فإن كان تاب لكنه مترددٌ فيما لو تَيَسَّرَت له هذه المعصيةُ أيفعلُها أم لا. فالتوبةُ غير صحيحةٍ، لا بدَّ أن يعزمَ على ألا يعودَ، فإن عاد - يعني عزم ألا يعود ثم عاد بعد ذلك - هل تَبْطُلُ التوبَةُ؟

الجوابُ: لا تَبْطُلُ، التوبةُ الأولى صحيحةٌ، لكن عليه أن يجددَ التوبةَ للذنبِ الثاني، ولهذا كانت العبارةُ العزمُ على ألا يعودَ، وليست العبارةُ بشرطِ ألا يعودَ، وبينهما فَرْقٌ، إذا قلنا عزمَ على ألا يعودَ وعزمَ ألا يعودَ ثم عاد فالتوبةُ الأولى صحيحةٌ، لكن عليه أن يُجَدِّدَ التوبةَ للذنبِ الثاني، أما إذا قلنا بشرطِ ألا يعودَ فهذا يقتضي أنه لو عاد لبطلتِ التوبةُ وليس كذلك.

الشرطُ الخامسُ - وما أَعْظَمَه -: أن تكونَ التوبةُ في زمنِ الإمكانِ فإن فات الأوانُ لم تُقْبَلْ، وفواتُ الأوانِ عامٌّ وخاصٌّ: العامُّ طلوعُ الشمسِ من مَغْرِبِها، والخاصُّ حضورُ الموتِ، أما الأولُ فدليلُه قولُ اللهِ تبارك تعالى:{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعامِ: 158]. فَسَّرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعضَ الآياتِ بأنها الشمسُ تَطْلُعُ من مغرِبِها. وقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ: "لا تنقطعُ الهجرةُ حتى تنقطعَ التوبَةُ، ولا تنقطعُ التوبةُ حتى

ص: 222

تخْرُجَ الشمسُ من مَغْرِبِها"

(1)

.

أما الخاصُّ فهو حضورُ الأجَلِ، فإنه إذا حضر الموتُ لم تُقْبَلِ التوبةُ؛ لقول اللهِ تعالى:{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} [النساءِ: 18].

الشاهدُ قولُهُ: {حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} وهذا الشرطُ يستلزمُ أن تكونَ التوبةُ على الفورِ بدونِ تأخيرٍ، وجْهُ ذلك: أنه لا يَعْلَمُ متى يأتيه الموتُ، فقد يموتُ بَغْتَةً على فراشِهِ، أو على كرْسِيِّه أو وهو ساجدٌ أو راكعٌ، وحينئذٍ يتبيَّنُ أن التوبةَ واجبةٌ على الفورِ، فاستدركْ نَفْسَك أيها العبْدُ، إن كان في أمرٍ بينك وبين اللهِ، أو بينك وبين الخَلْقِ؛ لأنك لا تدري متى يأتي الموتُ.

الخلاصةُ: شروطُ قَبُولِ التوبةِ خمسةٌ: أولًا: الإخلاصُ للهِ عز وجل، ثانيًا: الندمُ على الذنبِ، ثالثًا: الإقلاعُ في الحالِ، رابعًا: العزمُ على ألا يعودَ، خامسًا: أن تكونَ التوبةُ في زمنِ الإمكانِ. نسألُ اللهَ لنا ولكم التوبَةَ.

وقولُهُ: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} قال المُفسِّر رحمه الله: [منهم] فَصَرَفَ معنى (عن) إلى معنى (من)، وهذا مبنيٌّ على ما سبق من أن حروفَ المعاني تتناوبُ؛ أي: ينوبُ بعضُها عن بعضٍ، ولكن إبقاءَ اللفظِ على ظاهِرِه أَوْلى، ويكون {يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} مضمنًا معنى يعفو عنه، فيقبلُ التوبةَ عن عبادِهِ؛ أي: يَقْبَلُها ويعفو عنهم. ونجعل (عن) على بابِها، ويكونُ قولُهُ:{وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} كالتوكيدِ لما سبق، يقبلُ التوبةَ عن عبادِهِ.

(1)

أخرجه الإمام أحمد (4/ 99)، وأبو داود: كتاب الجهاد، باب في الهجرة هل انقطعت؟ ، رقم (2479)، والنسائي في الكبرى رقم (8658)، من حديث معاوية رضي الله عنه.

ص: 223

قولِهِ: {وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} قال المُفسِّر رحمه الله: [المُتَابُ عنها].

والعفوُ مأخوذٌ من قولهِم: عفا الأثرُ إذا أَخْفَتْهُ الرياحُ، وهو التجاوزُ عن العقوبةِ بالذنوبِ، و {السَّيِّئَاتِ} جمعُ سيئةٍ، وهي كلُّ ما يسوءُ الإنسانَ فِعْلُه أو وقوعُه، والمرادُ بالسيئاتِ هنا: - يعني تفسيري لها على حَسَبِ اللفظِ - مخالفةُ الشرعِ، فكلُّ ما خالف الشرعَ فهو سيئةٌ، سواءٌ كان بتركِ واجبٍ، أو فعلِ مُحَرَّمٍ.

قولُهُ: {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} يقولُ: قال المُفَسِّر رحمه الله: [بالياءِ والتاءِ]{مَا تَفْعَلُونَ} و"ما يفعلون"، أما على قراءةِ (ما يفعلون) فهي مطابقةٌ للضمائِرِ السَّبْعِ، (ويَعلمُ ما يفعلون)؛ أي: ما يَفْعَلُه العِبَادُ.

وأما على قراءةِ التاءِ فهي من بابِ الإلتفاتِ عن الغيبةِ إلى الخطابِ. وأسلوبُ الإلتفاتِ أسلوبٌ بلاغيٌّ ويُقْصَدُ به تنبيهُ المخاطَبِ إلى ما سيلقى إليه، وذلك لأن الكلامَ إذا كان على وتيرةٍ واحدةٍ فإن الإنسانَ يَنْسَجِمُ معه وربما يغفُلُ عنه، وإذا اختلف وقَف الإنسان، لماذا صار الأمرُ كذلك؟ انتبه صار الإلتفاتُ على قراءةِ {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} التفاتًا من الغَيْبةِ إلى الخطابِ، الإلتفاتُ فنٌّ معروفٌ في البلاغةِ من فوائده تنبيهُ المخاطَبِ.

انظر إلى قولِ الله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} [المائدةِ: 12]. مقتضى السياقِ أن يقولَ: وبَعَثَ منهم، لكن قال: وبعثْنَا منهم، فانتقل من الغَيْبَةِ إلى التكلُّمِ؛ لأجلِ تنبيهِ المخاطَبِ.

قال: {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} علمه بما نعمل يشملُ العلمَ بالأشياءِ الظاهرةِ والأشياءِ الباطنةِ، قد يُذْنِبُ الإنسانُ ذَنْبًا ظاهرًا يعلمُه الناسُ ويعلمُه ربُّ الناسِ عز وجل، وقد يكونُ خفيًّا لا يعلَمُه الناسُ، ولكن يَعْلَمُه اللهُ تبارك وتعالى.

ص: 224