الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيُّ ملجأٍ من دونِ اللهِ عز وجل والملجأُ بمعنى: المعاذُ أو الملاذُ، الَّذي يلوذُ به الإنسانُ عما نَزَلَ به.
وقولُهُ: {يَوْمَئِذٍ} أيْ: يومَ إذ يأتي ذلك اليومُ {وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} قال: إنكارٍ لذنوبِكم فكأنَّه فَسَّرَ النَّكيرَ بمصدرٍ وهو الإنكارُ، فإن صحَّ ما فسَّرَه به {وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} فإنه يُشْكِلُ على هذا قولُ اللهِ تبارك وتعالى:{ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعامِ: 23]، وهذا إنكارٌ، فعلى تفسيرِ المفسِّرِ: ما لكم من إنكارٍ لذنوبِكم. يحتاجُ أن نَجْمَعَ بينه وبين هذه الآيةِ.
والجوابُ أن نقولَ: الجمعُ بينهما أنَّهم يُنْكِرون أوَّلًا {قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعامِ: 23]، ظنًّا منهم أنَّهم إذا فعلوا ذلك نَجَوْا كما نجا أهلُ التَّوحيدِ، ثمَّ تَشْهَدُ عليهم ألسنتُهُم وأيديهم وأرْجُلُهم بما كانوا يَكْسِبُون وحينئذٍ يعترفون ويُقِرُّون، فيكونُ الإنكارُ أوَّلًا، ثمَّ الإقرارُ ثانيًا، وتكونُ الآيةُ هذه {وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} أي: باعتبارِ المآلِ؛ أي: لا يُمْكِنُكُم أن تُنْكِروا.
وقيل: إنَّ نكيرًا بمعنى مُنْكِرٍ، كسميعٍ بمعنى مُسْمِعٍ، والمعنى: لا أَحَدَ يُنْكِرُ ما نَزَلَ بكم ويدفَعُه عنكم، وهذا المعنى أصحُّ وأنسبُ لسياقِ الآيةِ، {مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ} وما لكم من منكرٍ؛ يعني: لا ملجأَ تلجؤون إليه، ولا أحدَ يدافعُ عنكم ويُنْكِرُ ما نزل بكم.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: وجوبُ الإستجابةِ إلى اللهِ تعالى فورًا؛ لقولِهِ: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ} هذا اليومُ الَّذي هدَّدَ اللهُ به هل له وقتٌ مُحَدَّدٌ في عُمرِ الإنسانِ بحيث يستطيعُ أن يُؤَخِّرَ التَّوبةَ والإستعتابَ؟
الجوابُ: لا؛ لأنَّ الإنسانَ لا يدري متى يفاجِئُه الموتُ، وإذا فاجأه الموتُ انقطع كلُّ عَمَلٍ، كما ثبت عن النَّبيِّ - صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ - إذا مات الإنسانُ انقطع عملُهُ
(1)
، فلا فَرْقَ بين قيامِ الساعةِ الكبرى وبين موتِ الإنسانِ من حيث انقطاعِ العملِ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: رأفةُ اللهِ تبارك وتعالى بعبادِهِ حيث يُنْذِرُهُم بعذابِهِ قبل الوقوعِ، ولا شكَّ أنَّ هذا من رَحْمِته ورأْفَتِه بهم، وإلَّا لَتَرَكَهُم يَفْعَلون ما يشاؤون حتَّى أَنْزَلَ بهم العذابَ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّه لا مَلْجَأَ يومَ القيامةِ من اللهِ عز وجل في الدُّنْيا يُمْكِنُ أن يلوذَ الإنسانُ بذي سُلْطَةٍ يستجيرُ به، لكن في الآخرةِ لا.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّه لا أَحَدَ يُنْكِرُ ما نَزَلَ بأهلِ العذابِ من العذابِ؛ لقولِهِ: {وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} .
* * *
(1)
أخرجه مسلم: كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، رقم (1631)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.