الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (24)
* * *
* قَالَ اللهُ عز وجل: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الشورى: 24].
* * *
قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} قال المُفسِّر رحمه الله: [{أَمْ}: بل] يعني: أن {أَمْ} بمعنى (بل) ويُسَمُّونها منقطعةً؛ لأنَّ (أمْ) تكون متصلةً وتكونُ منقطعةً، إذا صارتْ بمعنى (بل) فهي منقطعةٌ؛ لأنَّها تُشْبِهُ الإضرابَ عما سبق، وإذا كانت بمعنى (أو) فهي متصلةٌ، مثلَ أن أقولَ: أتريدُ كتابًا أم ساعةً. هذه متصلةٌ؛ لأنَّها بمعنى (أو)، ولا يستغني أحدُ الطرفين فيها عن الآخَرِ، وإذا قلتَ:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى} لا تجدُ لها مقابلًا، فهي منقطعةٌ بمعنى (بل).
{يَقُولُونَ} أي الكفارُ من مشركي قريشٍ وغيرُهُم {افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} أي: اخْتَلَقَ على اللهِ كذبًا، وذلك بقولِهِ: إن القرآنَ كلامُ اللهِ، فقالوا: إن القرآنَ ليس كلامَ اللهِ، وإن محمدًا كاذبٌ، ولكنه ساحرٌ، كاهنٌ، مجنونٌ، وما أَشْبَهَ ذلك من الكلماتِ التي يَرْمُون بها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.
قال اللهُ تعالى: {فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ} {فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} مفعولٌ {يَشَإِ} محذوفٌ ويُقَدَّرُ بما يدلُّ عَلَيْهِ السياقُ؛ أي: فإن يشاءُ {اللَّهُ} أن تفتريَ عَلَيْهِ كذبًا - وهذا شئٌ محالٌ - {يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} قال
المُفسِّر رحمه الله: [يَرْبِطُ] والصوابُ: أن الختمَ هنا بمعنى الطبعِ؛ يعني: إن افتريتَ على اللهِ كذبًا طَبَعَ اللهُ على قلبِكَ، ويمحو اللهُ الباطلَ الذي افتريْتَه لو قَدَّرَ أنك افتَريْتَه. {وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} (يُحِقُّ) أي: يُثْبِتُه بكلماتِه المنزَّلةِ على نبِيِّه صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} .
فزعم المفسِّر رحمه الله أن يختمَ - يعني يَرْبِطَ - على قلبِه والربطُ ثناءٌ لا يتناسبُ مع السياقِ، ولم تأتِ (يختمُ) بمعنى (يربِطُ) بل تأتي (يختمُ) بمعنى (يَطْبَعُ)، كما قال الله تعالى:{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البقرةِ: 7]. وقال: {وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [التوبةِ: 87].
معنى الآيةِ إجمالًا: أنه لو قَدَّرَ أنك افْتَرَيْتَ على اللهِ كذبًا فلم يتركْكَ اللهُ، لا بدَّ أن يُبَيِّنَ الحقَّ فيختمَ على قلبِك، ويطبعَ عليه ثم {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ويُشْبِهُ هذا قولَ اللهِ تبارك وتعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} يعني: إذا قرأ ألقى الشيطانُ في قراءته {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجِّ: 52].
وقولُهُ: {فَإِنْ يَشَإِ} لا يلزمُ من الشرطِ الوقوعُ، يأتي الشرطُ أحيانًا في أعلى المستحيلاتِ، أرأيْتَ قولَ اللهِ تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف: 81]. ولا يُمْكِنُ أن يكونَ للهِ ولدٌ، ومع هذا جاءت الشرطيَّةُ. وقال اللهُ تعالى:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمرِ: 65]. وهذا لا يستلزمُ إشراكَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وقال اللهُ تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [يونس: 94]. ولا يُمْكِنُ أن يكونَ في شكٍّ.