الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (21)
* * *
* قَالَ اللهُ عز وجل: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى: 21].
* * *
وقوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ} قال المفسِّرُ رحمه الله: [{أَمْ} بمعنى بل] أشار بهذا إلى أن {أَمْ} هنا منقطعةٌ، و (أمِ) المنقطعةُ هي التي تأتي بمعنى (بل) وهمزةِ الإستفهامِ. أي: بل ألَهُ شركاءُ.
قال المُفسِّر رحمه الله: [{لَهُمْ} لِكُفَّارِ مَكَّةَ] والصوابُ: أنها أعمُّ من ذلك، يعني: أن جميعَ المُشركين لهم شركاءُ جعلوهم مع اللهِ عز وجل يُشَرِّعُون لهم من الدِّينِ ما لم يَأْذَنْ به اللهُ.
قال المُفسِّر رحمه الله: [{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ} هم شياطينُهُم {شَرَعُوا} أيِ الشركاءُ {لَهُمْ} للكفَّارِ] وهنا قال: [للكفارِ] وفيما سبق قال: [كفارُ مَكَّةَ] فتكونُ (ال) في كلامِهِ للعهْدِ الذِّكْرِيِّ.
قال المُفسِّر رحمه الله: [{مِنَ الدِّينِ} الفاسدُ {مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} كالشِّرْكِ وإنكارِ البَعْثِ]، وهذا الإستفهامُ هنا بمعنى الإنكارِ عليهم أن يتخذوا هؤلاء شركاءَ يُشَرِّعُون لهم من الدِّينِ ما لم يَأْذَنْ به اللهُ.
وقولُهُ: {مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} المرادُ بالإذنِ هنا الإذنُ الشرعِيُّ؛ لأنَّ الإذنَ يكونُ قَدَريًّا ويكونُ شَرْعيًّا، فما تَعَلَّقَ بالأمرِ والنهيِ شرعيٌّ، وما تَعَلَّقَ بالخَلْقِ والتكوينِ قدريٌّ، فقولُهُ تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرةِ: 255]. يَحْتَمِلُ أن يُرادَ به الإذن الشرعيّ أو القدريّ، {إِلَّا بِإِذْنِهِ} أي: بأن يَأْذَنَ قَدَرًا بأن يَشْفَعَ، أو يأذنَ شَرْعًا. وقولُهُ تعالى:{وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرةِ: 102]. يحتملُ الإذنَ القدريَّ؛ لأنَّ اللهَ تعالى لا يأذنُ شَرْعًا بأن يَضُرَّ السحرةُ أحدًا.
وهنا {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} ؛ أي: ما لم يأذن به شرعًا، أما قدرًا فقد أَذِنَ به؛ لأنَّه وَقَعَ، وكلُّ شيءٍ يقعُ فإنه مأذونٌ فيه قدرًا؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ أن يقعَ في مُلْكِ اللهِ عز وجل ما لم يَأْذَنْ به قَدَرًا، ومن ذلك؛ أي: من شَرْعِ ما لم يأذنْ به اللهُ تحليلُ ما حَرَّمَ اللهُ، أو تحريمُ ما أحلَّ اللهُ، ولهذا جَعَلَ اللهُ سبحانه وتعالى هؤلاء الذين يُحِلِّلُون ما حَرَّمَ ويُحَرِّمُون ما أَحَلَّ جَعَلَهَم أربابًا، كما في قولِهِ تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبةِ: 31]. قال عديُّ بْنُ حاتمٍ للرسولِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ: "إنا لَسْنَا نَعْبُدُهم، قال: أليس يُحِلُّون ما حَرَّمَ اللهُ فتُحِلُّونه، ويُحَرِّمُونَ ما أحلَّ اللهُ فتحرِّمُونه؟ قال: بلى، قال: فتلك عبادتُهُم"
(1)
، يعني: طاعَتَهم.
قال المُفسِّر رحمه الله: [{وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ}؛ أي: القضاءُ السابقُ بأن الجزاءَ في يومِ القيامةِ {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} وبين المؤمنين بالتعذيبِ لهم في الدنيا {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ} الكافرين {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} مُؤْلِمٌ].
(1)
أخرجه الترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة التوبة، رقم (3095).