الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (20)
* * *
* قَالَ اللهُ عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20].
* * *
قوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} لا يخفى علينا جميعًا من حيث الإعرابُ أنَّ (مَنْ) هنا شرطيَّةٌ. والدليلُ قولُهُ: {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} حيثُ جاء الجوابُ مجذومًا، وهذا فيه: أنَّ فِعْلَ الشرطِ يكونُ ماضيًا، والجوابُ يَكُونُ مضارعًا؛ لقولِهِ:{مَنْ كَانَ} الجوابُ: {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} وكذلك بالعكس قد يكونُ فعلُ الشرطِ مضارعًا والجوابُ ماضيًا. مثلَ: مَنْ يَشْكُرِ اللهَ زادَهُ اللهُ.
قال المُفسِّر رحمه الله: [{مَنْ كَانَ يُرِيدُ} بِعَمَلِه {حَرْثَ الْآخِرَةِ}؛ أي: كَسْبُها وهو الثوابُ {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ}] بالتضعيفِ فيه، الحسنةُ إلى العشرةِ أو أكثرَ. {حَرْثَ الْآخِرَةِ} أصلُ الحرثِ ما يُحْرَثُ للنماءِ والزيادةِ، ومنه حَرَثَ الفلاحُ الأرضَ من أجلِ أن يَزْرَعَها؛ فيكسِبَ ويزدادَ مالَهُ، وقولُهُ رحمه الله:[{حَرْثَ الْآخِرَةِ} يقولُ: أي كَسْبُها وهو الثوابُ {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ}] فَسَّرَ المُفسِّر رحمه الله زيادةَ الحَرْثِ بزيادةِ الثوابِ؛ الحسنةُ بعَشْر أمثالهِا إلى سبعِ مِئةِ ضِعْفٍ، إلى أضعافٍ كثيرة، ونَزيدُ أمرًا آخَرَ؛ أي: نُؤْتِه من الدنيا والآخرةِ؛ بدليلِ قولِهِ: {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} .
إذن: {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} من وجهين: الوجهُ الأوَّلُ: أن اللهَ تعالى يعطيه ثوابَ الدنيا والآخرةِ.
والثاني: أنه يُضاعِفُ الثوابَ؛ الحسنةُ بعَشْر أمثالِها؛ إلى سبعِ مِئةِ ضِعْفٍ، إلى أضعافٍ كثيرةٍ.
قال: {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا} يعني: كَسْبَها والتّنَعُّمَ فيها. هذا في الغالبِ يُعْرِضُ عن الآخرةِ؛ لأنَّه لا يُريدُ إلا الدنيا، ولهذا تَجِدُهُ مهتمًّا بأمورِ الدنيا غايةَ الإهتمامِ، حتى السيارةُ إذا أصابَتْها بقعةٌ من الطينِ بالمشيِ على الطينِ ذهب يُنَظِّفُهَا ويَمْسَحُها، لكن قَلْبَهُ مملوءٌ من البلاءِ، ولكنَّه لا يَحْرِصُ على تنظيفِهِ وتنقيتِهِ؛ لأنَّه لا يُريدُ إلا الدنيا. تجدُهُ مثلًا في قصورِهِ؛ لا يهتمُّ إلا بإصلاحِ الجُدُرِ وتنظيفِها، لكن بناءَ الدِّينِ لا يهتمُّ به، هذا يقولُ اللهُ عز وجل فيه:{وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} ، ولا نُؤْتِه كلَّ ما أراد.
وكلمةُ {نُؤْتِهِ مِنْهَا} هذه مُطْلَقةٌ، لكنها مُقيَّدةٌ بما في سورةِ الإسراءِ {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ} لا ما يَشَاءُ هو، {لِمَنْ نُرِيدُ} يعني: حتى إنَّ اللهَ عز وجل بَيَّن أنَّ المُعَجَّلَ تابعٌ لمشيئَتِهِ، وأنَّ المُعَجَّلَ له - وهو الإنسانُ - تابعٌ لإرادتِهِ، فقال:{عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} ولا تظنَّ أن الآيةَ فيها تكرارٌ، لا {مَا نَشَاءُ} هذا باعتبارِ المعجَّلِ {لِمَنْ نُرِيدُ} باعتبارِ المعَجَّلِ له. فلا كلُّ أحدٍ أراد شيئًا يُعَجَّلُ له، ولا كلُّ أحدٍ أراد شيئًا يَحْصُلُ له ما أراد؛ لأنَّ الأمرَ بيدِ اللهِ سبحانه وتعالى ولهذا يقولُ هنا:{نُؤْتِهِ مِنْهَا} .
فإذا قال قائلٌ: كلمةُ {نُؤْتِهِ مِنْهَا} جوابُ الشَّرْطِ؛ وهي تقتضي أن اللهَ سيؤتيه منها؟